في الواجهةمقالات قانونية

الإتفاق الضريبي الودي قراءة في مقتضيات المادة 221 المكررة مرتين من المدونة العامة للضرائب. بقلم : المختار السريدي

 

الإتفاق الضريبي الودي
قراءة في مقتضيات المادة 221 المكررة مرتين
من المدونة العامة للضرائب.
بقلم : المختار السريدي
باحث جبائي

لقد سبق لي أن كتبت مقالين إثنين بمجلة ” القانون والأعمال الدولية ” الإلكترونية حول مسألة التسوية الودية في الميدان الجبائي ، المقال الأول بتاريخ 15 أكتوبر 2018 ضمن عنوان ” الطعن في الأساس الضريبي أمام القضاء الإداري ” تعرضت فيه لمسألة الصلح أو التسوية الودية كآلية جديدة و بديلة في فض المنازعة الضريبية ، و المقال الثاني بتاريخ 12 نونبر 2024 تحت عنوان ” التسوية الودية أو الصلح كآلية بديلة وناجعة في فض المنازعات الضريبية ” ، وقد ألححت في المقالين معا على ضرورة وضع إطار قانوني لعملية الصلح في الميدان الجبائي وتخصيص مواد قانونية بالمدونة العامة للضرائب تحدد كيفيات وحالات القيام بإجراء هذه العملية والآثار التي تترتب عنها ، لما في ذلك من ربح للوقت وتخفيف للعبء وللضغط سواء على إدارة الضرائب والخاضعين للضريبة أو على لجان الطعون الضريبية أو على المحاكم الإدارية ، لأن أداء الضريبة رغبةً خيرٌ من أدائها رهبةً وتسويتها طواعية خيرٌ من تسويتها جبرا ، حتى أن الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب الذي اشتهر بعدله بين الناس كان يرجح كفة الصلح على كفة الإحتكام إلى القضاء بقوله ” ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث الضغائن ” .
و حتى لا تورث الضريبة أي ضغينة بين الأطراف وحفاظا على علاقة ملؤها الثقة والتفاهم والإطمئنان ما بين الخاضعين للضريبة و إدارة الضرائب ، قام المشرع الضريبي من خلال قانون مالية 2025 – ولو أن تدخله جاء متأخرا – بإحداث مادة قانونية فريدة بالمدونة العامة للضرائب تتعلق بإبرام اتفاق ودي بين الطرفين وهي المادة 221 المكررة مرتين ، وذلك خلافا لمدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة التي خصصت خمسة (5) مواد من 273 إلى 277 أباحت فيها للإدارة الجمركية إجراء مصالحة مع الأشخاص المتابَعين من أجل أفعال مخالفة للقوانين والأنظمة الجمركية سواء قبل أو بعد صدور حكم قضائي نهائي في الموضوع .
فقد جاء في المادة 221 المكررة مرتين ما يلي :
I – يمكن للخاضع للضريبة ، خلال المسطرة الجبائية أن يبرم اتفاقا وديا مع الإدارة ، ويخص هذا الإتفاق المسائل الواقعية المتعلقة بعناصر فرض الضريبة التي تم تقييمها من طرف الإدارة ولا يمكن أن يخص بأي شكل من الأشكال المسائل القانونية .
يحرر هذا الإتفاق في نظيرين وفق نموذج تعده الإدارة يتضمن على وجه الخصوص :
-مبلغ الأسس المفروضة عليها الضريبة والواجبات المستحقة والتي تم الإتفاق بشأنها .
-اسم وصفة الموقعين .
-تاريخ توقيع الإتفاق .
يجب أن يكون هذا الإتفاق النهائي والذي لا رجعة فيه مصحوبا برسالة تنازل من الخاضع للضريبة وفق نموذج تعده الإدارة عن أي طعن أمام اللجنة المحلية لتقدير الضريبة واللجنة الجهوية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة واللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة وإدارة الضرائب والمحاكم .
II – في حالة إصدار حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به ، لا يمكن أن يقل مبلغ الواجبات المتضمن في الإتفاق الودي المذكور عن المبلغ المحدد في هذا الحكم ، غير أنه عندما لا يبث الحكم في تصحيحات متعلقة في مسائل واقعية ، يجوز أن تكون هذه التصحيحات موضوع اتفاق ودي .”
فمن خلال قراءة لهذه المادة القانونية الجديدة ، يتبين بأن إبرام اتفاق ودي بين الخاضع للضريبة وإدارة الضرائب يشمل فقط المسائل الواقعية دون القانونية ، وأن يكون معززا بتنازل كتابي عن أي طعن سواء أمام اللجان الضريبية أو أمام المحاكم ، وألا تقل الواجبات الضريبية المتفق عليها عن تلك المحكوم بها نهائيا من طرف المحاكم ، وأن تكون التصحيحات موضوع اتفاق إذا تعلق الأمر بمسائل واقعية لم يبث فيها القضاء .
ومع ذلك فليست المادة 221 المكررة مرتين هي المادة الوحيدة التي أقرت بكيفية صريحة بإبرام هذا الاتفاق الودي ، بل أن المادة 212 من المدونة العامة للضرائب المتعلقة بفحص محاسبة الخاضعين للضريبة و المادة 216 الموالية لها و المتعلقة بفحص مجموع الوضعية الضريبية للأشخاص الذاتيين تقر كذلك بضرورة إجراء محاورة شفوية وتواجهية قبل اختتام عملية الفحص في شأن التصحيحات التي تعتزم إدخالها على الإقرارات و مجموع الوضعيات الضريبية عن طريق قيام الإدارة بإشعار الخاضع للضريبة بالتاريخ المحدد لإجراء هذه المحاورة الشفوية و التواجهية و بالتاريخ الذي سيختتم فيه فحص المحاسبة و أخدها بعين الإعتبار الملاحظات التي أدلى بها الخاضع خلال المحاورة إذا اعتبرت أنها تستند إلى أساس صحيح .
ويأتي هذا التدخل التشريعي الذي لم يأتي دفعة واحدة استجابة للتوصيات المنبثقة عن المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات المنعقدة بمدينة الصخيرات يومي ثالث و رابع من شهر ماي سنة 2019 ، كما يأتي تأسِّيا بالتشريع الجمركي المغربي و ببعض التشريعات المقارنة التي أفردت نصوصا خاصة وواضحة أجازت فيها إجراء مصالحة في بعض المنازعات الجبائية كالتشريع التونسي في المادة 78 من مجلة الإجراءات الجبائية و التشريع الأردني في المادة 60 من قانون الضريبة على الدخل لسنة2009 .
وكانت إدارة الضرائب قبل إقرار هذه النصوص القانونية تلجأ دائما وفي معظم تدخلاتها إلى أسلوب التسوية الودية أو التوافقية مع الخاضعين للضريبة وتحض موظفيها على ذلك ، من أجل تصفية العديد من الملفات المتراكمة في الرفوف ، خاصة تلك المتعلقة بتصحيح الأساس الضريبي ، وكان الهدف من ذلك هو الرغبة في ربح الوقت وتفادي الطعون سواء أمام اللجان الضريبية أو أمام المحاكم الإدارية – حتى أثناء جريان المسطرة – واختصار المسافة من أجل تحصيل ضريبي سهل وسريع .
كما أن الإدارة سبق لها أن أصدرت مذكرة مصلحة تحت عدد 16/2340 بتاريخ 05 أبريل2017 حثت فيها مفتشيها على اللجوء إلى مسطرة التسوية الودية خلال المرحلة القضائية باعتبارها آلية بديلة لحسم النزاع تهدف إلى التوصل إلى حل توافقي بين الإدارة والخاضع للضريبة بسبب المستحقات الضريبية موضوع منازعة قضائية لم يصدر فيها حكم أو قرار نهائي غير قابل لأي وجه من أوجه الطعن .
ورغم أن هذه المذكرة المصلحية كانت تخص فقط التسويات الودية التي يتم إبرامها ما بين الخاضعين للضريبة وإدارة الضرائب عندما يكون النزاع مطروحا أمام القضاء الإداري ، فإننا طالبنا أكثر من مرة بضرورة تعميم مضامين المذكرة أو إصدار مذكرة جديدة موازية عندما يكون النزاع معروضا على أنظار اللجان الضريبية ، وذلك حتى يصبح باب الصلح مشرعا أمام كل خاضع للضريبة سواء قبل أو بعد طعنه في الضريبة أمام الجهات الإدارية أو القضائية المختصة .
بل طالبنا بتضمين كل ذلك في شكل نصوص قانونية في المدونة العامة للضرائب ، حتى يتم العمل بها من طرف مفتشي الضرائب بكل أريحية واطمئنان ، كما هو الشأن بالنسبة لمدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة التي حسمت بشكل جلي وواضح في مسألة المصالحة مع المخالفين للقوانين والأنظمة الجمركية ، وكما هو جاري به العمل في بعض التشريعات المقارنة كالتشريع التونسي والتشريع الأردني كما سلف القول .
ويبقى إحداث المادة 221 المكررة مرتين من المدونة العامة للضرائب بموجب قانون المالية للسنة المالية 2025 ، بمثابة صحوة قانونية وحقوقية في تنظيم وضبط العلاقة ما بين إدارة الضرائب والخاضعين للضريبة الذين لا يرغبون في الغالب الأعم في الدخول في نزاعات طويلة ومعقدة تستهلك الوقت وتضر بالمصلحتين الخاصة والعامة ، مع العلم أن مقتضيات هذه المادة تستمد روحها من المقتضيات المتعلقة بعقد الصلح المنصوص عليها في المواد من 1098 إلى 1116 من قانون الإلتزامات والعقود ، لأن الصلح يبقى خير وسيلة في حسم وفض العديد من المنازعات الجبائية كيفما كانت طبيعتها ونوعيتها وقيمتها ، سواء كانت منازعات وعاء أو مراقبة أو تحصيل.
و مهما يكن فإن إتفاق ودي أو أي صلح في الميدان الجبائي لن يتحقق – بوجود مقتضيات قانونية أو بدونها – إلا ببناء جسور الثقة وتعزيز علاقة التفاهم والتجاوب والتعاون ما بين إدارة الضرائب والخاضعين للضريبة ، في إطار من الشفافية التامة والتحلي بروح المسؤولية والمواطنة الضريبية ، بهدف الوصول إلى مفهوم جديد للسلطة الضريبية يبيح للخاضعين للضريبة كل من موقعه وإمكانياته وقدراته وطاقاته و مداخيله وأرباحه المساهمة في الأعباء العامة دون تنكر أو تملص أو تنصل ، ونحن على أبواب بناء حكامة جيدة ولا تمركز فعال و جهوية متقدمة تغري المستثمر الأجنبي قبل نظيره المغربي في انتظار خروج جميع توصيات المناظرة الوطنية الأخيرة للجبايات إلى الوجود ، والتي نتمنى ألا تبقى حبرا على ورق أو صيحة في واد أو كلاما تم ترديده على مسامع النظارة .
انتهى .

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى