في الواجهةمقالات قانونية

التأطير الدستوري والقانوني للمالية العامة

 

مع ارتفاع النفقات العمومية في العالم ،كان لابد من إرساء دعائم دستورية وقانونية لتطور أنظمة الرقابة المالية ، ولأن الحكومة هي التي تقوم بالنشاط المالي فإن أساس وجود البرلمان مراقبة أعمال هذه الأخيرة لتتبع المال العام ومراقبة التدبير المالي من خلال منظومتي الرقابة والتدبير الماليين ،والمغرب بدوره حاول أن ينصهر في هذه المنظومة بخلق بنية قانونية دقيقة لتتبع المال العام “مدونة المحاكم المالية”  ومراقبة تدبيره بوضع أسس دستورية وقانونية لضبطه ومنع أي فرصة للإختلال التي قد تعترض مراحل تنفيذ الميزانية بتفعيل دور الأجهزة الرقابية وفي مقدمتها المجلس الأعلى للحسابات ،وتنويع أنواع ومعايير وزمن الرقابة .

ولعل القانون التنظيمي لقانون المالية 130/13 كرس مدخلا أساسيا للإصلاح الهيكلي في الدولة لكون الإعتمادات المالية التي يصوت عليها في الميزانية العامة هي التي تفتح الأوراش الكبرى للتنمية ،لذلك أمكن القول بوجود ارتباط عضوي بين الوثيقة الدستورية وتعديلات القانون المالي ربما أهمها الانتقال من ميزانية الوسائل إلى ميزانية النتائج والفعالية .

من هنا كانت الإشكالية المطروحة حول  الدستورالمالي وأدوار المجلس الأعلى للحسابات ،ثم مستجدات القانون 130/13 المتعلق بالقانون المالي .

الفقرة الأولى:الدستور المالي

إن حماية المال العام يعتبر رهانا أساسيا لأي إصلاح سياسي وتكريسا للحكامة المالية التي شدد الدستور على أهميتها في منظومة الحكامة الجيدة ، ومع ارتقاء الدستور بالمجلس الأعلى للحسابات كمؤسسة للرقابة على المال العام والمالية العامة أرسى الدستور الحديد 2011 أدوارا جديدة لهذا الجهاز “المحكمة المالية”

 

لقد جاء الدستور الجديد بثلاث آليات لمراقبة المال ومحاربة الإختلالات السابقة ،تشريعيا وقضائيا ومؤسساتيا .

ولعل أبرزها لجان تقصي الحقائق حسب الفصل 67 من الدستور “…..علاوة على اللجان الدائمة المشار إليها في الفقرة السابقة ،يجوز أن تشكل بمبادرة من الملك ،أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب ،أو ثلث أعضاء مجلس المستشارين ،لجان نيابية لتقصي الحقائق يناط بها جمع المعلومات بوقائع معينة ،أو بتدبير المصالح والمؤسسات والمقاولات العمومية،وإطلاع المجلس الذي شكلها على نتائج أعمالها.” ثم الآليات القضائية من خلال المحاكم المالية وفي طليعتها المجلس الأعلى للحسابات الذي أفرد له الدستور الباب العاشر ،الفصل 147 الذي نص على أن “المجلس الأعلى للحسابات هو الهيئة العليا لمراقبة المالية العمومية بالمملكة ،ويضمن الدستور استقلاله.”كما أكد نفس الفصل أن “يتولى المجلس الأعلى للحسابات ممارسة المراقبة العليا على تنفيذ قوانين المالية..” ومراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات وتدقيق الحسابات ،والتحقق من سلامة العمليات المتعلقة بمداخيل ومصاريف الأجهزة الخاضعة لمراقبته ،وفحص النفقات المتعلقة بالعملية الإنتخابية..الخ.

إضافة إلى آليات الحكامة الجيدة التي جاء الدستور في الباب الثاني عشر مستفيضا في التأكيد والحرص على ضرورتها ،بحيث جاء الفصل 156 من الدستور “…..تقدم المرافق العمومية الحساب عن تدبيرها للأموال العمومية ،طبقا للقوانين الجاري بها العمل ،وتخضع في هذا الشأن للمراقبة والتقييم.” …

لقد حرص الدستور على بعض المرتكزات الدستورية للمالية العامة والمحلية لعل أبرزها المساواة والتضامن في تحمل التكاليف العمومية ،الفصل 39″ على الجميع أن يتحمل ،كل على قدر استطاعته التكاليف العمومية ،التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها ..” إضافة إلى التوازن المالي (الفصل 77) ثم الفصل 40  ومبدأ التضامن والتناسب في تحمل التكاليف التنموية للبلاد ،وتفتح الحكومة بمرسوم الاعتمادات المالية اللازمة لتسيير المرافق العمومية على أساس ما هو مقترح في الميزانية المعروضة.

الفقرة الثانية : الأدوار الجديدة للمجلس الأعلى للحسابات

 

يعتبر هيئة عليا للرقابة على المال العام ،بحيث يمارس الرقابة على تنفيذ الميزانية العامة وميزانيات الجماعات المحلية في كل مراحلها وأجهزتها المختلفة ،في ظل الإختصاصات الموكولة إليها وفق “مدونة المحاكم المالية” ق 62/99 .

ويمارس الرقابة القضائية والإدارية لضبط التدبير المالي العمومي والمحلي ،فمنذ الدسترة المؤسساتية في التسعينيات والمجلس يكتسي أهمية بالغة لتتبع المال العام بمعية المجالس الجهوية للحسابات فيما يخص المالية المحلية ، والمال العام أصبح وبدون شك المدخل لأي إصلاح سياسي ودستوري ،”وقد اعتبرت هذه الدسترة نقلة نوعية وتاريخية لإقرار الرقابة القضائية الحقيقية على التدبير المالي العمومي رغم الإشكالية القانونية التي تطرحها الوضعية القانونية للمجلس ،هل يعتبر محمكة مالية قضائية “١

ولأن السياسات العمومية تؤدي لتنفيذ الميزانية فإن الحكامة المالية مرتبطة أساسا بتعزيز الرقابة القضائية ، لذلك فالمجلس الأعلى للحسابات  يحمل على عاتقه حماية المال العام الذي يعد في صلب التدبير العمومي.

 

كلما ارتبط التدبير المالي بمبادئ الحكامة الرشيدة كانت نتائجه على النمو الإقتصادي جيدة ،لذلك أضحت السياسة المالية تحضى بأهمية كبرى إلى جانب السياسات العمومية لما لهما من ارتباط وثيق بالتنمية الإقتصادية والإجتماعية ،لذلك جاء القانون التنظيمي للمالية 130/13 لتجاوز نقائص سابقه .

الفقرة الثالثة :أهم المستجدات التي جاء بها ق130/13  لقانون المالية

 

الأكيد أن هناك ارتباط وثيق بين الوثيقة الدستورية وتعديلات القانون التنظيمي للمالية 130/13  كمدخل أساسي للإصلاحات الهيكلية في الدولة من خلال الإعتمادات المالية التي يصوت عليها في الميزانية العامة على اعتبار أن هذه الأخيرة من تفتح أوراش التنمية الإقتصادية والإجتماعية عن طريق ميزانية الإستثمار أو التجهيز ،ولأنه “حيث يوجد المال توجد السلطة” جاء الإصلاح الجديد لقانون المالية بمجموعة من الإصلاحات الهيكلية لتحسين جودة الأداء المالي ،وتقنين صرف الميزانية بالتنصيص على التوازن والتحكم والبرمجة والإنتقال من ميزانية الوسائل إلى ميزانية الأهداف والنتائج ، ولعل أهم المستجدات تتلخص فيما يلي:

  • استبعاد تمويل نفقات التسيير عن طريق الإقتراض
  • توازن مالية الدولة
  • منع ترحيل الإعتمادات المالية
  • اعتماد محاسبة لتحليل كلفة مختلف المشاريع المدرجة في إطار البرامج
  • تغطية نفقة التسيير عبر الموارد الضريبية أو غير الضريبية شرط أن تكون موارد قارة
  • تغطية نفقات الإستثمار وأصول الدين من الإقتراض
  • عدم تجاوز حصيلة الإقتراض مجموع نفقات الإستثمار وأصول الدين برسم السنة المالية
  • المحاسبين العموميين يعتبرون مسؤولين عن ضمان الإمتثال لقواعد ومبادئ المحاسبة العمومية
  • التأكد من احترام المساطر القانونية
  • تنويع عمل الخزينة العامة للمللكة
  • إدراج البعد الجهوي في تقديم الميزانية
  • منح الآمرين بالصرف مرونة واسعة لتوظيف الإعتمادات
  • مقاربة جديدة في تدبير الميزانية العامة للدولة تنبني على تحقيق النتائج والفعالية والنجاعة
  • شمولية الإعتمادات المالية والبرمجة المتعددة السنوات
  • إعداد قانون المالية يتم استنادا إلى برمجة ميزانياتية لثلاث سنوات تحين سنويا .

 

لقد أضفى المشرع المغربي من خلال الإصلاح الدستوري طيفا واسعا من الدسترة المالية حرصا على تفعيل الغايات التنموية وضبط المال العام والميزانية العامة من كل اختلال قد يعتلي تصريفه في أحد مراحل الصرف الميزانياتي أو تدبيره إحقاقا للحكامة المالية ، كما دفع بتوسيع أدوار المجلس الأعلى للحسابات إضافة إلى الأجهزة الأخرى المساعدة سواء المجالس الجهوية للحسابات في المالية المحلية أو لجان تقصي الحقائق ،أو لجان التفتيش بوزارة المالية ، كما جاء المشرع المغربي بمستجدات التدبير الميزانياتي للمالية العامة بضخ ترسانة من النصوص بإصلاح أعطاب قانون المالية السابق من خلال القانون رقم 130/13 الذي اعتبره كثير من الباحثين نقلة نوعية ورافعة لدمقرطة المال العام والمالية العامة في انتظار تفعيل مقتضياته على أرض الواقع بممارسة كل الجهات التي تتحمل مسؤولياتها لدورها في سلامة التدبير المالي العمومي وكذا مراقبته من أي اختلال ،وكما هو معروف “كل سلطة من غير رقابة تؤدي إلى حماقة”

المراجع:

-دستور المملكة

– القانون 130/13  للمالية

– مدونة المحاكم ق:62/99

١) مقال للدكتور عبد اللطيف بروحو منشور بهسبريس

 

يونس السكتاوي       

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى