التعويض عن الخطأ القضائي
Compensation for judicial error
الباحثة مريم الحيداوي
باحثة في صف الدكتوراه تخصص القانون الخاص بجامعة القاضي عياض مراكش
لتحميل الإصدار كاملا
ملخص:
إن السلطة القضائية وحتى وقت قريب كانت لا تخضع لقواعد المسؤولية إلا استثناء في الحالات التي ينص فيها المشرع على ذلك، حيث كانت السلطة العامة غير مسؤولة عن نشاط المرفق القضائي، ذلك لرسوخ فكرة جوهرية مفادها “القاض لا يمكن أن يخطئ” باعتبار القاضي يجسد الحقيقة والعدالة، ومبدأ العصمة هذا كان يرى على جميع الأعمال القضائية.
ومنه، فالوظيفة القضائية من أهم الركائز التي تستند إليها الدولة لتحقيق الأمنين القانوني والقضائي، حماية لمصالح الأفراد والسلم الاجتماعي، لذلك كان للقضاء مكانة أساسية فهو حامي الحقوق والحريات وتقع على عاتقه مسؤولية سامية، تتمثل في الفصل في المنازعات وإرساء دعائم العمل بين الناس، لذا حصن المشرع رجال القضاء بمجموعة من الضمانات التي تكفل لهم أكبر قدر من الاست غلال، والاطمئنان بها يضمن عدم التسرع والوقوع في “الخطأ” وتنظيم طرق الطعن.
Abstract
Until recently, the judiciary was subject to the rules of responsibility only as an exception in cases where the legislator so provides, where the public authority was not responsible for the activity of the judicial facility, because the fundamental idea that “the judge cannot make mistakes” was established as the judge embodies truth and justice, and this principle of infallibility was seen in all judicial acts.
Therefore, the judicial function is one of the most important pillars on which the state relies to achieve legal and judicial security, to protect the interests of individuals and social peace, so the judiciary had a key position, as it is the protector of rights and freedoms and has a lofty responsibility, represented in settling disputes and laying the foundations of work between people, so the legislator fortified the magistrates with a set of guarantees that guarantee them the greatest degree of exploitation, and reassurance in them ensures not to rush and fall into “error” and organize methods of appeal.
مقدمة:
إن القاعدة التقليدية قديما هي عدم مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء، وقيل تبريرا لذلك بالفكرة السائدة عن سيادة الدولة وحجية الأمر المقضي والرغبة في حماية حرية القاضي وعدم عرقلة سير العدالة.
وقد سادت تلك القاعدة في كل من فرنسا والمغرب، وكانت الدولة غير مسؤولة عن الأضرار الناتجة عن أعمال السلطة القضائية إلا في الحالات الاستثنائية التي ينص فيها المشرع صراحة على ذلك، وذلك استنادا على مجموعة من الأسس، أهمها مبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، فأعمال السلطة القضائية التي تعتبر أعمالا قضائية لها طرق محددة للطعن فيها بموجب التشريع كالاستئناف والتعرض وهي تختلف عن الأعمال الإدارية التي تمد إليها رقابة القاضي الإداري.[1]
كما تستند قاعدة عدم مسؤولية الدولة عن الأعمال القضائية على مبدأ حجية الأحكام وقوة الشيء المقضي به، فالأحكام القضائية توجب حجية الأحكام وقوة الشيء المقضي به، كما تظل عنوانا للحقيقة لا يعتريها الشك، وإقرار لمبدأ المسؤولية جاءت مجموعة من المقتضيات القانونية المتعلقة بمسؤولية الدولة لعنصر أساس ومركز تصريف للسلطات الثلاث، فقد جاء دستور 2011 في الفصلين 122 و123 بمقتضيات مرتبطة بالأعمال القضائية وبالتالي لم تعد مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء على سبيل المثال مجرد استثناء من قاعدة عدم المسؤولية، فالمشرع الدستوري قد قرر قاعدة جديدة مقتضاها أن تسأل الدولة عن أعمال القضاء خصوصا المجال المرتبط بالخطأ القضائي دون التماس إعادة النظر أو دعوى المخاصمة، كما يسأل القاضي عن خطئه الذي يصل إلى درجة الخطأ الشخصي.[2]
كما يزداد مشكل تحديد الجهة المختصة تعميدا بالنظر لخصومة مرفق القضاء وهي الخصوصية المستمدة من طبيعة نشاطه الذي يمتزج فيه العمل القضائي مع العمل الإداري، فضلا عن العمل القضائي الذي يحاط بضمانات قانونية وإجرائية تكفل في حال حصول أي خطأ أو تجاوز تداركه من خلال طرق الطعن.
كما أن بعض مبررات عدم المساءلة لازال قائما كحجية الأحكام وقوة الشيء المقضي به التي تجعل من الحكم القضائي عنوان الحقيقة بالنسبة للقضية التي تم الفصل فيها، ويمكن القول بأن توسيع نطاق الاستئناف التي كانت مقررة بشأن مبدأ عام المسؤولية بالنسبة للدولة عن الخطأ القضائي، وإقرار مبدأ التعويض دستوريا أدى في النهاية إلى قلب المبدأ رأسا على عقب، فأصبح الاستثناء أصلا.
وإذا كان الأصل هو المسؤولية عن الخطأ القضائي، فإنه نلاحظ تزايد القضايا التي تروم إلى مقاضاة الدولة للحصول على التعويض عما يراه كل محكوم عليه، بأن الخطأ القضائي وهو ما قد يكون مطيه للبعض، قد يستهلها لإعادة مراجعة الأحكام وطرح النزاع من نزاع جديد أمام القضاء ولو بصفة أخرى في قالب دعوى المسؤولية.
وعلى هذا الأساس أصبح القضاء المغربي في ظل إقرار هذا المبدأ دستوريا مدعو إلى تحديد نوعيا بالفصل فيها.
أولا: دوافع البحث
إذا كان القضاء هو ملجأ المظلوم طالبا إنصافه واقتضاء حقه ممن سلبه منه، فإلى أين يلجأ من أهدر القضاء حقوقه وحرياته؟ بسبب الأخطاء القضائية المنشئة للأضرار، فإذا كان لا مفر من اللجوء إلى القضاء للتظلم من هذا القضاء ذاته، فمهمة هذا الأخير في هذه الحالة تبدو صعبة لأنه سيكون الخصم والحكم في نفس الوقت.
ثانيا: أهمية الموضوع
1/ الأهمية النظرية
تتمثل الأهمية النظرية لهذا الموضوع في قلة الاجتهاد القضائي في مجال التعويض عن الأضرار التي تنسبها الأعمال القضائية، فالنصوص الحالية التي تنظم الخطأ القضائي بشكل دقيق من حيث شروطه وآثاره تنحصر في حالة مخاصمة القضاء للسلطة في قانون المسطرة المدنية وحالة مراجعة الأحكام في المادة الجنائية المنظمة في قانون المسطرة الجنائية، أما الفصل 122 من الدستور فيحتاج إلى إيثار قانوني تطبيقي له قوانين مختلفة، إضافة إلى انعدام المراجع التي تطرقت إليه بشيء من التخصيص.
2/ الأهمية التطبيقية والعملية
تتجلى الأهمية العملية والتطبيقية لهذا الموضوع في الارتباط الوثيق لهذا الأخير بأحد سلطات ومسؤوليات الدولة وهي القضاء الذي تسعى من خلاله إلى تحقيق العدالة التي هي أساس الحكم وإنصاف المظلومين ورفع الظلم عنهم دون الوقوع في الخطأ الذي يعصف بأحد المتقاضين، فالسلطة القضائية هي من أقدم السلطات فوظيفتها هي إحقاق الحق حتى لا تلبس الأمور ويختلط الحق بالباطل في إقامته العدل بين الناس، فغاية الدولة هي حماية حقوق الأفراد من أي اعتداء سواء كان من جهة الأفراد أو الجماعات أو من أجهزة نفسها بما فيها جهاز العدالة.
ثالثا: الإشكالية
إن الإشكال التي يثيره هذا الموضوع يتجلى في: ما مدى توفق المشرع المغربي في سن المقتضيات القانونية المرتبطة بالجهة القضائية المختصة بالبث في قضايا المسؤولية عن الخطأ القضائي؟
ويترتب عن هذا الإشكال العديد من الأسئلة الفرعية، والتي يمكن إدراجها على الشكل التالي:
- ماهي شروط تحقق الخطأ القضائي الموجب للتعويض؟
- ما هو نطاق اختصاص القضاء في دعوى التعويض عن الخطأ القضائي؟
من أجل الجواب عن الإشكال المثار أعلاه، لابد من التطرق إلى مجموعة من النقاط القانونية الأساسية وفق التصميم التالي:
الفرع الأول: أساس الحكم بالتعويض عن الخطأ القضائي
الفرع الثاني: اختصاص القضاء الإداري في الحكم بالتعويض عن الخطأ القضائي
الفرع الأول: أساس الحكم بالتعويض عن الخطأ القضائي
يعتمد القاضي الإداري عند تحديد أساس الحكم بتعويض الخطأ المنسوب إلى مرفق القضاء وما إذا كان هذا الخطأ قابلا للتعويض أو أنه لا يعدو أن يكون صادرا في إطار النشاط العادي الذي يمارسه المرفق وطبقا للقوانين الجاري بها العمل كما يقف القاضي على الضرر المدعى به من طرف طالب التعويض ومدى تحققه وحجمه وطبيعته حتى يستطيع تقدير التعويض المناسب له.
ولقيام مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي لا يكفي فقط حدوث خطأ من طرف الإدارة سواء كان واجب الإثبات أو مفترض بل لابد من أن يثبت طالب التعويض الضرر الذي لحق به وإلا انتفت مصلحة المدعي في ممارسة دعوى المسؤولية.[3]
ولا يوجد اختلاف جوهري بصدد أحكام الضرر بين القانونين المدني والإداري[4]، والمضرور هو الذي يتحمل عبئ إثبات الضرر، وللمحاكم الإدارية السلطة التقديرية في التثبت من وقوع الضرر ولا يدخل ذلك تحت رقابة محكمة النقض.[5]
والضرر قد يكون ماديا فيصيب الانسان من الناحية المالية وقد يكون أدبيا أو معنويا فيصيب الانسان في نواح معنوية تتعلق بشرفه أو سمعته أو كرامته أو شعوره أو عواطفه[6] والضررين معا ينشآن الحق في التعويض عن الخطأ القضائي.
الفقرة الأولى: أن يكون الضرر مباشرا محققا
لا يعوض القضاء الإداري عن أي ضرر منسوب إلى جهاز العدالة إلا إذا توفرت فيه شروط معينة، حيث يشترط في الضرر الموجب للتعويض أن يكون مباشرا (أولا)، وأن يكون محققا (ثانيا)، وأن يكون كذلك يمس بمركز يحميه القانون (ثالثا).
أولا: يجب أن يكون الضرر مباشرا
حتى يمكن التعويض عن الضرر فإنه يجب أن يكون مباشرا، ويقصد بذلك أن يكون نتيجة مباشرة للخطأ أو لنشاط المنسوب للدولة، أي أن يكون العمل المنسوب لدولة هو المصدر أو السبب المباشر للضرر، ويعبر هذا الشرط عن رابطة السبب والتي تعد ركنا أساسيا لا تقوم المسؤولية أيا كان نوعها بدونه.[7]
فحتى يكون الضرر مباشرا وتتوفر بذلك العلاقة السببية لابد أن تكون هناك رابطة أو علاقة مباشرة بين الضرر المطالب بالتعويض عنه والخطأ القضائي، بحيث يكون الضرر نتيجة مباشرة لهذا الخطأ.
وفي هذا الصدد جاء قرار صادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط نص على ما يلي: (إن مسؤولية الدولة قائمة بحصول الضرر اللاحق بالمستأنف عليه المتمثل في قضاته لمدة تفوق 8 سنوات في السجن رغم أنه برئ من التهمة التي أدين من أجلها، بحيث أنه حرم من أغلى ما يملكه الإنسان وهي حريته التي فقدها طيلة هذه المدة… وهي أضرار ناتجة عن الخطأ القضائي الذي كان ضحيته، وهو ما يبرر وجود العلاقة السببية ما بين الضرر والخطأ الذي تتحمله الدولة المغربية).[8]
ومن خلال قراءة مقتضيات الفصل 264 [9] من ق ل ع، يتضح أن التعويض لا يكون إلا عن الأضرار المباشرة، وهي ما كانت نتيجة طبيعية للخطأ، ذلك أن الضرر المباشر هو الذي يحتفظ برابطة السببية بينه وبين الفعل الضار، أما إذا لم يكن الضرر نتيجة طبيعية ومباشرة للفعل المنسوب لدولة، فإنه يعد ضررا غير مباشر لا تسأل عنه الدولة لانتفاء رابطة السببية بينه وبين الفعل المنسوب إليها.[10]
ثانيا: أن يكون الضرر محققا
يجب أن يكون الضرر محقق الوقوع حتى يمكن التعويض عنه ويستوي أن يكون قد وقع فعلا أم سيقع مستقبلا ولكنه محتم الوقوع.[11]
فإذا لم يكن الضرر محققا حالا أو مستقبلا بأن كان ضررا احتماليا قد يقع وقد لا يقع فلا يعوض عنه إلا إذا وقع فعلا بمعنى أنه يجب الانتظار حتى يتحقق فعلا لإمكان المطالبة بالتعويض،[12] فالتعويض يكون بمقدار الضرر الحاصل فعلا على أساس الواقع الثابت لا على أساس افتراض أمور محتملة قد لا تحصل لسبب أو لآخر.
فاعتقال الشخص بكيفية تعسفية أو خاطئة يعتبر مسا بمبدأ قرينة البراءة وبحقه في الحرية وبإنسانيته، وما يسببه له ذلك من أثر نفسي ومعاناة وألم من جراء الإجراءات الباطلة وتحمله مصاريف مادية للدفاع عن نفسه كلها تشكل ضررا محققا تتحمل الدولة مسؤولية تعويضه.
غير أنه إذا كاتن لا يجوز التعويض عن الأضرار الاحتمالية، فإن القضاء يقبل التعويض عن تفويت الفرصة طالما تعلق الأمر بفرصة جدية، إذ يعتبر ذلك ضررا محققا يمكن التعويض عنه، وتأخر المحاكم في إصدار الاحكام يعد تفويتا لفرصة المحاكمة العادلة المعتبرة حقا من الحقوق الدستورية.
وهذا ما أكدت عليه المحكمة الإدارية بالرباط في حكم لها بتاريخ 25/07/2013 حيث جاء فيه ما يلي: (وحيث أن عدم تنفيذ النيابة العامة لمقرر المحكمة الزجرية بإحضار المتابعين لجلسات المحكمة… ألحق ضررا مباشرا ماديا ومعنويا للمدعي تمثل في تفويت فرصة المحاكمة العادلة عليه… وما سببه ذلك من أثر نفسي ومعاناة وألم من جراء هذه الإجراءات الباطلة، وتحملات مادية عن مصاريف الدفاع…).[13]
الفقرة الثانية: أن يكون الضرر مخلا بمركز يحميه القانون وخاصا
لدراسة هذه الفقرة لا بد من التطرق إلى مجموعة من النقاط القانونية الأساسية كالتالي:
أولا: يجب أن يكون الضرر قد أخل بمركز يحميه القانون
لا يكفي للتعويض عن الضرر أن يكون مباشرا بمعنى أن يكون نتيجة مباشرة للخطأ أو النشاط المنسوب للدولة، وأن يكون محققا بأن يكون قد وقع فعلا أو سيقع حتما في المستقبل، وإنما يجب إضافة إلى ذلك أن يكون قد انصب على مركز يحميه القانون.
ويقصد بذلك أن يكون قد أصاب حق أو مصلحة مشروعة للمضرور كالمس بحق الشخص في حريته أو انسانيته، أما إذا كان الضرر لم يخل بمركز يحميه القانون فلا يجوز التعويض عنه، كالشخص المعتقل من أجل جريمة ارتكبها فمثل هذه الحالة وإن نجم عنها ضرر فلا يمكن التعويض عنه لأن إضرار المعتقل لجريمة ما يكون مطلوبا لإصلاحه وتقويم سلوكه وردعه.
ثانيا: أن يكون الضرر خاصا
يرى البعض ونظرا للخصوصية التي تطبع أعمال مرفق القضاء، فإن المسؤولية عن الأخطاء المرتكبة بمناسبة تحقيقه للعدالة تكون من الصعوبة بمكان تقريرها في جميع الحالات التي تحدث أضرارا للغير.
وقد يرى بعض الفقه أنه لانعقاد مسؤولية الدولة عن أعمال مرفق القضاء وحق التعويض عن الاعتقال التعسفي أن يكون الخطأ جسيما والضرر استثنائيا وذلك للتفرقة بين الخطأ الموجب للمسؤولية في المرافق العامة الأخرى غير المرفق القضائي.[14]
الفرع الثاني: اختصاص القضاء الإداري في الحكم بالتعويض عن الخطأ القضائي
نتولى فيما يلي عرض أبرز حالات مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي، بمفهومه الواسع والشامل لكافة صور نشاط مرفق القضاء، سواء ما تعلق منه بالجانب الإداري أو بالعمل القضائي المختص المرتبط بإصداره الأحكام الفاصلة في الخصومات مع التركيز على تحديد الجهة المختصة نوعيا للبث بحسب حالات المسؤولية، مستنورين ما أمكن الأمر باجتهاد القضاء المغربي بهذا الخصوص.
وعليه فلدراسة هذا الفرع لابد من التطرق إلى نطاق اختصاص القضاء الإداري من خلال بعض صور الخطأ القضائي (الفقرة الأولى)، ثم تنازع الاختصاص القضائي في تحديد محكمة البث في قضايا المسؤولية عن الخطأ القضائي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: نطاق اختصاص القضاء الإداري من خلال بعض صور الخطأ القضائي
من خلال هذه الفقرة سنتطرق إلى مجموعة من النقاط القانونية الأساسية على الشكل التالي:
أولا: مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي إثر صدور حكم لاحق بالبراءة بعد حكم جنائي بالإدانة
يعد التعويض عن الخطأ القضائي إثر صدوره حكم لاحق ببراءة بعد حكم خيالي بالإدانة استثناء من القاعدة السابقة التي كانت تعد مبدأ عام مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء.
إذ لا يحق للمتضرر من قرار قضائي بإدانته وتثبت براءته فيما بعد، المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي يحق جراء الخطأ القضائي الذي كان ضحيته.
وقد أورد تقرير هذا الحق من طرف المشرع المغربي ضمن نصوص قانون المسطرة الجنائية انسجاما مع ما أثره العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية[15] والالتزامات الدولية للمغرب بكفالة حق التعويض للمتضرر من الخطأ القضائي، ومواكبة منه لما تبنته تشريعات أجنبية كفرنسا بعد تكرار حالات الخطأ القضائي المعروضة أمام محاكمها بإدانة أشخاص، من خلال الحكم عليهم بعقوبة الإعدام لتثبت براءتهم فيما بعد بظهور الجاني الحقيقي، وهذا ما نصت عليه المادة 573 من قانون المسطرة الجنائية.[16]
ويشكل هذا النوع من الأخطاء الصورة المثلى والواضحة للخطأ القضائي المطلوب التعويض عنه، إذ تقوم في هذه الحالة مسؤولية الدولة أي كان مرتكب الخطأ والمرحلة التي تم من خلالها ارتكابه.
إذن من المعلوم أن العملية القضائية مرتكبة به من مرحلة البحث التمهيدي أو التحقيق الإعدادي إلى غاية إصدار الحكم وبالتالي لا يكون الخطأ ناتجا بالضرورة عن إخلال القاضي بواجباته المهنية بل قد يكون نتيجة للاعتماد على حجية محاضر أو شهادة شهود تبث فيها عدم صحتها أو زورية ما جاء فيها.
ويمكن القول، أن أساس هذه المسؤولية هو نص القانون من خلال قانون المسطرة الجنائية، غير أن هذا البث في التعويض عن الضرر الناجم عنه أثر صدور حكم المراجعة تنازعه اتجاهات.
وهكذا فالقضاء المغربي اختلف في تحديد الجهة المختصة في طلب التعويض، فالأول ذهب إلى منح الاختصاص إلى محكمة النقض طبقا للمادة 573 [17]من قانون المسطرة الجنائية، في حين ذهب الاتجاه الثاني إلى القول بأن الاختصاص في البث في طلبات التعويض هو اختصاص مشترك بين القضاء الجنائي أي (الغرفة الجنائية)، والقضاء الإداري باعتباره صاحب الاختصاص الأصلي للبث في طلبات التعويض عن الخطأ القضائي المقام ضد الدولة.
ثانيا: المسؤولية عن أعمال النيابة العامة والجهة المختصة بالبث فيها
لقد كان هذا الاتجاه القضائي يتصدى بالإلغاء للأحكام التي كانت تسري في اتجاه إقرار المسؤولية الإدارية والقول باختصاص القضاء الإداري للنظر فيها إذا أقرت بعض المحاكم الإدارية اختصاصات بالنظر في دعاوي التعويض عن القرارات الإدارية المرفوعة في إطار المادة 8 من القانون رقم 41/90 المحدث للمحاكم الإدارية.
وفي هذا الصدد نجد حكم[18] صادر عن المحكمة الإدارية بأكادير بمناسبة نظرها في دعاوي التعويض عن القرارات القضائية في الطلب الرامي إلى التعويض عن الأضرار الناتجة عن حجز ثلاث حافلات وإيداعها بالمحجز البلدي دون وجه حق قضت المحكمة اختصاصها استنادا إلى كون الفصل 391 [19]من قانون المسطرة المدنية يتعلق بمخاصمة القضاة وأن هذا يختلف عن دعوى التعويض عن الأضرار التي سببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام معتبرة أن القرارات القضائية تعتبر من أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام.
غير أن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض حاليا ألغت هذا القرار، وقضت بعدم الاختصاص النوعي للمحكمة باعتبار أن قرار النيابة العامة صدر في إطار العمل القضائي المخول لها، أما بخصوص الأعمال المرتبطة بالتدبير الإداري لمرفق النيابة العامة بعيدا عن مسؤولية أخطاء النيابة العامة، تخضع لدعوى المسؤولية الإدارية وفقا لما ذهبت إليه الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أي محكمة النقض، حيث اعتبرت أن الإدارة مسؤولة عن ضياع شيك أودع بمصالح النيابة العامة وأن المسؤولية تقوم على أساس الخطأ المصلحي وأن الأمر لا يتعلق بخطأ قضائي.
بينما لا تخضع لنطاق المسؤولية عن العمل القضائي أوامر قضائية التحقيق الصادر وفقا للاختصاصات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية بحلة خضوعها لرقابة الغرفة الجنحية التي لها اختصاص البث في الطعون المقدمة ضد هذه الأوامر، وفي نفس الاتجاه تقرر المسؤولية واختصاص البث فيما ذهب حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط، قضى بمسؤولية الدولة عن الخطأ المنسوب للنيابة العامة، الحكم الذي أثار الكثير من الجدل القانوني حول الأساس القانوني لمسؤولية النيابة العامة عن الأعمال القضائية الصرفة في ظل الاتجاه القضائي السائد.[20]
ثالثا: المسؤولية عن الاعتقال الاحتياطي والجهة المختصة بالبث فيه
أقرت بعض التشريعات أحقية المتضرر من اعتقال احتياطي تبث براءته من التهمة المنسوبة له، في الحصول على التعويض من مدة اعتقاله على الضرر المعنوي اللاحق به.
وقد أقرت المحكمة الإدارية بالرباط في حكم لها اختصاصات في نظر دعوى المسؤولية عن الخطأ القضائي المتمثل في الاعتقال الاحتياطي، غير أنها أوجبت تعميم المسؤولية إثبات ركن الخطأ.[21]
رابعا: مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي أو عن خطأ القاضي
يعتبر خطأ القاضي أكثر صورة من صور الأخطاء القضائية إثارة للجدل بالنظر لخصوصية المهمة المنوطة به، ألا وهي تطبيق القانون وفق تفسير القاضي لنصوص القانون المطبق، بحيث اعتبر دستور 2011 في الفصل 109[22] منه أن كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد يعد خطأ مهني جسيم بصرف النظر عن المتابعة القضائية المحتملة.
وهو توجه يحتم على المشرع المغربي استلهام روح الدستور وتنزيل هذه المقتضيات بالشكل الصريح الذي يحقق خضوع للمساءلة والمحاسبة دون أي استثناء.
وكما هو معلوم، فقد نظم المشرع المغربي مسؤولية القاضي المدنية عن الاخلال بمقتضيات منصبه في الفصل 81[23] من قانون الالتزامات والعقود.
وبذلك يكون المشرع المغربي قد أقر مبدأ المسؤولية المدنية الشخصية للقاضي عن الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها أثناء قيامه بأداء مهمته، غير أنه قصرها على الحالات التي يكون فيها مخل المخاصم وهي الحالات التي نص عليها الفصل 891 [24] من قانون المسطرة المدنية.
وتخضع مسؤولية القاضي عند ثبوت حالات المخاصمة لقواعد استثنائية فقد منح المشرع المغربي اختصاص البث في دعوى المخاصمة للمجلس الأعلى سابقا أي محكمة النقض حاليا، وقد أكدت المحكمة الإدارية بالرباط هذا الاتجاه في حكم صادر عنها، حيث قضت بعد اختصاصها النوعي في الطلب الرامي إلى التصريح بأحقية المدعي في التعويض عن الضرر الحاصل له من جراء سوء تطبيق السيد رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط للقانون، وذلك لعدم تصديه لجميع الطلبات الكيدية التعسفية المقدمة من طرف الخصم موضوع الملف التنفيذي وامتناعه بصفته قاضيا للمستعجلات عن تطبيق مقتضيات الفصل 151 من قانون المسطرة المدنية معتبرة أن هذه الحالة تدخل ضمن الحالات المنصوص عليها في الفصل 391 من قانون المسطرة المدنية.[25]
الفقرة الثانية: تنازع الاختصاص القضائي في تحديد محكمة البث في قضايا المسؤولية عن الخطأ القضائي
إن أول دفع يثار بصدد عرض قضايا التعويض عن الخطأ على القضاء الإداري هو الدفع بعذر الاختصاص النوعي،[26] الاستبداد إلى نفس المبررات التي كانت تثار في العهد السابق على تطبيق أحكام الدستور الجديد والتي تستند إلى كون العمل القضائي موكول لها أم لا يخضع للمساءلة، وأن مسؤولية القضاة منظمة في إطار مسطرة المخاصمة مع وجود جهة قضائية موكول لها الأمر، وأن الخطأ المرتكب في إطار مرفق القضاء ليس خطأ مرفقي تسأل عنه الدولة.
ويمكن القول، أن القضاء الإداري بعد صدور الدستور الجديد أصبح لا يتردد في قبول النظر في دعاوي المسؤولية عن الخطأ القضائي بعد إعمال المقتضيات القانونية المحددة لتوزيع الاختصاص.
فإذا كان المشرع قد حدد جهة قضائية ليست في الدعوى صرح القضاء الإداري بعدم اختصاصه النوعي للبث في الطلب وإلا تصدى حلين في المسؤولية انطلاقا من قواعد المسؤولية الإدارية المقررة بموجب الفصل 73 [27]من قانون الالتزامات والعقود.
وفي هذا الصدد نجد حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط، حيث جاء فيه ما يلي: (… وحيث إن تحدي الجهة القضائية المختصة تقتضي تكييف طبيعة الخطأ المرتكب ونوعية المرفق موضوع المساءلة والجهة المسؤولة عنه، وما إن كان يشكل خطأ شخصي يسأل عنه القاضي مدنيا في إطار قواعد المسؤولية الإدارية، وحيث إنه مادام المشرع لم يحدد جهة قضائية معينة للبث في طلبات التعويض عن الخطأ القضائي المؤسس على الفصل 122 من دستور 2011، فإن المحكمة الإدارية تبقى صاحبة الولاية العامة استنادا إلى مقتضيات المادة 8[28] من القانون المحدث للمحاكم الإدارية للبث في طلب التعويض عن الخطأ المرتبط بسير مرفق عمومي والتحقق من قيام شروط مسؤولية عنه طبقا لقواعد المسؤولية الإدارية المقررة بموجب الفصل 79[29] من قانون الالتزامات والعقود تأكيدا لخضوع مرفق القضاء لمبدأ المساءلة المقررة دستوريا.[30]
خاتمة:
إن تقرير مسؤولية الدول عن الخطأ القضائي يدعم مكانة القضاة ومركز جهاز العدالة، وذلك من خلال توفير جميع المسائل المادية والبشرية القادرة على التقليل من أخطائه والتي تجعل مسؤولية الدولة عن أعمالها القضائية هي الحافز المؤثر لإقرار سيادة القانون.
فإذا كان تقرير المسؤولية عن الخطأ القضائي قد أصبح مسلما به في الوقت الحاضر وأن عدم المسؤولية فقد ولى إلى غير رجعة، فإن هذه المسؤولية يظل مداها محدود وفقا لاعتبارات حجية الأحكام التي تتميز بها القرارات القضائية.
ويعتبر الخطأ القضائي من أصعب صور الخطأ لما له من مساس بحرية الأفراد ومساواتهم، فقد يدان الشخص بجريمة لم يقترفها ونظرا لعدم وجود أدلة كافية لتدليل على براءته أو أي سبب آخر، فإنه يؤدي به إلى أن يقضي عمره مقيد الحرية وقد يحسب مؤقتا.
وهو ما جعل بعض التشريعات تقر بحق المتضرر من الخطأ القضائي في التعويض عما لحقه من ضرر وعلى راسها المشرع الفرنسي وأيضا الجزائري الذي يعد سباقا عربيا لتقرير هذه المسؤولية من خلال دستور 1996.
أما المشرع المغربي فقد تأخر نوعا ما من الاعتراف بهذه المسؤولية إلى غاية دستور 2011، والفصل 122 من الدستور الذي يعد خطوة جريئة تزيد من ثقة المواطن المغربي في قضائه.
لائحة المراجع:
الكتب
- مأمون الكوبري: نظرية الالتزامات في ضوء الالتزامات والعقود المغربي، دون ذكر الطبعة والسنة.
- فتحي فكري : مسؤولية الدولة عن أعمالها الغير التعاقدية، دار النهضة العربية، القاهرة 1995.
- محمد عبد الواحد الجميلي : قضاء التعويض مسؤولية الدولة عن أعمالها الغير التعاقدية، دار النهضة العربية، القاهرة 1995.
- سعاد الشرقاوي: المسؤولية الإدارية، دار المعرفة مصر، الطبعة الثانية، سنة 1972.
- محمد الأعرج: التعويض عن الاعتقال الاحتياطي التعسفي، دون ذكر الطبعة والسنة
الأحكام والقرارات القضائية
- حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالربط، عدد 170/12/2012، غير منشور.
- حكم صادر عن المحكمة الإدارية بأكادير بتاريخ 16/10/1997، ملف عدد 17/97، غير منشور.
- حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 25/07/2003، غير منشور.
- حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط عدد 188 بتاريخ 23/11/2013، ملف عدد 50/12/2012.
- حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط، منشور بالدليل العلمي للاجتهاد القضائي في المادة الإدارية، سلسلة دلائل التسيير، عدد 16 الجزء الأول 2004.
- قرار عدد 906 بتاريخ 28/11/2007، منشور بمجلة القبس المغربية، عدد 1، يونيو 2011.
الفصل 264 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
- حكم عدد 2796 بتاريخ 25/07/2013 ملف عدد 613/12/2012، منشور بمجلة المحاكم المغربية، 16 ماي- يونيو 2014.
النصوص القانونية
- الفصل 73 من قانون الالتزامات والعقود.
- المادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية.
- الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
- المادة 6/14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
- الفصل 264 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
- المادة 573 من قانون المسطرة الجنائية.
- المادة 573 من قانون المسطرة الجنائية.
- المادة 391 من قانون المسطرة المدنية.
- الفصل 109 من دستور 2011.
- الفصل 81 من قانون الالتزامات والعقود.
- الفصل 891 من قانون المسطرة المدنية.
[1] مأمون الكوبري: نظرية الالتزامات في ضوء الالتزامات والعقود المغربي، دون ذكر الطبعة والسنة: ص 395.
[2] فتحي فكري: مسؤولية الدولة عن أعمالها الغير التعاقدية، دار النهضة العربية، القاهرة 1995، ص 328.
[3] مأمون الكوبري: نظرية الالتزامات في ضوء الالتزامات والعقود المغربي، دون ذكر الطبعة والسنة: ص 395.
[4] فتحي فكري: مسؤولية الدولة عن أعمالها الغير التعاقدية، دار النهضة العربية، القاهرة 1995، ص 328.
[5] مأمون الكوبري: نظرية الالتزامات في ضوء الالتزامات والعقود المغربي، مرجع سابق، ص 396.
[6] مأمون الكوبري: نظرية الالتزامات في ضوء الالتزامات والعقود المغربي، مرجع سابق، ص 396.
[7] محمد عبد الواحد الجميلي: قضاء التعويض مسؤولية الدولة عن أعمالها الغير التعاقدية، دار النهضة العربية، القاهرة 1995، ص499.
[8] قرار عدد 906 بتاريخ 28/11/2007، منشور بمجلة القبس المغربية، عدد 1، يونيو 2011، ص 281.
[9] أنظر الفصل 264 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
[10] محمد عبد الواحد الجميلي: قضاء التعويض مسؤولية الدولة عن أعمالها الغير التعاقدية، مرجع سابق، ص 502.
[11] سعاد الشرقاوي: المسؤولية الإدارية، دار المعرفة مصر، الطبعة الثانية، سنة 1972، ص 240.
[12] محمد عبد الواحد الجميلي: قضاء التعويض مسؤولية الدولة عن أعمالها الغير التعاقدية، مرجع سابق، ص 514.
[13] حكم عدد 2796 بتاريخ 25/07/2013 ملف عدد 613/12/2012، منشور بمجلة المحاكم المغربية، 16 ماي- يونيو 2014، ص 353.
[14] محمد الأعرج: التعويض عن الاعتقال الاحتياطي التعسفي، دون ذكر الطبعة والسنة، ص 185.
[15] أنظر المادة 6/14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
[16] أنظر المادة 573 من قانون المسطرة الجنائية.
[17] أنظر المادة 573 من قانون المسطرة الجنائية.
[18] حكم صادر عن المحكمة الإدارية بأكادير بتاريخ 16/10/1997، ملف عدد 17/97، غير منشور.
[19] أنظر المادة 391 من قانون المسطرة المدنية.
[20] حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 25/07/2003، غير منشور.
[21] حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط عدد 188 بتاريخ 23/11/2013، ملف عدد 50/12/2012.
[22] أنظر الفصل 109 من دستور 2011.
[23] أنظر الفصل 81 من قانون الالتزامات والعقود.
[24]أنظر 891 من قانون المسطرة المدنية.
[25] حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط، منشور بالدليل العلمي للاجتهاد القضائي في المادة الإدارية، سلسلة دلائل التسيير، عدد 16 الجزء الأول 2004، ص 348.
[26] حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالربط، عدد 170/12/2012، غير منشور.
[27] أنظر الفصل 73 من قانون الالتزامات والعقود.
[28] أنظر المادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية.
[29] أنظر الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
[30] نفس الاتجاه أقرته المحكمة الإدارية بالربط والدار البيضاء.