في الواجهةمقالات قانونية

الجـــــــريــــــمة الخضراء وتـــــأثيراتها على الأمن الإنساني  د. جميلة مرابط

الجـــــــريــــــمة الخضراء وتـــــأثيراتها على الأمن الإنساني

              د. جميلة مرابط

متخصصة في شؤون الطاقة_البيئة_التنمية

جامعة التعلم الافتراضي

تعرف الجريمة الخضراء، بذلك الفعل السلوكي البشري الذي ينطوي على تجاوزات تنتهك مبادئ العدالة البيئية وعدالة الأنواع. فهي مصنفة ضمن الأنشطة البشرية التي تسبب أضرارًا واسعة النطاق، بتدمير بفقدان للنظم البيئية في منطقة معينة؛ حيث تقلل من صحة ورفاهية الأنواع داخل هذه النظم البيئية بما في ذلك البشر.

ويتم دراسة هذه الجرائم في إطار  علم الإجرام الأخضر، الذي بدأ بالظهور مؤخرًا في المناهج والكتب على مستوى الجامعات في علم الجريمة والمجالات التأديبية الأخرى، وتعود أصول المصطلح إلى سنوات التسعينات من خلال دراسة الأبعاد الاقتصادية السياسية للجريمة الخضراء والعدالة من أجل فهم القضايا البيئية الرئيسية وكيفية ارتباطها بالاقتصاد السياسي للرأسمالية. وقد تم توسيع نطاق علم الإجرام الأخضر لتطبيقه على دراسة العدالة البيئية من منظور إجرامي. وأيضا دراسات تهم دراسة القانون والسياسة البيئية، ودراسة جرائم الشركات  ضد البيئة.

ومن خصائص هذا علم، أنه متعدد التخصصات، وعلاوة على ذلك، تمتاز الأدبيات الجرائم الخضراء كونها نوعية ووصفية. إلا أن هناك من يعتبر أسس النظرية الخضراء في العلاقات الدولية المرجع المناسب لفهم السياسة العالمية في إطار مزيج من القضايا البيئية، فهي تدرس السياسة العالمية عن طريق تركيزها في الحفاظ على البيئة.  عموما تظل هذه الأنشطة مجرمة تحت مظلة القانون الدولي الجنائي، جراء الآثار الجسيمة التي تلحق بالطبيعة والإنسان وتشكل تهديدا على الأمن الأخضر والذي يدخل في إطاره الأمن الحيوي أو الإنساني.

ويمتاز الأمن الأخضر، بكونه شمولي يجمع بين أمن الطبيعة كلها وسلامة النظام البيئي مع الأخذ برفاهية الفرد  والإنسانية بصفة عامة، نجد التطور الحاصل في مواضيع الأمن يعود بالأساس إلى تصاعد التهديدات البيئية على أكثر من مستوى(محلي، إقليمي، دولي) وظهور الجرائم الخضراء خاصة الجرائم البيئية، فكان لزاما من توسيع أجندة الأمن لتشمل عدة قضايا بما في ذلك قضية البيئة.

لذلك يعد الأمن البيئي أحد مركبات الأمن الإنساني ومن الموضوعات المركزية في قضايا الجرائم الخضراء، ويشار إليه بالأمن الحيوي، فهو يعزز ويرجح من قيمة حقوق الإنسان البيئية. خاصة أنه لوحظ في السنوات الأخيرة الارتباط الوثيق بين الجرائم البيئية والأنشطة الإرهابية، والتي يشكل تهديدا متعدد المستويات للأمن الإنساني، فأضحى الإرهاب البيئي قضية أساسية بالنسبة للسياسيين وصناع القرار. فقد صنف رابع أكبر مجال إجرامي في العالم بعد المخدرات والتزييف والاتجار بالبشر.

ووفقاً لأحد التقارير المشتركة بين الأنتربول وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، الذي أكد على أن الأنشطة غير القانونية التي تنطوي على البيئة أو التنوع البيولوجي أو الموارد الطبيعية غالباً ما تكون مربحة وتتضمن مخاطر منخفضة نسبياً للمجرمين، وصنفت إلى خمسة مجالات أكثر انتشارًا على الصعيد العالمي(جريمة الحياة البرية، قطع الأشجار غير القانوني، اﻟﺼﻴﺪ ﻏﻴﺮ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ، ﺟﺮاﺋﻢ اﻟﺘﻠﻮث، التعدين غير القانوني). كما أكدت تقديرات مكتب الأمم المتحدة المعنى بمكافحة الجريمة والمخدرات، أن هذه الجرائم لا يمكن فصلها عن الجرائم المنظمة، لكونها تنتمي إلى ذات الشبكات تستخدم كلتا الجريمتين في عمليات الاتجار والتهريب. ما هو أكيد طبعا، أن هذه الجرائم لها تأثير سلبي على البيئة والناس.

فقد تبين أن البلدان الهشة التي تفتقر إلى البنية التحتية والسياسات الفعالة، هي البلدان الأكثر عرضة للجرائم الخضراء، بل ويصل خطر هذه الجرائم في بعض المجتمعات ليس فقط إلى فقدان الإمدادات الغذائية ووظائف السياحية نتيجةً للصيد غير المشروع وإزالة الغابات، بل باتت أداة للصراع وانتهاك القانون وعدم الوصول إلى ضروريات معيشية مثل مياه الشرب الآمنة ومصادر الغذاء والمأوى، مما يعرض حياة السكان للخطر، على سبيل المثال في بلد جزر المالديف يتعرض السكان لمخاطر ارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة للتغير المناخي الناتج في جزء منه عن إزالة الغابات أو ما يعرف  بـالمساحات الرمادية…إلخ.

وفي المقابل، نجد الجهود المبذولة دوليا لا تزال تعمل ببطء لا يتناسب مع سرعة تنامي هذه الجرائم واتساع دائرة مخاطرها، سواء من حيث النوعية أو الحجم أو القيمة. ويعزى ذلك في جانب منه إلى أن التشريعات والعقوبات تختلف بشكل جوهري بين الدول، وثمة فجوة كبيرة بين ما يمكن اعتباره مقبولاً وبين ما هو غير قانوني فيما يخص القضايا المرتبطة بالاتجار غير المشروع للأحياء البرية، وهو الأمر الذي يحتاج إلى إعادة “جدولة” الأهداف. والأهم من هذا هو الافتقار إلى البيانات والمعرفة والوعي، وانعدام الإرادة المؤسسية والحوكمة، ونقص القدرة في سلسلة الإنفاذ، وانعدام التعاون الوطني والدولي وتبادل المعلومات بين السلطات.

ومن أجل سد هذه الفجوات، نجد هناك بالفعل استراتيجيات دولية وقطرية لمواجهة هذه الظاهرة، لكنها لا تعمل بشكل مترابط وهي تدخل في إطار  المبادرة العالمية لمكافحة الجرائم البيئية، وهي شبكة عالمية تتكون من كبار الخبراء العالميين في مجال الجريمة المنظمة، ويتم تمويلها من دولتي النرويج وسويسرا، وتهدف إلى جمع مجموعة واسعة من الفاعلين من الحكومات والمجتمع المدني بغرض إيجاد وسائل لمكافحة الاتجار والتجارة غير المشروعة للأحياء البرية. كما  تعمل منظمة الأمم المتحدة للبيئة على مساعدة البلدان في وضع أطر قانونية قوية بشأن الجريمة البيئية من خلال تطوير إرشادات الإنفاذ لمساعدة السلطات الوطنية على الامتثال للقوانين البيئية.

في الأخير، نؤكد على أن المجتمع الدولي يحتاج إلى الاعتراف بالجرائم البيئية والتعامل معها كتهديد خطير للسلام والتنمية المستدامة، من خلال إعادة تقديم البرامج المتعلقة بالجريمة البيئية، والشروع في إجراءات متضافرة وتبادل المعلومات، مع تعزيز سيادة القانون على جميع المستويات.

يبقى سؤال مطروحا، هل الجرائم الخضراء ما أفرزته من تهديدات على الأمن الأخضر والأمن الحيوي حاضر في النقاشات السياسية والفكرية حاليا ضمن الأجندات الوطنية؟  وهل تحظى بتأييد النخب وصناع القرار؟

 

الهوامش:

  • نفيس أحمد، عبد الحق مرسلي: الجريمة البيئية بين عمومية الجزاء وخصوصية المخاطر، مجلة آفاق علمية، المجلد11، العدد: 01 السنة
  • باديس الشريف: ماهية الجرائم البيئية في نطاق القانون الدولي الجنائي، مجلة الحقوق والعلوم السياسية، المجلد : 07 – العدد: 02 سنة 2020.
  • https://www.unep.org/ar/alakhbar-walqss/alqst/tzayd-mdl-aljraym-albyyyt-wkdhlk-aljhwd-almbdhwlt-lmnha
  • http://greenarea.me/ar/102827/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B6%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D8%AA%D9%87%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D9%85%D8%AA%D8%B2%D8%A7%D9%8A/
  • تقرير صادر عن الأنتربول ،أبريل2017 على الموقع:         interpol.int

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى