مقالات قانونية

الرقابة القضائية على سلطات الضبط الإداري في الظروف الاستثنائية .

images

غلاي حياة متحصلة على شهادة الماجستير في القانون العام المعمق ، مسجلة في قسم الدكتوراه الجزائر

من أثر الظروف الاستثنائية هو توسيع صلاحيات و قدرات سلطات الضبط الإداري في التصرف على نحو يجعلها تتخذ قرارات و إجراءات غير عادية يجيزها القضاء الإداري و يعتبرها مشروعة طالما أن الدولة تمر بظروف استثنائية صعبة يتحتم الأمر من أجل مواجهتها أن تصدر تشريعات ضبط جديدة تكون على حساب الحقوق و الحريات العامة . فضرورة و ضغط الظروف الاستثنائية يستلزم ذلك حفظا لكيان الدولة و الجماعة من الانهيار ، لذلك نجد الدولة في هذه الأحوال تبادر إلى تعديل التشريعات النافذة أو إصدار تشريعات جديدة .

لكن رغم تلك الظروف الاستثنائية ، فإن رقابة القضاء تبقى قائمة ، فلا يكفي إدعاء سلطة الضبط الإداري بوجود ظرف استثنائي يعجل بإتخاذ الإجراءات ، بل عليها إقامة الدليل على بروز هذا الظرف و ذلك خوفا من أن سلطات الضبط الإداري قد تبالغ بتحقق الظرف الاستثنائي و تتذرع بصعوبات وهمية لكي تستفيد من اتساع سلطاتها و تستخدمها بالرغم من إنقضاء الظروف العصيبة التي كانت تبررها .

و مادام الأمر كذلك ، فإن الإختصاصات الاستثنائية التي تمارس في ظل هذه الظروف ستنطوي على خطورة كبيرة بالنسبة للحقوق و الحريات العامة ، بل إن احتمال تحول تلك السلطات إلى سلطات إستبدادية وارد ما لم توضع الضوابط و القيود المعقولة على ممارستها ، و بذلك فإنه لا يمكن أن ينتج عن هذه الظروف مهما بلغت درجة خطورتها ، حجب رقابة القضاء على أي عمل من الأعمال الإدارية التي تجري في ظلها ، فهنا القاضي يتدخل و يراقب من أجل أن يتأكد من أن الإدارة كانت في ظروف استثنائية حقا ، و أن هذه الظروف منعتها من التقيد بأحكام الشرعية العادية .

و طالما أن العمل الإداري الجاري في الظروف الاستثنائية لا يفلت من رقابة القضاء ، فإنه في حال ثبوت مخالفة هذا العمل للمشروعية الاستثنائية يترتب على ذلك مساءلة الإدارة و تقرير التعويض اللازم للمتضرر . و من أجل ذلك يتبادر السؤال التالي : فيما تتمثل ضوابط و قيود الإجراء الضابط في ظل الظروف الاستثنائية ؟ و ما هو أساس تقرير مسؤولية سلطات الضبط الإداري عن أعمالها ؟ .

هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال المبحثين التاليين ، حيث يتم تخصيص المبحث الأول لمعرفة ضوابط و قيود الإجراء الضابط ، أما المبحث الثاني فنخصصه لأساس مسؤولية أعمال الضبط الإداري .

المبحث الأول :
الرقابة على قيود الإجراء الضابط في الظروف الاستثنائية .

إن الظروف الاستثنائية تخول للإدارة سلطات واسعة لا تتمتع بها في الظروف العادية ، و ذلك بهدف مواجهة الأمور الطارئة . و إذا كانت هذه السلطات التي تتمتع بها الإدارة في ظل الظروف الاستثنائية تقيد الحريات ، فالضرورات الحيوية للبلاد و مصالح الدفاع الوطني و الأمن العام ، أي الدفاع عن الدولة تكون أولى بالرعاية من إحترام حقوق و حريات الأفراد ، لذلك تطلب القضاء شروطا معينة يجب أن تتوافر في الظرف الاستثنائي ، لأن السماح لسلطات الضبط الإداري بقدر من الممارسات التقديرية أوسع مما تسمح أو ترخص به القوانين و اللوائح في الظروف العادية المألوفة و قد يصل الأمر إلى إهدار الحريات العامة كلية و منع ممارستها بصورة كاملة .

و تأسيسا على ما تقدم ، إذا كان يسمح للإدارة في ظل الظروف الاستثنائية لممارسة اختصاصات جديدة ، فإن ذلك لا يعني أن تصرفاتها في هذه الظروف تكون طليقة من كل قيد ، لذلك توجد ضوابط و قيود ترد على سلطات الضبط خلال الظروف الاستثنائية و تحدد الإجراء الضبطي .

حيث يمكن حصر هذه القيود في أن يكون الإجراء الضابط قد أتخذ خلال الظروف الإستثنائية ( المطلب الأول ) ، و ضرورة الإجراء الإستثنائي و مدى ملاءمته ( امطلب الثاني ) .

المطلب الأول : أن يكون الإجراء الضابط قد اتخذ خلال الظروف الاستثنائية .

اتضح لنا بأن الظروف الإستثنائية تبرر الترخيص لهيئات الضبط الإداري بممارسة سلطات و اختصاصات واسعة لا تسمح بها و لا تجيزها القوانين السارية حتى و لو خالفت في ذلك مبدأ المشروعية العادية .

و تبعا لذلك يتعين في إجراء الضبط حتى يكون في إطار المشروعية الاستثنائية أن يكون قد اتخذ خلال الظروف الاستثنائية . وفي هذا المعنى يتحقق الظرف الاستثنائي عند وجود قيام حالة واقعية أو قانونية ذات طابع استثنائي يتطلب التدخل بإجراء ضبطي .

فلإضفاء المشروعية الاستثنائية على تصرفات هيئات الضبط ، و لتبرير ما اتخذ من إجراءات خلال تلك الظروف الاستثنائية ، يتعين على هيئات الضبط الإداري أن تثبت أن هناك ظروفا إستثنائية لم تتضمنها القوانين العادية ، و أن تلك الإجراءات الاستثنائية قد اتخذت خلال تلك الظروف .

و ترتيبا على ما تقدم ، فعندما تطرح على القاضي الإداري قضية تدعي فيها الإدارة قيام ظروف استثنائية لتبرر ما إتخذته من إجراءات ، فإنه يتحقق من خلالها . فالمسألة أولا و أخيرا مسألة وقائع يقدرها القاضي الإداري في ضوء الظروف الزمانية و المكانية التي تحيط بها . و هذا ما أكده مجلس الدولة في قضيةVeuve Goguet بتاريخ 03/05/1946 من عدم مشروعية القرار الذي إتخذه عمدة مدينة NANTES بالإستلاء على شقة مملوكة لإحدى السيدات لتقيم بها إحدى العائلات التي نزحت من المناطق التي كانت مسرحا للعمليات الحربية في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية ، ذلك أن المصاعب و الظروف التي واجهتها الإدارة في تلك المدينة لا تبرر إصدار قرار الإستلاء .

المطلب الثاني : ضرورة الإجراء الضبطي و مدى ملائمته للظروف الإستثنائية .

سنتطرق فيما يلي إلى الفرع الأول إلى ضرورة الإجراء الإستثنائي و لزومه ، و في الفرع الثاني إلى مدى ملائمة الإجراء الضبطي للظروف الإستثنائية .

الفرع الأول: ضرورة الإجراء الاستثنائي و لزومه .

إن وقف ممارسة الحريات العامة و الحقوق يجب أن يكون بالقدر و في الحدود الضرورية التي تتيح للإدارة القدرة على مواجهة الأخطار الناتجة عن الظروف الاستثنائية بالفعل . و هذا ما يستوجب عدم تجاوز الإدارة مقتضيات الظروف التي تواجهها ، و ذلك تأسيسا على القاعدة التي تقول أن : ” الضرورة تقدر بقدرها “. و بعبارة أخرى و بالمفهوم المقابل ، تعطل أو تقف ممارسة الحرية عند نقطة تعارضها مع قدرة الإدارة على مواجهة الأخطار ، و هو ما يمكن أن نعبر عنه بأن المشروعية الاستثنائية تجد سلامتها في ضرورتها .

لذلك فإن إجراء الضبط الإداري لا يعتبر مشروعا إلا إذا كان ضروريا من أجل الحفاظ على النظام العام ، و هذا هو السبب الذي يدفع بالقضاء إلى بحث كافة الظروف الواقعية المبررة لاتخاذ هذه الإجراءات .

لذا يقوم القضاء الإداري بالتحقق من أن مواجهة الظروف الاستثنائية تتطلب اتخاذ إجراء استثنائي لا تسعف به التشريعات السارية ، و هو ما يعني ضرورة الإجراء الاستثنائي و لزومه لمتطلبات الحالة. فإذا ثبت له أن الإدارة كانت تستطيع أن تتغلب على المصائب الناجمة عن الظروف الاستثنائية القائمة بما تملكه من سلطات ووسائل تنص عليها التشريعات السارية و مع ذلك اتخذت إجراء استثنائيا لا تجيزه هذه التشريعات ، فإنه يحكم بإلغاء الإجراء .

و بالتالي لابد من وجوب الإجراء الضبطي الإداري الاستثنائي لمواجهة الحالة ، لكونه الوسيلة الأنجح لمواجهة هذا الظرف الطارئ . على أن رقابة القضاء لا تقتصر على مشروعية وسيلة الضبط المتخذة ، بل يراقب أيضا ملاءمتها لأسباب التدخل تحت قاعدة ” تناسب شدة الإجراءات مع خطورة الظرف الاستثنائي” ، لذا يجب عدم التوسع في صلاحيات الضبط الإداري ، بل تكون ضمن الحد المعقول في مجابهة الظرف الاستثنائي ، و في فترة لا تتجاوز نهايتها لأن ” الضرورات تبيح المحضورات ” .

و تطبيقا لذلك ، فلقد قضى مجلس الدولة الفرنسي في حكمه الصادر بتاريخ 31/01/1958 بإلغاء قرار الحاكم الفرنسي للهند الصينية و الصادر في 27/09/1947 و الخاص بإنشاء نظام المساعدات العائلية لصالح العاملين بالمشروعات الخاصة ، و أسس مجلس الدولة حكمه على أن هذا الإجراء المخالف للقانون الصادر في 03/05/1954 لم يكن ضروريا و لازما لمواجهة الظرف الاقتصادي و الاجتماعي الذي كان قائما في الهند الصينية في تاريخ صدور قرار الحاكم ، و الناتج عن حالة الحرب التي كانت هذه البلاد مسرحا لها في ذلك الوقت ، و أنه كان بإمكان الحاكم أن يتغلب على المصاعب الناتجة عن هذا الموقف بالوسائل و السلطات التي يملكها بموجب التشريعات السارية

الفرع الثاني : ملاءمة الإجراء الضبطي للظروف الاستثنائية .

يجب أن تراعي الإدارة الملاءمة في مدى التصرف ما بين الخطر المتوقع و بين الإجراء الذي اتخذ لمواجهته . بمعنى ألا يشوب تصرفها شطط ، و لا تضحى بمصلحة خاصة في سبيل مصلحة عامة ، إلا بمقدار ما تقتضيه الضرورة ، فيجب على الإدارة أن تختار من الوسائل أقلها ضررا بالأفراد .

و بالتالي يتعين أن يكون الإجراء الذي تتخذه الإدارة لمواجهة الظروف الاستثنائية ملائما و مناسبا لمتطلبات هذه الظروف ، و هو ما يستوجب على الإدارة أن تتصرف طبقا لما تقتضيه مجابهة هذه الظروف الاستثنائية ، و أن يكون هذا التصرف بالقدر الذي يكفي لمعالجة هذه الظروف دون إفراط أو تفريط .

و يقوم القضاء الإداري بمراقبة تقدير الإدارة بأهمية و خطورة الاضطرابات في ظل تلك الظروف ، و ذلك للتحقق من مدى ملاءمة الإجراء الذي تقيد به الإدارة حريات الأفراد ، و ما إذا كان من الممكن اللجوء إلى إجراء أخف وطأة بدل الإجراء المتخذ لتحقيق ذلك الهدف . فهو يعمل على الملاءمة بين الإدارة في الظروف الاستثنائية ، و بين تطبيق قواعد المشروعية على أعمالها في هذه الظروف . و من ثم يلجا إلى تطبيق قواعد المشروعية الاستثنائية من ذات طبيعة الظروف التي تواجهها الإدارة .

و تطبيقا لما تقدم فقد قضى مجلس الدولة الفرنسي في حكمه الصادر بتاريخ 19/10/1962 في قضية CANAL بإلغاء الأمر الذي أصدره رئيس الجمهورية في أول أكتوبر 1962 بإنشاء محكمة عسكرية خاصة لمحاكمة المتهمين بالاشتراك في التمرد الذي قام به الجيش الفرنسي المرابط بالجزائر بتاريخ 21/04/1961 ذلك ” أن الظروف التي تم إنشاء هذا القضاء الإستثنائي طبقا لها لم تكن على درجة كبيرة من الخطورة تبرر الاعتداء على المبادئ العامة للقانون و بصفة خاصة فيما يخص حقوق الدفاع ” .

هكذا بدت أهمية الرقابة القضائية على ضوابط و حدود الإجراء الضابط في الأزمات و المحن و الظروف غير العادية ، لئلا تبقى الإدارة طليقة في إصدارها للقرارات دون رادع ، علما بأن المناط في هذه الحالة لا يقوم على أساس التحقق من مدى مشروعية القرار في مطابقته أو عدمها ، وإنما على أساس توافر الضوابط التي تم التعرض إليها سابقا .

المبحث الثاني :
أساس مسؤولية هيئات الضبط الإداري في الظروف الاستثنائية .

إن لجوء الإدارة إلى استعمال الإجراءات الاستثنائية خلال الظروف الاستثنائية قد يترتب عليه إلحاق أضرار بالأشخاص ، و هذا ما يؤدي إلى إثارة مسألة مدى مسؤولية الإدارة عن تلك الأضرار، خاصة وأن معظم الإجراءات التي تقوم بها الإدارة في تلك الظروف يعتبرها القضاء مشروعة .

فلقد أصبحت الإدارة مسؤولة عن أعمالها المادية و القانونية ، و ما تحدثه هذه الأعمال من أضرار اتجاه الغير . فيحق للشخص المتضرر أن يطالب الإدارة بالتعويض عما أصابه من أضرار .

و بقدر تعلق الأمر بالاختصاص العام للقضاء الإداري ، فإن هنالك قواعد خاصة للمسؤولية الإدارية تختلف عن قواعد المسؤولية المدنية ، و التي تعمل المحاكم العادية على تطبيقها في المنازعات العادية و تلتزم بأحكام القانون المدني . في حين أن قواعد المسؤولية الإدارية تخضع لمبادئ مستقلة و متحررة عن الأولى . و يرجع الفضل في ذلك إلى القضاء الإداري الذي إستنبط قواعد خاصة و جديدة بالمسؤولية الإدارية ، و هذا لا يعني إستقلال تام و كامل للمسؤولية الإدارية عن المسؤولية المدنية حيث يمكن الاستعانة بقواعد المسؤولية المدنية إذا كانت ملائمة للطبيعة الإدارية ، و يمكن تطبيقها و تطويرها في مجال المسؤولية الإدارية .

و بذلك فإن المسؤولية الإدارية تعد من إبداع القضاء الإداري الذي عمل على تقريرها و تطوير قواعدها بهدف تحقيق العدالة بين الصالح العام و الصالح الخاص .

و عليه يمكن مساءلة هيئات الضبط الإداري عن أعمالها على أساس الخطأ ( المطلب الأول ) ، كما يمكن إثارة مسؤولية الإدارة على الرغم من أنها لم ترتكب أي خطأ ( المطلب الثاني ) .

المطلب الأول :مساءلة هيئات الضبط الإداري على أساس الخطأ في الظروف الاستثنائية .


إن هيئات الضبط الإداري و هي تسعى إلى تحقيق هدفها المتمثل في المحافظة على النظام العام، قد تلحق بالأشخاص أضرارا نتيجة خطأ أو إهمال أو سوء نية . و على ذلك فإن قيامها بتصرفات غير مشروعة تمثل خطأ ، ففي هذه الحالة يمكن للشخص الذي أصابه ضرر ، طلب التعويض بشرط أن يثبت أن الضرر الذي أصابه كان نتيجة تصرف خاطئ من الإدارة . لذلك نقول أن الخطأ هو الأساس القانوني الذي يفسر مسؤولية هيئات الضبط الإداري عن أعمالها القانونية و المادية الضارة .

من أجل تقرير مسؤولية سلطات الضبط الإداري على أساس الخطأ يجب أن تتوفر مجموعة من الشروط ( الفرع الأول ) ، بالإضافة إلى تحديد صور الخطأ الموجب لمسؤولية هيئات الضبط الإداري ( الفرع الثاني ) . هذا ما سيتم التطرق إليه فيما يلي :

الفرع الأول : شروط تقرير مسؤولية سلطات الضبط الإداري على أساس الخطأ :


لتقرير مسؤولية سلطات الضبط الإداري لابد أن تتوفر مجموعة من الشروط ، و المتمثلة في وجود الخطأ و هو الشرط المتصل بالإدارة ، و الضرر و هو الشرط المتصل بالمضرور ، بالإضافة إلى وجود علاقة السببية فيما بينهما. و تأسيسا على ذلك نشير فيما يلي إلى الشروط الثلاثة سالفة الذكر كل على حده بالتفصيل من أجل توضيح قواعد قواعد مسؤولية سلطات الضبط الإداري على أساس الخطأ ، و ذلك على الشكل التالي :

ا – الخطأ : الأصل في قيام مسؤولية سلطات الضبط الإداري عن أعمالها هو وجود خطأ من جانبها . على أن الخطأ في حقيقته و جوهره لا ينصرف إلى الإدارة بذاتها بل هو خطأ الموظف فإن الإدارة لا تسأل عن هذا الخطأ .

و من هنا فالخطأ الشخصي هو الخطأ الذي ينسب إلى موظف و تتحقق مسؤوليته الشخصية عنه ، فيكون وحده مسؤولا عن الأضرار التي نتجت عنه، وينعقد الاختصاص بنظر دعوى المسؤولية في هذه الحالة لجهة

القضاء العادي .

في حين أن الخطأ المرفقي هو الذي تقوم عليه المسؤولية الإدارية لسلطات الضبط الإداري . و يقصد به الخطأ الذي ينسب إلى المرفق حتى لو كان الذي قام به من الناحية المادية أحد الموظفين، و يقوم الخطأ هنا على أساس أن المرفق ذاته هو الذي سبب الضرر ، لأنه لم يؤدي العمل وفقا للقواعد التي يسير عليها ، سواء كانت هذه القواعد خارجية أي وضعها المشرع ، أو داخلية من صنع الإدارة .

ب – الضرر : لا يكفي الخطأ وحده لتقرير مسؤولية سلطات الضبط الإداري ، إذ يجب أن ينشأ عن هذا الخطأ ضررا يلحق بمن يطالب بالتعويض عن تصرف الإدارة ، فالخطأ الذي لا يولد ضررا ، لا يعطي الحق في اقتضاء أي تعويض . و يشترط في الضرر ما يلي :

1 – أن يكون الضرر مباشرا : يتعين لمطالبة الإدارة بالتعويض أن يرتبط الضرر الناتج عن نشاط الإدارة برابطة مباشرة و مؤكدة ، و هذا يقتضي أن يكون الضرر نتيجة حتمية و لازمة لنشاط الإدارة . فإن لم يكن الخطأ هو السبب المباشر للضرر ، فلا تسأل الإدارة عن ذلك .

2 – أن يكون الضرر محققا : يشترط في الضرر المطلوب التعويض عنه أن يكون محقق الوقوع سواء كان حالا أم مستقبلا ، و هذا يعني أن الضرر وقع فعلا أو أنه سيقع في المستقبل و بشكل أكيد . أما الضرر الاحتمالي أو الافتراضي فإنه لا يصلح أساسا للتعويض كون لا مسؤولية تترتب عليه ، و ذلك على أساس أن الضرر يجب أن يكون من الممكن تقديره بالنقود و هو شرط لا يمكن تحققه إلا في حالة الضرر المحقق و المؤكد الوقوع ، فالحق لا يمكن أن يؤسس على الخشية و الشك .

3 – أن يصيب الضرر حقا مشروعا : من المبادئ المسلم بها أن لكل شخص الحق في سلامته جسديا و ماديا ، و يترتب على ذلك أن الإعتداء على أي من هذه الحقوق يولد حقا في التعويض. و عليه يجب لإستحقاق التعويض وفقا لهذا الشرط أن يكون الضرر الذي لحق بالفرد و الناجم عن خطأ الإدارة قد أصاب حقا مشروعا يحميه القانون .

4 – أن يكون الضرر قابلا للتقدير بالنقود : إن التقدير في القانون الإداري يكون في غالب الأحيان نقديا ، ومن ثم فإنه حتى يمكن الحكم بالتعويض النقدي يتعين أن يكون الضرر مقدرا نقديا أو قابلا للتقدير بالنقود . و التقدير النقدي للضرر ، و إن كان سهلا بالنسبة للضرر المادي إلا أن الأمر تكتنفه صعوبة بالنسبة للضرر الأدبي حيث لا يمكن تقدير المساس المشاعر و الأحاسيس بمال ، ذلك أن الحكم بالتعويض عن الضرر المعنوي يكون على سبيل المواساة .

ج – علاقة السببية : لقيام مسؤولية سلطات الضبط الإداري ، يجب أن تقوم رابطة السببية بين خطأ الإدارة و بين الضرر الذي أصاب المضرور ، بحيث يكون عمل الإدارة هو السبب المباشر للضرر .

و تنتفي مسؤولية الإدارة بإنعدام رابطة السببية لوجود سبب أجنبي كخطأ المضرور نفسه أو خطأ الغير، غير أن خطأ المضرور أو الغير قد لا يؤدي إلى إعفاء الإدارة تماما من التعويض في كافة الحالات ، و ذلك لأنه إذا ساهم المضرور أو الغير مع الإدارة في الخطأ المرتب للمسؤولية ، فإن الإدارة تعفى من المسؤولية بالقدر الذي ساهم فيه المضرور أو الغير بالخطأ ، أي أن المسؤولية تتوزع نتيجة الخطأ المشترك الذي وقع من جهة الإدارة و شخص المضرور أو الغير
.

الفرع الثاني : صور الخطأ الموجب لمسؤولية سلطات الضبط الإداري .

تتجسد صور الخطأ المرفقي الموجب لقيام المسؤولية الإدارية في الأفعال التي تؤدي إلى إصابة الأفراد بالضرر ، و قد جرى العمل على تقسيم الصور التي يتمثل فيها الخطأ المرفقي إلى صورتان تتدرج حسب جسامة الخطأ ذاته ، فإما أن يكون المرفق قد أدى الخدمة على نحو سيء ، و إما أن يكون قد أبطأ في تقديمها .

و سنتطرق إلى هذه الصور فيما يلي :

أ – الأداء السيئ للخدمة : تشمل هذه الحالة كافة الأعمال الإيجابية الصادرة عن الإدارة و المنطوية على خطأ . و بمعنى آخر كافة الأعمال الإيجابية التي تتخذها أو تقوم بتنفيذها السلطة الإدارية بهدف حماية النظام العام بطريقة سيئة تؤدي إلى الإضرار بالأفراد . مثال ذلك قيام أحد أعوان الضبط الإداري بإطلاق النار على المتظاهرين في إطار ممارسته وظيفته الضبطية .

هذا ما أكده مجلس الدولة الفرنسي في قراره المؤرخ في 10/02/1905 في قضية Tomasco-Greco ، حيث تتلخص وقائع هذه القضية في فرار أحد الثيران الهائجة في إحدى الأحياء الفرنسية مما أدى إلى تدخل رجال الدرك ، و على إثر طلقة نارية جرح السيد Tomasco-Greco مما دفعه إلى تحريك مسؤولية السلطة الإدارية أمام مجلس الدولة للتعويض عن الأضرار التي لحقت به إستنادا إلى خطأ المرفق . و بتاريخ 10/02/1905 أصدر مجلس الدولة الفرنسي قراره برفض الدعوى لعدم وجود خطأ جسيم ، و ذلك لاعتبار الخطأ الجسيم في مثل هذه الظروف الخاصة ، هو الشرط الأساسي لتحميل السلطة الإدارية مسؤولية التعويض عن الأضرار المترتبة عن نشاطها .

و من الأحكام التي أكدت هذا المبدأ أيضا الحكم الصادر من مجلس الدولة الفرنسي في قضية Winnieck ، و التي تتلخص وقائعها في أن السيد Winnieck قد اشتبه فيه خلال الحرب العالمية الأولى من قبل السلطات العسكرية ، فتم القبض عليه كما تم ترحيله إلى الجزائر لحبسه هناك ، و بعد عودته من الجزائر تم الإبقاء على حبسه لمدة شهرين في سجونLyon وMarcelle دون أن يتم التحقيق القضائي المبرر لحبسه ، وهذا ما أدى بالسيد Winnieck إلى الطعن للحصول على تعويض نتيجة الأضرار التي تعرض لها من جراء الإجراءات التعسفية غير المشروعة ، إلا أن مجلس الدولة اعتبر أن التدابير التي تم اتخاذها ضد المدعي تعد من قبيل الإجراءات الضرورية للأمن الوطني …. و بما أن السلطة العسكرية لم ترتكب خطأ جسيما غير عادي ، و الذي يعد أساسا لمسؤوليتها عن الأعمال التي تقوم بها في مثل تلك الظروف الصعبة ، فإن طلب التعويض الذي قام بها المدعي من جراء الأضرار التي تعرض لها يكون مرفوضا .

و إذا كان هذا الحكم قد رفض طلب التعويض الذي تقدم به الطاعن على الرغم من أنه اعترف بوجود خطأ من قبل الإدارة فإن الذي يهمنا هنا هو أن مجلس الدولة من خلال هذا الحكم قد بين مدى إمكانية قيام مسؤولية الإدارة في ظل الظروف الاستثنائية على أساس الخطأ .

أما في الجزائر فهناك الكثير من الأعمال الاأعمال عمال التي وقعت في ظل الظروف الاستثنائية و التي تبرر قيام مسؤولية الإدارة على أساس الخطأ الجسيم ، و من القضايا التي ثبت فيها وقوع الخطأ الجسيم قضية وزارة الدفاع الوطني ضد ورثة بن عمارة خميسي ، و التي تتلخص وقائعها أنه بتاريخ 26 أوت 1994 أقام رجال الدرك الوطني على الساعة الثامنة ليلا كمينا بإحدى الطرقات و ذلك ضد الجماعات المسلحة ، إلا أنهم لم يضعو أي إشارة على الحاجز ، بل أنهم لم يكونون متواجدين بجانب السيارة التي استعملوها و التي كانت متوقفة بحافة الطريق و دون أي رمز يدل على الحاجز ، و لما وصلت السيارة التي كان على متنها كل من السائق و السيد بن عمارة لخميستي و زوجته و ابنتيه إلى مكان الحاجز توقف السائق لبضع ثواني ، ثم بدا الشك يراوده حول حقيقة الحاجز إذ إعتقد بان الحاجز يعد مزيفا إقامته الجماعات المسلحة ، و هو ما أدى به إلى الانطلاق من جديد، فقام رجال الدرك الوطني بإطلاق النار على السيارة و دون إعطاء أمر بالتوقف ، بل دون القيام بإنذار شفهي أو إطلاق النار في الهواء و قد ترتب على تلك الطلقات النارية وفاة السيد بن عمارة و أصابة زوجته و إبنتيه بجروح خطيرة ، و لما لجا ورثة بن عمارة أمام الغرفة الإدارية بمجلس قضاء أم البواقي للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقتهم من جراء وفاة الهالك ، و ذلك ضد وزارة الدفاع الوطني دافعت هذه الأخيرة بان الحادث وقع نتيجة خطأ السائق الذي لم يحترم الحاجز المقام من طرف رجال الدرك الوطني إلا أن المجلس القضائي اصدر بتاريخ 14 نوفمبر 1995 قرارا يقضي بإلزام وزارة الدفاع الوطني و ممثل الوكالة الوطنية بالخزينة العامة وزارة الاقتصاد ، بدفع بالتضامن لورثة الهالك مئتا ألف دينار جزائري لكل واحد منهم ، و هذا ما أدى بوزارة الدفاع الوطني إلى استئناف هذا القرار أمام مجلس الدولة في 04 فبراير 1996 حيث طالبت بإعفائها من المسؤولية على أساس أن الضرر كان سبب خطأ الضحية ، إلا أن المجلس أيد القرار المطعون فيه .

ب – تباطؤ سلطات الضبط الإداري عن اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية النظام العام :

تتمثل هذه الصورة في تباطؤ الإدارة بالقيام بالخدمة المطلوبة منها بدون مبرر ، فيؤدي هذا البطء إلى إلحاق الضرر بالأفراد سواء كان ذلك بسبب عمل مادي أو قانوني .

و المقصود بتباطؤ الإدارة هنا عن أداء الخدمة ، هو تأخر الإدارة في الحالات التي لا يحدد فيها القانون ميعادا لأداء الخدمة و إنما يترك تحديد الوقت لسلطة الإدارة التقديرية . أما إذا كانت سلطة الإدارة مقيدة بأن حدد لها القانون ميعادا معينا لأداء الخدمة ورغم ذلك تباطأت عن أدائها دون مبرر بتجاوزها للميعاد المقرر قانونا ، فإن ذلك يندرج ضمن عدم تأدية الخدمة المطلوبة .

و من خلال كل ما سبق يتضح لنا بأن الظروف الاستثنائية تؤدي إلى التخفيف من مسؤولية الإدارة العامة مادام أن القضاء يشترط لإثارة مسؤوليتها على أساس الخطأ أن يكون هذا الخطأ جسيما ، لهذا لا يمكن تشبيه مسؤولية الإدارة في ظل الظروف الاستثنائية بمسؤوليتها في ظل الظروف العادية، لأن القاضي قبل تقريره مسؤولية الإدارة العامة يأخذ بعين الاعتبار الصعوبات التي اعترضت الإدارة للقيام بعملها .

المطلب الثاني : مسؤولية الإدارة بدون خطأ في ظل الظروف الاستثنائية .

إذا كانت المسؤولية بدون خطأ في مجال القانون المدني تنحصر فقط في نظرية المخاطر فإن المسؤولية في القانون الإداري تحتوي على مبدأين متميزين هما المسؤولية على أساس المخاطر من جهة و المسؤولية بسبب الإخلال بمبدأ مساواة المواطنين أمام الأعباء العامة من جهة أخرى .

ومما لا شك فيه أن مسؤولية الإدارة بدون خطأ لا تترتب إلا إذا كانت الأضرار قد أصابت فردا معينا أو أفرادا معينين بذواتهم دون سائر المواطنين، كما يجب أن تكون هذه الأضرار على درجة كبيرة من الجسامة بحيث تتجاوز المخاطر العادية التي يتعرض لها الأفراد في المجتمع ، و على هذا الأساس يجب أن تتوفر في الضرر صفتان أساسيتان هما الخصوصية و الجسامة غير العادية .

على أن هذا النوع من المسؤولية يعفي المضرور من إقامة الدليل على وجود الخطأ طالما أن هذه المسؤولية تقوم بدون خطأ ، لذلك على المضرور أن يظهر العلاقة بين عمل الإدارة و الضرر الذي أصابه و على الإدارة إذا أرادت تجنب قيام مسؤوليتها أن تثبت إما خطأ المضرور أو القوة القاهرة .

و فيما يتعلق بالأعمال الصادرة من سلطات الضبط الإداري في ظل الظروف الاستثنائية و التي ترتب أضرارا للأفراد ، دون أن يكمن إثارة مسؤولية الإدارة فيها على أساس الخطأ ، يثار التساؤل التالي : هل تصلح نظرية المخاطر و نظرية الإخلال بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة كأساس قانوني لمسائلة سلطات الضبط الإداري عن أعمالها الصادرة في ظل الظروف الاستثنائية ؟ هذا ما سنتعرف عليه الآن .

الفرع الأول: المخاطر كأساس لمسائلة سلطات الضبط الإداري عن أعمالها في ظل الظروف الاستثنائية .

إن مسؤولية الإدارة على أساس المخاطر تثور إذا ما عرضت بعض الأشخاص إلى مخاطر خاصة أثناء قيامها بوظائفها ، إن هذه المخاطر تتحقق دون إمكانية القول بأن الإدارة ارتكبت خطأ . و مع ذلك تجدر الإشارة إلى أن التعويض في هذه الحالة ليست أمرا حتميا، ذلك أن القاضي لا يلزم الإدارة بالتعويض إلا في حالات خاصة .

يمكن تعريف المسؤولية على أساس المخاطر على أنها مسؤولية غير خطئية مقررة قانونا و قضاء ، تقع على عاتق الإدارة نتيجة لنشاطاتها و أعمالها المشروعة و الخطرة ، التي ألحقت أضرارا خاصة و غير عادية بالأفراد .

و عليه لقيام مسؤولية سلطات الضبط الإداري على أساس المخاطر ، لا بد من توافر ركنين أساسيين هما الضرر و علاقة السببية بين الضرر و نشاط الإدارة الخالي من الخطأ ، و مع ذلك لابد و أن تتوفر صفات خاصة في الضرر الموجب للتعويض حيث يجب أن يكون خاصا و غير عادي .

و سنتعرض فيما يلي إلى كل ركن على حدى :

1 – الضرر : حتى يمكن إثارة مسؤولية الإدارة في ظل الظروف الاستثنائية يجب أن يكون العمل الذي قامت به الإدارة أدى إلى حدوث ضرر خاص و غير عاد لأحد الأفراد أو لمجموعة محددة من الأفراد ، على أن الضرر قد يكون ماديا أو معنويا ، و مع ذلك و مهما كان نوع الضرر فإنه يعتبر شرطا أساسيا لانعقاد جميع أنواع المسؤولية ، سواء التي تقوم على أساس الخطأ أو التي تقوم بدون خطأ .

فمن أجل قيام مسؤولية سلطات الضبط الإداري على أساس المخاطر يجب أن يتوفر في ركن الضرر شرطان هما :

ا – أن يكون الضرر خاصا : يقصد بالضرر الخاص أن ينصب على فرد معين أو أفراد معينين بحيث يكون لهم مركز خاص لا يشاركهم فيه بقية المواطنين . و بمفهوم المخالفة فإن الضرر العام هو الذي لا ينصب على فرد أو أفراد معينين بذواتهم ، بل على العامة فيصبح عبئا عاما يتحمله الجميع و لا تنعقد المسؤولية على أساس المخاطر في ظله .

غير أن مسألة التعرف على نوع الضرر إذا كان عاما أو خاصا ، لا تطرح أية صعوبة إذا ما أصاب هذا الضرر فردا معينا بذاته ، لأن هذا الفرد قد لحقه ضرر بشكل خاص . غير أن الصعوبة تثور في حالة ما إذا أصاب الضرر مجموعة من الأفراد من جراء نشاط الإدارة . فهنا لكي تتحقق صفة الخصوصية يجب أن تنفرد مجموعة من الأفراد بالضرر ، و لا يكون من قبيل الضرر الذي تقاسمهم فيه عامة الناس .

ب – أن يكون الضرر غير عادي : يقصد بالصفة غير العادية للضرر ، أن يكون هذا الأخير على درجة من الجسامة ، حيث يتجاوز حد الأعباء التي يستلزم الأفراد بتحملها عادة .

إن الطابع غير العادي للضرر هو الصفة الرئيسية التي تميز الأضرار التي يجب على الإدارة تحملها على أساس المخاطر . فهذا النوع من الضرر يأخذ أهمية كبيرة في ظل الظروف الإستثنائية حيث لا يمكن أن تثور المسؤولية إذا كان الضرر بسيطا أو قليل الأهمية ، إذ يدخل في إطار الأضرار المعتادة التي يتحملها الأفراد عادة في أوقات الأزمات .

2 – علاقة السببية بين الضرر و فعل الإدارة الخطر و المشروع : إن هذا الشرط هو الذي يعبر عنه برابطة السببية ، و يقصد بهذا الشرط أن يكون عمل الإدارة الذي قامت به لمواجهة الأزمة هو الذي أدى إلى حدوث الضرر . و هنا لا بد أن تكون العلاقة مباشرة بين عمل الإدارة و الضرر الحاصل . فإذا أمكن نسبة الضرر الذي لحق المضرور إلى عمل نشاط الإدارة ، فإن ذلك يسمح للمضرور بالمطالبة بالتعويض ما دام أن علاقة السببية قد توفرت بين عمل الإدارة و الضرر ، و لا تستطيع الإدارة التحلل من إلتزاماتها بدفع التعويض .

غير أن علاقة السببية قد تنقطع في إطار المسؤولية على أساس المخاطر و ذلك لكون الضرر قد تسبب فيه المضرور أو كان بفعل القوة القاهرة .

  1. فعل المضرور : إذا كان الضرر ناتجا عن فعل الضحية ، فإن الإدارة تعفى كليا أو جزئيا من تحمل المسؤولية . فإذا ثبت وقوع خطأ من المضرور ، و كان هذا الخطأ هو الذي ساهم في حدوث الضرر ، فإن الإدارة تعفى من التعويض بقدر مساهمة هذا الخطأ في إحداث الضرر .

    و يقوم القاضي الإداري في هذا الشأن بتقدير تصرف الضحية و مقارنته بتصرف الشخص العادي ، كما يقوم القاضي بتحديد نسبة مسؤولية الإدارة ، حتى يتضح له ما إذا كان من المفروض إعفاؤها كليا أو جزئيا وفق ما ارتكبه الضحية و الإدارة .

    فإذا كان خطأ الضحية هو السبب الوحيد فإن الإدارة تعفى كليا من المسؤولية ، أما إذا كان لفعل المضرور دور جزئي في تحقيق الضرر فإن الإدارة تعفى جزئيا من المسؤولية و ذلك حسب مقدار تدخل الضحية .

    ب – القوة القاهرة : إن القوة القاهرة هي حدث ينشأ بفعل سبب أجنبي عن الإدارة و المضرور ، و يتعذر تداركه أو تفادي أثره ، و تعفي حالة القوة القاهرة الإدارة كليا من مسؤوليتها إذا كانت السبب الوحيد للضرر، وذلك لما تتصف به القوة القاهرة من طبيعة خارجية عن نشاط الإدارة المحدث للضرر ، بالإضافة إلى أنها تقع بصفة فجائية غير متوقعة و غير قابلة للمقاومة و لا للدفع من طرف الإدارة ، و هذا ما يبرر إنتفاء مسؤوليتها في هذا الشأن .

    و من الأحكام التي أسسها القضاء الفرنسي على فكرة المخاطر حكم محكمة التنازع في قضية Dame De la Murette . على أن هذا الحكم له أهمية خاصة فيما يتعلق بتحديد قواعد الاختصاص ، بالإضافة إلى الإقرار بتعويض الأضرار الناتجة عن الإجراءات المتخذة في ظل الظروف الاستثنائية استنادا إلى فكرة المخاطر . و تتلخص وقائع هذه القضية في أن السلطات الإدارية في إحدى المحافظات قد ألقت القبض على السيدة De la Murette، و قامت باعتقالها دون إذن قضائي أو إداري في سبتمبر 1944 و لم تحقق معها . و استمر هذا الاعتقال حتى شهر فبراير 1947 و قد تعرضت المدعية خلال فترة اعتقالها بمعاملة قاسية و إيذاء شديد لذلك قامت برفع دعواها أمام القضاء العادي للمطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية و المعنوية التي لحقتها من جراء هذا الاعتقال التعسفي . إلا أن السلطة التي قامت بالقبض على المدعية رفعت الأمر إلى محكمة التنازع لكي تقرر ما هي الجهة المختصة ، و قد قضت محكمة التنازع بأن الاعتداء على الحرية الفردية يعد من أعمال التعدي و لكن نظرا لصدور هذا الإجراء خلال الحرب فانه لا يمكن القول بأن أمر اعتقال السيدة De la Murette يعد من قبيل التعدي و عليه فإن الاختصاص بنظر هذه الدعوى يعود للقضاء الإداري . و إذا كانت مشكلة الاختصاص هي التي طغت في هذه القضية إلا أن ذلك لم يترتب عليه الإخلال بحق السيدة

    De la Muretteفي الحصول على التعويض عن الضرر الذي لحقها من جراء القبض التعسفي و التعذيب الذي تعرضت له ، و ذلك استنادا إلى فكرة المخاطر .

    أما في الجزائر فمن القضايا التي طبقت فيها هذه المسؤولية نذكر أحداث قسنطينة 1986 ، حيث وقعت خلال أيام 7 و 8 و 9 نوفمبر أحداث عنف جماعية بمدينة قسنطينة تميزت بتجمعات طلابية سلمية على مستوى جامعة عين الباي ثم تحولت إلى تظاهرات شعبية عامة نتجت عنها أضرار أصابت الممتلكات العامة و الخاصة ، من بينها سيارة احد المواطنين التي أحرقت نهائيا أثناء وقوفها أمام منزله .

    رفع المعني دعوى ضد بلدية قسنطينة أمام الغرفة الإدارية مطالبا بتعويضه بقيمة السيارة حسب المبلغ المقدر من قبل الشركة الجزائرية للتأمين ، فاستجابت له بتاريخ 27 جويلية 1987 التي أسست المسؤولية على فكرة المخاطر ، حيث جاء في منطوق القرار ما يلي : ” ….حيث أنه من الثابت أنه لا مسؤولية بدون خطأ كقاعدة عامة ، لكن التطور الذي حدث في مجال المسؤولية الإدارية فقها و قضاء فتشريعا ، أدى إلى بروز إستثناء عن هذه القاعدة مفاذها أنه يمكن ترتيب المسؤولية الإدارية بدون توافر ركن الخطأ و ذلك على أساس المخاطر أو تحمل التبعة بسبب الخطر الناشئ عن نشاط الإدارة ، و بمقتضى هذه المسؤولية يكون على الإدارة واجب التعويض رغم إنتفاء ركن الخطأ ….” .

    فمن خلال ما سبق يظهر أن الوقائع المادية التي أدت إتلاف السيارة المدعي بحرقها هي التجمعات و التجمهرات ، و من ثم فإن بلدية قسنطينة مسؤولة عن الضرر اللاحق بالمدعي ، و أن طلبه مبررا فقها و قضاء و قانونا ، وعليه يمكن القول بأن مسؤولية سلطات الضبط الإداري في الظروف الإستثنائية على أساس المخاطر يلجأ إليها القاضي الإداري في القضايا التي يستحيل فيها إثبات الخطأ .

    الفرع الثاني : الإخلال بالمساواة أمام الأعباء العامة .


    تثور مسؤولية الإدارة على أساس الإخلال بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة إذا ما اختل التوازن بين الأفراد في تحمل الأعباء العامة المترتبة على نشاط الدولة ، فالحقوق و الحريات يحكمها مبدأ أساسي هو مبدأ المساواة ، لهذا فإن أفراد المجتمع متساوون في التمتع بالحقوق و الحريات ، و في مقابل ذلك فإنهم متساوون كذلك في تحمل التكاليف و الأعباء العامة التي تفرضها الحياة في المجتمع، حيث أن التوازن بين الأفراد يختل إذا ما تحملت فئة منهم أعباء الدولة دون باقي أفراد المجتمع .

    و في مجال الظروف الإستثنائية فإن الإدارة تقوم بإجراءات إستثنائية من أجل المصلحة العامة ، أي أن الإجراءات التي تقوم بها الإدارة يفترض أن ينتفع بها جميع أفراد المجتمع ، و لكي تتحقق المساواة بين الفئة التي استفادت من عمل الإدارة و الفئة التي تضررت منه ، يجب السماح لهؤلاء الذين تضرروا المطالبة بالتعويض عما أصابهم من ضرر جراء نشاط استفاد منه أغلب أفراد المجتمع .

    فلم يعد مسموحا الآن أن يتحمل بعض أفراد المجتمع لوحدهم الأضرار التي تسببها الإدارة من خلال أعمالها حتى و لو اعتبرت تلك الأعمال مشروعة .

    و فيما يخص شروط قيام المسؤولية على أساس الإخلال بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة فهي نفسها شروط المسؤولية بدون خطأ المتمثل في وجود ضرر جسيم و خاص بالإضافة إلى علاقة السببية بينه و بين عمل الإدارة الخاص .

    إلا أن المسؤولية بدون خطأ على أساس الإخلال بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة تستقل و تتميز بالإضافة إلى الشروط السابقة ، هناك شروط خاصة بها تعتبر ضرورية و لازمة لانعقادها . حيث تتمثل هذه الشروط في أن يكون الضرر صفة العبء العام ، و أن يكون هناك إخلال بمبدأ المساواة يثير الحق في التعويض ، و هذا ما سيتم التعرض إليه فيما يلي :

    ا – أن يشكل عمل الإدارة عبئا عاما : تتحقق صفة العبء العام في نشاط الإدارة ، إذا كان النشاط الذي تقوم به يعتبر من قبيل الأعباء العامة أو التكاليف المفروضة على الأشخاص داخل المجتمع من قبل السلطة العامة . و معنى ذلك أن الضرر الذي تعرض له المضرور كان لازما من أجل تحقيق المصلحة العامة ، و بالتالي فإن هذا الضرر الذي تعرض له هو في الحقيقة عبئا عاما كان من المفروض أن يقع على كل أفراد المجتمع نظرا لأنه أتخذ من أجل المصلحة العامة .

    و بناء على ذلك ، فإن الجماعة تشارك من خلال الخزينة العامة في جبر الضرر الذي أصاب المضرور الذي تحمل لوحده تبعة هذا العبء العام ، و هذا من شأنه أن يعيد التوازن الذي يحقق المساواة بين أفراد المجتمع في

    تحمل الأعباء العامة .

    و في مجال الظروف الاستثنائية نلاحظ أن الإجراءات التي تتخذها الإدارة لمواجهة الأزمة تكون من أجل تحقيق المصلحة العامة و المتمثلة في الحفاظ على سلامة الجماعة من الخطر ، و المحافظة على النظام العام و الأمن . فإذا ما ترتب على تلك الإجراءات ضرر لأحد الأفراد، فإن هذا الضرر يعد في الحقيقة عبئا عاما لا يجوز أن يتحمله المضرور لوحده، بل يجب أن تشارك الجماعة في تحمله من خلال السماح له بالحصول على التعويض من الخزينة العامة .

    ب- أن يثير إخلال بمبدأ المساواة الحق في التعويض : إن مبدأ المساواة يقصد به المساواة بين جميع أفراد الدولة في المعاملة دون أدنى تمييز، على أن هذه المساواة لا يمكن أن تتحقق إلا بتوزيع عادل للحقوق و الحريات بين الأفراد ، و فرض قدر من التكاليف و الأعباء العامة بصفة متساوية . فالدولة عندما تفرض أعباء وواجبات على المواطنين يجب أن يكون ذلك بالتساوي ، و هذا ما يحتم بالضرورة قيام المسؤولية في حالة حدوث ضرر خاص و إستثنائي لفئة من الأفراد أو لفرد معين بذاته .

    إن مبادئ العدل و الإنصاف تقتضي ألا يتحمل أي فرد بسبب أضرار الإدارة أعباء إضافية أكثر من الآخرين ، و لذلك ينبغي تعويض ضحايا هذه الأضرار ، وبذلك يتحقق مبدأ التوزيع العادل لأعباء بين جميع أفراد المجتمع .

    فكل ضرر يصيب فردا أو مجموعة محددة من الأفراد و يتجاوز من حيث طبيعته أو مداه ما يتوجب على عامة المواطنين تحمله ابتغاء للصالح العام ، يعد إخلالا بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة بين المواطنين، حيث يحمل بعض أفراد المجتمع في سبيل تحقيق المصلحة العامة ، تكاليف و أعباء و تضحيات تزيد على تلك التي يتحملها باقي أفراد الجماعة في الدولة فيتحقق بذلك الإخلال مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة .

    و من الأحكام التي أسسها مجلس الدولة الفرنسي على فكرة الإخلال بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة حكمه في قضية Couitéas ، و التي تعد من أشهر القضايا التي أقر فيها بمسؤولية الإدارة رغم عدم إرتكابها خطأ .

    و تتلخص وقائع هذه القضية في أن السيد Couitéas و هو من أصل يوناني قد هاجر إلى تونس و إشترى قطعة أرض هناك و ذلك أثناء إحتلال فرنسا لها ، و لما ثار نزاع حول ملكية تلك القطعة الأرضية لجأ إلى القضاء الذي أصدر حكما واجب النفاذ يقر له بملكيته لها ، و عندما حاول تنفيذ هذا الحكم فوجئ بوجود قبيلة عربية قد إستقرت على تلك الأرض منذ فترة طويلة و رفضت الإعتراف له بملكيته لها ، الأمر الذي جعله يلجأ إلى السلطات الإدارية الفرنسية في تونس طالبا منها تنفيذ الحكم القضائي ، من خلال إستعمال القوة لطرد أولئك العرب ، إلا أن السلطات الفرنسية رأت أن اللجوء إلى القوة لتنفيذ ذلك الحكم ستكون له عواقب وخيمة على الأمن ، إذ سيؤدي إلى الفتنة و الهياج و الثورة من طرف العرب ، و بالتالي إمتنعت عن تنفيذ الحكم ، و هذا ما أدى بالسيد Couitéas إلى رفع دعوى ضد تلك السلطات أمام مجلس الدولة الفرنسي طالبا تعويضه عما لحقه من ضرر خاص وغير عادي ، و ذلك من جراء فقده لقطعة الأرض ، و إذا كان مجلس الدولة قد أعتبر بأن إمتناع الإدارة عن تنفيذ ذلك الحكم لا يشكل خطأ في جانبها ، ما دام أن إمتناعها كان من أجل واجب لهم ، و هو حفظ النظام العام و الأمن فإنه مع ذلك حكم للمدعي بالتعويض على أساس أن العدالة تأبى أن يضحى فردا لصالح المجموعة إذا كان بالإمكان توزيع الأعباء على الجميع و لأن الحرمان من الإنتفاع بالملك الخاص لمدة يتعذر تحديدها نتيجة موقف الإدارة إتجاهه قد سبب له ضررا جسيما يجب أن يعوض عليه ، و قد أكد مفوض الحكومة السيد Rivet في هذه القضية أن ” إمتناع الحكومة في هذه الظروف تبرره ضرورات سياسية من أجل الحفاظ على النظام العام و الأمن ، و لكن من ناحية أخرى لا شك في أن الحكم عندما يصبح نهائيا يجب أن يتم تنفيذه لهذا الغرض ، لهذا فإن إمتناع الحكومة عن تنفيذ الحكم يشكل مساسا جسيما بحقوق السيد Couitéas ” .

    و انتهى مفوض الحكومة إلى ضرورة تعويض المدعي عن ما لحقه من أضرار غير عادية ، و أكد أن التعويض يستند إلى المادة 13 من إعلان الحقوق الصادر سنة 1789، و الذي بموجبه لا يجوز أن يتضرر المواطنون بعبء يفوق غيرهم أو يثقل كاهنهم بتكاليف تتجاوز ما يتحمله غيره في سبيل المصلحة العامة .

    و يتضح من هذا الحكم تعويض المتضرر على الرغم من عدم إرتكاب الإدارة لخطأ و ذلك طبقا لتقدير القاضي فإن المجلس حكم للمدعي بالتعويض عما أصابه من ضرر جسيم و خاص و ذلك استنادا إلى الإخلال بمبدأ مساواة الجميع أمام الأعباء العامة ، فعدم تمتع المدعي بماله رغم أن بحوزته سند قانوني يعتبر في حد ذاته عبا عاما مادام أن سبب ذلك هو تحقيق المصلحة العامة المتمثلة في الحفاظ على النظام العام و الأمن ، و بالتالي يجب السماح للمدعي بالحصول على التعويض مادام أن الضرر الذي تعرض له هو ضرر خاص و جسيم .

    و يمثل حكم Couitéas أهمية خاصة بهذا الصدد مادام أن مجلس الدولة أقر من خلاله و لأول مرة مبدأ مسؤولية الإدارة عن أعمالها الصادرة في ظل الظروف الاستثنائية على أساس الإخلال بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة ، و على الرغم من النداءات المتكررة من طرف الفقه لتوسيع هذا المبدأ إلا أن مجلس الدولة الفرنسي لم يستجب لذلك و طبق المبدأ في حالات ضيقة .

    و في قضية Sté cartonnerie et imprimerie st charles أكد مجلس الدولة من جديد مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة كأساس لمسؤولية الإدارة عن أعمالها الصادرة في ظل الظروف الاستثنائية .فأثناء الهيجان الاجتماعي الذي وقع في فرنسا سنة 1936 و الذي ترتب عليه ظهور العديد من الاضطرابات و استيلاء العمال على أماكن و منشات الشركة ، اضرب عمال شركة ورق و مطبوعات ST CHARLES عن العمل و احتلوا مباني الشركة و ضلوا معتصمين بها مدة ثلاثة أشهر .

    و لجأت الشركة إلى حاكم المقاطعة ووزير الداخلية طالبة منهما إتخاذ الإجراءات الضرورية التي تسمح بإخلاء الشركة ، إلا أن الأمر ظل على حاله الشيء الذي أدى بالشركة إلى اللجوء إلى القضاء الذي منحها أمرا وقتيا يقضي بطرد العمال المعتصمين لإعادة سير العمل .إلا أن السلطات الإدارية المختصة بالتنفيذ رفضت استعمال القوة لتنفيذ الأمر مبررة ذلك بإمكانية حدوث اضطرابات تؤدي بالإخلال بالنظام العام ، خاصة و أن المنظمات الشعبية و النقابية و السياسية في ذلك الوقت بالذات كانت تؤيد الإضراب و تدعو إلى التضامن بين الأشخاص للقيام بالإضراب ، و هذا ما أدى

    بالشركة إلى رفع دعوى أمام مجلس الدولة الفرنسي للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقتها من جراء هذا الإضراب الذي استمر لمدة طويلة و من إمتناع الإدارة عن التنفيذ . و قد قرر مجلس الدولة أن الظروف الاستثنائية التي منعت الإدارة من تنفيذ الأمر ، لا يمكن أن تصف عمل الإدارة هذا بأنه خطأ في جانبها ، و مع ذلك حكم للشركة بالتعويض عن الضرر الخاص و الجسيم الذي لحقها و ذلك استنادا إلى الإخلال بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة .


    الرقابة القضائية على سلطات الضبط الإداري في الظروف الاستثنائية .

     

     

     

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى