اللجان المحلية لتقدير الضريبة مستجدات ثغرات وملاحظات بقلم: المختار السريدي باحث في المنازعات الضريبية
اللجان المحلية لتقدير الضريبة
مستجدات ثغرات وملاحظات
بقلم: المختار السريدي
باحث في المنازعات الضريبية
لقد تم إحداث اللجان المحلية لتقدير الضريبة لأول مرة بالمغرب بمقتضى القانون رقم 85.30 المؤسس للضريبة على القيمة المضافة ، إلا أنه لم يكتب لها أن ترى النور إلا بعد سنتين من ذلك بموجب المرسوم رقم 2.87.911 المؤرخ في 8 جمادى الأولى 1408 الموافق 30 دجنبر1987 لتطبيق القانون رقم 24.86 المتعلق بالضريبة على الشركات .
و قد كان الهدف من إحداث هذه اللجان النظر في مختلف الطعون المتعلقة بالضرائب الرئيسية الثلاثة وهي الضريبة على القيمة المضافة و الضريبة على الشركات و الضريبة العامة على الدخل.
وابتداء من قانون مالية 2001 أي بعد 14 سنة من تاريخ إحداثها ، سيتوسع اختصاص هذه اللجان ليشمل أيضا الطعون المتعلقة بضريبة التسجيل والضريبة على الأرباح العقارية ، بعد ما كان ذلك من اختصاص اللجان المحلية للتقييم التي تم إلغاؤها وورثت اللجان المحلية لتقدير الضريبة جميع اختصاصاتها .
و الملاحظ أنه قبل سنة 2010 كانت اللجان المحلية لتقدير الضريبة هي صاحبة الولاية العامة من أجل البت في جميع الطعون الضريبية المعروضة على أنظارها ، و تكون جميع المقررات الصادرة عنها في هذا الشأن ابتدائية بحيث يمكن الطعن فيها بالإستئناف أمام اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة ، إلا أنه وابتداء من فاتح يناير 2010 أصبحت المقررات الصادرة عن اللجان المحلية في القضايا المتعلقة بالأرباح العقارية و بواجبات التسجيل مقررات نهائية إذا كان مبلغ الضريبة الأصلية المترتبة عليها يعادل أو يقل عن خمسين ألف (50.000) درهم .
لكن ابتداء من فاتح يناير 2016 أصبحت اللجان المحلية لتقدير الضريبة تبت ابتدائيا و انتهائيا في الطعون المتعلقة الدخول المهنية المحددة وفق نظام المساهمة المهنية الموحدة و الدخول و الأرباح العقارية و الدخول والأرباح الناشئة عن رؤوس الأموال المنقولة و واجبات التسجيل و التمبر بالإضافة إلى فحص محاسبة الخاضعين للضريبة الذين يقل رقم أعمالهم المصرح به عن عشرة (10) ملايين درهم عن كل سنة محاسبية للفترة غير المتقادمة موضوع الفحص .
و مع قانون مالية 2022 سيتم تقليص هذا الإختصاص إلى البت فقط في التصحيحات المتعلقة بالدخول المهنية المحددة وفق نظام المساهمة المهنية الموحدة والدخول والأرباح العقارية وواجبات التسجيل والتمبر.
وحتى تؤدي اللجان المحلية مهمتها بالكيفية القانونية الصحيحة ، نصت المادة 225 من المدونة العامة للضرائب على ضرورة أن تتشكل كل لجنة محلية من الأعضاء التاليين :
1- قاضي بصفته رئيسا للجنة .
2- ممثل لعامل العمالة أو الإقليم الواقع مقر اللجنة المحلية لتقدير الضريبة بدائرة اختصاصه.
3- ممثل عن الإدارة الذي يقوم بمهمة الكاتب المقرر.
4- ممثل عن الخاضعين للضريبة .
بعد استعراض هذه النبذة التاريخية وبعد الإطلاع على مقتضيات المادة 225 من المدونة العامة للضرائب التي طالتها تعديلات وتنقيحات متتالية سواء على مستوى اختصاص اللجان المحلية أو طريقة عملها واشتغالها أو على مستوى مهام كل عضو من أعضائها ، فإنه لا بد لنا من إبداء الملاحظات التالية:
الملاحظة الأولى : إن الإحتفاظ بممثل عن عامل العمالة أو الإقليم المنتمي للسلطة التنفيذية ( وزارة الداخلية ) كعضو ضمن أعضاء اللجنة المحلية لتقدير الضريبة لم يعد له ما يبرره ، بعدما أصبحت السلطة القضائية هي التي تتولى رآسة اللجنة و أصبحت حقوق الأطراف في أيادي آمنة و عادلة و مستقلة ، ولذلك فإننا ندعو إلى إعادة النظر في تركيبة اللجنة المحلية وتعويض ممثل العامل بممثل قد يفيدها في عملها وفي جودة مقرراتها كما هو الشأن في تركيبة اللجان الجهوية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة حديثة النشأة واللجان الفرعية الوطنية حيث لا وجود لممثل عن السلطة التنفيذية .
الملاحظة الثانية : إن إسناد مهمة الكاتب المقرر للجنة المحلية لتقدير الضريبة لممثل عن الإدارة بموجب قانون مالية 2022 لازال يلفه نوع من الغموض وعدم الوضوح ، فقد كان يتولاها رئيس المصلحة المحلية للضرائب أو ممثله ،و كنا حينها نتساءل حول ما العمل إذا كان هذا الأخير طرفا في المنازعة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، كأن يكون هو من قام بتصحيح الضريبة المطعون فيها أمام اللجنة أو وقَّع أو أمضى على الوثائق المسطرية بصفته رئيسا إداريا لمفتش الضرائب الذي قام بالتصحيح والمراقبة ، وفي نفس الوقت يحضر كعضو ضمن أعضاء اللجنة الموكل إليها البت في الطعن و الفصل بين الطرفين المتنازعين ، خصوصا وأنه من الناحية المبدئية لا يمكن للكاتب المقرر للجنة أن يكون خصما و حَكما في نفس الوقت ، مما قد يضر باستقلاليته و يجعل مقرَّر اللجنة غير ذي قيمة أو مشكوكا في صحته أو في التشكيلة التي أصدرته و معرضا بالتالي للبطلان ،رغم تدخل قانون مالية 2022 وحسمه في أمر تعيين الكتاب المقررين بعيدا عن رؤساء المصالح الضريبية المحلية أو ممثليهم و إسنادها إلى ممثل عن الإدارة .
لذلك يجدر القول بأنه مهما كانت هوية أو انتماء العضو أو الموظف الإداري الذي أسندت إليه مهمة الكاتب المقرر ، فالتساؤل يبقى مطروحا دائما حول مدى استقلاليته في القيام بعمله داخل حظيرة اللجنة ، خصوصا وأنه هو من يتلقى الطعون و يوجهها إلى القاضي رئيس اللجنة ، وهو من يستدعي أعضاء اللجنة الثلاثة الباقين للإجتماع و هو رابعهم ، وهو من يخبر الطرفين المتنازعين الخاضعين للضريبة و مفتشي الضرائب بانعقاد الإجتماع ، وهو من يحرر المقررات و يبلغها إلى الأطراف ، وبالتالي فهو عنصر مهم ونشيط و فعال داخل اللجنة التي لا يمكن تصور تشكيلتها دون حضوره ، بل أن بعض القضاة رؤساء اللجان من يرفع الجلسة أو يؤجلها إذا تغيب الكاتب المقرر أو تعذر عليه الحضور ، و هذا يستدعي أن يتم تعيينه من خيرة الأطر و أن يكون على بينة و دراية تامة بالنصوص القانونية و صاحب تجربة مهمة و كفاءة كبيرة في الميدان الجبائي والمحاسباتي تؤهله لأن يكون مستشارا للقاضي و للجنة قبل أن يكون مقررا و أن يكون حكما عدلا قبل أن يكون عضوا عاديا يتمتع فقط بصوت تداولي .
هذه التعديلات غير الواضحة بخصوص تعيين الكاتب المقرر ، جعلته عرضة لمؤاخدات كثيرة سواء من طرف الخاضعين للضريبة الذين يشكون في استقلاليته عن إدارته الأصلية ( المديرية العامة للضرائب ) و ميوله اللاشعوري إلى ترجيح كفتها حسب زعم بعضهم ، أو حتى من طرف بعض مفتشي الضرائب الذين قد يوجهون إليه اللَّوم و العتاب كلما صدرت مقررات اللجنة في غير صالحهم حيث يعتبرونه جزءا من الأسرة الضريبية التي يمكن أن يعود إليها متى شاءت الإدارة ذلك .
و لذلك وسدا للدريعة و حفاظا على استقلالية اللجنة المحلية لتقدير الضريبة ، نتمنى أن يتم تعيين الكاتب المقرر الذي هو ” ممثل عن الإدارة ” كما جاء بصريح نص المادة 225 من المدونة العامة للضرائب ، من بين أطر إدارة الضرائب الحاصلين على تأهيل في الميدان الضريبي و المحاسباتي و القانوني و الإقتصادي و أن تكون له على الأقل رتبة متصرف من الدرجة الثالثة أو تقني من الدرجة الثانية أو محرر من الدرجة الثانية أو ما يعادل ذلك .
الملاحظة الثالثة : إن جسامة وثقل المسؤولية التي يتحملها الكتاب المقررون للجان المحلية لتقديرالضريبة و طريقة تعيينهم و اختيارهم من طرف المديرين الجهويين للضرائب والإختصاصات القوية المسندة إليهم بقوة القانون ، لم تقابلها الإدارة باستفاذتهم من ” منح المسؤولية أو علاوة المهمة ” التي يستفيذ منها بقية المسؤولين الموازيين بالمديرية العامة للضرائب كالمفتشين المحققين و رؤساء الخلايا و القطاعات و الشعب رغم قلة عددهم ، و بالتالي فلا أحد من الموظفين الضريبيين قد تروقه هذه المهمة أو قد يقبل بها في غياب منح أو علاوات تحفيزية .
الملاحظة الرابعة : يثور السؤال بخصوص تعيين ممثلي الخاضعين للضريبة في حظيرة اللجنة لتقدير الضريبة من طرف عامل العمالة أو الإقليم ، هل يتم التعيين بشكل تلقائي بعد انتهاء مذة انتذابهم المحددة قانونا في ثلاثة(3) سنوات ، أم يجوز للكاتب المقرر للجنة المحلية بعد إذن القاضي رئيس اللجنة مراسلة سلطة التعيين من أجل تعيين ممثلين جدد أو تمديد تعيين الممثلين القدامى ؟ و أعتقد أن الكاتب المقرر و بحكم المهمة الجسيمة الملقاة على عاتقه في حفظ حقوق الأطراف و تتبعه لوضعية كل عضو من أعضاء اللجنة سواء عند استدعائهم لحضور أشغال اللجنة أو مشاركتهم في المداولات أو توقيعهم للمقررات ، يبقى هو المؤهل الوحيد في إخبار عامل العمالة أو الإقليم – بعد إذن من رئيس اللجنة أو تحت إشرافه وليس تحت إشراف المدير الجهوي للضرائب – بانتهاء مهام ممثلي الخاضعين للضريبة أو وفاتهم أو مرضهم أو تعذر حضورهم لظرف من الظروف أو طارئ من الطوارئ .
الملاحظة الخامسة : تبت اللجنة المحلية لتقدير الضريبة في الطعن بكيفية صحيحة إذا حضرها الرئيس و اثنان من أعضائها ، و هذا يعني بأن اللجنة يمكن أن تصدر مقرَّرها بحضور ثلاثة أعضاء فقط من بينهم الرئيس الذي يعتبر حضوره ضروريا و لا غنى عنه ، و عليه فإذا كان المتغيب من أعضاء اللجنة الأربعة هو ممثل عامل الإقليم أو العمالة أو ممثل الخاضعين للضريبة فليس هناك أي إشكال يمكن أن يطرح على مستوى تشكيلة البت ، لكن الإشكال الحقيقي يبرز في حالة تغيب الكاتب المقرر عن جلسة البت و هو الذي يملك مفاتيح الملفات و يقدم الحلول و المقترحات و يفتي بأحسن المخرجات و يحرر المحاضر و المقررات . و لذلك فإننا ندعو إلى تعديل هذا المقتضى القانوني بحيث يمكن للجنة المحلية لتقدير الضريبة أن تبت بصورة صحيحة إذا حضرها الرئيس و الكاتب المقرر و عضو ثالث يكون إما ممثل عامل العمالة أو الإقليم أو ممثل الخاضعين للضريبة .
الملاحظة السادسة : ليس هناك أي مقتضى قانوني يشير لا من قريب و لا من بعيد إلى مكان أو مقر معين لإنعقاد أو اجتماع اللجنة المحلية لتقديرالضريبة ، واقتصرت المادة 3 من المرسوم المحدث للجان المحلية لتقدير الضريبة على أن مقر اللجنة يكون بعاصمة العمالة أو الإقليم دون تحديد للمكان بالضبط ، و تبقى الصلاحية الكاملة للقاضي بصفته رئيسا للجنة أن يعقدها في أي مكان شاء سواء في إحدى مكاتب المحكمة أو مكاتب العمالة أو مكاتب الإدارة الضريبية أو أي إدارة عمومية أخرى ، و قد جرت العادة أن تعقد بمقار المحاكم الإبتدائية قصد كسب ثقة و اطمئنان الطاعنين في الضريبة و إعطاء اللجنة هيبتها التي تستحقها ، لكننا نطالب المشرع بالتنصيص صراحة على مكان الإنعقاد بالمحكمة الإبتدائية قياسا على انعقاد اللجنة الجهوية بمقر المحكمة الإدارية ، وحتى تعيين الكتاب المقررين للجان المحلية يجب أن يكون على مستوى كل محكمة ابتدائية وليس على مستوى كل عمالة أو إقليم كما يلاحظ في مذكرات التعيين التي تصدرها كل مديرية جهوية للضرائب .
الملاحظة السابعة : على المشرع المغربي أن يعيد النظر في تسمية ” اللجان المحلية لتقدير الضريبة ” التي لم تعد مواكبة للتحولات والتطورات الجديدة والمتلاحقة ، وتعويضها بمسمى ” اللجان المحلية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة ” كما هو الشأن بالنسبة للجان الجهوية واللجنة الوطنية ، لأن مهمتها لم تعد تقتصر على تقدير الضريبة بعد عرضها عليها وإنما النظر في المطالبة ثم البت فيها كما جاء في نص الفقرة الأولى من المادة225 من المدونة العامة للضرائب .
هذه الملاحظات السبع نتمنى ألا تكون صيحات في واد ، وأن يجعلها المشرع الضريبي نصب عينيه عند إعداد قوانين المالية التي لا تعرف السكون والجمود .