المنازعة الضريبية أمام القضاء بين التأسيس والتحصيل
الأستاذ حسن العوفي رئيس المحكمة الادارية بفاس
بسم الله الرحمن الرحيم
غالبا ما تثير المنازعات الجبائية أو الضريبية مجموعة من التساؤلات حول علاقة المواطن بمصالح الضريبة من جهة وعلاقته بالقضاء من جهة أخرى، لكن قبل التطرق إلى نوع هذه العلاقة وخصوصيتها لابد من الوقوف على تعريف المنازعات الجبائية.
فالمنازعة الجبائية تعني من جهة الحالة القانونية الناشئة عن وجود خلاف بين المكلف والإدارة الجبائية بمناسبة قيام هذه الأخيرة بتحديد وعاء الضريبة أو تصفيتها أو تحصيلها، ومن جهة أخرى تعني المسطرة الإدارية أو القضائية المقرر قانونا سلوكها لتسوية هذا الخلاف.
وقد تثور المنازعة بين المكلف وبين الإدارة الجبائية بمناسبة قيام هذه الأخيرة بإحدى العمليات المتعاقبة التي تشارك في ربط الضريبة أو جبايتها، فمن المعروف انه للوصول إلى ربط الضريبة ينبغي توافر الواقعة المنشئة لها، وتقدير وعائها وتطبيق السعر المناسب المنصوص عليه قانونا، وبعد الانتهاء من إجراءات ربط الضريبة تعمد الإدارة الجبائية إلى تحصيلها، وفي حالة تخلف المكلف عن أداء الضريبة المستحقة تقوم الإدارة الجبائية بإتباع إجراءات المتابعة والتنفيذ على أموال المتخلفين بمقتضى طرق خاصة منصوص عليها، وبالتالي فإن تنفيذ أعوان الإدارة الضريبية لمهامهم المختلفة قد تؤدي إلى خلق منازعات تكون أطرافها الإدارة من جهة والمكلفين من جهة أخرى.
والإدارة الجبائية تختلف باختلاف الاختصاص أو الوظيفة التي تقوم بها فقد تعني مديرية الضرائب فيما يتعلق بعمليات تحديد وعاء الضرائب وتصفيتها، والخزينة العامة فيما يتعلق بعملية تحصيل الضرائب كما قد تعني إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة فيما يرتبط بالمنازعات التي تنشأ عند ارتكاب المكلفين مخالفات للمقتضيات القانونية أو التنظيمية المنصوص عليها في التشريع الجمركي.
وبفضل ما تتمتع به الإدارة الضريبية من امتيازات وسلطات، فإنها تكون في غالب الأحيان في موقف المدعى عليه القوي بينما يقف المكلف في موقف المدعى الضعيف.
وهذا ما حدى بالمشرع المغربي إلى سن مجموعة من الضمانات تفتح للمكلف أبواب للطعن الإداري والقضائي حتى يوازي الامتيازات والسلطات التي يتوفر عليها الجانب الآخر-يعني الإدارة الضريبية-حتى تكون الغاية من المنازعات هي ممارسة نوع من الرقابة على أعمال الإدارة وضمان احترام الشرعية الضريبية كما أنها تبقى الوسيلة بيد المكلف الضعيف للدفاع عن مصالحه والذود عن حقوقه في مواجهة الإدارة الضريبية، واهم ما تتميز به المنازعات الضريبية عن باقي المنازعات الأخرى هي توزيعها على مرحلتين:مرحلة إدارية إجبارية يتم البت من خلالها في المنازعة من طرف هيئات إدارية متعددة التكوين ومرحلة قضائية ينتقل فيها الاختصاص إلى جهة القضاء ليقول كلمة الفصل في النزاع.
وهنا لا بد من الإشارة إلى انه يبقى للمرحلة الإدارية في مسطرة البت في المنازعات أهميتها القصوى نظرا لعدة اعتبارات منها:
1-إذ أنه غالبا ما يفضل المكلفون اللجوء إلى الإدارة الضريبية مباشرة لأنها صاحبة القرار المنازع فيه، ونجد أن أغلبهم يقف عند هذا الحق ويقتنعون بالحل الإداري، وهذا الاعتقاد بدوره راجع إلى عدة أسباب:
-لان جل التشريعات الضريبية المعاصرة ومنها المشرع المغربي تلزم المكلفين بتقديم طعن إداري أولي قبل اللجوء إلى المحكمة المختصة لطلب حل قضائي للنزاع.
-لاعتقادهم الكبير بأن الحلول الأكثر ملائمة هي تلك التي تكون صادرة مباشرة عن الهيئة صاحبة القرار المطعون فيه.
-لما تتميز به النصوص الجبائية من تعقيد وغموض يجعلها تستعصي على الفهم من طرف أغلبية المكلفين.
-ولعدم اهتمام المكلفين بالحلول القضائية والتي تأتي متأخرة بعض الوقت أو بعد فوات الأوان.
2-لان أكثرية الخلافات مع المكلفين غالبا ما تسوى عن طريق الحوار المباشر مع الإدارة.
3-كما تتجلى فائدة الطعون الإدارية في المنازعات الجبائية أيضا في أنها تستطيع في بعض الأحيان الجمع بين سلطة الملائمة التي تتمتع بها الإدارة وحجج القانون، كما أنها غالبا ما تجنب الالتجاء إلى ميدان المنازعات الحقيقية.
4-ثم أخيرا فإنه يلاحظ على أن سلطات الإدارة تكون أوسع من سلطات القاضي الضريبي إن صح التعبير، بحيث غالبا ما تبث في طلبات الملزم حتى ولو قدمت خارج الأجل وبدون الالتفات إلى الشكليات المسطرية المتطلبة، وكذلك بالنظر إلى توفر الإدارة على الملف الجبائي للمكلفين وهو ما يمكنها من الإلمام بجميع جوانب الخلل في فرض الضريبة وتقديرها إن وجدت، كما يعطيها فرصة تدارك الأخطاء والاغفالات التي تكون قد ارتكبت أثناء ربط الضريبة.
و في الختام فان المنازعات الإدارية في ميدان الضرائب تلعب دورا فعالا في حل كثير من المشاكل وفي تخفيف العبئ على القضاء.
ومن هنا ننتقل إلى الحديث عن المحطة التي تهمنا في المنازعات الضريبية وهي المنازعة في الضريبة أمام القضاء وبالخصوص أمام القضاء الإداري، الذي خوله المشرع في قانون 90/41 ولاية الفصل في المنازعات الضريبية إيمانا منه بأن وجود رقابة قضائية إلى جانب الرقابة الإدارية يعطي للمكلف الضمانة الكافية والاطمئنان النفسي اللازمين للحصول على حقوقه خصوصا وأن المبادئ العامة للعدالة تفرض ان لا يكون الحكم خصما في النزاع.
وعادة ما تصنف الدعاوى القضائية في المنازعات الإدارية بصفة عامة ضمن إطار القضاء الشامل، ذلك أن القاضي يتمتع في إطارها بسلطات واسعة حيث يمكنه إلغاء المقررات الضريبية المعروضة عليه والتي فرضت بها الضريبة، كما يمكنه تغيير أو تعديل نمط هذه المقررات بتخفيض مبلغ الضريبة أو الإعفاء منها.
وتنقسم المنازعات الضريبية إلى قسمين:
1- منازعات في الوعاء الضريبي.
2- منازعات في إجراءات التحصيل.
وهكذا تشكل العمليات المرتبطة بوعاء الضريبة المجال الخصب والأكثر إثارة للخلاف بين المكلف وإدارة الضرائب، وفي هذا الإطار عمل المشرع على تمتيع المكلف بمجموعة من الدعاوى تمكنه من منازعة لإدارة أمام القضاء، منها على سبيل المثال دعوى الاسترداد ودعوى الإلغاء أو دعوى بطلان مسطرة الفرض الضريبي، ودعوى تحويل الالتزام إلى مكلف آخر، كما تشمل هذه المنازعات مختلف الطعون الرامية إلى تصحيح الأخطاء سواء تلك المرتبطة بالتخفيض أو الإعفاء من الضريبة أو رد مبلغ دفع بغير حق.
وتخرج عن ولاية القضاء في هذا الصدد الطلبات الرامية إلى منح التخفيض أو الإعفاء من الغرامات أو الزيادات بصفة ولائية أو استعطافية (المادة 121 من قانون 15/97 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية)، والتي أوكل المشرع اختصاص الفصل فيها إلى مدير الضرائب أو الشخص المخول له ذلك.
القسم الأول:المنازعات في الوعاء الضريبي.
الأصل في تحديد المادة الضريبية في جل القطاعات أنها تعرف انطلاقتها من تصريح تلقائي يصدر عن الخاضعين للضريبة داخل آجال قانونية محددة، حيث يتم ربط الضريبة انطلاقا من العناصر التي توفرها هذه الإقرارات.
ويكتسي تقديم التصريح أهمية بالغة إذ يعبر عن رغبة المكلف في المساهمة في تحمل الأعباء العامة كواجب وطني، كما انه يعبر عن حسن نيته.
وهكذا فان وجود االتصريح بالضريبة يحد من تدخل الإدارة في تحديد الأساس الضريبي، لما يفترض فيه من وقوعه صحيحا، لكن اذا تبين للإدارة من خلال البيانات المقيدة فيه ومقارنتها بالمعطيات المتوفرة لديها التدخل لتغيير الأساس الضريبي، فإن المشرع قد ألزمها باتباع مساطر قانونية تتنوع بين مسطرة المراجعة أو التصحيح، أو قيام بفحص أو هما معا، و أهم ما يميز هذه المساطر هي كونها مساطر تواجهية CONTRADICTOIRE تنبني على إبداء كل طرف لملاحظاته ودخولهما في حوار فعال حول محتوى ومضمون التصريح الضريبي وتبادل المعلومات الأساسية المرتبطة بالوعاء الضريبي، ويمكن الجزم بأن رغبة المشرع هي أن تكون مساهمة المواطنين في تحمل الأعباء العامة ذات بعد سامي تنموي، وبأن يظل الخاضع للضريبة هو الذي يعطي الانطلاقة لتحديد الأساس الضريبي، لذلك فإنه في حالة تقاعسه عن القيام بذلك لسبب أو آخر فان المشرع قد ألزم الإدارة الضريبية بدعوة الخاضع إلى وضع التصريح داخل أجل قانوني.
وبذلك فان تدخل الإدارة في تحديد الأساس الضريبي يظل محددا وذلك بغاية محاربة ظاهرة التهرب الضريبي التي تلازم الأنظمة الجبائية مهما بلغت درجة سموها أو كمالها التشريعي.
ويكتسي هذا الموضوع اهمية بالغة اذ من خلاله سيتم التعرف على مختلف المساطر التي تلجأ اليها الإدارة الضريبية من اجل إعادة تأسيس و ربط الضريبة، وكذا الإجراءات الواجب إتباعها لتحقيق هذا المبتغى، والعراقيل التي تعترضها ، وأخيرا الاخلالات التي قد تشوب مسطرة تأسيس الوعاء الضريبي وذلك من خلال محورين:
المحور الأول:حالات البطلان في الميدان الضريبي
المحور الثاني: أثر البطلان على مسطرة الفرض الضريبي
المحور الأول:حالات البطلان في الميدان الضريبي
لقد نص المشرع على البطلان في حالتين:
1-حالة إخلال الإدارة بأجل الخمسة عشر يوما المنصوص عليها في مسطرة الفحص.
2-حالة الإخلال بأجل الستين (60) يوما المنصوص عليها في مسطرة التصحيح.
وهكذا نصت الفقرة VIII من كتاب المساطر الجبائية الصادر بشأنه الظهير الشريف رقم 255-04-1 بتاريخ 16 ذي القعدة 1425 (29-12-2004) بتنفيذ قانون المالية رقم 04-26 للسنة المالية 2005، على ما يلي:
تكون مسطرة التصحيح لاغية:
*في حالة عدم توجيه الإشعار بالتحقيق إلى المعنيين بالأمر داخل الأجل المنصوص عليه في الفقرة الأولى بالبند الأول من المادة 5 أعلاه أي (15) يوما قبل التاريخ المحدد للشروع في عملية الفحص.
*في حالة عدم تبليغ جواب المفتش على ملاحظات الخاضعين للضريبة داخل الاجل المنصوص عليه في البندII أعلاه أي 60 يوما من تاريخ تقديم رسالة جواب الخاضع.
وأول ما يثير الانتباه بهذا الصدد هو عدم وجود نص قانوني يقضي بالبطلان في حالة إخلال المكلف بالتزامه القانوني أي في حالة الفرض التلقائي للضريبة.
ثم لماذا خص المشرع هاتين الحالتين فقط دون غيرهما من الحالات الأخرى… ولم ينص على ترتيب بطلان المسطرة في حالة وجود إخلال اثناء مرحلة الفرض التلقائي للضريبة.
للإجابة على هذا السؤال سنعرض بإيجاز لأهم المساطر القانونية، ثم سنتطرق الى حالات البطلان لفهم الخطر الذي ينطوي عليه هذا الجزاء والآثار المترتبة عنه.
أولا: المساطر المتعلقة بربط الضريبة:
يتم فرض الضريبة بصفة أولية استنادا إلى ما وقع التصريح به من قبل الخاضعين للضريبة، ولا يتم اللجوء إلى الفرض التلقائي إلا إذا تقاعس هؤلاء عن القيام بالتزامهم القانوني، كما أن التصريح له أهمية، إذ لا يمكن للإدارة الضريبية تغيير الأساس الذي تضمنه التصريح إلا إذا اتبعت إجراءات قانونية قد تكتسي طابع مسطرة فحص وقد تكون مسطرة تصحيح.
لذلك سنتطرق إلى مسطرة الفحص، ثم مسطرة التصحيح ونختم بمسطرة الفرض التلقائي للضريبة.
أ-مسطرة الفحص:
عرف القضاء الفرنسي مفهوم فحص المحاسبة من خلال قرار بلا نيير الصادر بتاريخ 13/3/1967، بأنه مراقبة صدق اقرارات الخاضع للضريبة وذلك من خلال مقارنتها مع البيانات المحاسبية من أجل ضمان فرض عادل للضريبة، كما عرف الفحص المدقق للوضعية الجبائية للخاضع للضريبة والتي تقابل مراقبة الوضعية الجبائية العامة للخاضع للضريبة في القانون الضريبي المغربي بأنه فحص لمدى التناسق بين المداخيل المصرح بها من طرف الخاضع للضريبة من جهة ووضعية هذا الأخير المادية من جهة أخرى.
وقد اقتصر المشرع الجبائي المغربي في هذا الباب على إلزامية توجيه الإشعار بالفحص على حالة فحص المحاسبة دون عملية فحص الوضعية الجبائية للخاضع للضريبة أو غيرها من حالات المراقبة، وهكذا نصت المادة 3 من كتاب المساطر الجبائية على ما يلي:
“إذا قررت الإدارة القيام بفحص محاسبة تتعلق بضريبة أو رسم معين وجب تبليغ إشعار بذلك إلى الخاضع للضريبة وفقا للاجرءات المنصوص عليها في المادة 10 بعده قبل التاريخ المحدد للشروع في عملية الفحص بخمسة عشر (15) يوما على الأقل”.
وتبتدئ هذه المسطرة بتوجيه إشعار بالفحص وتمر عبر مراقبة بعين المكان للوثائق المحاسبية والوجود المادي لكل المعطيات القانونية والواقعية ذات الصلة بتحديد الأساس الضريبي، وتنتهي بانتهاء عملية الفحص والذي لا يجب ان تستمر لأكثر من ستة (6) اشهر أو سنة على أقصى تقدير بالنسبة لبعض الحالات المنصوص عليها.
حيث تنص المادة 3 أعلاه على ما يلي:”ولا يمكن بأي حال من الاحوال ان تستغرق عملية الفحص المشار اليها أعلاه:
“-أكثر من ستة (6) اشهر بالنسبة للمنشآت التي يعادل أو يقل مبلغ معاملاتها المصرح به في حساب الحاصلات والتكاليف برسم السنوات المحاسبية الخاضعة للفحص عن خمسين (50) مليون درهم دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة.
“-أكثر من اثني عشر (12) شهرا بالنسبة للمنشآت التي يفوق مبلغ رقم معاملاتها المصرح به في حساب الحاصلات والتكاليف برسم احدى السنوات المحاسبية الخاضعة للفحص خمسون (50) مليون درهم دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة.
وبعد قيام الإدارة الجبائية بفحص محاسبة الخاضع للضريبة يصبح تغيير الأساس الضريبي متوقفا على النتيجة التي استقرت عليها عملية الفحص الجبائية، ففي الحالة التي تكشف فيها عملية الفحص عن انتظام البيانات المحاسبية وعن عدم وجود أي نقص أو إغفال في مضمون الإقرارات الضريبية فان الإدارة تقوم باعلام الخاضع للضريبة بنتيجة الفحص الجبائي، وذلك بموجب رسالة مضمونة مع الإشعار بالاستيلام ويبقى فقط للإدارة ان هي أرادت ذلك حق إجراء فحص جديد على الحسابات التي سبق التحقق منها دون ان يترتب عن هذا الفحص الجديد، ولو تعلق بضرائب ورسوم أخرى تغيير مبالغ الضرائب التي وقع اقرارها عقب المراقبة الاولى، اما في الحالة التي يكشف فيها فحص محاسبة الخاضع للضريبة عن وجود اخلالات أو نقصان في رقم الاعمال الصرح به ، فان الإدارة الجبائية تقوم بتصحيح الأساس الضريبي وتكون آنذاك ملزمة باتباع مسطرة خاصة باجراءات التصحيح الضريبي.
ب-مسطرة التصحيح:
يمكن للإدارة الجبائية ان تباشر عملية تصحيح الاساس الضريبي مباشرة بعد عملية الفحص، كما يمكنها أن تقوم بذلك دون اللجوء إلى مسطرة الفحص أو المراقبة الضريبية، وذلك بناء على المعطيات التي تتحصل عليها من خلال إجراءات التحري والمراقبة التي تقوم بها أو من خلال عملية فحصها للوضعية الجبائية للخاضع للضريبة.
وتغيير الأساس الضريبي في هذه الحالة لا يتم بصفة انفرادية من طرف الإدارة، ذلك ان القانون الجبائي قيد الإدارة بضرورة اتباع مسطرة تواجهية مع الخاضع، والتي يطلق عليها احيانا اسم “المسطرة المتعارضة“، الا انه في حقيقة الامر لا تنطوي مسطرة التصحيح على أي تعارض بل ان كل طرف يبدي ملاحظته في مواجهة ملاحظات الطرف الآخر، قد تنتهي بالتوصل إلى اتفاق تراضي بشأن التصحيح الضريبي، أو قد يعرض النزاع على اللجان الضريبية.
وتكمن اهمية هذه المسطرة في تكريس مبدأ مساهمة الملزم مع الإدارة الجبائية في ربط الضريبة، وهذا المبدأ يهدف إلى اشراك الملزمين في تحميلهم جزء من عبء الإثبات للتخفيف مما يقع على كاهل الإدارة بهذا الخصوص، وهكذا تم إلزام الخاضعين للضريبة بتقديم تصريح جبائي، كما تم حتهم على التعاون مع الإدارة لتحديد المادة الضريبية وذلك في إطار المسطرة التواجهية.
ج-الفرض التلقائي للضريبة:
يمكن اللجوء إلى الفرض التلقائي للضريبة في حالتين اثنتين:
الأولى:الحالة التي يخالف فيها الملزم المقتضيات المتعلقة بحق المراقبة المخول للإدارة الجبائية، وفي الحالة التي لا يقدم الملزم الوثائق المطلوبة لاجراء المراقبة يتم دعوته من طرف الإدارة بمقتضى رسالة أولى للامتثال إلى الأحكام القانونية داخل اجل خمسة عشر (15) يوما، وفي حالة عدم الاستجابة يتم دعوته بموجب رسالة ثانية لتقديم الوثائق داخل أجل جديد وعند انصرام هذا الأجل دون ان يقدم الخاضع للضريبة الوثائق المطلوبة تفرض عليه الضريبة بصفة تلقائية [1].
الثانية:حالة عدم وضع الإقرار أو وضعه ناقصا من حيث المعلومات الأساسية لتحديد وعاء الضريبة أو تحصيلها، ففي هذه الحالة أيضا توجه الإدارة رسالة أولى إلى الخاضع للضريبة تدعوه من خلالها إلى إيداع إقراره المذكور داخل اجل محدد و عند عدم تقديمه لأي جواب يتم توجيه رسالة ثانية بنفس الطريقة إلى الخاضع، وعند انصرام الأجل دون قيام الخاضع بوضع الإقرار تكون الأسس التي حددتها الإدارة في الرسالة الثانية موضع فرض ضريبي وتتم إجراءات التبليغ وفق الكيفية المنصوص عليها في المادة 10 من كتاب المساطر الجبائية، وذلك تحت طائلة التصريح بطلان مسطرة تصحيح الضريبة.
فالفرض التلقائي إذن لا يكتسي أي طابع تواجهي لان تبليغ الإدارة الخاضع بالأسس الضريبية محل الفرض التلقائي للضريبة ليس من شأنه ان يفتح حوارا بين الإدارة والخاضع، وهو ما تتميز به مسطرة التصحيح، فهي لا تدعوه إلى الموافقة أو إبداء ملاحظاته بشان الأساس المقترح لربط الضريبة بل هي مجرد دعوة أو تذكير من الإدارة للخاضع للضريبة بالتزاماته الجبائية عند تجاهله لها.
ولعل ذلك ما يفسر الصرامة التي تعامل بها القضاء الفرنسي فيما يخص الفرض التلقائي والنابعة من إعمال مبدأ أسبقية الخطأ l’antériorité de la faute، وكذلك من وجود مبدأ الاختصاص المقيد للإدارة في تطبيق هذهالمسطرة le principe de la compétenceliée، فمبدأ أسبقية الخطأ يقوم على أساس، ان الخاضع للضريبة هو الذي كان سباقا إلى الخطأ حينما لم يقم بالتزامه القانوني، وان أي خطأ من جانب الإدارة سبقه خطأ من جانب الملزم.
ويمكن الإشارة إلى بعض تجليات موقف القضاء الفرنسي من خلال ما يلي:
1- الخلل الذي قد يطال الرسالة الثانية الموجهة للخاضع للضريبة ليس من شأنه التأثير على صحة مسطرة الفرض التلقائي للضريبة.
2- سجن الخاضع للضريبة عند تبليغ رسالة الإدارة لتقديم الإقرار، لا يشكل قوة قاهرة لتسوية وضعيته الجبائية طالما انه لم يقم خلال الثلاثين يوما المحددة له بالإجراءات الضرورية من اجل الحصول على الوثائق أو المعلومات الضرورية لتعبئة الإقرار.
3-ان الاجتهاد القضائي الفرنسي قد سار على انه في جميع الحالات التي يكون فيها عدم التوصل بطي التبليغ أو التأخير في التوصل به يرجع لظروف يتحملها فقط الخاضع للضريبة، فهذا الأخير لا يمكنه ان يرتكز على ذلك الفعل بالتقادم، كما ذهب في نفس الاتجاه حين قضى بأنه اذا رحل الخاضع للضريبة وغير مسكنه أو محل استغلاله او حول مقره الاجتماعي دون ان يقوم بالإجراءات الضرورية أمام إدارة البــريد من اجل إعادة إرسال رسائله أو تسليمها لمن ينوب عنه بكون التقادم قد تم قطعه بأول رسالة موجهة إلى العنوان الذي يضمنه في آخر إقرار له.
وفي نفس الاتجاه عبر القانون الفرنسي عن موقفه المتشدد في حالة الفرض التلقائي حين وضع عبء الإثبات على الخاضع للضريبة متى وجد في حالة الفرض التلقائي، وتفسير ذلك ان الضريبة المفروضة تلقائيا تنبني على فرضية الصحة وينبغي على الخاضع للضريبة أن يدحض هذه القرينة بإثبات العكس.
أما في المغرب فان الأمر يعدو اقل صرامة حيث سـار الاجتهاد القضائي للمحاكم الإدارية على التصريح ببطلان مسطرة الفرض كلما استبان له ان الخاضع للضريبة لم يبلغ بصفة قانونية كما اعتبر رجوع رسالة البريد بعبارة “غير مطلوب” لا تفيد التبليغ قطعا.
المحور الثاني: اثر البطلان على مسطرة الفرض الضريبي:
يمكن تعريف البطلان بأنه كل عمل أو تصرف يخالف نموذجه القانوني مخالفة تؤدي إلى عدم إنتاج الآثار التي يرتبها عليه القانون كما لو أنه جاء على الوجه المطلوب والأكمل.
واهتمام المشرع بتنظيم أشكال التصرف والأعمال القانونية لم يأت عبثـا وإنما هو مقرر لحماية المراكز والمصالح القانونية للخصوم، الا ان هذا البطلان كجزاء لا يصح ان يكون في ذات الوقت نوع من الداء، وحتى لا يكون كذلك لابد ان يؤخذ به بقدر فلا يتوسع فيه على نحو يصبح الشكل هو الغالب على المضمون، ولا يضيق منه بحيث يهدر الشكل المطلوب بدعوى ان العبرة بالمضمون.
وقد كان مسلك القوانين القديمة يرمي في المقام الأول إلى احترام الأشكال ويرتب البطلان على مخالفتها، الا ان مسلك التشريعات الحديثة يروم اكثر إلى حماية مصالح الخصوم والاكتفاء بالنظر إلى الشكل على انه مجرد وسيلة أو اداة من صنع المشرع يقصد من ورائها تحقيق غايات محددة فان تحققت تلك الغايات فلا يحكم ببطلان الإجراء المتمسك به لمخالفته لقواعد الشكل.
لذا نجد المشرع المصري يقرر أن تحقق الغاية من الاجراء يمنع الحكم ببطلانه، كما ان نظيره الفرنسي منع الحكم بالبطلان حتى ولو خالف الشكل نص القانون، طالما لم يتحقق ضرر من جراء ذلك، كما أن كلاهما أجازا تصحيح الإجراء الباطل وجبره.
وفي نفس المنحى نجد أن المشرع المغربي لم يتوسع في الأخذ بنظرية البطلان، كما أن الفقه والقضاء كرسا قاعدة أساسية مفادها ان لا بطلان بدون نص ولا بطلان بدون ضرر.
وبالرجوع إلى القانون الجبائي، نجد انه لم يقم التنصيص على البطلان إلا في حالتين فقط، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، تتعلق أولاهما بعدم توجيه الإشعار بالفحص إلى الخاضع للضريبة على الأقل (15) يوما قبل الشروع في عملية الفحص ، وثانيهما بعدم تبليغ الإدارة إلى الخاضع للضريبة الرسالة الثانية المقررة في إطار مسطرة التصحيح دخل اجل (60) يوما تبتدئ من تاريخ توصل الإدارة بجواب الخاضع عن الرسالة الأولى.
ويظهر جليا من خلال النص على حالتي البطلان السالفتي الذكر نية المشرع في عدم التوسع في نظرية البطلان مواكبة منه للاتجاهات الحديثة ورغبة منه في حماية الدين الضريبي، وما يؤكد هذا المنحى هو تنصيص المشرع على عدم اثارة البطلان لاول مرة امام اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبية حيث نص في البند VIII منالمادة 11 من كتاب المسطر الجبائية على ما يلي: تكون مسطرة التصحيح لاغية:
“في حالة عدم توجيه الاشعار بالتحقيق إلى المعنيين بالامر داخل الاجل المنصوص عليه في الفقرة الاولى بالبند الاول من المادة 3 أعلاه.
“في حالة عدم تبليغ جواب المفتش على ملاحظات الخاضعين للضريبة داخل الأجل المنصوص عليه في البندII أعلاه…
ّولا يجوز اثارة حالات البطلان المشار اليها أعلاه من لدن الخاضع للضريبة لاول مرة امام اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة.
لكن في المقابل نجد بعض الملزمين يطالبون بابطال الضريبة رغم ان الإدارة عبرت عن حسن نيتها وقامت بمراسلة الخاضع للضريبة وفق المعطيات المتوفرة لديها وخاصة فيما يتعلق بالفرض التلقائي للضريبة معتبرين ان الإدارة حرمتهم من حق الدفاع والحال ان في جل الحالات تكون الإدارة قد بادرت إلى مكاتبة الخاضع أو الملزم ، الا ان سببا ما خارجا عن إرادتها حال دون ذلك، كأن يصرح اليها الخاضع بعنوان ناقص أو ان يرجع الطي بعبارة “غير مطلوب” ففي كلتا الحالتين تكون الإدارة قد افصحت عن نيتها في عدم فرض الضريبة قبل اعلام الملزم طبق للإجراءات والضوابط االقانونية المعمول بها، الا ان المانع يأتي احيانا كثيرة من طرف الملزم أو الخاضع نفسه بتقاعسه عن سحب الرسالة من مكتب البريد، أو بعدم تصريحه بالعنوان الصحيح والكامل الذي يمكن من العثور عليه، فكل هذه المعطيات تشير إلى ان الخاضع للضريبة لم يصرح تلقائيا بالواقعة المنشئة للضريبة، كما ان وقف حائلا امام استكمالإجراءات تصحيح الضريبة، الا اننا نجد ان القضاء في مثل هذه الحالات كثيرا ما يصرح ببطلان مسطرة الفرض الضريبي مع ما يترتب عنها من اعفاء الملزم من اداء واجبه في تحمل الاعباء العامة.
و يعد البطلان من اقسى الجزاءات القانونية نظرا لآثاره الخطيرة، والتي من نتائجها اعدام الآثار المترتبة عنه لاحقا، وقد تؤدي إلى اهدار حقوق الخزينة كاملة في بعض الاحيان.
وقد يكون البطلان مطلقا عندما لا يكون بامكان الإدارة اصلاح نتائج الاخلالات، وتبعا لذلك القيام بالتصحيحات اللازمة لتدارك اختلالات والنقائص التي شملت المسطرة المعنية وقد يكون نسبيا في حالة العكس، اذن فكيف تعامل القضاء مع الطعون في الميدان الضريبي من حيث ترتيب آثاره ونتائجه على مسطرة الفرض الضريبي.
لقد أظهرت المنازعة الفعلية من خلال النصوص القانونية وكذا الاحكام الصادرة عن القضاء الفرنسي و المغربي على قلتها أن للبطلان أثرا نسبيا فقط وذلك من خلال الأوجه التالية:
الوجه الأول: التوسع في قطع التقادم
تنص المادة 23 من كتاب المساطر الجبائية المغربي على أن اجل تقادم الوعاء ينقطع بالتبليغ المتعلق بالتصحيحات التي تعتزم الإدارة القيام بها في إطار مراجعة الضريبة، وكذلك بالتبليغين المتعلقين بإجراءات فحص الضريبة بصورة تلقائية.
فإذا انقطع التقادم يفتح للإدارة اجل جديد لاستدراك الأخطاء والاغفالات وأوجه النقص المنصوص عليها في المادة 23 المذكورة، لكن يبقى التساؤل المطروح هل يؤثر الإجراء الباطل شكلا على قطع التقادم؟ لم يتطرق القانون الجبائي لهذا الموضوع لكن بالرجوع إلى القانون المدني نجد أن الفقرة الأولى من الفصل 381 من ق.ل.ع تنص على أن :”التقادم ينقطع بكل مطالبة قضائية أو غير قضائية يكون لها تاريخ ثابت…أو رفعت أمام قاضي غير مختص أو قضى ببطلانها لعيب في الشكل…”.
وهكذا يتضح من الفقرة المذكورة أعلاه أن بطلان الإجراء القاطع للتقادم لعيب في الشكل لا يؤثر على قطع التقادم، وان المشرع المغربي سوى بين المطالبة التي ترفع أمام قاض غير مختص وبين المطالبة الباطلة شكلا، ولقد كان المشرع موفقا في هذه التسوية ما دام أن النية في المطالبة بالحق قائمة في كلتا الحالتين وان قرينة الاحتمال التي تقوم عليها نظرية التقادم غير متوفرة، وهذا التوجه الذي سار عليه القانون المغربي وكذا وكذا نظيره اللبناني [2] جاء مخالفا لتوجه القانون الفرنسي الذي اخذ فقط بالمطالبة القضائية أو غير القضائية التي ترفع أمام قاضي غير مختص كسبب لقطع التقادم وهذا الاتجاه كان موضوع انتقاد فقهي حاد من طرف معارضي التفرقة بين الحالتين.
وهكذا و انسجاما مع روح أحكام القانون المدني المغربي نرى ان بطلان المسطرة لا يؤثر على قطع التقادم الذي تنشئه التبليغات المنصوص عليها في المادة 23 من كتاب المساطر الجبائية، ما دامت الإدارة لم تفوت عن نفسها حقها في مباشرة إجراءات التصحيح داخل اجل التدارك وعبرت عن نيتها في القيام بتلك الإجراءات.
بل نجد أن القضاء الفرنسي قد خالف توجه المشرع الفرنسي في هذا المجال والذي لا يأخذ بالمطالبة الباطلة شكلا كسبب قاطع للتقادم، وقرر ان اجل التقادم تم قطعه بصفة صحيحة بتبليغ التصحيحات التي تم إلغاؤها وتعويضها لاحقا بتبليغ ثاني.
ولا يمكن في هذا المضمار تجاهل موقف القضاء المغربي من خلال حكم صادر عن المحكمة الإدارية بوجدة بتاريخ 16/2/2000 [3] قضت فيه بإلغاء مسطرة فرض الضريبة، لكن جاء في تعليلها أن :”الإلغاء ينصب على المسطرة التي يمكن للإدارة بناء على ما ذكر تصحيح الوضع بإجراء مسطرة سليمة للمراجعة وتمتيع الجهة الملزمة بجميع الضمانات القانونية”.
الوجه الثاني:امكانية إعادة ترتيب المسطرة.
لا يوجد في القانون الجبائي المغربي ما يمنع الإدارة من إجراء عمليات فحص متكررة أو من إعادة مسطرة التصحيح، وذلك على خلاف المشرع الفرنسي الذي قضى في المادة 51 من كتاب المساطر الجبائية أنه:”عندما تنتهي عملية فحص المحاسبة بالنسبة لفترة معينة عن ضرائب ورسوم فلا يمكن للإدارة ان تقوم بعملية فحص لهذه المحاسبة عن نفس السنوات وعن نفس الضرائب.”.
إلا أن المقتضى القانوني الوحيد في القانون الضريبي المغربي هو ما نصت عليه المادة 3 من كتاب المساطر الجبائية والذي جاء البند II منه تنص على ما يلي:”يجب على الإدارة عقب كل مراقبة للضرائب في عين المكان:
-أن تطبق المسطرة المقررة في المادة 11 أو 23 في حالة تصحيح اسس فرض الضريبة.
-ان تقوم في حالة العكس باطلاع الخاضع للضريبة على ذلك ، ويجوز لها ان تقوم فيما بعد بفحص جديد للحسابات التي سبق فحصها من غير ان يترتب على هذا الفحص الجديد ولو تعلق بضرائب ورسوم أخرى تغيير اسس الضريبة التي وقع اقرارها عقب المراقبة الاولى.
لذلك فان المشرع المغربي بعكس المشرع الفرنسي قد سمح بامكانية إجراء الإدارة لعملية فحص جديد لحسابات الخاضع للضريبة التي سبق الانتهاء من فحصها، لكنه اشترط الا تغير الإدارة من خلال عملية الفحص الجديدة الأسس التي سبق إقرارها عقب المراقبة الاولى.
هذا فيما يخص مسطرة الفحص، اما بخصوص مسطرة التصحيح فانه لا يوجد أي نص قانوني يمنع الإدارة من اعادة المسطرة، كما لا يوجد أي قيد عليها في ذلك على خلاف مسطرة الفحص التي قيدها المشرع بعدم تغيير اساس ربط الضريبة، وبذلك فان وجد ما يبطل مسطرة التصحيح لعدم تبليغ الإدارة الرسالة الثانية للخاضع داخل الستين يوما يمكن لمفتش الضرائب اعادة المسطرة، وذلك بتبليغ الخاضع للرسالة الأولى ثم تتابع المسطرة وفق ما يقتضيه القانون.
الوجه الثالث:حق الادارة في إجراء المقاصة.
قد تستعمل الإدارة حقها في المقاصة لاستدراك مادة ضريبية فاتتها أو أن تأخذ في عين الاعتبار في حساب الضريبة موضوع النزاع عنصرا جديدا لم تكن أخذته في الحساب، وذلك في مقابل التخفيض الثاني للخاضع للضريبة الحق فيه.
وأنه إعمالا لهذا المقتضى القانوني، فان الخاضع للضريبة اذا طلب إسقاط ضريبة أو التخفيض منها، جاز للإدارة خلال إجراءات بحث الطلب ان تقرر إجراء مقاصة بين مبالغ الإسقاط أو الإرجاع التي تبث للطالب الحق فيها وبين المبالغ التي لا يزال مدينا بها بسبب اوجه النقص أو الاغفالات غير المنازع فيها الملاحظة في تحديد وعاء الضريبة أو حساب نفس الضريبة المفروضة عليه وغير المتقادمة، وعندما ينازعها الخاضع فيما استحق عليه بسبب نقصان أو إغفال يدخل تصحيحه في نطاق الإجراءات المنصوص عليها في مسطرة التصحيح.
لكن بالرجوع إلى القانون الفرنسي نجده ينص في المادة 203 من كتاب المساطر الجبائية على ما يلي:”عندما يطلب الخاضع للضريبة الاعفاء أو التخفيض من فرض ضريبي كيفما كان نوعه يحق للإدارة خلال أي مرحلة من مراحل المسطرة ورغم مرور اجل التقادم ان تقوم أو تطلب المقاصة في حدود الفرض الضريبي المنازع فيه، ما بين التخفيض الذي له الحق فيه والنقصان أو الإغفال كيفما كانت طبيعته الملاحظ في وعاء أو حساب الضريبة خلال بحث طلبه”.
وعلى خلاف ذلك نجد أن المشرع المغربي نظم فقط مسطرة المقاصة التي تقوم بها الإدارة حين البحث في شكاية الخاضع للضريبة ولم ينظم إمكانية دفع الإدارة بالمقاصة أثناء المنازعة أمام القضاء، لذا نرى انه لا يوجد ما يمنع قانونا القيام بذلك طالما ان أوجه النقص أو الاغفالات لم يتم اكتشافها إلا بعد عرض النزاع امام المحكمة علما بان المنازعة القضائية تقطع التقادم.
وهكذا نخلص من خلال المساطر التي تم التطرق اليها في هذا الموضوع ان مسطرة الفرض التلقائي تتضمن “دعوة” إلى الخاضع للمساهمة في الفرض الواقعي والقانوني للضريبة، أما مسطرة التصحيح فهي تنطوي على “اقتراح” للأسس التي ستعتمدها الإدارة لربط الضريبة ودعوة ثانية إلى الخاضع لمناقشة هذه الأسس المقترحة وإبداء رأيه وملاحظاته في شأنها.
وبذلك فان هذه المساطر تبقى بعيدة عن الفرض الانفرادي للضريبة ومن تمة وجب التريت من طرف القضاء وعدم التوسع في نظرية البطلان حتى لا يهدر حقوق الخزينة وحتى لا يستعمل جزاء البطلان كمطية للتهرب من اداء الضريبة التي هي من اوكد الواجبات الملقاة على عاتق المواطنين، ولكونها برهان قاطع على المواطنة الخالصة والهادفة لما تشكله الضرائب والرسوم من مداخيل هامة و أساسية في تحقيق المصلحة العامة من خلال الانفاق على المشاريع العامة التي تحقق اشباعا لرغبات وحاجيات المواطنين في مختلف القطاعات سيما ذات الطابع الاجتماعي و الاقتصادي.
القسم الثاني:منازعات التحصيل:
تأخذ منازعات التحصيل حيزا هاما في الدعاوى الضريبية لاعتبارين:
1-لان هذا النوع من المنازعات لم يكن يستلزم طعنا إداريا في ظل ظهير 21/8/1935 بسن ضابط للمتابعات في ميدان الضرائب المباشرة والرسوم المماثلة لها بعكس القانون رقم 15/97 بمثابة مدونة التحصيل الجديدة الذي الزم في مادتيه 117 و 118 بسلوك مسطرة المطالبة الإدارية.
2-ولأن اغلبية المنازعات في هذا الاطار تتعلق بمنازعات موضوعية في التنفيذ.
ويشكل ظهير 22/11/1924 وظهير 21/8/1935 اللذين ألغيا بمقتضى الظهير الشريف رقم 175-00-1 الصادر في 28 محرم 1421 (3/5/2000) بتنفيذ القانون رقم 15/97 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية، الأساس القانوني لمنازعات التحصيل.
كما تتخذ منازعات التحصيل عدة اشكال فهي اما تتعلق بمنازعات في وجود الالتزام بالأداء (ادعاء الاداء أو التقادم)، أو تتخذ شكل تعرض ضد أعمال المتابعة (الإنذار، الحجز ثم البيع)، أو منازعة حول الامتياز.
و سنتناول هذا القسم في محورين تخصص الأول للحديث عن إجراءات تحصيل الدين الضريبي بدء من مسطرة التحصيل الودي للوصول إلى مسطرة التحصيل الجبري، و نتناول في المحور الثاني مسطرة إيقاف أو تأجيل الأداء.
المحور الأول: إجراءات تحصيل الدين الضريبي:
إن تحصيل الدين الضريبي يفرض رهانات مالية و له تأثيرات اقتصادية واجتماعية على المكلفين أو المسؤولين سواء كانوا أشخاص طبيعية أو معنوية، كما يكتسي صبغة خاصة إذ غالبا ما يكلف المحاسب بتحصيل مبالغ ضريبية لم يساهم في تحديد وعائها و مقدارها و من تمة لا يستطيع أن يقنع الملزمين بقانونية هذه الضرائب سيما الصغار منهم و الذين يمثلون أغلبية المدينين للخزينة.
ويقصد بالتحصيل مجموع العمليات والإجراءات التي تهدف إلى حمل مديني الدولة أو الجماعات المحلية وهيئاتها والمؤسسات العمومية على تسديد ما بذمتهم من ديون بمقتضى القوانين والأنظمة الجاري بها العمل أو ناتجة عن أحكام وقرارات القضاء أو عن الاتفاقات.
وتنقسم إجراءات التحصيل إلى قسمين:
1-مرحلة التحصيل الودي.
2-مرحلة التحصيل الجبري.
أولا: مرحلة التحصيل الودي:
لقد حدد المشرع هذه المدة في الفترة المتراوحة بين تاريخ صدور الجداول الضريبية وتاريخ استحقاق الضريبة ، فخلال الشهرين المواليين لشهر الشروع في التحصيل (المادة 5 من ظهير 03/5/2000 بتنفيذ القانون رقم 15/97)، يتم إخبار الملزم بواسطة إعلام بالضرائب المترتبة عليه وبتاريخ استحقاقها وعند انصرام الآجال المشار إليها، يوجه له إنذار بدون صائر من اجل حثه على تسوية وضعيته الجبائية قبل الشروع في المرحلة الجبرية وعند عدم الأداء داخل هذه الآجال يسمح للقابض بمباشرة جميع التدابير الضرورية للوصول إلى تحصيل هذه الديون.
ثانيا: مرحلة التحصيل الجبري.
الإجراءات الجبرية تمارس في حق الملزمين الذين يتوانون عن تسديد ديونهم بإرادتهم داخل المدة المشار إليها سابقا، وهكذا تنص المادة 36 من قانون 15/97 على ما يلي:”لا يمكن مباشرة التحصيل الجبري إلا بعد إرسال آخر إشعار للمدين بدون صائر، ويجب تقييد تاريخ إرسال هذا الإشعار في جدول الضرائب والرسوم، أو في سند تنفيذي آخر، ويعتد بهذا التقييد ما لم يطعن فيه بالزور.”
كما نصت المادة 37 من نفس القانون على ما يلي: ” تباشر إجراءات التحصيل الجبري للديون العمومية حسب الترتيب التالي:
-الإنذار-الحجز-البيع، ويمكن اللجوء إلى الاكراه البدني لتحصيل الضرائب والرسوم والديون العمومية الأخرى وفق الشروط المنصوص عليها في المواد 76 إلى 83 “.
وقبل التطرق لهذه الاجراءات لا بد من معرفة الاشخاص الذين يمكن متابعتهم؟
ان الجواب عن هذا السؤال نجده في احكام المادة 29 من القانون الآنف الذكر التي تنص على أنه:”يباشر التحصيل الجبري بناء على سندات تنفيذية طبقا للشروط المنصوص عليها في هذا القانون في حق:
-المدينين الذي لم يؤدوا ما بذمتهم من ديون داخل الآجال المحددة.
-الاشخاص المشار اليهم في المواد 93 إلى 99 ادناه.
وهكذا يتجلى من استقراء المواد 93 إلى 99 من قانون 15/97 ان المشرع قد وسع من نطاق الاشخاص الملزمين بالاداء، اذ انه بعد ان جعل جداول الضرائب وقوائم الاجراءات وسندات التحصيل قابلة للتنفيذ ضد المدينين المسجلين فيها، وضد كل ذوي حقوقهم وكل الاشخاص الآخرين الذين جعل المدينون موطنهم الجبائي لديهم بموافقتهم، فانه اشار الى مسؤولية المالك الجديد المفوت إليه في حالة تفويت عقار (المادة 94)، وايضا إلى مسؤولية العدول والموثقين التضامنية في حالة انتقال ملكية عقار أو تفويته و ثبوت عدم مطالبتهم بالاطلاع على شهادة مسلمة من مصالح التحصيل تثبت ان الضرائب والرسوم المثقل بها العقار (المادة 95) وكذلك مسؤولية المفوت إليه في حالة تفويت اصل تجاري أو مؤسسة تجارية أو صناعية أو تقليدية بعوض أو بالمجان (المادة 96).
ثم أضاف إلى هؤلاء الاشخاص التزامات المودع لديهم والاغيار الحائزين، ولقد اشار اليهم في المواد 100 إلى 101 وتشمل المصفين القضائيين والموثقين والحراس و مصفى الشركات المنحلة وغيرهم من المؤتمنين على الاموال والذين ألزمهم المشرع الا يسلموا الاموال التي بحوزتهم للورثة أو الدائنين أو الأشخاص الآخرين الذين لهم الحق في الحصول على المبالغ المحروسة أو المودعة الا بعد إثبات اداء الضرائب والرسوم الواجبة على الاشخاص الذين يمتلكون تلك الاموال.
وكذلك الحال بالنسبة لكتاب الضبط والاعوان القضائيين والمحامين فيما يخص الاموال الناتجة عن عمليات التفويتات والحراسة القضائية المودعة لديهم.
ثم جاءت المادة 101 من نفس القانون تشير إلى انه يتعين على المحاسبين العموميين والمقتصدين والمكترين وكل الحائزين أو المدينين الآخرين بمبالغ يملكها، أو ينبغي ان تعود لفائدة الملزمين بالضرائب والرسوم والديون الأخرى المتمتعة بامتياز الخزينة، ان يدفعوا وفاء عن الملزمين بناء على طلب المحاسب المكلف بالتحصيل على شكل اشعار للغير الحائز الاموال التي يحوزونها، أو التي يدينون بها وذلك في حدود المبالغ الواجبة على هؤلاء الملزمين، كما يخضع ايضا للالتزامات المشار اليها في الفقرة الاولى من هذه المادة مسير الشركات أو متصرفوها أو مديروها بالنسبة للضرائب والرسوم المترتبة عليها، وذلك بصفتهم اغيارا حائزين.
وهكذا بالاستناد إلى هذه المقتضيات، فانه يمكن الزام الاغيار الحائزين أو المودع لديهم المشار اليهم في المادتين 100 و 101 بنفس الطرق المستعملة ضد الملزمين انفسهم بدفع المبالغ الموجودة لديهم والمتمتعة بامتياز الخزينة إلى المحاسب المكلف بالتحصيل باستثناء اللجوء إلى مسطرة الإكراه البدني.
المحور الثاني: مسطرة تأجيل أو إيقاف أداء الضريبة
القاعدة العامة تقتضي بأن أي دين خاصا كان أو عموميا يعتبر واجب الأداء بأكمله حين حلول أجله لكن بالنسبة للدين الضريبي فهو يكتسي صبغة خاصة لأنه يدخل في خانة القرارات الإدارية التي تخضع لقاعدة انعدام الأثر الواقف Effet Suspensif و التي ترتكز على امتياز الأولوية و هذا ما كرسته المادة 18 من ظهير 15 في ظهير 22/8/1935 بسن نظام المتابعات في ميدان الضرائب المباشرة و الرسوم و الأداءات المماثلة و التي عوضتها المادة 117 من القانون رقم 97-15 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية و التي جاءت فقرتها الأولى تنص على أنه بصرف النظر عن أي مطالبة أو دعوى ينبغي على المدينين أن يؤدوا ما بذمتهم من ضرائب و رسوم و ديون أخرى طبقا للشروط المحددة في هذا القانون.
لكن بالرغم من ذلك فقد سمح المشرع للمحاسب المكلف بالتحصيل وبصفة استثنائية إمكانية منح تسهيلات في الأداء [4] شريطة تقديم الضمانات المنصوص عليها في المادة 118 مما ينتج عنه تشطير الدين المطالب به إلى أقساط أو دفعات محددة الأجل.
و يلاحظ عمليا أن أغلب القباض المحاسبين يستجيبون لهذه الطلبات أي متى كان المدين في ضائقة مالية يصعب فيها عليه الوفاء بالضريبة بأكملها، وخصوصا إذا كان مبلغ الدين الضريبي ضئيلا و كان الملزم متعوذا على الوفاء بالتزاماته الضريبية.
و عليه نتناول هذا المحور في مبحثين نخصص الأول لمسطرة وقف أو تأجيل أداء الدين الضريبي و الثاني لمسطرة إيقاف التنفيذ.
المبحث الأول: مسطرة وقف الأداء
إن مسطرة وقف الأداء تعني الحق المخول بمقتضى القانون لكل شخص مطالب بدين ضريبي أن يلجأ إلى المحاسب المكلف بالتحصيل أو القابض من أجل أن يوقف إجراءات المتابعة إلى حين البت في شكايته المتعلقة بموضوع الدين أو صدور حكم في الدعوى المقامة امام القضاء حول نفس الدين و ذلك شريطة تقديم ضمانات تؤمن أداء هذا الدين.
و من خلال هذا التعريف نستخلص أن وقف الأداء مرتبط بتوافر الشروط الأساسية منها:
1- ضرورة المنازعة كليا أو جزئيا أي تقديم تظلم أو دعوى أمام المحكمة المختصة في نفس موضوع الدين سواء في مسألة تحديد الوعاء أو في إجراءات تحصيل الدين الضريبي.
2- أن ينصب طلب وقف الأداء على الجزء المتنازع فيه، أما الباقي من مبلغ الضريبة الذي لا يكون موضوع منازعة فلا يقبل التأجيل.
3- تقديم ضمانة كافية لتأمين أداء الضريبة و هكذا و بحسب مقتضيات المادة 117 من مدونة التحصيل فإنه ينبغي للاستفادة من الأثر الواقف للأداء إلى حين صدور قرار نهائي يحسم النزاع يتعين على الملزم أن يكون الضمانات الكافية لتأمين تحصيل الضريبة و هو من أهم الشروط الموضوعية التي تضمنتها جل التشريعات المعاصرة و ذلك بهدف التصدي للطلبات الكيدية Dilatoires التي تهدف إلى عرقلة تحصيل الدين العمومي وأما طبيعة هذه الضمانات فقد ورد تعدادها على سبيل المثال لا الحصر في المادة 118 من المدونة التي تضمنت عبارة “يمكن للمدين أن يعرض أشكالا أخرى من الضمانات على أن يتم قبولها من طرف المحاسب.
و بعد أن يقوم المحاسب بفحص طلب وقف التنفيذ من حيث الشروط الشكلية كوجود مطالبة نزاعية قانونية و احترام الآجال ينتقل إلى التحقق من مدى كفاية الضمانات المعروضة عليه بالنظر إلى أنه يملك لوحده سلطة تقديرها، إلا أن الخطأ في بعض الأحيان أن بعض المحاسبين يبالغون في هذا التقدير و يرفضون الضمانات المقدمة من الملزمين رغم أنها تبدو كافية لتأمين الدين الضريبي مما يضطر معه هؤلاء إلى تقديم طلبات إيقاف التنفيذ أمام القضاء، و بعد عرض هذه الضمانات على القابض المالي و عدم استجابته لطلباتهم بتأجيل الأداء.
و في هذا الصدد صدر عن رئيس المحكمة الإدارية بفاس أمرا استعجاليا بتاريخ 4/7/2006 تحت رقم 83/06 في ملف استعجالي عدد 64س/06 قضى فيه بإيقاف إجراءات التحصيل بعدما تبين له أن الضمانات المقدمة من الملزم كفيلة بتأمين الدين المنازع فيه و ما جاء في حيثياته:
” و حيث إنه و أمام قيام الدليل من ظاهر أوراق الملف على تقديم الطالبة أي الملزمة لضمانتين للقابض على شكل رهن أصلها التجاري الكائن ب …… الذي تصل قيمته التجارية بجميع عناصره إلى ما يناهز 2.250.000,00 درهم بالإضافة إلى رهن عقاري انصب على الملك موضوع الرسم العقاري عدد 09749/07 في اسم السيد …………… بصفته المسير الوحيد للشركة المدعية و الذي تقدر قيمته ب 455.000,00 درهم، و هو ما يعتبر ضمانة كافية لتأمين الدين المنازع فيه و الذي لا يتجاوز مقداره 816.222,70 درهم.
و حيث قدرنا على ضوء كل ذلك أن الطالبة قد استجابت لمقتضيات المادتين 117 و 118 من قانون 15/97 و أنها كونت الضمانة الكافية و الكفيلة بتأمين أداء الدين المطلوب …”.
المبحث الثاني: مسطرة إيقاف التنفيذ
يقصد بإيقاف تنفيذ إجراءات استخلاص دين ضريبي الحكم الذي بموجبه يرى القاضي الاستجابة بناء على طلب الملزم و بعد توفر شروط معينة أن يوقف مؤقتا إجراءات تحصيل الضريبة إلى حين البت بحكم نهائي في موضوع المنازعة.
و تتميز هذه المسطرة عن مسطرة وقف الأداء لدى القابض المالي بكون هذه الأخيرة هي مسطرة إدارية منظمة بنصوص خاصة (المادتين 117 و 118) من مدونة تحصيل الديون العمومية و هي مسطرة إدارية لتأجيل الأداء تدخل في صميم السلطة التقديرية للمحاسب في حين أن مسطرة إيقاف التنفيذ هي مسطرة قضائية تقرر بناء على حكم أو قرار قضائي في إطار ضوابط قانونية موضوعية.
كما أن تطبيق المسطرتين يختلف تماما من ذلك أن تقديم الضمانة يبقى شرطا إلزاميا لإيقاف أو تأجيل الأداء في حين أنه ليس كذلك بالنسبة لمسطرة إيقاف التنفيذ كما هو متفق عليه فقها و قضاء.
و لكي لا نطيل البحث في هذه المسألة سنتطرق و بإيجاز إلى شروط إيقاف التنفيذ أمام القضاء و هما شرطان أساسيان استقر عليهما الاجتهاد القضائي طيلة عشر سنوات على إنشاء المحاكم الإدارية و هما جدية المنازعة و عنصر الاستعجال المستمد من حدوث اضرار يصعب تداركها عند تنفيذ إجراءات التحصيل.
الشرط الأول: شرط الجدية
إن المنازعة في الضريبة أمام قضاء الموضوع لا يكفي لوحده لقبول طلب وقفها من طرف القاضي الاستعجالي، إذ لا بد من توافر المنازعة الجدية و هذا ما أكدت عليه الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى من خلال عدة قرارات كان أهمها القرار الصادر عنها تحت رقم 272 بتاريخ 24/4/2003 في الملف الإداري عدد 70/4/4/2001 قضية بلمهادي ميمون ضد الخزينة العامة و الذي مما جاء فيه: “… لكن حيث إنه بالرجوع إلى نص المادة 117 من مدونة التحصيل المحتج بها، يتبين أن الطلب الذي يستلزم تقديم الكفالة هو طلب وقف الأداء المتعلق بجزء من الضريبة المنازع فيه و تقدم أساسا إلى المحاسب المكلف بالتحصيل كما يستخلص من النص المذكور في حين أن الطلب المعروض يتعلق بإيقاف إجراءات التنفيذ بشأن ضريبة منازع فيها كليا بناء على أن طالب إيقاف التنفيذ ينازع في صفته كملزم و لا يتعلق الطلب بمجرد إيقاف الأداء و لا محل في هاته الحالة للتمسك بأن طلب إيقاف التنفيذ يخضع لمقتضيات المادة 117 المحتج به مما يجعل ما أثير بدون أساس ” و كان الأمر في هاته النازلة يتعلق بمنازعة الطالب في صفته كملزم بالضريبة على الأراضي غير المبنية و قد استبان من ظاهر أوراق الملف أن الأراضي المعنية بتلك الضريبة غير موصولة بشبكة الماء و الكهرباء المتطلبة قانونا لاخضاعه لتلك الضريبة و في نفس هذا المنحى ذهب أمر رئيس المحكمة الإدارية بفاس صادر بتاريخ 19/5/2004 تحت عدد 1106/04 في ملف الاستعجالي عدد 17/04 قضية عبد الرحمان كنيف ضد الخزينة إذ قضى بإيقاف تنفيذ الضريبة على القيمة المضافة بعد أن تبين له من ظاهر أوراق الملف أن حق الإدارة الجبائية في تأسيسها قد طاله التقادم الرباعي المنصوص عليه بالفصل 84 من القانون رقم 30/85 معتبرا ذلك من قبيل المنازعة الجدية التي تبرر الاستجابة لطلب إيقاف التنفيذ مع توافر حالة الاستعجال مما جاء فيه: “… تقبل المطالبة بإيقاف تنفيذ الدين العمومي كإجراء وقتي لغاية استنفاد المسطرة الإدارية للطعن الإداري أو البت في جوهر النزاع قضاء في إطار القواعد العامة للاستعجال من غير اشتراط الضمانة الكفيلة بتأمين استخلاص الدين الضريبي كما هي منصوص عليها بالفصلين 117 و 118 من القانون رقم 15/97 حالة توافر ظاهر الطلب على جدية السبب و حالة الاستعجال…”
و لقد بين الأمر القضائي المذكور المقصود بجدية السبب و حالة الاستعجال المنظمين في إطار القواعد العامة للاستعجال بقوله: “يقصد بجدية السبب المنازعة الجدية في مبدأ الاخضاع الضريبي أو في مسطرة فرض الضريبة الآيلة بحسب الظاهر إلى ترجيح إلغاء تلك الضريبة” و يقصد بحالة الاستعجال الأضرار التي يصعب تداركها أو تقويم نتائجها بعد التنفيذ…”
و هكذا نستخلص من اجتهاد الغرفة الإدارية بعض وسائل المنازعة الجدية المثارة بسبب طلبات إيقاف التنفيذ و التي تبثها المحاكم الإدارية فيما يلي:
– توقف الملزم عن مزاولة النشاط المفروضة عليه الضريبة.
– توفر الملزم على شروط الإعفاء الكلي أو الجزئي من الضريبة.
– إثارة التقادم الضريبي سواء ما تعلق منه بالوعاء أو التحصيل.
– صدور حكم ابتدائي قضى بإلغاء الضريبة لم يصبح نهائيا بسبب استئنافه من طرف إدارة الضرائب.
– مطالبة الملزم بأداء ضرائب لازال النزاع في شأنها معروضا على اللجان الضريبية.
الشرط الثاني: عنصر الاستعجال
و يقصد به الحالة التي يرى فيها طالب الإيقاف أن مباشرة إجراءات تحصيل الضريبة في مواجهته من شأنه أن يتسبب له أو لمقاولته في أضرار وخيمة قد يصعب تدارك نتائجها في المستقبل.
و أنه في إطار البحث في هذا الشرط يمكن التأكيد على أن القاضي يوجد في وضعية صعبة بالنظر إلى جسامة الموقف وصعوبة التوفيق بين موقف الملزم الذي يرى في مباشرة إجراءات التحصيل في حقه حصول أضرار جسيمة في حقه يصعب تداركها مستقبلا و بين وضعية الخزينة العامة التي تسعى إلى تحصيل الديون الضريبية لمواجهة الإنفاق العام.
و في هذا السياق صدر عن رئيس المحكمة الإدارية بالدار البيضاء أمرا استعجاليا تحت رقم 991 بتاريخ 5/8/2004 قضية شركة فورتيم ضد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي جاء فيه:
” و حيث استقر اجتهاد هذه المحكمة على أن طلب إيقاف إجراءات الحجز لاستخلاص دين عمومي هو طلب وقتي لكونه محدد في الزمان و تستدعيه الضرورة الملحة لحل قانوني و مؤقت يحافظ على مصالح الخصوم و لا يمس موضوع المنازعة، و لا تسعف فيه إجراءات التقاضي العادية، كما أنه يجنب أخطار مواصلة التنفيذ التي قد تصيب أموال الطالبة بحبسها و حجزها و بالتالي تأثيرها على مركزها المالي.
و بعد أن بين الأمر الاستعجالي أعلاه طبيعة الطلب الرامي إلى إيقاف إجراءات التحصيل باعتباره طلبا وقتيا بطبيعته و هو ما يفسر توفر حالة الاستعجال جاء في الحيثية الموالية يستخلص فيها بوضوح توفر عنصر الاستعجال كشرط لإيقاف التنفيذ بقوله: ” و حيث اتضح لنا من ظاهر الوثائق المدلى بها في الملف أن الحجز قد يصيب كافة منقولات الأصل التجاري المملوك للشركة الطالبة و هو ما قد يصيبها بشلل تام نتيجة فقدها لكل عناصره المادية في حالة مواصلة إجراءات الحجز و البيع الأمر الذي قد يترتب عنه عواقب وخيمة يصعب تداركها بعد التنفيذ سيما و أنها تدعي عدم مديونتها للصندوق المدعى عليه، مما يستدعي منا التصريح بإيقاف إجراءات التحصيل مؤقتا إلى حين الفصل في دعوى الاستحقاق. “
و خلاصة القول فإن شرط الاستعجال هو شرط قائم بذاته و مستقل عن شرط المنازعة الجدية لذلك نرى أنه و لا بد لمنح إيقاف التنفيذ من توافر الشرطين بالرغم من أن المجلس الأعلى دأب على اعتبار أن طلبات تأجيل التنفيذ هي طلبات استعجالية بطبيعتها [5]. في حين أن الاجتهاد النهائي الفرنسي على مستوى مجلس الدولة يتجه إلى مناقشة حالة بحالة أثناء إجراءات التحصيل الجبري وبالتالي لا يمنح إيقاف التنفيذ إلا إذا أثبت الملزم أن أداء الضريبة قد يسبب له أضرارا يصعب تداركها و ذلك من خلال التحقيق في طبيعة الضرر و مداه.
و أنه بالرغم من كل هذا يبقى تأجيل أو إيقاف التنفيذ مستحقا و عادلا في بعض الحالات بالنسبة للأشخاص و المقاولات متى ثبت أنهم مطالبين بديون ضريبية تفتقد إلى السند القانوني أو مر عليها أمد التقادم القانوني أو تحوم شكوك حول مشروعيتها.
لكن في مقابل ذلك يجب أن لا يكون هذا التأجيل منحة مجانية و مكافأة للذين يسعون إلى عرقلة تحصيل ديون الخزينة العامة المخصصة للإنفاق العام في سبيل تحقيق المصلحة العامة للمواطنين و إشباع حاجيات الأفراد و الجماعات في الميادين الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية و هي غايات لا شك في أن جميع مكونات الإدارة العامة تسعى إلى تحقيقها بما يخدم الصالح العام.
وفي ختام هذا البحث المتواضع لا بد من الإشارة إلى انه مهما بلغت التشريعات و النصوص القانونية المعمول بها من دقة وجرأة وصرامة، فإن التطبيق السليم و المتوازن لأحكامها هو الكمين بتحقيق الغايات والأهداف المتوخاة من سن هذه القوانين حفاظا على حقوق الدولة وصون لكرامة وحرمة المواطنين.
المراجــــــــع:
المؤلفات:
+ المنازعات الجبائية بالمغرب بين النظرية و التطبيق.
تأليف: محمد مرزاق – عبد الرحمان ابليلا.
الطبعة الثانية 1998 مطبعة الأمنية الرباط
+ المنازعات الجبائية المتعلقة بربط و تحصيل الضريبة أمام القضاء الإداري – محمد قصري –
سلسلة مؤلفات و أعمال جامعية – منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية – العدد 62
+ تحصيل الضرائب و الديون العمومية على ضوء المدونة الجديدة (قانون 97-15).
تأليف: عبد الرحمان ابليلا – رحيم السطور.
+ العمل القضائي و المنازعات الضريبية – دفاتر المجلس الأعلى عدد 8/2005 -.
لقاء مشترك بين المجلس الأعلى و المديرية العامة للضرائب.
نصوص قانونية:
+ كـتاب المساطر الجبائية.
+ قانون 15-97 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية.
اجتهادات قضائية
[1] المادة 19 من كتاب المسطر الجبائية الصادر بموجبه الظهير الشريف رقم 255-04-1 بتاريخ 16 ذي القعدة 1420 (29-12-2004) بمثابة قانون المالية لسنة 2006
[2] المادة 357 من قانون الموجبات والعقود
[4] المادة 124 من مدون التحصيل
[5] قرار رقم 167 الصادر بتاريخ 11/7/1999