النزاهة كمبدأ أساسي لمحاربة الفساد الإداري – الباحث : عبد القادر السحمودي

النزاهة كمبدأ أساسي لمحاربة الفساد الإداري
Integrity as a basic principle to combat administrative corruption
الباحث : عبد القادر السحمودي
Abdelkader sahmoudi
طالب باحث بسلك الدكتوراه- كلية الشريعة- جامعة سيدي محمد بن عبد الله – فاس
إشراف فضيلة الدكتور:الحسين العمريش
ملخص:
تعتبر قيم النزاهة من الركائز الأساسية التي تقوم عليها المجتمعات السليمة، حيث تساهم في بناء الثقة بين الأفراد والمؤسسات في ظل التحديات المعاصرة، وتبرز إشكالية الفساد كظاهرة سلبية تؤثر على التنمية والاستقرار. لذا فإن مكافحة الفساد تتطلب جهدا مضاعفا بين الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، ويرجع ذلك بطبيعة الحال إلى ما للفساد من شبكات واتصالات محلية وإقليمية دولية، وبالتالي فإن هذه الدراسة تسعى إلى بيان مظاهر الفساد واستراتيجية مكافحته، من خلال تعاون السلطات العامة داخل البلد الواحد وتعاونها مع المواطنين ومنظمات المجتمع المدني. لهذا فإن دراسة هذا الموضوع من منظور الشريعة والقانون تعتبر مهمة. كما أن لهذا الموضوع أهمية بالغة حيث يساهم في تعزيز العدالة والمساواة في التعاملات الإدارية، وتقليل الفساد الإداري وتحسين الاستخدام الأمثل للموارد، كما يهدف إلى تقليل الفساد الإداري وتحسين الاستخدام الأمثل للموارد. وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. وعليه فإن إشكالية يمكن صياغتها كالتالي: كيف يمكن تطبيق النزاهة في المؤسسات العامة والخاصة؟ ما هي النظريات والأساليب الفعالة لمكافحة الفساد الإداري؟
الكلمات المفتاحية: النزاهة- الفساد الإداري- الأساليب- المكافحة.
Abstract:
Integrity values are fundamental pillars of healthy societies, contributing to building trust between individuals and institutions in today’s challenges, and highlighting the problem of corruption as a negative phenomenon affecting development and stability. The fight against corruption therefore requires a multiplier effort between States and regional and international organizations, naturally because of the domestic and international networks and contacts of corruption. The study therefore seeks to illustrate the manifestations of corruption and its strategy of combating it, through the cooperation of public authorities within the country and their cooperation with citizens and civil society organizations. Therefore, the study of this subject from the perspective of sharia and law is important. This topic is also very important, contributing to the promotion of equity and equity in administrative dealings, reducing administrative corruption and improving the optimal use of resources, and aiming to reduce administrative corruption and optimize the use of resources. and improving the quality of services provided to citizens. Thus, a problem can be formulated as follows: how can impartiality be applied in public and private institutions? What are the effective theories and methods of combating administrative corruption?
Keywords: Integrity – Administrative Corruption – Methods – Combat.
مقدمة:
تعتبر النزاهة من القواعد الأساسية الني تهدف إلى ضمان العدالة الاجتماعية بين المواطنين والمؤسسات بشتى أنواعها حيث إن مبدأ النزاهة يساهم في بناء الثقة بين جميع الأنظمة سواء الداخلية أو الخارجية، وذلك من خلال تفعيل مجموعة من الآليات التي تعزز العلاقات بين جميع الأطراف حيث إن الدولة تشارك أفكارها وقواعدها في جميع المجالات لإيجاد الحلول والحد من هذه الظواهر التي أصبحت تشكل خطر على أخلاقيات الانسان.
إن تنزيل القواعد الشرعية والوطنية تساعد على تحقيق مبدأ الانصاف والمساواة داخل صفوف المؤسسات بشكل عام والإدارة بكل خاص، غايتها تحقيق الشهادات للضحايا والمنافسة الشريفة، ولتأكيد فإن مبدأ النزاهة يقوم بتعزيز الالتزام بالقوانين واحترامها من قبل الإدارة والمؤسسات والأفراد.
الأهمية:
تعزيز العدالة والمساواة في التعاملات الإدارية.
تقليل الفساد الإداري وتحسين الاستخدام الأمثل للموارد.
تعزيز الديمقراطية وتحسين المشاركة السياسية.
حماية القيم الاجتماعية وتعزيز الهوية الثقافية.
تعزيز المساءلة في المؤسسات العامة والخاصة.
الأهداف:
تقليل الفساد الإداري وتحسين الاستخدام الأمثل للموارد.
تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
تعزيز استقلالية المؤسسات في اتخاذ القرارات.
حماية الموارد العامة وتحسين استخدامها.
إنشاء هيئات رقابية مستقلة.
المنهج المعتمد:
أما فيما يخص المنهج المعتمد في هذا الموضوع فهو يرجع إلى طبيعة الموضوع الذي ينبغي الاعتماد عليه، وبالتالي نعتمد على المنهج النظري لدراسة مفاهيم النزاهة والفساد الإداري، وكذا المنهج التحليلي لتحليل العلاقة بين النزاهة والفساد الإداري.
الإشكالية:
من خلال ما تقدم يتبين لنا أن الإشكال الذي ينبغي يطرح هو كيف يمكن تطبيق النزاهة في المؤسسات العامة والخاصة؟ ما هي النظريات والأساليب الفعالة لمكافحة الفساد الإداري؟ هذه الإشكالية تتفرع عنها مجموعة من التساؤلات تتجلي فيما يالي:
دور النزاهة في تعزيز الشفافية والمساءلة؟
تأثير النزاهة على كفاءة الخدمات العامة؟
كيف يمكن ربط العلاقة بين النزاهة والتنمية الاقتصادية؟
من خلال إشكالية أعلاها سنحاول معالجة الموضوع وفق الخطة التالية:
المطلب الأول: نظام النزاهة في الشريعة والقانون.
المطلب الثاني: دور النزاهة في محاربة الفساد الإداري
المطلب الأول: نظام النزاهة في الشريعة والقانون
تحث الشريعة الإسلامية والقانون على تعزيز الشفافية والمسألة في المؤسسات العامة والخاصة وتحقيق العدل والمساواة بين جميع الأطراف وذلك من خلال أسس ومبادئ الأمر الذي يجعلنا نتحدث عن مفهوم النزاهة في (الفرع الأول) على أن نتحدث عن أساس النزاهة في (الفرع الثاني)
الفرع الأول: مفهوم النزاهة في الشريعة والقانون
النزاهة لغة:
النزاهة مصدر نزه نزاهة، وتنزه تنزها: إذا بعد، وتره نفسه عن القبيح: نحاها، والنزاهة: البعد عن السوء. وإن فلانا لنزيه كريم: إذا كان بعيدا عن اللوم. ويقال: رجل نزيه الخلق: بعيد عن المطامع الدنية، والتنزه: أن يرفع نفسه عن الشيء تكرما ورغبة عنه، وفلان يتنزه عن ملائم الأخلاق، أي: يترفع عما يذم منها
النزاهة هي كلمة مشتقة من الفعل نزهه، والنزاهة، وقال إنه صادق، نزهة الشخص: المسافة من كل شيء الكراهية والقبيحة، مكان نزهة: المسافة من الريف والهواء الاضمحلال، نزهة لذلك: المسافة من كل شيء الكراهية، نزهة الأرض: مزينة بالنباتات.
النزاهة اصطلاحا
قال المناوي: النزاهة اكتساب المال من غير مهانة ولا ظلم، وإنفاقه في المصارف الحميد.
النزاهة هي كلمة مشتقة من الفعل نزهه والنزاهة. وقال إنه صادق نزهة الشخص المسافة من كل شيء الكراهية والقبيحة ” مكان نزهة المسافة من الريف والهواء لذلك المسافة هو محاولة إيجاد خط فاصل بين ممارسة الوظيفة او المنصب الحكومي والاستجابة لحاجات ومصالح الناس بتجرد وعدالة وبين توظيف المنصب لخدمة الأغراض الشخصية مهما كان نوعها والنزاهة تعني الالتزام بالقيم والمبادئ والأخلاق الأساسية والمهنية في العمل وعدم الإضرار بالآخرين إذ قامت منظمة الشفافية الدولية بتطوير ميثاق النزاهة للحكومات وقطاع الأعمال والمجتمع المدني المكافحة الفساد، وعلى الرغم من أن مفهومي الشفافية والنزاهة متقاربين إلا أن الأول ينطوي على أنظمة وإجراءات فعلية بينما الثاني ينطوي على معايير أخلاقية ومعنوية. أما الفقه فقد تعامل مع النزاهة بتعريفه بأنه التخلي عن السلطة العامة لاستغلال المناصب العامة الإعالة نفسه على حساب المواطن. كما يعرف بأنه تجريد الموظفين العموميين أثناء تنفيذ عمله من المصالح الشخصية التي يحققها من خلال عمله.
من خلال التعريفات أعلاه، يمكننا أن نقول إنه لم يتم توجيهه إلى هيئة النزاهة بحكم التعريف، ولكنه كان مقصورا على القرارات مفهوم الاكتمال؛ حيث إن المصطلح يتطور مع تطور المجتمعات في جميع الأزمنة والأمكنة لأن المفهوم لا يحتوي على أي غرض أو مصلحة من تجريم جرائم الفساد، لكن هدفه هو تحقيق النزاهة والعدالة بطريقة ديمقراطية.
الفرع الثاني: مبادئ النزاهة في الشريعة والقانون
القرءان الكريم:
قال سبحانه وتعالى: (لَيْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخر والمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرقاب وأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُون)
أوضح ابن كثير في تفسيره للآية إن البر ليس تجاه الصلاة فقط وإنما هو العمل الصالح والإيمان وإيتاء المال والوفاء بالعهود والصبر في البأساء والضراء وحين البأس. بعد تحول قبلة المسلمين حدثت بليلة حيث أصبح لكل ملة قبلة، فالمسلمون يتجهون في الصلاة نحو الكعبة، واليهود نحو بيت المقدس والنصارى نحو المشرق.
قال الله سبحانه لهم لا تجعلوا جهة القبلة إلى الكعبة هو كل البر لأن هذا أمر لا مشقة فيه، فالبر إذن ليس في الأمور السهلة التي لا مشقة فيها وإنما في الخير الواسع الكثير، ويشمل الإيمان والتقوى، والصدق، والطاعة، والإحسان. كل وجوه الخير تدخل في كلمة البر.
قال تعالى: (إِن كُنتُمْ عَلَيٰ سَفَرٖ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباٗ فَرِهَٰنٞ مَّقْبُوضَةٞۖ فَإِنَ اَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاٗ فَلْيُوَ۬دِّ اِ۬لذِے اِ۟وتُمِنَ أَمَٰنَتَهُۥ وَلْيَتَّقِ اِ۬للَّهَ رَبَّهُۥۖ) وقوله: (يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ لِلهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ عَلَيٰٓ أَلَّا تَعْدِلُواْۖ اُ۪عْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْو۪يٰۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعْمَلُونَۖ) من خلال الآيات السابقة وغيرها من الآيات يتضح أن القرآن يحث على النزاهة في التعامل النزاهة التي تشمل العدل والصدق وكل خير كما انف ذكره
وفي الأحاديث النبوية:
عن أبي الحوراء السعدي قال: ((قلت للحسن بن علي: ما حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريك..)).
فالنزاهة أن نصون النفس عن مواقف الربية، وتتنزه عن مساوئ الأخلاق، وتترفع عما يُدم منه).
وقال ابن الجوزي دليل كمال صورة الباطن حسن الطبائع والأخلاق، فالطبائع العقة والنزاهة والألفة من الجهل، ومباعدة الشره. والأخلاق: الكرم والإيثار وستر العيوب، وابتداء المعروف، والحلم عن الجاهل، فمن رزق هذه الأشياء رقته إلى الكمال، وظهر عنه أشرف الحلال، وإن نقصت خلة أوجبت النقص.
عَنِ النَّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ – وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنُ، وَالْحَرَامَ بين، وبينهما مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَنْ وقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القَلْبُ».
أما من الناحية القانونية:
إلا أن هذه الأسس ينبغي أن تقف عليها الجهة المعنية للحرص على تطبيقها في حالة غياب الضمير الأخلاقي والإنساني وهو ما صرح به المشرع في قانون 46:19 المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد في المادة 4 من الفقرة الثانية، حيث أشارت أن الهيئة تمارس اختصاصات منها نشر قيم النزاهة والوقاية من الفساد، وذلك من خلال الاليات والاستراتيجيات التدبير والعمل على الدلائل المرجعية لتعريف بالنزاهة ونشرها في مؤسسات العمومية وغيرها.
مستجدات تشريعية:
الناطق الرسمي باسم الحكومة سعيد أمزازي قال في ندوة صحفية عقب اعتماد على مشروع القانون، إن أهدافه “تتلخص في إعادة صياغة المقتضيات المتعلقة بتحديد مفهوم الفساد، والتمييز بين نوعين من أفعال الفساد المحددة لمجال تدخل الهيئة”. وأضاف أمزازي، أن المشروع يخول للهيئة إمكانية إجراء أبحاث، وتحريات وإعداد تقارير تحيلها إلى السلطات والهيئات المختصة، بتحريك المتابعة التأديبية أو الجنائية حسب الحالة. كما أكد المتحدث أن من بين أهداف المشروع توسيع نطاق مهام الهيئة، ومجالات تدخلها، وذلك عبر مراجعة مهام الهيئة في ضوء أحكام الدستور”.
وأوضح أن تلك المراجعة “تتمثل في البعدين التخليقي والوقائي للهيئة، من خلال التنصيص على صلاحية الهيئة لاقتراح التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته، والآليات والتدابير والإجراءات الكفيلة بتنفيذها على الوجه الأمثل”.
مساهمة فعالة:
تعتبر الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن المراجعة القانونية لمهامها وصلاحياتها تندرج في إطار تمكين هذا الإطار المؤسسي من الآليات القانونية التي تضمن له القدرة على تصريف صلاحياته الدستورية في الوقاية والمكافحة”.
وتوضح الهيئة على لسان مسؤول التواصل فيها جمال الموساوي للأناضول، أن “مشروع القانون جاء مستوعبا لمقتضيات توفر ضمانات التنزيل الأمثل للاختصاصات الدستورية للهيئة في المبادرة، والتنسيق والإشراف، وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتثبيت مبدأ الاستقلالية الممنوح دستوريا للهيئة”. ويلفت الموساوي، أن القانون “يسعى إلى توسيع نطاق مفهوم الفساد المشمول بتدخل الهيئة، كما يمكنها من صلاحية البحث والتحري والتصدي التلقائي لحالات الفساد، ويضمن مواجهة الحالات المحتملة لعرقلة مهامها”. وعن مدى مساهمة هذا القانون في محاربة الرشوة ومحاولة حصارها يقول الموساوي، إن “من شأن هذه المراجعة العميقة للإطار القانوني للهيئة، أن تساهم بشكل فعال في إذكاء ديناميكية جديدة في المجهود الوطني لمكافحة
وقد شدد العاهل الملكي على هذا المبدأ في الخطاب الملكي لذكرى عيد العرش الأخير بقوله ” أناة أفهم كيف يستطيع أي مسؤول لا يقوم بواجبه أن يخرج من بيته ويستقل سيارته ويقف في الضوء الأحمر وينظر إلى الناس دون خجل أو حياء فهو يعلم بأنهم يعرفون من ليس له ضمير ألا يخجل هؤلاء من أنفسهم رغم أنهم يؤدون القسم أمام الله والوطن والملك ولا يقوموا بواجبهم؟
ألا يجدر أن يتم محاسبة وإقالة أي مسؤول إذا تبث في حقه تقصير أو إحلال في النهوض في مهامه.
فقد ذكر تقرير السكرتير العام للأمم المتحدة بشأن ذلك ما يأتي) إذا كان تعريف الفساد قد استحوذ على مدار السنين على اهتمام المحافل الأكاديمية والدولية فان السؤال الذي أصبحت للإجابة عنه أكثر إلحاحا هو معرفة ما هي الوصفة العلمية وما هي الاستراتيجية النموذجية التي يجب أن تتبناها الحكومات على المستويين الوطني والدولي وهو ما قد يستلزم تحديد نطاق المقصود بالفساد سواء وقع الاختيار على تضييق أو توسعة هذا النطاق.
المطلب الثاني: دور النزاهة في محاربة الفساد الإداري
تعتبر النزاهة أحد الوسائل الأساسية في محاربة الفساد الإداري، على الاعتبار أن النزاهة جزأ لا يتجزأ من الالتزامات التي ينبغي أن تحضي بها جميع المؤسسات العامة والخاصة، لأن النزاهة تعمل على تقليل الفساد الإداري من خلال تعزيز الشفافية في (الفرع الأول) ثم بعض الآليات في (الفرع الثاني)
الفرع الأول: تعزيز قيم النزاهة في محاربة الفساد الإداري
إن الحديث عن تعزيز النزاهة يقتضي منا الحديث عن بعض القواعد والني ننجلي فيما يلي:
قواعد السلوك هي مجموعة من القواعد المكتوبة التي تحدد المعايير والمبادئ والقيم والمسؤوليات والممارسات أفـ السليمة للأفراد داخل المؤسسة والمدونة مي يمكن أن تستند إلى مفاهيم معينة، تشمل الأخلاق والشرف والأعراف الأخلاقية والشرائع الدينية.
الحوكمة الرشيدة الحوكمة هي بنية متكاملة من الآليات والعمليات والمؤسسات التي يتم من خلالها ممارسة الصلاحيات الاقتصادية والسياسية والإدارية لتسيير أعمال الدولة وأنشطتها على جميع المستويات. وكثيراً ما تكمن المسببات الجذرية للصراع والأزمات في الافتقار إلى الحوكمة الرشيدة التي تسهم في الحد من الفساد، في حين أن استشراء الفساد في صفوف المسؤولين والمؤسسات الحكومية يقوض من جدارة الحكومة بالثقة ويعيق إقامة الحوكمة الرشيدة.
وبينما تقع مسؤولية إرساء الحوكمة الرشيدة في المقام الأولى على عاتق الحكومة الوطنية، فإن حكومات الدول الهشة قد تحتاج إلى دعم المجتمع الدولي في هذا الصدد. وفي حين أن نمط الحوكمة في كل بلد يعتمد بشكل كبير على طبيعة الخصائص الثقافية والوطنية في البلد، فإن الحوكمة الرشيدة، وفقاً لتعريف الأمم المتحدة، تقوم على المشاركة، وتوافق الآراء والمساءلة والشفافية، والتجاوب والفعالية، والكفاءة والإنصاف، واحتضان الجميع، والتوافق مع سيادة القانون.
مبدأ القانون: مبدأ من المبادئ الأساسية للحوكمة الرشيدة، حيث تقضي بأن تكون القوانين شفافة وأن تنطبق على الجميع بالتساوي، وأن يكون جميع الأشخاص والمنظمات، بل والدولة نفسها، مسؤولين أمام القوانين التي يتم سنها علناً وإنفاذها بالتكافؤ وتتسق مع حقوق الإنسان الدولية. وسيادة القانون الهشة تتسم بالخصائص التالية: ضعف النظام القضائي نتيجة التدخل السياسي، ليس بسبب إبهام القوانين والإجراءات غير الواضحة فحسب، بل أيضاً بسبب تأثير الجهات والمنظمات الإجرامية في منظومة العدالة وهذه الأوضاع يمكن أن تؤدي إلى عدم تكافؤ فرص الوصول إلى العدالة، وأن تفضي في أشد الحالات إلى الإفلات من العقاب. يضاف إلى ذلك أن مكافحة الفساد تتعذر إذا غابت سيادة القانون ونقص مستويات سيادة القانون قد ينشأ في حالة تركيز السلطات في أيدي قلة محدودة، وعند الافتقار إلى الشفافية في صنع القرار.
الفرع الثاني: الآليات القانونية لمحاربة الفساد الإداري
جاء دستور 2011 في الفصل 36 …. على السلطات العمومية الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها… لذلك كان لابد من إصدار نصوص قانونية جديدة وتحيين أخرى تكون صارمة وفعالة ومتكاملة ا كفيلة بالردع، وقد صادق المغرب على مجموعة من القوانين ذات العلاقة بالفساد الإداري ومظاهره للحيلولة دون انتشاره والحد من خطورته.
أولا: قانون التصريح الإجباري بالممتلكات 54.06
ويأتي هذا القانون في سياق تخليق الحياة العامة وتكريس مبادئ الشفافية وحماية المال العام وربط المسؤولية بالمحاسبة وانسجاما مع المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمحاربة الفساد، فحسب الفقرة من المادة 8 تسعى كل دولة طرف….. إلى وضع تدابير ونظم تلزم الموظفين العموميين بأن يفصحوا للسلطات المعنية عن أشياء منها ما لهم من أنشطة خارجية وعمل وظيفي واستثمارات وموجودات وهنات ومنافع قد تفضي إلى تضارب في المصالح مع مهامهم كموظفين عموميين). ثم المادة 20 تنظر كل دولة طرف رهنا بدستورها والمبادئ الأساسية لنظامها القانوني في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتحريم تعمد موظف عمومي إثراء غير مشروع أي زيادة موجوداته زيادة كبيرة لا يستطيع تعليلها بصورة معقولة قياسا إلى دخله المشروع.
إن الهدف من المنظومة القانونية المتعلقة بالتصريح الإجباري بالممتلكات سواء بالنسبة للمنتخبين أو الموظفين العموميين ترمي إلى محاصرة أي شكل من أشكال الفساد الإداري الذي يدخل في إطار المرامي القانونية للقضاء عليه غير حماية المال العام من جهة وربط المسؤولية بالمحاسبة، والوقاية من الإثراء غير المشروع ووسيلة للكشف المبكر عن أي فرصة للفساد والإخلال بالأمانة.
ثالثا: قانون حماية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين 37.10
تماشيا مع الالتزامات الدولية في مجال محاربة الفساد، تفاعلت المملكة المغربية إيجابيا مع المفاهيم الإقليمية والدولية المتعارف عليها في هذا المجال فقد كان المغرب من أوائل الدول التي انضمت وصادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، فوقع عليها في 9 من ديسمبر 2003، وصادق عليها يوم 9 من مايو 2007 للتعبير عن الانخراط الفعلي في محاربة الفساد، وعلى هذا الأساس يفهم إصدار المغرب للقانون 37.10 لتعزيز الترسانة القانونية – الجنائية – لحماية الشهود والمبلغين والخبراء والضحايا التي تمتد إلى أسرهم، ويكتسي أهميته في محاربة كل أشكال الفساد الإداري من الارتشاء واستغلال النفوذ، بحيث يضم القانون التدابير الإجرائية لضمان الحماية من خلال الوكيل العام للملك باتخاذ التدابير الضرورية والكفيلة لحماية الفرد وأفراد أسرته. لقد تمحور هذا القانون على حماية الشهود في جرائم المال العام كجرائم الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ عن طريق اتحاد كل التدابير اللازمة لحمايتهم، حيث نصت الفقرة الأخيرة من المادة 82-07 على أنه يمكن بقرار معلل اتخاذ أي تدبير آخر يعتبر ضمانة فعلية لمستحق الحماية” وبالتالي يستفاد من هذه الفقرة خاصة لفظ أي تدبير أن المشرع المغربي أعرب عن إرادته القوية والحازمة في تحقيق الحماية الفعلية للضحايا والشهود والخبراء والمبلغين ويأتي هذا الإجراء القانوني ضمن سلسلة التشريعات التي تروم محاربة الفساد الإداري وتقليص انتشاره.
رابعا: قانون تعليل القرارات الإدارية 03.01
القرار الإداري هو العمل الانفرادي الصادر عن الإدارة معبرا عن إرادتها والمحدث لأثر قانوني في المركز أو الوضعية القانونية للأفراد، بالتعديل أو الزيادة أو الإلغاء استنادا على سلطتها التقديرية والتقريرية، وحقها في توجيه الأوامر والنواهي تحقيقا للمصلحة العامة، ويراد بتعليل القرار الإداري أو تسبيبه الإفصاح عن الأسباب الواقعية والقانونية التي تبرر اتحاده. وتبرز أهمية موضوع تعليل القرارات الإدارية كونه مبدأ ووسيلة لتسهيل مراقبة الأفراد القضاء الإداري لمشروعية القرار الإداري، فإلزامية التعليل تقطع مع إمكانية ممارسة الفساد بالإدارة باعتباره شرط من الشروط الشكلية الصحة القرار الإداري تحت طائلة انعدام المشروعية. يساهم قانون 03.01 المتعلق بالقرارات الإدارية في تحليق الحياة العامة للمواطن وعلاقته بالإدارة. كما يشكل عنصر أساسي في التضييق على كل السلوكيات المنحرفة كالرشوة واستغلال المنصب
خامسا: قانون تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية 55.19
جاء هذا القانون لإعطاء دينامية قوية من خلال تبسيط المساطر الإدارية ورقمتها ليساهم في تقوية الثقة بين الإدارة والمرتفق ومحاولة تثبيت جسور التواصل مبني على النزاهة والشفافية والسرعة خدمة للمواطن وتبسيط تعقيدات الإدارة، ومن أهم المبادئ التي أتى بها قانون 55.19.
تحديد الآجال القصوى للرد على طلبات المرتفقين
إلزام الإدارة بتوثيق وتدوين جميع قراراتها ومقرراتها وباقي المحررات الإدارية مع نشرها في بوابة وطنية ستحدث لهذا العرض
اعتبار سكوت الإدارة بعد انقضاء الآجال المحددة بمثابة موافقة ضمنية لتلك القرارات التي تحدد لا تحتها بنص تنظيمي
حق المرتفق في تقديم الطعون الإدارية
إحداث اللجنة الوطنية لتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية
تحديد نموذج مصنفات القرارات الإدارية ونموذج وصل إيداع طلبات الحصول على القرارات الإدارية
هذا وقد خرج إلى حيز الوجود مرسوم بتطبيق بعض مقتضيات القانون 55.19 الذي يأتي في سباق تحسن مردودية الخدمات الإدارية المقدمة إلى المواطنين وقطع الطريق مع الأساليب الابتزازية التي تشوب عمل الإدارة، وإحداث قطيعة مع مجموعة من الممارسات السلبية. وإعادة تأسيس علاقة الإدارة بالمرتفق، وتمكين المواطن من معالجة حاجاته في أحسن الظروف.
خاتمة:
من خلال ما تقدم اتضح بأن النزاهة هي إحدى المبادئ الأساسية لمحاربة الفساد الإداري، وتعتبر ركنًا لا غنى عنه في بناء مجتمع صحي ومستقر. من خلال تعزيز النزاهة، يمكن تحقيق العدالة والمساواة، وتقليل الفساد وتحسين الخدمات العامة، إن ثقافة النزاهة والتي تعد منظومة القيم المتعلقة بالصدق والأمانة والإخلاص في العمل والتي لها دور فعال ومهم لا تقل عن العناصر الأخرى. فبالرغم من وجود هيئة النزاهة والتي تعمل على تنمية الثقافة في القطاعين العام والخاص تقدر الاستقامة والنزاهة الشخصية واحترام أخلاقيات الخدمة المدنية واعتماد الشفافية والخضوع للمساءلة والاستجواب عبر البرامج العامة للتوعية والتثقيف. إلا أننا نؤكد على توعية الجمهور بالفساد وبمخاطره والوقاية منه وذلك من خلال النشرات الدورية والمناهج التربوية بالتعاون مع وزارات التربية والتعليم العالي.
وفي الأخير يمكن إعطاء بعض التوصيات والتي تتجلي فيما يلي:
• تعزيز النزاهة في الثقافة الإدارية.
• تطبيق السياسات واللوائح بصدق.
• تعزيز الشفافية والمساءلة.
• تحليل العوامل المؤثرة على تطبيق النزاهة.
• تطوير نماذج تطبيقية للنزاهة.
• عزيز الوعي بأهمية النزاهة.
• تعزيز المشاركة المجتمعية في مكافحة الفساد.
• إشاعة ثقافة النزاهة والتي تعد منظومة القيم المتعلقة بالصدق والأمانة والإخلاص في العمل والتي لها دور فعال ومهم عن العناصر الأخرى.
المراجع والمصادر
• إبراهيم مصطفى وآخرون، المعجم الوسيط، المجلد الأول، ط ،4 دار الدعوة، القاهرة، 2004.
• أبو طالب الملكي/ قوت القلوب ج/2.
• الأمم المتحدة المجلس الاقتصادي والاجتماعي بتاريخ2016
• التعريف للمناوي التوقيف على مهمات.
• جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب المجلد الثاني دار صادر بيروت /6
• خطاب جلالة الملك نصره الله لعيد العرش بتاريخ 29 يوليوز 2017
• الدكتور عبد الكبير يحيا عميد كلية الحقوق بطنجة” المغرب الإداري” الطبعة الخامسة 2016، مطبعة سبار طيل.
• دليل عمليات قيادة الحلفاء، بناء النزاهة في عمليات.
ظهير الشريف رقم 1.21.36 صادر في 8 رمضان 1442 (21) أبريل بتنفيذ القانون رقم 46.19 المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها
• ظهير شريف 1.18.15 صادر في 5 جمادى الآخرة 1439 (22) فبراير (2018) بتنفيذ القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات الجريدة الرسمية عدد 6655 بتاريخ 12 مارس 2018
• ظهير شريف رقم 1.02.202 صادر في 12من جمادى الأولى 1423 (23 يوليو 2002) بتنفيذ القانون رقم 03.01 بشأن إلزام الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية الجريدة الرسمية رقم 5029 بتاريخ 3 جمادى الآخرة 1423 (12/08/2002)
• ظهير شريف رقم 1.07.58 صادر في 19 من ذي القعدة 1428 بنشر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الموقعة بنيويورك في 31 من أكتوبر 2003، الجريدة الرسمية بتاريخ 17 من يناير 2008.
• ظهير شريف رقم 1.20.06 صادر في 11رجب1441(6مارس2020) بتنفيذ القانون رقم55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية. الجريدة الرسمية عدد 6866 تاريخ النشر (6مارس 2020)
• ظهير شريف رقم 1.07.202 صادر في 20 من شوال 1429 (20 أكتوبر 2008) بتنفيذ القانون 54.06 المتعلق بإحداث التصريح الاجباري لبعض منتخبي المجالس المحلية والغرف المهنية وبعض فئات الموظفين أو الأعوان العموميين بممتلكاتهم. الجريدة الرسمية رقم 5679 الصادرة يوم الاثنين 3 نونبر 2008
• ظهير شريف رقم 1.07.79 صادر في 28 من ربيع الأول 1428 (17أبريل 2007) بتنفيذ القانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال، الجريدة الرسمية عدد5522 بتاريخ 14 ربيع الآخر 1428(3مارس 2007.
• كتابه صيد الخاطر ص/ 301/ صححه الترمذي، وابن حبان في ((صحیحه)) (722)، وابن الملقن في شرح البخاري)
• لابن منظور لسان العرب ج/13.
• محمد العلوي، حماية الشهود في جرائم المال العام، تقرير تركيبي حول ندوة” حماية الشهود في جرائم المال العام التي نظمتها مؤسسة محمد الإدريسي بشراكة مع كلية العلوم القانونية بأكدال بالرباط، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 116، ماي 2014.
• وزارة تحديث القطاعات العامة الوقاية من الفساد ومكافحته بالمملكة المغربية، منشورات وزارة تحديث القطاعات، مطبعة الرسالة الرباط 2011.