مقال بعنوان: النموذج التنموي وأزمة غياب النخب الحزبية
مصطفى الهايج، باحث في سلك الدكتوراه القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال الرباط .
كلنا نعرف أن النموذج التنموي مرتبط بالرؤية السياسية للنخب التي تؤطر المجتمعات، وكل مجتمع له ارتباط وثيق بنخبه السياسية، وما الأحزاب السياسية إلا سمات للملامح الديمقراطية السائدة، فكلما كانت هذه الأحزاب ضعيفة كلما كان النموذج التنموي لها لا يعبر على ما يجب أن تكون عليه الأمور في المجتمع، وبذلك انطلاقا من هذا المنطق تعتبر الأحزاب ركن أساسي في النظرية السياسية الحديثة، إذ لا يمكن تصور دولة ديمقراطية دون تنافس انتخابي ومن دون تداول سلمي على السلطة، ولم تسلم حتى الأنظمة الملكية من هذه النظرية، إذ أصبحت الأحزاب السياسية تقوم بدور أساسي في بلورة المفهوم الحديث للسياسة، إنه الخيط الناظم بين السلطة والإرادة الشعبية، إذ ارتبط المفهوم الحديث للأحزاب السياسية بالمرجعية الليبرالية الحديثة التي قطعت مع المفهوم القديم للسلطة باعتبارها إلهية، إذ أسست له في المقابل مفهوم حديث يعتبر السلطة شأنا بشريا يمارسه الشعب عبر الممثلين الذين ينتخبهم وتقدمهم الأحزاب السياسية كممثلين لبرامجها الإنتخابية.
وقبل الحديث عن الحزب كحقل مهم لتأسيس النخب لابد من تعريف ماهية الحزب السياسي من خلال التأطير له نظريا، حيث يمكن القول أن الأحزاب السياسية هي قناة مهمة تربط بين المواطن والدولة والحياة والسياسة، إذ من خلال هذا الحزب يطلع الفرد على ما يجري داخل المجتمع السياسي، كما أن الحزب يعد مدرسة للتأطير والتكوين والتوعية السياسية. وعليه فالأحزاب السياسية ليست سوى كيانات جماعية لمجموعات المجتمع، اجتمعت من أجل الدفاع عن مبادئ وأفكار معينة اعتقدت بها جماعة معينة واعتنقتها أعداد كثيرة أو قليلة من أفراد الشعب لأجل تطبيقها وتعميمها اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا لهدف الوصول إلى الحكم.
لكن يمكن القول أن الأحزاب السياسية ماهية إلا مرآة للرأي العام، قول غير صحيح نسبيا، إذ لا يعدو أن يكون سوى افتراضي، حيث يمثل هذا الرأي فقط أراء المنادين به، والمتعاطفين معه في الإنتخابات.
وعليه فاختلاف الأحزاب السياسية من حيث تكوينها، وأهدافها وبيئتها السياسية والإجتماعية، واختلاف زوايا النظر إلى هذه الأحزاب أدى إلى وجود إشكالية تعريف موحد لهذا المفهوم، لكن رغم اختلاف التعاريف إلا أنها تلتقي في كون الحزب جماعة منظمة تحاول السيطرة على القوة السياسية.
وبذلك فإن للحزب مسؤوليات تكمن في القيام بوظيفة التأطير والتربية على خدمة المصلحة العامة، مرورا بحس انتقاء المرشحين للإنتخابات التشريعية وفق معايير سلوكية وديمقراطية، ومدى توفر الأحزاب السياسية على برامج سياسية مساعدة لأعضاء البرلمان.
ولتعاطي الأحزاب السياسية مع العمل البرلماني بفعالية وجدية، يبقى من الضروري إصلاح الحياة الحزبية لأنها تشكل أحد المداخل الأساسية لتقوية المؤسسة التشريعية. بالإضافة إلى ضرورة القطع مع الممارسات السابقة في سياق البحث عن أحزاب قوية تمتلك أدوات الفعل البرلماني، وداعمة لإصلاح العمل البرلماني، ومساهمة في إرساء حكامة برلمانية عن طريق تأهيل نخب متوفرة على الكفاءة الضرورية لتجويد الأداء البرلماني.
فالأحزاب المغربية مدعوة إلى الإعتماد على برامج واقعية وعقلانية قابلة للتطبيق وتستجيب للواقع المعيشي للمواطن المغربي، والتحلي بالقدرة والعمل بها على مستوى المؤسسة البرلمانية، بالإضافة إلى ضرورة أن تعبر هذه البرامج على المعطيات الثقافية والمجتمعية، وتعمل على تحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية مشروعة يقبلها المجتمع وأن تكون قابلة للتطبيق على مستوى الأجندة البرلمانية. وأيضا يبقى من الضروري تقوية الثقافة السياسية والتربية على المشاركة الفعالة وخدمة المصلحة العامة.
فالمرحلة اليوم تتطلب إنتقاء النخب الحزبية المؤهلة لممارسة الوظيفة البرلمانية، عبر الإعتماد على اختيار أطر تجمع بين الكفاءة المطلوبة والإلتزام السياسي، والتخلي عن الأساليب الغير الديمقراطية في عملية الترشيح، والإبتعاد عن إعطاء التزكية على أساس القرابة أو الإنتماء القبلي، ودرجة النفوذ، المال والجاه. والحرص على إعطاء الأولوية لمناضلي الحزب في منح التزكية، وذلك دون إغفال المعايير الأخلاقية والسلوكية في انتقاء المرشحين، وأيضا يبقى من الضروري الإقتداء بالتجارب الغربية في عملية انتقاء المرشحين بنهج معايير ديمقراطية.
إن توفر الأحزاب السياسية المغربية، على برامج سياسية قائمة على مبادئ إيديولوجية معينة يمكن أن يكون بمثابة عوامل مغذية للأداء البرلماني الجيد، ودافعا مهما يسترشد به العضو البرلماني في أداء دوره كما هو مطلوب، ومن المفترض على الأحزاب السياسية ضرورة إعادة النظر في مبادئها وأفكارها واتجاهاتها ومواقفها التي تشكل المذهب والفلسفة العامة للحزب والعمل على تحديثها وتجديدها لتواكب تغيرات المجتمع المغربي، بالإضافة إلى ضرورة وجود استعداد للأحزاب لممارسة السلطة، فالممارسة الديمقراطية قريبة من الإعتدال والإعتراف بالطرف الآخر وبنسبية البرامج، وبعيدة عن النزعة الثورية واللغة الديماغوجية ونفي الآخر وإقصائه.
وعندما يتحقق ما سبق ذكره، يمكن لهذه الأحزاب أن تلعب دورا رياديا وأساسيا في خلق النموذج التنموي الفعال، لأن هناك ارتباط وثيق بينهما، وبما أن برامج الأحزاب السياسية لا تعبر عن الطموحات والرغبات ومطالب المجتمع المغربي، نظرا لتشرذم نخب هذه الأحزاب، فإن جلالة الملك تجاوز عطب نخبنا الحزبية، وعين في 19 نونبر الماضي شكيب بنموسى رئيسا للجنة الخاصة بالنموذج التنموي، وأشرف على تعيين أعضاء هذه اللجنة المذكورة، والتي تتكون من 35 عضوا، يتوفرون على مسارات أكاديمية ومهنية متعددة، وعلى دراية واسعة بالمجتمع المغربي وبالقضايا السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبيئية.
كما ضمت اللجنة كفاءات مغربية تعمل داخل الوطن وبالخارج، مشهود لها بالعطاء والإلتزام، تنخرط في القطاعين العام والخاص أو في المجتمع المدني، وستنكب هذه اللجنة منذ الآن على بحث ودراسة الوضع الراهن بصراحة وجرأة وموضوعية، أخذين بعين الإعتبار المنجزات التي حققتها المملكة، والإصلاحات التي تم اعتمادها، وكذا انتظارات المواطنين. والسياق الدولي الحالي وتطوراته المستقبلية، وكل هذا يعتبر تطبيقا للتوجيهات الملكية السامية. وحدد الصيف المقبل كموعد لتقديم التعديلات الكبرى والمبادرات الملموسة الكفيلة بتحيين وتجديد النموذج التنموي الوطني لجلالة الملك.
وأخيرا أتمنى كباحث أن لا تكتفي اللجنة المعينة بالمنطق الأكاديمي، وأن تقوم بوضع آليات الإنصات والتواصل مع المواطنين، لأن نجاح أي عملية تنموية تتطلب إشراكهم وإسهامهم، باعتبارهم المعنيين بالدرجة الأولى بهذا النموذج التنموي المقترح، والذي من شأنه تحسين سبل عيشهم والقضاء على الفقر والهشاشة والبطالة.
المراجع المعتمدة:
- محمد ضريف: المعارضة البرلمانية الجديدة، طموح الخطاب وإكراهات الواقع، منشور بجريدة الحدث، العدد 7، 8 نونبر 2000، ص: 13.
- محمد الغالي: التدخل البرلماني في مجال السياسات العامة في المغرب (1984-2000)، أبحاث وأعمال جامعية: سلسلة الدراسات القانونية، الإجتماعية، (2)، الطبعة الأولى، مطبعة الوراقة الوطنية، مراكش يناير 2006، ص 431.
- القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية الصادر الأمر بتنفيذه بموجب طهير شريف رقم 1.11.166 بتاريخ 24 من ذي القعدة 1432، الموافق 22 أكتوبر2011.
- محمد منار: تأثير قوانين الأحزاب في فاعلية الأحزاب وديمقراطيتها، حالة المغرب، منشورات وجهة نظر، عدد 7، 2010-2011.
- د.يمينة هكو: المفهوم الجديد للحزب السياسي بالمغرب مقاربة قانونية، منشورات المجلة المغربي للإدارة المحلية والتنمية، عدد 56، سنة 2007، ص 59.
- بلال أمين زين الدين: الأحزاب السياسية من منظور الديمقراطية العاصرة، الإسكندرية، دار الفكر الجامعي 2011، ص 15.
- ديندار نجمان شفيق الدوسكي: التعددية الحزبية في الفكر الإسلامي الحديث، دمشق سوريا، دار الزمان للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 2009، ص11.
- د.إدريس حنداري: التجربة الحزبية في المغرب غموض التصور وإعاقة الممارسة، وحهة نظر، العدد 15، سنة 2012، ص 27- 28