تقرير حول رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص تحت عنوان : مركز الضمان الاجتماعي في القانون الدولي الخاص
ناقش الطالب زكرياء الساهل رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون المنازعات بالكلية المتعددة التخصصات بالراشيدية بتاريخ 23/06/2022 حول موضوع:” مركز الضمان الاجتماعي في القانون الدولي الخاص“، حيث كانت لجنة المناقشة مكونة من الدكتورة فاطمة الزهراء علاوي رئيستا، والدكتور يونس الحكيم مشرفا، والدكتور يونس الصالحي عضوا، والدكتور زكرياء ميميح عضوا، وارتباطا بموضوع الدراسة، فقد تحدثنا عن مكانة هجرة اليد العاملة المحلية نحو الخارج والتي أصبحت تشكل ظاهرة إنسانية بامتياز، ذلك أنها تعتمد في جوهرها على العنصر البشري، الذي له الفضل في بناء الكثير من الدول والمجتمعات على مر التاريخ، حيث يعتبر المغرب من بين أهم الدول المصدر لليد العاملة، الأمر الذي يضع العامل المهاجر سواء كان مغربيا في الخارج أو أجنبي مقيم في المغرب لا يستفيد من مجموعة من الحقوق في بلد المهجر، ومن بين هذه الحقوق نجد عدم استفادته من منافع الضمان الاجتماعي، خصوصا وأن هذا الحق تعمل جميع الدول على توفيره لمواطنيها بالدراجة الأولى، دون الأخذ بعين الاعتبار لوضعية العامل الأجنبي أو المهاجر الذي يتوجه عادة للعمل ببلد أخر لفترة محددة، قصد تحسين مستواه ومستوى أسرته الاجتماعي قبل العودة للاستقرار بوطنه، الأمر الذي يفرض اهتماما بشروط ممارسة الأجراء الأجانب للحق في الضمان الاجتماعي.
وأمام هذا الوضع، لجأت المملكة المغربية إلى إبرام ثلة من الاتفاقيات الدولية العالمية والإقليمية والثنائية مع عدد من دول المجلس التعاون الخليجي تهم تشغيل اليد العاملة المغربية وأخرى مخصصة للضمان الاجتماعي، على غرار الاتفاقيات المبرمة مع الدول الأوروبية بداية من ثمانينيات القرن الماضي، بالإضافة الى الاتفاقيات المبرمة بين المغرب والدول الإفريقية عقب عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، بالإضافة الى مصادقته على مجموعة من الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية، التي هدفها توحيد قواعد الحماية الاجتماعية على المستوى الدولي.
وعلى هذا الأساس، فإن ظاهرة الهجرة تجعل العامل الأجنبي يدخل تحت نطاق أكثر من قانون للضمان الاجتماعي، الأمر الذي يتطلب تكييف هذا المعطى الدولي بسن قواعد قانونية خاصة تدخل تحت ما يسمى بقواعد القانون الدولي الخاص، لأجل تحديد القانون الواجب التطبيق.
ويقصد بالضمان الاجتماعي، نظام قانوني يهدف إلى إيجاد أليات تضمن لأفراد المجتمع تغطية و ضمانات ضد المخاطر التي قد تؤدي إلى النقص في قدرتهم على الكسب أو إيقافها لمدة معينة أو وضع حد لها بصفة نهائية.
وإذا كان الضمان الاجتماعي وسيلة من الوسائل الجماعية التي تهدف إلى القضاء على الفاقة، بتأمين دخل كاف لكل مواطن وفي كل وقت يمكنه من القيام بأعباء معيشته ومعيشة عائلته، فإن موضوعات القانون الدولي الخاص تتعدد لتشمل الجنسية ومركز الأجانب، وتنفيذ الأحكام الأجنبية، وتنازع الاختصاص القضائي الدولي، وأخيرا تنازع القوانين الذي يعتبر جوهر القانون الدولي الخاص ويمكن تعريفه على أنه تلاقي قاعدتين مختلفتين أو أكثر لدولتين أو أكثر بشأن حكم علاقة قانونية من علاقات القانون الخاص التي تحتوي في عناصرها على عنصر أجنبي.
ويتجلى دور تنازع القوانين في البحث بين القوانين المتزاحمة التي تتجاذب حكم هذا النزاع أو ذلك، من خلال إعمال قواعد الإسناد التي تمثل الأداة أو الوسيلة التي تضعها التشريعات من أجل مساعدة وإرشاد القاضي إلى القانون الواجب التطبيق على العلاقات القانونية المشتملة على عنصر أجنبي دون أن تمكنه وبشكل مباشر من تحديد الحل الخاص بالنزاع المعروض عليه.
لكن لا یمكن للقاضي أن یقوم بتعیین قاعدة الإسناد الخاصة بالمسألة المطروحة أمامه ذات العنصر الأجنبي ومن ثم تعيين القانون الواجب التطبيق علیها إلا بعد القیام بعملیة فنیة أولیة یطلق علیها اسم التكییف، هذا الأخیر الذي یقصد به:” تحدید طبیعة المسألة التي تتنازعها القوانین لوضعها في إحدى الفئات القانونیة التي خصها المشرع بقاعدة إسناد” يعني أن التكييف هو إعطاء وصف قانوني للنزاع.
وبعد إشارة قاعدة الإسناد الوطنية الى القانون الأجنبي الواجب التطبيق على نظام الضمان الاجتماعي فلا يطبق هذا القانون بشكل مطلق، بل هناك بعض الاستثناءات تقضي بعدم تطبيقه وباستبعاده وإعمال أحكام القانون الوطني، إما لكون هذا القانون يتعارض مع النظام العام أو أن تطبيقه ناتج عن تحايل على القانون الواجب التطبيق لتملص من أحكامه وتطبيق أحكام قانون غير مختص.
وأمام تراجع قواعد التنازع التقليدية – قواعد الإسناد- وعدم تطور هذه القواعد، وعدم قدرتها على مواجهة المشكلات القانونية ذات الصفة الدولية، برزت معه مجموعة من المعايير والمناهج الجديدة في القانون الدولي الخاصة المعاصر التي يتم الإعتماد عليها لإختيار أنسب القوانين لحكم هذه العلاقات التي يتخللها عنصر أجنبي، ومن بين هذه المناهج نجد منهج القواعد الموضوعية الذي يحدد القواعد الواجبة التطبيق على العلاقات ذات العنصر الأجنبي دون الحاجة إلى الرجوع إلى قواعد الإسناد، وكذلك تمكين أطراف العلاقة والقاضي من المعرفة المسبقة بالقواعد التي تحكم هذه العلاقة الدولية أو تلك، كما يحول دون نشوب تنازع بين القوانين وذلك من خلال الرجوع إليها بشكل مباشر، لتحديد الأحكام الواجبة التطبيق على النزاعات الخاصة الدولية.
بالإضافة الى منهج القواعد الموضوعية تطرقت الى القواعد ذات التطبيق الفوري أو المباشر ومدى مطابقتها على نظام الضمان الاجتماعي، ويقصد بهذه القواعد على أنها مجموعة من المبادئ الموجودة في النظام القانوني الوطني، والذي يضع طابعها الآمر حدا يقتضي إعمالها على المسائل التي تدخل في مجال سريانها بصرف النظر عن نوع العلاقة سواء كانت دولية أو وطنية.
كما تطرقنا في هذه الدراسة عن دور الاتفاقيات الثنائية المتعلقة بالضمان الاجتماعي في تحديد القانون الواجب التطبيق والذي حددته في قانون بلد العمل كأصل تفاديا للإشكالات التي يطرحها تنازع القوانين، أي أن التعويضات الممنوحة من طرف أنظمة الضمان الاجتماعي مرتبطة بالإقامة فوق التراب الوطني، بالإضافة الى حديثنا عن الاستثناءات الواردة على القاعدة العامة حيث يخضعون العمال الملحقون إلى تشريع بلد العمل الذي كان يعمل به قبل الإلحاق.
أما بخصوص العاملين بمركز دبلوماسي أو قنصلي المنتمين لجنسية البلد الممثل بالمركز غير المستقرين بصفة نهائية في البلد المشتغلين به، فيجوز لهم أن يختاروا بين تطبيق التشريع المعمول به في مكان عملهم، أو التشريع الجاري به العمل في وطنهم الأصلي.
ثم بعد ذلك تحدثنا عن التلطيف من مبدأ إقليمية قواعد الضمان الاجتماعي حيث أن الأخذ بهذا المبدأ على إطلاقه يؤدي في مجال الضمان الاجتماعي الى نتائج غير عادلة، لذلك عمل المغرب على الانخراط في مجموعة من الاتفاقيات الدولية من أجل التلطيف من هذا المبدأ واستفادة العمال المغاربة بالخارج من منافع الضمان الاجتماعي، خصوصا بالنسبة للعمال الذين يفكرون في العودة الى المغرب والاستقرار به.
بالإضافة إلى المبدأ السابق ذكره، تطرقنا إلى مبدأ المعاملة بالمثل أو المساواة في المعاملة والتي عملت مختلف الاتفاقيات الثنائية على تكريسه.
وقياسا على هذه المعطيات فإننا، نستشف من هذا الموضوع أنه يحمل العديد من الصعوبات القانونية المتمثلة في النقص الحاصل في الاتفاقيات الثنائية، رغم كون المملكة المغربية واستنادا إلى ما سقناه من حقائق ومعطيات في فقرات البحث، تجمعها مجموعة من مشاريع الاتفاقيات الثنائية التي تهم الجانب المتعلق بالضمان الاجتماعي مع عدة دول، سواء أكانت مشاريع في صيغتها النهائية أو في بداية الدراسة أي مجرد دعوى للانعقاد، فإنه مع ذلك هناك غياب تام للقواعد القانونية التقنية التي تعكس الإطار القانوني المنظم لمساطر الاستفادة من منافع الضمان الاجتماعي سواء تعلق الأمر بفترة الهجرة بدول الإقامة أو بفترة العودة إلى أرض الوطن.