قراءة في مشروع قانون المالية لسنة 2020 رقم 70.19
يونس مليح
كاتب وباحث بسلك الدكتوراه، عضو هيئة تحرير مجلة القانون والأعمال الدولية
لقد عرف القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13 قانون المالية في مادته الأولى بكونه:”يحدد قانون المالية، بالنسبة لكل سنة مالية، طبيعة ومبلغ وتخصيص مجموع موارد وتكاليف الدولة وكذا التوازن الميزانياتي والمالي الناتج عنها. وتراعى في ذلك الظرفية الاقتصادية والاجتماعية عند إعداد قانون المالية وكذا أهداف ونتائج البرامج التي حددها هذا القانون”. هذا بالإضافة إلى المادة الثانية من نفس القانون التنظيمي والتي جاء فيها بأنه:”يراد في مدلول هذا القانون التنظيمي بقانون المالية: قانون المالية للسنة؛ قوانين المالية المعدلة؛ وقانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية”. كما أنه يتوقع قانون المالية للسنة، لكل سنة مالية، مجموع موارد وتكاليف الدولة، ويقيمها وينص عليها ويأذن بها، وذلك استنادا إلى البرمجة الميزانياتية، وتبتدئ السنة المالية في فاتح يناير وتنتهي في 31 ديسمبر من نفس السنة.
وتعد مرحلة عرض مشروع قانون المالية السنوي بالمغرب أمام أنظار البرلمان بغرفتيه، محطة مهمة لتبين الوضعية الاقتصادية المالية للمغرب، كما أنه فرصة لمعرفة آفاق النمو الاقتصادي والإكراهات المالية الموجودة والمحتملة، خصوصا وأن السياق اقتصادي الذي طرح فيه هذا المشروع المالي، يأتي في ظل تعديل وزاري عرف تقليص عدد الوزراء إلى 23 وزيرا، وهو عدد أقل من التشكيل السابق، لكن وزيري المالية والخارجية احتفظا بمنصبيهما. في حين عرف دمج مجموعة من الوزارات كما هو الحال بالنسبة لوزارة الاقتصاد والمالية التي استبدلت تسميتها لتصبح “وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة”.
ويرتكز مشروع قانون المالية رقم 70.19 للسنة المالية 2020 على مجموعة نقط مهمة تعتبر في مجملها ترقيعية للحالة الاقتصادية والمالية، في اتجاه استرجاع التوازنات المالية العمومية واستعادة لتوازنات الماكرو-اقتصادية، كما أن هذا المشروع يستند على تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني، عبر مواصل دعم الطلب وتشجيع العرض عبر تحفيز التصنيع وانعاش الاستثمار الخاص، ودعم المقاولة وتسريع المخططات القطاعية، وتوفير فرص الشغل اللائق، وتأهيل الرأسمال البشري، بحيث يتوقع من هذا المشروع المالي السنوي أن يسجل نمو الاقتصاد الوطني ارتفاعا بنسبة 3.7% ومعدل عجز الميزانية يقدر ب3,5% سنة 2020. كما أن هذا المشروع يأتي في سياق الدعوة الملكية إلى ضرورة بلورة نموذج تنموي جديد عنوانه الرئيسي هو خدمة المواطن والمسؤولية والإقلاع الشامل على شتى المستويات والأصعدة. فما هي الإجراءات الجديدة التي جاء بها مشروع قانون المالية لسنة 2020 ؟ وهل هذه الإجراءات قادرة على الرفع من الموارد المالية للدولة، وتنمية الاقتصاد الوطني وتحقيق ذلك النموذج التنموي الجديد المنشود؟ أم أنها تبقى فقط إجراءات ترقيعية كما هو حال سابقاتها؟
أولا: موارد ونفقات مشروع قانون المالية لسنة 2020
يأتي إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2020 في سياق يتميز بتباطؤ وثيرة النمو الاقتصادي العالمي، الذي من المتوقع أن يتراجع من 3,6% سنة 2018 إلى 3,2% سنة 2019. ويرجع ذلك إلى تصاعد التوترات التجارية بين كبريات القوى الاقتصادية العالمية، واستمرار تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة وتأثيراتها على أسعار الطاقة، فضلا عن تراجع الاستثمار والطلب على السلع الاستهلاكية على مستوى الاقتصادات المتقدمة والأسواق الصاعدة.
كما يندرج مشروع قانون المالية لسنة 2020 في سياق وطني واعد يتسم أساسا بمواصلة جهود استعادة التحكم في التوازنات الماكرو-اقتصادية، فبالاستناد إلى الظرفية الوطنية والدولية، وأخذا بعين الاعتبار فرضيات سعر غاز البوتان بمعدل 350 دولار للطن، ومحصول زراعي متوسط في حدود 70 مليون قنطار، يروم مشروع قانون المالية لسنة 2020 تحقيق نمو للاقتصاد الوطني في حدود 3,7%، مع توقع استمرار دينامية القطاعات غير الفلاحية بتسجيل تطور للقيمة المضافة ب3,6% مقابل 3,3% سنة 2019 و2,6% سنة 2018.
فيما يخص الجزء المتعلق بميزانية الدولة، فيقدر المبلغ الإجمالي للموارد ب 242.889.345.000 درهم برسم سنة 2019، و248.884.681.000 درهم سنة 2020، أي بزيادة قدرها 2,47% دون احتساب الموارد المتعلقة بالتسديدات والتخفيضات والإرجاعات الضريبية. أما فيما يخص نفقات الميزانية العامة للدولة المتعلقة بنفقات التسيير بمناسبة سنة 2020 فستمثل ما مجموعه 213.427.023.000 مقابل 205.084.566.000 درهم برسم سنة 2019 أي بزيادة قدرها 4,07%، ونفقات الموظفين التي ستبلغ برسم سنة 2020 ما يناهز 119.675.013.000 مقابل 112.159.310.000 درهم برسم سنة 2019 أي بزيادة قدرها 6,7%، أما فيما يتعلق بنفقات المعدات والنفقات المختلفة فتصل إلى ما قدره 48.291.631.00 درهم سنة 2020 مقابل 45.130.114.000 درهم خلال سنة 2019 أي بزيادة قدرها 7,01%، أما التحملات المشتركة-التسيير فستبلغ سنة 2020 ما قدره 24.651.211.000 درهم مقابل 44.095.142.000 درهم برسم سنة 2019 أي بانخفاض قدره 19.443.931.000 درهم بنسبة تقدر ب44,1%، هذه الاعتمادات تخصص أساسا لتغطية الإعانات المرصدة لدعم أسعار المواد الأساسية مما يدعو إلى التساؤل حول كيفية تدبير هذه الموارد المالية المهمة، وهل فعلا هذه النسبة تخصص فعلا للدعم أم لشيء آخر؟، الشق الثاني متعلق بنفقات الاستثمار والتي ستبلغ سنة 2020 78.21 مليار درهم أي بزيادة قدرها 6,59 %عن سنة 2019، زيادة على ذلك، نجد النفقات المتعلقة بفوائد وعمولات الدين العمومي والتي ستبلغ سنة 2020 ما يناهز 29.023.019.000 درهم بزيادة قدرها 3,54% عن سنة 2019، بينما من المتوقع أن تبلغ نفقات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة برسم سنة 2020 ما مجموعه 2.236.914.000 موزعة على كل من نفقات الاستغلال والاستثمار. أما فيما يتعلق بنفقات الحسابات الخصوصية للخزينة، فمن المتوقع أن تبلغ سقف تحملات سيبلغ 90.019.671.000 درهم برسم سنة 2020، أي بتغير يناهز 6,66% مقارنة مع سنة 2016. وفيما يخص النفقات المتعلقة باستهلاكات الدين العمومي المتوسط والطويل الأجل، فقد يبلغ سنة 2020 ما قدره 67.512.204.000 درهم، مقابل 39.213.200.000 درهم مقارنة مع سنة 2019 أي بزيادة قدرها 72,17%.
في الشق المتعلق بموارد ميزانية الدولة، فمن المتوقع أن يبلغ مجموع هذه الموارد العادية للميزانية العامة برسم سنة 2020 ما قدره 248.884.681.000 درهم، مقابل 242.889.345.000 سنة 2019، أي بزيادة قدرها 2,47%، وتشمل هذه الموارد كل من الضرائب المباشرة وغير المباشرة، والرسوم المماثلة، والرسوم الجمركية، ورسوم التسجيل والتمبر، وعائدات أملاك الدولة، وحصيلة مؤسسات الاحتكار والاستغلالات والمساهمات المالية للدولة، وموارد الهبات والوصايا، وحصيلة تفويت مساهمات الدولة، وباقي الموارد المختلفة، حيث تحتل الضرائب المباشرة المرتبة الأولى في موارد ميزانية الدولة، تليها الضرائب غير المباشرة، ثم رسوم التسجيل والتمبر، ثم عائدات مؤسسات الاحتكار، ثم الرسوم الجمركية، ثم الهبات.
وحسب مشروع قانون المالية لسنة 2019، ستبلغ حصيلة الضريبة على الدخل ما قدره 46.181.117.000 درهم وبزيادة نسبتها 3,54% عن سنة 2019، أما الضريبة على الشركات فستبلغ حصيلتها سنة 2020 ما يناهز 53.035.756.000 درهم بزيادة قدرها 2.07% عن سنة 2019، أما الضريبة على القيمة المضافة المحصلة من طرف المديرية العامة للضرائب فستبلغ حصيلتها 23.008.136.000 درهم سنة 2020 بزيادة قدرها 14.85% عن سنة 2019، أما تلك المحصلة من طرف المصالح التابعة لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة فستبلغ ما مجموعه 41.908.510.000 درهم بزيادة قدرها 3.03% عن سنة 2019.
ثانيا: المادة 9 من مشروع قانون المالية لسنة 2020
لابد من الإشارة في البداية إلى كون المتمعن في سطور هذا المشروع المالي لسنة 2020، يدفعه إلى القول بأنه يخلو من مجموعة من الإجراءات والتوجهات التي كان على المشرع تضمينها والتنصيص عليها، سواء في باب تقريب وإصلاح العلاقة ما بين الدولة والمواطن والتي لازالت لم تصل إلى المستوى المطلوب خصوصا وأن وجود المادة 9 في مشروع القانون المالي والتصويت عليها مؤخرا من طرف لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب سيزيد من تعقيد الوضعية والعلاقة بين الدولة والمواطن، بحيث نصت هذه المادة على أنه:” يتعين على الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الآمر بالصرف للإدارة العمومية، في حالة صدور قرار قضائي نهائي اكتسب قوة الشيء المقضي به، يدين الدولة بأداء مبلغ معين، يتعين الأمر بصرفه داخل أجل أقصاه ستون (60) يوما ابتداء من تاريخ تبليغ القرار القضائي السالف ذكره في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية، يتعين على الآمرين بالصرف إدراج الاعتمادات اللازمة لتنفيذ الأحكام القضائية في حدود الإمكانات المتاحة بميزانياتهم، وإذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبين أنها غير كافية، يتم عندئذ تنفيذ الحكم القضائي عبر الأمر بصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية، على أن يقوم الآمر بالصرف باتخاذ كل التدابير الضرورية لتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ في ميزانيات السنوات اللاحقة، غير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخضع أموال وممتلكات الدولة للحجز لهذه الغاية”، الأمر الذي يشكل معه عبثا قانونيا بينا وواضح المعالم، وخرقا لمبدأ سمو القرارات والأحكام الصادرة عن القضاء، وهو ضرب صريح للمبادئ التي تؤطر دولة الحق والقانون ولنص الفصل 126 من الدستور الذي ينص على أنه:” الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع. يجب على السلطات العمومية تقديم المساعدة اللازمة أثناء المحاكمة، إذا صدر الأمر إليها بذلك، ويجب عليها المساعدة على تنفيذ الأحكام.”
زيادة على كون هذه المادة تعد أيضا نقيضا لمجموعة من الخطابات الملكية الداعية إلى تنفيذ الأحكام كما جاء في الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى ال56 لثورة الملك والشعب:”وهذا ما يقتضي تبسيط وشفافية المساطر، والرفع من جودة الأحكام، والخدمات القضائية، وتسهيل ولوج المتقاضين إلى المحاكم، وتسريع وتيرة معالجة الملفات، وتنفيذ الأحكام”، وأيضا الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان في دورة أكتوبر 2016، الذي جاء فيه: “المواطن يشتكي بكثرة، من طول وتعقيد المساطر القضائية، ومن عدم تنفيذ الأحكام، وخاصة في مواجهة الإدارة، فمن غير المفهوم أن تسلب الإدارة للمواطن حقوقه، وهي التي يجب أن تصونها وتدافع عنها، وكيف لمسؤول أن يعرقل حصوله عليها وقد صدر بشأنها حكم قضائي نهائي؟”. وبالتالي فهذه المادة مخالفة تماما لتوجهات وخطب الملك المشار لها في هذه الخطب من خلال تشديده على مسألة تنفيذ الأحكام القضائية النهائية ضد الإدارة.
ثالثا: المستجدات الضريبية في مشروع قانون مالية 2019
لابد من الإشارة إلى أن الموارد المالية المتأتية عن طريق الضريبة تعتبر مورد رئيسي وأساسي لخزينة الدولة، بحيث تهدف لتنفيذ السياسة المالية المختلفة للدولة، كما أن لها أهداف اقتصادية، اجتماعية وسياسية تسعى إلى بلوغها وتحقيقها. وقد عرفت الضريبة بالمغرب تحولات وإصلاحات كبيرة سعت إلى تبسيطها وتسهيلها في وجه الملزمين من أجل تحقيق العدالة الضريبية في النظام الضريبي المغربي.
فمشروع قانون المالية لسنة 2020 جاء بالعديد من المستجدات في الميدان الجبائي، أهمها ما يتعلق بآلية فحص محاسبة الملزمين، حيث تم تضمين المادة 212 من المدونة العامة للضرائب المقتضى الجديد الذي ينص على أنه:”يتعين على الإدارة قبل تبليغ التصحيحات المنصوص عليه في المادتين 220 و221، أن تدعو الخاضع للضريبة داخل أجل ثلاثين يوما الموالية لتاريخ اختتام فحص المحاسبة إلى محاورة شفوية وتواجهية بشأن التصحيحات التي يعتزم المفتش إدخالها على الإقرار الجبائي. وتأخذ الإدارة بعين الاعتبار الملاحظات التي أدلى بها الخاضع للضريبة خلال المحاورة المذكورة، إذا اعتبرت أنها تستند إلى أساس صحيح”. وما ينبغي الإشارة إليه في هذا الإطار هو أنه تبقى للإدارة سلطة تقديرية في الأخذ بملاحظات الملزم وتبقى المحاورة “شفهية” وفي هذا الاختيار أسبقية للإدارة، لأنه لا يوجد كتابيا ما يلزمها ويمكن الاستناد إليه (محضر كتابي تسجل فيه ملاحظات الملزم والمنطق التي تم الاتفاق عليها)، كما أنه لا يوجد ما يلزم الإدارة الأخذ بملاحظات الملزم، فعبارة “تأخذ بعين الاعتبار” تجعل الإدارة المتحكم في المسطرة التواجية، ولها أن تأخذ بالملاحظات التي ترى أنها مناسبة وتدفع برفض تلك التي تقدر أنها لا تناسبه.
في ما يخص الضريبة على الشركات، بالنسبة لسعر الضريبة على الشركات، فقد تم الرجوع إلى السعر الذي كان مطبق في سنة 2019 أي 20% بالنسبة للشركات التي يساوي مبلغ ربحها الصافي من 300 001 إلى 1 000 000 عوض 17,50%، كما أنه يحدد في 20% السعر المطبق على الشريحة التي يفوق فيها المبلغ الربح الصافي 1.000.000 درهم بالنسبة للمنشآت المنصوص عليها في المادة 6 دال من المدونة العامة للضرائب. ويخفض سعر الجدول من 31% إلى 28% بالنسبة للشركات التي تزاول نشاطا صناعيا، باستثناء تلك التي يساوي أو يفوق ربحها الصافي مائة مليون درهم. وبسعر 37% فيما يخص مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها وبنك المغرب وصندوق الإيداع والتدبير ومقاولات التأمين وإعادة التأمين. أما فيما يتعلق بالسعر النوعي للضريبة على الشركات في 15% فقد تم تحديدها بالنسبة للمنشآت التي تزاول نشاطها في مناطق التسريع الصناعي فيما بعد مدة الخمس سنوات المحاسبية المعفاة، وفيما يخص شركات الخدمات المكتسبة لصفة القطب المالي للدار البيضاء، فيما بعد مدة الخمس سنوات المحاسبية المعفاة.
زيادة على أن مشروع قانون مالية 2010 رقم 70.19، تضمن مجموعة من الإجراءات المرتبطة بإنجاح ورش الجهوية المتقدمة، إلا أنه ولحد الساعة ورغم مرور مجموعة من قوانين المالية انطلاقا من سنة 2013 إلى سنة 2020، لم يتم التنصيص على ضرورة إصلاح النظام الجبائي المحلي وفقط التنصيص على توضيح ، هذا الأخير الذي يشكل أداة مهمة في تمويل خزينة الجماعات الترابية، ويشكل نقطة أساسية من أجل إنجاح الجهوية المتقدمة، فبالرغم من أن من بين توصيات المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات في باب “مراجعة شاملة للجبايات المحلية” تضمنت اقتراحين يصبان في خانة استبدال الرسوم المحلية المحتسبة على أساس القيمة الكرائية وكذا الرسم على الأراضي غير المبنية برسم عقاري محلي يحتسب على أساس القيمة التجارية، وخلق جبايات خاصة بحماية البيئة وتخصيص عائداتها للتنمية الجهوية، إلا أن هذه النقط لا يمكنها أن تشكل أساسا للإصلاح الشامل للمنظومة الجبائية المحلية، الأمر الذي ندعوا معه الفاعل الحكومي إلى الإسراع بإصلاح نظام جبايات الجماعات الترابية المؤطر بالقانون رقم 47.06 الذي أبان عن محدوديته وضعف موارده، الأمر الذي يشكل عقبة أمام إنجاح الجهوية المتقدمة وأيضا نقطة ضعف أمام إنجاح النموذج التنموي الجديد المنشود. فرغم التنصيص على مجموعة من التوصيات الصادرة عن المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات، إلا أن مجموعة كبيرة من توصيات المناظرة الوطنية الثانية للجبايات لسنة 2013 لم تفعل لحد الساعة رغم مرور ست سنوات على انعقادها، وهو الأمر الذي يدفعنا إلى القول ما جدوى عقد ندوة وطنية ثالثة بوسائل لوجيستيكية وموارد مالية كبيرة إن لم نفرغ توصياتها ونفعلها على أرض الواقع، وهو ما يستوجب ويتطلب خلق لجان لمتابعة وتقييم تفعيل توصيات أي مناظرة أو سياسة تهم قطاعا من القطاعات.
في الأخير، وجب التأكيد على أن مشروع القانون المتعلق بقانون المالية لسنة 2020، لم يخرج عن السياق العام لسابقيه، حيث تميز كما هو الحال لباقي القوانين المتعلقة بقانون المالية بغياب الجرأة في أجرأة ما وعدت به الحكومة سابقا فيما يتعلق بتنزيل الإصلاحات الضريبية على أرض الواقع، ما يؤشر على أن الإصلاحات الضريبية التي لطالما وعدت الحكومة بتطبيقها بقيت حبرا على ورق من ناحية التطبيق الواقعي والتدريجي في قوانين المالية، ولم ترقى للتطلعات المنشودة من طرف الباحثين والمهتمين بالمجال المالي والضريبي ببلادنا.