في الواجهةمقالات قانونية

مجال تطبيق جريمة إساءة استعمال أموال الشركة – سفيان البقالي 

مجال تطبيق جريمة إساءة استعمال أموال الشركة:

سفيان البقالي 
باحث في العدالة الجنائية والعلوم الجنائية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس.

إذا كـان الأصل أن القـانون الجنائي هو المتضمن لقواعد التجريم والعقاب على مختلف الجرائم، إلا أن هنالك جرائم تخرج عن هذا الأساس، ومن بينها جريمة إساءة استعمال أموال الشركة التي تعتبر من جرائم المال و الأعمال التي تهدف إلى حماية الذمة المالية للشركة من أي استغلال محتمل من طرف أجهزة التسيير، فهذه الجريمة تقوم في مواجهة الأجهزة المكلفة بالتسيير الذين استعملوا عن سوء نية أموال الشركة أو اعتماداتها استعمالا سـيؤدي إلـــى انعكاســـات ضـــارة بالمصالح الاقتصادية للشـــركة وأصـــولها على الخصوص وعلـــى الاقتصاد الـــوطني ككل.

وإذا كان مجال جريمة إساءة استعمال أموال الشركة واسع، حيث أنه يسمح بمتابعة مسيري الشركات متى قاموا باستعمال أموال الشركة استعمالا مخالفا لمصالحها الاقتصادية بهدف تحقيق أغراض شخصية، فهل يعاقب على ارتكاب هاته الجريمة في جميع أنواع الشركات؟ أم هنالك بعض الاستثناءات؟

ورجوعا للمقتضيات المنظمة للشركات التجارية يتبين أن المشرع المغربي حدد نطاق جريمة إساءة استعمال أموال الشركة من خلال إشارته إلى الأشخاص المخاطبين بأحكامها (الفقرة الأولى)، بالإضافة إلى تحديده الشركات المعنية بهذه الجريمة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: النطاق الشخصي لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة:

إن المشرع المغربي حاول جاهدا توسيع دائرة المخاطبين بقواعده و الأشخاص المعنيين بالعقوبات الزجرية المنصوص عليها في القوانين المنظمة للشركات التجارية، بحيث جعلها تشمل أعضاء أجهزة الادارة أو التدبير أو التسيير في شركات المساهمة، ومسيري باقي الشركات، وعليه فإن المسؤولية الجنائية تطال كلا من المسيرين القانونيين و كذا المسيرين الفعليين.

أولا: المسير القانوني أو النظامي:

حدد بعض الفقه أن المسير القانوني هو الذي يتولى بصفة نظامية مهام الإدارة أو التدبير أو التسيير في الشركة، أي كل الأعضاء القانونيين للشخص المعنوي المعينين بصفة نظامية، والذين تناط بهم مهام تدبير شؤون الشركة[1].

فبالرجوع للمادة 384 من ق.ش.م يتبين أن جريمة إساءة استعمال أموال الشركة لا يمكن ارتكابها إلا من طرف أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير لشركة المساهمة، والمقصود بهؤلاء حسب المادة 373 من ق.ش.م أعضاء مجلس الإدارة بما في ذلك الرئيس والمديرون العامون غير الأعضاء في المجلس والمديرون العامون المنتدبون في شركات المساهمة ذات مجلس الإدارة، أما في شركات المساهمة ذات مجلس الإدارة الجماعية ومجلس الرقابة، أعضاء المجلسين المذكورين بحسب الاختصاصات المسندة إليهم.

وتجدر الإشارة إلى أن أعضاء مجلس الرقابة لا يتحملون أية مسؤولية عن أعمال التسيير وعن نتائجها[2]، وبالتالي لا يمكن مساءلتهم بجنحة سوء استعمال أموال الشركة إلا بصفتهم مشاركين أو في إطار نظرية التسيير الفعلي ويصعب بالتالي تصورهم كفاعلين أصليين.

كما أن قانون 17.95 في المادة 42 نص على أنه يمكن تعيين شخص معنوي مسير الشركة المساهمة، وفى هذه الحالة يجب تسمية ممثل دائم له يخضع لنفس الشروط والالتزامات والمسؤوليات التي يخضع لها الشخص الطبيعي، ويساءل هذا الممثل جنائيا عن جرائم الشركات كما لو كان شخصا طبيعيا مسيرا للشركة.

أما بالنسبة للشركة ذات المسؤولية المحدودة، فحسب ما جاء في الفقرة الأولى من المادة 62 من قانون 5.96 تسير من طرف واحد أو أكثر من الأشخاص الطبيعيين، يساءلون جنائيا تقريبا عن نفس الجرائم التي تساءل عنها أجهزة تسيير شركة المساهمة.

أما فيما يتعلق بشركة التوصية بالأسهم فإن الجانب الجنائي بما فيه مسؤولية المسير، تمت الإحالة بصدده على المقتضيات الجنائية المتعلقة بشركة المساهمة و ذلك في المادة 118 من قانون 5.96.

كما نص المشرع المغربي في قانون 5.96 في الباب المتعلق بالمخالفات والعقوبات المشتركة بين جميع أنواع الشركات التي نظمها القانون، على مساءلة مسيري الشركات بما فيها شركة التضامن.

كما أن المسير المستقيل يخضع للمسؤولية الجنائية عند ارتكاب الفعل الجرمي قبل استقالته، والتي كان الهدف من ورائها التهرب من المتابعة والمساءلة[3]، ويساءل المشارك في اقتراف جرائم الشركات وفقا للمقتضيات المتعلقة بالمشاركة المنصوص عليها في القانون الجنائي المغربي[4]، ومن قبيل المشاركة في هذه الجريمة تسخير المسير من قبل أحد أعضاء مجلس الإدارة الذي يملك أغلبية أسهم الشركة في اتخاذ قرارات تؤثر على الذمة المالية لهذه الأخيرة خدمة لأغراضه ومصالحه الشخصية .

وتجدر الإشارة أن المشاركة في جريمة إساءة استعمال أموال الشركة تتطلب إثبات علم المشارك بعناصر الجريمة التي يتابع بها الفاعل الأصلي، كعلم المشارك الفعلي بعدم مشروعية الاستعمال الذي يقوم به أحد المسريين لأموال الشركة، وأن يعلم أنه يتعارض مع المصلحة الاجتماعية والاقتصادية للشركة[5].

ثانيا: المسير الفعلي:

أشارت المادة 374 ق.ش.م للمسير الفعلي حينما نصت بأنه “تطبق أحكام هذا القسم التي تخص أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير لشركات المساهمة على كل شخص يكون قد زاول فعلا، سواء مباشرة أو بواسطة شخص آخر إدارة الشركات المذكورة أو تدبيرها أو تسييرها إما باسم ممثليها القانونيين أو بالحلول محلهم”.

ويتضح من مقتضيات المادة أعلاه أنها ماثلت بين أجهزة التسيير القانوني والمسير الفعلي باعتباره ذلك الشخص الذي يقوم بتسيير أو إدارة أو تدبير الشركة من حيث الواقع، ويبدو بتدخله هذا كأنه رئيس مجلس الإدارة في شركات المساهمة ذات النظام التقليدي، وبالتالي يكون المسير الفعلي مسؤولا جنائيا عن جريمة إساءة استعمال أموال الشركة طبقا لمقتضيات المادتين 374 من ق.ش.م و100 من القانون 5.96.

وعموما يمكن حصر شروط اعتبار شخص ما مسيرا فعليا في ما يلي:

  1. أن يباشر نشاطا إيجابي.
  2. أن يتعلق ذلك النشاط الإيجابي بتسيير الشركة.
  3. أن يكون تصرفه صادرا عنه بكل حرية واستقلالية[6].

أما فيما يتعلق بدرجة المسؤولية الجنائية التي يتحملها المسير الفعلي متى اجتمعت في نشاطه تلك الشروط التي تحدث عنها الفقه وتبناها الاجتهاد القضائي فإنها لا تختلف عن تلك المقررة للمسير القانوني وفق نظرية المعاملة بنقيض القصد[7].

وعليه فإن المشرع المغربي ساوى بين المسير الفعلي و المسير القانوني فيما يخص المتابعة والعقاب المقررة لمختلف جرائم الشركات ولعل أهمها جريمة سوء استعمال أموال الشركة[8]، وهكذا تطبق في حق المسير الفعلي نفس العقوبات التي تخص أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير.

وبالتالي يكون المشرع قد حسم الجدل الذي كان يمكن أن يثار بخصوص الوضعية القانونية للمسير الفعلي الذي أصبح يتابع ليس كشريك وإنما كفاعل أصلي تطبيقا لنظرية الظاهر، وذلك حماية لمصالح الشركاء والشركة و الأغيار من الفاعلين المتعاملين مع الشركة من جهة، وحماية أيضا للادخار والاقتصاد الوطني من جهة ثانية[9].

ولابد من الإشارة إلى أن متابعة المسير الفعلي بجريمة سوء استعمال أموال الشركة يبعد المسير القانوني عن المساءلة من أجل نفس الجرم، ما عدا إذا ثبت أن هذا الأخير كان يعلم أو كان من المفترض أن يعلم بممارسات المسير الفعلي[10].

الفقرة الثانية: النطاق الموضوعي لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة:

أولا: الشركات الخاضعة لنطاق جريمة إساءة استعمال أموال الشركة:

إن المشرع المغربي على خلاف المشرع الفرنسي[11] لم يستثني شركات الأشخاص من نطاق تطبيق جريمة إساءة استعمال أموال الشركة، حيث لم يميز بين الشركات التجارية أي أنه يمكن متابعتها متى توافرت أركان هاته الجريمة سواء كانت شركات الأشخاص “شركة التضامن، شركة المحاصة، شركة التوصية البسيطة”، أو شركات الأموال “شركات المساهمة”، أو شركات مختلطة تجمع بين خصائص شركات الأموال و شركات الأشخاص  “شركة التوصية بالأسهم”، أو الشركات ذات المسؤولية المحدودة”.

  • شركات الأشخاص:

تعتبر المادة 107 من ق5.96 السند القانوني لهذه الجريمة في شركات الأشخاص،[12] حيث جاء فيها “يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر…… المسيرون الذين استعملوا عن سوء نية أموال الشركة أو اعتماداتها استعمالا يعلمون أنه ضد المصلحة الاقتصادية للشركة وذلك لتحقيق أغراض شخصية أو لمحاباة شركة أو مقاولة لهم فيها مصالح مباشرة أو غير مباشرة”.

وتبعا لذلك فالمشرع المغربي جعل من خلال المادة المذكورة أعلاه إطارا مشتركا لشركات التضامن[13] و التوصية البسيطة[14] وذات المسؤولية المحدودة باعتبارها شركة مختلطة[15].

كما أخضع مسيري شركة المحاصة[16] لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة، وهو ما اعتبره البعض غير ممكن للعديد من الأسباب لعل أهمها عدم اكتساب شركة المحاصة للشخصية المعنوية التي تعد شرطا أساسيا لتطبيق جريمة إساءة استعمال أموال الشركة، بالإضافة للقانون المنظم لا يلزمها بالتسجيل في السجل التجاري.

فغاية المشرع من وراء هذا التجريم هو حماية الذمة المالية للشركة وليس حماية الذمة المالية للشركاء، وبما أن شركة المحاصة لا تتمتع بالشخصية المعنوية فبالتالي لا لوجود لذمة مالية لها التي تعتبر شرطا أساسيا لقيام هذه الجريمة، وبالتالي كان يجب على المشرع ألا يخضع شركة المحاصة لجريمة إساءة استعمال أموال الشركة، ذلك لكون هذه الشركة ذمتها المالية غير مستقلة عن ذمم الشركاء بها، ومادامت الشركات المشار إليها في المادة 107 تتمتع بالشخصية المعنوية باستثناء المحاصة، وإنما يتعين متابعة مسيريها بجريمة خيانة الأمانة المنصوص عليها في المادة 547 من القانون الجنائي، أو بجريمة التصرف في مال مشترك تبعا للمادة 523 من ق.ج.م[17].

  • شركات الأموال:

إن المشرع المغربي وضع حماية قانونية للذمة المالية لشركات الأموال[18]، والتي من بينها شركة المساهمة التي تعتبر الشركة العامة للشركات التجارية، وذلك  من خلال تنصيصه على معاقبة المسير عند إساءة استعمال أموالها بشكل يتعارض مع مصلحتها الاقتصادية، تطبيقا لمقتضيات الفصل 384 من القانون 17.95 المتعلق بشركة المساهمة.

هذا فضلا على أن جريمة إساءة استعمال أموال الشركة تشمل أيضا شركة المساهمة المبسطة طبقا للمادة 437 من قانون 17.95 التي تنص على أنه “تسري أحكام المواد من 375 إلى 383 و386 والمواد من 395 إلى 399 بإدخال الغاية على شركات المساهمة المبسطة، تطبق العقوبات المقررة لأعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير لشركات المساهمة على رئيس ومسيري شركة المساهمة المبسطة...”.

ومنه يتضح من خلال هذه المادة أن مسيري شركات المساهمة المبسطة يتابعون بجريمة إساءة استعمال أموال الشركة المنصوص عليها في ق 17.95 المتعلق بشركة المساهمة.

كما أن شركة التوصية بالأسهم[19] تخضع لنفس المقتضيات الجنائية التي تخضع لها شركات المساهمة تطبيقا لمقتضيات المادة 118 من القانون رقم 5.96 التي تنص على تطبق العقوبات الزجرية المنصوص عليها في قانون شركات المساهمة على شركات التوصية بالأسهم“.

بالإضافة للشركات التجارية المنظمة في قانون الشركات تقوم جريمة إساءة استعمال أموال الشركة في بعض الشركات المنظمة بنصوص خاصة ويتعلق الأمر بشركات التأمين والشركات التعاونية والمجموعات ذات النفع الاقتصادي.

  • شركات التأمين: حدد المشرع المغربي ضمن مقتضيات القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات الشركات المسموح لها بمزاولة نشاط التامين، والمتمثلة في شركة المساهمة والشركات التعاضدية ذات الاشتراكات الثابتة، وذلك من خلال المادة 170 “… لا يمكن ممارسة العمليات المشار إليها في المادة 160 أعلاه، إلا من طرف شركات المساهمة والشركات التعاضدية للتأمين ذات الاشتراكات الثابتة”.

وإذا كان الإشكال لا يطرح بخصوص شركة المساهمة فيما يتعلق بالعقاب على جريمة إساءة استعمال أموالها حيث أن مقتضياتها منظمة في القانون 17.95 المتعلق بشركة المساهمة، فإن الشركة التعاضدية تختلف عن شركة المساهمة فيما يخص التأسيس، إلا أن المشرع قرر فيما يتعلق بالتسيير والإدارة الإحالة على القانون 17.95 في المادة 197 من القانون 17.99 الخاص بمدونة التأمينات، وذلك لكون أن الأحكام الواردة في قانون شركات المساهمة تضمن بشكل فعال تسيير هذا النوع من الشركات الشيء الذي دفع المشرع للإحالة عليه إذ نصت المادة 225 من المدونة يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادة 384 من القانون رقم 17.95 السالف الذكر أعضاء أجهزة الإدارة أو التسيير للشركة التعاضدية للتأمين، الذين استعملوا، بسوء نية أموال الشركة أو اعتماداتها استعمال يعلمون تعارضه مع المصالح الاقتصادية لهذه الأخيرة وذلك بغية تحقيق أغراض شخصية أو لتفضيل شركة أو مقاولة أخرى لهم فيها مصالح مباشرة أو غير مباشرة“.

  • الشركات التعاونية: عاقب المشرع على جريمة سوء التصرف في أموال التعاونية واعتماداتها من خلال الفقرة الثانية من الفصل 90 من القانون 24.83 المتعلق بتحديد النظام الأساسي العام للتعاونيات ومهام مكتب تنمية التعاون ” ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفصل 357 من القانون الجنائي أعضاء مجلس الإدارة والمديرون الذين استخدموا سلطتهم استخداما ينافي مصلحة التعاونية أو قصد بلوغ أغراض شخصية أو محاباة مؤسسة أخرى لهم فيها مصلحة مهما كانت، أو تصرفوا في أموال التعاونية وائتمانها، أو قاموا بتوزيعات مخالفة للفصل 69 أعلاه متعمدين بذلك إلحاق ضرر بالتعاونية”.

وتبعا لذلك يكون المشرع المغربي على مستوى التجريم قد تدخل صراحة للتنصيص على جريمة سوء استعمال أموال واعتمادات التعاونيات على معاقبة أعضاء مجلس الإدارة والمديرين الذين استخدموا سلطتهم استخداما ينافي مصلحة التعاونية أو قصد بلوغ اغراض شخصية أو محاباة مؤسسة أخرى لهم فيها مصلحة مهما كانت أو تصرفوا في أموال التعاونية أو انتمائها.

  • المجموعات ذات النفع الاقتصادي:

ترمي المجموعة ذات النفع الاقتصادي إلى تحقيق أهداف مشتركة لمقاولات متمتعة بالشخصية المعنوية مدنية كانت أو تجارية بجهود وإمكانات كبيرة، وتكاليف قليلة دون نية تحقيق الأرباح[20].

ولقد اعتمد المشرع المغربي فيما يخص تجريم سوء استعمال أموال المجموعات ذات النفع الاقتصادي أسلوب الإحالة وذلك عندما نصت المادة 71 من قانون 13.97 على تطبيق القواعد المتعلقة بشركات التضامن كما وردت بالقانون رقم 96.05 على هذه المجموعات.

وبالتالي يتابع المسير مستعمل أموال أو اعتمادات المجموعة ذات النفع الاقتصادي إساءة استعمال أموال الشركة متى استجمعت شروطها وأركانها الأساسية.

ثانيا: الشركات المستثناة من نطاق جريمة إساءة استعمال أموال الشركة:

رغم أن جريمة إساءة استعمال أموال الشركة هي من الجرائم المتعلقة بتسيير الشركات إلا أن ليس كل الشركات تخضع لهذه الجريمة على غرار الشركة الفعلية والشركات الخاضعة لمساطر صعوبات المقاولة والجمعيات.

  • الشركة الفعلية:

تعرف الشركة الفعلية بأنها اعتراف بوجود فعلي لشركة ما يتم هذا الاعتراف بين شركائها، لكن لا يتم أمام القانون في المدة بين تأسيسها والحكم ببطلانها أي أن أثار البطلان تقتصر على المستقبل، فيعدم العقد و الشركة فيما بين الشركاء و اتجاه الغير، لكنه لا يسري ولا يطبق على الماضي[21].

وبما أن الشركة الفعلية لا تتمتع بالشخصية المعنوية ولا الذمة المالية المستقلة، فلا يمكن الحديث عن تطبيق جريمة إساءة استعمال أموال الشركة التي تهدف إلى حماية أموال الشركة[22].

  • الشركات الخاضعة لمساطر معالجة صعوبات المقاولة :

بالرجوع إلى المادة 740 من القانون 73.17 المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة نجدها تنص على وجوب فتح مسطرة التسوية أو التصفية تجاه كل مسؤول يمكن أن تثبت في حقه إحدى الوقائع التالية :

  • التصرف في أموال الشركة كما لو كانت أمواله الخاصة.
  • استعمال أموال الشركة أو ائتمانها بشكل يتنافى مع مصلحتها لأغراض شخصية أو لتفضيل مقاولة أخرى له بها مصالح مباشرة أو غير مباشرة.

من خلال هذه المادة يتضح أن إمكانية المساءلة عن جريمة سوء استعمال أموال الشركة واعتماداتها تكون  واردة حتى في الفترة التي تكون فيها المقاولة تواجه صعوبات أدت بها إلى خضوعها لمسطرة التسوية أو التصفية القضائية، لكن قراءة هذه المادة في ترابط مع المادة 754 من نفس القانون[23] يجعلنا أمام تكييف من نوع آخر رغم أن الأمر يتعلق باختلاس أموال الشركة[24].

وتبعا لذلك فإن متابعة المسيرين عن إساءة استعمال أموال الشركة أو اعتماداتها أثناء مسطرة التسوية أو التصفية القضائية يتم تحت تكييف التفالس بدل جنحة سوء استعمال أموال الشركة، كما أن العقوبة تصبح مشددة فجريمة التفالس يعاقب عليها بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 10.000 إلى 100.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين[25]، وليس العقوبة المنصوص عليها في المادة 384 من قانون شركات المساهمة الذي لا تتجاوز فيها العقوبة السالبة للحرية ستة أشهر.

  • الجمعيات:

تعتبر كل جمعية مؤسسة بصفة قانونية حسب مقتضيات ظهير 15 نونبر 1958 كما تم تعديله بموجب ظهير 10 ابريل 1973 متمتعة بالشخصية المعنوية والذمة المالية المستقلة عن أموال أعضائها، كما تتوفر هذه الجمعية على جهاز مسير يدير هذه الأموال التي تتكون أساسا من واجبات انخراط أعضائها والأماكن والأدوات… وكل الأملاك الضرورية لتحقيق غرضها[26].

وتبعا لذلك فتوفر هذه العناصر يجعلنا نعتقد وكأننا أمام شركة بالمفهوم الدقيق، وبالتالي وجود إمكانية التلاعب بأموال الجمعية، حيث اختلف الفقه حول تكييف هذا السلوك فهنالك من يرى إمكانية المتابعة بجريمة إساءة استعمال أموال الشركة في نطاق الجمعية متى توافرت عناصرها التكوينية التي يتطلبها قانون الشركات، في حين أكد آخرون أن الأمر هنا يتعلق بجنحة خيانة الأمانة كلما عمد مسير جمعية إلى استعمال أموالها استعمالا يتعارض مع مصلحتها خدمة لمصالحه الشخصية[27].

لكن الرأي الراجح هو تطبيق الأحكام والقواعد العامة للقانون الجنائي العادي ومن تم تكييف الخروقات المالية لمسيري الجمعيات على أساس أنها خيانة الأمانة، خاصة أن الظهير الشريف المنظم لتأسيس الجمعيات لم يتضمن أي مقتضى يفيد تطبيق النصوص المجرمة لسوء استعمال أموال الشركة داخل نطاق الجمعيات.

 

[1] Maria Bahnini, La société anonyme en Droit Marocain, analyse et explication, Ed headline 1998, p 58

[2] فؤاد معلال، شرح القانون التجاري المغربي الجديد، الجزء الثاني للشركات التجارية، الطبعة الثالثة، مطبعة الأمنية الرباط، 2009، ص243.

[3] أمال عربوش، أزمة القانون الجنائي للشركات، رسالة ماستر، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة الحسن الأول، وجدة، السنة الجامعية 2010/2011، ص29.

[4] يعتبر مشاركا في الجناية أو الجنحة من لم يساهم مباشرة في تنفيذها ولكنه أتى أحد الأفعال الآتية:

  • أمر بارتكاب الفعل أو حرض على ارتكابه، وذلك بهبة أو وعد أو تهديد أو إساءة استغلال سلطة أو ولاية أو تحايل أو تدليس إجرامي.
  • قدم أسلحة أو أدوات أو أية وسيلة أخرى استعملت في ارتكاب الفعل، مع علمه بأنها ستستعمل لذلك.
  • ساعد أو أعان الفاعل أو الفاعلين للجريمة في الأعمال التحضيرية أو الأعمال المسهلة لارتكابها، مع علمه بذلك.
  • تعود على تقديم مسكن أو ملجأ أو مكان للاجتماع، لواحد أو أكثر من الأشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو الأمن العام أو ضد الأشخاص أو الأموال مع علمه بسلوكهم الإجرامي.

أما المشاركة في المخالفات فلا عقاب عليها مطلقا.

[5] منعوم حبيب، حماد محمد، “جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة”، رسالة ماستر، كلیة الحقوق و العلوم السیاسیة، جامعة مولود معمري تیزي وزو، السنة الجامعية 2015/2016، ص39.

[6] ابن خدة رضى، القانون الجنائي للشركات التجارية، رسالة ماستر، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة المولى إسماعيل، مكناس، السنة الجامعية 2008/2009، ص104.

[7] المختار البقالي، جريمة إساءة استعمال أموال الشركة، رسالة ماستر، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة المولى إسماعيل، السنة الجامعية 2009/2010، ص 86.

[8] عبد القادر بلقاسمي، مظاهر الحماية الجنائية للذمة المالية للشركات التجارية “دراسة مقارنة”، رسالة ماستر، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة الحسن الأول، وجدة، السنة الجامعية 2011/2012، ص36.

[9] المختار البقالي، م.س، ص 86.

[10] أمال عربوش، م.س، ص 30 و 31.

[11] بالنسبة للمشرع الفرنسي فقد جعل مقتضيات جريمة إساءة استعمال أموال الشركة، تطبق فقط على شركات الأموال، أي شركة المساهمة وشركة المساهمة المبسطة والشركة ذات المسؤولية المحدودة متعددة الشركاء أو احادية الشركاء، إضافة إلى شركة التوصية بالأسهم..

[12] شركات الأشخاص هي تلك الشركات التي تقوم على الاعتبار الشخصي الذي يستند إلى المعرفة  والثقة، وتنشأ في الغالب بين عدد قليل من الشركاء، وتمارس نشاطا صغير الحجم قريبا من النشاط الفردي، وتكون لشخصية الشريك فيها أهمية حيوية، سواء في علاقات الشركاء بعضهم مع بعض أو في علاقاتهم بالغير.

وإن هذا الاعتبار وهذه الأهمية يجعلان الشركاء أو بعضهم مسؤولين عن ديون الشركة مسؤولية مطلقة وتضامنية “المواد 3 و 20 و 89 ف 3 من القانون رقم 5.96” وأن الغلط في شخص المتعاقد غلط جوهري يجعل العقد قابلا للإبطال، ويحرم الاعتبار الشخصي على الشريك التصرف في النصيب أو الحصة أو التنازل عنها دون رضى باقي الشركاء “المواد 15 و 16 و 27 ف 1 من القانون رقم 5.96” لأن الثقة والمعرفة لا ينتقلان أي إن الشركة تنتهي بالاندماج أو بموت أحد الشركاء أو بإعلان فقده قضاء أو الحجر عليه أو إعساره أو الحكم عليه بمسطرة.

[13] شركة التضامن: هي النموذج الأمثل لشركات الأشخاص حيث يكون كل شريك فيها مسؤولاً مسؤولية تضامنية، وفي جميع أمواله عن ديون الشركة كما يكتسب كل شريك فيها صفة التاجر.

[14] شركة التوصية البسيطة: وتتكون من فريقين من الشركاء: شركاء متضامنين يخضعون لنفس النظام القانوني الذي يخضع له الشركاء في شركة التضامن، فيكونون مسؤولين مسؤولية تضامنية، وغير محددة عن ديون الشركة ويكتسبون صفة التاجر، وشركاء موصين لا يسألون عن ديون الشركة إلا في حدود حصصهم ولا يكتسبون صفة التاجر ولا يشاركون في إدارة الشركة.

[15] شركة المسؤولية المحدودة: هي الشركة التي تتكون من عدد قليل من الشركاء لا يجوز أن يزيد على الخمسين شريكا، وهذه الشركة تشبه شركات الأشخاص من حيث قلة عدد الشركاء فيها وحظر اللجوء إلى الادخار العام عن طريق الاكتتاب في أسهم أو سندات وتقييد انتقال حصص الشركاء، وهي تشبه شركات الأموال من حيث تحديد مسؤولية كل شريك فيها عن ديون الشركة بمقدار حصته، ومن حيث نظام إدارتها والرقابة عليها.

[16] شركة المحاصة هي  شركة مستترة لا تتمتع بالشخصية المعنوية ولا وجود لها بالنسبة إلى الغير وتقتصر آثارها على الشركاء فقط.

[17] خدوج اعويناتي، النظام القانوني لجريمة إساءة استعمال أموال أو اعتمادات الشركة، رسالة ماستر، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة الحسن الأول سطات، السنة الجامعية 2010/2011، ص27 و28.

[18] شركات الأموال: يقوم هذا النوع من الشركات على رأس المال لا على الاعتبار الشخصي، ومن هنا أتت تسمية هذا النوع بشركات الأموال وتسمية الشركاء حملة الأسهم بالمساهمين، الذين لا يسألون عن ديون الشركة إلا في حدود قيمة ما يملكون من الأسهم التي حصلوا عليها عن طريق الاكتتاب العام “المادتان 1 من القانون رقم 17.95 و 31 ف 1 من القانون رقم 5.96″، ويسوغ لأي واحد منهم أن يتصرف بحرية في أسهمه، أو أن يتنازل عنها للغير دون أن يكون لذلك تأثير على حياة الشركة أو بقائها، ودون أن يتوقف ذلك على رضى باقي الشركاء، ولا يكون من جهة أخرى للغلط في شخص الشريك، ولا لوفاته أو الحجر عليه أو إعساره أو الحكم عليه بمسطرة من مساطر المعالجة أثر على وجود الشركة ، زد على أن اسمها يتكون من غرضها لا من أسماء الشركاء ولا لزوم حتى لإضافتهم.

[19] شركة التوصية بالأسهم: هي تشبه شركة التوصية البسيطة من حيث أنها تضم فريقين من الشركاء: شركاء متضامنون يخضعون لنفس النظام القانوني الذي يخضع له الشركاء المتضامنون في شركة التضامن وشركة التوصية البسيطة، وبالتالي فإن الشركة تعتبر بالنسبة إليهم شركة أشخاص، إذا يكتسبون جميعهم صفة التاجر ويسألون مسؤولية تضامنية وغير محددة عن جميع ديون الشركة، وفي مقابل ذلك يستأثرون بالإدارة، وشركاء موصون لا يترتب على دخولهم في الشركة اكتساب صفة التاجر ولا يسألون عن ديون الشركة إلا في حدود حصصهم التي تأخذ شكل الأسهم القابلة للتداول بالطرق التجارية، وبالتالي فإن الشركة تعتبر بالنسبة إليهم شركة أموال.

[20] أحمد شكري السباعي، الوسيط في الشركات و المجموعات ذات النفع الاقتصادي، الجزء 2، ط2، دار النشر المعرفة، الرباط، المغرب، 2009، ص469.

[21] عبد الرحيم شميعة، الشركات التجارية، سلسلة قانون الأعمال 2، دار النشر سجلماسة، مكناس، طبعة 2020، ص48.

[22] زكري ويس ماية الوهاب، “جريمة الاستعمال التعسفي لأموال الشركة”، رسالة ماستر، كــلــيــــة الــحـــقــــوق، جامعة الإخوة منتوري، قسنطينة، الجزائر، السنة الجامعية 2004/2005، ص35 و36.

[23]  المادة 754 من القانون 73.17 “يدان بالتفالس في حال افتتاح التسوية أو التصفية القضائية الأشخاص المشار إليهم في المادة 736 أعلاه الذين تبين أنهم ارتكبوا أحد الأفعال التالية:

……

  1. اختلسوا أو أخفوا كلا أو جزءا من أصول المدين.”

[24] المختار البقالي، م.س، ص 109.

[25] المادة 755 من القانون 73.17 المتعلق بصعوبات المقاولة.

[26] المختار البقالي، م.س، ص 113.

[27] رشيد المليتي، جريمة إساءة استعمال أموال الشركة، رسالة لنيل الدراسات العليا المعمقة في قانون الأعمال، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء، السنة الجامعية 2002/2003، ص33.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى