ملخص لأطروحة : التعسف في استعمال حق التصويت داخل الجموع العامة لشركات المساهمة
بعد الثورة الصناعية وقيام مشاريع صناعية ضخمة، برزت الحاجة إلى شركات المساهمة كإطار قانوني لمزاولة هذه الأنشطة، وذلك نظرا للمزايا التي توفرها للمساهمين فيها، وكذا قدرتها على تعبئة الأموال اللازمة للمشاريع الضخمة.
وهذا جعلها تكتسب أهمية اجتماعية واقتصادية كبيرة، بل أكثر من ذلك أصبحت لها أدوار سياسية وتأثير لا يمكن الإغفال عنه في مختلف بلدان العالم.
كل هذا دفع التشريعات إلى الإهتمام بهذا النوع من الشركات وتنظيمه بشكل دقيق، ودون ترك مساحة واسعة لإرادة الشركاء، مما جعلها قريبة من النظام القانوني منه إلى العقد.
ونفس المسار اختاره المشرع المغربي، من خلال إصدار قانون 17.95 المتعلق بشركة المساهمة، الذي أعطى المساهمين السيادة في هذه الشركة بحكم السلطات الممنوحة لهم، وذلك من حق التصويت باعتباره الوسيلة الوحيدة لتسيير شؤون الشركة. هذا التصويت أخضعه المشرع لمقتضيات محكمة هدفها ضمان ممارسته بالشكل الصحيح، رغم أن الواقع يثبت العكس إذ كثيرا ما تعمل الأغلبية خلال الجموع العامة على اتخاذ قرارات لا تخالف النصوص القانونية إلا أنها تخالف المصلحة الإجتماعية للشركة أو على الأقل تخالف مصلحة الأقلية، كعدم توزيع الأرباح الذي قد يتضمن إجحــافا للأقلية.
وهنا تطرح صعوبة معالجة هذه الحالات نظرا لغياب نصوص قانونية فعالة، وهنا تتجلى أهمية هذه الأطروحة التي ستحاول من خلالها إزالة الغموض وطرح أبرز الإشكاليات التي تحتويها نظرية التعسف في استعمال حق التصويت
باب تمهيدي : نظرية التعسف في استعمال الحقوق
مباشرة بعد ظهور المذاهب الإجتماعية وانتشارها في مجال دراسة القانون، أصبح بالإمكان تقرير المسؤولية حتى على أًصحاب الحقوق الشخصية، رغم أن هذه النظرية تعرضت للعديد من الإنتقادات، لكنها بقيت صامدة في مختلف فروع القانون.
أولا : نظرية التعسف في استعمال الحق في القانون الفرنسي والمغربي
القانون الفرنسي هو التشريع الأول الذي ظهرت فيه نظرية التعسف في استعمال الحق ومنه امتدت إلى التشريعات الأخرى، ومنها التشريع المغربي، دون أن ننسى أن هذه النظرية راسخة أيضا في الفقه الإسـلامي.
1) في القانون الفرنسي :
انطلاقا من الدراسات المتعلقة بتطور نظرية نظرية التعسف في استعمال الحق في فرنسا نجدها تشير إلى أن مفهوم التعسف ظهر منذ زمن قديم، وبالضبط في ماي 1857 عن القضاء الفرنسي، وبعد ذلك حاول الفقه الفرنسي وضع نظرية قانونية متكاملة لهذا المفهوم، ثم واكبت التشريعات الفرنسية هذا التطور خاصة في مجال قانون الشغل.
2) في القانون المغربي :
بدوره المشرع المغربي لم ينص صراحة على مفهوم التعسف، إنما اكتفى بإيراد نصوص متفرقة تعبر عنه كمفهوم، ومن بينها الفصل 94 من ق.ل.ع والفصل 48 من ظهير 12 غشت 1913
وبدوره، عمل القضاء المغربي على إعمال نظرية التعسف وتطبيقها في مختلف المجالات حتى مع عدم وجود نص صريح.
ثانيا : مفهوم نظرية التعسف في استعمال الحق
اجتهد أنصار نظرية التعسف في استعمال الحق من أجل إيجاد معايير قادرة على التفريق بين الممارسة العادية وممارسة التعسف فاعتمدت المعيار الذاتي الذي ينبني على نية مستعمل الحق، لكن سرعان ما ظهرت عيوبه لتتم الإستعانة بالمعيار الموضوعي الذي يرتكز على انحراف المتعسف عن الهدف المحدد لذلك الحق، ولم يسلم بدوره من الإنتقاد رغم أن بعض التشريعات تبنته خاصة التشريع المصري.
ثالثا : أساس المسؤولية عن التعسف
اختلف الفقه حول الأساس الذي تستند إليه المسؤولية عن التعسف، فاتجاه أول يقيم أساسها على الخطأ وبالتالي يسأل الشخص طبقا للقواعد العامة للمسؤولية التقصيرية، أما الإتجاه الثاني فقد رفض هذا الرأي معتبرا أن الأساس إنما هو انحراف الشخص عن الغاية المحددة لحقه.
وقد تبنى القضاء الفرنسي وكذا المغربي الإتجاه الأول الذي يعتمد قواعد المسؤولية التقصيرية ويعتبر التعسف صورة من صور التعدي أي الركن المادي للخطـأ.
المبحث الأول : مظاهر التعسف في استعمال حق التصويت داخل الجموع العامة لشركات المساهمة
لم ينظم المشرع المغربي مسألة التعسف في استعمال التصويت داخل الجموع العامة للشركات، لكن هذا لا يعني أن الفكرة لم تكن موجودة في باله أثناء وضع قانون 1995، فهذا الأخير تضمن العديد من النصوص تستهدف تفادي التعسف خاصة المادة 58 و 112 وكذا المادة 384.
ونفس الأمر بالنسبة للمشرع الفرنسي الذي ترك الأمر لإبداع القضاء.
المطلب الأول : الإطار القانوني لممارسة حق التصويت
يمارس الشركاء حق التصويت في إطار الجموع العامة التي قد تكون إما عادية أو غير عادية، الأولى تختص في اتخاذ مختلف القرارات باستثناء تلك المتعلقة بتعديل النظام الأساسي التي تتخذ في إطار الجموع العامة غير العادية.
واعتبارا لكل هذه الإختصاصات المهمة للجموع العامة، نجد أن المشرع أخضعها لتنظيم جد دقيق وأفرد من خلاله جزاءات صارمة تضمن فعاليتها.
الفقرة الأولى : استدعاء المساهمين وإعلامهم
انطلاقا من المادة 116 من القانون 17.95 نجد أن المشرع كلف عدة جهات باستدعاء الجموع العامة للإنعقاد، من ضمنها مراقب أو مراقبو الحسابات وكذلك وكيل يعينه رئيس المحكمة ، وكذا المصفون في أحوال معينة، دون أن ننسى مجلس الإدارة الذي بدوره يتمتع بهذا الحق.
ولم ينسى قانون 1995 تنظيم طريقة الاستدعاء، ليضمن من خلالها حق المشاركة لجميع المساهمين، وبالتالي حدد طرق الإستدعاء في نوعين : بواسطة إشعار ينشر في صحيفة مخول لها نشر الإعلانات القانونية وكذلك بواسطة الجريدة الرسمية بالنسبة للشركات التي تدعو الجمهور للإكتتاب.
وقد حددت المادة 124 البيانات الواجب توفرها في الإستدعاء كيفما كانت الطريقة المتبعة، كما حدد المشرع التاريخ الفاصل بين تاريخ الإستدعاء وتاريخ الإنعقاد بخمسة عشر يوما عندما تكون أسهم الشركة إسمية وذلك في الدعوة الأولى وثمانية أيام في الدعوة الموالية.
وقد قرر المشرع المغربي جزاءات مدنية وأخرى جنائية عندما يتم الإخلال بمقتضيات الإستدعاء المحددة في النصوص القانونية.
كذلك لكي يمارس المساهم حقه في التصويت، لا بد من إعلامه بوضعية الشركة وذلك من خلال مجموعة من الوثائق، يتم وضعها رهن إشارة المساهمين والتي تختلف بحسب ما إذا كانت الشركة تدعو الجمهور للإكتتاب أو لا تدعو إلى ذلك.
وطبقا للمادة 152 من قانون 1995، فإن المشرع فرض أيضا جزاءات مدنية عندما يتم الإخلال بالمقتضيات المتعلقة بإعلام المساهمين، مع إمكانية إنزال عقوبات جنائية أيضا طبقا للمواد 390 و 391 من قانون 1995
الفقرة الثانية : انعقاد الجموع العامة واتخاذ القرارات
* الإنــعقاد :
يعتبر حضور الجموع العامة من الحقوق الأساسية التي يتمتع بها المساهمون ولا يمكن منعهم منها بمقتضى النظام الأساسي وذلك طبقا للمادة 1015 من ق.ل.ع وكذا المادة 387 من قانون 1995 المنظم لشركات المساهمة.
و نفس الأمر جعل القضاء الفرنسي لا يتردد أبدا في إبطال كل الجموع العامة التي يحرم فيها المساهم من حقه المضمون في الحضور.
لكن يبقى حق المساهم في حضور الجموع العامة رهين بإثبات صفته وهو أمر سهل بالنسبة لحملة الأسهم الإسمية، عكس حملة الأسهم للحامل الذين تبقى هويتهم مجهولة من طرف الشركة.
أما في الحالة التي لا يستطيع فيها المساهم حضور الجموع العامة للشركة لأسباب مختلفة، فإن المشرع أعطاه إمكانية تعيين وكيل عنه ولو كان من خارج الشركة، بل قد لا يعين المساهم ممثلا عنه ولا يحدد الإتجاه الذي يذهب إليه صوته وهو ما يعرف بالتوكيل على بياض، هذا الأخير كثيرا ما يستعمل لتحقيق النصاب في الدعوى الأولى وتفادي إعادة الدعوة.
وفي الحالتين لا يمكن للتوكيل أن يكون دائما وذلك طبقا للمادة 132 من قانون 1995 من قانون الشركات.
لكن عندما يكون المساهم في شركة المساهمة شخص معنوي فإن هذا الأخير يتوجب عليه أن يمثل بواسطة ممثله القانوني، ما لم يوجد نص يمنع عليه ذلك، ونفس المقتضى يطبق على المساهم القاصر الذي لا يستطيع المشاركة في الجموع بدون ترشيده إلا من خلال ممثله القانوني.
غير أنه في بعض الأحيان يشترط النظام الأساسي طبقا للمادة 127 توافر المساهم على عدد معين من الأسهم قصد المشاركة في الجموع العامة، شريطة ألا يتجاوز عدد هذه الأسهم عشرة وأن يتعلق فقط بالجموع العامة العادية دون الإستثنائية.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك فئات أخرى غير المساهمين يحضرون الجموع العامة، وهنا نتحدث عن مراقب أو مراقبي الحسابات، وكذا أعضاء مجلس الإدارة الجماعية وممثلو كتلة حملة سندات القرض طبقا للمادة 304 من قانون 1995 دون أن ننسى في الأخير أصحاب حقوق الإنتفاع والموثق في الحالات التي يحرر فيها المحضر في شكل محرر رسمي.
غير أنه لا يكفي حضور المساهمين أو ممثليهم، إنما استلزم المشرع عددا من الشروط تتعلق أساسا ب :
– مكتب الجمعية العامة : الذي يتكون من رئيس وفاحصين اثنين وكاتب يساعد، هذا المكتب هو الذي يتولى المصادقة على ورقة الحضور واحترام الأحكام المتعلقة بالتصويت…كل ذلك تحت طائلة الجزاءات التي قد تترتب على الإخلال بالمقتضيات المتعلقة بمكتب الجمعية.
– مسك ورقة الحضور : التي أحاطها المشرع بالعديد من الضمانات يجب احترامها تحت طائلة الجزاء، وذلك لدورها المهم في مراقبة تكوين الجموع العامة، ومن حق كل مساهم الإطلاع عليها.
– تحقق النصاب : حتى تعبر القرارات المتخذة في الجموع العامة عن إرادة الأغلبية، فقد أوجب المشرع تحقق النصاب الذي يقصد به تلك النسبة من رأس المال الواجب حضورها لتنعقد الجمعية العامة بشكل صحيح، مع العلم أن نسبة هذا النصاب تختلف حسب ما إذا كان الجمع العام عادي أم غير عادي.
إضافة إلى المادة 139 من قانون 1995 جعلت البطلان كجزاء للتداول دون تحقق النصاب القانوني أو النصاب المحددة في النظام الأساسي.
* اتخاذ القرارات :
بمجرد انعقاد الجموع العامة، تبدأ المداولات بخصوص المقترحات وجدول الأعمال، لكن المشرع المغربي لم ينظم كيفية التداول إنما يتم اتباع العادة المتداولة التي تبدأ بالتذكير بجدول الأعمال، مع ضرورة الإكتفاء بالمواضيع المدرجة بجدول الأعمال كما تنص على ذلك المادة 118 من قانون 1995 وبالتالي لا يمكن رفع الإجتماع إلا بعد البت في كل المواضيع المطروحة.
لكن من أجل تنوير المساهمين، حتى يتخذوا قرارات صائبة لابد من تلاوة التقارير المنجزة وخاصة تلك التي ينجزها مراقبو الحسابات نظرا لأهميتها.
وبعد المناقشات التي تمكن المساهمين من التعبير عن آرائهم وممارسة حقهم المشروع، تأتي مرحلة التصويت بعد قفل المداولات والتي تتضمن عدة مبادئ :
1) حق التصويت خاصية مهمة للسهم بحيث يرتبط بملكية ذلك السهم، رغم أن حق التصويت وحق الحضور ليسا متلازمين، على اعتبار وجود أشخاص غير مساهمين لا يحق لهم التصويت كـمراقبي الحسابات، إضافة إلى وجود الأسهم ذات الأولوية في الأرباح التي لا يتمتع أصحابها بحق التصويت.
إضافة إلى الحالات السابقة نجد أن الجموع العامة قد تبت أحيانا في عدة مسائل لها علاقة بالمصالح الشخصية لبعض المساهمين، وهنا تدخل المشرع لكي يمنع هؤلاء من التصويت، لكن شريطة أن يرد هذا المنع في إطار نص قانوني كما هو الحال بالنسبة للمادة 112 المتعلقة باقتناء الشركة مال مملوك لأحد مساهميها، ونفس الحكم بالنسبة للإتفاقات المبرمة بين الشركة وأحد متصرفيها أو مديريها العامين.
كما أنه في كثير من الحالات يتم منع المساهم من الإدلاء بصوته كجزاء لإخلال بالتزاماته شريطة وجود نص قانوني، كما هو الحال بالنسبة للمساهم الذي لم يدفع المبالغ المتبقية.
2) مبدأ التناسب :
عكس شركات الأشخاص، تتميز الأصوات التي تمنحها الأسهم لأصحابها في شركات المساهمة بالتناسب بين عددها ونسبة رأس المال، مع وجود بعض الإستثناءات في قانون 1995.
بحيث قد نجد نوعا من الأسهم يتميز بتعدد الأصوات التي يمنحها لصاحبه، رغم أن المشرع لم يسمح بإصدار هذا النوع من الأسهم إلا في حالة واحدة هي المنصوص عليها في المادة 157 من قانون 1995 والتي يتمثل هدفها في تشجيع المساهمين على الإخلاص للشركة.
كما أن المشرع منح إمكانية التنصيص في النظام الأساسي على حد أقصى من الأصوات لايمكن تجاوزها في يد المساهم، لكن هذا ما لا يوجد على أرض الواقع لأنه يتنافى مع مصلحة المؤسسين الذين هم في الأصل من كبار المساهمين.
3) مبدأ حرية اٌلتصويت :
يقصد بهذا المبدأ أن المساهم حر في الإدلاء بصوته من عدمه، كما أنه حر في اختيار الجهة التي يذهب إليها صوته.
لكن هذا المبدأ يثير إشكالية مهمة تتعلق بمدى مشروعية اتفاقيات اٌلتصويت التي يلتزم بمقتضاها أحد المساهمين أو بعضهم بعدم الحضور أو التصويت في اتجاه محدد سلفا، في هذا الإطار ذهبت بعض التشريعات خاصة من الفرنسي والتونسي إلى اعتبار هذه الإتفاقيات باطلة.
نفس الإتجاه كرسه المشرع المغربي في المادة 387 ليضمن بدوره مبدأ حرية اٌلتصويت، لكن ما يلاحظ هو أن القضاء الفرنسي لم يأخذ بهذا البطلان بصفة مطلقة إنما اعترف في مرات عدة بمشروعية اتفاقيات اٌلتصويت، وهنا تبرز الحاجة إلى وجود معيار للتمييز بين اتفاقيات اٌلتصويت المشروعة وغير المشروعة والتي نرى اعتماد معيار المصلحة الإجتماعية للتفريق بينها.
في آخر هذه النقط نشير إلى أن القرارات تتخذ بالأغلبية، هذه الأخيرة تختلف باختلاف طبيعة الجموع العامة من عادية إلى غير عادية.
لكن التساؤل عن الأساس الذي يتم عليه احتساب الأصوات، بحيث اختلف الفقه بهذا الخصوص، أما المشرع المغربي فقد اعتمد الأصوات الحاضرة وذلك لرغبته في اتخاذ القرارات بأكبر عدد من الأصوات.
بعد انتهاء التصويت ألزم المشرع مكتب الجمعية بتحرير محضر يتميز بإعطائه صورة واضحة عما دار في الإجتماع، مع العلم أن هذا المحضر وليس بورقة رسمية إنما فقط ورقة عرفية.
ولم يتعرض المشرع المغربي للبطلان كجزاء لعدم تحرير محضر الجمعية العامة أو حتى تحريره خلافا للمقتضيات السالفة، غير أن هذا لا يحول دون معاقبة أعضاء أجهزة الإدارة طبقا للمادة 393 عندما لا يقومون عن قصد بإثبات قرارات كل جمعية، وتكون القرارات المتخذة داخل الجموع العامة ملزمة للمساهمين حتى ولو كانوا غائبين أو معارضين…أما الأغيار فلا تلزمهم هذه القرارات، كما لا يمكنهم الطعن فيها.
المطلب الثاني : مفهوم التعسف في استعمال حق اٌلتصويت داخل الجموع العامة
اعتمد القضاء مفهوما مستقلا للتعسف في استعمال حق اٌلتصويت وهو ما سنحاول الكشف عنه من خلال التعرض لحالاته وعناصره
الفقرة الأولى : حالات التعسف
نظرا لكون اٌلتصويت داخل الجموع العامة قد يفرز نزاعات بين مجموعتين من المساهمين، إحداهما تمتلك الأكثرية وتسمى الأغلبية ومجموعة أخرى تمتلك فقط أقلية الأصوات وبالتالي تسمى بالأقلية.
وهذا يطرح العديد من المنازعات التي عرفت طريقها إلى القضاء، هذا الأخير اعتمد نظرية التعسف لإيجاد الحلول الملائمة سواء لما يعرف بتعسف الأغلبية أو تعسف الأقلية.
أولا : تعسف الأغلبية
لم يتطرق المشرع الفرنسي في النصوص القانونية المنظمة للشركات لهذا التعسف، إنما ترك الأمر للقضاء الذي أبدع وأنتج في هذا الإطار.
نفس الأمر بالنسبة للمشرع المغربي الذي اعتمد الموقف ذاته ولم يتعرض إطلاقا لمفهوم التعسف سواء كان من طرف الأقلية أو الأغلبية.
1) ماهية الأغلبية :
على خلاف شركات الأشخاص أظهرت التجربة أن امتلاك نسبة مائوية ضئيلة من الرأسمال قد تكون كافية للحصول على الأغلبية وبالتالي سيادة فعلية على تسيير شؤون الشركة، ويرجع ذلك إلى غياب أو عزوف المساهمين عن حضور الجموع العامة والذي أرجعه البعض إلى أسباب مختلفة أبرزها تقنية ومادية وحتى نفسية.
ولا يمكننا أن نغط الطرف من العلاقة الوطيدة بين الأغلبية ومسيري الشركة، ولعل السبب في هذه العلاقة يتمثل أساسا في تعيين مسيري الشركة من قبل الأغلبية بل حتى تلك السلطة التي تتمتع بها في عزل المسيرين، إضافة إلى امتلاك المسيرين للأغلبية داخل الجموع العامة نظرا لاستفادتهم من ظاهرة الغياب التي ذكرناها,
هنا إذن يظهر الخطر باستيلاء أشخاص لا يملكون إلا أقلية رأس المال ولا يهدفون إلا إلى تحقيق مصالحهم، هذا الخطر هو الذي حاولت المحاكم مواجهته باعتماد مفهوم التعسف في استعمال حق اٌلتصويت.
2) تعريف تعسف الأغلبية وتحديد نطاقه
أ- تعريـــفه :
في غياب التعريف داخل التشريع الفرنسي جاءت محكمة النقض سنة 1961 بقرار مبدئي لتحدد تعريفا لتعسف الأغلبية باعتباره يتحقق متى كانت القرارات المتخذة داخل الجموع العامة مخالفة للمصلحة الإجتماعية للشركة وتهدف إلى تفضيل أعضاء الأغلبية على حساب الأقلية، ومن حينها لم يتغير موقفها هذا.
لكن بالنظر إلى العبارات المستعملة في هذه التعريف يتضح أنه يتحقق فقط باتخاذ القرارات داخل الجموع العامة، أي التعسف الإيجابي دون الإشارة إلى التعسف السلبي الذي يتحقق برفض اتخاذ القرار من طرف الأغلبية، أي باتخاذها موقفا سلبيا عند التصويت، خاصة في الحالة التي تتقدم الأقلية بالإقتراحات في الحالة التي أعطاها المشرع إمكانية إدراج مشروع أو عدة مشاريع توصيات في جدول الأعمال.
ب- نطاق تعسف الأغلبية :
يمكن أن تفوت قرارات الجموع العامة محلا لتعسف الأغلبية بصفة عامة وبالتالي من غير المجدي وضع قائمة لها، ولذلك سنقتصر على الإشارة إلى بعضها سواء في إطار الجموع العامة العادية أو غير العادية .
* تعسف الأغلبية داخل الجموع العامة العادية :
كما سبقت الإشارة تختص الجموع العامة العادية باتخاذ كل القرارات المتعلقة بتسيير وإدارة الشركة، وبالتالي قد تتعسف الأغلبية عندما ترفض توزيع الأرباح و الاكتفاء بتكوين الاحتياطي من تلك المبالغ، ولكن القضاء الفرنسي لم يكن له موقف واحد في هذا الإطار، بل أحيانا يعتبر قرار الأغلبية بتكوين الاحتياطي تعسفيا وفي حالات أخرى اعتبر قرار الأغلبية بتكوين الاحتياطي الاختياري تعسفيا.
أما بالنسبة للمشرع المغربي فلابد من تدخل المشرع المغربي لوضع على الأقل حد أقصى للمبالغ التي يمكن أن يتضمنها الاحتياطي الإتفاقي وذلك لتفادي تعسف الأغلبية في هذه الحالة.
أيضا يمكن أن يتجسد تعسف الأغلبية عند تعيين مسيري الشركة وعزلهم وكذا تحديد مكافآتهم، حيث يتم ما سبق في إطار الجموع العامة العادية كما هو الحال بالنسبة للنظام الديمقراطي، غير أن هذه الطريقة ليست ديمقراطية كما توصي به على اعتبار أن المترشحين الذين يتم قبولهم غالبا أو دائما ما تكون الأغلبية مقترحة لهم، وبالمقابل غالبا ما يتم رفض اقتراحات الأقلية هنا.
وسلطة المساهمين الذي يشكلون الأغلبية في عزل مسيري الشركة تثير تساؤلا حول أحقية هؤلاء في الطعن في قرار العزل، خاصة إذا علمنا أن الأغلبية عادة ما تحاول إبعاد المسيرين لسبب واحد هو عدم إبداء هؤلاء لولائهم.
لكن الثابت أن القضاء مستقر على التعويض لهؤلاء عند عزلهم بشكل تعسفي، لكن هذا التعويض لا يمنح على أساس تعسف الأغلبية في استعمال حقها، إنما على أساس الفصل 942 من ق.ل.ع
* تعسف الأغلبية داخل الجموع العامة غير العادية :
تختص الجموع العامة غير العادية بتعديل النظام الأساسي، وهذا الإختصاص من النظام العام، وفي هذه الجموع أيضا تتخذ القرارات بالأغلبية متى توفرت ب3/2 الأصوات الحاضرة أو الممثلة، وهذا يجعل كل القرارات الصادرة عن هذه الجموع قابلة لأن تكون محل لتعسف الأغلبية.
ومن خلال القضاء نلاحظ وجود العديد من الحالات التي تم الطعن فيها بسبب الزيادة في رأس المال بشكل تعسفي يضر بمصالح الأقلية، رغم صعوبة تصور كيف أن الزيادة في الرأسمال وبالتالي تطوير الشركة قد يضر بالأقلية، لكن فعلا يتحقق هذا عندما لا يكون الغرض من الزيادة إلا إضعاف مساهمة الأقلية.
كما نجد صورة أخرى من صور تعسف الأغلبية داخل الجموع العامة غير العادية ونقصد هنا حالة تقرير الإندماج.
هذا الأخير يعتبر وسيلة ناجعة لتحقيق التركيز الإقتصادي، وبالتالي إنشاء مؤسسات قادرة على الصمود في وجه المنافسة، وقد خصص المشرع المغربي لهذه العملية الفصول من 222 إلى 242.
وكغيره من القرارات يجب ألا يكون قرار الإندماج محتويا لتعسف الأغلبية وألا يخالف المصلحة الاجتماعية للشركة.
ثانيا : تعسف الأقلية
كما هو الشأن بالنسبة للأغلبية لا يوجد ما يمنع من أن ترتكب الأقلية بدورها تعسفا في استعمال حق التصويت داخل الجموع العامة، خاصة نقصد هنا الحالات التي يمكن فيها ؟للأغلبية؟ قادرة على منع اتخاذ الأغلبية لأي قرار، كما هو الشأن بالنسبة للحالة التي يستوجب فيها المشرع نصاب 3/2 ، حيث أن الأقلية هنا بمجرد امتلاكها لأكثر من 3/1 الأصوات تستطيع وقف اتخاذ تلك القرارات.
1) مفهوم الأقلية :
يستعمل الفقه كثيرا عبارة الأقلية لنعت مساهم أو عدة مساهمين مالكين لنسبة معينة من رأس المال، والمعترف لهم بحقوق معينة تجعلهم قادرين على التدخل في شؤون الشركة وفي ميادين تخضع لسلطة الأغلبية.
لكن يجب على هذه الأقلية أن تمارس الحقوق التي أشرنا إليها من أجل مصلحة الشركة الإجتماعية وبالتالي متى ثبت خروجها عن هذه الغاية اعتبرت متعسفة في استعمال حقها في التصويت.
وفي إطار هذه الدراسة لن نعتمد المفهوم السابق الذكر بالنسبة للأقلية إنما نعتمد تعبيرا أكثر دقة تظهر فيه الأقلية باعتبارها بقية المساهمين داخل الجمعية العامة والذين لم يعطوا موافقتهم على المقترحات المتبناة من طرف الأغلبية.
أ- تعريف تعسف الأقليــة ونطاقه
لم يتعرض سواء المشرع المغربي أو حتى الفرنسي لتعسف الأقلية، لكن بالرجوع إلى القضاء الفرنسي نجد أن محكمة النقض اعتمدت في تعريفه نفس مفهوم تعسف الأغلبية مع فرق بسيط يتعلق بالحالة التي يكون فيها تصويت الأقلية مخالف لمصلحة الشركة، ويؤدي بالتالي إلى منع إنجاز عملية مهمة للشركة.
وقد يتحقق تعسف الأقلية إما في الجموع العامة العادية أو غير العادية، بالنسبة الأولى : نتحدث عن التعسف عندما يقوم النظام الأساسي بالرفع أو الزيادة في الأغلبية المشترطة لتفوق % 51 التي لا يطرح فيها المشكل.
فهذه الزيادة تجعل الأقلية قادرة على منع أو عرقلة اتخاذ القرارات متى توفرت على أغلبية موقفة، وكمثال على ذلك عندما يشترط النظام الأساسي أغلبية % 61 فإن امتلاك الأقلية لنسبة أكثر من % 40 تجعلها قادرة على العرقلة.
أما بالنسبة للحالة الثانية أي في الجموع العامة غير العادية، فإن اشتراط المشرع لنسبة 3/2 من الأصوات الحاضرة أو الممثلة لاتخاذ القرارات أعطى قدرة للأقلية على عرقلة اتخاذ أي قرار متى امتلكت أكثر من 3/1 الأصوات.
ثالثا : التعسف الناتج عن المساواة Abus d’égalité
يقصد بهذه الحالة عندما ينقسم المساهمون داخل الجموع العامة سواء كانت عادية أو غير عادية إلى مجموعتين متساويتين ومتعارضتين، بحيث لا يمكن اتخاذ أي قرار، وتفاديا لهذه المعضلة عمدت الأنظمة الأساسية للشركات منذ زمن بعيد إلى ترجيح كفة الرئيس في حالة التساوي.
إلا أن هذه المسألة لم تعد مبررة في إطار التشريع الفرنسي منذ صدور قانون 1933 وقانون 1966، وهو نفس الموقف الواجب اعتماده في القانون المغربي وفقا للمادة 259 التي أقرت تناسب حق التصويت مع رأس المال وعدم إمكانية إدراج شرط مخالف.
الفقرة الثانية : عناصر التعسف في استعمال حق التصويت
بعد التطرق لحالات التعسف استطعنا استخلاص تعريف التعسف في استعمال حق التصويت داخل الجموع العامة سواء من طرف الأغلبية أو من طرف الأقلية، والذي يمكن القول بأنه استعمال الحق في التصويت بشكل يخل بالمصلحة الإجتماعية ويهدف إلى تحقيق مصالح خاصة على حساب مساهمين آخرين.
وبالتالي يتحقق التعسف باجتماع عنصرين أولهما الإخلال بالمصلحة الإجتماعية، والثاني استهداف تحقيق مصالح خاصة.
أولا : الإخلال بالمصلحة الإجتماعية
بالرغم من تداول مفهوم المصلحة الإجتماعية لدى الفقه والقضاء الفرنسي وحتى المغربي لم يوضع له تحديد دقيق، وبالرجوع إلى الفقه نجد إتجاهين في هذا الإطار : الأول تقليدي يعتبر المقصود بالمصلحة الإجتماعية مصلحة جميع الشركاء ورغم ذلك اعترفوا بصعوبة تحديد ماهية هذه المصلحة بدقة. أما الإتجاه الثاني وهو الحديث فقد ظهر نتيجة التحولات التي عرفتها شركات المساهمة خاصة من حيث تنظيمها الذي أصبح أقرب إلى النظام منه إلى العقد، كل هذه الإعتبارات جعلت الفقه يعتمد مفهوما واسعا للمصلحة الإجتماعية بحيث لا يأخذ فقط بمصلحة الشركاء إنما أضاف إليها مصلحة الدائنين والمأجورين و الزبناء بل حتى مصلحة الدولة.
وأضاف أصحاب هذا الإتجاه قولهم بأن المصلحة الإجتماعية هي أيضا مصلحة المقاولة وهذا ما كرسه قانون 1995 المنظم للشركات.
ولقد استقر القضاء على أن تعسف الأقلية يرتبط بالإخلالات الخطيرة، أي تلك التي تهدد استمرار وبقاء الشركة، وهنا لا يجب أن يتدخل في تسيير الشركة بذريعة المصلحة الإجتماعية رغم إعطائه السلطة التقديرية والتي يجب استعمالها كما يجب وحتى الإستعانة بالخبرة عند الحاجة إليها.
ثانيا : الإخلال بالمساواة كعنصر للتعسف
لم يقف القضاء عند معيار المصلحة الإجتماعية إنما أضاف إليه معيار جديد يتمثل في الإخلال بالمساواة بين المساهمين، ويتحقق هذا العنصر بتوفر عنصرين :
– عنصر مادي : يتمثل في تحقيق بعض المساهمين لمصلحة خاصة
– عنصر معنوي : يتمثل في القصد.
1) الركن المادي للإخلال بالمساواة :
يتحقق هذا الركن عند حصول بعض المساهمين سواء كانوا أقلية أم أغلبية على منافع خاصة مقابل أضرار يتسببون بها للبعض الآخر، والنفع هنا يتخذ صورة واسعة بحيث يشمل كل ما يضاف إلى ذمة الشركاء أو حتى اجتناب الخسارة.
والمنفعة المذكورة إما أن تكون مادية تحتوي على منافع اقتصادية أو مصلحة معنوية، وإضافة إلى هذه المنفعة لا بد في المقابل أن يتضرر من التصويت مساهمين آخرين.
2) الركن المعنوي للإخلال بالمساواة :
لا يتحقق الإخلال بالمساواة بمجرد تحقيق الأقلية أو الأغلبية والإضرار بالمساهمين الآخرين، إنما استوجب المشرع توفر القصد وهو ما يظهر بوضوح حين يستعمل القضاء الفرنسي عبارة " وأن يستهدف " التي تفيد وجود نية الإضــرار .
لكن عنصر النية أو القصد المذكور يثير الإشكال بخصوص قصد الأغلبية، هل يجب أن يتجه نحو الإضرار بالأقلية أم يكفي أن تتجه النية نحو الإستئثار بمنافع خاصة دون قصد الإضرار ؟
في هذا السياق ظهر اتجاهان، الأول يذهب إلى ضرورة توفر قصد الإضرار كما هو الحال بالنسبة للتعسف في الميدان المدني.
أما الإتجاه الثاني وهو الغالب يذهب إلى أن الركن المعنوي للإخلال بالمساواة كمعيار للتعسف ليس هو قصد الإضرار ولكن يكفي قصد الإستئثار بمنافع خاصة على حساب المساهمين الآخرين.
ثالثا : تقدير أهمية عناصر التعسف
انطلاقا من تعريف محكمة النقض الفرنسية لتعسف الأغلبية في قرارها الشهير سنة 1961 يتضح أنها تشترط لتحقق التعسف توافر عنصر الإخلال بالمصلحة الإجتماعية وكذا عنصر الإخلال بالمساواة بحيث لا محل لهذا التعسف عندما لا يوجد أحد العنصرين.
أما الباحث فيرى عكس هذا الموقف، بحيث يكتفي بوجود أحد العنصرين موافقا بذلك المشرع الألماني وحتى محكمة النقض أحيانا تأخذ بهذا الرأي كما هو الشأن في قرارها الصادر سنة 1976
المبحث الثاني : جزاءات التعسف في استعمال حق التصويت داخل الجموع العامة
لم يحدد المشرع المغربي الجزاءات المتعلقة بالتعسف في استعمال حق التصويت، وهذا ليس مستغرب ما دام أنه لم يتعرض أصلا للتعسف.
والأمر ذاته بالنسبة للمشرع الفرنسي الذي ترك المجال واسعا للقضاء من أجل تسديد الجزاءات الملائمة حسب ظروف وحيثيات كل حالة على حدة.
وعليه لابد من الحديث في المطلب الأول عن تنوع جزاءات التعسف وكذا دعوى التعسف في المطلب الثاني.
المطلب الأول : تنوع جزاءات التعسف
انطلاقا دائما من القضاء الفرنسي يتضح أن جزاءات التعسف التي اعتمدتها المحاكم الفرنسية متنوعة ومختلفة، لكن يمكن تقسيمها إلى جزاءات تستهدف إصلاح ما ينشئ عن التعسف من ضرر وأخرى تستهدف حل الخلافات الناشئة بين المساهمين والتي تهدد سير الشركة.
أولا : جزاءات تستهدف إصلاح الضرر الناتج عن التعسف
دائما عندما تمارس الأغلبية أو الأقلية حقها في التصويت بشكل تعسفي فإنها ترتكب خطأ ويجب إصلاح الأضرار المترتبة عنه، سواء كان هذا الإصلاح عينيا أو كان بمقابل.
1) الإصلاح العيني :
يتميز الإصلاح العيني بكونه ملائم وفعال لإزالة الضرر ومن خلاله تعود الوضع إلى ما كان عليه قبل التصرف المتعسف به، وقد يأتي على شكل إبطال للقرارات المشوبة بالتعسف عندما يكون هذا الأخير إيجابي أو في حالة التعسف السلبي يتم اعتبار حكم المحكمة بمنزلة قرار.
لم يتعرض المشرع المغربي لإبطال قرارات الجموع العامة المشوبة بالتعسف في استعمال حق التصويت، مما يفرض دراسة الأساس الذي يمكن الإعتماد عليه لإبطال الحكم، والبداية مع أسباب بطلان القرارات التي لا تعدل النظام الأساسي، هذه الأخيرة لا يمكن أن تترتب إلا عن خرق إحدى القواعد الآمرة وذلك طبقا للمادة 338 من قانون 1995 أو عن الأسباب العامة لبطلان العقود.
غير أن النقاش أثير حول إمكانية اعتبار القواعد التي يترتب على مخالفتها جزاء جنائي قواعد آمرة يؤدي خرقها إلى إقرار الإبطال، وهنا يذهب الإتجاه الغالب إلى اعتبار القواعد المذكورة آمرة، لأن المشرع لا يفرض الجزاء الجنائي إلا بالنسبة للقواعد الآمرة الغير ممكن مخالفتها.
أما بالنسبة لأسباب بطلان القرارات المعدلة للنظام الأساسي فإن الفصل 337 من قانون 1995 أقر بأنها لا تنتج إلا عن نص صريح من هذا القانون.
غير أن المادة 337 لم تحتوي كل أسباب بطلان العقود بسبب إبطال قرارات الجموع العامة غير العادية فاكتفت بالبطلان بعلة عدم مشروعية الغرض أو كونه مخالف للنظام العام أو انعدام الأهلية.
تتضمن الفصول 337 و 338 أية إشارة إلى التعسف في استعمال حق التصويت وهو الأمر ذاته بالنسبة لقانون 1966 الفرنسي المنظم للشركات، وبالتالي كان الدور على القضاء الذي اعتبر تعسف الأغلبية داخل الجموع العامة سببا كافيا لإبطال قراراتها.
أما بالنسبة للأشخاص الذين من حقهم التمسك بالبطلان للتعسف فإن الأمر يختلف حسب ما إذا كان البطلان نسبيا أم مطلق، ففي الحالات الأخيرة يحق لكل ذي مصلحة التمسك بهذا البطلان، أما البطلان النسبي فلا يمكن أن يتمسك به إلا من تقرر لمصلحته.
وطبقا للقانون الفرنسي فإن المادة 340 من قانون 1995 أعطى إمكانية تصحيح البطلان وإزالة أي آثر له، وهذا يقتضي اجتماع الجمعية العامة لتتخذ قرارا يلغي القرارات المشوبة بالتعسف، وعند تصحيح سبب البطلان تنتهي دعوى البطلان.
لكن التساؤل هنا يتعلق بالجهة التي تتحمل مصاريف الدعوى عند تصحيح القرار المشوب بالتعسف، ولم يعطي المشرع المغربي أي حل لهذه المسألة، إلا أن العدل أو المنطق يقتضي تحمل الأغلبية لهذه المصاريف مادام تصرفها هو السبب في رفع الدعوى.
وبالرجوع إلى قانون 1995 المنظم لشركات المساهمة نجده أحيانا يلزم القاضي بالحكم بالبطلان عند ثبوت سببه، كما تقرر ذلك المواد 178 و 160 و 161 ومواد أخرى.
وبالمقابل هناك حالات عديدة أعطى فيها المشرع السلطة التقديرية من أجل الحكم بالبطلان وكمثال على ذلك المادة 152.
إلا أن التساؤل يطرح حول إمكانية الحكم بإبطال التعسف في استعمال الحق وهل هو جوازي يخضع لسلطة القاضي التقديرية أم أنه إلزامي لابد للقاضي الحكم به بمجرد تحققه ؟
هنا يرى الباحث أن هذا الإبطال لا يعتبر جوازيا فقط وذلك لتنوع حالات التعسف واستحالة حصرها، وبالتالي وجب إعطاء الصلاحية للقاضي لتقديرها واختيار الجزاء الملائم له.
أما بالنسبة لتقادم دعوى البطلان فالمشرع لم يتعرض لها وبالتالي يطرح التساؤل حول إمكانية الرجوع إلى المقتضيات الواردة في المادة 345 من قانون 1995
ولا يمانع الباحث الرجوع لهذه المادة لأنها جاءت شاملة وتستجيب لتطلعات المشرع الذي أراد أن تكون قرارات الجموع العامة محل شك لمدة طويلة.
ويتضح أن الحكم بالبطلان يعدم القرارات التي تحتوي التعسف وبأثر رجعي، لكن لا يمكن أن يتم الإضرار بالغير من خلال إبطال هذه القرارات.
وفي آخر هذه النقط يمكن الإشارة إلى أن المحاكم الفرنسية أعطت القاضي متى تحقق بعض الشروط إمكانية إصدار حكم بمثابة قرار الجمعية العامة، وهو ما أيده بعض الفقه، لكن في قرار صادر سنة 1993 عن محكمة النقض عارضت هذه الأخيرة اعتماد محاكم الموضوع لهذا الجزاء.
2) المسؤولية المدنية (الإصلاح بمقابل) :
أحيانا يكون الإصلاح العيني فعالا بسبب المساس بحقوق الغير وبالتالي تبرز الحاجة إلى اعتماد التعويض للمتضرر رغم عدم تعرض القانون المغربي وحتى الفرنسي لمسؤولية المساهم عن استعمال حقه في التصويت، لكن القضاء اعتمد أحكام المسؤولية التقصيرية كما هو منصوص عليها في القواعد العامة، وهذا جعلها تخضع لنفس شروط القانون العادي من خطأ وضرر وعلاقة سببية.
وتحقق الشروط المذكورة يرتب الحكم بتعويض الأضرار التي لحقت الشركة أو بعض المساهمين وذلك من طرف مرتكب التعسف سواء كان أغلبية أو حتى أقلية، مع ضرورة كون التعويض كامل ومناسب للضرر المحدث.
لكن الإشكال يطرح هنا عندما يكون المسؤولون عن التعويض مجموعة من المساهمين، فهل يدفعون التعويض فرادى أم متضامنين ؟
ونظرا لعدم وجود نص قانوني ينظم المسألة في قانون 1995، وجب أداء هؤلاء متضامنين إلا في الحالات المنصوص عليها في المواد 99 و 100 من ق.ل.ع
إلا أن الحكم بالتعويض في هذا الإطار قد تعترضه عراقيل واقعية تتعلق أساسا بطريقة التصويت، فعندما يتم فقط برفع الأيدي تطرح صعوبة تحديد المساهمين المسؤولين عن الضرر.
وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أن تقادم دعوى المسؤولية هاته يخضع للمادة 106 من ق.ل.ع
3) المسؤولية الجنائية :
بتصفح مقتضيات قانون 1995 المنظم لشركات المساهمة يتضح أن المشرع لم ينص على جريمة التعسف في استعمال حق التصويت، وبالتالي لا يمكن معاقبة المتعسفين في استعمال حقهم في التصويت إذ لا جريمة و لا عقوبة جنائية بدون نص.
لكن يمكن معاقبة المتعسفين إنطلاقا من المادة 384 التي حددت عقوبة الحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من 10.000 إلى 100.000 درهم بالنسبة لأعضاء أجهزة الإدارة أو التسيير أو التدبير إذ استعملوا بسوء نية السلط المخولة لهم أو الأصوات التي يملكونها في الشركة…
أما بالنسبة للمشرع الفرنسي فبدوره أعطى الإمكانية لمتابعة المساهمين المتعسفين في استعمال حق التصويت وذلك من خلال المادة 384 على أساس جنحة التعسف.
غير أن مساءلة هؤلاء المساهمين في إطار المادة 384 لن يتأتى إلا بتوفر الشروط التالية :
– أن يكون المساهم المتعسف في استعمال حق التصويت مسير في الشركة
– أن تكون الأصوات المستعملة في التعسف متحصل عليها من التفويضات على بياض
– أن يستعمل المساهمون أصواتهم بشكل متعارض مع مصلحة الشركة
– أن يتوفر سوء النية عند التصويت والرغبة في تحقيق مصلحة خاصة.
ثانيا : جزاءات تستهدف حل الخلافات بين المساهمين
بالرغم من أن القواعد العامة وفرت بعض الوسائل الفعالة لمحاربة التعسف في استعمال الحق في التصويت، إلا أنها لا تستوجب وقوع الضرر ولا حتى يتم إعمالها كما أن لا تقدم حلول للمشاكل التي تعرقل السير العادي للشركة، ومما يجعل القضاء يعتمد حلول أخرى ناجعة، لعل أبرزها تعيين متصرف مؤقت وكذا حل الشركة.
1) المتصرف المؤقت :
تعد مؤسسة المتصرف المؤقت كجزاء نظرا لأنها تحرم الأغلبية من سلطاتها العادية، كما أن تعيينه يكون من طرف القضاء في الحالات التي تعترض شركة المساهمة صعوبات خطيرة في تسيير شؤونها، وبالتالي يجب التفريق بينه وبين الوكيل المنصوص عليه في المواد 15 أو 116 من قانون 1995، الذين لا يحلون محل المسيرين عكس المتصرف المؤقت الذي يحل محل هيئة التسيير بشكل كامل ويزاول مهامها.
غير أن المشرع المغربي لم ينص على هذه المؤسسة صراحة إلا بالنسبة لقطاع البنوك وذلك في الفصل 53 من قانون 6 يوليوز 1993.
والإحاطة بمؤسسة المتصرف لابد من دراسة الأحكام المتعلقة بتعيينه ومهامه وسلطاته وكذا مسؤولياته.
أ- تعيين المتصرف المؤقت :
باعتباره قاضيا للمستعجلات يقوم رئيس المحكمة بتعيين المتصرف المؤقت شريطة تأكده من توفر عنصر الإستعجال والمتمثل أساسا في وجود خطر يهدد المصلحة الإجتماعية ويصعب تدارك آثاره.
لكن ما يعاب على المشرع المغربي هو عدم تحديده للأشخاص الممكن تعيينهم كمتصرفين، عكس المشرع الفرنسي الذي حدد لائحة بهؤلاء.
أما بالنسبة للأشخاص الذين من حقهم طلب تعيين متصرف قضائي، فمبدئيا ليسوا سوى هيئات التسيير وكذا المساهمين باعتبار ذلك من الحقوق الأساسية لهم والتي لا يمكن إلغاؤها أو تقييدها.
غير أن الإشكال يطرح بالنسبة للدائنين، وهل لهم مصلحة في طلب تعيين المتصرف المؤقت ؟
اختلف الفقه في هذه النقطة وظهر اتجاهان، الأول يعترف للدائنين بالمصلحة في طلب تعيين المسير على أن اعتبار أن له مصلحة في السير العادي للشركة.
أما الإتجاه الثاني فيرى أنه يجب منع الدائنين من هذه المكنة، و سندهم في الأمر عدم إمكانية وضع أموال مدين شخصي تحت الحراسة أو حتى طلب تعيين متصرف ولو وجد في حالة إعسار.
ليس كل خلاف بين المساهمين يؤدي إلى تعيين متصرف قضائي، لأن ذلك يمس بالمبادئ الأساسية لتسيير شركة المساهمة، وعليه لابد من وجوده خلافات خطيرة تمس بسير الشركة وبقائها، وهذا يمكن تصوره أساسا في تعسف الأقلية أو التعسف الناتج عن المساواة، عكس تعسف الأغلبية التي من الصعب تحقق هذا الشرط في إطارها نظرا لأن هذه الأغلبية تتولى مراقبة هيئات الشركة وقادرة على ضمان السير العادي لهذه الهيئات، مما يجعل القضاء في الغالب يرفض طلب الأقلية تعيين المتصرف المؤقت نظرا لأن أجهزة الشركة مازالت قادرة على ممارسة مهامها.
غير أن المشرع المغربي تبنى اتجاه عصري في هذا السياق بحيث لم يعد يشترط لتعيين المتصرف المؤقت تعطل الأجهزة الإدارية للشركة، إنما يكفي وجود تصرفات غير مشروعة أو غير ملائمة.
والمنطق يفرض أن يكون تعيين المتصرف المؤقت مبنيا على وجود خطر يهدد بقاء الشركة واستمرارها، لأن هذا الخطر هو الذي يتحقق به عنصر الإستعجال وبالتالي يسمح للقضاء المستعجل بالتدخل.
ب- مهام المتصرف المؤقت :
تتنوع مهام المتصرف المؤقت لكن هدفها يبقى هو إنهاء الأزمة التي تعيشها الشركة وضمان بقائها، ولن يتأتى حل هذه الأزمة إلا بمحاولة التوفيق بين مواقف الأطراف لتخدم مصالح الشركة، لكن عند العجز عن تحقيق هذا الأمر بإمكان المتصرف إثارة حل الشركة للأسباب المشروعة.
مع ضرورة الإشارة إلى أن المتصرف يتمتع بالاستقلالية في اختيار الحل المناسب ولا يتدخل القضاة في اختيار هذه الحلول.
على أن إيجاد الحلول من طرف المتصرف المؤقت يهدف أساسا إلى ضمان بقاء الشركة واستمرارها ، وبالتالي يتولى تمثيل الشركة أمام القضاء وكذا في علاقاتها بالأغيار.
إلا أن التساؤل الذي يطرح نفسه يتعلق بإمكانية محاسبة المتصرف عن الأعمال الخارجة عن إطار سلطاته، وماذا عن حق الغير عندما يتصرف المتصرف خارج نطاق سلطاته ؟
تقتضي حماية الغير حسن النية إعتماد مقتضيات المادة 74 من قانون 1995 الذي يجعل الشركة تلتزم في علاقاتها مع الأغيار بتصرفات المتصرف المؤقت التي لا تدخل في إطار غرضها شريطة ألا يثبت علم الغير بخروج تلك التصرفات عن غرض الشركة، كما لا يمكن الاحتجاج في مواجهة الغير بالقيود الواردة على سلطات المتصرف في إطار قرار تعيينه.
ومن البديهي أن المتصرف المؤقت لا يمارس مهامه إلا في شكل مؤقت وغير دائم بحيث تنتهي هذه المهام بمجرد إيجاد الحل للخلافات، أو العكس عندما يفشل في ذلك حيث يستطيع هنا إثارة حل الشركة، أما إذا احتاج إلى وقت إضافي من أجل إنهاء مهامه فله ذلك بالرجوع إلى القاضي الذي عينه.
ج- مسؤولية المتصرف المؤقت :
باعتبار المتصرف المؤقت يتمتع بكل السلطات التي يتمتع بها المساهمون، فإنه يتحمل نفس المسؤولية التي يتحملونها، سواء كانت مدنية أو جنائية وذلك طبقا للمقتضيات القانونية المعمول بها في هذا الإطار.
وفي آخر هذه النقطة لابد من الإشارة إلى أهمية مؤسسة المتصرف ودورها الفعال في تجنيب الشركة آثار الخلافات بين الشركاء.
2) حل الشركة للخلافات الخطيرة بين المساهمين
أحيانا قد يؤدي التعسف في استعمال الحق داخل الجموع العامة إلى ظهور خلافات خطيرة بين المساهمين، مما يدفع بعضهم إلى الاستعانة بالفصل 1056 للمطالبة بحل الشركة.
لكن الرأي السائد في فرنسا في ما مضى يرفض هذا الحل بالنسبة لشركات المساهمة إنما يطبق فقط عندما يتعلق الأمر بشركات الأشخاص لأن للاعتبار الشخصي فيها مجال واسع.
غير أن الموقف اختلف الآن في الفقه والقضاء الفرنسي وأصبح يسمح بحل شركات المساهمة عند وجود خلافات خطيرة، وهو نفس الموقف الذي كرسه الفقه المغربي.
إلا أن المحاكم تحاول جاهدة عدم الحكم بالحل إلا في الحالات التي لا يمكن تجنبه والتي لا تستطيع فيها إيجاد حلول أخرى فعالة.
أ- مفهوم الخلافات الخطيرة المبررة لحل الشركة
لابد للخلافات التي تستوجب حل الشركة أن تتوفر فيها صفة الخطر، وهذا طبيعي لأنه ليس من المعقول أن تلجأ المحكمة بمجرد وجود خلافات بسيطة بين المساهمين إلى حل الشركة، وهذا الخطر يظهر بوضوح عندما تتم عرقلة سيرها الطبيعي.
لكن من الصعب على الأقلية استصدار حكم بالحل نتيجة الخلافات بينها وبين الأغلبية، وذلك لأن هذه الأخيرة تبقى قادرة على تسيير الشركة رغم تعمق الخلافات بين الجهتين.
ب- الطابع الاحتياطي لدعوى الحل
لم تتم الإشارة إلى الطابع الاحتياطي لدعوى الحل من طرف المشرع المغربي أو حتى الفرنسي بشكل صريح، إنما أكدتها بعض المحاكم في قراراتها معللة ذلك بجسامة الآثار التي تترتب عن الحل ليس فقط بالنسبة للشركة وإنما أيضا بالنسبة للاقتصاد الوطني.
لكل هذه العلل اعتمد الفقه والقضاء الفرنسي جزاءا آخر أقل حدة يتمثل في طرد المساهم المتسبب في الحل، لكن هذا الجزاء انقسم عليه الفقه وحتى القضاء الفرنسيين، فمنهم من أجازه ومنهم من رفضه بعلة عدم وجود مبدأ عام في القانون الفرنسي يرتكز عليه. هذا الخلاف الفقهي والقضائي في فرنسا جعل التساؤل يطرح حول الاتجاه الممكن اعتماده في التشريع المغـــربي.
بالنسبة لقانون 1995 نجد أنه يحتوي على حالة واحدة يمكن فيها طرد المساهم من الشركة وهي عندما لا يدفع المبالغ المتبقية من قيمة الأسهم التي اكتتب فيها، وذلك رغم إنذاره من طرف مجلس الإدارة.
لكن الفصل 1060 من ق.ل.ع يمكن اعتماده كأساس لطرد المساهم أو المساهمين المتسببون في الحل، شريطة أن يتم هذا الطرد بناءا على قرار قضائي.
كما أن المحاكم اعتمدت حلا آخر يتمثل في منح المتضررين فرصة الانسحاب من الشركة بثمن مناسب، غير أن هذا الحل قد لا تظهر أهميته خاصة إذا علمنا أن المساهم يستطيع الخروج من الشركة في أي وقت يشاء، لكن الواقع خلاف ذلك بحيث قد يجد المساهم عند رغبته في الخروج مجموعة من العراقيل تجعله غير قادر على التخلص من الشركاء المتعسفين.
وفي بعض الأحيان ترفض الأقلية الانسحاب من الشركة وتبقى مصممة على الحل، وهنا عادة ما يعمد القضاء إلى الأخذ بإمكانية الخروج دون الحل نظرا لانتفاء مصلحة الأقلية في هذا الحل.
المطلب الثاني : دعوى التعسف
لرفع الضرر الناتج عن التعسف في استعمال حق التصويت داخل الجموع العامة لشركات المساهمة، يلجأ المتضرر إلى الدعوى كوسيلة قانونية للتوجه إلى القضاء، والدعوى في هذا السياق تخضع لنفس الشروط العامة من مصلحة وأهلية وصفة، مع وجود بعض الخصوصيات من حيث طبيعتها والجهة المختصة وكذا الإثـبات.
الفقرة الأولى : طبيعة دعوى التعسف والجهة المختصة للنظر فيها
أولا : طبيعة دعوى التعسف
أحيانا تكون دعوى التعسف دعوى جماعية نظرا للإخلال بالمصلحة الإجتماعية، وبالتالي فهي تهدف إلى إصلاح الضرر اللاحق بالشركة، وفي أحيان أخرى قد تستهدف إصلاح الأضرار اللاحقة ببعض المساهمين فقط، وهنا تعتبر دعوى فردية.
1) دعوى التعسف دعوى جماعية
عندما يمس التعسف مصلحة الشركة فالدعوى تكون جماعية تهدف إلى حماية الذمة المالية للشركة، ومن بين هذه الحالات عندما تتخذ الأغلبية قرارا بتحميل الشركة ديون فرع لها، أو رفض الأقلية زيادة رأس المال بالرغم من حاجة الشركة لهذه الزيادة لتحقيق غرضها، وفي هذه الحالة ترفع الدعوى من طرف ممثلي الشركة، والتعويضات المحصل عليها تفرغ في خزينة الدولة.
لكن المشكل يطرح في الحالة التي لا يرفع فيها الممثلون القانونيون الدعوى خاصة عندما يكون التعسف صادرا عن الأغلبية باعتبار أن هذه الأخيرة هي التي تعين أعضاء هيئات التسيير وبالتالي يكونون مواليين لها ويحجمون عن رفع الدعوى، فهل يحق للمساهمين رفع هذه الدعوى ؟
اختلف الفقه حول هذه المسألة بين مؤيد ورافض، أما المشرع الفرنسي والمغربي فقد أخذا بالاتجاه الذي يمنح هذه المكنة للمساهمين لحماية المصلحة الإجتماعية للشركة، ورغم الصعوبات التي تواجه الأقلية في ممارسة هذه الدعوى نظرا لأن التعويضات المحصل عليها تحتفظ بها الشركة رغم أن الأقلية قد تدفع مصاريف الدعوى في حالة فشلها، وبالتالي لن تعرض نفسها لهذا الخطر وتمتنع عن رفع الدعوى.
2) دعوى التعسف دعوى فردية
في إطار الدعوى الفردية نتحدث عن ضرر أصاب مساهما أو فريقا فقط وليس الشركة، وهي تختلف عن الدعوى الإجتماعية لاختلاف موضوعها وبالتالي تخضع لقواعد مختلفة أهمها :
– يقوم المساهم برفع الدعوى باسمه وليس باسم الشركة، ويحصل التعويضات لنفسه ويتحمل المصاريف أيضا
– المساهمين المنسحبين من الشركة لا يمكنهم ممارسة هذه الدعوى
– المساهمين وحدهم بإمكانهم تقدير مدى ملاءمة رفع هذه الدعوى.
ثانيا : الإختـصاص
المقصود بالاختصاص هو توزيع العمل بين مختلف المحاكم وهو إما نوعي أي يستند إلى نوع القضية، وهنا نجد المحاكم التجارية هي المختصة بالنظر في دعوى التعسف في استعمال حق التصويت داخل الجموع العامة وذلك طبقا للمادة 5 من القانون المحدث للمحاكم التجارية، والتي أسندت لهذه الأخيرة النظر في النزاعات الناشئة بين الشركاء في الشركات التجارية، وهو
ما ينطبق على هذه الدعوى.
وقد سمحت المادة الخامسة للأطراف عرض نزاعهم على مسطرة التحكيم وهو ما يعتبر إيجابيا لهم وللشركة بحيث يجنيهم الوصول إلى القضاء وبالتالي المساس بسمعة الشركة في السوق، على أن المادة المذكورة قد حددت المسائل التي يمكن للأشخاص اعتماد التحكيم بشأنها على الحقوق التي يتصرفون فيها.
أما الاختصاص المحلي فهو خاضع للمادة 11 من قانون المحاكم التجارية الذي استوجب رفع دعاوي الشركات إلى المحكمة التجارية التابعة لها أو لفروعها.
الفقرة الثانية : الإثــــبات
يمكن تعريف الإثبات بأنه إقامة الدليل على وجود واقعة قانونية أمام القضاء، والمبدأ العام في الإثبات هو البينة على من ادعى وبالتالي يتوجب على كل من يدعي التعسف إثباته واثبات كون التصويت داخل الجموع العامة أخل بمصلحة الشركة الإجتماعية وبمبدأ المساواة بين المساهمين.
ولتحقيق ذلك وإثبات هذه الأمور لابد من المعرفة الجيدة بشؤون الشركة والإطلاع على وثائقها وهو ما يسهل بالنسبة للأغلبية لسيطرتها على أجهزة التسيير، وبالمقابل يصعب كثيرا على الأقلية رغم إمكانية اعتمادها على التقارير المنجزة من طرف مراقبي الحسابات
أولا : النظام القانوني لخبرة التسيير
تهدف خبرة التسيير إلى حصول الأقلية على المعلومات الكافية بشأن عمليات التسيير وخاصة تلك التي قد تلحق بهم الضرر.
واعتمد المشرع المغربي هذه الخبرة في المادة 157 من قانون 1995 التي سمحت للمساهمين الذين يملكون على الأقل عشر رأس المال برفع طلب إلى رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات من أجل أن يعين خبيرا ينجز تقريرا عن عملية تسيير معينة.
أما بالنسبة للأشخاص الذين يحق لهم طلب تعيين الخبير فحصرتهم المادة 157 من قانون 1995 في المساهمين فقط، نفس المادة أسندت لرئيس المحكمة مهمة البت في طلبات تعيين خبير التسيير في شركات المساهمة شريطة استدعائه للممثلين القانونيين للشركة.
لكن الاختلاف طرح حول أهمية توفر عنصر الاستعجال، فاتجاه يرى ضرورة إثبات رافع الدعوى لهذا العنصر، أما الإتجاه الثاني فلا يرى أية ضرورة لذلك.
وانطلاقا دائما من المادة 157 السالفة الذكر يجب أن يتوفر في طلب تعيين خبير شرطان :
– امتلاك الطالب على الأقل لعشر رأسمال الشركة وذلك لتفادي كثرة هذه الطلبات وبالتالي عرقلة سير الشركة
– حصر موضوع الخبرة في عملية أو عدة عمليات تسيير، أي لا يمكن أن يشمل الطلب تسيير الشركة بصفة عامة.
أما بالنسبة لمهام خبير التسيير فيحددها رئيس المحكمة عند موافقته على الطلب والتي كما جاء في المادة 157 تتمثل في تقديم تقرير عن عملية أو عدة عمليات متعلقة بالتسيير والكشف عن مدى مطابقتها لمصلحة الشركة.
وقد عاقب المشرع بالحبس والغرامة أعضاء أجهزة الإدارة الذين قد يعملوا على عرقلة مهام الخبير، هذا الأخير منحه المشرع سلطات واسعة للإطلاع عل مختلف الوثائق.
وعند انتهاء مهمته يقوم خبير التسيير بإنجاز تقرير يوجهه إلى مقدم الطلب وإلى مجلس الإدارة أو مجلس الإدارة الجماعية ومجلس الرقابة…ثم يتقاضى مقابل المهام المنجزة أتعاب تتحملها الشركة.
ثانيا : خبرة التسيير كوسيلة لإثبات تعسف الأغلبية داخل الجموع العامة
تهدف خبرة التسيير إلى اطلاع المساهمين الذين لا يزاولون التسيير على المعلومات الكافية بشأن عمليات تسيير مختلفة، لكن التساؤل يكون حول إمكانية اعتماد الأقلية على إثبات تعسف الأغلبية.
لكن الإجابة عن هذا التساؤل تتوقف على تحديد المقصود ب " عمليات أو عملية التسيير "، وفي هذا الإطار هناك اتجاه سائد في القضاء الفرنسي يخرج العمليات التي تدخل في اختصاص الجموع العامة للمساهمين من صنف عمليات التسيير، وبالتالي تقبل طلبات تعيين خبير التسيير لإنجاز تقرير بشأن تلك العمليات.
إلا أن معظم الفقه أصبح يعتمد المفهوم الواسع لعمليات التسيير، أي أصبحت تضم جميع القرارات التي يتخذها المساهمون أيا كان موقعهم، والمتعلقة بالنشاط الاقتصادي للشركة.
وبالتالي بإمكان الأقلية طلب تعيين خبير للتسيير قصد إنجاز تقرير بشأن العمليات التي تدخل في اختصاص الجموع العامة للمساهمين، وهذه نقطة إيجابية لأنها تصب في مصلحة الشركة.
خاتمة :
لقد وقفت هذه الدراسة على الأهمية الكبيرة لحق التصويت، ودوره في اتخاذ القرارات داخل الجموع العامة، مما جعل المشرع المغربي يخصصه بتنظيم محكم ومفصل لضمان هذا الحق وتحديد الطريقة التي يمارس بها.
إلا أن هذا التنظيم لم يجد حلولا لبعض الأنواع من النزاعات الناتجة عن استعمال الحق في التصويت داخل الجموع، خاصة في الحالات التي يستعمل فيها التصويت لإلحاق الأضرار بمصالح الشركة وكذا المساهمين.
ورغم الأهمية الكبيرة لمفهوم التعسف في استعمال حق التصويت داخل الجموع العامة، لكونه يحول دون استعمال التصويت للإستئثار بمنافع الشركة.
لكن اعتماد هذا المفهوم في إطار التشريع المغربي تعترضه بعض الصعوبات، قدم الباحث من الاقتراحات قصد إزالتها ومن بينها :
1- تدخل المشرع والنص صراحة على التعسف كسبب لإبطال قرارات الجموع العامة لشركات المساهمة، كما ذهب إلى ذلك المشرع الألماني والمصـري.
2- تشريع نص يعتبر دعوى الحل دعوى احتياطية لا يتم اللجوء إليها إلا بانتفاء حلول بديلة.
3- الاعتراف للمساهم بالحق في الاحتفاظ بنفسه بجزء من التعويضات المكتسبة من دعوى الشركة أو على الأقل الاعتراف للقاضي بسلطة تحميل مصاريف تلك الدعوى للشركة عندما يتبين أن المساهم حسن النية.
4- إعطاء الإمكانية لمجلس القيم المنقولة بالنسبة للشركات التي تدعو الجمهور للإكتتاب، وللنيابة العامة في الشركات الأخرى لرفع دعوى الشركة عندما تتقاعس هيئات الشركات والمساهمين عن رفعها، وذلك استجابة لطلب كل من يهمه الأمر
قرارات المجلس الأعلى :
– قرار المجلس الأعلى بتاريخ 21 يناير 1976، منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 127، ص 71
" أن المالك الذي يترتب على استعماله لملكه أضرارا غير مألوفة تلحق بالغير يعد متعسفا
ويتعين مساءلته ولو لم تتوافر لديه نية الإضرار "
" الضرر الذي يحق للشخص أن يطالب برفعه إذا توافرت إحدى حالات التعسف في استعمال الحق المنصوص عليه قانونا هو الضرر المحقق بأن يكون قد وقع فعلا أو وقعت أسبابه وترامت آثاره إلى المستقبل ولا عبرة لدى القاضي بالضرر الاحتمالي المبني على الوقائع التي قد تقع وقد لا تقع"
– قرار المجلس الأعلى بتاريخ 1986 عن الغرفة الإدارية في الملف الإداري :
" بناءاً على الفصل 77 من ق.ل.ع يستفاد بأن مرتكب الضرر ملزم بتعويضه سواء كان هذا الضرر ماديا أو معنويا، وحيث أن التعويض عن الضرر المعنوي كالتعويض عن الضرر المادي يجب أن يكون كاملا ومناسبا للضرر لا مجرد تعويض رمزي "