الاسم: عبد الهادي
اللقب :درار
الوظيفة: باحث بسلك الماستر-تخصص قانون عام معمق – ،ومتحصل على شهادة كفاءة مهنة المحاماة بجامعة سيدي بلعباس
المؤسسة :كلية الحقوق و العلوم السياسية –جامعة ابو بكر بلقايد بتلمسان – الجزائر
مقدمة:
لعبت العديد من الحكومات خاصة في الدول النامية دورا رقابيا على حركة تدفق المعلومات عبر الحدود التي نتجت عن التقدم التكنولوجي الهائل في مجال الاتصالات سواء عن طريق شبكة الانترنت أو الهواتف المحمولة أو الفضائيات المختلفة، حيث ترى تلك الحكومات أن عملية الرقابة تمكنها من التحكم في توجهات المواطنين الثقافية والاجتماعية ومن ثم إمكانية التحكم في توجهاتهم السياسية، خاصة إذا ما اعتبرنا أن التوسع في نشر المعلومات يمكن أن يكون أداة مضادة للحكومات القمعية، ومن هنا يمكن القول أن ثورة المعلومات الحقيقية من الصعوبة بمكان تحقيقها داخل مجتمعات غير ديمقراطية وأن فرص السماح لها بحرية البقاء وما يترتب عليه من اعتبار تداول المعلومات إحدى وسائل حرية التعبير عن الرأي إنما يتوقف على مرونة تلك الحكومات وهامش الحرية المتاح الذى يصبح أمام أمرين: الأول، إما أن يسمح هذا الهامش لتكنولوجيا المعلومات والاتصال بالبقاء والاستمرارية والمنافسة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وإما أن يكون القمع بديلا مطروحا بحجة الحفاظ على الأمن العام والقومي ومواجهة أي مخاطر قد تهدد المؤسسات الحاكمة ومصالحها، التي لا تقتصر على كبار مسئولي الحكومات فقط، وإنما تشمل كبار رجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية الكبرى، وبالتالي فإن مفهوم الأمن اتسع ليشمل التهديدات التكنولوجية الناتجة عن ثورة الاتصالات التي يجب اتخاذ موقف دفاعي بشأنها، ومن هنا فإن العديد من الحكومات ترى في عملية تدفق المعلومات عبر الحدود غير الخاضعة للقيود إنما تمثل تهديدا محتملا لأمنها القومي خاصة في حالة اتحاد هذا التدفق المعلوماتي مع كل من حالة الجمود الاقتصادي والتخلف النوعي للبلدان النامية من ناحية، ومع غياب الديمقراطية الحقيقية ونقص التعددية وتراجعها وازدياد معدلات الكبت السياسي من ناحية ثانية، وبالتالي فإن الاستفادة الحقيقية من وفرة المعلومات وثورة الاتصالات لا يمكن أن تتوافر إلا بشروط جوهرية أهمها على الإطلاق: حرية التعبير والديمقراطية الفعلية، وبالتالي فإن ذريعة “الأمن” التي تتخذها الحكومات في الدول النامية سببا لقمع حرية التعبير عبر وسائل الاتصالات المختلفة، تعد ذريعة واهية وأن مفهوم الأمن بهذا الشكل أضحى مفهوما ضيقا للغاية لأنه صيغ خصيصا من أجل أمن المؤسسات والحكومات ومصالح القائمين عليها فقط دونما إعطاء أية أهمية لحرية الأفراد في الحصول على المعلومات الحقيقية 1.
فما واقع حرية التعبير على الشبكات العنكبوتية؟ و ما هو ثاتيرها على الراي السياسي باعتبارها حرية من الحريات الاساسية ؟
المبحث الأول : الجزائر ما بين حقوق الإنسان الرقمية وحرية التعبير:
الحق في “حرية التعبير” هو حق نص عليه كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية ويتضمن هذا الحق “حرية السعي في تلقى ونشر المعلومات والأفكار دون اعتبار للحدود”، وهو ما ينطبق على أدوات الاتصال المعلوماتي المختلفة بما فيها الانترنت، ولم يتوقف دور تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات عند حدود التقنية فقط، بل خلقت في الوقت نفسه واقعا جديدا وفريدا يختص بواقع الإنسان اليومي وشئون حياته المختلفة وأصبحت تشكل منظومة إنسانية واجتماعية وسياسية تفرض حقائق جديدة غيرت من الشكل التقليدي العام لحرية التعبير، فلم تعد تلك الحرية قاصرة على توافر الموارد الاقتصادية التي تشبع حاجات الإنسان فقط، ولم تعد قاصرة أيضا على نمط تقليدي من الحرية السياسية التي كانت تتمثل في الاعتراض عبر الأحزاب أو الحركات المناهضة للحكومات، أو حتى عبر المظاهرات السلمية وغير السلمية وإنما أفرز واقع التطور التكنولوجي المعلوماتي في الجزائر بيئة جديدة ثلاثية الأبعاد للتعبير عن حقوق الإنسان، فلم يعد مطلوبا من الحكومة مجرد توفير المتطلبات الحياتية الاقتصادية فقط، وإنما أصبح مطلوبا منها ضمان حرية شبكة المعلومات والاتصالات وشفافية التعبير، وبما أن هذه البيئة الحديثة لم تكن موجودة من قبل ومستحدثة فهي تفرز أيضا حقوقا جديدة لم تكن متوافرة للإنسان الجزائري من قبل، ويبقى السؤال الذى يطرح نفسه هنا هو ما هي حقوق الإنسان الجزائري في ظل مجتمع المعلومات الرقمي الجديد؟ وإن توافرت تلك الحقوق فما هي آليات التنفيذ المختلفة ؟
فعلى الرغم من الاهتمام العالمي بقضية حقوق الإنسان في العصر الرقمي خاصة من جانب المنظمة الدولية والمؤتمرات الدولية التي تناولت القضية، إلا أنه لا توجد وثيقة شاملة تحظى بقبول كافة الدول – الديمقراطية والقمعية – على حد سواء، والاكتفاء بمجرد اجتهادات بحثية حاولت إيجاد مفاهيم وآليات واضحة حول حقوق الإنسان الرقمية في إطار اتجاهين:
- الأول، وهو تناول الموضوعات ذات العلاقة بتداول المعلومات من خلال الشبكة الدولية.
- والثاني، هو تناول القضايا المرتبطة بقدرة الإنسان على الاتصال مع البيئة الداخلية والخارجية من خلال شبكات الاتصال المختلفة، وبالتالي يمكن الاعتماد على وثيقة “حقوق الإنسان الرقمية” الصادرة عن إعلان الديمقراطية الرقمية، والتي تعكس كيفية ممارسة الإنسان لحرية التعبير بأبعادها المختلفة من خلال حقوق عدة أهمها ما يختص بحرية التعبير وهى:
- حق الاتصال المفتوح بالأنترنت: ويهدف هذا الحق إلى أن تكون شبكات الاتصال مفتوحة ومتنافسة مع توفير كافة الخيارات أمام المستخدمين، دون أن يكون هناك قيود مفروضة من جانب ما لكى الشبكة فيما يتعلق بجودة الخدمة أو طبيعة الاستخدام.
- حق الاتصال غير المقيد (حرية التعبير): وهو ما يعبر عنه بحرية التعبير فينبغي أن تتاح لمستخدمي الشبكة الدولية للمعلومات التواصل الكامل دون أية معوقات وضرورة قيام الحكومة بإتاحة المجال أمام المستخدمين للوصول إلى المعلومات والخدمات الخاصة بها ومنع الرقابة أو تخفيفها عن مواقع التعبير بكافة أنواعها الدينية والسياسية والثقافية.
- – الحق في شبكات مجتمعية قوية: بمعنى أنه ومن أجل تحقيق تقدم ملموس في كيفية الحصول على المعلومة وحرية التعبير عن الرأي عبر وسائل الاتصال المختلفة فلابد من توافر تقدم مماثل في الجوانب المجتمعية، بحيث تكون هذه الجوانب قادرة على دعم نتائج هذا التطور المعلوماتي وانعكاساته على الخدمات العامة والتعليم لكافة قطاعات المجتمع.
- الحق في الخصوصية عبر الانترنت: خاصة ما يتعلق بخدمات التجارة الإلكترونية وعليه فينبغي توفير أنظمة اتصالات آمنة من المراقبة والاستغلال الخارجي، مع تطبيق أشكال جديدة من حماية الخصوصية ومحمية في الوقت نفسه من السياسات الحكومية المقيدة.
- الحق في مواقع عامة على الشبكة الدولية: وتعد هذه المواقع وسيلة لتشكيل الهيكل والبناء الديمقراطي لأى مجتمع معلوماتي، بمعنى عدم الاكتفاء بتخصيص جزء من الشبكة الدولية لتطبيقات تجارية وإعلانية فقط، وإنما إتاحة المجال أمام مواقع ذات الاهتمامات العامة والخطابات غير التجارية مثل: مواقع عن التجمعات، المشروعات التعليمية، الخدمات الاجتماعية، التعبير الثقافي.
- الحق في خدمة رقمية عامة: بمعنى عدم اقتصار مجتمع المعلومات على الطبقات القادرة ماليا أو المثقفة أو المتعلمة أو حتى محدودة التعليم، وإنما يجب أن يتساوى كافة المواطنين في الوصول لخدمة الاتصال العامة وتوفير هذه الخدمة للمناطق العشوائية والأحياء الفقيرة والقرى والمناطق المعزولة 2
- ومن الواضح أن هناك اتجاها بوضع تشريعات تبدو في ظاهرها أنها تستهدف توسيع قاعدة الحقوق الرقمية للمواطن الجزائري تماشيا مع ثورة الاتصالات ومفهوم الحكومة الالكترونية وتأتى في مقدمتها توسيع قاعدة مستخدمي الانترنت في التعاملات الاقتصادية بالدرجة الأولى، إلا أن هذه التشريعات في جوهرها وباطنها تعد أكبر عائق لـ “حق” تداول المعلومات والنشر على الشبكة ذاتها، خاصة إذا ما نظرنا إلى طبيعة تلك التشريعات ومن بينها مشروع “قانون حماية تنظيم البيانات والمعلومات ومكافحة الجريمة الالكترونية “، المستوحى من قانون العقوبات3
في سياق الحديث السابق فإن ثمة تساؤلا هاما حول مستقبل حقوق الإنسان الرقمية في ظل بناء مجتمع معلوماتي في الجزائر، خاصة وأن العديد من دول العالم قد انتقلت إلى مرحلة جديدة من الحديث عن حقوق الإنسان وهى حقوق الإنسان الرقمية التي تعد جزءا لا يتجزأ من حقوق الإنسان الأساسية، بعد أن حاز هذا البعد الجديد والمستحدث في قائمة حقوق الإنسان على اهتمام العديد من الأوساط الإنسانية والقانونية والجماهيرية لارتباطه المباشر بالحقوق السياسية خاصة الحق في التعبير وممارسة الديمقراطية، وهو أمر وإن كان قد طرح للمناقشة في العديد من الدول الكبرى إلا أنه لم يناقش فالجزائر والدول العربية بمزيد من الاهتمام الذى ناله عالميا، على اعتبار أن قضية تداول المعلومات عبر الشبكة الدولية قد اكتسبت بعدا إنسانيا بالإضافة إلى بعدها التقني، هذا البعد الإنساني يكشف عن تدفق مجموعة من “الآراء” عبر شبكة بشرية تلاحمت مع بعضها البعض بصورة تؤدى إلى صياغة مجموعة من الحقوق والواجبات تساهم بشكل أكثر فاعلية في تنمية الفرد بحيث تتحقق معادلة مباشرة ذات طرفين:
- الأول هو الحق في الحصول على المعلومات عبر وسائل الاتصال المختلفة،
- والثاني هو حقوق الإنسان الرقمية والديمقراطية والحريات السياسية، وهو ما يعنى دخول معامل ثالث على طرفي المعادلة القديمة “الخبز والحرية” ألا وهو الحصول على المعلومة وحرية الاتصال والحقوق المترتبة عليهما 4
ثانياً: الانترنت وحرية التعبير:
مما سبق يتضح أن هذه الحقوق إجمالا تميل إلى القضايا المتعلقة باستخدام الانترنت وتداول المعلومات لما تمثله الانترنت من أهمية حيث تعد من أقوى اختراعات العصر الرقمي من ناحية، وتلعب دورا فعالا في التثقيف من خلال التدفق المعلوماتي عبر الحدود الثقافية بين المجتمعات دون عوائق من ناحية ثانية. ولكن وعلى الرغم من الدور الهائل للأنترنت في انتقال المعلومات لملايين من البشر إلا أنها كانت سببا للتقييد بعض الحريات من جانب عدة حكومات انتهجت إغلاق المواقع وإقامة حواجز الكترونية لمنع الحصول على المعلومات وسائل لتقييد حرية التعبير، في محاولة منها لمنع الانترنت من التحول إلى قوة للدفاع عن الحرية السياسية للأفراد أو أن يتمتع الأفراد بحقوق طلب المعلومات والتعبير عن المعتقدات السلمية بلا خوف، وهو ما يتطلب قيام الحكومات بالقضاء على القيود غير المبررة والمفروضة على حرية التعبير عبر المواقع والمدونات المختلفة 5.
تساؤلات عديدة باتت محلا للجدل حول الدور السياسي والإعلامي للأنترنت ومواقعها المختلفة وهل أصبحت الشبكة الدولية متنفسا سياسيا للعديد من المعارضين العرب؟ وهل تمتلك الانترنت تأثيرا فعالا على الحكومة بصورة تجعل المعارضة عبرها ليس مجرد عمل افتراضي وإنما واقع يمكن قياسه وبالتالي يمكن مواجهته؟ وهل أصبحت مواقع الشبكة ومدونات الناشطين والصحفيين أداة فعلية للمعارضة ووسيلتها لمواجهة كبت حرية الرأي؟ في واقع الأمر للإجابة عن كافة هذه التساؤلات لابد من الاعتراف بأن حالة الحراك السياسي عبر الانترنت أصبحت علامة واضحة لا يمكن للحكومة إغفالها فلم تعد مجرد دعاية إعلامية، وإنما ظاهرة تعكس بوضوح أزمة الديمقراطية في الدول العربية عامة التي تحاول حكوماتها فرض نوعا من الهيمنة الإعلامية وكبت حرية الرأي والتعبير على مواقع الانترنت الموجهة ضدها، دونما أن يكون هناك أية قرارات قضائية تعطى الحكومات الحق في هذه الهيمنة وأصبحت الحكومات تنظر للأنترنت على أنها “عدو” لابد من محاربته فى إطار استراتيجية طويلة من الصراع بين الحكومات وحرية التعبير كإحدى ملامح الديمقراطية 6
و يمكن القول أن الانترنت باتت إحدى القوى السياسية غير التقليدية الجديدة على الساحة السياسية العربية، التى قد تكون – فى ظل توافر ظروف معينة – قادرة على إحداث نوع من الحراك السياسى مع اختلاف حجم ونوعية ومدى تأثير دورها فى هذا الحراك على توجهات النخب السياسية التقليدية، فبلا شك لعب النشاط الالكترونى لمجموعة من الشباب عبر موقع” الفايس بوك” دورا فى لفت الانتباه إلى تأثير الاتصال عبر الانترنت فى العمل السياسى، وهى تجربة غير مسبوقة داخل الدولة يمكن تفسير أسبابها فى ظل غياب الدور الحزبى المنظم سواء فى استيعاب الشباب داخل الأحزاب ومنحهم حقا فعليا فى المشاركة السياسية الفعلية، أو فى ظل افتقاد مصداقية الأحزاب ذاتها كمعبر عن المعارضة السياسية الحقيقية بسبب حسابات تحكمها المصالح مع المؤسسات الحاكمة أو بسبب قوة القبضة الأمنية وهو ما دعا الشباب والنشطاء السياسيين إلى اتخاذ شبكة الانترنت متنفسا لحراكهم الاعلامى والسياسى 8.
المطلب الأول : الدور السياسى للانترنت:
الوقوف على حقيقة حرية التعبير عبر الانترنت ودورها فى الحراك السياسى داخل المجتمع العربي يستدعى تحديد ماهية الدور السياسى للانترنت من ناحية، وآليات الحد من الرقابة عليها باعتبارها إحدى وسائل التعبير السياسى من ناحية ثانية، وطبيعة النظام السياسى والاجتماعى الذى يمكن أن تتحقق فى إطاره طفرة تكنولوجية معلوماتية تكفل الاستخدام الأمثل لحرية التعبير من ناحية ثالثة، فظاهرة الانترنت تعد إحدى وسائل المعارضة السياسية من جانب فئة الشباب والناشطين وبعض الصحفيين الذين لا ينتمون إلى أية أطر سياسية أو حزبية بحيث تشكل الانترنت بالنسبة لهم ملاذا للتعبير عن رأيهم وهو ما ساهم فى رفع الوعى لدى الرأى العام وساهم أيضا فى إعادة تشكيله بوسائل النشر والإعلام المختلفة، بحيث تكون الانترنت إحدى وسائل الإعلام المكمل لغيرها من الوسائل الأخرى 9
ولكى تستطيع الانترنت أن تكون أداة للتعبير السياسى الفعال لابد من توافر مجموعة من الإمكانات والآليات لبناء مجتمع معلوماتى جديد هذه الآليات تتعلق جديا بإعادة هيكلة البناء التنظيمى للمجتمع، والذى يجب توافره لكى تلعب الانترنت دورها بصورة أكثر فعالية وتأثيرا فى العمل السياسى من خلال 10
- تجاوز نمط التبعية الإدارية الصارمة ليحل محلها المزيد من المرونة وتوزيع الاختصاصات الداخلية بصورة أكثر حرية وانتشارا فى إطار مبدأ التنسيق العام للنظام.
- انحصار دور القيادة العامة فى التنسيق والدعم إلى جانب التخطيط الاستراتيجى.
- الاستعاضة عن العلاقات الرأسية الهرمية التى تتميز بها الأنظمة السياسية بنوع جديد من العلاقات الجانبية المتوازية بين مكونات التنظيم الداخلية.
- تنوع الشكل التنظيمى حسب الحاجات والمتطلبات العصرية الجديدة دونما الخضوع الدائم لأشكال البيروقراطية الثابتة أو الهيكلية الجامدة.
- وفى حالة إيجاد نظام مرن يقوم على الخصائص التنظيمية السابقة تستطيع الدولة أن تجعل قوى الإصلاح والتغيير المختلفة قادرة على التفاعل داخل النظام السياسى بعد اكتسابها القدرة على توصيل آرائها إلى عدد لا نهائى من مستخدمى الانترنت من ناحية، وكذلك القدرة على الضغط على السلطة لحملها على تبنى استراتيجيات جديدة تتفق والواقع العملى الجديد من ناحية ثانية، خاصة أن قوى التغيير تلك لا يمكن السيطرة عليها على الانترنت بمعنى أن وسيلة إغلاق المواقع الإلكترونية المعارضة أو ملاحقة المدونين لم تعد وسائل كافية للقضاء على حرية التعبير، وإنما لابد من دمج الانترنت فى التنظيم السياسى والمجتمعى والإعلامى بالطرق السابقة لتحقيق أهداف مرجوة متعددة منها 11
- انفتاح النظام السياسى على المجتمع بفئاته المختلفة.
- تجنيب القوى السياسية الداعية للتغيير والإصلاح مساوئ المركزية الشديدة التى قد تؤدى فى أحيان كثيرة عزلها عن المجتمع.
- إعطاء حركات التغيير فرصة لإسماع صوتها داخل التنظيم السياسى.
- تمكين التنظيم السياسى من تغيير استراتيجياته بسرعة قياسية توفرها له المرونة الهيكلية التى تمكنه من تحقيق أهداف مؤقتة إلى جانب أهداف كبرى ثابتة.
مما سبق يتضح أن الانترنت قد وفرت لحركات التعبير السياسى المختلفة أيا كان مسماها إمكانات جديدة لم تكن موجودة فى ظل وسائل التعبير والمشاركة السياسية التقليدية ووسائل الإعلام التقليدى وأهمها 12
- تسهيل سرعة الاستجابة للأحداث السياسية بمجرد تحرير رسالة الكترونية على أى موقع وإرسالها إلى العناوين الالكترونية المختلفة أو نشرها على المواقع المختلفة.
- تغيير مفهوم التظاهر والاحتجاج فلم تعد هناك حاجة لحشد بشرى مادى كبير للتعبير عن الاحتجاج أو الرفض وإنما أصبحت الرسائل الاحتجاجية أو التأييدية المتداولة عبر الانترنت وسيلة بديلة أثبتت فعالياتها السياسية التى تغنى عن المظاهرات الحاشدة.
– المطلب الثاني : دور “الفايس بوك” و”البلوجر – البلوجرز” فى حرية التعبير
الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة السياسية حاليا لم تعد تقوم بدورها فى التنشئة السياسية للشباب بسبب ما حدث لها من تهميش من جانب الحكومة فضلاً عن افتقادها الذاتى لعوامل وآليات العمل السياسى الناجح وطرح نفسها بقوة على مجريات العملية السياسية، الأمر الذى دفع العديد من الشباب وغيرهم من الفئات العمرية المختلفة إلى الانترنت كوسيلة للتعبير عن الآراء المختلفة بدون قيود وبدون رقابة، وكان موقع “الفيس بوك” هو أكثر المواقع التى دار بشأنها جدلا كبيرا خاصة بعد نجاحه فى جذب العديد من الأفراد لطرح مناقشاتهم عليه، وبالتالى توقفت الدولة أمام هذا التطور النوعى الجديد إذا جاز التعبير، أضف إلى ذلك عدم استيعاب القوى السياسية المعارضة، التى لا تتبع أساليب حديثة فى التعبير عن نفسها باستثناء حركة كفاية، لهذا الحدث مما جعل الموقع الشهير هو مصدر التغيير والتعبير على حد سواء، وبالبحث عن الأسباب الحقيقية لهذا التطور لابد من الاعتراف بأن جيل الشباب لديه شعور كبير بالاغتراب وقدر لا يستهان به من الكبت السياسى والاجتماعى، إلى جانب قدر لا بأس به من الوعى المعرفى المتطور خاصة إذا ما علمنا أن المصريين مستخدمى الإنترنت يبلغ عددهم حوالى 6مليون 13.
أما بالنسبة للمدونات والمدونون “البلوجر – البلوجرز” ودورهم فى حرية التعبير عبر الانترنت فعلى الرغم خطورة المدونات فى أنها تفتح الباب على مصراعيه أمام كل شئ وأى شئ إلا أن بعضها استخدم فى التعبير عن آراء سياسية واجتماعية متعددة مما أسفر عن تعرض عدد من المدونين للاعتقال، حيث لعبوا دورا بارزا فى كشف العديد من انتهاكات حقوق الإنسان واعتبارهم جزءا من حركة المطالبة بالتغيير والإصلاح الديمقراطى، والتساؤل الذى يطرح نفسه هنا من يدافع عن حرية المدونين خاصة فى ظل عجز منظمات المجتمع المدنى فى الدفاع عنهم وفى ظل المعاناة التى تواجهها حرية الصحافة الورقية؟ إذن لابد من توافر وضع قانونى يضمن تكوين تحالف للدفاع عن حرية النشر عبر المدونات إعمالا لفكرة “الحرية المسئولة” فالمدونات متعددة الأهداف والأنواع، فبعضها لا يتعدى كونه سيرة ذاتية لأصحابها، والبعض الآخر يحمل معانى الجانب السيئ من الحرية الشخصية، والبعض الثالث – وهو الأولى بالحماية – يحمل مفهوما مهما ومسئولا عن مضمون حرية الرأى وحرية التعبير، فالمعلومة متاحة أمام الجميع المهم هو تخير المعلومة السليمة والصحيحة فليست كل المدونات يمكن الاعتماد عليها كمصدر للمعلومات، ولكن يجب الأخذ فى الاعتبار أيضا أن التعبير عبر الانترنت لا يعبر عن فوضى إعلامية وإنما هو أداة لجمهور المستخدمين للانترنت الذى لديه قدرة على الاختيار ما بين الجيد والردئ، وله الحق فى المعرفة والاستفادة من غزارة المعلومات المتاحة واتخاذها وسيلة لتغيير السلبية السياسية والنهوض بثقافة المواطن العربي عامة والجزائري خاصة الآخذة فى التضاؤل وربما التآكل فى ضوء اتساع آفاق التعبير عن الرأى واتساع نطاق البحث عن سبل حماية هذا الرأى من التقييد 14
الانترنت بين السلبيات والايجابيات:
نجحت الانترنت فى أن تكون أداة وسلاحاً فى الوقت نفسه للمهمشين فى الحياة السياسية الجزائرية من خلال تحقيقها لمجموعة من الايجابيات منها:
- نجاح الانترنت فى اعتبارها نظام اتصالات جديداً ومتطوراً ذى إمكانيات متعددة فى البحث أظهر التفاوت بين جمهور المستخدمين فى المجتمع الجزائري، مما يقسم المستخدمين إلى فئة تحترم قيمة وسائل الاتصال الحديثة القائمة وفئة تسئ استخدامه.
- مناقشة عدد من الموضوعات الشائكة لأول مرة فى تاريخ الحياة السياسية والاجتماعية والدينية فى الجزائر مثل الخلافة السياسة والتعصب الدينى والعنف السياسى بغض النظر عن العواقب الوخيمة التى تضع مستخدمى الانترنت تحت طائلة القانون – مثال المدونين – خاصة عند تناولهم لهذه الموضوعات.
- مقولة أن المعلومات المتاحة غالبا ما تكون مغلوطة وسلبية ويجب وضع القيود عليها واعتقال مدونيها خالية من الصحة، لأن الانترنت بمواقعها المختلفة توفر العديد من الوسائل التي تمكن مستخدميها من التحقق من صحة المعلومات مع ملاحظة أن المدونين الجزائريين الذين يعلنون عن أنفسهم ويسجلون هويتهم على مواقع مدوناتهم المختلفة يساهمون بذلك في تحديد مدى مصداقية المدون والمعلومة.
- بينما يرى جمهور آخر من المهتمين بقضايا الإعلام الجديد أو البديل في الانترنت والاتصالات الحديثة قدراً هائلاً من السلبيات تدور معظمها حول عدم خضوع وسائل الاتصال الحديثة خاصة الانترنت ورسائل المحمول لقواعد تنظيم نوعية المعلومات المتداولة، وهو الأمر الذى قد يتنافى مع قواعد السلم والأمن العام أو مع قواعد العرف القيمي والتقاليد والعادات التي تميز المجتمع الجزائري، ويجعل الإعلام الجديد وسيلة لتحويل المجتمع الجزائري لصورة طبق الأصل من المجتمعات الغربية، حيث ترى هذه الفئة في الفضاء المفتوح مخاطر حقيقية على المجتمع من قبل جماعات غير مسئولة تستهدف الوصول بالمجتمع إلى حالة من الفوضى المتعددة الأنواع.
المبحث الثاني : كيفية بناء مجتمع معلوماتي أساسه حرية التعبير: - مجتمع المعلومات هو البيئة الاقتصادية والاجتماعية التي تطبق الاستخدام الأمثل لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجديدة بحيث يحسن المجتمع استخدام تلك المعلومات وتوزيعها توزيعا عادلا ليعم النفع على الأفراد بما يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية على حد سواء، إذن ما هي السبل والآليات الكفيلة بإقامة مجتمع معلوماتي يضمن حرية تدفق المعلومات؟ في الواقع أن أولى خطوات بناء مجتمع معلوماتي يضمن حرية تدفق المعلومات هي ضمان أمن المعلومات والبيانات والشبكات وتوفير البنية المعلوماتية، وهو ما يتطلب إنشاء نظام تعليمي يعتمد على التطور التقني، وإشراك الدولة في برامج البحث والتطوير العالمية، وهو ما يتطلب تحديد ادوار القطاعات المختلفة في بناء مجتمع المعلومات خاصة الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى.
المطلب الأول : دور الحكومة:
تتحمل الحكومة العبء الأكبر فى إرساء قواعد المجتمع المعلوماتى وتشريع آليات سد الفجوة الرقمية عن طريق آليات صنع السياسات الخاصة بتقليص تلك الفجوة وأهمها استحداث نظم تعليم جديدة، حيث تتفاوت الفجوة الرقمية بين أفراد المجتمع على أساس التعليم ومستوى الدخل والنوع، وكذلك بين الريف والحضر، وهذا يتطلب بدوره دراسة وتعديل التشريعات ذات الصلة بالمعلومات والاتصالات والتكنولوجيا، خاصة إذا ما اعتبرنا أن الحكومة هى الجهة الأقدر على تحفيز عملية النمو وخلق فرص متعددة للتوظيف وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وفى الوقت نفسه قادرة على خلق بنية تحتية تتواكب مع الأنشطة المعلوماتية الاقتصادية الجديدة من خلال إعداد كوادر بشرية ذات قدرات ومهارات معرفية خاصة فى مجال الاتصالات والتطبيقات المختلفة لمجتمع المعلومات، هذا بالإضافة إلى البحث عن مصادر تمويل البنية التحتية مع تفعيل دور ومشاركة المجتمعات المحلية فى المشروعات المعلوماتية المختلفة والأخذ فى الاعتبار ضرورة تحديد صلاحيات الحكومة الرقابية على المعلومات المتاحة للتداول العام عبر وسائل الاتصال التكنولوجية وتقليص هذه الصلاحية فى إطار تحديد ما هى المعلومات المتاحة للعامة، وما هى المعلومات المحمية من النشر وفقا لتصنيف معتمد ومعلن فى ضوء الاستناد إلى تصنيف المعلومات إلى “حساسة وسرية للغاية” وعلاقة ذلك بالأمن العام والقومى مع ضمان درجات متفاوتة من حرية البحث والنشر والرأى.
المطلب الثاني : دور القطاع الخاص
فى ضوء أن الشركات الخاصة لها القدرة على الارتقاء بنوعية الأنشطة المعلوماتية بصورة تفوق تأثير الحكومات إذن لابد من دعم الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص بصورة تحقق أكبر عائد من استخدام البنية المعلوماتية القائمة من ناحية، وتلك التى سيتم إقامتها عبر القطاع الخاص من ناحية ثانية، مما يتطلب اشتراك القطاع الخاص بصورة أكثر فعالية فى البناء المعلوماتى من خلال إعطاء الحكومة دوراً أكبر لعملية تحرير القطاعات المتعلقة بالمعلومات خاصة بعد أن أظهر تحرير قطاع الاتصالات اللاسلكية عوائد ايجابية على عملية البناء المعلوماتى.
الخاتمة :
الحق في “حرية التعبير” هو حق نص عليه في الشرعية الدولية لحقوق الانسان و اهمها الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية ويتضمن هذا الحق “حرية السعي في تلقى ونشر المعلومات والأفكار دون اعتبار للحدود في العالم الافتراضي ، وهو ما ينطبق على أدوات الاتصال المعلوماتي المختلفة بما فيها الانترنت، ولم يتوقف دور تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات عند حدود التقنية بل تعداها ليشمل كل المجالات الاخرى
المصادر و الاحالات :
(1) محمود عبدالستار خليفة، “ثورة المعلومات فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” cybrariansjournal، ع7، ديسمبر2005، انظر الموقع التالي على الانترنت www.cybrarians.info
(2) انظر وثيقة “إعلان الديمقراطية الرقمية “على موقع” مركز الديمقراطية الرقمية” على الانترنت.
(3)الشبكة العربية لحقوق الإنسان تسأل: أين الحقوق الرقمية للمواطن”، جريدة الحياة،3 /2 /2008.
(4)جمال محمد غيطاس،”قضية لم يلتفت إليها الكثيرون فى مصر: حقوق الإنسان فى العصر الرقمى ومجتمع المعلومات”،عالم الكمبيوتر،2006/7/18، ع43688.
(5) بيان منظمة العفو الدولية فى افتتاح منتدى إدارة الانترنت فى أثينا 2006، انظر الموقع التالى على الانترنت www.amnesty.org
(6)الانترنت جبهة جديدة لصراع الحكومات العربية ضد حرية التعبير”، انظر الموقع التالى على الانترنت www.openarab.net
(7)دور المدونات والانترنت فى الحراك السياسى المصرى”، انظر موقع الجزيرة على الانترنت www.aljazeera.net،2005 /5 /4
(8) المصدر السابق
(9)الانترنت والتنفيس الإعلامى والسياسى”، انظر موقع الجزيرة على الانترنت www.aljazeera.net، 2005/10/14
(10) محمد بن المختار الشنقيطى، “الانترنت. ثورة الفقراء فى عصر التواصل”، انظر موقع الجزيرة على الانترنت www.aljazeera.net ،2005/4/7
(11)المصدر السابق.
(12)المصدر السابق.
(13) أحمد الشمسى، “هل يقضى الفيس بوك على الجرائد والأحزاب”، انظر الموقع التالى على الانترنت www.horyatna.net.
(14) السيد زيادة ،”الإعلام الجديد والراى العام”،اسلام اون لاين www.Islamonline.net ،2008/12/6
(15)الرقابة على الانترنت فى مصر: مساحة جديدة من القمع”، انظر الموقع التالى على الانترنت www.kenanaonline.com
(16) د.حسن أبوطالب، “رغم التضييق والقمع. الانترنت العربى يتحول إلى فاعل سياسى واجتماعى”،www.swissinfo.org