كوفيد 19، أي دور لرئاسة النيابة العامة في احتواء الأزمة ؟- نجيب بُحاجة
كوفيد 19، أي دور لرئاسة النيابة العامة في احتواء الأزمة ؟.
تعتبر النيابة العامة من أهم المؤسسات القضائية التي أوكل إليها القانون المهمة الحفاظ على أمن المجتمع وتمثيله و الدفاع عنه وصيانة حقوقه وحرياته، وﻳﻄﻠﻖ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺍﻟﻨﻴﺎﺑﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻲ ﺍﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﻓﺌﺔ ﻣﻦ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ، ﻳﻮﺣﺪﻫﻢ ﺟﻤﻴﻌاً ﺍﻟﺴﻠﻚ ﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻲ ﻭﻳﺸﻤﻠﻬﻢ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ
ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ للقضاة {1}.
ومنذ إعلان استقلالها عن وزارة العدل وتولي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئاستها بمقتضى القانون 17.33 {2}، أبانت مؤسسة رئاسة النيابة العامة عن علو كعبها في تدبير شؤون القضاء الواقف، من خلال توجهاتها الرصينة لغرض إقرار الأمن وحماية النظام العام من خلال المذكرات والدوريات التي ما فتئت تصدرها لتوضيح مسائل عديدة مرتبطة بعمل قضاء النيابة، مشكلة بذلك مدخلاً أساسي لتحقيق النجاعة القضائية وتكريس ضمانات المحاكمة العادلة.
ولما كان لهذه المؤسسة كل هذه الصلاحيات التي لا محال توفر الحماية اللازمة لأفراد المجتمع من كل اعتداء قد يطال حقوقهم وسلامتهم، وفي سياق الوضع الوبائي و حالة الطوارئ الصحية التي يعرفها المغرب، انخرطت هذه المؤسسة بكل ما تملكه من وسائل يتيحها لها القانون للتصدي لكل الخروقات التي قد تظهر في هذه الحالة الاستثنائية، وهذا ما لمسناه من خلال التدابير والإجراءات التي عمدت رئاسة النيابة لاتخاذها وكذا التوجيهات التي تقوم بها، ونظراً لتشعب مظاهر تدخل النيابة العامة لحفظ النظام العام في خضم هذه الحالة الخاصة، سنعمل فيما يلي على ملامسة بعض تجليات دور هذه المؤسسة على مستوى نقطتين نعتبرهما الأهم، الأولى تتعلق بالتدابير المتخذة للتصدي للأخبار الزائفة وضمان تفعيل المقتضيات المتعلقة بحالة الطوارئ، والثانية في الجانب التوعوي والإرشادي لهذه المؤسسة.
أولاً: على مستوى التصدي للأخبار الزائفة وتفعيل المقتضيات الزجرية المرتبطة بحالة الطوارئ الصحية.
بمجرد الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بالبلاد يوم 20 مارس من هذه السنة، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي منبراً للتهويل وبت الذعر بين الناس عن طريق نشر و ترويج الأخبار الزائفة، وتتخذ هذه الأخبار عدة صور، فالبعض حاول التشكيك في الأرقام التي تعلن عنها الجهات الرسمية بشأن حالة الإصابة مما يشكل مساً خطيراً بالأمن العام للمجتمع والبعض الآخر ينشر أخبار وهمية تفيد إصابة أشخاص بالوباء و يعلن أسمائهم وصفاتهم والبعض يعلن عن وجود بؤر للوباء ومدن موبوءة تحت الحجر…، عموما اتخذت الأخبار الزائفة في هذا الصدد عدة صور ويبقى الجامع بينها هو بت الرعب والذعر في نفوس المواطنين والمس بالأمن الصحي لهم.
أمام هذا الوضع بادرت رئاسة النيابة العامة إلى توجيه دورية إلى كافة مسؤولي النيابات العامة بمحاكم المملكة، تحثهم فيها على إعطاء تعليمات فورية إلى الشرطة القضائية – كجهاز موضوع رهن إشارة النيابة العامة – لتتبع كل ما ينشر من الأخبار المرتبطة بفيروس كورونا وضبط ناشري الأخبار الزائفة وكل من تورط في صناعة وترويج هذا النوع من الأخبار.
وقد كانت حصيلة تتبع وضبط هذه الخروقات فتح 81 بحثا قضائيا، تم على إثره تحريك المتابعة القضائية في حق 58 شخصا، في حين لا تزال الأبحاث متواصلة.
انطلاقاً من الأرقام المذكورة يظهر بشكل جلي أن الدورية التي أصدرها رئاسة النيابة العامة جاءت للتصدي بكل حزم وصرامة لهذه الأخبار التي كما أشرنا سابقاً تمس بالأمن الصحي للمواطنين وفي سياق مساهمة قضاء النيابة في تفعيل المقتضيات الزجرية المرتبطة بحالة الطوارئ الصحية، أعلنت رئاسة النيابة العامة أنها ومنذ دخول المرسوم حيز التنفيذ وإلى غاية 2 أبريل- تاريخ إصدار البلاغ – قامت بمتابعة 4835 شخص قاموا بخرق حالة الطوارئ من بينهم 334 شخص أحيلوا على المحكمة في حالة اعتقال.
يتبين إذن أن تحرك النيابة العامة بخصوص نشر الأخبار الزائفة وضمان تفعيل المقتضيات الزجرية لحالة الطوارئ كان أمراً جد مهم وأعطى أكله، بحيث أسفر على توقيف عدد كبير من الأشخاص المخالفين للقانون، وهذا الأمر لا محال من شأنه المساهمة في تحقيق الردع وضمان احترام المقتضيات القانونية المتعلقة بحالة الطوارئ الصحية.
ثانياً: في الجانب الإرشادي والتوعوي.
بخصوص الجانب التوعوي والإرشادي لرئاسة النيابة العامة، فلا يخفى على الجميع مدى الانخراط الدائم والمستمر لهذه المؤسسة في تأطير سلوكات الأفراد خاصة المتعلقة منها بكيفية التعامل مع المساطر القانونية، حيث ما فتئت تضع دلائل وتوجيهات للمتعاملين مع النيابات العامة على موقعها الرسمي وبشتى الوسائل المتاحة، ودائماً في سياق حديثنا عن الأزمة الصحية التي تعرفها المملكة، أصدرت رئاسة النيابة العامة بلاغ تهيب فيه إلى عموم المواطنين الراغبين في تقديم شكاياتهم إلى النيابات العامة، الاعتماد على الفاكس والبريد الإلكتروني للنيابات العامة المعنية، وكذا عن طريق البوابة الإلكترونية للشكايات الموضوعة رهن إشارة العموم بموقع رئاسة النيابة العامة{3}.
من جهة أخرى أصدرت رئاسة النيابة دورية أخرى موجهة إلى مسؤولي النيابات العامة لمحاكم المملكة تتعلق بالحث على ارتداء الكمامات الواقية والتعامل بصرامة مع المخالفين لهذا التدبير المقرر خلال فترة الحجر الصحي، وجاء في هذه دورية، أنه “غير خاف عليكم أن المرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر بتاريخ 23 مارس 2020، المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، منح السلطات الحكومية المكلفة بتدبير حالة الطوارئ الصحية، اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية صحة وأمن الموطنين، والسهر على تطبيق كافة التدابير الواجب اتخاذها خلال فترة الحجر الصحي”.
,اكدت على أن عدم وضع الكمامات الواقية يعتبر جنحة منفصلة عن جنحة خرق تدابير الحجر الصحي المتعلقة بعدم ملازمة مكان الإقامة، أو خرق غيرها من التدابير الأخرى التي قررتها السلطات العمومية المختصة في هذا المجال، كما شددت الدورية، على أن تحريض الغير على عدم وضع الكمامة الواقية في الظروف المشار إليها أعلاه، يعتبر جنحة، ولو كان هذا الخير بأي وسيلة ممكنة بما فيها استعمال دعامةً إلكترونية لهذا الغرض.
ودعت الدورية المذكورة، وكلاء الملك لدى المحاكم، إلى عدم التردد في إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية بشأن الأفعال التي تصل إلى علمهم بشأن عدم التقيد بوضع الكمامات الوقائية في حالة الخروج من المنازل، مُطالبة بالاستمرار في إشعار رئاسة النيابة العامة، بجميع التدخلات التي يباشرونها في إطار تطبيق القانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية، والرجوع إليها بشأن كل الصعوبات التي تعترضهم في تطبيقه.
كل هذه الإجراءات تنضاف إليها رزمة التدابير الأخرى المتعلقة بتدبير الجلسات وتقديم الأشخاص للمحاكم وغيرها من التوجيهات…، الهدف الأساسي منها هو الوقاية من تفشي وباء كورونا بالتقليص من عدد الوافدين على مرفق النيابة العامة، وهي من منظور آخر تجسيد للدور الفعال الذي تقوم به هذه المؤسسة في سبيل تعزيز ضمان احترام القانون من جهة والحفاظ على الأمن العام للمجتمع من جهة أخرى.
- هوامش:
- {1} القانون التنظيمي رقم 13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.41، الصادر في 14 من جمادى الآخرة 1437 ( 24 مارس 2016 )، الجريدة الرسمية عدد 6456 – 6 رجب 1437 ( 14 أبريل 2016 ).
- {2} القانون رقم 17 المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة ويسن قواعد التنظيم رئاسة النيابة العامة، الصدر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.17.45 الصادر 8 ذي الحجة 1438 ( 30 أغسطس 2017 )، الجريدة الرسمية عدد 6605 – 27 ذو الحجة 1438 ( 18 سبتمبر 2017 ).
- {3} http://pmp.ma/.
- نجيب بُحاجة طالب باحث بسلك ماستر المهن القانونية والقضائية.