في الواجهةمقالات قانونية

آلية الدفع بعدم دستورية القوانين بين رهانات الولوج إلى العدالة الدستورية وحدود التنظيم التشريعي حسب مشروع القانون التنظيمي رقم 35.24 – الباحث: زكرياء الزوجال

آلية الدفع بعدم دستورية القوانين بين رهانات الولوج إلى العدالة الدستورية وحدود التنظيم التشريعي حسب مشروع القانون التنظيمي رقم 35.24

الباحث: زكرياء الزوجال

خريج ماستر القانون المدني والتحولات الاقتصادية

شكل دستور المملكة المغربية لسنة 2011 نقلة نوعية في مسار حماية الحقوق

والحريات، حيث نص الفصل 133 على حق كل شخص في الاعتراض على تطبيق نص

تشريعي يرى أنه يخالف الضمانات الدستورية المكفولة له.

ويعد مشروع القانون التنظيمي رقم 35.24 خطوة تشريعية في اتجاه تفعيل هذا الحق، إذ يروم تحديد ضوابط وشروط ممارسة آلية الدفع بعدم المطابقة. غير أن القراءة المتأنية لأحكامه تبرز

تناقضا واضحا بين فلسفة الانفتاح الدستوري التي أتى بها دستور 2011، ومنهج الحذر

الشرعية

الإجرائي الذي تبناه المشروع.

فبينما كان المنتظر أن يفتح القانون التنظيمي الباب أمام المتقاضي ليشارك في حماية الدستور، نجده في كثير من مواده يعيد إنتاج منطق التقييد.

وهو ما يثير إشكالية مفادها حول مدى وفاء مشروع القانون التنظيمي رقم 35.24 لروح

الدستور، التي أرادت أن تجعل من المواطن شريكا في صون الشرعية الدستورية، لا متفرجا على انتهاكها.

سنحاول الإجابة على هذه الإشكالية وفق التصميم التالي:

المطلب الأول: الأسس الدستورية والحقوقية لآلية الدفع بعدم دستورية القوانين المطلب الثني: حدود المقاربة التقنية للمشروع وآفاق تطويرها

المطلب الأول: الأسس الدستورية والحقوقية لآلية الدفع بعدم دستورية القوانين الفقرة الأولى: الطبيعة المعيارية العليا للدستور ومبدأ المراقبة المواطنة

يقوم البناء الدستوري المغربي، وفقا للفصل السادس من الدستور، على أن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له.”

لكن هذا السمو لا يكتمل إلا إذا خضع القانون نفسه للرقابة وفق آلية تتيح للأفراد الطعن في النصوص التي تمس حرياتهم الأساسية. وهنا برزت فلسفة الدفع بعدم دستورية القوانين كترجمة لمبدأ سيادة الدستور على جميع القواعد القانونية.

ويستفاد من الخطاب السامي لجلالة الملك محمد السادس في الذي وجهه إلى الأمة حول مشروع الدستور الجديد بتاريخ 9 مارس 2011 في إطار إجراء تعديل دستوري شامل، يستند على سبة مرتكزات أساسية من بينها كما جاء في الخطاب: ” الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، توطيدا لسمو الدستور، ولسيادة القانون، والمساواة أمامه.”…

وعليه، فإن الحق في الدفع بعدم دستورية القوانين لا يمثل امتيازا، بل ضمانة دستورية لتكريس سيادة القانون الدستوري وتحقيق المساواة أمامه وحماية الأفراد من تعسف النصوص.

الفقرة الثانية: الفجوة بين المقصد الدستوري والتنزيل التشريعي

بدلا من أن يكون مشروع القانون التنظيمي بوابة لتفعيل مبدأ الانفتاح الدستوري، جاءت صياغته مشوبة بطابع إجرائي مفرط، إذ فرض شروطا شكلية متعددة قد تحول دون وصول المتقاضي إلى المحكمة الدستورية.

فالاشتراطات المتعلقة بضرورة تقديم مذكرة مكتوبة موقعة من محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض، وأداء رسوم محددة، ثم الإحالة المسبقة على أعلى جهة قضائية (محكمة النقض) قبل الفحص الدستوري، كلها قيود تفرغ الحق من مضمونه العملي نسبيا.

ويبدو أن المشرع انطلق من هاجس التنظيم لا من منطلق التمكين الذي هو جوهر الفصل 133، مما أدى إلى تحويل الآلية من وسيلة لحماية الحقوق إلى مسطرة شكلية محدودة الأثر نسبيا كذلك.

المطلب الثاني: حدود المقاربة التقنية للمشروع وآفاق تطويرها الفقرة الأولى: تعقيد المسطرة وإضعاف النفاذ إلى الرقابة الدستورية

إن المشرع أعطى أهمية كبيرة للتفاصيل التقنية والآجال والوثائق، دون الالتفات إلى واقع المتقاضين. فالفئات الضعيفة ماديا أو التي لا تتوفر على تمثيل قانوني مؤهل ستجد نفسها عمليا خارج دائرة الاستفادة من هذه الآلية.

كما أن الآجال الضيقة (بين 8 أيام و15 يوم) التي حددها المشروع لتدارك النواقص الإجرائية تجعل ممارسة الحق رهينة بالسرعة الشكلية لا بالموضوع الدستوري، مما يفرغ الرقابة من بعدها الحقوقي ويحولها إلى سباق مع الزمن.

كما جاء في المشروع مادة تقضي بأن القرارات الصادرة بعدم دستورية القوانين لا تنتج أثرها إلا مستقبلا دون رجعية، وهو ما يضعف الحماية الدستورية، إذ يترك من تضرر من تطبيق النص غير الدستوري دون إنصاف.

كما أن إلزام تبليغ الدفع إلى كل من رئيس الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان يجعل المسطرة ذات طابع سياسي أكثر من كونها قضائية، فضلا عن إمكانية إثارة جد حول مدى الالتزام بمبدأ فصل السلط.

الفقرة الثانية: التقييم الموضوعي ومقترحات الإصلاح

رغم أهمية المشروع في سد الفراغ التشريعي، إلا أنه يعاني من قصور في جانبين أساسيين: أولا، غياب الأثر التصحيحي للأحكام الصادرة بعدم المطابقة، وثانيا، تضخم البعد الإداري للمسطرة على حساب العدالة الدستورية.

ولتحقيق الفعالية، يقترح:

 تبسيط المسطرة وإلغاء الرسوم القضائية عن هذه الدفوع.

 تفعيل المساعدة القضائية التلقائية في كل دعوى ذات طابع دستوري.

 تمكين المحكمة الدستورية من تقرير أثر رجعي محدود متى تعلق الأمر بحقوق أساسية.

 حصر التبليغ في الأطراف المعنية دون إدخال السلطات التشريعية والتنفيذية في الخصومة القضائية، فضلا عن إزالة البعد السياسي لضمان استقلال القضاء الدستوري.

 إشراك النيابة العامة بصفة مراقب لضمان احترام الحقوق الدستورية.

 تعزيز دور التكوين القضائي في مجال الثقافة الدستورية لدى القضاة والمحامين.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى