أثر جائحة كورونا على عقد الايجار: دراسة مقارنة- الباحثة : وسام ادريس الحبابسه
أثر جائحة كورونا على عقد الايجار: دراسة مقارنة
The Effect of corona pandemic on the lease contract: a comparative study
الباحثة : وسام ادريس الحبابسه
باحثة دكتوراه القانون الخاص كلية الدراسات العليا جامعة مؤته- الكرك-الأردن
لتحميل عدد المجلة
مجلة القانون والأعمال الدولية : الاصدار رقم 49 لشهري دجنبر 2023 / يناير 2024
المُلخص
بالإضافة إلى آثارها الوخيمة على القطاع الصحي، خلفت جائحة كورونا عواقب قانونية وخيمة لعل أبرزها أثر تلك الجائحة على عقود الايجار السكنية، فكانت قاعات المحاكم تصخب في تكييف تلك الجائحة، كقوة قاهرة تارة وإلى ظروف طارئة تارةً اخرى، إلى أن وصلنا في قناعتنا إلى أن التكييف يُترجم وفق الآثار التي خلفتها الجائحة على عاتق المدين في العلاقة الإيجارية، والاشكالية التي تثور بصدد قصور التشريع الأردني وبعض التشريعات المُقارنة في ضبط الانعكاسات القانونية للوباء على عقود الايجار في ظل تداركٍ من تشريعات مقارنة عطفت أثناء ضبطها لعواقب الجائحة على حالة المُستأجر كالتشريع الامريكي وهذا ما حاولت هذه الدراسة بيانه رغبةً في لفت نظر التشريعات إلى الحلول التي تحول دون امتدادٍ أكبر لتلك الآثار .
الكلمات الدالة: جائحة كورونا، عقد الايجار، القوة القاهرة، الظروف الطارئة
Abstract
In addition to its dire effects on the health sector, the Corona pandemic left dire legal consequences, perhaps the most prominent of which is the impact of this pandemic on residential lease contracts. The courtrooms were clamoring about adapting that pandemic, as a force majeure at times and to emergency circumstances at other times.Until we reached our conviction that the adaptation is translated according to the effects left by the pandemic on the debtor in the rental relationship, and the problem that arises regarding the shortcomings of Jordanian legislation and some comparative legislation in controlling the legal repercussions of the epidemic on lease contracts in light of a remedy from comparative legislation that was sympathetic while controlling the consequences of the pandemic On the status of the tenant as US legislation. This is what this study tried to show in order to draw the attention of legislation to solutions that prevent a greater extension of these effects.
Key words: Corona pandemic, lease contract ,Force Majeure, Unforeseen circumstances
المقدمة
ظهر فيروس كوفيد- 19 لأول مرة في العام 2012م، إلا أن عدد الاصابات القليل لم يكن مدعاةً للقلق إذ لم يُصنف حينها على انه “وباء”، لكن الأمر تغير في أواخر العام 2019م، حيث اخذ الفيروس بالانتشار إلى أن ألم أرجاء العالم، حيث تجاوز تأثير الوباء التوقعات بشكل كبير وبدأت الجهود الدولية في وضع التدابير بغية الحد من انتشار الوباء، وليس من المبالغة القول أن هذا الوباء قد قاد البشرية إلى حقبة جديدة – اذ لا تبدو مغادرته بالأمر القريب- استتبع معها التعايش مع ما يخلفه هذا الوباء من آثار.
وفي اطار مسؤولية الدول اتجاه أفرادها، سارعت الدول إلى اتخاذ تدابير احترازية – الاغلاقات- بهدف وقف تفشي الوباء وانعكس عن تلك التدابير الاحترازية بعض الآثار القانونية على الالتزامات التعاقدية الناشئة عن بعض العقود، وفي محاولة السيطرة على أزمة كورونا التي هزت الأنظمة القانونية; اتجهت معظم الدول إلى تكييف أنظمتها وفق الحالة الجديدة التي خلفها الوباء حيث يتم تهيئة القانون في قالب التحليل وصولاً إلى صياغة الاستجابات المحتملة لهذه الأزمة، والمطالب المرتبطة بها – خصوصاً التبعية والمسؤولية – وهذا الحشد للقانون يقودنا في الحقيقة إلى أن الأنظمة القانونية تجهل كيفية التعامل مع آثار الآفات الصحية واحتواءها مسبقاً، ففي الأردن، استند التكييف العاجل للجائحة على دراسة ظرف كل العقد مع اصدار أوامر الدفاع في محاولةٍ منه لضبط آثار الوباء دون الاستناد على قاعدة مدروسة مؤكداً بذلك عدم جاهزية القانون لمواجهة مثل هذه الآفات.
يجب الاعتراف بالعواقب غير المباشرة التي تترتب على تطبيق أوامر الدفاع على مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية، الوطنية والإقليمية والدولية، فمثلاً يخضع قطاع العقارات ككل لتداعياتٍ اقتصادية تؤثر على كل من هذه القطاعات الفرعية – العقارات التجارية والعقارات الفندقية – من القطاعين الخاص والعام، والمُلاك والمستأجرين .
في ظل الظروف الحالية، يتزايد في ذهن المؤجر خطر التأخر في دفع ايجار المحلات المُخصصة لأغراض تجارية والمكاتب والعيادات، و يتزايد معه في ذهن المستأجر خطر إخطار الإنهاء من قبل المؤجر.
أهمية الدراسة
ترجع أهمية هذه الدراسة في تسليط الضوء على موضوع مستحدث ألا وهو مدى تأثير جائحة كورونا على الأداء التعاقدي لأطراف عقد الايجار، المؤجر والمستأجر ومحاولة ضبط التوازن العقدي بينهما ودراسة موقف المشرع الأردني في صياغة النصوص القانونية محل هذه الدراسة وتقييم كفايتها .
مشكلة الدراسة
استجابةً لآثار الجائحة، أقرت الحكومة تدابير جديدة فرضت فيها على المؤجرين منح بعض الامتيازات للمستأجرين خلقت اشكالية ما اذا كانت هذه الامتيازات تعديلاً على العقد أم أن اتفاق الطرفين في العقد على الالتزام بأية تغييرات مستقبلية ينفي أن الجائحة تعكس تغييراً يتعدل معه العقد .
كما وتثير غيرها من الاشكاليات، مثل:
1. ما نوع التأثير الذي أحدثته جائحة كورونا على سوق الايجارات؟
2. ما هي الآثار التي خلفتها الجائحة على عقود الايجار في ظل الاغلاقات؟
3. ما هي الامتيازات التي رتبتها التدابير الحكومية ؟ وما مدى ملائمتها على أرض الواقع؟
وغيرها من الاشكاليات التي ستتناولها هذه الدراسة بإذن المولى عز وجل .
نطاق الدراسة
تنصب هذه الدراسة على أثر وباء كوفيد-19 على عقود الايجار من خلال تكييف طبيعة الجائحة قانوناً وتناول آثارها على عقود الايجار خلال فترة الاغلاق بفعل الحظر الذي فرضته الحكومة دون التطرق إلى آثارها على الالتزامات التعاقدية في غير عقود الايجار إلا بالقدر الضروري الذي قد تقتضيه هذه الدراسة.
كما وتتناول هذه الدراسة عقود الايجار المُخصصة لأغراض تجارية دون التطرق لغيرها من عقود الايجار مثل عقد الايجار السكني الا ما استوجبته الضرورة .
منهج الدراسة
اتبع في كتابة هذه الدراسة المنهج التحليلي والوصفي، من خلال تحليل الأنظمة القانونية ذات العلاقة وصولاً إلى فهم ارادة المشرع في سنها وتحليل مدى ملائمة اسقاطها على عقد الايجار في ظل الجائحة والتعمق في مدى صلاحية تدابير الحكومة عند فرضها أوامر الدفاع بهذا الصدد .
أهداف الدراسة
جاءت هذه الدراسة بجملة من الأهداف أبرزها:
1. تطوير اطار قانوني يشرح حالة عقد الايجار في ظل جائحة كورونا وضبطها .
2. توعية المستأجرين والمؤجرين بحقوقهم بعد التطورات التي داهمت عقودهم .
3. لفت نظر المشرع إلى ضرورة ايجاد قاعدة مدروسة يتكئ عليها في ضبط متغيرات عقود الايجار ي ظل جائحة كورونا .
المبحث الأول:
التحليل القانوني لجائحة كورونا : التكييف
يبدو أن الصدمة الوبائية التي ألمت الكوكب بأكمله تدفعنا للبحث عن تكييفٍ لهذا الوباء في ظل الفوضى المحيطة، فكان القانون (ولا يزال) يُطبق على نطاق واسع أثناء الجائحة وهنا تظهر المفارقة الأولى عن مدى السير الطبيعي لمجرى الأمور القانونية في ظل الجائحة لصالح حالات الاستثناء .
المطلب الأول:
القوة القاهرة: استدعاء الجائحة للتحرر من التزام مستحيل
ينص القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة 1976م على القوة القاهرة ضمن الأحكام المتعلقة باستحالة تنفيذ العقد في المادة (247) منه، حيث تم ادخال تعريف القوة القاهرة ضمناً في معرض النص بأنها حادث مُفاجئ لا يمكن تفادي آثاره باتخاذ تدابير مناسبة من المدين يطرأ على عقد ملزم للجانبين يجعل من تنفيذ الالتزام أمراً مستحيلاً يُستتبع معه انقضاء الالتزام المُقابل وانفساخ العقد اذا كانت الاستحالة مُطلقة، وسقوط الالتزام المقابل للالتزام المستحيل اذا كانت الاستحالة جزئية.
الفرع الأول: ماهية القوة القاهرة: الشروط والآثار
أولاً: شروط القوة القاهرة :
1. خارجية الحدث: حدث خارج عن سيطرة و ارادة المدين.
2. الحتمية: استحالة الدفع، وهذا المعيار تستقل به الاستحالة المطلقة دون الاستحالة النسبية.
3. استحالة التوقع: حدث استثنائي غير متوقع، لا يمكن للشخص العادي التنبؤ به زمن تحرير العقد(كحلوان،2014،ص398)، -يقول الدكتور عبدالرزاق السنهوري بخصوص شروط القوة القاهرة:” … وقد رأينا فيما قدمناه أن القوة القاهرة أو الحادث الفجائي يجب أن يكون حادثا غير ممكن التوقع ومستحيل الدفع، فعدم إمكانية التوقع واستحالة الدفع هما الشرطان الواجب توافرهما في القوة القاهرة أو الحادث الفجائي…” .
تشير الباحثة إلى أن من هذه المعايير ما يستند على مقدار العناية التي بذلها المدين بالالتزام زمن الحادث وهو أمر يستقل بتقديره قاضي الموضوع.
ثانياً: آثار القوة القاهرة على الالتزام: اعفاء المدين
1- اعفاء المدين بصورة جزئية: الاستحالة الجزئية والمؤقتة
قد لا تكون استحالة تنفيذ العقد بصورة كُلية، فقد تكون جزئية بأن تمس جزء من العقد وهذا ما وضحته المادة (247) من القانون المدني آنفة الذكر.
وعليه، ينقضي الجزء مستحيل التنفيذ من العقد فقط ويلتزم المدين في التزاماته الاخرى في العقد الا اذا رغب الدائن بفسخ العقد بعد اعلان الأمر للمدين.
2- اعفاء المدين بصورة كلية: الاستحالة المطلقة
اذا كان تنفيذ العقد بمجمله مستحيلاً، هنا ينفسخ العقد من تلقاء نفسه وينقضي معه الالتزام وينتفي فيه الضمان(عبدالله، ،2017، ص59) دون أن يتحمل المدين به تبعة عدم تنفيذه (بكر، 2015، ص577) اذا ما أثبت المدين أن عدم التنفيذ راجع إلى سبب أجنبي سنداً للمادة (261) من القانون المدني الأردني والتي تنص على ” اذا اثبت الشخص ان الضرر قد نشأ عن سبب اجنبي لا يد له فيه كآفة سماوية او حادث فجائي او قوة قاهرة او فعل الغير او فعل المتضرر كان غير ملزم بالضمان ما لم يقض القانون او الاتفاق بغير ذلك “.
الفرع الثاني : تأهل جائحة كورونا لوصفها بالقهرية
يأمل المدين في التحرر من الالتزام اذا ما تم تكييف الجائحة بأنها قوة قاهرة خارجة عن سيطرته، يمكن اختبار مدى دقة اعتبار جائحة كورونا قوةً قاهرة من خلال قياس مدى تطابق شروط القوة القاهرة سابقة الذكر على جائحة كورونا وتحديد الآثار التي ستترتب على العقد، اذاً، الأمر كله يتوقف على الآثار.
تضع الباحثة عدة معايير تُعين القاضي عند تكييفه ظروف العقد وآثاره إلى شروط وآثار القوة القاهرة:
1. لا توجد قوة قاهرة عندما تسبق الجائحة العقد: إن ظهور فيروس خطير ليس له سابقة معاصرة أدت في غضون عدة أشهر إلى حبس معظم البشرية بالتأكيد كان حدث غير متوقع، ومع ذلك، ينبغي الالتفات إلى ما يتعلق بتاريخ إبرام العقد، فلا يمكن تقبل القوة القاهرة إلا بقدر ما لم يكن حدوث الجائحة أو عواقبها متوقعاً في زمن تحرير العقد، اذاً الأمر يعتمد إلى معيار “إمكانية التوقع” بوقوع وباء واسع النطاق.
توصي الباحثة انه من المهم البدء في التفكير قبل ابرام أي عقد لتحديد الأحداث أو المواقف التي يمكن أن تؤثر على أدائه الطبيعي بفعل الجائحة.
ولما كانت استحالة التوقع وعدم امكانية الدفع وخارجية الحدث تُدرس لكل عقدٍ على حدا ويستقل قاضي الموضوع في بحث مدى توافرها ومطابقتها، اذ لا يمكن الجزم بأن ظروف كل عقد في الفترة الزمنية لوقوع الجائحة تتماثل مع الاخرى.
2. لا توجد قوة قاهرة عندما يكون الوباء معروفاً وغير قاتل: وذلك بدراسة مدى وجود لقاحات وقياس نسبة الوفيات بالنسبة لعدد الاصابات والأهم، هل كان بإمكان المدين تجنب الوباء باتخاذ تدابير مناسبة ؟ الاجابة قطعاً هي النفي، وان كانت الباحثة ترى أن من امكان المدين اتخاذ من التدابير ما يجعل من تنفيذ التزامه ممكناً اذا كانت الاغلاقات المفروضة والتدابير الحكومية لا تؤثر على التزامه المُضمن في العقد، كما أن اصابة المدين بالوباء من عدمه ذات أثر، وظروفه الصحية التي قد تفاقم من خطورة المرض حال اصابته، وبالحديث عن جائحة كورونا وان كانت عرفت في سنوات مضت إلا أن لقاحاتها حديثة النشأة.
3. تحديد المنطقة المصابة بالوباء ومدى فرض الاغلاقات: وان كانت الجائحة قد استهلت الكوكب الا أن معدل الاصابات وتقرير الاغلاقات كانت قد اختلفت من مكان لآخر .
4. مدى تأثر العقد بجائحة كورونا: هنالك العديد من الجهات لم تتأثر بجائحة كورونا واستمرت في أعمالها لعدم انعكاس الوباء على نشاطاتها بشكل مباشر، كمصنع يجد المواد الخام في نطاق البلد الذ يوجد فيه بكل يُسر، فمثل ذلك المصنع لا يستطيع التذرع بجائحة كورونا كقوة قاهرة للتحلل من التزاماته التعاقدية، فإذا اثبت ان الحصول على المواد الخام من داخل الدولة هو عمل مرهق ويهدده بخسارة طُبقت عليه نظرية الظروف الطارئة (الشعيبي ، 2020، ص58) .
تصل الباحثة بالنتيجة إلى انه لا يمكن وصف جائحة كورونا بأنها قوة قاهرة إلا اذا تطابقت آثار العقد مع ما ترتبه القوة القاهرة من آثار تجعل من تنفيذ الالتزام أمراً مستحيلاً، وكانت محكمة التمييز الأردنية قد سارت على ذلك حيث كيفت الجائحة في عِدة أحكامٍ تمييزية لها على انها قوة قاهرة منها الأحكام (1518/2022)، (1209/2022)، (5725/2022)، (3755/2022)، (2683/2022)، والحقيقة أن المتمعن في قرارات محكمة التمييز يجد بأن المحكمة لم تكيف الجائحة وفق سلطتها التقديرية انما هي طبقت القانون عندما توافرت شروط القوة القاهرة وانطبقت على الحالات المعروضة لديها .
المطلب الثاني:
الظروف الطارئة: استدعاء الجائحة لطلب تدخل المحكمة في تعديل العقد
نظم المشرع الأردني حالة الظروف الطارئة في معرض بيانه استحالة تنفيذ العقود بسبب الحوادث الاستثنائية في المادة (205) من القانون المدني، حيث تنص على :” اذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها ان تنفيذ الالتزام التعاقدي وان لم يصبح مستحيلا، صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للمحكمة تبعا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين ان ترد الالتزام المرهق الى الحد المعقول ان اقتضت العدالة ذلك . ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك”.
جعل المشرع الظرف الطارئ أحد أهم الحالات التي تجيز تدخل المحكمة في العقد وتعديل ما ورد في العقد من التزامات على خلاف الأصل العام والذي ينص أن العقد شريعة المتعاقدين(الزبيدي، 2020، ص5656).
الفرع الأول: شروط الظروف الطارئة: مدى الملائمة مع ظروف الفيروس
على الرغم من أن جميع التشريعات التي أخذت بنظرية الظروف الطارئة كانت قد قررت شروط لتطبيق تلك النظرية الا انه لم يكن هنالك اتفاق تام فيما بينها، فمنها من تبنى الشروط على نحو موسع ومنها من أخذ بالمفهوم الضيق لتلك الشروط (الكروي، 2021، ص48).
أولاً: شروط نظرية الظروف الطارئة
1. أن يكون الظرف استثنائياً: ويقصد بالظرف الاستثنائي أن يكون الحادث نادر الحصول بحسب المألوف من شؤون الحياة وخارج عما ألفه الناس ولا يندرج في عداد الحوادث المتعاقبة وفقاً للنظام المألوف (خاطر، 2018، ص28) .
2. تتفق الباحثة مع الرأي الفقهي القائل بأن الاستثنائية تتعلق بأثر الظرف وليس بالظرف نفسه، فالظرف الاستثنائي ينصرف إلى ما يحدثه الظرف الطارئ من أثر بغض النظر عن طبيعة ذلك الظرف ومنشأه.
3. أن يكون الحادث الاستثنائي غير متوقع الحدوث عند ابرام العقد: خارج عن ارادة المتعاقدين ومما لا يمكن دفعه (نعيمي ، 1969، ص126) وهذا أحد أهم أوصاف نظرية الظروف الطارئة إذ أن الفاصل الدقيق بين توقع الظرف وعدم توقعه يمثل الفاصل بين وصف الظرف بأنه طارئ أو غير طارئ (خاطر، 2018، ص32) ، ومعيار عدم التوقع في الظروف الطارئة هو معيار نسبي، أي لا يمكن القول بعدم التوقع مُطلقاً، فهي أمور نسبية تختلف من شخص إلى آخر ومن إقليم لآخر ومن مهنة إلى اخرى(خاطر، 2018، ص33) .
4. أن يحصل بعد ابرام العقد حادث استثنائي يوصف بأنه عام: يشمل طائفة من الناس، ولا يشترط أن يكون شاملاً جموع الناس بل يكفي أن يشترك المدين في جمهرة من الناس على انه ضحية من وقوع الحادث الذي كان له أثر على العقد(خاطر، 2018، ص30) إذ لا يُقبل تذرع المدين بظروفه الخاصة كمرضه أو اضطراب اعماله (الزبيدي، 2020، ص5656-5657).
5. أن يكون العقد من العقود المستمرة أو أن يكون عقداً فورياً مؤجل التنفيذ: العقود المستمرة هي العقود التي يدخل فيها الزمن كعنصر جوهري بحيث يستمر تنفيذ العقد فترة من الزمن بعكس العقود الفورية غير المؤجلة والتي يجري تنفيذها لحظة انعقادها، وينبغي أن تكون هذه العقود الخاضعة للنظرية من العقود المحددة لا العقود الاحتمالية لأن عنصر الاحتمال الكامن في تلك الأخيرة يعرض طرفي العقد لاحتمالات الربح و الخسارة مما يخرج هذه العقود من طائفة العقود التي تخضع لنظرية الظروف الطارئة(الزبيدي، 2020، ص5656) .
6. أن تجعل هذه الحوادث الاستثنائية تنفيذ الالتزام مرهق للمدين على نحو يُكبده خسائر فادحة، والمقصود هو الالتزام المرهق ليس الالتزام المستحيل، فلو كان الالتزام مستحيل لانقضى العقد بقوة القانون(الزبيدي، 2020، ص5657) فمعنى “مُرهق” يعني أن تنفيذه يُلحق بالمدين به خسارة فادحة وأمر تقدير تلك الخسارة يعود لسلطة المحكمة التقديرية في ظل غياب نص يقرر مقدار نسبة خسارة المدين إلى الالتزام.
وكانت محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية قد كيفت جائحة كورونا على أنها ظرف طارئ في أكثر من حكم لها، الأحكام رقم (6853/2021)، (6870/2021)، (6854/2021)، (6868/2021)، (6871/2021) محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية.
توصي الباحثة بإضافة فقرة إلى المادة (205) من القانون المدني الأردني يتحدد بموجبها نسبة الارهاق المعتد بها لتطبيق نظرية الظروف الطارئة، مثل أن تمثل الخسارة في حدها الأدنى ” ثلث الالتزام” أسوةً بما اتجه إلى المشرع السوداني في المادة (2/117) من قانون المعاملات المدنية رقم 1984م والتي تنص على :” لا يعتبر الالتزام مرهقاً إلا إذا زادت الخسارة على ثلث الالتزام”.
الفرع الثاني: تطبيق نظرية الظروف الطارئة على جائحة كورونا
لما كان التكييف يُستمد من ظروف كل عقد، تضع الباحثة أدناه قياساً لشروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة على جائحة كورونا:
1. تراخي التنفيذ إلى ما بعد ظهور فيروس كوفيد-19 : اذ أن من شأن ذلك إلحاق خسارة فادحة بالمدين وارهاقه وذلك اذا تم تنفيذ العقد على النحو المتفق عليه وذلك بسبب وقوع ظرف استثنائي طارئ تقتضي معه مبادئ العدالة تعديل هذا العقد واعادة التوازن اليه(بني يونس، 2021، ص239).
2. أن يكون الظرف الاستثنائي عاماً: وهو أمر ينطبق تماماً على الجائحة كونها عامة لا تقتصر على المدين فقط، وتجدر الاشارة إلى انه لا ينظر إلى ثراء المدين وامكانياته المادية من عدمها في تحديد مدى ارهاق الالتزام .
3. عدم إمكانية توقع الحادث الاستثنائي: جائحة كورونا كان أمراً غير متوقع الحدوث، وهنا تظهر أهمية العامل الزمني في وقت ابرام العقد، حيث يتوجب على القاضي فحص الفترة ما بين انتشار الوباء والتنبؤ بوصوله في ظل الأشهر الأولى لبدء الجائحة واحتمالية تأهله لوباء عالمي.
4. أن يجعل الحادث الاستثنائي من تنفيذ العقد مُرهقاً، ليس مجرد انخفاض في الأرباح أو خسائر عادية بفعل الجائحة، أي لا يتجاوز الحد الأدنى من الأرباح أو الحد الأدنى من الايرادات الخاصة بالمدين(خاطر، 2018، ص38).
وبتوافر تلك الشروط بهذه الأوصاف يمكن للقاضي إعمال نظرية الظروف الطارئة بفعل جائحة كورونا على العقد بناءً على طلب للمدين.
تستنتج الباحثة أن جائحة كورونا تجعل من تنفيذ بعض العقود مُستحيلاً بينما كان أثرها في عقودٍ اخرى; جعل التنفيذ مرهقاً على المدين .
يمكن وصف جائحة كورونا بأنها ظرف طارئ في العقود الفورية مؤجلة التنفيذ لفترة طويلة والعقود المستمرة متراخية التنفيذ التي أصبح تنفيذها وهذه الجائحة مُرهقاً للمدين ويسبب له خسارة فادحة، وعليه، فإن للقاضي وبعد موازنة مصلحة الطرفين أن يرُد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، بأن يضيق مداه أو يزيد مقابله(بني يونس، 2021، ص240) ، وتجدر الاشارة إلى أنه لا يجوز الاتفاق على خلاف هذه النظرية لأنه من مقتضيات العدالة، فيقع باطلاً أي شرط أو اتفاق بين الدائن والمدين على استبعادها اذ يحدث وأن يدرج الدائن مثل ذلك الشرط ليحتاط من تطبيق هذه النظرية فيبطل الشرط ويظل العقد صحيحاً.
ومما لا شك فيه بأن زوال الظرف الطارئ یستدعي عودة الالتزامات إلى ما كانت عليه قبل تدخل المحكمة بإجراء التعديل(الزبيدي، 2020، ص5658).
تستنتج الباحثة أن جائحة كورونا ظرف طارئ يؤثر على بعض العقود جاعلةً أمر تنفيذها مُرهقاً على نحو يستدعي تدخل المحكمة لإعادة توازن العقد وانصاف المدين وفق مقتضيات العدالة، الا أن الجائحة قد تجعل من تنفيذ العقد مستحيلاً وبالتالي يخرج تكييفها من نطاق الظرف الطارئ، وبالتالي تكييف الجائحة كقوة قاھرة أو ظرف استثنائي يُقاس بالآثار(الزبيدي، 2020، ص5658)، أي بمقدار ما تخلفه من أثر على قدرة المدین على تنفیذ التزاماته فقد تجعل التزامه مستحيلاً وقد تجعل التزامه مُرهقاً.
ترى الباحثة أن الظروف الطارئة ليست كافية لجعل تنفيذ العقد مستحيلًا ، لأنه من الناحية الفنية، إن تنفيذ العقد يكون ممكناً دائماً. ومع ذلك، يمكن أن يُبرر هذا الظرف الطارئ في بعض الأحيان في تدخل المحكمة وتعديل العقد، كما وأن حجة القوة القاهرة هي وسيلة لإعفاء المدين من التزاماته التعاقدية عندما يصبح تنفيذها مستحيلاً، إلا انه وفي بعض الحالات قد يكون طرفي العقد قد خططوا – في المراحل الأولى من العقد – للتعديلات والآليات التصحيحية التي يمكن تنفيذها في سياق تأثر العقد بالجائحة وبالتالي لا يستقيم تطبيق القوة القاهرة على العقد.
المبحث الثاني :
أثر جائحة كورونا على الأداء التعاقدي لعقود الايجار
يعتبر عقد الايجار من العقود الملزمة للجانبين والتي يشترط لتنفيذها التزام طرفي العقد بالقيام بالالتزامات المنصوص عليها في العقد عند ابرامه، اذ يعتبر كل طرف دائناً ومديناً في الوقت ذاته اذ أن المؤجر مدين بتسليم العين المؤجرة للمستأجر للانتفاع بها والقيام بالصيانة اللازمة للعقار حسب الاتفاق ودائن في الحصول على الأجرة، في حين أن المستأجر مدين بدفع الأجرة المتفق عليها للمؤجر ودائن في تمكينه من الحصول على العين المؤجرة حسب ما اتفق عليه الطرفان في العقد.
هذه الالتزامات تقع على طرفي العقد متى كان العقد نافذاً بين أطرافه، إلا ان ظروف طارئة قد تطرأ على عقد الايجار تجعل تنفيذ العقد مُرهقاً للغاية على المدين، أو تحصل قوة قاهرة تجعل من تنفيذ عقد الايجار مستحيلاً (العدوي، 2022، ص69-70) .
المطلب الأول:
قواعد الايجار فترة الاغلاق: الاغلاق المؤقت والنهائي
في الـ20 من آذار عام 2020م، أصدرت الحكومة الأردنية أمر الدفاع رقم (2) لسنة 2020م والصادر بمقتضى أحكام قانون الدفاع رقم (13) لسنة 1992م والذي فرض إغلاق جميع القطاعات، باستثناء الخدمات التي تعتبر ضرورية، وذلك من أجل الحد من انتشار وباء كوفيد-19.
وفي ظل تطبيق ذلك، لم يتمكن العديد من المستأجرين من الوصول إلى مساحاتهم الإيجارية لفترة غير محددة ونقصد على وجه الخصوص المحلات التجارية، إذ لا تثير معظم عقود الايجار السكني أية شاكلة.
إذاً، لم يعد المؤجر يوفر الوصول إلى المباني المؤجرة للمستأجر عند ابرام العقد وقبل بدء المنفعة، فيمكن للمستأجر رفض أداء التزامه بدوره وبالتالي رفض دفع الإيجار المشار إليه في عقد الإيجار سنداً للمادة (1/667) من القانون المدني الأردني والتي تنص على :” اذا لم يبين في العقد ميعاد دفع الاجرة استحقت الاجرة المحددة للمنفعة بصورة مطلقة بعد استيفاء المنفعة او بعد تحقق القدرة على استيفائها” .
الفرع الأول: أثر الجائحة على عقود الايجار السارية: الإغلاق النهائي والمؤقت
يتطلب دراسة أثر الجائحة على عقود الايجار السارية وضع فرضيتين أساسيتين، الأولى، اذا كانت أوامر الدفاع الصادرة من الحكومة الأردنية تقتضي بإغلاق المحلات التجارية بشكل كامل ونهائي، والفرضية الثانية اذا ما كانت أوامر الدفاع تقضي بإغلاق مؤقت للمحلات التجارية.
أولاً: اغلاق المحلات التجارية بصورة نهائية وكاملة : مع هذا الفرض، ينفسخ العقد من تلقاء نفسه، ذلك أن الاغلاق والصورة هذه يُكيف من قُبيل القوة القاهرة التي اجتاحت تنفيذ العقد وجعلت أمر تنفيذه مُستحيلاً على المستأجر فتُبيح له فسخ العقد مع انتفاء الضمان .
ثانياً: اغلاق المحلات التجارية بصورة مؤقتة: يُعطي هذا الفرض المستأجر الحق في فسخ العقد وذلك لوجود استحالة جزئية تمنع تنفيذ العقد بدفع أجرة العقار لعدم وجود دخل أو عائد مادي للمستأجر، وهذه صورة من صور تأثر عقد الايجار بالقوة القاهرة وهي الاستحالة الجزئية وفي حال رغب طرفي العقد بالاستمرار فيه، يمكن أن يتعاون المستأجر مع المؤجر إلى رد الإرهاق الحاصل إلى حدٍ معقول(العدوي، 2022، ص71).
يُطلب من المستأجر تسليم العقار المأجور إلى المؤجر بالحالة التي استلمها فيه مقابل توفير استمتاعه السلمي بالمأجور خلال مدة الإيجار بالكامل، في المقابل، على المستأجر خلال مدة الإيجار، دفع الأجرة المتفق عليها في العقد من ناحية أخرى، ترى الباحثة أنه من الأفضل عندما تسمح السيولة للمستأجر – في حالة أزمة كورونا- ومن أجل الحفاظ على علاقة تعاقدية جيدة مع المؤجر، أن يقوم بدفع الإيجار.
المطلب الثاني:
وقف عقود الايجار بفعل الجائحة
تنص المادة (11) من قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992م على : ” اذا تعذر تنفيذ اي عقد او التزام بسبب مراعاة احكام هذا القانون او اي امر او تكليف او تعليمات صادرة بمقتضاه او بسبب الامتثال لهذه الاحكام فلا يعتبر الشخص المرتبط بهذا العقد مخالفاً لشروطه بل يعتبر العقد موقوفاً الى المدى الذي يكون فيه تنفيذ العقد متعذراً ويعتبر ذلك دفاعاً في اي دعوى اقيمت او تقام على ذلك الشخص او اي اجراءات تتخذ ضده من جراء عدم تنفيذه للعقد او الالتزام ” .
تتحدث هذه المادة عن تعذر تنفيذ العقود والالتزامات بسبب هذا القانون، وبذلك، نجد أن المشرع الأردني سبَّبَ عدم تنفيذ العقد بسبب الاجراءات المتخذة بموجب قانون الدفاع، أي أن حقيقة تعذر تنفيذ العقد كان بفعل أوامر الدفاع وليس بتأثير جائحة كورونا وتكييفها كظرف طارئ أو قوة قاهرة، حيث تعطي هذه المادة المُدعى عليه أملاً في مواجهة أي ادعاء ضده ويعفيه من مسألة اثبات حقيقة وقوع الجائحة كظرف طارئ أو قوة قاهرة، اذ من المتصور أن يمر الظرف المتعلق بجائحة كورونا دون تفشي الفيروس على نحوٍ يُعيق تنفيذ العقد(الزبيدي، 2020، ص5660).
اذاً، الأمر لا يرتكز في البحث في حقيقة تفشي الفيروس بقدر تحليل المقصود بـ الوقف الوارد في نص المادة (11) من قانون الدفاع .
الفرع الأول : خصوصية مفهوم الوقف في نص المادة (11) من قانون الدفاع
يُلاحظ أن المشرع في المادة (11) قد ربط الوقف بتنفيذ العقد بدلالة ما جاء في النص ” .. اذا تعذر تنفيذ العقد ..”، وبذلك يُستنتج أن المشرع لم يقصد الوقف الوارد في المادة (أ/171) من القانون المدني والتي تنص على :”العقد الموقوف: يكون التصرف موقوف النفاذ على الاجازة اذا صدر من فضولي في مال غيره او من مالك في مال له تعلق به حق الغير او من ناقص الاهلية في ماله وكان تصرفا دائرا بين النفع والضرر او من مكره او اذا نص القانون على ذلك” حيث يتعلق مفهوم الوقف هنا بالعقد الموقوف الذي يحتاج إجازة تلحق به تجعله نافذاً ، اذ أن الوقف في المادة (11) وارد على عقد صحيح، بالتالي هو مجرد رخصة تُقرر لصالح أحد الأطراف المتعاقدة لاستخدامه كدفع في الدعوى التي تُقام ضده، مع الاشارة إلى أن المادة (11) لا تُعدل من مراتب انعقاد العقد ففساد العقد وبطلانه يبقى كما هو(الزبيدي، 2020، ص5660).
ولما كان الوقف المُشار اليه في المادة أعلاه مُنحصراً في تنفیذ العقد، فلا یمكن طلب فسخه، إذ أن فسخ العقد يتطلب وجود احدى الحالات التي تبرر الفسخ، و بذلك، حسم المشرع أمره اتجاه العقود الصحيحة النافذة المستمرة زمنیاً بإخضاعها للوقف القانوني وليس انقضاء الالتزام أو الفسخ وینسجم هذا مع الأصل العام في العقود حيث تكون لازمة يتوجب احترامها وتنفيذ ما فيها من شروط وأحكام طالما كان ذلك مُمكناً ومتوافقاً أحكام القانون، و لا یستقل أحد المتعاقدين بفسخ العقد أو تعديله بدون رضا المتعاقد الآخر، وهذا تجسيد للمبدأ العام في العقود من حیث لزوم تنفيذها بحسن نية(الزبيدي، 2020، ص5660-5661) .
الفرع الثاني: محددات العمل بالوقف القانوني الوارد في نص المادة (11) من قانون الدفاع
وفق ما تمت الاشارة اليه أعلاه، يقتصر العمل بالوقف الوارد في المادة (11) من قانون الدفاع وفق المحددات التالية(الزبيدي، 2020، ص5660):
1. أن يرجع تعذر تنفيذ العقد إلى قانون الدفاع، أي أن العقد أو الالتزام توقف بفعل تطبيق القانون أما العقود التي استمر تنفيذها والعمل فيها رغم تطبيق قانون الدفاع; فلا يسري الوقف بشأنها كعقود الاتصالات و المياه والكهرباء.
2. أن لا يُخرِج قانون الدفاع والأوامر الصادرة بموجبه العقد من نطاق تطبيق القانون عليه، كما هو الحال في عقود توريد المستلزمات الطبية ، ذلك أن الأزمة التي أوجبت إعمال قانون الدفاع تتعلق بظرف صحي طارئ غیر مسبوق يستلزم الاستعداد لمواجهته، لذلك كان من الضروري أن لا يطال الوقف أية عقود تدعم الاستعدادات الطبیة لمواجهة الجائحة كعقود استيراد الكمامات ومواد التعقيم.
3. أن یكون الالتزام موضوع العقد قابلاً للوقف، ذلك أن بعض العقود كعقد الايجار السكني لم يوقفه قانون الدفاع ولم یحل دون استفادة المستأجر من المنفعة بل إن أوامر الدفاع التي فرضت حظر التجول زادت من أهمية السكن .
وعليه، يسري الوقف القانوني على العقود التي لائمت طبيعتها حكم المادة (11) من قانون الدفاع مثل عقد الايجار التجاري، أما العقود الأخرى التي تأثرت بجائحة كورونا فيجب أن یعود أطرافها إلى أحكام القواعد العامة في القانون المدني الناظمة لنظرية الظروف الطارئة والقوة القاهرة في تكييف الجائحة مع إلقاء عبء إثبات استحالة التنفيذ أو ارهاق الالتزام على المدين به(الزبيدي، 2020، ص5661).
كان المشرع الأردني قد تناول تطبيقات للوقف في قانون المالكين والمستأجرين رقم 11 لسنة 1994م في معالجتها لعقود الإيجار التي يتم وقفها بسبب أعمال الهدم والترميم والهدم في المادة التاسعة منه، حیث یتم إيقاف تنفيذ العقد إلى حين إعادة البناء مع منح المستأجر خيار التعويض أو العودة إلى المأجور بعد إعادة التعمير حیث تنتهي حالة الوقف عندما یختار المستأجر العودة إلى المأجور وذلك عند اكتمال عملية التعمير(الزبيدي، 2020، ص5661).
المطلب الثالث:
المساعي الحكومية الاقليمية والعالمية لضمان سلامة الأداء التعاقدي لعقود الايجار في ظل أزمة كورونا
في ظل التدابير التي فرضتها دول العالم في مساعيها لمواجهة تفشي الوباء، كانت هنالك انعكاسات مست العلاقة التعاقدية في عقود الايجار، وفي محاولةٍ لإعادة التوازن العقدي لعقد الايجار .
الفرع الأول: الولايات المتحدة الأمريكية:
أصدر عمدة لوس أنجلوس مرسوماً مؤقتاً لعمليات الإخلاء بسبب تخلف المستأجرين عن دفع الأجرة في أعقاب الظروف المتعلقة بجائحة كورونا يهدف إلى حماية المستأجرين والمؤجرين.
أولاً: حماية المستأجرين: عدم اخلاء المستأجر للعقار لتخلفه عن دفع الايجار المُستحق وذلك بالاستناد إلى:
1. خسارة المستأجر لدخله أو فقدانه بسبب إغلاق مكان عمله أو تقليل ساعات عمله بسبب جائحة كورونا .
2. زيادة نفقات رعاية الأطفال المتعلقة بإغلاق المدارس بفعل الجائحة .
3. النفقات المتعلقة بالتأمين الطبي الناتجة عن إصابة المستأجر أو أحد الأشخاص القانطين معه في ذات المنزل .
4. النفقات المعقولة التي يتكبدها المستأجر بعد إعلان الحكومة اعتماد تدابير الطوارئ(Ado. Jean, 2020) .
5. لا يُسمح لأي مؤجر بطرد المستأجر على سبيل المثال ، في حالة إجبار المستأجر الذي كان على اطلاع بدفع الإيجار على مغادرة العقار إذا تم بيعه وكان المؤجر الجديد ضد فكرة استمرار عقد الإيجار، بسبب الوقف المؤقت، لا يمكن إخلاء المستأجر في مثل هذه الحالة.
6- لا يجوز لأي مؤجر إخلاء المستأجر من العقار في حالة التواجد غير المصرح به للأشخاص أو الحيوانات الأليفة أو التلوث الضوضائي بسبب جائحة كورونا .
7- لا يجوز لأي مؤجر تطبيق فائدة أو رسوم دفع متأخر على الإيجار المتأخر أو غير المدفوع بسبب جائحة كورونا .
ثانياً: حماية حقوق المؤجرين:
1. يُطلب من المستأجرين تسديد الإيجار غير المدفوع بسبب الظروف المتعلقة بجائحة كورونا، واذا قاموا بذلك سوف يستفيدون من فترة تصل إلى 12 شهرًا لتسوية ما لم يتم دفعه .
2. يتم تشجيع المستأجرين على إبلاغ المؤجرين في غضون فترة زمنية معقولة – تُقدر بـ 7 أيام على الأقل قبل تاريخ استحقاق الأجرة- بعدم قدرتهم على دفع الإيجار.
3. يمكن للمؤجرين الذين سيتعرضون للضرر في حالة عدم دفع الإيجار الاشتراك في ائتمان مطالبة يتعلق بالضرر الاقتصادي لفيروس كورونا لدى إدارة الشركات الصغيرة.
الفرع الثاني: الامارات العربية المتحدة :
صدر عن مركز فض المنازعات الإيجارية في الإمارات -الجهة القضائية التابعة لدائرة الأراضي والأملاك في دبي- بعض النماذج لأحكام قضائية، فقد قضى في حكم له بفسخ عقد إيجار سكني بقيمة إجمالية بلغت 75.66 مليون درهم، مع الحكم بإعادة الشيكات نظراً لتأثر العلاقة الاقتصادية في العقد المبرم بين المؤجر والمستأجر بانتشار وباء كورونا، حيث نص الحكم رقم (02/04865/2020) الصادر في القضية على فسخ عقد الإيجار سند الدعوى اعتباراً من تاريخ تسليم المدعية للمأجور للمدعى عليها خال من الشواغل والأشخاص، مع إلزام المدعى عليها برد الأجرة التي استلمتها للمدعية (نقداً أو شيك) عن الفترة التالية لتاريخ تسليم المأجور، ويستند سبب الدعوى للعقد المبرم ما بين الطرفين -المؤجر والمستأجر- للفترة التي تمتد من الأول من أبريل 2018م حتى الـ30 من يونيو 2024م على إلزام المدعى عليها بفسخ العلاقة الإيجارية قبل انتهاء المدة، بسبب انتشار وباء كورونا، حيث قررت دولة الإمارات تعليق السفر، الأمر الذي أدى إلى منع السياحة مما أثر على الوضع الاقتصادي للمدعية ولم يبق أمامها إلا خيار إنهاء العقد( حسين، 2021، ص69).
الفرع الثالث: كندا: تم إصدار مبادرات مساعدة في إطار خطة الاستجابة الاقتصادية للحكومة الكندية لجائحة كورونا بما في ذلك تدابير الدعم للكنديين، وخاصةً ما يتعلق بدفع الايجارات،. كما تم اتخاذ تدابير على مستوى المقاطعات، فمثلاً في مقاطعة كولومبيا البريطانية اتخذت السلطات الإجراءات التالية على المدى القصير:
1. منح دُفعة إيجار مؤقتة للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط ، تصل إلى 500 دولار كندي / شهريًا ، تُدفع مباشرة إلى حساب المؤجر .
2. حظر الإخلاء في حالات استثنائية: توقيف مؤقت لجميع عمليات الإخلاء التي يؤمر بها المستأجرين السكنيين، مع مراعاة حالات استثنائية .
3. منع وصول المؤجرين إلى العقارات المؤجرة دون موافقة المستأجرين ، إلا في بعض الحالات الاستثنائية(Ado. Jean, 2020).
باستعراض الاجراءات الحكومية اعلاه، نجد أن هذه الاجراءات ليست أُحادية الجانب، تستهدف حماية المستأجر وحده على حساب المؤجر إنما سعت لإنصاف الطرفين وفق المستطاع في ظل الجائحة واضافة بعض التوازن للعلاقة بين المؤجر من جهة والمستأجر من جهة اخرى .
الفرع الرابع: نيوزيلندا : أعلن وزير المالية النيوزيلندي عن تجميد أي زيادة في مبلغ الإيجار وفرض الحماية من إلغاء عقد الإيجار من جانب واحد لمدة ستة أشهر بموجب القانون المعدل، ومن أبرز التعديلات الهامة التي أدخلها القانون:
1. لا يسمح بزيادة الإيجار ما لم يتم إخطار المستأجر بذلك، ودخل هذا التعديل حيز التنفيذ قبل 26 من شهر مارس من العام 2020م .
2. لن يتم إنهاء أي عقد إيجار خلال فترة الغلق ما لم يكن هناك اتفاق ثنائي بين الطرفين بهذا الشأن .
3. يجوز لأي مستأجر التراجع عن قراره بإنهاء عقد الإيجار حتى لو قام بالفعل بإخطار المؤجر برغبته في إنهاء عقد الإيجار. وهذا يقتصر على إذا ما كان البقاء في العقار ضروري للمستأجر بسبب وخلال فترة الغلق .
4. لا يلُزم المستأجر حالة ثبوت اصابته بفيروس كورونا بإخطار المؤجر عن ذلك.
الخاتمة
تناولت هذه الدراسة موضوع أثر جائحة كورونا على عقود الايجار السكنية على نحو تحليلي ابتدئ ببيان طبيعة جائحة كورونا على العقود، قوة قاهرة أم ظرف طارئة، وكيف خلُص الأمر الى ترك التكييف للقاضي في ضوء ظروف كل عقد ومدى مطابقته لشرو القوة القاهرة أو الظرف الطارئ، ثم بينا صدى الاجراءات القانونية التي اقرتها الحكومة الأردنية على العلاقة التعاقدية في العقود الايجار التي قررتها في محاولاتها السيطرة على تفشي الوباء، وبالنتيجة خلُصت هذه الدراسة إلى جُملة من النتائج و خرجت ببعض التوصيات .
النتائج والتوصيات
1. تكييف الجائحة بأنها قوة قاهرة يستلزم تطابق آثار العقد مع ما ترتبه القوة القاهرة من آثار من استحالة تنفيذ العقد وما يتطابق من شروط من استحالة الدفع وعدم امكانية التوقع .
2. لم يكن اصدار الحكومة الأردنية لأوامر الدفاع في محاولاتها لضبط آثار الوباء، مستنداً إلى قاعدة مدروسة مؤكدةً بذلك عدم جاهزية القانون لمواجهة مثل هذه الآفات بالنظر إلى العواقب التي خلفها تطبيقها.
3. يمكن وصف جائحة كورونا بأنها ظرف طارئ في العقود الفورية مؤجلة التنفيذ لفترة طويلة والعقود المستمرة متراخية التنفيذ التي أصبح تنفيذها وهذه الجائحة مُرهقاً للمدين ويسبب له خسارة فادحة، وعليه، فإن للقاضي وبعد موازنة مصلحة الطرفين أن يرُد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، بأن يضيق مداه أو يزيد مقابله .
4. لا يمكن وصف جائحة كورونا بأنها قوة قاهرة إلا اذا تطابقت آثار العقد مع ما ترتبه القوة القاهرة من آثار تجعل من تنفيذ الالتزام أمراً مستحيلاً .
5. يُقاس تكييف جائحة كورونا بالآثار، أي بمقدار ما تخلفه من أثر على قدرة المدین على تنفیذ التزاماته فتجعل التزامه مستحيلاً فتكون الجائحة والحال هذه قوةً قاهرة، وقد تجعل التزامه مُرهقاً فتكون الجائحة وهذا الفرض ظرفاً طارئاً .
6. الظروف الطارئة ليست كافية لجعل تنفيذ العقد مستحيلًا ، لأنه من الناحية الفنية، إن تنفيذ العقد يكون ممكناً دائماً. ومع ذلك، يمكن أن يُبرر هذا الظرف الطارئ في بعض الأحيان في تدخل المحكمة وتعديل العقد، كما وأن حجة القوة القاهرة هي وسيلة لإعفاء المدين من التزاماته التعاقدية عندما يصبح تنفيذها مستحيلاً، إلا انه وفي بعض الحالات قد يكون طرفي العقد قد خططوا – في المراحل الأولى من العقد – للتعديلات والآليات التصحيحية التي يمكن تنفيذها في سياق تأثر العقد بالجائحة وبالتالي لا يستقيم تطبيق القوة القاهرة على العقد .
7. سبَّب المشرع الأردني في المادة (11) من قانون الدفاع عدم تنفيذ العقد بسبب الاجراءات المتخذة بموجب قانون الدفاع، أي أن حقيقة تعذر تنفيذ العقد كان بفعل أوامر الدفاع وليس بتأثير جائحة كورونا وتكييفها كظرف طارئ أو قوة قاهرة .
8. حسم المشرع أمره اتجاه العقود الصحيحة النافذة المستمرة زمنیاً بإخضاعها للوقف القانوني وليس انقضاء الالتزام أو الفسخ وینسجم ھذا مع الأصل العام في العقود حيث تكون لازمة يتوجب احترامها وتنفيذ ما فيها من شروط وأحكام طالما كان ذلك مُمكناً ومتوافقاً أحكام القانون، و لا یستقل أحد المتعاقدين بفسخ العقد أو تعديله بدون رضا المتعاقد الآخر، وهذا تجسيد للمبدأ العام في العقود من حیث لزوم تنفيذها بحسن نية .
9. يسري الوقف القانوني على العقود التي لائمت طبيعتها حكم المادة (11) من قانون الدفاع مثل عقد الايجار التجاري، أما العقود الأخرى التي تأثرت بجائحة كورونا فيجب أن یعود أطرافھا إلى أحكام القواعد العامة في القانون المدني الناظمة لنظرية الظروف الطارئة والقوة القاهرة في تكييف الجائحة مع إلقاء عبء إثبات استحالة التنفيذ أو ارهاق الالتزام على المدين به .
التوصيات
1. نتمنى من المشرع الأردني إضافة فقرة إلى المادة (205) من القانون المدني الأردني يتحدد فيها نسبة الارهاق المعتد بها لتطبيق نظرية الظروف الطارئة، مثل أن تمثل الخسارة في حدها الأدنى ” ثلث الالتزام” أسوةً بما اتجه إلى المشرع السوداني في المادة (2/117) من قانون المعاملات المدنية السوداني .
2. نوصي الأشخاص الراغبين بإبرام عقود ايجار بأهمية التفكير قبل ابرام أي عقد لتحديد الأحداث أو المواقف التي يمكن أن تؤثر على أدائه الطبيعي بفعل الجائحة .
3. لا بد من حشد الجهود لتهيئة قانون الدفاع في مواجهة آفة كورونا، واصدار أمر دفاع يتعلق بعقود الايجار .
قائمة المصادر والمراجع
المراجع باللغة العربية
بكر، د. عصمت عبدالمجيد،(2015). نظرية العقد في القوانين المدنية العربية (دراسة مقارنة).دار الكتب العلمية.
بني يونس، جميل محمد حسين،(2021). كوفيد -19 ونظرية الظروف الطارئة، بحث منشور. المجلة الحقوقية-جمعية المرصد لحقوق الانسان. (1).
تيزا، أ.د. نوارة حسين. (2021). أزمة حقوق المتعاقدين في ظل جائحة كوفيد 19 : عقد الإيجار التجاري أنموذجاً. بحث منشور. أزمة حقوق الانسان في ظل جائحة كوفيد-19. المؤتمر الدولي: مركز جبل لليحث العلمي.
خاطر، طلعت يوسف،(2018). الظروف الطارئة في قانون المرافعات: دراسة تأصيلية مقارنة، بحث منشور. مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية. 1(3). كلية الحقوق-جامعة مدينة السادات .
الزبيدي، د. عبدالله والعبادي، وحمدان صالح،(2020). الموقف القانوني والقضائي من الإشكاليات الإيجارية الناجمة عن جائحة كورونا. بحث منشور. مجلة كلية الشريعة والقانون بتفهنا الأشراف.22(6) .
الشعيبي، د. فؤاد قاسم،(2020). جائحة كورونا كحدث استثنائي أو قوة قاهرة وفقاً للتطبيقات القضائية الامارتية الحديثة. بحث منشور. ادارة البحوث و الدراسات-وزارة العدل. 19(11) .
عبدالله، جلال خضر،(2017). النظام القانوني للمسؤولية العقدية للطبيب الجراح اتجاه المريض.دار المعتز للنشر والتوزيع.
العدوي، خميس والنعمانية، شمسية،(2022). عُمان.. في زمن كورونا (قراءة في الجائحة وآثارها على مرافق الحياة).الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء.
كحلوان، د. علي،(2014). النظرية العامة للالتزامات. مجمع الأطرش للكتاب المختص.
الكروي، مصعب زياد،(2021). نظرية الظروف الطارئة وأثرها على العقد الاداري (دراسة مقارنة ما بين القانون الأردني والعراقي والمصري). رسالة ماجستير. كلية الحقوق-جامعة الشرق الأوسط.
نعيمي، د .فاضل شاكر،(1969). نظرية الظروف الطارئة بين الشريعة والقانون. دار الجاحظ.
المراجع باللغة الأجنبية
Ado, Jean philippe and Les Marchés Du Residentiel Locatif En Afrique Et Covid-19(2020) : Quel Impact De La Pandemie Sur Ces Marchés Et Quelles Mesures En Vue De La Garantie De Sa Resilience Temporaire. legal article ,Center for Affordable Housing Finance in Africa.