أحقية الإدارة في فحص محاسبة الخاضعين للضريبة لا فحص دون إشعار مرفوق بميثاق الخاضع للضريبة تحت طائلة بطلان مسطرة التصحيح لا اختتام للفحص إلا بعد توجيه إشعار من أجل إجراء محاورة شفوية وتواجهية فساد المسطرة لا يعني حتما فساد الفرض الضريبي – المختارالسريدي
أحقية الإدارة في فحص محاسبة الخاضعين للضريبة
لا فحص دون إشعار مرفوق بميثاق الخاضع للضريبة تحت طائلة بطلان مسطرة التصحيح
لا اختتام للفحص إلا بعد توجيه إشعار من أجل إجراء محاورة شفوية وتواجهية
فساد المسطرة لا يعني حتما فساد الفرض الضريبي
بقلم : المختارالسريدي
باحث في المنازعات الضريبية
إذا كان مفتش الضرائب المحقق يتمتع بسلطة تقديرية كاملة تؤهله و تحت إشراف و تتبع رؤسائه لمراقبة الإقرارات و البيانات الختامية والوضعيات الجبائية للخاضعين للضريبة ، و رغم أن سلطته تلك مستمدة مـــن القانون وترتكز على الدوريات والمذكرات وتستنذ إلى التوجيهات والتعليمات ، إلا أنها ليست سلطة مطلقة كما يبدو للبعض أو كما يتشدق بذلك البعض ، بل لها حدود تقف عندها أو تحد منها أو تضعها على السكة الصحيحة ، و حتى الإدارة التابع لها المفتش المحقق ليست حرة في اختيار التحقيق الجبائي مع من تشاء أو التساهل في ذلك مع من تشاء أو تضريب من تشاء على اعتبار أن جميع الإجراءات والمساطر المتعلقة بالمراقبة والتحقيق والفحص تخضع لمبدإ النصية حيث لا ضريبة ولا فحص ضريبي إلا بنص ، وإلا كنا أمام جريمة قائمة الأركان إسمها “جريمـة الغدر” كما هي منصوص عليها في المادة الأولى من كل قانون مالي والمعاقب عليها في الفصلين 243 و 244 من القانون الجنائي ، حتى أن بعض ممن يشتكون ظلم الإدارة وتعسف مُحققيها غالبا ما يكونون من المتهربين والمتملصين الذين لا ضمير لهم و لا هَمَّ لهم إلا البحث عن شتى الطرق والأساليب والكيفيات من أجل التواري عن تأدية الواجب الضريبي والتخلف عن المساهمة في الأعباء العامة ، ذلك أنه لاحقوق بدون واجبات ولا واجبات بدون حقوق فكلاهما صنوان لا يفترقان و يسيران في خطين مستقيمين ومتوازيين لا يلتقيين.
و من تم فإنه إذا قرَّرت إدارة الضرائب أو كان هناك ما يستدعي القيام بفحص محاسبة Vérification de la comptabilité تتعلق بضريبة من الضرائب أو رسم من الرسوم المتعلقين بأي شخص سواء كان ذاتيا أو معنويا، وجب على مفتش الضرائب المحقق تبليغ إشعار بالفحصavis de vérification بذلك إلى الخاضع للضريبة وفقا للإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 من المدونة العامة للضرائب ، قبل التاريخ المحدد للشروع في عملية الفحص بخمسة عشر (15) يوما على الأقل ، وتكون مسطرة التصحيح لاغية في حالة عدم تبليغ هذا الإشعار داخل الأجل المذكور، وذلك طبقا لمقتضيات الفقرة الثامنة من المادة 220 والفقرة الرابعة من المادة 221 من نفس المدونة المتعلقتين تباعا بالمسطرة العادية و المسطرة السريعة لتصحيح الضرائب .
ويجب الشروع في عملية فحص المحاسبة خلال أجل لايتعدى خمسة أيام (5) أيام عمل ابتداء من التاريخ الذي تم تحديده لبداية عملية المراقبة .
ويجب أن يكون الإشعار بالفحص المذكور – تحت طائلة إلغاء مسطرة التصحيح – مرفقا بميثاق يسمى ” ميثاق الخاضع للضريبية La charte du contribuable ” وهو على شكل مطوية مطبوعة و مُحيَّنة باللغتين العربية و الفرنسية تعدها المديرية العامة للضرائب سنويا الهدف منها تذكير الخاضع للضريبة بكافة المقتضيات القانونية المتعلقة بفحص المحاسبة وإحاطته علما بالإضافة إلى المبادئ الأساسية بكافة الحقوق و الواجبات التي يكفلها له القانون و هي التالية :
-
حقوق وواجبات في بداية عملية الفحص .
-
حقوق وواجبات أثناء عملية الفحص .
-
حقوق وواجبات عند نهاية عملية الفحص .
-
حقوق وواجبات في حالة المسطرة العادية للتصحيح .
-
حقوق وواجبات في حالة المسطرة السريعة للتصحيح .
-
حقوق وواجبات في حالة سلوك المسطرة القضائية بعد التصحيح .
-
حقوق وواجبات في حالة الصلح والتسوية الودية للمنازعة .
و تجدرالإشارة إلى أن عملية فحص المحاسبة يمكن أن تشمل إما جميع الضرائب والرسوم المتعلقة بالسنوات المحاسبية غير المتقادمة ، وإما ببعض الضرائب والرسوم أو ببعض بنود أو عمليات واردة في الإقرار أو ملحقاته والمتعلقة دائما بالسنوات المحاسبية غير المتقادمة .
و في جميع الأحوال يجب على المفتش المحقق أن يحدد في إشعار الفحص مدة الفحص والضرائب والرسوم أو البنود والعمليات التي سيشملها الفحص ، وعند بداية عملية الفحص يقوم بتحرير محضر يوقعه الطرفان وتسلم نسخة منه إلى الخاضع للضريبة .
و يقدم الخاضعون للضريبة المعنيون بعملية الفحص الوثائق المحاسبية المطلوبة من طرف مفتش الضرائب سواء في موطنهم الضريبي أو مقرهم الإجتماعي أو مؤسستهم الرئيسية ، ويجب على المفتش أن يتأكد في عين المكان من صحة و حقيقة البيانات المحاسبية والإقرارات المدلى بها، وإذا كانت المحاسبة ممسوكة وفق أنظمة معلوماتية moyens informatiques فإن المراقبة قد تشمل جميع المعلومات والمعطيات والمعالجات الإعلامية التي تساهم في تكوين الحاصلات المحاسبية أو الخاضعة للضريبة résultats comptables ou fiscaux و في إعداد الإقرارات الضريبية والوثائق المتعلقة بتحليل المعطيات وبرمجتها وتنفيذ المعالجات .
وكيفما كانت الأحوال فإن عملية فحص المحاسبة لا يمكن تتعدى المدتين الآتيتين :
– ثلاثة (3) أشهر بالنسبة للمنشآت التي يعادل أو يقل رقم معاملاتها المصرح به في حساب الحاصلات والتكاليف comptes de produits et charges برسم السنوات المحاسبية الخاضعة للفحص 50 مليون درهم دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة (1).
– ستة (6) أشهر بالنسبة للمنشآت التي يفوق رقم معاملاتها المصرح به حساب الحاصلات والتكاليف برسم السنوات المحاسبية الخاضعة للفحص 50 مليون درهم دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة (2).
ولا يدخل في احتساب المدتين معا كل توقف ناتج عن تطبيق المسطرة المنصوص عليها في المادة 229 من المدونة العامة للضرائب والمتعلقة بعدم تقديم الوثائق المحاسبية .
و يتعين على الإدارة قبل اختتام الفحص أن توجه إلى الخاضع للفحص إشعارا من أجل إجراء محاورة شفوية وتواجهية Échange oral et contradictoire في شأن التصحيحات التي تعتزم إدخالها على إقراره الجبائي يحدد فيه بدقة تاريخ إجراء المحاورة والتاريخ الذي سيختتم فيه الفحص ، ويحرر المفتش محضرا بذلك يوقعه الطرفان وتسلم نسخة منه إلى الخاضع للفحص ، غير أنه في حالة إبداء هذا الأخير لبعض الملاحظات خلال المحاورة الشفوية فإن الإدارة يمكن لها أن تأخد بهذه الملاحظات كلا أو بعضا إذا رأت أنها تستنذ إلى أساس صحيح ومقنع .
و رغم تعدد الإشعارات التي توجهها الإدارة إلى الخاضع للفحص ابتداء من الإشعار بالفحص إلى الإشعار بالمحاورة الشفوية والتواجهية والمحاضر التي يتم تحريرها عقب ذلك بدءا من محضر بداية عملية الفحص إلى محضر إجراء المحاورة الشفوية والتواجهية واختتام عملية الفحص ، فإن رسالة التبليغ الموجهة إلى الخاضع للضريبة تبقى هي الوثيقة الوحيدة التي يتم الإستناذ عليها في تحديد الأسس و الواجبات المزمع فرضها ، على الرغم من أن عدم تبليغ الإشعار الأول المتعلق بالفحص داخل الأجل القانوني وعدم إرفاقه بميثاق الخاضع للضريبة قد يؤدي إلى بطلان مسطرة التصحيح بقوة القانون .
و حتى يكون على علم بتقنيات وأساليب وتفاصيل عملية الفحص يجوز للخاضع للضريبة أن يستعين بمستشار أو خبير يختاره بنفسه .
لكن عند إجراء مراقبة ضريبية في عين المكان scp) contrôle fiscal sur place ) يتحتم على مفتش الضرائب القيام بما يلي :
– في حالة تصحيح الأساس الضريبي أن يقوم بإعمال وتطبيق المقتضيات المنصوص عليها في المادة 220 من المدونة العامة للضرائب المتعلقة بالمسطرة العادية لتصحيح الضرائب أو المقتضيات الواردة بالمادة 221 المتعلقة بالمسطرة السريعة لتصحيح الضرائب.
– في حالة العكس يتعين على المفتش أن يخبر الخاضع للضريبة بذلك وفقا للإجراءات الواردة بالمادة 219 من المدونة العامة للضرائب
ويجوز للمفتش أن يقوم بفحص جديد للمحاسبة التي سبق فحصها ، دون أن يترتب عن الفحص الجديد – ولوتعلق الأمر بضرائب ورسوم أخرى – تغيير الأساس الضريبي الذي وقع إقراره خلال المراقبة الأولى .
كما يجوز للمفتش عندما يتعلق الفحص ببنود أو عمليات معينة تخص بعض أو كل الضرائب والرسوم المتعلقة بفترة محددة ، أن يقوم لاحقا بمراقبة المحاسبة المتعلقة بها ، دون أن يترتب عن المراقبة المذكورة زيادة في مبالغ التصحيحات أو المستدركات المعتمدةrappels retenus خلال المراقبة الأولى ، وفي جميع الحالات فإن مجموع فترتي التدخل في عين المكان سواء الأولى أو الثانية لايمكن أن تتعدى فترة الفحص القانونية المشار إليها بالفقرة الأولى من المادة 212 من المدونة العامة للضرائب .
خلاصة القول أن فحص المحاسبة من طرف إدارة الضرائب لايمكن أن يقع صحيحا إلا بتوجيه إشعار بالفحص إلى المعني به مرفوقا بميثاق الخاضع للضريبة وتحرير محضر ببداية عملية الفحص ، وتوجيه إشعار آخر من أجل إجراء المحاورة الشفوية والتواجهية مع الخاضع للضريبة قبل اختتام عملية الفحص ، واحترام آجال ومدد الإشعار و الفحص ، تفاديا لأي عيب مسطري أو خرق موضوعي قد يؤدي إلى إلغاء الضريبة من طرف القضاء المختص .
وفي هذا الصدد فقد جاء في حكم شهير صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط قسم القضاء الشامل تحت عدد 874 بتاريخ 7– 3 –2013 ملف عدد: 671–7–2012 ما يلي”… وحيث أن الإلتزام الضريبي واجب دستوري ووطني ، فهو تعبير عن المواطنة لتمويل نفقات الشأن العام ، طبقا للفصلين 37 و39 من الدستور ، ولا يعقل أن يبطله فساد مسطرة تأسيس الضريبة.
وحيث أن قضاء المحكمة بحكم نهائي ببطلان مسطرة الفرض الضريبي شكلا ، وليس إلغاءها كليا … ، يخول للإدارة الضريبية تصحيح الإجراءات المقررة قانونا ، ولا يسقط حقها في فرض الضريبة ما دام أن أجل التقادم الرباعي لم يمض بعد .
وحيث بالرجوع إلى وثائق الملف ، تبين للمحكمة أن الحكم المتمسك به من طرف المدعي إنما يتعلق بإلغاء مسطرة الفرض الضريبي … دون إلغاء الضريبة المتنازع بشأنها ، مما يبقى معه الطلب غير مرتكز على أساس قانوني سليم ويتعين تبعا لذلك الحكم برفض الطلب” .
فهذا الحكم قد جاء بقاعدة جديدة واجتهاد سليم على القضاء الإداري أن يسير على منواله وشاكلته ، وهو أن ” فساد المسطرة لا يعني حتما فساد الفرض الضريبي ” ذلك أنه في حالة تصريح المحكمة بفساد إجراء أو بإبطال مسطرة مراقبة أو تصحيح أوفرض ضريبة معينة ولا زال أجل تقادمها لم يستنفذ بعد ، فإنه يمكن لمفتش الضرائب المختص أن يعيد الإجراء أو المسطرة من جديد وبالتالي إعادة مراقبة أو تصحيح أو فرض الضريبة ثانية (3) .
وهذا العمل القانوني لايمكن أن يقوم به إلا مفتش ضرائب محنك ومحلف في إطار السلطة التقديرية التي خولها إياه القانون الضريبي .
هوامش :
1– لقد تم تقليص مدة فحص المحاسبة من 6 إلى 3 أشهر بمقتضى المادة 8 من قانون المالية لسنة 2016.
2– لقد تم تقليص مدة فحص المحاسبة من 12 إلى 6 أشهر بمقتضى المادة 8 من قانون المالية لسنة 2016.
3– انظر مقالنا تحت عنوان “ الطعن في الأساس الضريبي أمام القضاء الإداري “ المنشور بمجلة قانون الأعمال الإلكترونية التي تصدرها كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بسطات .