في الواجهةمقالات قانونية

أزمة الشرعية الجنائية في التشريع المغربي – الدكتور : كريم احليحل أستاذ زائر بجامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان

أزمة الشرعية الجنائية في التشريع المغربي

The crisis of penal legality under Moroccan legislation

الدكتور : كريم احليحل

أستاذ زائر بجامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان

الملخص

لا بد من التنويه إلى أن المشرع الجنائي المغربي أدرك أهمية مبدأ الشرعية الجنائية باعتباره الضمانة الأساسية للحرية، وتبناه بكافة حلقاته: الموضوعية والإجرائية والعقابية، ورفعه إلى مصاف القواعد الدستورية، وجعله اختيارا تشريعيا لا رجعة فيه لما يمثله من ضمانة حقيقية قد يتحقق معها التوازن المنشود بين الحقوق والواجبات.

غير أن هذا التوازن ليس دائما سهل المنال، فهو يرتبط ارتباطا وثيقا باستقرار الأوضاع الاجتماعية والأمنية داخل المجتمع، إذ كلما شاعت الطمأنينة واستقرت الأحوال، كلما اتسعت الحقوق وتعددت الضمانات التي تحميها من الانتهاك، وإذا ساد الارتباك حالة البلاد، وتم استهداف أمن المجتمع وطمأنينته، تراجع هامش الحريات، وصدرت قوانين تنتهك مقومات مبدأ الشرعية الجنائية.

ومن مستلزمات هذه الشرعية أن تحدد القوانين الواقعة الإجرامية منذ تجريمها وإلى حين المعاقبة على ارتكابها مرورا بتنظيم طرق ملاحقة الجاني بالإجراءات اللازمة لتحديد مدى سلطة الدولة في معاقبته، ثم إقرار سبل تنفيذ العقوبة أو التدبير المحكوم بهما عليه وعلى امتداد كافة هذه المراحل يضع القانون النصوص الجنائية التي تمس حقوق الإنسان وحرياته سواء بتجريم بعض الأفعال والعقاب عليها، وهو ما يطلق عليه الشرعية الجنائية الموضوعية ، أو بتحديد الإجراءات المطبقة عليه أثناء سريان الدعوى العمومية، وهو ما يعرف بالشرعية الجنائية الإجرائية.

الكلمات المفتاحية: أزمة -الشرعية الجنائية-التشريع المغربي.

Abstract

In conclusion of this article, it should be noted that the Moroccan criminal legislator has become aware of the importance of the principle of criminal legality as a fundamental guarantee of freedom, and has adopted it in all its aspects: objectivity, procedural and punitive, and to raise it to the rank of constitutional rules, and to make it an irreversible legislative choice because it represents a real guarantee allowing to reach the balance sought between rights and duties.

However, this balance is not always easy to achieve, because it is closely linked to the stability of social and security conditions within society, because the more tranquillity spreads and conditions stabilize, the greater the rights and the multiplicity of guarantees that protect them against violation. The margin of freedoms, and laws have been enacted that violate the foundations of the principle of penal legality.

However, this balance is not always easy to achieve, because it is closely linked to the stability of social and security conditions within society, because the more tranquillity spreads and conditions stabilize, the greater the rights and the multiplicity of guarantees that protect them against violation. The margin of freedoms, and laws have been enacted that violate the foundations of the principle of penal legality.

Key words: crisis – criminal legitimacy – Moroccan legislation.

مقدمة:

مبدأ الشرعية الجنائية أو مبدأ النصية الجنائية أو مبدأ شرعية التجريم والعقاب في مسميات مختلفة لنفس المسمى [1]، وتفيد كلها في الدلالة على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص سابق، أي أنه لا يمكن إدانة شخص من أجل إتيانه لفعل أو امتناعه عن القيام بعمل إلا إذا نص على ذلك قانون سابق. كما أنه لا يجوز معاقبته بعقوبة معينة ولا إخضاعه لأي تدبير من التدابير الوقائية إلا إذا كانت محددة من حيث النوع والمدة بمقتضى نص سابق، كما أنه بناء على ما ذكر فإنه لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لم يعد يعتبر جريمة بمقتضى قانون صدر بعد ارتكابه، فإن كان قد صدر ضد الجاني حكم بالإدانة فإن العقوبات المحكوم بها أصلية كانت أو إضافية يجعل حد لتنفيذها.

خلاصة مضمون مبدأ الشرعية الجنائية في التجريم والعقاب أنه لا يجوز إدانة متهم من أجل فعل لا يعد جريمة، كما لا يجوز معاقبة شخص بعقوبة لم ينص عليها المشرع، وعليه و إعمالا لمبدأ الشرعية الجنائية المحدد وفق هذا المفهوم فإن محكمة النقض تراقب تلقائيا تقيد محاكم الموضوع بهذه الضوابط ذات الصلة بالنظام العام، وتطبيقا لذلك فقد اعتبر قضاء النقض أنه لا وجود لأي جريمة خاصة متعلقة بالافتضاض، بل إن الافتضاض ظرف مشدد في جنايتي هتك العرض والاغتصاب[2]، وتبعا لذلك اعتبر أن محكمة الاستئناف التي أدانت المتهم من أجل الاغتصاب تكون قد خرقت مبدأ الشرعية الجنائية و خلقت جريمة غير منصوص عليها بنص قانوني، مما يعرض قضاءها للنقض.[3]

وإذا كان هذا القرار واضحا في إعمال مبدأ عدم جواز خلق جريمة غير منصوص عليها تشريعا، فقد أتيحت الفرصة لنفس المحكمة لتعمل الجزء الثاني من المبدأ وهو أنه لا عقوبة إلا بنص، وذلك بمناسبة حكم محكمة الموضوع بعقوبة الحبس والغرامة ضد المتهم والحال أن النص المجرم للفعل يحدد العقوبة في الغرامة فقط دون الحبس، وبناء على ذلك نقضت القرار المطعون فيه.[4]

ويكاد لا يختلف اثنان على أن مبدأ الشرعية الجنائية بسائر فروعه، يعد أحد أكبر المبادئ التي تحمي الحريات الفردية في مواجهة كيان الدولة ومؤسساتها العاملة  في المجال الزجري ،[5] غير أن هذا المبدأ عايش ولا يزال العديد من الصعوبات التي فرضت عليه التراجع والانحسار خاصة في وقت الأزمات التي تشهدها الدول، حيث برزت إلى الوجود العديد من النصوص الجنائية التي افتقدت إلى مقومات الشرعية الجنائية عند صياغتها من حيث الدقة والوضوح، فجاءت بذلك مصدقة للقول المأثور القائل بأن ” أسوأ القوانين هي تلك التي تصاغ في وقت الارتباك”.[6]

ولعل أوقات الأزمات التي تشهدها الدول سواء في مواجهتها للحظات العصيبة في مكافحة الإجرام الحديث الذي كشر عن أنيابه، أو عندما تجد نفسها في التماس مع ظروف استثنائية نشأت من بروز جائحات اجتماعية أو صحية، فرض عليها الاستعانة بالقوانين الجنائية للتعاطي مع مختلف أحوالها في أفق الحد من ذيوعها وانتشارها، حتى ولو أدى ذلك إلى تجاوز بعض القيود التي يفرضها مبدأ الشرعية الجنائية.[7]

وبما أن أزمة الشرعية الجنائية ومظاهر تراجعها، تكون أكثر بروزا ووضوحا في القوانين الجنائية الموضوعية والإجرائية،[8] باعتبارها تشكل القوانين الممهدة لاستيفاء العقاب، التي جعلت في الصفوف الأولى لمكافحة الجريمة والحد من تفاقمها وانتشارها[9].

بناء على كل ما سبق تتضح اشكالية مركزية تتعلق أساسا بمدى توفق المشرع المغربي في وضع القوانين تحقق مبدأ الشرعية الجنائية باعتبارها من المبادئ الدستورية التي نص عليها الدستور المغربي وتتجاوز أزمة الشرعية الجنائية؟

وارتباطا بموضوع المقال، فان بسط هذه الاشكالية، يستلزم طرح بعض التساؤلات الفرعية:

  • ما هي الشرعية الجنائية؟
  • أين تتجلى أزمة الشرعية الجنائية في القانون الجنائي المغربي؟
  • ما هي مظاهر أزمة الشرعية الجنائية في قانون المسطرة الجنائية؟

وتأسيسا على ذلك سوف أتناول هذا المقال من خلال:

  • المبحث الأول: أزمة الشرعية في القانون الجنائي المغربي
  • المبحث الثاني: مظاهر أزمة الشرعية في قانون المسطرة الجنائية المغربي

 

 

 

المبحث الأول: أزمة الشرعية في القانون الجنائي المغربي

إن أزمة الشرعية في القانون الجنائي الموضوعي لم تكن إلى الأمس القريب بادية سوى في نصوص قليلة شكلت في بعض جوانبها خروجا عن الأصول الثابتة في التجريم والعقاب، عن طريق التوسع في سلطة الدولة في العقاب على حساب حماية حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية، وهي النصوص التي تمت صياغتها تحت مسمى الجنايات والجنح ضد أمن الدولة (المطلب الأول)، لتشهد بعد ذلك حركية التجريم والعقاب نزوحا أكثر نحو صياغة نصوص جنائية أكثر تشددا أملتها بروز ظروف اجتماعية واقتصادية استثنائية، اختار المشرع مواجهتها بالأداة الجنائية كما هو الشأن بالنصوص المتعلقة بمكافحة جريمة الإرهاب ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: الشرعية وجرائم أمن الدولة

إن الصياغة غير الدقيقة لبعض النصوص الزجرية الواردة في الباب الأول من الجزء الأول من الكتاب الثالث من مجموعة القانون الجنائي المعنون بـ ” في الجنايات والجنح ضد أمن الدولة”، أضعفت بشكل واضح مقومات الشرعية الجنائية التي تقوم حسب جانب من الفقه على الدقة والوضوح في صياغة النصوص الزجرية وتبتعد قدر الإمكان عن العمومية والغموض.[10]

ولا يعد هذا الارتداد في الشرعية شأنا مغربيا خالصا بل إن العديد من التشريعات المقارنة لم تسلم منها حتى تلك التي يشهد لها بالسبق على مستوى الحقوق والحريات، كما هو الشأن بالنسبة للتشريع الفرنسي على سبيل المثال، حيث اختار المشرع المغربي إفراغ العديد من النصوص الجنائية المتعلقة بهذا الباب في عبارات واسعة ممعنة في العمومية والمرونة، مع اختياره استعمال أسلوب التجريم الاستباقي منهجا لحماية المصالح الأساسية لأمن الدولة وذلك للحيلولة دون مجرد التفكير في استهدافها.[11]

ولعل من أوضح الأمثلة على استعمال المشرع لألفاظ تفتقد إلى الدقة وتوصف بالعمومية استعماله المتكرر لجمل و” إما بأي وسيلة أخرى”، أو ” بأي شكل كان أو بأي وسيلة كانت”[12] ومعلوم أن هذه الألفاظ تتعارض ومبدأ الشرعية الذي يحرص على تحديد أفعال التجريم بكل دقة ووضوح.

ولما كان من أهم مقومات مبدأ الشرعية قيام المسؤولية الجنائية على أساس السلوك الإجرامي حيث لا جريمة بدون نشاط مادي[13]، إذ به تتحقق مخالفة أمر القانون أو نهيه، ومن ثم لا تثريب على النوايا الانحرافية والأفكار الإجرامية طالما بقيت في أذهان أصحابها لم تبرحها إلى العالم الخارجي في شكل نشاط مادي.[14]

غير أن المشرع عند صياغته لجريمة المؤامرة في جرائم أمن الدولة وعلى غرار العديد من التشريعات الأخرى كان له رأيا مغايرا، عندما اعتبر أن مجرد التصميم على ارتكاب الفعل المجرم كاف لإنزال العقاب حتى ولو لم يترتب عن هذا التصميم أي شروع في التنفيذ.[15]

ويبدو من خلال ما ذكر أن المشرع الجنائي المغربي سعى من خلال تجريمه لجرائم أمن الدولة إلى إغلاق كل باب قد يؤدي إلى النيل من أمن الدولة وسلامتها حتى ولو كان هذا الباب مجرد فكرة لم تخرج بعد إلى العلن متعجلا بذلك لحظته تمام واكتمال هذا النوع من الجرائم في خطوة تروم التصدي لها في مراحلها الأولى ولو لم يصدر عن الجاني أي فعل يفهم منه البدء في تنفيذ الجريمة، وهو تجريم استباقي [16]يعد لا محالة خروجا واضحا على قواعد الشرعية الجنائية الكلاسيكية في مجال التجريم والعقاب.

 

 

المطلب الثاني: الشرعية والجرائم الإرهابية

شكل إصدار القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب[17] ببلادنا حالة تشريعية فريدة يندر أن يوجد لها مثيل، ذلك أنه صار جاهزا بتاريخ 28 ماي 2003 أي بعد اثني عشر يوما فقط من وقوع الأحداث الإرهابية التي مست الدار البيضاء في 16 ماي 2003، وهو بدون شك زمن قياسي تمت فيه جميع العمليات اللازمة لإصدار تشريع قانوني عن البرلمان المغربي في الوقت الذي يتطلب فيه إصدار قوانين عادية مدد أطول بكثير.

وهو ما يؤكد بالملموس حالة الارتباك الشديد التي كانت عليها السلطات المغربية المعنية بإصدار القوانين بعد أحداث 16 ماي الإرهابية، الأمر الذي انعكس بشكل ملموس على جودة قانون الإرهاب في علاقته مع الشرعية الجنائية، حيث صدر مخالفا للعديد من المبادئ المتعارف عليها في باب النظرية العامة للجريمة إذ افتقد إلى الدقة والوضوح في الصياغة، وحمل مفاهيم جديدة تتعلق بالمساهمة الأصلية والتبعية، ومفهوم الجريمة التامة ومجرد الشروع فيها، وأقر المساءلة الجنائية على محض الأفكار والنوايا.[18]

ولعل من أشد أحوال القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب غرابة، هو دخوله حيز التنفيذ[19]، ومن ثم تعديله للعديد من المقتضيات التي تضمنتها المسطرة الجنائية لسنة 2002 قبل أن تدخل هذه المسطرة بذاتها حيز التنفيذ،[20] بالرغم من أنها كانت منشورة بالجريدة الرسمية، وكان نصها الأصلي قد تم إعداده بشكل يوسع بالملموس، هامش الحقوق والحريات الفردية، ليتم الارتداد عن مجموعة من المقتضيات القانونية في سابقة تشريعية أدت إلى تعديل نص جنائي إجرائي بعد نشره بالجريدة الرسمية وقبل أن يدخل حيز التنفيذ.

والمملكة المغربية على غرار العديد من الدول الأخرى، اعتبرت أنه لا يمكن مواجهة الإرهاب الداخلي والدولي من خلال النظام الجنائي العادي، باعتباره يعجز عن مواجهة المشكلات الأمنية البالغة التي تسببت فيها، فهو لا يفضي في كثير من الحالات إلى جمع أدلة كافية لإدانة الجناة فضلا عن البطء الكبير الذي يطبع إجراءات البحث.[21]

وبالرغم من أن العديد من التشريعات المقارنة بررت إصدارها لقوانين متشددة في مكافحة الإرهاب استنادا إلى ترحيب من هيئات دولية اعتبرت أن “الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره يمثل أحد أشد الأخطار التي تهدد السلم والأمن الدوليين وأن أي عمل إرهابي هو عمل إجرامي لا يمكن تبريره أيا كانت دوافعه أو توقيته أو مكانه أو هوية مرتكبيه”.[22]

وباعتماد غطاء قضائي من هيئات قضائية عرفت باحترامها لحقوق الإنسان والحرص على حرياته، [23] فإن ذلك كله، لم يكن ليشفع لهذه التشريعات خرقها لأهم مبادئ الشرعية الجنائية بإخضاعها هذا النوع من الجرائم -على بشاعتها -لنظام قانوني خاص ينآى عن الأصول الثابتة في قواعد التجريم والعقاب ويشذ عن القواعد المتبعة في إجراء المحاكمات القانونية.

هكذا إذن، جاءت النصوص المتعلقة بتجريم الأفعال الإرهابية في منظومة القانون الجنائي المغربي أبعد ما تكون عن الوضوح والدقة في إبراز شق التكليف والتجريم بوصفهما من مستلزمات الشرعية الجنائية، حيث تسللت إليها العديد من المصطلحات الفضفاضة التي لم يعد يفهم منها بدقة وجه المنع والحظر، ومن ذلك عبارات من قبيل: “أيا كان شكلها أو هدفها أو مكان وجودها ” و ” بأي وسيلة كانت” و ” بأي وسيلة من الوسائل” و” كل من يقدم له أي نوع من أنواع المساعدة”.[24]

ولعل مما يعد خروجا واضحا من المشرع المغربي عن الأصول المستقرة في مجال التجريم والعقاب المتعارف عليها في باب النظرية العامة للجريمة وهو يصدر قانون مكافحة الإرهاب أو يقوم بتنقيحه وتعديله، أنه جعل من فعل التحريض على ارتكاب الجريمة الإرهابية جريمة قائمة بذاتها وليست مجرد عمل من أعمال المشاركة كما هو منصوص عليها في الفصل 129 من مجموعة القانون الجنائي[25] ومن ثم صارت الأفعال المتعلقة بتمويل الإرهاب والإعداد له والتدريب على ارتكابه أفعالا إجرامية قائمة بذاتها وليس مجرد اشتراك في الجريمة الإرهابية.[26]

وفي هذا السياق نفسه، اعتبر المشرع المغربي فعل تمويل الإرهاب جريمة قائمة بذاتها، وليس مجرد مشاركة في ارتكاب جريمة إرهابية، بالرغم من أن عملية التمويل في حد ذاتها تعد مساعدة للفاعل الأصلي مرتكب الجريمة الإرهابية وهو ما يسمح بإدراجها ضمن الحالات المنصوص عليها في المادة 129 من القانون الجنائي، في خطوة تروم عقاب فعل التمويل باستقلال تام عن الجريمة الإرهابية سواء قدر لها الوقوع أو بقيت مجرد فكرة لم يكتب لها التحقق[27]، ذلك أن علاقة السببية بين الفعل والنتيجة لم تعد عنصرا متطلبا في هذا النوع من التجريم.

ويأتي النص المجرم والمعاقب على الالتحاق أو محاولة الالتحاق بالتنظيمات والكيانات الإرهابية[28] على رأس النصوص الجنائية المستهدفة لمبدأ الشرعية، إذ صيغت عباراته بكثير من العمومية والتجريد، ولم يلتزم المشرع الجنائي قيد الدقة والوضوح في إصدارها بما يبين للمكلف بشكل تنتفي معه الجهالة، فحوى السلوك الإجرامي المحظور.

ذلك أن استخدام عبارات من قبيل: ” الالتحاق أو محاولة الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية” من دون توضيح أو إعطاء مفهوم للفظ الالتحاق، وكذا “التجنيد بأي وسيلة كانت والتكوين والتدريب من أجل الالتحاق بكيانات إرهابية”، دون تفسير لهذه المصطلحات على غرار ما فعلته العديد من التشريعات الأخرى[29]، يشكل لا محالة ضبابية واضحة، وإغراقا في العمومية قد تتأذى منه الشرعية الجنائية أذى شديدا.

إن قراءة متمعنة للفصل 1-1-218 قد توحي بأن مجرد الالتحاق أو محاولة الالتحاق بأي مكان أو فضاء يشكل مأوى لكيان أو تنظيم إرهابي جريمة معاقب عليها مكتملة الأركان، والحال أن مجرد الالتحاق بهذا الفضاء قد لا يكون مدعاة للمشاركة في عمل إرهابي فالأمر قد يكون مرجعه لسبب عائلي أو لتفقد أحد أفراد العائلة، أو ربما لقضاء مآرب أخرى لا علاقة لها بالعمل الإرهابي.[30]

كما أن إصرار المشرع المغربي على عدم اشتراط أي نتائج ملموسة عن هذه الأعمال المجرمة يضعها في خانة الجرائم الشكلية التي يعاقب عليها لذاتها من دون انتظار حدوث نتيجة معينة، وتجريمه لمجرد فعل المحاولة في الوقت الذي يصعب فيه تحديد لحظة البدء في اقترافها قد يؤدي إلى المؤاخذة على مجرد النوايا التي استقر الفقه الجنائي في مجمله على أنه لاتثريب ولا عقاب ولا مؤاخذة على مجرد النوايا والأفكار، من هنا يبدو واضحا للعيان أن هذا النوع من التشريع ينطوي على مخاطر جسيمة على الحقوق والحريات[31].

المبحث الثاني: مظاهر أزمة الشرعية في قانون المسطرة الجنائية المغربي

بمراجعة ديباجة القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية[32] يتبين أن الهاجس الأول الذي شغل تفكير مصدريه هو كيفية توفير نظام محاكمة عادلة وفقا للنمط المتعارف عليه عالميا يوازي بين احترام حقوق الأفراد وصون حرياتهم بالقدر نفسه الذي يحافظ على المصلحة العامة والنظام العام في إطار بناء دولة الحق والقانون.

وقد بدا واضحا منذ المادة الأولى للمسطرة الجنائية التي خصها المشرع لقاعدة البراءة [33]، هذا التوجه الحقوقي الكبير لدى المشرع الإجرائي المغربي، باعتبار أن أصل البراءة في الإنسان هو عصب الشرعية الإجرائية وأساسها الذي لا قيمة لها بدونه، وكل محاكمة عادلة تمر حتما من بوابة احترام أحكام هذه القاعدة وعدم انتهاك مضامينها.

ولما كان الطريق إلى أي محاكمة عادلة يبتدأ أساسا من مخافر الشرطة والدرك المخول لهما مباشرة إجراءات البحث التمهيدي، فإن خرق حقوق المشتبه فيه وضماناته على هذه المرحلة من البحث القضائي يشكل ضربة لأي محاكمة عادلة، ومن ثم تصبح الشرعية الإجرائية في مهب الريح، تلك التي تنبني أساسا على أن أي عقوبة لا يمكن أن تصدر إلا من بعد محاكمة عادلة يراعى فيها تمتيع المتهمين بكل الضمانات الإجرائية المخولة لهم قانونا وعلى رأسها إملاءات قاعدة البراءة.[34]

ومتى نظرنا إلى قانون المسطرة الجنائية بمنظار الشرعية الجنائية وجب أن نضع في الميزان مدى استجابة المواد المتعلقة بالبحث التمهيدي لإملاءاتها (المطلب الأول)، كما يجب أن نقيس بها نظرية البطلان الإجرائي التي تضمن لهذه الشرعية عدم خضوع أحكامها للافتئات إذ ما الجدوى من التنصيص على قيود إجرائية يتم انتهاكها دون أن يتصدى العمل القضائي لهذا التجاوز بإعمال نظرية البطلان (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الشرعية ومواد المسطرة الجنائية المتعلقة بالبحث التمهيدي

إن البحث التمهيدي بوصفه تلك المرحلة التي يتم فيها التثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها[35]، يعد من أدق المراحل الإجرائية التي تتقاطع فيها مصلحة المجتمع في زجر مرتكبي الجرائم والحيلولة دون إفلاتهم من العقاب، ومصلحة الفرد في عدم انتهاك حريته وكرامته الإنسانية، وتمتيعه بمحاكمة عادلة تراعى فيها كافة ضماناته القانونية.

ولا شك أن تقييم المواد المتعلقة بهذه المرحلة الإجرائية من حيث مدى استجابتها المعايير الشرعية الجنائية الإجرائية التي تفرض الدقة والوضوح في الصياغة والموازنة بين حقوق الفرد والمجتمع بخصوص مضامينها وإملاءاتها، ستعطينا صورة واقعية حول مدى احترام المشرع لقواعد الشرعية عند إصدارها، سواء تعلق الأمر بتلك المواد المنظمة للبحث في حالة تلبس أو تلك التي تنظم البحث في الأحوال العادية.[36]

وفي هذا الصدد، نذكر بأن المشرع المغربي خصص المواد من 56 إلى 82 من قانون المسطرة الجنائية لإجراءات البحث لتشمل أحوال التلبس والأحوال العادية وقد صار معلوما أن جل الفقه المغربي عندما يطلق مصطلح البحث التمهيدي على إطلاقه، فإنه يشمل الحالتين معا سواء بسواء.

وعلى خلاف ما عليه الأمر في الأبحاث التمهيدية العادية، فإن مشرع المسطرة الجنائية خول لضابط الشرطة القضائية أثناء الأبحاث التي يقوم بها في أحوال التلبس بالجريمة صلاحيات هامة تتميز بالصرامة والسرعة والفاعلية[37]، وهي صلاحيات قد تتقاطع في كثير من الأحيان مع بعض الحقوق والحريات التي تم تكريسها عالميا من طرف المنتظم الدولي لفائدة الأشخاص بوجه عام، فتنتقص منها أو تقيدها أو تنتهكها كالحق في الحرية وفي التنقل وفي حرمة المسكن، ومع ذلك تبقى هذه الإجراءات أعمالا مشروعة متى بوشرت تحت مظلة القانون، ولما كان ما ذكر حال مضامين هذه المواد المسطرية، فقد كان حريا بالمشرع المغربي أن يتحرى الدقة في صياغتها والوضوح في معانيها والتسلسل المنطقي في صياغتها مع الاقتصار على قواعد الشكل التي تميز هذه المدونة دون خلطها بقواعد الموضوع، ومراعاة التوازن في أحجامها وعدم المزج في المادة الواحدة بين تدابير مختلفة ومتباعدة من حيث طبيعتها وأحكامها.[38]

وبخصوص صياغة المواد 58 و 61 و 65 من قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بتغيير حالة أمكنة وقوع الجريمة وإفشاء أسرار التفتيش ومنع بعض الأشخاص من مغادرة مسرح الجريمة، اختار المشرع في إصدارها الصياغة القانونية لقواعد الموضوع المتعلقة بالتجريم والعقاب، إذ نص فيها على شقي التجريم والعقاب بالرغم من أن الأمر يتعلق بأحكام إجرائية واردة في قواعد شكلية متواجدة في صميم قانون المسطرة الجنائية، وكان الأحرى بالمشرع المغربي أن يستهدي ببعض التشريعات القريبة من منظومتنا القانونية التي تفادت في تشريعاتها هذه النقيصة، عبر الاكتفاء في تشريعها المسطري بالتنصيص على الحكم الإجرائي وإحالة النص المعاقب لخرق هذا الإجراء على قانون الموضوع الذي هو القانون الجنائي.[39]

ذلك لم يكن سوى غيض من فيض اقتصرنا في هذا المقام على مباني المواد المتعلقة بالبحث التمهيدي دون مضامينها علما أن مبادئ الشرعية الجنائية لا تتأذى فقط بالاختلالات التي قد تلاحظ على الصياغة القانونية للأحكام المسطرية، وإنما تتأذى كذلك وبالحدة نفسها إن لم يكن أكثر عندما تبتعد مضامين هذه الأحكام عن متطلبات الشرعية في إجراء المحاكمات العادلة التي يتعين أن تراعى فيها مختلف الضمانات الإجرائية التي أوجبتها الاتفاقيات والمواثيق الدولية عندما يتعلق الأمر بمحاكمة المتهمين المنسوبة إليهم ارتكاب أفعال إجرامية [40] ، فلا محاكمة عادلة بدون مراعاة النصوص الإجرائية التي تضمن العدالة الإجرائية التي تضمن التوازن والمساواة بين حماية حق الدولة في العقاب والمحافظة على حقوق الدفاع الأطراف الدعوى.[41]

المطلب الثاني: الشرعية ونظرية البطلان الإجرائي

إن أهم جزاء إجرائي يواجه به الدليل المستمد من إهدار الشرعية الإجرائية القائمة على احترام الحقوق والحريات هو البطلان وبغير إعمال هذا الجزاء تنتفي كل أهمية لما يصدره المشرع من قواعد ويسنه من ضمانات، ذلك أن البطلان هو من يمثل صفة الإلزام في القاعدة الجنائية الإجرائية وهو الذي يؤدي إلى إهدار أي عمل إجرائي معيب ويهدم آثاره القانونية.[42]

وقد قيل أن القاعدة الشكلية هي: توأم الحرية[43]، ومن ثم يكون السماح بخرقها عصفا بهذه الحرية، وتقويضا لمقومات الشرعية الإجرائية التي تستمد قيمتها من إلزامية قواعدها والتي متى بوشرت بالشكل الذي يقرره القانون صارت من ضمانات المحاكمة العادلة.

ولعل أهم الضمانات التي قررها القانون لفرض تطبيق نصوص المسطرة الجنائية بصفة عامة، هي بطلان الإجراءات التي بوشرت خارج إطار الشرعية الإجرائية، فعرقلت بذلك بلوغ الحقيقة وعرضت حقوق الدفاع لخطر الانتهاك والافتئات.[44]

والبطلان بوصفه جزاء إجرائيا [45]، يعد الوسيلة الرقابية التي وضعها المشرع الإجرائي في يد القضاء للحيلولة دون خرق مشروعية القواعد الإجرائية، فهو يرتبط ارتباطا وثيقا بفكرة تحقق الغاية من وراء سنها، هذه الغاية التي تتمثل أساسا في تكريس العدالة الجنائية من جهة، وضمان الحقوق والحريات في إطار من التوازن بينهما من جهة أخرى.

غير أن اللجوء إلى إعمال جزاء البطلان بشكل آلي كلما تعلق الأمر بخرق قاعدة إجرائية قد ينطوي على عرقلة جدية لمسار الدعوى العمومية، فيحول دون بلوغ أهدافها الرامية إلى إظهار الحقيقة واستيفاء العقاب من المعتدين، لذلك كان لزاما اعتماد نظام للبطلان الجنائي يحقق نوعا من التوازن والانسجام بين المصالح المتعارضة الأطراف الخصومة الجنائية.[46]

ويبدو أن المشرع الإجرائي المغربي قد ترك للقضاء سلطة تقديرية واسعة في تقدير ما إذا كانت الخروقات التي لحقت مباشرة القواعد الإجرائية تستتبع إعمال جزاء البطلان من عدمه، في ظل قلة النصوص الإجرائية التي تفرض البطلان جزاء إجرائيا على خرق بعض المقتضيات الواردة في قانون المسطرة الجنائية.

ذلك أن أغلب الفقه المغربي[47] يقسم البطلان إلى نوعين: قانوني وهو ذلك الجزاء الذي قرره المشرع الإجرائي في صلب المادة المنظمة للإجراء نفسه متى بوشرت على خلاف ما يرتضيه القانون ومن ثم يكون هذا البطلان قد تقرر بحكم النص الإجرائي، أما النوع الثاني من البطلان فهو جوهري وهو كل مخالفة لقاعدة إجرائية جوهرية يترتب عنه بطلانها، ولو لم ينص القانون صراحة على هذا الجزاء.[48]

وإذا كان البطلان القانوني أو بحكم النص لا يثير إشكال بخصوص احترام قواعد الشرعية الإجرائية على اعتبار أن القضاء يسارع إلى إعمال هذا الجزاء كلما تعلق الأمر بخرق لحق إحدى القواعد التي خصها المشرع الإجرائي ببطلان نصي[49]، فإن الأمر ليس بهذه السهولة عندما يتعلق الأمر بخرق قاعدة قانونية إجرائية لم ينص القانون صراحة على إعمال جزاء البطلان عند خرقها.[50]

ويبقى ترك تقدير إعمال جزاء البطلان من عدمه في حال خرق قاعدة جوهرية من مشمولات السلطة التقديرية للقضاة، أمرا قد لا يسلم دائما من خطر التعسف والتحكم والانتقائية في التعاطي مع مصالح الأطراف، وهو ما قد يفتح الباب على مصراعيه أمام التناقض في القرارات والأحكام ليس بين جهة قضائية وأخرى فحسب، وإنما بين قاض وآخر داخل الجهة القضائية الواحدة نفسها، الأمر الذي يعد ضربة قاصمة لمتطلبات الشرعية الإجرائية.

وحسنا فعل المشرع المغربي بتنصيصه في المادة 751 من قانون المسطرة الجنائية [51]على أحد تطبيقات البطلان الجوهري بأن أسبغ جزاء البطلان على كل إجراء لم يثبت إنجازه على النحو الذي يتطلبه القانون، لأنه بذلك يكون قد أرسى حسب بعض الفقه المغربي -مبادئ الشرعية الإجرائية، حيث نص بألفاظ عامة ومطلقة على إعمال جزاء البطلان على كل إجراء بوشر على خلاف ما يقتضيه القانون، وهو ما يعد ضمانة أساسية الحماية المشروعية الإجرائية وتأمين المحاكمة العادلة.[52]

فقد أقر القضاء الجنائي المغربي كثيرا من حالات البطلان بإعمال هذا النص الإجرائي على الإجراءات التي بوشرت على خلاف مقتضيات الشرعية، غير أنه بالمقابل كثيرا ما أدار ظهره لهذا النص تحديدا، بدعوى أنه لا بطلان بدون ضرر[53]، أولا أنه بطلان بدون نص.[54]

ذلك أن محكمة النقض المغربية -وعلى غرار نظيرتها الفرنسية –كثيرا ما امتنعت عن إقرار البطلان في مواجهة العديد من الخروقات التي شابت مباشرة قواعد إجرائية جوهرية، بدعوى أن مصالح الأطراف لم تتضرر وأن إعمال جزاء البطلان لا يكون مبررا حتى تتضرر مصلحة الجهة التي تتمسك به أو يوجد نص يقر صراحة ببطلانه.[55]

وقد اعتبر بعض الفقه الفرنسي -عن حق -أن امتناع القاضي الأعلى من تصحيح المساطر التي بوشرت بشكل غير قانوني لأسباب غير معترف بها قانونا [56]، يشكل خطرا حقيقيا على مبدأ الشرعية الجنائية الذي يمثل ذلك الدرع الحارس للحريات الفردية في مواجهة الدولة ومؤسساتها العاملة في المجال الزجري.[57]

خاتمة:

وفي ختام هذا المقال، لا بد من التنويه إلى أن المشرع الجنائي المغربي أدرك أهمية مبدأ الشرعية الجنائية باعتباره الضمانة الأساسية للحرية، وتبناه بكافة حلقاته: الموضوعية والإجرائية والعقابية، ورفعه إلى مصاف القواعد الدستورية، وجعله اختيارا تشريعيا لا رجعة فيه لما يمثله من ضمانة حقيقية قد يتحقق معها التوازن المنشود بين الحقوق والواجبات.

غير أن هذا التوازن ليس دائما سهل المنال، فهو يرتبط ارتباطا وثيقا باستقرار الأوضاع الاجتماعية والأمنية داخل المجتمع؛ إذ كلما شاعت الطمأنينة واستقرت الأحوال، كلما اتسعت الحقوق وتعددت الضمانات التي تحميها من الانتهاك. وإذا ساد الارتباك حالة البلاد، وتم استهداف أمن المجتمع وطمأنينته، تراجع هامش الحريات، وصدرت قوانين تنتهك مقومات مبدأ الشرعية الجنائية.

ولما كانت أسوأ القوانين هي تلك التي تصاغ في وقت الارتباك»، فقد شكل إصدار المشرع المغربي للقانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب، وكذا إصداره للقانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة جريمة غسل الأموال وتبنيه للتعديلات التي شملت قانون المسطرة الجنائية بخصوص التعامل مع هاتين الجريمتين، تراجعا واضحا على مستوى وضوح النص الجنائي ودقته في تحديد عناصر التجريم والعقاب وحماية شروط المحاكمة العادلة للمشتبه فيهم بارتكاب هذه الأفعال، وهو ما يعد انتقاصا من مبدأ الشرعية الجنائية.

ذلك أنه سواء تعلق الأمر بأوقات عادية أو بلحظات اضطراب، يجب أن يظل التشريع الجنائي على حاله، ساعيا إلى المواءمة بين الإكراهات الأمنية والحفاظ على حقوق الأفراد. غير أن واقع الحال أثبت أنه في أوقات الأزمات الكبرى وعوض أن يبادر القائمون على الشأن الجنائي إلى توفير الحماية القانونية للأفراد يتنافسون في إصدار قوانين تحمل مزيدا من القمع والزجر، في حين أن المطلوب في مواجهة اللحظات العصيبة التي قد تمر منها المجتمعات، هو وضع تدابير استثنائية لتفعيل القوانين القائمة، وليس استصدار قوانين استثنائية لمواجهتها.

إن نصوص التجريم والعقاب يجب أن تبتعد عن المقتضيات العامة والمجردة التي يتم إصدارها في صيغ مفتوحة أو نماذج مطاطة قابلة للتطبيق بشكل مفاجئ على أشخاص وعلى وقائع لم تكن واردة لا في تصور المشرع ولا في اعتقاد المواطن. ونحن ندعو المشرع الجنائي المغربي بإلحاح إلى تدارك مثل هذه الاختلالات بالانكباب على صياغة نصوص جنائية واضحة ودقيقة في هذا الباب.

ومهما يكن من أمر، فإن التسليم بأن المشرع الجنائي المغربي قطع أشواطا عديدة في ترسيخ مقومات الشرعية الجنائية، هو شيء واقع يصعب إنكاره، فقد ذهب بعيدا في سبيل تمكين الفرد من التمتع بجملة من الحريات الأساسية، دون أن يهدر حق المجتمع في أمنه واستقراره.

وهذا الجهد المبذول في سبيل الوصول إلى تحقيق التوازن المذكور، وإن لم يرق إلى مقاربة فضيلة الكمال، لأنه شيء يعز عن قدرة البشر، إلا أنه وضع النظام الجنائي المغربي في مصاف التشريعات المتقدمة عبر العالم، تلك التي جعلت نصب أعينها تقوية مؤسسة الشرعية عبر إقرار سمو القانون والمساواة أمامه، فالكل، إذن، سلطات وأفرادا، مدعوون للالتزام بحدوده والتقيد بأحكامه ونواهيه

ويبقى الرهان الأكبر الذي يجب أن يكسبه المشرع الجنائي في مجال العدالة الجنائية هو التمسك بمقومات الشرعية وهو بصدد القيام بعملية التشريع في التجريم والعقاب وإجراء محاكمات قانونية تتعادل فيها الأسلحة بين كل الأطراف، وتتوازن فيها حماية الحقوق والحريات للأفراد مع حق الدولة المشروع في استيفاء العقاب ممن أضر بأمن المجتمع واستقراره، وهو أمر لن يتأتى إلا إذا اعتقد الجميع اعتقادا جازما ، بأن العدالة التي تحققت على مذبح الحريات هي عدالة فاقدة للشرعية.

لائحة المراجع

  • المراجع باللغة العربية:

 

أولا: الكتب

  • عبد الحفيظ بلقاضي، تقييد التدخل الجنائي بالحد الأدنى، بدون ذكر المطبعة أو السنة.
  • عبد الحفيظ بلقاضي، دراسات جديدة في القسم الخاص من القانون الجنائي المغربي والمقارن، الطبعة الأولى، مكتبة دار الأمان للطباعة والنشر، الرباط، 2021.
  • عبد الحفيظ بلقاضي، التجريم والعقاب في أقوى نزعاتهما تسلطا القانون الجنائي للعدو، مجلة البحوث، العدد الرابع، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، السنة الثالثة، يونيو 2005.
  • عبد الكافي ورياشي، الشرعية الجنائية: مفهومها – أنواعها-أحكامها-أزمنتها، دراسة مقارنة في احدى ضمانات المحاكمة العادلة، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة الأولى، 2023.
  • أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات القسم الخاص الكتاب الأول، دار النهضة العربية، القاهرة،2019.
  • أحمد الخمليشي، شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الأول، الطبعة الثالثة، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع،1980.
  • الحبيب بيهي، شرعية الإجراءات في ضوء المشروع الجديدة لقانون المسطرة الجنائية المغربي، مجلة القانون المغربي، العدد 2 ،2002.
  • أحمد فتحي سرور، نظرية البطلان في قانون الإجراءات الجنائية، مركز الأهرام للإصدارات القانونية، المنصورة، 2011.
  • أحمد الخمليشي: شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الثاني، دار لمعرفة الرباط، 1988.
  • مدحت محمد الحسيني، البطلان في المواد الجنائية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية 1993.
  • محمد عباط، دراسة في المسطرة الجنائية المغربية، الجزء الثاني، بدون ذكر المطبعة أو السنة.
  • محمد أحداف، شرح المسطرة الجنائية -الجزء الثاني، بدون ذكر المطبعة أو السنة.
  • عبد الكافي ورياشي، ضمانات المشتبه فيه أثناء مرحلة البحث التمهيدي، الجزء الثاني، مكتبة الرشاد سطات، 2018.

ثانيا: القوانين

  • القانون رقم 03.03 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.140 الصادر في 26 من ربيع الأول 1424 موافق 28 ماي 2003، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 5112 بتاريخ 27 من ربيع الأول موافق 29 ماي 2003.
  • القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب بتاريخ 28 ماي 2003 ودخل حيز التنفيذ بمجرد نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 29 ماي 2003 تطبيقا لمقتضيات مادته الثامنة.
  • القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية في 3 أكتوبر 2002 وتم نشره في الجريدة الرسمية في 30 يناير 2008، غير أنه لم يدخل حيز التنفيذ سوى في فاتح أكتوبر 2003.
  • القانون رقم 22.01 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.255 المؤرخ في 25 رجب 1423 والموافق لـ 3 أكتوبر 2002، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5078 بتاريخ 27 ذي القعدة 1423 الموافق لـ 30 يناير 2003.

ثالثا: القرارات

  • القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 1462 الصادر بتاريخ 28 مارس 2019.
  • المراجع باللغة الفرنسية:

 

  • Roger Merle et André Vitu : Traité de droit criminel, procédure pénale, tome II, CUJAS, Paris.
  • Frédérie Debove et François Falletti : Précis du droit pénal et de procédure pénal, P U F, Paris, 2001.
  • Jacques Boré : La cassation en matière pénale, L.G.D.J, 1985.
  • Roger Merle et André Vitu : Traité de droit criminel, procédure pénale, tome I, CUJAS, Paris.

Roger Merle et André Vitu : Traité de droit criminel, procédure pénale, tome III, CUJAS, Paris.

[1]. إن أصل قاعدة مينا الشرعية الجنائية ثابت في الشريعة الإسلامية والسند في هو قوله تعالى في الآية 15من سورة الإسراء:” وما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً”.

[2]. راجع الفصل 488 من مجموعة القانون الجنائي.

[3]. راجع القرار الصادر عن قضاء النقض بتاريخ 17/04/1996 تحت عدد 526 من 12 منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى المادة الجنائية 66-86 من 18 وما يليها

[4]. قرار صادر عن قضاء النقض عدد 1917/4 بتاريخ 4 أكتوبر 1995 في الملف الجنحي 18191/90، قضاء المجلس الأعلى العدد: 49-50 ص 234 وما يليها.

[5] . Roger Merle et André Vitu: Traité de droit criminel, procédure pénale, tome II, CUJAS, Paris, p207.

[6]. هذه مقولة للفقيه الفرنسي ” مارك آنسل” رائد حركة الدفاع الاجتماعي الجديد، وهي الوجه الآخر لمقولة ” تاسيتوس” الفيلسوف الروماني الشهيرة، كلما زادت القوانين عددا، زادت أحوال البلاد فسادا، مشار إليه عند: عبد الحفيظ بلقاضي، تقييد التدخل الجنائي بالحد الأدنى، بدون ذكر المطبعة أو السنة، ص: 180.

[7]. وفي هذا الصدد أقرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن الجريمة الإرهابية تنتمي إلى فصيل خاص من الجرائم CategorieSpéciale الأمر الذي يبرر للسلطات الأمنية عدم التقيد في إطار مكافحتها تقيدا حرفيا بالضمانات المنصوص عليها في المادة الخامسة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان:

CEDH, Sher et autres C/RU, 20 act. 2015, n° 5201/11.

مشار إليه عند: عبد الحفيظ بلقاضي، دراسات جديدة في القسم الخاص من القانون الجنائي المغربي والمقارن، الطبعة الأولى، مكتبة دار الأمان للطباعة والنشر، الرباط، 2021، ص: 117.

[8]. عبد الحفيظ بلقاضي، التجريم والعقاب في أقوى نزعاتهما تسلطا القانون الجنائي للعدو، مجلة البحوث، العدد الرابع، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، السنة الثالثة، يونيو 2005، ص:52.

[9]. يذكر أن المشرع المغربي بخصوص شرعية التنفيذ العقابي، بذل مجهودات جبارة على مستوى أنسنة السجون التي خصها بقوانين استلهم الكثير من قواعدها ونصوصها من القواعد النموذجية لمعاملة السجناء المعروفة اختصارا بقواعد نيلسون مانديلا، بوصفها الصك الدولي الأكثر تقدما على الصعيد العالمي في إرساء شرعية تنفيذ عقابي حولت السجون في مؤسسات عقابية قائمة على أساس الردع والإيلام إلى أماكن تباشر فيها العديد من البرامج الإصلاحية والتأهيلية تستهدف التخفيف من نزعات الإجرام لدى الساكنة السجنية وإعادة تأهيلها تمهيدا لإدماجها في المجتمع، حتى صار الاهتمام بأوضاع السجون وساكنتها تشكل في الوقت الحالي مؤشرا حقيقيا على مدى احترام الدول لحقوق مواطنيها الذين يشكل نزيلات ونزلاء السجون جزءا لا يتجزأ منهم، غير أن معضلة الاكتظاظ التي ما فتئت تعاني منها كافة المؤسسات السجنية داخل المملكة، تشكل العائق الرئيسي الذي يعرقل مجهودات الإصلاح والتأهيل المبذولة، ويحول دون تحقيق الأهداف المسطرة من طرف القائمين على الشأن السجني في هذا الإطار حيث انتقلت هذه الساكنة من 83102 نزيلة ونزيل سنة 2017 إلى 86384 سنة 2019 لتصل إلى 88941 نزيلة ونزيل بتاريخ 2021/12/31 متجاوزة بذلك الطاقة الاستيعابية للسجون ببلادنا بأزيد من %50 ( أخذت هذه الإحصائيات الرسمية من تقرير الأنشطة لسنة 2021 الصادر عن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج) .

وإذا أضفنا إلى ما ذكر ضعف البنيات الاجتماعية والاقتصادية المخصصة لاستقبال الساكنة السجنية بعد الإفراج عنها، والتي تحول دون إدماج حقيقي لهذه الفئات في سوق الشغل، سنتبين بوضوح أزمة شرعية التنفيذ العقابي ببلادنا، والتي لا تزال تتطلب العديد من المبادرات والبرامج وتكاتف جهود كافة القطاعات العمومية أو تلك التابعة للخواص من أجل التخفيف من حدتها.

[10] . R. Merle et A. Vitu: op. cit, p201.

[11]. عبد الحفيظ بلقاضي، دراسات جديدة في القسم الخاص من القانون الجنائي، م.س، ص:87.

[12]. أنظر على سبيل المثال الفصل 181 من مجموعة القانون الجنائي بشأن المؤاخذة على جريمة الخيانة.

[13].  R. Merle et A. Vitu: op. cit, p. 604 et s.

[14]. وفي هذا المعنى يقول الأستاذ عبد الحفيظ بلقاضي ” من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها السياسة الجنائية ذات الأصول والتقاليد المستمدة من الفكر القانوني الحديث أن الدولة إنما تمارس سلطتها في العقاب اعتبارا من اللحظة التي يتم فيها التعبير عن الجريمة في الواقع المحسوس، أما قبل هذه اللحظة، وحيث لا يتعلق الأمر إلا بخاطرة أو فكرة خالصة أو مجرد عزم وتصميم على ارتكاب الجريمة، فإن السلوك الإنساني يظل بمنآى عن التأثيم ولا تطاله الأداة الجنائية”.

عبد الحفيظ بلقاضي، دراسات جديدة في القسم الخاص من القانون الجنائي، م.س، ص: 89.

[15]. بعدما عرف المشرع المغربي فعل المؤامرة في الفصل 175 من القانون الجنائي قائلا: ” المؤامرة هي التصميم على العمل، متى كان متفقا عليه ومقررا بين شخصين أو أكثر”، اعتبرها فعلا يعاقب عليه القانون ولو لم يتبعه أي عمل أو بدء في عمل من أجل إعداد تنفيذها.

راجع الفصول 172 و173 و174 و201 من مجموعة القانون الجنائي المغربي.

[16]. يطلق الفقه الإيطالي على هذا النوع من التجريم الاستباقي، جريمة التمام السابق على تحقق النتيجة أو الجريمة المبكرة الإتمام، فهذا السلوك عند المشرع جدير بالعقاب الجنائي حتى وإن لم يتخط عتبة البدء في التنفيذ الذي يتحقق به الشروع أو المحاولة وفقا للقواعد العامة في التجريم والعقاب.

[17]. يتعلق الأمر بالقانون رقم 03.03 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.140 الصادر في 26 من ربيع الأول 1424 موافق 28 ماي 2003، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 5112 بتاريخ 27 من ربيع الأول موافق 29 ماي 2003.

[18]. عبد الكافي ورياشي، الشرعية الجنائية: مفهومها – أنواعها-أحكامها-أزمنتها، دراسة مقارنة في احدى ضمانات المحاكمة العادلة، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة الأولى، 2023، ص: 151.

[19]. صدر القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب بتاريخ 28 ماي 2003 ودخل حيز التنفيذ بمجرد نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 29 ماي 2003 تطبيقا لمقتضيات مادته الثامنة.

[20]. صدر القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية في 3 أكتوبر 2002 وتم نشره في الجريدة الرسمية في 30 يناير 2008، غير أنه لم يدخل حيز التنفيذ سوى في فاتح أكتوبر 2003.

[21]. أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات القسم الخاص الكتاب الأول، دار النهضة العربية، القاهرة،2019، ص: 112 وما بعدها.

[22]. يتعلق الأمر بالقرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 1462 الصادر بتاريخ 28 مارس 2019، مشار إليه عند عبد الحفيظ بلقاضي، دراسات جديدة في القسم الخاص من القانون الجنائي المغربي والمقارن، م.س، ص: 116.

[23]. اعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قرار شير Sher أن الإرهاب ينتمي إلى فصيل خاص، الأمر الذي يبرر عدم تقيد السلطات الأمنية في إطار مكافحته تقيدا حرفيا بالضمانات المنصوص عليها في المادة الخامسة من الاتفاقية.

 

[24]. راجع الفصول 12-1-218 و4-218 و5-218 و6-218.

[25]. بمراجعة نص الفقرة الأولى من الفصل 5-218 التي جاء فيها: ” كل من قام بأي وسيلة من الوسائل بإقناع الغير بارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب أو دفعه إلى القيام بها أو حرضه على ذلك يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات وبغرامة تتراوح بين 5000 و 10000 درهم”، يتبين أن جريمة التحريض أشمل من مجرد فعل المشاركة على ارتكاب جريمة إرهابية فهي قد تقوم بأي وسيلة من وسائل التحريض خلافا للمشاركة الواردة في الفصل 129 من مجموعة القانون الجنائي، فضلا عن أن المشاركة لا يكون معاقبا عليها إلا إذا أفضت إلى ارتكاب الجريمة الأصلية أو شرع في ارتكابها، بينما التحريض على الجريمة الإرهابية يعد فعلا معاقبا عليه في ذاته سواء وقعت الجريمة المحرض عنها أو لم تقع.

[26]. أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، م. س، ص: 114.

[27]. راجع الفصل 4-218 من مجموعة القانون الجنائي.

[28]. يتعلق الأمر بالفصل 1-1-218 من مجموعة القانون الجنائي الذي جاء فيه: ” تعتبر الأفعال التالية جرائم إرهابية:

  • الالتحاق أو محاولة الالتحاق بشكل فردي أو جماعي في إطار منظم أو غير منظم، بكيانات أو تنظيمات أو عصابات أو جماعات إرهابية أيا كان شكلها أو هدفها أو مكان وجودها، ولو كانت الأفعال الإرهابية لا تستهدف الإضرار بالمملكة المغربية أو بمصالحها.
  • تلقي تدريب أو تكوين، كيفما كان شكله أو نوعه أو مدته داخل أو خارج المملكة المغربية أو محاولة ذلك، بقصد ارتكاب أحد الأفعال الإرهابية داخل المملكة أو خارجها، سواء وقع الفعل المذكور أو لم يقع.
  • تجنيد بأي وسيلة كانت أو تدريب أو تكوين شخص أو أكثر من أجل الالتحاق بكيانات أو تنظيمات أو عصابات أو جماعات، إرهابية داخل المملكة المغربية أو خارجها، أو محاولة ارتكاب هذه الأفعال، يعاقب على الأفعال المذكورة بالسجن من خمس إلى عشر سنوات وبغرامة تتراوح بين 5.000 و 10.000 درهم، تضاعف العقوبات المشار إليها في الفقرة السابقة إذا تعلق الأمر بتجنيد أو تدريب أو تكوين قاصر، أو إذا تم استغلال الإشراف على المدارس أو المعاهد أو مراكز التربية أو التكوين كيفما كان نوعها للقيام بذلك، غير أنه إذا كان الفاعل شخصا معنويا، يعاقب بغرامة تتراوح بين 1.000.000 و 10,000,000 درهم، مع الحكم بحله وبالتدابير الوقائية المنصوص عليها في الفصل 62 من هذا القانون، دون المساس بحقوق الغير ودون الإخلال بالعقوبات التي يمكن إصدارها في حق مسيري الشخص المعنوي أو مستخدميه المرتكبين للجريمة أو المحاولة”.

[29]. نذكر على سبيل المثال التشريعات الفرنسية والإيطالية والانجليزية التي استلهمت مفهوم مصطلح ” التدريب ” المقصود في الجرائم الإرهابية بما ورد في المادة السابعة من اتفاقية المجلس الأوروبي لمنع الإرهاب لسنة 2005 باعتبار كونه ” توفير الإرشادات في تصنيع واستخدام المتفجرات أو الأسلحة النارية أو أسلحة أخرى أو مواد مضرة بالصحة أو مواد خطرة أو في أي وسيلة أخرى أو تقنية بغرض تنفيذ أو المساهمة في ارتكاب جريمة إرهابية مع العلم بأن المهارات التي تم توفيرها من شأنها أن تستخدم في هذا الغرض”، راجع عبد الحفيظ بلقاضي، دراسات جديدة في القسم الخاص من القانون الجنائي المغربي والمقارن، م.س،ص:144.

[30]. عبد الكافي ورياشي، الشرعية الجنائية: مفهومها – أنواعها-أحكامها-أزمنتها، دراسة مقارنة في احدى ضمانات المحاكمة العادلة، م.س، ص: 154.

[31]. عبد الحفيظ بلقاضي، دراسات جديدة في القسم الخاص من القانون الجنائي المغربي والمقارن، م.س، ص: 145

[32]. يتعلق الأمر بالقانون رقم 22.01 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.255 المؤرخ في 25 رجب 1423 والموافق لـ 3 أكتوبر 2002، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5078 بتاريخ 27 ذي القعدة 1423 الموافق لـ 30 يناير 2003.

[33]. جاء في الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية ما يلي: ” كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية”.

[34]. عبد الكافي ورياشي، الشرعية الجنائية: مفهومها – أنواعها-أحكامها-أزمنتها، دراسة مقارنة في احدى ضمانات المحاكمة العادلة، م.س، ص:157.

[35]. جاء في المادة 18 من ق.م. م أنه: ” يعهد إلى الشرطة الفضائية تبعا للبيانات المقررة في هذا القسم بالتثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها”.

[36]. عبد الكافي ورياشي، الشرعية الجنائية: مفهومها – أنواعها-أحكامها-أزمنتها، دراسة مقارنة في احدى ضمانات المحاكمة العادلة، م.س، ص:158.

[37]. أحمد الخمليشي، شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الأول، الطبعة الثالثة، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع،1980، ص:237.

[38]. عبد الكافي ورياشي، الشرعية الجنائية: مفهومها – أنواعها-أحكامها-أزمنتها، دراسة مقارنة في احدى ضمانات المحاكمة العادلة، م.س، ص:158.

[39]. كما هو الشأن بالنسبة لقانون الإجراءات المصري في المادة 58 التي تقابلها المادة 61 من قانون المسطرة الجنائية المغربي، حيث جاء فيها: ” كل من يكون قد وصل إلى علمه بسبب التفتيش معلومات عن الأشياء أو الأوراق المضبوطة، وأفضى بها إلى أي شخص غير ذي صفة أو انتفع بها بأي طريقة كانت يعاقب بالعقوبات المقررة في المادة 310 من قانون العقوبات”.

[40]. عبد الكافي ورياشي، الشرعية الجنائية: مفهومها – أنواعها-أحكامها-أزمنتها، دراسة مقارنة في احدى ضمانات المحاكمة العادلة، م.س، ص:162.

[41]. الحبيب بيهي، شرعية الإجراءات في ضوء المشروع الجديدة لقانون المسطرة الجنائية المغربي، مجلة القانون المغربي، العدد 2 ،2002، ص:70.

[42].  أحمد فتحي سرور ، نظرية البطلان في قانون الإجراءات الجنائية، مركز الأهرام للإصدارات القانونية، المنصورة، 2011،ص :7.

[43]. مقولة الفقيه الألماني إيهرينغ IHERING مشار إليها عند كل من:

Frédérie Debove et François Falletti : Précis du droit pénal et de procédure pénal, P U F, Paris, 2001, p. 860.

[44]. أحمد الخمليشي: شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الثاني، دار لمعرفة الرباط، 1988، م س، ص: 31.

[45]. تعددت التعريفات التي صيغت لمفهوم البطلات الجنائي بين من اعتبر بأنه جزاء إجرائي يستهدف كل عمل إجرائي لا يتوفر فيه عنصر أو أكثر من العناصر لجوهرية التي يستلزمها ، ويترتب عليه عدم إنتاجية الاثار القانونية التي ترتبها القاعدة الإجرائية اذا كان كاملا ” ، راجع في هذا التعريف: مدحت محمد الحسيني، البطلان في المواد الجنائية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية 1993، ص: 6 ، كما عرفه الفقيه أحمد فتحى سرور، بكونه ” جزاء إجرائي ينال من العمل الإجرائي فيهدر جميع آثاره القانونية”، راجع في هذا التعريف: أحمد فتحى سرور ، نظرية البطلان في قانون الإجراءات الجنائية ، م.س،ص:27.

[46] .   Jacques Boré: La cassation en matière pénale, L.G.D.J, 1985, p.476.

[47]. راجع بهذا الخصوص كل من:

  • أحمد الخمليشي، شرح قانون المسطرة الجنائية -الجزء الثاني، م.س، ص 32 وما بعدها.
  • محمد عباط، دراسة في المسطرة الجنائية المغربية، الجزء الثاني، بدون ذكر المطبعة أو السنة، ص 166 وما بعدها.
  • محمد أحداف، شرح المسطرة الجنائية -الجزء الثاني، بدون ذكر المطبعة أو السنة، ص: 503 وما بعدها.

[48] .  F. Debove, F. Fallitti et E. Dypic: op. cit, p. 862.

[49]. لا شك أن البطلان القانوني يكفل معرفة القواعد التي يعتبرها المشرع الإجرائي أساسية في حماية الحريات الشخصية وحقوق الدفاع وحسن إدارة العدالة، ومن ثم لم يعمل على إخضاعها للسلطة التقديرية للقضاة، وهو ما سيقل معه أي تعسف محتمل بهذا الخصوص أو تناقض في الأحكام، فضلا عن أن حالات البطلان القانوني تستجيب لإملاءات الشرعية الإجرائية على اعتبار أن المخاطبين بأحكامها يعلمون ابتداء بمقتضى نص واضح وارد في قانون المسطرة الجنائية مآل خرق هذه الأحكام وهو إعمال جزاء البطلان.

[50]. عبد الكافي ورياشي، الشرعية الجنائية: مفهومها – أنواعها-أحكامها-أزمنتها، دراسة مقارنة في احدى ضمانات المحاكمة العادلة، م.س، ص:163.

[51]. جاء في المادة 751 من ق.م.ج ما يلي: ” كل إجراء يأمر به هذا القانون ولم يثبت انجازه على النحو القانوني يعد كأنه لم ينجزه وذلك مع مراعاة مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 442 المتعلقة بجلسات غرفة الجنايات”.

[52]. راجع في ذلك: الحبيب بيهي، شرعية الإجراءات في ضوء المشروع الجديد لقانون المسطرة الجنائية المغربي، م.س، ص: 70 وما بعدها.

[53]. مؤدى هذا البطلان أن القضاء لا يقرر البطلان إلا إذا ترتب على خرق القاعدة الإجرائية ضرر من تقررت لمصلحته، سواء كان القانون ينص على وجوب البطلان، أم وجد فيها القاضي شكلا جوهريا بما له من سلطة تقديرية في ذلك، ومن ثم يكون تقدير وقوع الضرر من عدمه من المسائل الموضوعية التي يستقل القاضي بتحديدها وفقا لضميره واقتناعه، وقد يصل به الأمر حد الامتناع عن إعمال جزاء البطلان ولو كان منصوصا عليه في القانون.

راجع في ذلك: أحمد فتحي سرور، الوسيط في شرح قانون الإجراءات الجنائية، م س، ص: 274.

[54]. إن إعمال جزاء البطلان بحسب مذهب ” لا بطلان إلا بنص ” رهين بأن يكون المشرع الإجرائي قد رتب هذا الجزاء على المخالفة الإجرائية صراحة، ذلك أن المشرع هو من يحدد حالات البطلان بشكل حصري والقضاء لا يمكنه إعمال البطلان ما لم يكن منصوصا عليه، وفي المقابل لا يمكنه التغاضي عن تطبيق جزاء البطلان متى كان منصوصا عليه.

[55]. عبد الكافي ورياشي، الشرعية الجنائية: مفهومها – أنواعها-أحكامها-أزمنتها، دراسة مقارنة في احدى ضمانات المحاكمة العادلة، م.س، ص:164.

[56]. إن المقصود هنا بالأسباب غير المعترف بها حسب الفقه الفرنسي هو الإحجام عن إعمال جزاء البطلان بعلة أنه ” لا بطلان بدون نص أو لا بطلان بدون ضرر”، وهو ما قد يشكل انتهاكا لمبدأ الشرعية الإجرائية، راجع في ذلك:

Roger Merle et André Vitu: Traité de droit criminel, procédure pénale, tome I, CUJAS, Paris, p.207.

[57] . Roger Merle et André Vitu: Traité de droit criminel, procédure pénale, tome III, CUJAS, Paris, p. 207.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى