بحوث قانونيةفي الواجهةمقالات قانونية

الأمن التجريمي أو حدود حق الدولة في التجريم بين جاروفالو وجون ستيوارت ميل – الدكتور : فهد بن نايف بن محمد الطريسي



الأمن التجريمي أو حدود حق الدولة في التجريم بين جاروفالو وجون ستيوارت ميل

Criminal security or the limits of the state’s right to criminalize Between Garofalo and John Stuart Mill

الدكتور : فهد بن نايف بن محمد الطريسي

استاذ القانون المشارك بجامعة الطائف المملكة العربية السعودية

لتحميل الاصدار كاملا

مجلة القانون والأعمال الدولية : الاصدار رقم 49 لشهري دجنبر 2023 / يناير 2024

ملخص البحث:‏

‏ يحاول هذا البحث إيجاد معايير واضحة لاعتبار فعل ما جريمة لا يحتاج ‏لجزاء ‏مدني أو لمجرد جزاء اجتماعي فقط، أو ربما لا يحتاج الفعل أو السلوك لأي جزاء على الإطلاق. بحيث يمكننا بعد ذلك ‏معرفة حدود حق الدولة في أن تحمي الأمن والسلام الاجتماعي باستخدام سلطتها في القمع ‏القانوني. وينطلق البحث من ‏فرضيتي جاروفالو وجون ستيوارت ميل، ‏حيث يدافع جاروفالو عن التمييز بين الجرائم الطبيعية ‏وغير الطبيعية، وينطلق جون ستيوارت ميل ‏من توجهاته الليبرالية التي تتأسس على الحرية ‏الفردية ومبدأ الضرر.‏

الكلمات المفتاحية: التجريم، جاروفالو، جون ستيوارت ميل، الجرائم الطبيعية، مبدأ الضرر.‏

Abstract:

‎This research attempts to find clear criteria for considering an act a crime and does not need a civil or just a social penalty, or perhaps the act or behavior does not need any penalty at all. So that we can then know the limits of the state’s right to protect security and social peace by using its power of legal repression. The research stems ‎from the hypotheses of Garofalo and John Stuart ‎Mill, where ‎Garofalo defends the distinction between natural and ‎unnatural ‎crimes, and John Stuart Mill proceeds from his liberal ‎orientations, ‎which are based on individual freedom and the harm ‎principle.

Keywords: criminalization, Garofalo, John Stuart Mill, natural crimes, ‎The harm principle.‎

‏(1) العودة إلى جاروفالو عبر الجرائم الطبيعية:‏

‏ قد يجرم القانون خيانة الأمانة، مع ذلك فإنه وفي الغالب لن يعتبر رفض وفاء المدين ‏بالتزاماته جريمة، رغم أن كلا السلوكين (جحد العارية، رفض تنفيذ الالتزام) قد يلحق ذات ‏الخسائر بالنسبة للشخص المضرور وقد يتضمن سوء النية، فما الذي يجعل فعلاً ما جريمة ‏جنائية وفعلاً آخر ليس بجريمة؟ قد يطرح شخص ما ذلك السؤال في جرائم الأموال فقط مثل ‏ما فعل أليكس سيل حين قال بأن السرقة جريمة لا تتطلب أي تبرير لوجودها داخل نطاق ‏التجريم القانوني فهو يعتبرها من الجرائم الطبيعية، ثم أشار بعد ذلك إلى توسع نطاق ‏افتراضاتها المتنوعة (باعتبارها اعتداءً على الملكية) اعتماداً على العقوبات الجنائية ‏‎(Steel, ‎Alex, 2008, p.712)‎‏. غير أن إشكالية معايير التجريم لا تقف عند حد الاعتداء على ‏الأموال، بل تمتد حتى إلى أفعال أخرى كالمثلية أو الإجهاض أو القتل أثناء الحرب..الخ. ‏فلكل مجتمع رؤيته الخاصة لما يعد جريمة وما لا يعد، وهذا ما يجعلنا نطرح السؤال على ‏مستوى المشرع، فما هي المعايير التي تجعل المشرع يجرم فعلاً دون آخر، إننا باختصار ‏نسأل عن معنى الجريمة لا على مستواها القاعدي ‏regulative‏ اللاحق؛ بل على مستواها ‏المعياري ‏normative‏ السابق وهو السؤال الذي يهتم بإجابته علماء الإجرام في المقام الأول، ‏ولكن يجب عدم الخلط هنا بين السؤال عن معايير التجريم وبين أسئلة علماء الاجتماع بنظرياتهم المختلفة حول ‏الانحراف كالتفاعل الرمزي والصراع والوصمة وغير ذلك. فمثلاً ليس بالضرورة أن يكون كل انحراف جريمة، كما أنه ‏ليس بالضرورة أن تكون كل جريمة انحرافاً؛ فمفهوما الإنحراف والجريمة ليسا مترادفين ولا متطابقين في المعنى ‏والأثر والنتائج رغم أنهما قد يكونا مترابطين ومتداخلين أحياناً.(غدنر، انتوني، 2005، 280). ‏

‏ فإذا كانت الحفريات الجنيالوجية للجريمة (والجنيالوجيا ‏genealogy‏ هي علم الأنساب أو أصل النسب ‏وتستخدم فلسفياً للبحث عن أصل المفاهيم، أو تطورها بغرض هدم مفهومها التقليدي وإعادة بنائه بشكل عقلاني) ‏‏(‏The Oxford dictionary of current English, 1992, 363)‎‏) (‏Blackburn, Simon, 2016, ‎‎488 ‎‏ ) نقول إذا كانت هذه الحفريات لا تفضي إلى نتائج حاسمة بقدر ما تفضي إلى مزيد من الساحات الشاسعة من ‏الفراغ المفهومي؛ فإننا سنجد أن جاروفالو قد حاول الغوص عميقاً لإيجاد تعريف سوسيولوجي ‏أقرب إلى الحقيقة، وهو ليفعل ذلك اتخذ موقفاً سلبياً من تعريف الفقه القانوني، لأن الجريمة ‏عند هؤلاء الفقهاء ليست سوى “كل ما ينتهك القانون الجنائي” ‏‎(Burke, Roger, 2009, 5) ‎‏ ، أما ‏هو، فقد كان يبحث عن ذلك الاساس الذي يبني عليه المشرع تجريم نشاط إنساني دون آخر، ‏أي أن البحث وفق علم الإجرام هو الأصل وأما التعريف الفقهي فهو وصف لنتاج ذلك ‏الأصل. كان انطلاق جاروفالوا من خلال استبعاد تحليل الأفعال الإجرامية (سرقة، قتل، ‏اغتصاب..الخ)، والبحث عن مفهوم الجريمة من خلال المشاعر أو الحس الأخلاقي ليؤسس ‏مفهومه عن الجريمة الطبيعية، وهو بالتالي كان يدرك بأنه يقحم نفسه في أدغال شائكة من ‏نسبية القيم الأخلاقية، لكنه قاوم تلك الصعوبة عبر البحث عن مشاعر عالمية، أي يشترك فيها جميع البشر، ويبدو ‏أنه قد وجد ضالته في الطبيعة ونظرية التطور. لقد لجأ جاروفالو إلى التمييز بين الجريمة ‏الطبيعية‎ Natural crime ‎والجريمة الوضعية، واسند الجريمة الطبيعية إلى التطور الأخلاقي، ‏وجعل من المجتمعات المتحضرة المعاصرة (سواء الأوروبية أو غير الاوروبية) والتي خرجت ‏من ربقة الهمجية، مقياساً قياسياً ‏Standard Scale‏ للحس الأخلاقي المثالي، رغم أن الحس ‏الأخلاقي -وهو التعاطف مع الآخرين- يتغير من مكان وزمان إلى آخر، لكن هذا لا ‏يعني أنه ليس حساً غريزياً، بل هو كما أشار، حس كان يختبئ خلف واجب اجتماعي أو ديني ‏او بُنُويِّ‎ Fillial ‎وعلى هذا الأساس، فإن هناك عناصر يتكون منها الحس الاخلاقي الإيثاري ‏وهو الإحساس بالشفقة ‏(التعاطف مع ألم الآخرين)، ‏، والذي يبدأ من الاسرة فالقبيلة فالأشخاص ‏الأكثر تقارباً من حيث العرق واللون إلى أن يتسع ذلك الشعور فيشمل الإنسانية برمتها. وهذا ‏الإيثار هو الذي يؤثر على سلوك الإنسان فيعدله، مثل توجيهه نحو المعاقبة على الأفعال ‏التي تؤدي إلى إيلام الآخرين، ثم محاولة تخفيف آلامهم، ثم الإحسان والكرم والعمل ‏الخيري..الخ. غير أن الإيثار (كعنصر) لا يمكن أن يفضي مباشرة إلى تجريم كل افعال ‏القسوة، بل يجب -بحسب جاروفالو- أن يترتب على تلك الأفعال ضرر بالآخرين وهو العنصر ‏الثاني اللازم لتشكيل الحس الأخلاقي المقصود تجاه الفعل ‏‎(Jarofalo, Raffaele‎, 1890, ‎‎13-68)‎‏.‏

ورغم هذه المحاولة الجريئة من جاروفالو للتأكيد على وجود جريمة طبيعية، أي تنتهك الحس ‏الأخلاقي على مستوى عالمي، إلا أننا نرى أن تلك المحاولة لم تستطع الإجابة عن أسئلة ‏جاروفالو نفسها، حول بعض الأفعال التي قد تعتبر قاسية ولكنها ليست جريمة عند بعض ‏الثقافات. صحيح أن جاروفالو اعتبر تلك الثقافات في حالة من الهمجية وأنها لم تبلغ التطور ‏المثالي للحس الأخلاقي الإيثاري، لكن هذه الإجابة تعاني من مشكلة أساسية، وهي أنها تعكس ‏نوعاً من الوصاية الثقافية التي سيحتاج جاروفالو إلى سند عليها، ومن ناحية ثانية فإن هذه ‏الوصاية قد تشرعن لأفعال أشد قسوة كاحتلال الشعوب الأخرى لفرض القيم التي يعتبرها ‏جاروفالو تمثل قمة التحضر الإنساني، ومن ناحية ثالثة، فإنه حتى لو افترضنا صحة ذلك ‏التبرير، فإنه لن يحل مشكلة تعارض القانون الجنائي مع الخصوصيات الثقافية؛ فجاروفالو ‏نفسه اعتبر الحشمة ورفض المثلية أحد مظاهر التطور الحضاري، لكننا اليوم نشهد توجها ‏تقوده أوروبا لتحرير المثليين من القيود المجتمعية والاعتراف بحقوقهم بل ومهاجمة من يتبنى مفهوم جاروفالو للحضارة مثلما رأيناه من هجمة إعلامية غربية على قطر إثر تنظيمها لكأس العالم. لقد أثبت الحاضر خطأ ‏النموذج القيمي القديم لجاروفالو‎.‎‏ ومن هنا فإن سؤال “الجريمة” مازال قائماً. مع ذلك فإنه وبالرغم من ضعف نظرية ‏الجريمة الطبيعية لكنها لا زالت تلقى ببعض أثرها على الأنظمة القانونية مثل نظام القانون العام، ‏وخاصة في الولايات المتحدة، وذلك حينما يتم التمييز بين الجريمة التي تمثل شراً بذاتها ‏Malum In Se‏ والجريمة التي يكون شرها بحكم القانون ‏Malum Prohibitum‏. فتمثل ‏الأولى الجريمة الطبيعية والتي تحتاج بالتالي إلى إثبات العلم كأحد عناصر القصد الجنائي، ‏أما الثانية فهي التي يفترض القانون أنها ذات طبيعة شريرة رغم أن ذلك لا يبدو جلياً عليها، ‏وهي الجرائم ذات المسؤولية الصارمة حيث لا يشترط فيها علم الجاني بارتكابه لعناصر ‏الجريمة مثل مواقعة قاصر ولو بقبولها ومثل تلويث البيئة؛ وفي هذه الأخيرة لا يشترط أن يتم ‏تشكيل هيئة محلفين للنظر فيها خلافاً للأولى. مع ذلك فإن أحكام القضاء الأمريكي لم تتمكن ‏من حسم اضطراب معايير تمييزها بين النوعين من الجرائم، ففي أحيان كانت تقضي بأن ‏جريمة ما هي جريمة تحمل شرها في ذاتها وتارة تقضي بأن الشر أو الخبث فيها مفترض، ‏فعلى سبيل المثال؛ اضطربت أحكام القضاء في ثلاث قضايا تتعلق بمقتل أشخاص عن طريق دهسهم بالسيارة ‏التي تجاوز سائقوها ‏السرعة المحددة قانونا. ففي حين نجد أن المحكمة في قضيتي كولومبيا ضد ‏كولتس ‏Columbia v. Colts‏ وقضية ‏جريندستاف ضد الولاية ‏Grindstaff v. State‏ قد ‏اعتبرت الجريمتين من الجرائم الشريرة بذاتها وبالتالي يستحق ‏الجناة فيهما محاكمة عبر ‏هيئة محلفين، إلا أن هذا النهج قد تغير في قضية هيرت ضد الولاية ‏Hurt v. State ‎‏ ‏حينما ‏اعتبرت الجريمة فعلاً شريراً بحكم القانون ‏malum prohibitum activity‏.(‏Gray,‎ ‎Richard L., ‎, 1995,‎ 1382 -1384‎‏). ذلك أن تحديد طبيعة الجريمة هاهنا سيخضع ‏للمعايير الشخصية لكل قاض على حدة بحسب موقفه الأخلاقي، مثل موقف القاضي من ‏الإجهاض ‏‎(Gray, Richard, 1995, 1396-1398)‎‏. ويرى تيم نيوبيرن ‏Tim ‎Newburn‏ أنه لا يمكن التسليم بوجود أخلاق عالمية للقول بوجود جرائم طبيعية فحتى ‏القانون الجنائي الدولي نراه لا يعاني فقط من تسييس عدالته بل وأكثر من ذلك فإنه لا يوجد ‏توافق آراء حول ما يشكل “حقوقاً” من ناحية وما يعتبر “جريمة” من ناحية أخرى. ولذلك ‏يتعرض القانون الجنائي الدولي إلى النقد باعتباره مثالاً آخر لفرض الغرب قيمه وأولوياته على ‏العالم ‏‎(Newburn, Tim, 2017, 10)‎‏.‏

‏(2) مع جون استيوارت ميل وتأثير الآيدولوجيا على التجريم:‏

‏ ما هي الآيدولوجيا: هي مجموعة متماسكة بدرجة تزيد أو تنقص من الأفكار التي تضع ‏أساساً للنشاط السياسية المنظم، سواء قصد به الحفاظ على نظام القوة ‏القائم أو تعديله أو ‏الإطاحة به. ولذلك تتمتع كل الآيدولوجيات بالملامح التالية:‏

أ- تقدم توصيفاً للنظام القائم عادة ما يكون في شكل “رؤية كونية”.‏

ب- تقدم نموذجاً للمستقبل المرجو، أي رؤية عن “المجتمع الصالح”.‏

ج- تفسر كيف يجب ويمكن إحداث التغيير السياسي- أي كيف يمكن الانطلاق من (أ) إلى ‏‏(ب).‏(هيود، أندرو،‏2012، 22‏) ‏

‏ لقد ظلت الآيدولوجيات بشكل عام تؤثر على القانون الجنائي وخاصة ذلك التقاطع ما بين ‏الرؤى ‏الليبرالية والمحافظة، بما يتضمن الأنساق الدينية والعلمانية، ففي الإسلام يتم تجريم ‏شرب الخمر والربا والزنا ‏والقذف وأحياناً مراقبة ملابس الفرد وتحديد ما يعتبر ارتداؤه جريمة ‏يعاقب عليها، وهي جرائم تخلصت منها بعض المنظومات العقابية الليبرالية والعلمانية. مع ‏ذلك –وفي منطقة وسطى- لا زال الإجهاض وعقوبة الإعدام وحرية التسلح محل جدل بين ‏المحافظين والليبراليين. وفي ذات ‏السياق فإن الاشتراكية التي تغلب الحقوق الجماعية والاقتصاد الموجه ستؤثر على ‏حدود ‏التجريم بشكل يختلف عن الليبرالية التي تهتم أولاً بالحقوق الخاصة وقانون السوق؛ بشكل عام؛ ‏فمن الوظائف التي توكلها الدولة الليبرالية –على سبيل المثال لا الحصر- للسلطات العامة: إرساء المساواة القانونية بين ‏المواطنين لفتح الطريق أمام المبادرة ‏الفردية والمنافسة، حماية الملكية وتحديد مبادئ اكتسابها ‏وانتقالها، تحديد أطر العقود التجارية ومعاقبة عدم تنفيذها، تنظيم العلاقات ‏العائلية والإرث ‏لضمان سلامة الملكيات الخاصة دون السماح بعودة الامتيازات الإقطاعية، تأمين الحريات مع ‏حماية الانتظام العام في مواجهته مع ‏مرتكبي الجرائم والجنح (دوفرجيه، موريس، 1992، 37).‏ لذلك قد ‏نجد دولاً اشتراكية تجرم زيادة التاجر لسعر السلعة التي يبيعها فوق ما حددته الدولة من أسعار، ‏في حين أن الدولة الليبرالية ستترك للتاجر حرية تحديد سعر سلعته أو خدمته بحسب ‏العرض والطلب. ولذلك فما هو جريمة هنا ليس جريمة هناك.. وهكذا(دوفرجيه، موريس، ‏‏1992، 37). سنجد كذلك أن الفلسفة الليبرالية تروج للحرية الفردية، حيث يعتبر جون استيوارت ميل ‏أحد عرابيها المهمين، والذي ركز على أن السلطة تستطيع أن تتدخل فقط في حرية الفرد عندما ‏يسبب نشاطه ضرراً للآخرين سواءً كان الضرر عاماً أم خاصاً. لقد أضحى مبدأ الضرر أحد ‏العلامات البارزة في الفلسفة الليبرالية الكلاسيكية، (ميل، جون،1922، 190) وفيما يتعلق ‏بالتجريم تعرض المبدأ لانتقادات عديدة، من أهمها: أن هناك انشطة ضارة كثيرة مع ذلك فإنها ‏لا تؤدي لمعاقبة من يحدثها عقاباً جنائياً. فالضرر المدني الذي يترتب على عدم تنفيذ ‏الإلتزامات التعاقدية لا تترتب عليه عقوبات جنائية، كذلك الضرر في المسؤولية التقصيرية ‏يرتب التعويض فقط، بالإضافة إلى ذلك فما هي حدود الضرر التي يجب عندها أن يبدأ أو ‏يتوقف التجريم فمثلاً يقول ميل: (فالتعدي على حقوق الناس وإصابتهم في نفوسهم أو في ‏أموالهم بالفقد أو بالأذى من غير مسوغ مشروع، والتذرع بالكذب أو بالغش عند التعامل ‏معهم، والانتفاع من طريق الظلم واللؤم، بما يكون للمرء من المزايا عليهم، بل مجرد الامتناع ‏لغير علة مقبولة عن دفع الشر عنهم –كل هذه أمور حقيقة بأن تعرض فاعلها للتوبيخ ‏الأدبي، وجديرة في الحالات الخطيرة بأن تعرضه للجزاء القانوني) (ميل، جون، 1922، ‏‏197) غير أن ميل لم يبين لنا ما هو معيار تلك الخطورة، وما نوع الجزاء المستحق، هل هو ‏جزاء مدني أم جنائي أم إداري؟، كذلك ومن ضمن التساؤلات الموجهة لمعتنقي مبدأ الضرر ‏هو هل يمكن للدولة أن تتدخل عقابياً لتجرم الضرر الذي يقوم به الإنسان ضد نفسه كتجريم ‏عدم ربط الحزام اثناء قيادة السيارة، أو تجريم الإنتحار أو طلب الموت الرحيم، أو حتى تناول ‏المخدرات؟ ‏‎(Duff, Farmer, Marshall ‎, Renzo and Tadros, 2010, 25)‎‏ لذلك ‏فإن فكرة الضرر لا تعتبر معياراً حاسماً لما يمكن للمشرع تجريمه من أفعال وسنرى أن ميل ‏يقول:(هل يجوز للغير أن يحملوا الفرد ، من طريق المشورة أو التحريض، على إتيان أمر هو ‏حر في مباشرته ولكنه ذميم العاقبة وليس من سبب يمنع المجتمع دون زجره عنه أو تأديبه ‏عليه سوى مجرد الرعاية لحرمة الحرية إذا كان الضرر الناشئ عنه رأساً مقصور على ‏فاعله دون سواه؟ هذه أسئلة عويصة لا يسهل الاهتداء فيها إلى وجه الصواب) (ميل، ‏جون، 1922، 236).‏

‏(3) ديموقراطية التجريم:‏

‏ رأى الآباء الليبراليون أن الديموقراطية هي دكتاتورية الأغلبية، فمثلاً سنجد أن إليكسيس دو توكفيل ‏‏(805- 1859) قد وصف الديموقراطية بأنها “طغيان الأغلبية”؛ حيث يمكن أن تُسحق الحرية الفردية وحقوق الأقليات باسم الشعب. ‏كما عبر جيمس ماديسون عن آراء مماثلة أثناء المؤتمر الدستوري في فلادلفيا عام 1787، حيث رأى أن أفضل دفاع في مواجهة ‏اعتناق مبدأ الأغلبية ‏‎(Majoritarianism)‎‏ هو تكوين شبكة من الضوابط والتوازنات ستجعل الحكومة تستجيب للأقليات المتنافسة. ‏كذلك رأى الليبراليون أمثال ميل أن الحكمة السياسية لا تتوزع بالتساوي بل على أساس درجة التعليم ومن ثم فإن الديموقراطية قد ‏تستجلب النظم الأخلاقية الوضيعة عبر الشعبويين بما يمهد الطريق للحكام السلطويين إلى الحكم.(هيود، أندرو، 56، 57). وبما ‏أنها كذلك فلا شك أن هناك محاولات لعدم تعريض حقوق الأقليات للخطر جراء الحسابات ‏الرياضية التجريدية للعملية الديموقراطية. وحيث أن المبادئ من المفترض أن لا تتجزأ فإن على ‏الديموقراطية أن تكمل مشوارها حتى النهاية بدون استثناءات، وإلا تحولت لتحاصصات ‏سياسية، وبالتالي يجردها ذلك من قيمتها كتعبير عفوي عن إرادة الأغلبية فلا يجب أن تتحول ‏الديموقراطية لتسوية سياسية كأي اتفاق سياسي عادي، لا يدخل فيه الكم إلا كأحد عناصر ‏إظهار القوة وليس العنصر النهائي والحاسم. وإزاء ما سبق فإن علينا أن نناقش مشكلة حدود ‏التجريم من هذه الزاوية؛ أي من حيث تمتلك الأغلبية سلطة القمع الجنائي لسلوكيات قد تدخل ‏في إطار خصوصيات ثقافية للأقليات المهزومة عددياً مثل تجريم ارتداء الحجاب أو النقاب ‏في فرنسا لأن الأغلبية رأت ذلك دون أن تحفل بالأقلية المسلمة أو اليهودية. حيث يضع بشير عبد ‏الفتاح خمس عناصر للخصوصية الثقافية والتي تُصاغ في شكل تساؤلات:‏

‏1- من نحن؟ سؤال الهوية.‏

‏2- ماذا نملك؟ سؤال التراث.‏

‏3- ماذا نفقد نحن ويملكه غيرنا؟ سؤال الواقع.‏

‏4- ما الذي نضحي به إذا استوردنا ما نحتاج من غيرنا؟ سؤال الفرصة البديلة.‏

‏5- ما تأثير هذا الاستيراد على سؤال الهوية؟ سؤال المستقبل. (عبد الفتاح، بشير، 10 -11)‏

‏ومن ناحية أخرى؛ فإن ذات هذا الثقل العددي يمكن أن يحرر العديد من السلوكيات البشرية ‏من قيدها التجريمي بما يجعلها أنشطة مباحة كالمثلية التي تحرمها الأنظمة ذات الخلفية ‏الدينية كالإسلام والمسيحية واليهودية؛ فسنلاحظ مثلاً أن الكنيسة الرومانية الكاثوليكية كانت قد أعادت تعريف نفسها ‏في القرن التاسع عشر على أنها تعارض الليبرالية عن وعي وإدراك، وتعد اليهودية الأرثوذوكسية –إلى حد ما- رد فعال مضاد للحركات ‏التي ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بهدف تحرير العقائد والممارسات اليهودية، وهي الحركات التي أدت إلى ‏انفصال اليهودية المحافظة عن اليهودية الإصلاحية (باري، بريان، 2011، 27). ويمكننا أن نطلق أمثلة معكوسة، ‏دون أن نكون قد شططنا في هذا الأمر، فيمكن للأغلبية في الدول الإسلامية أن تفرض ارتداء ‏الحجاب أو النقاب، وتجرم المثلية، وتجيز تعدد الزوجات عملاً بقاعدة الأغلبية الديموقراطية، ‏فما هي معايير التجريم في هذه الحالة؟ هل هو معيار الصواب والخطأ؟ وما هو معيار ‏الصواب والخطأ؟ ومن يملك تلك القوة الوصائية التي تجعل معياره هو المعيار الأوحد للصواب ‏والخطأ؟ وهي أسئلة التي طرحت قديماً عبر نظريات متناقضة مثل الأخلاقية المعيارية أو ‏الواجبة ‏Deontology‏ والنفعية ‏Utilitarian‏ حيث ترتكز الأخلاق على عواقبها النافعة، والتي ‏لا يسمح نطاق البحث بمناقشتها هنا.

‏(4) إجابات ناقصة ولكنها ممكنة:‏

‏ علينا أن نواجه مشكلة التجريم من عدة زوايا، من أهمها: هل تمثل مشكلة التجريم استثناءً ‏بحيث يمكن تجاهلها؟ وهل يمكن أن نستخدم نظاماً جنائياً ثقافياً (بحيث تقنن كل جماعة ثقافتها) وبالتالي ‏يتم تجنب الصدام بين الخصوصيات الثقافية والصراعات الأيدولوجية؟ هل يمكننا أن نأخذ بمبدأ ‏جديد وهو الاستبعاد، بحيث نستبعد ما لا يجوز للمشرع تجريمه من أنشطة وما معايير هذا ‏الاستبعاد؟

‏ إذا نظرنا إلى واقع القانون الجنائي وارتددنا تاريخياً إلى المدونات القديمة كمدونة حامورابي ‏وما حوته من قواعد ذات طبيعة جنائية، فإن القانون الجنائي لم يواجه بمشكلة التجريم كما ‏يحدث في وقتنا الحاضر. ففيما مضى؛ ظلت القواعد الجنائية غير محاصرة بأي نقاش حول ما ‏يعد جريمة بعد أن يحدد الإله أو الملك أو المشرع تلك السلوكيات التي يجب المعاقبة عليها ‏بعقوبات محددة. وحتى اليوم سنجد أن التساؤلات حول التجريم محصورة في جرائم أو أفعال ‏محدودة، كالمثلية والإجهاض والختان الفرعوني، وقليل جداً؛ المعاقبة على بعض الاختلالات ‏التعاقدية، وبعض جرائم الأموال، وأيضاً بعض السلوكيات المتعلقة بالخصوصيات الثقافية التي ‏تتميز بتقييم أخلاقي أقل من تقييم الحضارة الغربية السائدة اليوم، مثل ما تقوم به القبائل ‏البدائية التي أشار إليها جاروفالو‎(Jarofalo, Raffaele‎, 1890, 42)‎‏. بالتالي يمكننا أن ‏نقول بأن الجدل حول التجريم مجرد ترف فكري، ويمكن للمشرع أن يمضي قدماً متجاهلاً هذا ‏الجدل. لكن دعونا نشير إلى أن لذلك الجدل تأثير كبير على مستوى أيديولوجيا التجريم أي ‏على مستوى فلسفة السياسة الجنائية، كما أن الجدل في حد ذاته يضعف من طمأنينتنا ووثوقنا ‏في نظامنا التجريمي. إننا نتحدث عن صراع الحضارات في حقبة يمكننا أن نعتبرها ذروة ‏الصدام الحضاري بين الشرق والغرب والتي نراها في الحرب بين أوكرانيا وروسيا، وأحاديث ‏الرئيس الروسي فلادمير بوتين بذات الطرح المتطابق مع عرابه الفيلسوف ألكسندر دوجين؛ أي ‏الصراع بين (الله ضد الانترنت) (أنظر: لقاء دوجين في قناة الجزيرة ‏https://www.youtube.com/watch?v=176Ru9prvhg‏) وبين تحذيرات صامويل هانتنجتون من ‏مهددات الديموقراطية الليبرالية في كتابه الموجة الثالثة؛ فعلى سبيل المثال يرى هانتنجتون أن “الأصولية ‏السنية والشيعية قد تصل إلى السلطة وكانت الحركات الأصولية اليهودية والهندوسية والمسيحية على نفس الدرجة ‏من القوة. ويمكن القول إن معظم الحركات الأصولية تعادي الديموقراطية لأنها تقصر المشاركة السياسية على من ‏يتبعون عقيدة دينية محددة” كما أشار من قبلها إلى موقف الكاثوليكية المتصلب من قضايا تحديد النسل وعمل ‏النساء كقسيسات وموقفها المناهض للإجهاض (هانتنجتون، صمويل، 1993، ص 371-383).‏

‏ لذلك فإن الاعتبارات الأكثر منطقية التي يجب أن نستصحبها عند التشريع الجنائي يمكن ‏تلخيصهما في نقطتين هامتين تتطابقان مع التوجهات الرأسمالية الراهنة بشكل مباشر وهما: ‏‏(تكلفة الجريمة) أي ما سينفقه دافع الضرائب على مستحقات الملاحقة الجنائية. والإضرار ‏بمؤسسية الدولة خاصة في ما يتعلق بالحكومة المحدودة وبحماية بيئة المال والأعمال. ‏وسنتناول النقطتين على التوالي:‏

أولاً: تكلفة الجريمة (خفض التجريم):‏

‏ أضحت تكلفة الجريمة تمثل معضلة حقيقة؛ حيث تنفق الدولة على تأمين المجتمع من ‏المجرمين وملاحقتهم ومحاكمتهم وسجنهم وعلاجهم.. الخ الكثير من الأموال، هذا فضلاً عن ‏بناء المزيد والمزيد من السجون، بل وتأجير السجون من بعض الدول بسبب غزارة التجريم مع ‏إلغاء العقوبات البدنية الكلاسيكية (‏Newburn,Tim, 2017, 736- 744‎‏)، وهذا ما دفع ‏إلى البحث عن معالجات كثيرة لا زالت تخضع للتقييم الاقتصادي والفني مثل الإفراج الشرطي ‏والاختبار القضائي والخدمة المجتمعية (‏hayes, Croddy and Clark‎, 2000, 191‎‏). ‏هذا يحتم على الدولة أن تعمل على تقليل إخضاع الكثير من الأنشطة للقانون الجنائي، ‏والبحث عن جزاءات مدنية، أو حتى جزاءات وسيطة ‏(مدنية-جنائية)؛ كرفع معدلات انتقاض ‏الملاءة المالية (توقيع الغرامة بالإضافة إلى التعويض)، التجريد من الحماية القانونية المدنية ‏والجنائية في المعاملات المالية (نزع عنصر المسؤولية من الالتزام). وهذا العقاب يشبه كثيراً ‏لجوء المجتمعات القديمة لطرد المجرم من منطقتها الجغرافية ليهيم على وجهه وهو معرضٌ ‏للخطر من أي مجتمعات أخرى. هذا بالتأكيد إلى جانب منع الجريمة عبر التصميم البيئي ‏المعروف.‏

ثانياً: الإضرار بمؤسسية الدولة (زيادة التجريم):‏

‏ تحيا المجتمعات الحرة داخل إقليم وسلطة ذات سيادة. ووفقاً للتوجهات الليبرالية المنتصرة، ‏فإن المَهمة الأساسية للحكومة هي حماية الحرية الاقتصادية لتلك الشعوب، فلا تتدخل الدولة ‏في قانون السوق إلا في نطاق ضيق، يكفل تحقيق استقرار الفرد بمعرفته لحقوقه والتزاماته تجاه ‏الآخر (الفرد أو المجتمع) (‏Copp, Stephen, 2008, 33‎‏). ولذلك فإن هذا النسق في ‏مجمله يعكس مؤسسية الدولة، أي الانضباط بين وحدات السلطة وبعضها البعض، والانضباط ‏بين تلك الوحدات والأفراد. يحتاج تحقيق ذلك لاستقرار النظام القانوني برمته بحيث لا يحدث ‏أي اضطراب يفضي بدوره إلى اضطراب بيئة المال والأعمال على وجه الخصوص. من هنا تأتي ‏الجريمة لتمثل الخطر المحدق خاصة فيما يتعلق بالفساد، فجرائم الفساد هي أكبر خطر على ‏مؤسسية الدولة، وهي عندما تتفشى تفضي ليس فقط إلى اضطراب انسيابية حركة النظام ‏الحر، بل أيضاً إلى تدخلات سلطوية لتحقيق فوائد لفئة دون أخرى عبر قوانين أو قرارات غير ‏عادلة بما ينتهك المساواة التنافسية. لذلك فإن الدولة هنا يجب أن تتدخل بقوة لتجريم الفساد ‏والمعاقبة عليه، بل وإيجاد ضمانات تؤكد استقلال القضاء والمساواة أمام القانون. على هذا ‏الأساس فإن الانشطة سيئة النية المرتبطة بالمعاملات المالية ذات الطبيعة المدنية يمكن أن ‏تواجه بإجراءات مدنية، في حين يجب توسعة نطاق العقاب الجنائي بحيث يشمل كل الأفعال ‏المتعلقة بالوظيفة العامة وخاصة أنشطة الفساد. كذلك يكون من المطلوب جداً توقيع عقوبات ‏جنائية رادعة على من ينتهك موثوقية النظام التجاري، كالجرائم المتعلقة بالشيك، والبورصة، ‏والإعلانات التجارية المضللة، والاحتكارات، والندرة المصطنعة ..الخ؛ ويرى استيفن كوب أن الحد ‏الأدنى من الأسس القانونية المؤدية لانسيابية الأسواق الحرة ذلك الذي يضمن الأمن الشخصي، حماية حقوق الملكية، التعاقد ‏الحر والمنافسة الحرة، والقدرة على تكوين الشراكات ‏‎ability to associate‏. فيجب أن يعمل القانون كمثبط ‏للعنف والأذى الشخصي الذي يؤثر على الأمن الشخصي لأطراف التبادل الاقتصادي وكل ما لا يكون متوافقاً مع ‏حرية السوق، ومن ذلك السرقة أو البيع الإجباري أو الإتلاف أو التعدي على الممتلكات، والاحتيال والتضليل وكل ‏ما يؤثر على التبادل التعاقدي بحيث يتعارض ذلك مع حرية السوق (‏Copp, Stephen F., 2008, 33-36‎‏). ‏

‏(5) مقترحات بحلول أخرى:‏

‏1- النظام الجنائي الثقافي:‏

‏ من السهل العودة إلى الأفكار الليبرالية كما طرحها جون ستيورات ميل، ولكنها بالتأكيد ‏ستصطدم بتعارض بين الحريات الفردية والثقافات الخاصة. ومن منطلق تلك الحرية نفسها ‏التي ينادي بها ميل فإننا لا نستطيع أن نستخدم قمعاً جنائياً ضد تلك الثقافات إذ لا نملك حق ‏الوصاية عليها. وتزداد المشكلة تعقيداً عندما يكون هناك تفاوتاً كمياً بين الأكثرية والأغلبية، إذ ‏تدفع الديموقراطية نحو دكتاتورية الأغلبية وتُمنح تلك الدكتاتورية شرعية الإكراه القانوني، كما ‏أن الدول لا تتحمل تجزئة سيادتها التشريعية، ولذلك يبدو اقتراحنا بعيد المنال في الوقت ‏الراهن، إذا ما وضعنا نصب أعيننا أن الشعوب اليوم تحاول التمسك بميراثها الثقافي في ‏مواجهة ما تسميه بالأمركة وثقافة الاستهلاك أو حتى في مواجهة الثقافات الغالبة عددياً كما ‏يشير ويل كمليكا ‏Will Kymlicka‏ (‏Kymlicka, Will, 1995, 107-130‎‏). مع ذلك ‏فإن النظام الجنائي الثقافي هو الخيار الأقل كلفة في مواجهة خيارات القمع. وأقصد بالنظام ‏الجنائي الثقافي، هو أن تختار كل مجموعة اجتماعية تجريم ما تراه منتهكاً لثقافتها وفقاً ‏لأعرافها وتقاليدها، مع احتفاظ الدولة الأم بسيادتها القانونية في تجريم الأنشطة التي تهدد تلك ‏السيادة الكلية أو نظامها الاجتماعي العام، أي ذلك النظام الاجتماعي الذي يشمل تلك ‏الأقليات. إن المسألة ليست قريبة من النظام الفيدرالي كما في الولايات المتحدة، فنحن لا ‏نتحدث عن تفاوتات ثقافية بسيطة، بل مفارقات ثقافية حادة. ففي الدول الدينية المحافظة والتي ‏قد لا تقبل مظاهر لدين آخر أو أيديولوجيا منافسة، يكون من الصعب أن نتحدث عن فدرالية ‏عادية، بل يجب أن نتحدث عن وضع أقرب للكونفدرالية فيما يتعلق بالسياسات الجنائية التي ‏يجب أن تتبع. غير أن القضية لن تقف عند هذا الحد، فالتداخلات والشتات الديموغرافي ‏قد يمنعان تلك التحاصصات القانونية، ويجعل تطبيقها مستحيلاً على أرض الواقع كذلك فإن ‏تلك الميزات التي تمنح للأقليات قد تفضي إلى النزوح الثقافي، أي النزوح بغرض الاستمتاع ‏ببعض المزايا في مناطق دون أخرى بدلاً عن تمكين الاندماج. لذلك فإن مقترحنا بالنظام ‏الجنائي الثقافي هو مجرد اقتراح شديد العمومية وليس مقترحاً محسوماً بخرائط ديموغرافية، كما ‏أنه يتأسس فقط على افتراض خصائص محددة لتلك المجتمعات التي يمكن تطبيقها عليه.‏

‏2- التعاقد الاجتماعي:‏

كان من المفترض أن نتحدث عن الحقوق والحريات كإحدى المعايير التي يجب وضعها في ‏الاعتبار عند تجريم نشاط ما، لكننا فضلنا أن نكون أكثر منطقية، فالحقوق والحريات أغلبها محل ‏جدل، إنها أيضاً تنتمي لمشكلة صدام الثقافات. على سبيل المثال فإن إتفاقية سيداو (اتفاقية ‏القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ‏The Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination ‎against Women (CEDAW)‎‏)‏‎ (https://www.un.org/womenwatch/daw/cedaw/text/0360793A.pdf)‎‏ مثلاً لم ‏تحظ –حتى الآن- بقبول مطلق من المجمتعات الشرقية حيث تم التحفظ عليها من بعض ‏الدول (‏https://documents-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/N06/309/98/PDF/N0630998.pdf?OpenElement‏) رغم ‏أنها تبدو -من وجهة نظر ليبرالية- مستندة إلى حريات مقبولة عالمياً، ولكن هذا غير صحيح. ‏لذلك فالتجريم المؤسس على الحقوق والحريات يتجاهل أصل المشكلة وهو عدم وحدة البشرية ‏‏(التنوع). إن البشرية تتأسس على الاختلاف والتعدد لا على الوحدة. ومن هنا من الواجب أن يتأسس ‏القانون الجنائي (أي التجريم والعقاب) على التعاقد الاجتماعي والذي يعترف بالتنوع وأحقية ‏الآخر في الوجود؛ ونحن هنا لا نستخدم مصطلح العقد الاجتماعي ‏Social Contract‏ الذي يبرر ظهور السلطة السياسية ‏وفقاً لتنويعات فلاسفة السياسة كهوبز ولوك وروسو، لأن نشأة الدولة والسلطات تخرج عن نطاق بحثنا وإنما نتحدث عن التعاقد ‏الاجتماعي ‏social contracting‏ كحالة لاحقة لنشأة الدولة تحدث كاستجابة للصراعات الثقافية والسياسية وتؤثر على القانون ‏الجنائي بما يستدعي أن يتم تبرير التجريم والعقاب على توافقات حقيقية داخل الدولة وليس عبر افتراضات محضة كافتراض العقد ‏الاجتماعي هذا الأخير الذي أدى إلى تصنيف نظريات العقد الاجتماعي كنظريات غيبية كما ورد في مؤلف دكتور يحيى الجمل (الجمل، ‏يحيى، 23، 31). ويمكننا القول بأن بعض مشاكل العالم النامي تنبع من الرفض المتبادل بين الثقافات المتعددة ‏داخل الدولة الواحدة بحيث لم يعد بالإمكان الجلوس والاتفاق على قواعد عامة تمثل القاسم ‏المشترك الأصغر بين مجتمعاتها. فالكل ضد الكل، لكن في نهاية الأمر لا سبيل أمام تلك ‏الشعوب -لكي تحظى بالاستقرار- إلا أن تجلس وتتفاوض؛ هذا هو الحل الحقيقي، ونتائج ‏ذلك التفاوض هو التعاقد الاجتماعي، لذلك كانت مثل تلك الاتفاقات إحدى الحجج المبررة لمنح الأقليات ميزاتها رغم ‏أن تلك الاتفاقيات تم تجاهلها أو التنصل منها، علي سبيل المثال؛ ألغت الحكومة الأمريكية من جانب واحد معاهدات معينة مع قبائل ‏الهنود الحمر، وكذلك فعل المستوطنون البريطانيون مع قبائل “تشيكانوس ‏Chicanos‏” والـ”ميتيسMetis ‎‏”، وتعرضت معاهدة ‏وايتانجي ‏‎ Waitangi‎‏ لعام 1840 التي أبرمها المستعمرون البريطانيون في نيوزيلاندا مع رؤساء الماوري ‏Maori‏ لبلطان نسبي ‏في عام 1877، فتلك الاتفاقيات لم تكن عادلة لأنها تمت إما تحت الإكراه أو استغلال جهل تلك القبائل ‏‎(Kymlicka, Will, ‎‎1995, 116 )‎، مع ذلك فإن من نتائج ذلك التعاقد هو توحيد الرؤى فيما يتعلق بالتجريم، ما يجوز ‏تجريمه وما لا يجوز تجريمه. مع ملاحظة أن تلك القضايا الثقافية شديدة الحساسية، ولا يصلح ‏معها المعيار الامبريالي الذي تبناه الغرب تحت ذريعة نشر التنوير والحداثة؛ ففي هذا الصدد؛ ‏يشير دنيس كوش في مؤلفه “مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية”؛ إلى تلك النزعة الكونية للأنوار والتي دعت يوهان غوتفريد هردر ‏إلى مناصرة مفهوم “تنوع الثقافات” في مواجهة كونية فلسفة الأنوار الامبريالية (كوش، دنيس، 2007، 19) . ونعتقد بأن ‏الغرب حتى الآن لم يستطع قياس المزاج العام للشعوب غير الغربية قياساً صحيحاً، ولذلك ‏فمن السهولة على أنظمة تلك الشعوب أن تشيطن القيم الليبرالية ومن ثم تحويل الغرب برمته ‏إلى عدو وشيطان أكبر.‏

‏(6) الضمانة الوحيدة للتجريم:‏

‏ تتبعنا ما يمكن أن نسميه رؤى أكثر منها نظريات حاولت اكتشاف معيار أو معايير ‏التجريم. وتبين لنا بعد كل ذلك، أنه لا توجد معايير حاسمة ومستقرة لتحدد ما يجب أن يعاقب ‏عليه جنائياً وما لا يجب. هذه ليست النهاية كما نتصور، فنحن نرى استمرار البرلمانات في ‏سن القوانين الجنائية وتجريم الكثير من الأنشطة. والمجتمع الدولي، يجلس ويبرم اتفاقيات ‏لتجريم انشطة يرى أنها جديرة بالتجريم كغسيل الأموال والاتجار بالبشر وتلويث البيئة والتمييز ‏ضد المرأة والطفل، وهناك دول عادت لتجرم مواقف البشر من التاريخ كما فعلت فرنسا فيما ‏يتعلق بإنكار إبادة الأرمن؛ ففي عام 2012 أقر البرلمان الفرنسي قانوناً يجرم إنكار إبادة الأرمن مما أثار ‏توتراً بين فرنسا وتركيا(‏shorturl.at/bfm16‎‏)، وبعضها جرمت بعض الانتماءات الطائفية وقناعات ‏الأفراد الفكرية كتجريم الولايات المتحدة -سابقاً- الانتماء للشيوعية عبر قانون ‏The ‎Communist Control Act of 1954‎‏ وفي معرض حديثه عن حرية التعبير يتساءل يوجين فولوخ: ‏‏”يهدف الدستور إلى حماية القيم وتعزيزها. حرية التعبير هي إحدى هذه الميزات، وكذلك الديموقراطية والملكية ‏الخاصة والمساواة والتسامح الديني وسلطة الحكومة الفيدرالية لشن الحرب بشكل فعال. لكل من هذه القيم، يمكن ‏للمرء أت يسأل بشكل معقول عندما تهدد ممارسة حق دستوري –حرية التعبير- بإلحاق الضرر بقيمة دستورية ‏أخرى، فلماذا يجب أن تسود حرية التعبير بالضرورة؟ لماذا، على سبيل المثال، يجب أن يفوق حق الشيوعيين في ‏الكلام الحفاظ على القيم العديدة، بما في ذلك حرية التعبير نفسها، التي سيدمرها الشيوعيون بالتأكيد إذا وصلوا إلى ‏السلطة. إنه في الواقع ينتقد حرية التعبير التي يمكنها أن تفضي إلى الآثار المؤذية لتلك الحرية. ويشير إلى دور ‏القضاء في تحجيم حرية التعبير لحساب القيم الدستورية كما في قضية فرايز ‏Fries‏ 1799. ولا يهمنا هنا رأي ‏فولوخ وتحيزه لحرية التعبير أم لتحجيمها، وإنما نهتم بما يعكسه هذا الجدل المثار حول القضية برمتها نتيجة ‏لتضارب المصالح بحسب الخلفية الأيدولوجية إلى التأثير على عملية التجريم ‏‎(Volokh, Eugene, 1996, ‎‎223- 242)‎، هذا كله لا يؤكد عدم وجود معايير للتجريم ولكنه يؤكد نسبية تلك المعايير، وأن ‏بعض المعايير ترتبط بالصراع، ومنطق القوة، والعدالة التاريخية، والأيديولوجيا، ولذلك فحين ‏نقول بأن هناك معايير نسبية فنحن إذاً ننظر لها من عدة أبعاد:‏

أولاً: البعد الشكلي: الزمان والجغرافيا.‏

ثانياً: البعد الموضوعي (سياسي، ديني، آيدولوجي)..‏

ثالثاً: البعد الثقافي والسيسيولوجي.‏

رابعاً: البعد السلطوي. (الصراع أو منطق القوة).‏

خامساً: الأبعاد التقليدية: كالعدالة والقصاص ومنع العدوان وحماية المجتمع والردع والانتقام.‏

لذلك فحين نحاول الحكم على سلوك ما بأنه يستحق التجريم أم لا، فنحن إنما نقوم باستدعاء ‏شبكة من المعارف والمعلومات والمصالح والنوازع والرغبات. فيكون الحكم أقرب إلى الحدس ‏والاستبصار منه إلى التفكير المتسلسل منطقياً.‏

فلنتخيل أننا سمعنا بانقلاب عسكري ضد حاكم منتخب؟

إننا هنا نحكم بحسب ما إذا:‏

‏- كنا نؤمن بالديموقراطية أم بالدكتاتورية.‏

‏- مدى طول واستقرار النظم الديموقراطي أو الدكتاتوري الذي خضعنا له.‏

‏- الواقع الاقتصادي المتردي أو حالة الرفاهية في ظل الحاكم المنتخب.‏

‏- أيديولوجيتنا والأيديولوجيا التي يتبناها الحاكم المنتخب أو يقف ضدها.‏

‏- ممتلكاتنا ومصالحنا الخاصة ومدى استقرارها أو اضطرابها في ظل النظام الديموقراطي أو ‏الدكتاتوري؟

‏- طموحاتنا الشخصية.‏

‏- مدى قوة أو ضعف تمثيلنا في البرلمان.‏

‏- ما إذا كنا أغلبية أو أقلية..‏

‏- ما إذا كانت العلاقات الدولية بين النظام الديموقراطي والعالم جيدة أم متردية.‏

‏- المهددات الأمنية التي تواجه الدولة.‏

وغير ذلك..‏

من هنا نحدد ما إذا كان من الواجب اعتبار الانقلاب على الحاكم المنتخب جريمة أم ضرورة.‏

سنقيس على ذلك تجريم مضايقة المؤجر للمستأجر ومحاولات تعطيله لمنافع العقار، وذلك ‏بمدى كوننا مؤجرين أم مستأجرين، أم لا هذا ولا ذاك. وكذلك مدى تجريم سلوك في مهنة ‏معينة إذا كنا ننتمي لتلك المهنة أم لا. وفي بعض الأحيان يتأسس رأينا حول التجريم على ‏طبقتنا الاقتصادية.‏

مع ذلك فهناك ضمانة واحدة يجب الاتفاق عليها أياً كان معيار التجريم وهي ضمانة المساواة ‏أمام القانون، فنحن مثلاً نعلم بأن الكثير من الأنظمة تترك للقاضي تحديد الجرعة العقابية ‏داخل حدين أدنى وأقصى. إن القاضي هنا يختار العقوبة المناسبة ومسألة تناسب العقوبة مع ‏الخطورة الإجرامية وطبيعة الجريمة ودرجة مشاركة المتهم مع غيره من المتهمين..الخ ‏‎(Čentéš, Mrva and Krajčovič, 2018,605)‎‏ وهذا الاختيار لن يـنـفصل عن الكثير من المعايير ‏الشخصية للقاضي؛ تلك التي لا يمكن وضعها على طاولة البحث والتقييم، هذا ما يجعلنا ‏ننظر بارتياب شديد لتلك السلطة التقديرية التي تُمنح للقُضاة ليس فقط من حيث انتهاكها لمبدأ ‏المساواة ولكن أيضاً لأن معاييرها غامضة، ففي بحث قيم عن تفريد القضاء في الهند أوردت ‏Anju Vali Tikoo‏ ‏العديد من النماذج القضائية التي استخدم فيها مبدأ تفريد العقاب بشكل غير معقول. ومن ذلك قضية ‏In Santosh Kumar ‎Singh v. State‎‏ حيث تم تعديل العقوبة من الاعدام للمؤبد بمزاعم غريبة مثل أن الإدانة بنيت على أدلة ظرفية، وأن المدان كان ‏شاباً، وأنه تزوج (بعد اقترافه لجريمة قتل الفتاة التي كان يلاحقها) وأنجب بعد زواجه طفلة. وتشير الدكتورة بذكاء إشارة غامضة إلى ‏أن الوضع الاجتماعي للمدان لعب دوره في تعديل العقوبة من الإعدام للسجن المؤبد‏Tikoo, Vali, 2017)‎‏).‏ وهذه المسألة تشبه التجريم، لكنها أكثر خطورة، لأن التجريم يؤسس على قاعدة عامة مجردة، ‏وبالتالي تتحقق فيه المساواة أمام القانون بشكل تجريدي مهما كانت طبيعة الجريمة أو العقوبة ‏الموقعة عليها. في حين أن ترك تحديد درجة العقوبة لسلطة القاضي التقديرية لا يخضع لتلك ‏الضمانة. من هنا تبدو المساواة أمام القانون من أهم ضمانات التجريم والتي يجب دوماً ‏وضعها في الاعتبار كحد أدنى من الضمانات التي يجب التأكيد على ضرورتها. فنحن لن ‏نستطيع حسم جدلية التجريم، وبالتالي قد تتعرض مصالحنا للتهديد عبر التجريم إذا لم يتم ‏وضع ترتيبات إجرائية تضمن احتفاظ القاعدة الجنائية بعموميتها وبحيث نستطيع أن نجعل ‏تكلفة التجريم صعبة إذا فرضنا أن يخضع الجميع لذات قواعد التجريم التي يتم سنها، فيخضع ‏لها الجميع بمن فيهم من اقترح القانون للبرلمان (مجموعة من الشعب (أغلبية أو أقلية)، أو ‏السلطة التنفيذية أو عضواً في البرلمان، أو حزباً معارضاً بحسب الأنظمة).‏

‏(7) الخاتمة:‏

‏ يبدو تحطيم مسلمات الإنسان مثيراً للإحباط، ولكنه يمنحنا أفقاً جديدا للتحرك نحو الأمام، ‏أفقاً أكثر إنسانية، وهذا ما يحدث عندما نفكك تلك المسلمات المدرسية في المعرفة الجنائية. ‏إن ذلك العالم الطيب والشفوق الذي يبدو في ظاهر مبادئ العدالة الجنائية، إنما يخفي وراءه وجهه ‏الفوضوي البشع. لقد بدأنا البحث بدراسة التمييز بين الجرائم الطبيعية وغير الطبيعية، وتبين ‏لنا أن هذا التمييز لا يخدمنا كثيراً في تحديد السلوك الذي يجب أن يعاقب عليه جنائياً والسلوك ‏الذي لا يجوز المعاقبة عليه جنائياً. كما أن المبادئ الليبرالية نفسها تعاني من كونها تنطلق ‏بدورها من مسلمات الحرية الفردية والضرر، ورغم أن هذه المسلمات تبدو واضحة وعادلة جداً لأول وهلة، ‏لكنها في الواقع غير صالحة لرسم حدود التجريم بدقة، كما انها هي نفسها تعتبر أيديولوجيا، وبالتالي ‏ستواجه سواها من الأيديولوجيات عندما يشرع البرلمان في كتابة قواعد جنائية للسلوك البشري. ‏وانتهينا إلى أن التجريم جدلية لا إجابة لها، واقترحنا أن يتم الاهتمام أكثر بالمساواة أمام القانون ‏بغض النظر عن قبولنا او رفضنا لتجريم سلوك بشري ما. لأن المساواة أمام القانون هي وحدها ‏التي ستضمن درجة من ضبط المشرع لنفسه قبل التأكيد على تجريم سلوك ما، وخاصة عندما ‏يكون موضوع التجريم سلوكاً ذا طابع سياسي أو فئوي أو طبقي.. الخ. وهذا هو الأفق الإنساني ‏الذي أشرنا إليه سابقاً. ربما من النتائج غير المنظورة للبحث، توجهه نحو التأكيد (عبر نسبية ‏معايير التجريم) على حق الثقافات الأخرى في اتباع معاييرها الخاصة في التجريم. ولكن من ‏ناحية أخرى ستعمل نسبية التجريم هذي في اتجاه مضاد لعالمية القواعد الجنائية وهذا ما قد ‏يعتبر أثراً سلبياً للنسبية. ولكن هل ينبغي أن نُخضع طبيعتنا البشرية ككائنات مختلفة لقواعد ‏صناعية لمجرد رغبتنا في توحيد القواعد الجنائية العالمية؟ هل القضاء الجنائي الدولي سيعزز ‏العدالة الجنائية أم سينتهك الثقافات الأخرى، ويتحول بدوره لآلة أيدولوجية قامعة؟ وإذا كنا ‏سنقبل بمعايير تجريمية دولية نراها -وفق رؤيتنا الخاصة جداً- محققة للعدالة، أفلن يفضي ‏ذلك إلى أن نخضع -نحن أيضاً- في المستقبل لمن يرى رؤيته الخاصة جداً أكثر تحقيقاً ‏للعدالة؟

قائمة المراجع:‏

‏(أ) باللغة العربية:‏

• أنتوني غِدِنْز، علم الاجتماع، ترجمة: د.فايز الصُيّاغ، المنظمة العربية للترجمة، ‏مؤسسة ترجمان، الطبعة الرابعة، ‏بيروت، تشرين الأول (أكتوبر) 2005.‏

• أندرو هيود، مدخل إلى الأيدلوجيات السياسية، ترجمة: محمد صفار، المركز القومي ‏للترجمة، سلسلة العلوم الاجتماعية ‏للباحثين، العدد 1830، الطبعة الأولى، 2012‏

• بريان باري، الثقافة والمساواة “نقد مساواتي للتعددية الثقافية”، ج1، ترجمة: كمال ‏المصري، عالم المعرفة 382، ‏نوفمبر 2011.‏

• بشير عبد الفتاح، الخصوصية الثقافية، نهضة مصر للطباعة والنشر، الطبعة1: يوليو ‏‏2007.‏

• جون ستيوارت ميل، الحرية، تعريب: طه السباعى، مطبعة الشعب، الطبعة الأولى، ‏يناير 1922.‏

• دنيس كوش، مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية، ترجمة: منير السعيداني، المنظمة ‏العربية للترجمة، بيروت مارس، ‏آذار (مارس) 2007.‏

• صمويل هانتنجتون، الموجة الثالثة “التحول الديمقراطي في أواخر القرن العشرين، ‏ترجمة د.عبد الوهاب علوب، دار ‏سعاد الصباح، الطبعة الأولى، 1993.‏

• موريس دوفرجيه، المؤسسات السياسية والقانون الدستوري، الأنظمة السياسية الكبرى، ‏ترجمة: د.جورج سعد،المؤسسة ‏الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، ‏‏1412هـ – 1992.‏

• د.يحيى الجمل، حصاد القرن العشرين في علم القانون، دار الشروق، الطبعة ‏الأولى، 1427هـ-2006م.‏

 

‏(ب) باللغة الإنجليزية والفرنسية:‏

• Alex Steel, the harms and wrongs of stealing: The harm ‎principle and dishonesty in theft, ‎UNSW law journal, ‎(712-‎‎737), Volume 31(3),2008.‎

• Anju Vali Tikoo‎, individualization of punishment, just desert ‎and indian supreme court decisions: ‎some reflections, (20 -‎‎46), ILI Law Review Vol. II, Winter Issue 2017.‎

• Bill hayes, Marshal Croddy, Todd Clark, Criminal Justice In ‎America, Constitutional ‎rights ‎foundation, Los Angeles, ‎California, Third Edition, 2000.‎

• Deontology, Ed. Stephen Darwall, Blackwell publishing, UK, ‎USA, 2003.‎

• Ethics: Essential Readings in Moral Theory, Ed. George ‎Sher, Routledge, New York and ‎London, 2012.‎

• Eugene Volokh, freedom of speech and the constitutional ‎tension method, The University of Chicago ‎Law School ‎Roundtable, Vol. 3: Iss. 1, Article 10, 1996.‎‎

•Jozef Čentéš, Michal Mrva, Michal Krajčovič, the process of ‎individualization of punishment in ‎insolvency crimes, the ‎international journal, (603- 619), Volume 6 Number 2 ‎‎(December) 2018.‎

• R.A. Duff, Lindsay Farmer, S.E. Marshall, Massimo Renzo, ‎and Victor ‎Tadros, the boundaries of the criminal law, ‎Oxford University Press, ‎New York, 2010.‎

•Raffaele Garofalo, la criminology:Étude sur la nature du ‎crime et la théorie de la ‎pénalité, Félix ‎Alcan, Éditeur, 1890.‎

• Richard L. Gray, Eliminating the (Absurd) Distinction ‎Between Malum In Se and ‎Malum ‎Prohibitum Crimes, ‎Washington university law quarterly,(1369-1389), VOL. ‎‎73:1369‎, ‎‎1995.‎‏ ‏‎

• Roger Hopkins Burke, an introduction to criminological ‎theory, Willan Publishing, UK, USA, ‎‎2009.‎

•Simon Blackburn, The Oxford Dictionary of Philosophy, ‎United Kingdom, Oxford University ‎Press, third edition 2016.‎

• Stephen Copp, the legal foundations of free markets, the ‎institute of economic affairs, Great ‎Britain, 2008.‎

• The Oxford dictionary of current English, ed. Delia ‎Thompson, New York, Oxford University ‎Press, third edition ‎‎1992.‎

• Tim Newburn, criminology, Routledge, New York, 2017.‎

•Will Kymlicka, multicultural citizenship : a liberal theory of ‎minority right, Oxford University ‎Press Inc., New York, ‎‎1995.‎

‏(ج) روابط:‏

• ‏لقاءالفيلسوف الروسي دوجين في قناة الجزيرة:‏

‏ ‏https://www.youtube.com/watch?v=176Ru9prvhg

• وثيقة: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة:‏‎ ‎سيداو: (استرداد 17 أغسطس 2022):‏

https://www.un.org/womenwatch/daw/cedaw/text/0360793A.pdf

• وثيقة التحفظات على اتفاقية سيداو ( استرداد 17 أغسطس 2022):‏

https://documents-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/N06/309/98/PDF/N0630998.pdf?OpenElement

• القانون الفرنسي يقر تجريم إنكار إبادة الأرمن:‏

shorturl.at/bfm16‎


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى