في الواجهةمقالات قانونية

الإجهاض بين النظر الفقهي و التأطير التشريعي

الإجهاض بين النظر الفقهي و التأطير التشريعي 

 

مقدمة :

إن من  أهم الحقوق التي تضمنتها كل من  الشريعة الإسلامية و القانون الوضعي هي الحق في الحياة ، حيث نص دستور المملكة المغربية الجديد في الفصل 20 على أن الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان ، ويحمي القانون هذا الحق.

هذه الحماية مقرة حتى للجنين في بطن أمه ، حيث يعتبر هذا الأخير إنسان مثل باقي الناس ، ويتمتع بكثير من الحقوق لا سيما الحق في الحياة وحقه في الإرث وأن يوهب له ، و يستحق كل ذلك بمجرد ولادته حيا ، لهذا يمكن القول أن الإعتداء على الجنين في بطن أمه يشكل جريمة يعاقب عليها القانون.

و تعتبر جريمة الإجهاض من الجرائم المرتكبة ضد نظام الأسرة والتي حرمها الإسلام على اعتبار أن الجنين به روح ،  وقتل النفس لا يكون إلا بالحق مصداقا لقوله تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم وإياهم).

إن الإجهاض أمر قد شاع وانتشر في كثير من بقاع العالم في العصر الحديث نتيجة انتشار الزنا ، واضطراب القيم والبحث عن المتعة والترف واللهو والمجون ، وزاد من انتشار هذه الظاهرة التطور الاقتصادي والاجتماعي والطبي ،بحيث أصبحت تتم بطرق طبية حديثة جدا من طرف أختصاصيين ، وإذا رجعنا لأسباب  هذه الجريمة  فهي متعددة ومن أهمها الحمل غير الشرعي الذي انتشر بسبب العلاقات الجنسية خارج إطار مؤسسة الزواج، والجهل والفقر وغيرها من الأسباب.

وقد ذكرت مجلة Medcine Diggest  أن التقديرات الطبية تدل على أن 13,8 مليون حالة إجهاض جنائي  تتم سنويا في البلاد[1] ، و تعتبر روسيا أول دولة في العالم أباحت الإجهاض بمجرد طلب الحامل حتى مع عدم وجود أي سبب طبي .[2]

أما  اليابان فتعتبر أول دولة آسيوية تبيح الإجهاض حسب الطلب ـ وتبلغ حالات الإجهاض هناك 3 ملايين حالة سنويا.[3]

وجدير بالذكر أن المشرع الجنائي المغربي قد تعرض لجريمة الإجهاض وأفرد لها نصوص  قانونية، خاصة المواد من 449 إلى 458 من القانون الجنائي، أما قبل صدور القانون الجنائي الحالي المطبق ابتداءا من 17 يونيه 1963 فلم تكن ثمة نصوص تجرم الإجهاض صراحة ، إلا أن نية المشرع على ما يبدو كانت تسير في هذا الاتجاه وذلك بعد إصداره ظهير 10 يوليوز 1939  الذي يعاقب على الدعاية والتحريض على التقليل من الإنجاب والتناسل.
وقد كان السبب الوحيد الذي سمح معه القانون بالإجهاض هو الذي تضمنته المادة 453 و الذي قرر الإعفاء من العقاب إذا استوجبته ضرورة إنقاذ حياة الأم من الخطر متى قام به طبيب أو جراح علانية وبعد إخطار السلطة الإدارية  ، ثم صدر بتاريخ فاتح يوليوز 1967 مرسوم بتغيير المادتين 453 و 455 من القانون  الجنائي  وإلغاء ظهير 10 – 7 –  1939 ، وبموجبه أصبح نص المادة 453 كما يلي: "لا عقاب على الإجهاض إذا استوجبته ضرورة الحفاظ على صحة الأم متى قام به طبيب أو جراح بإذن من الزوج ولا يطالب بهذا الإذن إذا ارتأى أن حياة الأم في خطر غير أنه يجب عليه أن يشعر بذلك الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم…"

إلا أن الأمر لم يتوقف عند ذلك ، بحيث تم إعلان نقاش واسع بتدخل من المؤسسة الملكية ومختلف الفاعلين من أطباء وقانونيين ومجالس علمية وهيئات وجمعيات حقوقية ، بحيث تم إحداث حالات جديدة تبيح الإجهاض .

على هذا الأساس يثار إشكال مفاده :

إلى أي حد استطاع المشرع من خلال مقتضيات القانون الجنائي الحد من الإجهاض السري و استيعاب بعض حالاته وتزكية الإطار القانوني لجريمة الإجهاض ؟

الأمر الذي يقتضي معه التطرق لماهية الإجهاض كمبحث أول ، على أن نتطرق لبعض حالات الإجهاض وظروف التشديد والعقاب  في المطلب الثاني .

 

المبحث الأول:    ماهية  الإجهاض :

يقتضي التطرق لماهية الإجهاض كجريمة معاقب عليها بمقتضى القانون الجنائي ، بسط مفهومها ونظر الشرع فيها (المطلب الاول)، وكذلك بسط الأركان المحددة لها(المطلب الثاني).

المطلب الأول : مفهوم الإجهاض ونظر الشرع فيه:

إذا كان المشرع الجنائي المغربي يرمي من خلال تجريم مجموعة من الأفعال الضارة حماية المكون الأسري لا سيما الأطفال ،  فإن حماية القانون الجنائي تمتد حتى للجنين ، باعتباره ثمرة العلاقة الزوجية  في إطار الأسرة وذلك من خلال تجريم الإجهاض ، على هذا الأساس سنبين مفهوم الإجهاض في الفقرة الأولى ،على أن نتطرق لنظر الشرع فيه كفقرة ثانية .

الفقرة الأولى : مفهوم الإجهاض :

الإجهاض في اللغة : مصدر الفعل اللازم جهض ، ويعني إسقاط جنين قبل أوانه ،وإلقاءه لغير تمام ، و يقال للحامل التي أسقطت حملها مجهض ، ويطلق الإجهاض غالبا على إسقاط الولد ناقص الخلقة ، أو الذي لم يستبن خلقه، لكنه قد تطلق على ما تم خلقه بعد نفخ الروح .[4]

أما الإجهاض في  الفقه : هو إلقاء الحمل مطلقا ، سواء كان ناقص الخلقة أو ناقص المدة، مستبين الخلقة أم لا ، نفخت فيه الروح أو لم تنتفخ ، قصدا أم بغير قصد أو تلقائيا.

أو إسقاط المرأة جنينها بفعلها أو بفعل غيرها ، وبأي وسيلة كانت ، لكن إذا أردنا تعريف جريمة الإجهاض بمعناها الخاص ، فهي إنهاء حالة الحمل قبل الموعد الطبيعي للولادة ، عمدا وبلا ضرورة ، بأي وسيلة كانت ، وفي غير الحالات التي أجازها الشرع الحنيف.

أما الإجهاض في علم الطب هو خروج متحصل الحمل في أي وقت من مدة الحمل ،وقبل تكامل الأشهر الرحمية ، ودون أن يعيش .

لكن علماء الطب على خلاف في تحديد هذه المدة ،فقديما كان يقال إلى ما قبل ثمانية أشهر ونصف ، ثم قيل إلى ستة أشهر وخمسة…، ومع تقدم الوسائل الطبية وطرق العناية المكثفة أصبح من الممكن أن يعيش الجنين إذا ولد لعشرين أسبوعا ، فالأشهر الرحمية تستمر إلى الشهر الخامس أو السادس عند آخرين ، فإذا أسقط الجنين قبل ذلك سمي  الفعل إجهاض.[5]

فالإجهاض هو إسقاط الجنين قبل أوانه الطبيعي ، أي إنهاء حياة إنسان مازال لم تكتمل بعد خلقته بسبب وجوده في بطن أمه ، الأمر الذي ينتج عنه من الناحية الاجتماعية  ضررا مؤكدا .[6]

 الفقرة الثانية : حكم الإجهاض في الفقه الإسلامي :

المتأمل في النصوص الشرعية يجد أنه ليس هناك نص مباشر في دلالته من القرآن أو السنة على حكم الإجهاض ، وإنما ورد في كتاب الله عز وجل تحريم قتل النفس بغير حق ، ومن ذلك قوله تعالى:"ومن قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما".[7]

وورد في القرآن و السنة آيات وأحاديث تشير إلى مراحل وأطوار خلق الإنسان ، وتحديد هذه المراحل ورد في السنة في حديث ابن مسعود أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:" حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهوالصادق المصدوق: أن أحدهم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات ، فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي وسعيد ، ثم ينفخ فيه الروح…"

ويلاحظ أنه ليس فيها حكم مباشر للإجهاض ، وإن كان يدخل في عمومات الأدلة في هذه المسألة ،واختلف الفقهاء في هذه  المسألة اختلافا كبيرا، وسبب اختلافهم أمرين :

-الامر الأول: عدم وجود نص صريح في هذه المسألة ، ففهم كل منهم من النص ما فهم ، وبنى الحكم في المسألة على ذلك.

-الامر الثاني :الاختلاف في المدة التي يتخلق فيها الجنين :[8]

حيث يختلف حكم الإجهاض عند الفقهاء باختلاف المرحلة التي وصل إليها الجنين في بطن أمه ، وهي عند الفقهاء مرحلتان :

 

1-حكم الإجهاض قبل نفخ الروح :

حيث اختلفت آراء المذاهب في هذه المرحلة من الحمل وسنذكر بإيجاز بعض هذه الآراء كالتالي :

  • أولا: المذهب الحنفي : ذهب أغلب الحنفية إلى إباحة الإجهاض قبل أن يبدأ الجنين في التخلق ، وذهب ابن نجيم إلى إباحة الإجهاض في الأربعين يوما الأولى من التلقيح ، حيث قال :" والسقط إن ظهر بعض خلقه ولد " ثم أضاف :"يباح لها أن تعالج في استنزال الدم مادام الحمل مضغة أو علقة ، ولم يخلق له عضو ، وقدروا هذه المدة بمائة يوم لأنه ليس بآدمي ، ولا مانع أنه بعد هذه المدة تخلق أعضاؤه وتنفخ فيه الروح.
  • ثانيا :المذهب المالكي : يحرم الإجهاض منذ اللحظة الأولى التي يصل فيها ماء الرجل إلى رحم المرأة ، حيث يقول ابن جزي:" وإذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له ولو قبل الأربعين يوما وهذا المعتمد".

 

  • ثالثا : المذهب الشافعي : لفقهاء الشافعية أقوال مختلفة في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح ، فمنهم من قال بحرمته منذ اللحظة الأولى للعلوق في الرحم ، ومنهم من قال بإباحة الإجهاض قبل الأربعين يوما ، ومنهم من قال بجوازه قبل نفخ الروح مطلقا.

حيث قال الإمام الغزالي :"وليس هذا –أي العزل- كالإجهاض والوأد لأن ذلك جناية على موجود حاصل ، وله أيضا مراتب ، وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم  وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة، وإنشاء ذلك جناية، فإن صارت مضغة وعلقة صارت الجناية أفحش ، وإن نفخت الروح واستوت الخلقة ازدادت تفاحشا ، ومنتهى التفاحش في الجناية بعد الانفصال حيا.

-رابعا : المذهب الحنبلي : اختلف الحنابلة في حكم اسقاط الجنين قبل نفخ الروح فكانوا على قولين ، أحدهما يحرم الإجهاض إذا صار الولد علقة والسبب في ذلك كون الولد قد انعقد، أما الإتجاه الثاني فيقول بجواز الإجهاض قبل نفخ الروح ، بحيث قال الإمام المرداوي :"يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة".[9]

 

 

 

2-حكم الإجهاض بعد نفخ الروح :

إذا كان الفقهاء قد اختلفوا في حكم الإجهاض في مرحلة النطفة والعلقة ، فإنهم أجمعوا في مسألة إسقاط الجنين بعد نفخ الروح على التحريم، أي بعد أربعة أشهر رحمية ، وقدرت بمائة وعشرين يوما من بداية التلقيح أو قبل ذلك حسب ما ترجح عند بعض الفقهاء وعلماء الاختصاص كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جمع الخلق الصحيح ، لأنه بنفخ الروح يصير الجنين نفسا آدمية ، وبذلك لا يصح قتله بغير سبب شرعي.[10]

 

المطلب الثاني : أركان جريمة الإجهاض :

لقيام جريمة الإجهاض أركان يجب تحققها كي تنتج كافة آثارها ، وسنوضحها باقتضاب كالتالي:

 الفقرة الأولى : الركن القانوني في جريمة الإجهاض :

لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ، وعليه فالركن القانوني للجريمة هو من الأركان الأساسية لتجريم الفعل ، أي إعطائه صفة الجرم بغية إنزال العقوبة .

بما أن الإجهاض هو إنهاء حياة جنين مازال على قيد الحياة في أحشاء أمه ، وبما أن إنهاء حياة جنين هو بمثابة إزهاق روح ، فإن المشرع اعتبرها جريمة يقتضي معها  معاقبة فاعليها ومحرضيها والمشاركين والمتدخلين فيها ، الأمر الذي دفع بالمشرع لشمل هذا النوع من الجرائم بالتقنين وسطر لها فصول في القانون الجنائي للحد منها،[11]  من الفصل 449 إلى الفصل 458.

كما جرمت أغلب التشريعات الإجهاض كالمشرع العراقي مثلا ، حيث خص جريمة إجهاض المرأة الحامل برضاها المادة417 ، وخص جريمة إجهاض المرأة الحامل عمدا بدون رضاها المادة 418 ، وخص الاعتداء المفضي إلى الإجهاض المادة 419.

 

 

 

الفقرة الثانية : الركن المادي والمعنوي في جريمة الإجهاض:

  1. الركن المادي في جريمة الإجهاض :

يتحقق الركن المادي بتوافر ثلاث عناصر أساسية ، وهي النشاط الجرمي وتحقق نتيجة ضارة عن هذا النشاط ووجود علاقة سببية بين النشاط والنتيجة.

كما أنه لا يقع الإجهاض إلا على امرأة حامل ، لأن القانون لا يعاقب على منع الحمل قبل حدوثه بأي وسيلة من وسائل منع  الحمل ، حتى ولو كانت عملية جراحية إذا دعت الضرورة ذلك ، كاستئصال المبايض التي بها أورام يخشى منها ولا علاج إلا باستئصالها .

كما أن القانون لا يفرق بين الحمل الحاصل عن علاقة شرعية أو عن علاقة غير شرعية ، ولو كانت برضاها أو بغير رضاها ، فلا فرق بين امرأة حملت من زوجها وبين امرأة حملت سفاحا ولو كانت ضحية التغرير أو الخداع أو  الاغتصاب ،فلا بد من استمرار الحمل والمحافظة عليه لكي تستمر دورته الطبيعية، مالم تحدث ضرورة ملجئة للاجهاض.[12]

  هذا هو الركن الخاص أو  كما يسميه البعض بالركن المفترض ، حيث تفترض جريمة الاجهاض أن تكون المرأة  التي ينالها الفعل الإجرامي حاملا ، في أي وقت من أوقات الحمل إلى أن تتم الولادة الطبيعية ، وعليه فإذا انتفى الحمل انتفت الجريمة ولو كان الجاني يعتقد أنه  يباشر نشاطه الإجرامي  على امرأة حامل ،أما إذا ثبت حمل المرأة ولم تنجح عملية الإجهاض فالشروع هنا يكون متحققا و يعاقب عليه وفقا للقاعدة العامة في الشروع .

ونص المشرع المغربي في الفصل 449 من القانون الجنائي على أنه :" كل من اجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك ، برضاها أو بدونه سواء كان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 200 إلى 500 درهم.

وإذا نتج عن ذلك موتها فعقوبته السجن من 10 إلى 20 سنة".

وقد عمم القانون الفعل المادي المكون لجريمة الإجهاض ، فلم يفرق بين سلوك وآخر ، أو وسيلة وأخرى ، فالوسائل ليست بذات الأهمية في نظر القانون كقاعدة عامة ، إذ يتوفر النشاط بكل فعل يؤدي إلى القضاء على حياة الجنين .[13]

ويتمثل الركن المادي باستخدام أية وسيلة تؤدي إلى إنزال الحمل قبل أوان ولادته الطبيعية ، كاستخدام أدوية طبية في صورة شراب أو مع طعام أو عن طريق الحقن ، وقد يلجأ الجاني إلى العنف كالضرب على الظهر أو البطن ، والقانون لا يتطلب وسيلة بعينها وبالتالي يمكن ارتكاب جريمة الاجهاض بأية وسيلة مادامت صالحة لأن تؤدي إلى تلك النتيجة.[14]

وجدير بالذكر أن المشرع المغربي لم يعدد كل صور النشاط المكونة للركن المادي في جريمة الإجهاض وإنما سرد بعض الأمثلة لهذا النشاط وأردف قائلا: " وبأية وسيلة أخرى" ، أي أن هذا التعداد لم يقصد منه الحصر ،وهذا الإطلاق بالنسبة للوسائل المستعملة أنها تصلح نشاطا إجراميا مكونا للركن المادي حتى ولو كانت وسائل في ظاهرها عادية و مشروعة ، كالمرأة التي تجهض نفسها بحمل الأثقال الزائدة عن الحد بهدف إسقاط الجنين .[15]

كما أن المشرع لم يعتد بمدة معينة للحمل أو عمر الجنين ، ذلك أن الشرط الوحيد هو أن يكون هناك جنين ابتدأ تكونه بتلقيح بويضة الانثى بالحيوان المنوي المذكر ولم يحن بعد أوان وضعه.

ومجرد إتيان الفعل المادي للإجهاض تقوم به الجريمة التامة إذا تحقت النتيجة ، أما إذا لم تتحقق النتيجة فإننا نكون بصدد محاولة مادامت هذه الأخيرة معاقبة بصريح النص، وإن كان المشرع قد ركز على المحاولة في صور الجريمة المستحيلة كما يظهر من الفصل 449 من القانون الجنائي الذي عاقب فيه كل من قام :"بإجهاض امرأة حبلى أو يظن أنه كذلك" ، ومن الفصل455 الذي يعاقب على المساعدة على الإجهاض "حتى ولو كانت الأدوية والمواد أو الأجهزة أو الأشياء المقترحة كوسائل فعالة للإجهاض غير قادرة على تحقيقه" ، ذلك أن المشرع مادام يعاقب على المساعدة بهذه الوسائل من طرف الموزعين أو الباعة فيكون حريا أن يطبق نفس الحكم على من يستعمل هذه الوسائل من أجل القيام بالإجهاض ، سواء كانت المرأة حبلى أو من يمارس الإجهاض عليها بإرادتها أو رغما عنها.[16]

كما تتخذ النتيجة الإجرامية في الإجهاض إحدى صورتين : إما موت الجنين في الرحم ، أو خروج الجنين من رحم أمه قبل الموعد الطبيعي لولادته.[17]

ولكي يعد الفعل المادي جريمة إجهاض ، فإنه يجب أن يخرج الجنين ميتا أو غير قابل للحياة على الأقل، أما إذا خرج حيا أو قابل للحياة ، فإن الفعل لا يكون إجهاضا ، لأن العنصر المميز للإجهاض هو وضع عقبة في سبيل حياة الجنين .

 

 

  1. الركن المعنوي في جريمة الإجهاض :

الاجهاض عملية عمدية ، تتمثل في إرادة الجاني إلى الفعل مع علمه بأن المرأة حامل وأن الوسيلة التي يعول عليها صالحة للإجهاض .

ويعاقب الفاعل حتى ولو كان الإجهاض مستحيلا إبتداء كما في حالة غياب الحمل لدى المرأة ، وبناء على ماسبق فإن القصد الجنائي يتخلق وبالتالي لا يمكن مسائلة الفاعل عن هذه الجريمة إذا كان قد أعطى للحامل عقارا مثلا يتسبب في القضاء على الجنين وهو يجهل تماما أن المرأة حبلى ، أو قام بعملية قيصرية لحامل في شهرها السابع لكونها مصابة بمرض السكر المتقدم، ففي هاتين الحالتين وأمثالهما لا يعاقب الفاعل عن الإجهاض لتخلف القصد الجنائي لديه ، لكنه قد يسأل عن جريمة غير عمدية ، ونحو ذلك أن يرتكب إهمالا أو خطأ كان هو السبب في إجهاض المرأة الحبلى حيث يجوز متابعته عن الإصابة أو القتل الخطأ طبقا للفصلين 432 أو 433 من ق ج حسب الأحوال.

كذلك بناء على المادة 453 من ق ج المعدلة بمرسوم 1 يوليوز 1967 فإن المشرع لا يعاقب على الإجهاض إذا تطلبته إما ضرورة الحفاظ على صحة الأم ، كأن تكون هذه الأخيرة مصابة باضطرابات هرمونية يصعب معه إيقاف النزيف بعد الولادة أو كانت مصابة بسرطان في عنق الرحم إلى غير ذلك من الأسباب التي تستوجب الإجهاض محافظة على صحة الحامل ، وإما بالأحرى لضرورة إنقاذ حياتها التي تستدعي إسقاط الجنين فورا وإلا أدى الأمر إلى وفاتها،  ففي هاتين الحالتين يسمح بالإجهاض بالاعتماد على المادة 453. وإذا كان المشرع قد رخص الإجهاض ومنع المعاقبة عليه بسبب وجود خطر على الأم الحامل فإن ذلك مشروط بأن يقوم بالعملية طبيب أو جراح وبكيفية علانية، أما إن قام بذلك غيرهما كالممرض أو القابلة فإنهما يعاقبان في هذه الحالة على جريمة الإجهاض حتى ولو اقتضت الظروف الصحية إجهاض المرأة الحبلى وذلك كله حرصا من المشرع على ضمان سلامة المرأة الحامل التي تقتضي حالتها إجهاضها، لأن عملية الإجهاض محفوفة بالمخاطر يقتضي إجراؤها من طرف أطباء متخصصين.
أما إذا انتفت الخطورة على صحة الأم الحامل أو حياتها فلا يسمح للطبيب نفسه أو الجراح إجراء عملية الإجهاض تحت طائلة العقاب على هذه الجريمة.[18]

 

 

 

المبحث الثاني: حالات الإجهاض و ظروف التشديد والعقاب فيها

 

سنتطرق في هذا المبحث لحالات الإجهاض التي ظلت محط نقاش واسع بين محتلف  المتدخلين في هذا المجال(المطلب الأول)، على أن نحدد ونسطر بإيجاز أهم ظروف التخفيف والعقاب لجريمة الإجهاض(المطلب الثاني).

المطلب الأول: حالات الإجهاض في التشريع المغربي  :

عرف موضوع الإجهاض بالمغرب تطور كبير نظرا للأرقام المهولة الصادرة بهذا الشأن، رغم أنه لا يزال عدد النساء اللواتي يقدمن على الإجهاض بطريقة غير قانونية في المغرب غير معروف، وذلك بسبب عدم وجود أية دراسات حتى الآن حول هذا الموضوع. ولكن مع ذلك توجد تقديرات تستند إلى عيِّنات وتخمينات مبنية على تجارب منظمة الصحة العالمية WHO: وتفيد هذه التقديرات بأنَّ هناك ما لا يقل عن مائتي ألف عملية إجهاض غير قانونية يتم إجراؤها سنويًا في المغرب.

وبما أنَّ عمليات الإجهاض غير القانونية لدى الأطباء باهظة الثمن  فإنَّ نحو عشرين في المائة من النساء المعنيات يلجأن بسبب عدم توفر المال إلى الإجهاض بطرق غير آمنة، وكثيرًا ما تكون لها عواقب وخيمة. ونتيجة لذلك يموت في كلِّ عام نحو سبعة آلاف امرأة مغربية بسبب العواقب المباشرة أو غير المباشرة لعمليات الإجهاض التي يتم إجراؤها بطرق غير مهنية.

ويذكر أن آخر تعديل يخص الإجهاض قد تم سنة 1967، وهو التعديل الذي أورد الاستثناء بخصوص تجريم الإجهاض من خلال المرسوم الملكي المؤرخ في 1 يوليوز 1967 الذي تم به تغيير الفصل 453 من القانون الجنائي.

وينص كحالة للإعفاء من العقاب وجود ضرورة للمحافظة على صحة الأم متى قام به علانية طبيب أو جراح بإذن من الزوج ، كما يمكن للطبيب أن لا يطالب بإذن الزوج إذا ارتأى أن حياة الأم في خطر غير أنه يجب أن يشعر بذلك الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم.[19]

إلا أن هذا الفصل عرف نقاشا حادا بين مختلف المتدخلين والجهات ، بحيث تعددت المطالب بين مطالب للتعديل وبين مطالب لفتح الإجهاض وبين من ينادي بإضافة حالات جديدة له.

بحيث يرى المحافظون ضرورة تحريم الإجهاض ومنعه باعتباره “جريمة” ويذهب “المتسامحون” إلى إجازته في ظروف محدودة تكون فيها صحة وحياة الأم والطفل في خطر أو احتمال أن يعاني الطفل من تشوهات. أما الحقوقيون والعلمانيون فيرون أنه يجب السماح بإجراء الإجهاض من أجل التقليل من وفيات النساء في ظل انتشار الإجهاض السري كما يعتبرونه داخلا في إطار حرية المرأة الجسدية.

وتقول بعض  الإحصاءات أن المغرب يسجل من 600 إلى 700 عملية إجهاض سرية في اليوم في ظروف غير صحية وعيادات لا تتوفر بها التجهيزات الملائمة وإن 13 في المائة من وفيات النساء تتم في حالات الإجهاض السري.

على هذا الأساس أصدر الملك محمد السادس تعليماته لرئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان لإجراء سلسلة من المشاورات الرامية إلى التفكير الجماعي والتعددي حول سبل إصلاح المقتضيات القانونية الحالية المتعلقة بالإجهاض السري.

وقال وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق في نفس الإطار أن القانون الجديد المنظم للإجهاض يتمحور حول الاجتهاد ويحث على التوصل لصيغة تحفظ قيم المغاربة ودينهم وحياة المغاربة والمغربيات.

واعتبر ائتلاف “ربيع الكرامة” الذي يضم عدة جمعيات تدافع عن حقوق المرأة أن الدستور المغربي المعدل في 2011 لا يلائم القانون الجنائي المغريي بل ويمثل إخلالا بالتزامات المغرب تجاه الاتفاقيات الدولية فيما يتعلق بالمساواة ومناهضة التمييز إذ أصبح متجاوزا ولا يستجيب لمتطلبات تمتيع المرأة بحقوقها الصحية والإنجابية على نحو كامل من خلال معالجته اللاحقوقية واللاواقعية للإجهاض وتجريمه بصفة شبه مطلقة.

ونظمت وزارة الصحة لقاء اعتبر الأول من نوعه حول الإجهاض شارك فيه أطباء ونشطاء مجتمع مدني وعلماء دين.

وقال أحمد الخمليشي مدير دار الحديث الحسنية أن موضوع الإجهاض "ليس مشكلا قانونيا فحسب بل هو مشكل اجتماعي يتطور بتطور ملابسات الحياة الاجتماعية"[20].

ومنذ الخامس عشر من شهر ماي 2015 تم عرض مسوَّدة مشروع إصلاح قانون الإجهاض، وقد أوصى مستشارو الملك بأن تكون عمليات الإجهاض مسموحة في المستقبل ليس فقط في حال وجود خطر على حياة الأم، بل كذلك في حال وجود خطر على صحة الأم، وفي حال وجود تشوُّه خلقي كبير أو مرض مستعصٍ لدى الجنين، وأيضًا في حالات الاغتصاب أو زنا المحارم.

 

المطلب الثاني: ظروف التشديد والعقاب في جريمة الإجهاض :

سنبين بإيجاز ما ورد في التشريع المغربي من ظروف مشددة (الفقرة الأولى)، وكذا ما ورد في التشريع الليبي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : ظروف التشديد والعقاب في القانون المغربي:

شدد المشــــرع المغربي عقوبة جريمة الإجهاض إذا اقترنت بظرفين اثنين أساسيين هما :

ـ موت المرأة الحـامل و اعتياد الجاني على الإجهاض ـ كما يتضح هذا الموقف المتشدد في نطاق أعمال المساعدة و التحريض على الإجهــــــاض .

أولا: حالة موت المرأة الحامل :

إذا ترتب عن الإجهاض موت المرأة الحامل فإن العقوبة  بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 449 ق . ج  تكون هي السجن من عشر إلى عشرين سنة . سواء تم الإجهاض بموافقة المرأة الحامل المجني عليها  أو بدون موافقتها، فالعقوبة المشددة تطبق في كلا الحالتين . ويطبق هذا الظرف المشدد أيضا على المحرضين[21] والمساعدين[22].
وعاقب المشرع  على المساعدة على الإجهاض بالعقوبات المقررة في الفصلين 449 و 450 من المجموعة، وبحسب الأحوال، الأطباء والجراحين وملاحظي الصحة، وأطباء الأسنان أو الصيدلة، وعمال الصيدليات، والعشابون والمضمدون وبائعوا الأدوات الجراحية والممرضون، والمدلكون والمعالجون بالتسبب والقابلات العرفية إذا هم أرشدوا إلى وسائل تحدث الإجهاض أو نصحوا باستعمالها أو باشروها بالفعل[23] .

كما يحكم على من قام بالمساعدة طبقا للفصل السابق علاوة على تلك العقوبة، الحرمان من مزاولة المهنة إما بصفة نهائية وإما لمدة محدودة[24]
وبمقتضى الفقرة الثانية من المادة 455  المعدل  عاقب المشرع بالحبس من شهرين إلى سنتين وغرامة أو بإحدى العقوبتين فقط طائفة من المساعدين على الإجهاض وهم باعة الأدوية أو المواد أو الأجهزة أو الأشياء السابقة أو العاملين على بيعها على موزعيها أو العاملين على توزيعها بأي وسيلة كانت، شريطة أن يكونوا عالمين بأنها معدة للإجهاض حتى ولو كانت هذه الأدوية أو الأجهزة أو الأشياء المقترحة كوسائل على أنها فعالة في الإجهاض غير قادرة عمليا على تحقيقه .
وبمقتضى الفقرة الثالثة من ذات المادة (455) نص المشرع على أنه إذا تحققت جريمة الإجهاض على إثر العمليات والأعمال المشار إليها في الفقرة الثانية، فإن الفاعلين يعاقبون بالعقوبات المقررة في المادة 449 من ق . ج، ومعنى ذلك أنهم يتعرضون للعقاب المشدد لجريمة الإجهاض إذا حدث وفاة المرأة المجهضة، أو كان هؤلاء البائعون أو العارضون أو الموزعون للأدوية أو المواد أو الأجهزة أو الأشياء يمارسون العرض أو التوزيع أو البيع بكيفية معتادة .
أما المحرضون على الإجهاض فقد عاقبهم المشرع في المادة 455/1 بالحبس شهرين إلى سنتين وغرامة من مائتين إلى ألفي درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، وهذه العقوبة واجبة كيفما كانت طريقة التحريضوبغض النظر عن النتيجة التي أدت إليها أي سواء وقع الإجهاض فعلا أو لم يقع .

ويتضح من المادتين 451 و 455 ق . ج لم يلتزم فيهما بأحكام المشاركة المقررة في المادة 129 من ق . ج، وذلك لأن صور المساعدة أو التحريض فيهما أوسع نطاقا من تلك التي أتى بها في الفصل 129 من جهة، ومن جهة أخرى فالمؤكد هو أن المساعدة على الإجهاض بالتحريض أو الإرشاد أو بيع الأدوية أو الأدوات أو غيرها من الأشياء التي يكون معلوما أنها ستستعمل في الإجهاض معاقبة بغض النظر عن ارتكاب الفاعل الأصلي للإجهاض – أو محاولته – بالفعل من عدمه.
وكما هو واضح أيضا فإن القانون تحوط لأمثال هؤلاء المجرمين الذين يرتكبون جرائم الإجهاض فاعتبر أن الحكم بالمؤاخذة في حق هؤلاء ينتج عنه وبحكم القانون الحرمان من مزاولة أية وظيفة أو القيام بأي عمل وبأية صفة كانت في مصحة أو دار للولادة أو في أي مؤسسة عامة أو خاصة تستقبل عادة – سواء بمقابل أو بغير مقابل – نساء في حالة حمل حقيقي أو ظاهر أو مفترض أيا كان عددهن، ونبه المشرع إلى أن الحرمان يطال المحكوم عليه من أجل محاولة الجريمة أو المشاركة فيها[25]  كما أن كل خرق أو مخالفة للحرمان من المهنة السابقة، زجره المشرع بعقوبة حبسية ومالية،أو بإحداهن فقط[26].

 وزيادة في الاحتياط ومحاربة هذه الجرائم، أمام كثرة الأطر الطبية الأجنبية التي يعود إليها في الغالب التخصص في مجال أمراض النساء والتوليد والعاملين قرر المشرع حرمان الشخص من ممارسة المهن الطبية بالمغرب حتى ولو كان قد صدر الحكم عليه من طرف قضاء أجنبي بالمؤاخذة عن جريمة تدخل طبقا للقانون المغربي تحت مقتضيات الجرائم المعاقب عليها بالفصول 449 إلى 458 من القانون الجنائي، فخول محكمة الجنح التأديبية التي يقيم بدائرتها المحكوم عليه – بناء على طلب النيابة العامة – وبعد استدعاء قانوني موجه لصاحب الشأن أن تصرح مجتمعة في غرفة المشورة بانطباق الحرمان المقرر في الفصل 456 ق . ج . وهي الحبس من ستة أشهر إلى سنتين، وغرامة مالية من 200 إلى 1000 درهم أو بإحدى العقوبتين فقط .

 

ثانيا : حالة اعتياد الجاني على الإجهاض:

نص المشرع  على هذه الحالة في الفصل   450 الذي جاء فيه : ” إذا ثبت أن مرتكب الجريمة يمارس الأفعال المشار إليها في المادة السابقة بصفة معتادة، ترفع عقوبة الحبس إلى الضعف في الحالة المشار إليها في الفقرة الأولى من الفصل 449 ، وتكون العقوبة هي السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة في الحالة المشار إليها في الفقرة الثانية من الفصل 449.
وفي الحالة التي تطبق فيها عقوبة جنحية فقط  حسب هذا الفصل أو الفصل 449 ، فإنه يجوز علاوة على ذلك أن يحكم عليه بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 [27]ق . ج . وبالمنع من الإقامة من خمس سنوات إلى عشر “.
وقد قصد المشرع من هذا التشديد، الضرب على أيدي الجناة الذين يتجاسرون على تكرار القيام بإجهاض الحوامل والاعتياد على ذلك . هذا ولم يحدد المشرع عدد المرات التي يتحقق بها الاعتياد، وأقل درجة من الاعتياد مرتين، ويبقى الأمر متروكا لتقدير القضاء الذي يتحقق من قيام عنصر الاعتياد بالنسبة لكل متهم حسب ظروف وملابسات كل قضية على حدة .
و الجدير بالذكر والتنبيه أن هذا الظرف لا يسري إلا في حق الجاني من الغير، أما إذا أجهضت الأم نفسها عدة مرات . فلا يتوافر في حقها هذا الظرف المشدد، لأن هذا النص يستهدف بالأساس مواجهة أولئك الذين يحترفون الإجهاض ويشجعون عليه .
وتختلف العقوبة المقررة في هذه الحالة بحسب موت الأم الحامل أو عدم موتها، فإن ماتت، فالعقوبة هي السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة، أما إذا لم تمت فإن عقوبة الحبس – المنصوص عليها في الفقرة 1 من ف : 449 – تضاعف لتصل إلى عشر سنوات فضلا عن غرامة يصل حدها الأقصى إلى ألف درهم .
ومعنى ذلك أن العقوبة تشتد إلى الضعف وقد تصل بالسجن إلى ثلاثين سنة إذا ماتت الأم عندما يكون الجاني معتادا على أفعال الإجهاض ولكن كيف يكون الشخص معتادا على الإجهاض؟
وكما يعبر النص إذا ثبت أن مرتكب الجريمة يمارس هذه الأفعال بصفة معتادة فالاعتياد هو الاحتراف، والاحتراف يعني أن الشخص يعول في معاشه على هذا العمل ولكن هذا المعنى يتجاوز حدود النص لأن المشرع يقصد من ورائه الضرب على أيد هؤلاء الذين يعملون على تكرار هذه الأفعال والاعتياد عليها سواء عول في معاشه على هذه الأفعال أو لم يعول عليها .
فقد يعول في معاشه على أعمال أخرى إلى جانب أفعال الإجهاض ولكنه مع ذلك يعد معتادا أو يسأل عن الظرف المشدد .
وهذا الظرف لا يسري إلا في حق الجاني من الغير أما إذا أجهضت الأم نفسها عدة مرات فلا يتوفر في حقها هذا الظرف المتشدد، لأن هذا النص يستهدف مواجهة أولئك الذين يحترفون ويشجعون بخبراتهم على إجهاض الحوامل، كما سبقت الإشارة إليه .

ويلاحظ أن المشرع لم يتساهل مع المرأة التي تجهض نفسها حتى وإن كان برضاها أو قبلت بذلك إلا أنه لأقر لها عقوبة مخففة .

وما تتمتع به من عذر ما هو إلا دليل على رأفة المشرع بها إثر الضغوطات الاجتماعية والنفسية التي تعتريهاوتدفعها لارتكاب الفعل الجرمي .[28]

 

 

الفقرة الثانية : ظروف التشديد والعقاب في القانون الليبي:

اعتبر المشرع الليبي الإجهاض جناية إذ وقع بغير رضا الحامل ، أو إذا وقع برضاها وأدى إلى وفاتها أو نتج عنه أذى شخصي جسيم أو خطير ، أما إذا وقع الإجهاض برضا الحامل ولمن لم يؤد إلى وفاتها أو إيذائها ، فإنه يعد جنحة ويعاقب عليه عقوبة الجنحة.

ونص المشرع الليبي على ظرفين للتشديد ، أولهما متعلق بنتيجة الإجهاض وثانيهما مرتبط بصفة الجاني.

أولا: نتيجة الإجهاض :

فإذا أدى الإجهاض إلى موت الحامل تكون العقوبة هي السجن لمدة عشر سنوات ، أما إذا كانت نتيجة الإجهاض أدى شخصي خطير فإنه يعاقب طبقا للمادة 381 من اقانون العقوبات .

أما الأذى الجسيم فلم ير المشرع فيه ما يستدعي تشديد العقاب ، ويستوي لقيام هذا الظرف المشدد أن تحدث الوفاة والإجهاض معا ، أو تحدث الوفاة عقب الإجهاض مباشرة  ، فيجوز أن تحدث الوفاة بعد مدة من الإجهاض ، على أن يكون السبب في حدوت الوفاة هو الإجهاض لا سبب آخر.

ثانيا : صفة الجاني :

نص المشرع الليبي على تشديد العقوبة على الجاني كلما كان الشخص يزاول مهنة طبية واردة  في الفصل 395 من قانون العقوبات ، وتشمل الطبيب والصيدلي والجراح والقابلة والحكيمة والممرضة ، ولا يشترط أن يكون الجاني قد قيد اسمه في سجل النقابة أو حصل على ترخيص بمزاولة المهنة ـ بل  مجرد حصوله على الشهادة العلمية  التي تخوله العمل بالمهنة الطبية كاف لتشديد العقوبة عليه .[29]

 

 

 

 

خاتمة:

 

من خلال ما سبق نلحظ أن جريمة الإجهاض تحظى باهتمام الفقه والقانون من خلال المقتضيات المسطرة لها، إلا أن هذا النوع من الجرائم يحظى بأهمية كبرى لما يتداخل فيها من معطيات قانونية واجتماعية وكذا الأثر الذي ينتج عنها .

وينبغي على المشرع أخذ الحيطة والحذر في إطار تقنين هذا النوع من الجرائم لارتباطه الوثيق بالشريعة السمحة ، والثوابت التي تقوم عليها المملكة ، وعدم الانجراف لأي مطالبة بتجاوز ماتنص عليه المصادر الأصلية للشريعة الإسلامية ، كذلك يجب مراعاة الاجتهاد البناء والاعتماد على مقاربة تشاركية دون إقصاء.

ونسجل تجاوب المؤسسة الملكية وباقي المؤسسات من خلال التعديل الأخير الذي حسم النقاش وسيجه بإطار قانوني قاطعا الطريق أمام بعض المطالبات الشاذة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لائحة المراجع :

الكتب

 

  • أحمد الخمليشي ، القانون الجنائي الخاص(الجزء الثاني) ، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ، الرباط ، 1986.

 

  • يوسف القسطاسي، حفظ النسل في الإسلام – رعايته وتنظيمه – مطبعة قرطبة ، الطبعة الاولى ، سنة 2012.

 

  • عائشة أحمد سالم حسن ، الاحكام المتصلة بالحمل في الفقه الإسلامي ، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،بيروت –لبنان- الطبعة الأولى ، سنة 2008 .

 

  • إيلي قهوجي ، الجرائم الأخلاقية ، منشورات زين الحقوقية ،الطبعة الأولى.

 

  • محمد فائق الجوهري، المسؤولية الطبية في قانون العقوبات، دار الجوهري للطباعة والنشر، القاهرة،سنة 1951.

 

  • سعاد حميدي ، الوجيز في شرح القانون الجنائي الخاص، مطبعة سليكي أخوين ، الطبعة الثانية ، سنة 2015 .

 

  • نشأت أحمد نصيف، شرح قانون العقوبات  القسم الخاص ، المؤسسة الحديثة للكتاب ، 2010  .
  • :
  • مأمون الرفاعي،جريمة الإجهاض في التشريع الإسلامي :أركانها وعقوبتها،مجلة جامعة النجاح للأبحاث ،مجلد 25 ،عدد5 ، سنة 2011.

 

  • – ابراهيم رحيم ، أحكام الإجهاض في الفقه الإسلامي ،  سلسلة إصدارات الحكمة ، مجلة المحكمة ، الطبعة الأولى .

 

 

 

 

المعاجم:

  • ابن منظور ،لسان العرب ، الجزء 7

المواقع الإلكترونية:

http://ffesj.forumaroc.net

 

http://www.hibapress.com

 

الفهرس :

 

المبحث الأول:    ماهية  الإجهاض ………………………………………………………………..

المطلب الأول: مفهوم الإجهاض ونظر الشرع فيه……………………………………………..

الفقرة الأولى : مفهوم الإجهاض… ……………………………………………………………….

 

الفقرة الثانية : حكم الإجهاض في الفقه الإسلامي ………………………………………….

 

المطلب الثاني : أركان جريمة الإجهاض ……… ……………………………………………..

الفقرة الأولى : الركن القانوني وتحقق الحمل ……………………………………………..

الفقرة الثانية : الركن المادي والمعنوي في جريمة الإجهاض…………………………

 

المبحث الثاني: حالات الإجهاض و ظروف التشديد والعقاب فيها…………………….

 

المطلب الأول: حالات الإجهاض في التشريع المغربي  ……………………………………

المطلب الثاني: ظروف التشديد والعقاب في جريمة الإجهاض ……………………….

الفقرة الأولى : ظروف التشديد والعقاب في القانون المغربي……………………..

الفقرة الثانية : ظروف التشديد والعقاب في القانون الليبي…………………………

 

 

 

[1] – ذكرت مجلة التايم الأمريكية في 2 أغسطس 1984 أن عدد حالات الاجهاض فب العالم تزبد عن 50 مليونا أكثر من نصفها في البلاد النامية.

[2] – سنة 1920 بعد قيام الثورة البلشفية الت قادها لينين الامر الذي أدى إلى انتشار الاجهاض بدرجة كبيرة جعلت السلطات الروسية تتراجع عن قرارها عام 1932 عندما أصدرت قانونا يحدد الإجهاض بالأسباب الطبية .

[3] – محمد على البار ، مشكلة الاجهاض –دراسة طبية فقهية – ،الدار السعودية للنشر والتوزيع ،الطبعة الاولى، سنة 1985، ص:7.

[4] – ابن منظور ،لسان العرب ، الجزء 7 ، ص: 131 و 132.

[5] – مأمون الرفاعي،جريمة الإجهاض في التشريع الإسلامي :أركانها وعقوبتها،مجلة جامعة النجاح للأبحاث ،مجلد 25 ،عدد5 ، سنة 2011،ص:1403.

[6] – أحمد الخمليشي ، القانون الجنائي الخاص(الجزء الثاني) ، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ، الرباط ، 1986، ص:171.

[7] – الآية 93 من سورة النساء.

[8] – ابراهيم رحيم ، أحكام الإجهاض في الفقه الإسلامي ،  سلسلة إصدارات الحكمة ، مجلة المحكمة ، الطبعة الأولى ،ص:264.

[9] – يوسف القسطاسي، حفظ النسل في الإسلام – رعايته وتنظيمه – مطبعة قرطبة ، الطبعة الاولى ، سنة 2012 ، ص:من  116 إلى 121.

[10] – عائشة أحمد سالم حسن ، الاحكام المتصلة بالحمل في الفقه الإسلامي ، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،بيروت –لبنان- الطبعة الأولى ، سنة 2008 ، ص: 324.

[11] – إيلي قهوجي ، الجرائم الأخلاقية ، منشورات زين الحقوقية ،الطبعة الأولى ، 2010، ص: 128.

[12] – محمد فائق الجوهري، المسؤولية الطبية في قانون العقوبات، دار الجوهري للطباعة والنشر، القاهرة،سنة 1951ص:281و282.

[13] – سعاد حميدي ، الوجيز في شرح القانون الجنائي الخاص، مطبعة سليكي أخوين ، الطبعة الثانية ، سنة 2015 ـ ص:131.

[14]نشأت أحمد نصيف، شرح قانون العقوبات  القسم الخاص ، المؤسسة الحديثة للكتاب ، 2010 ، ص:99 .

[15] – عبد الواحد العلمي ، شرح القانون الجنائي المغربي، القسم الخاص،مطبعة النجاح الجديدة،الطبعة السادسة، 2013، ص:297.

[16] – نفس المرجع.

[17]إيلي قهوجي ، الجرائم الأخلاقية ،مرجع سابق ،ص:129.

[18] – موقع http://ffesj.forumaroc.net ، تاريخ آخر زيارة 5-06-2016 على الساعة 15:15 .

[19]الفصل  453 من القانون الجنائي :

"لا عقاب على الإجهاض إذا استوجبته ضرورة المحافظة على صحة الأم متى قام به علانية طبيب أو جراح بإذن من الزوج.

ولا يطالب بهذا الإذن إذا ارتأى الطبيب أن حياة الأم في خطر غير أنه يجب عليه أن يشعر بذلك الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم.

وعند عدم وجود الزوج أو إذا امتنع الزوج من إعطاء موافقته أو عاقه عن ذلك عائق فإنه لا يسوغ للطبيب أو الجراح أن يقوم بالعملية الجراحية أو يستعمل علاجا يمكن أن يترتب عنه الإجهاض إلا بعد شهادة مكتوبة من الطبيب الرئيس للعمالة أو الإقليم يصرح فيها بأن صحة الأم لا تمكن المحافظة عليها إلا باستعمال مثل هذا العلاج".

 

[20] – موقع http://www.hibapress.com ، تاريخ آخر زيارة 05-06-2016 ، على الساعة 16:15.

[21] – الفصل  455 من القانون الجنائي.

[22] – الفصل 451 من القانون الجنائي .

[23] – الفصل 451 من القانون الجنائي .

[24] – الفصل 87 من القانون الجنائي.

[25] – الفصل 456 من القانون الجنائي .

[26] – الفصل 458 من القانون الجنائي .

[27]الفصل 40 من القانون الجنائي :

"يجوز للمحاكم، في الحالات التي يحددها القانون، إذا حكمت بعقوبة جنحية أن تحرم المحكوم عليه، لمدة تتراوح بين سنة وعشر سنوات، من ممارسة حق أو عدة حقوق من الحقوق الوطنية أو المدنية أو العائلية المنصوص عليها في الفصل 26…"

 

[28]سعاد حميدي ، الوجيز في شرح القانون الجنائي الخاص،مرجع سابق ، ص: 135.

[29]عائشة أحمد سالم حسن ، الأحكام المتصلة بالحمل في الفقه الاسلامي،مرجع سابق ، ص:440و441.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى