مقدمة عامة:
تعد المصارف والمؤسسات البنكية منذ نشأتها، عصب الإقتصاديات العالمية، نظرا للدور الذي تلعبه في هذا المجال من خلال تمويل هذه الأخيرة، وتزويدها بالكميات اللازمة والكافية من الأموال والسيولة النقدية التي تحتاجها في مشروعاتها الإستثمارية.
إلا أن جل هذه المؤسسات كانت تتمحور معاملاتها في دور الوساطة بين المدخرين الذين يودعون أموالهم بها، والمستثمرين الذين يطلبون تمويلا من قبل هذه البنوك لمشاريعهم، غير أنها سرعان ما جنحت نحو تطوير أدائها بقوة، وتغيير أساليبها المصرفية، وذلك بانفتاحها على جميع المجالات الحيوية بمختلف تفرعاتها، حيث تخصصت في عدة ميادين، فتكونت بذلك ما يسمى بالبنوك المركزية، والبنوك التجارية العقارية وغيرها، بيد أن السمة الطاغية والتي حكمت استغلال مختلف هذه الأنواع المصرفية هي التعامل وفق نظام الفائدة إقراضا واقتراضا.
وقد تمكن هذا النظام المصرفي من الدخول إلى البلاد العربية والإسلامية، عن طريق القنوات المعروفة لذلك من المستثمرين أجانب وغيرهم، واستنسخت بذلك نماذج المختلفة وأنواعه المتعددة داخل هذه الدول، وتغلغل هذا النظام بشكل قوي في اقتصادياتها الناشئة والفتية، ومع مرور الوقت تبين بالملموس أن هذه المؤسسات البنكية التي تستند وتعتمد كثيرا على الفائدة، لا تتلاءم والنظام الإسلامي الذي يسود هذه الأقطار العربية والإسلامية ولا تمت له بأية صلة كانت، ذلك أن الشريعة تحرم الفائدة والتي ما هي إلا مسمى من مسميات الربا الحرام قطعا، علاوة على هذا فإن الكثير من المسلمين يجدون في التعامل مع البنوك الربوية حرجا كبيرا ويفضلون عدم اللجوء إليها من أجل الإقتراض أو حتى إيداع أموالهم وممتلكاتهم بها وحفظها لديها، حيث غالبا ما يحتفظون بها في بيوتهم داخل الصناديق الحديدية، ويلجأ آخرون منهم إلى خزنها داخل حفر في الأرض.
وعلى هذا الأساس، ونظرا لعدم التلاءم بين ما ينص عليه الدين الإسلامي، وما تجريه هذه البنوك من تصرفات ومعاملات مشكوك في مشروعيتها من وجهة نظر الإسلام، ومن أجل رفع الحرج عن المسلمين الذين يرغبون في التعامل مع البنوك ولكن في الإطار المسموح به شرعا، انبعثت عدة أصوات تنادي بقطع الصلة مع تلك البنوك الربوية، وعدم التعامل معها بأي شكل من الأشكال.
ومن أجل ذلك، انصب التفكير والإهتمام حول إيجاد صيغ بديلة لهذه المؤسسات الحيوية، والتي تكون متواءمة والشرع الإسلامي.
وبالفعل، ثم التنقيب عن هذه الصيغ في قواعد الشريعة الإسلامية وفقه المعاملات –والتي تشكل بحق اقتصاد إسلاميا متكامل البنيان- وثم إيجادها فعلا، وأخذت هذه الصيغ تشكل صورة بنوك مبنية على أساس إسلامي صرف، وأطلق عليها إسم "البنوك الإسلامية". هذه الفكرة اختمرت في أذهان الإقتصاديين والفقهاء المسلمين وأصبحت ناضجة تماما، وتبلورت بشكل نهائي ومكتمل.
ويمكن القول أن هذه "البنوك الإسلامية" برهنت للجميع أن الإسلام ليس دين عبادة فقط، ولكنه دين عمل ومعاملة أيضا، يشمل من القواعد الإقتصادية ما يمكنها أن تبني اقتصادا إسلاميا قويا يقف جنبا إلى جنب مع الإقتصاد العالمي السائد.
هكذا، ظهرت بوادر تجربة "البنوك الإسلامية" أول ما ظهرت في مدينة بيت غمر المصرية، وذلك عام 1963، وإن كانت البداية الحقيقية للعمل المصرفي الإسلامي قد بدأت مع إنشاء بنك دبي الإسلامي، وذلك في سنة 1977، مع العلم أن بنوكا شبيهة قد أسست قبل هذا التاريخ ولكنها لم تكن قد أكدت فعاليتها ووجودها على الساحة المصرفية والإقتصادية.[1]
وبهذا الشكل أصبح مصطلح "البنوك الإسلامية" أكثر تداولا بين أوساط الناس، خاصة في منطقتي الشرق الأوسط والخليج العربي، إلا أن تحديدها بقي نوعا ما مستعصيا، ومفهومها ظل مشكلا، وأضحت مسألة وضع تعريف دقيق لهذه البنوك المستحدثة أمرا بالغ الأهمية رغم صعوبتها، وفي غالب الأحيان لم تأت القوانين العربية والإسلامية المنظمة لقطاع الأبناك بشكل عام بتعريف محدد "للبنوك الإسلامية"، وإنما اكتفت بوضع المبادئ وتقرير العمليات التي تجعل من مؤسسة ما بنكا إسلاميا.
وقد وضعت اتفاقية إنشاء الإتحاد الدولي للبنوك الإسلامية والتي تمت بمقر البنك الإسلامي للتنمية بجدة سنة 1977، تعريفا لمثل هذه البنوك، وذلك من خلال الفقرة الأولى من المادة الخامسة عند الحديث عن شروط العضوية في هذا الإتحاد، وكان التعريف كالتالي:
"يقصد بالبنوك الإسلامية في هذا النظام تلك البنوك أي المؤسسات التي نص قانون إنشائها ونظامها الأساسي صراحة على الإلتزام بمبادئ الشريعة، وعلى عدم التعامل بالفائدة أخذا أو عطاء".[2]
ولكن نظرا لوجود فئة وثلة من المثقفين المسلمين من فقهاء واقتصاديين أخذ مفهوم البنك الإسلامي يتوضح شيئا فشيئا، وهكذا عرفه الدكتور أحمد النجار بأنه "مؤسسة مالية مصرفية لتجميع الأموال وتوظيفها في نطاق الشريعة الإسلامية بما يخدم بناء مجتمع التكافل الإسلامي وتحقيق عدالة التوزيع ووضع المال في المسار الإسلامي"، أما الدكتور محسن أحمد الخضيري فقد عرفه بكونه "مؤسسة نقدية مالية تعمل على جذب الموارد النقدية من أفراد المجتمع وتوظيفها توظيفا فعالا يكفل تعظيمها ونموها في إطار القواعد المستقرة للشريعة الإسلامية وبما يخدم شعوب الأمة ويعمل على تنمية اقتصادياتها".[3] وهناك تعاريف أخرى لهذا المفهوم وهي متعددة ولكنها لا تخرج جميعها عن المعاني السالفة الذكر.
بيد أن ما يستشف من جملة التعاريف هذه، هي مجموعة السمات والخصائص التي تتميز بها هذه البنوك الإسلامية عن غيرها وتحدد طبيعتها وترسم مسارها، ومن هذه السمات هناك الإلتزام بالقواعد المقررة في الشريعة الإسلامية فيما يخص المعاملات المالية، واتباع قاعدة الحلال والحرام والإبتعاد عن المجالات المشكوك فيها، وعدم التعامل بالربا وأكل أموال الناس بالباطل، وكذا الصراحة والوضوح في المعاملات مع الزبناء، والخضوع للرقابة الشرعية، وعدم حجب المال عن التداول واكتنازه، بل تنميته في الأمور التي تخدم الأمة الإسلامية، وغيرها من السمات البارزة التي تكاد تنعدم في البنوك العادية، وهو ما سنعمل على توضيحه من خلال هذا البحث عن طريق إعطاء مقارنات بين هذين الصنفين من البنوك كلما استدعى الأمر ذلك.
ومن الأكيد أن أهم وظائف البنوك التقليدية[4] تتلخص في عرض النقود وخلقها وإقراضها وتقديم الخدمات للزبناء ولعب دور الوساطة بين المستثمرين والمدخرين كما رأينا وغير ذلك من الأعمال، وهي تعيش به على الفرق بين الفائدة الدائنة والمدينة، في حين لا تقرض البنوك الإسلامية بالفائدة ولا تعترض بها بل تبتعد عنها تماما وتعيش على الأرباح التي تتحصل عليها من استثماراتها التي توظف فيها أموالها بطرق مشروعة إسلاميا.
من هنا، وبناء عليه يحق لنا إثارة مجموعة من التساؤلات والإشكالات حول فكرة "البنوك الإسلامية" والتأثير الذي أحدثه ظهورها.
فهل هذه "البنوك الإسلامية" هي حقا صيغا وبدائل للبنوك التقليدية، أم أنها مجرد نوعية جديدة ومستحدثة من البنوك تقدم خدمات تختلف من حيث مضمونها وطبيعتها عن تلك المقدمة من هذه الأخيرة؟
وما مدى أداء البنك الإسلامي للرسالة المنوطة به، واقترابه من الأهداف التي رسمت له منذ ثلاثة عقود ونيف؟
بل هل تم تحديد هذه الأهداف بالإمعان الكافي، ومن ثم الإتفاق عليها على المستوى المطلوب، أم أن "البنوك الإسلامية" ما هي إلا تجربة تلقائية دون سابق بحث أو تنظير؟ ثم هل المناهج الإدارية والثروات البشرية التي أعدتها هذه البنوك لبلوغ أهدافها وتحقيق رسالتها على قدر كاف من التلاءم والصلاحية، أم أنها صورة طبق الأصل عن النماذج السائدة في البنوك التقليدية؟
هذه الأسئلة وأخرى هي التي سنعمل على الإجابة عنها ومحاولة مقاربتها من خلال محاور هذا البحث، وذلك حسب الخطة التي سننهجها في هذا الشأن.
وهكذا ارتأينا أن يتفرع هذا البحث إلى قسمين:
ففي القسم الأول سنتطرق للمرتكزات الأساسية لقيام البنك الإسلامي، سبل إدارته والرقابة عليه.
وبالمقابل سنضمن القسم الثاني منه دراسة موارد واستخدامات البنك الإسلامي، رهاناته ومعيقاته.
![]() |
إننا حين دراستنا لظاهرة مثل "البنوك الإسلامية" تجتذبنا لأول وهلة فكرة أساسية، أو بالأحرى تساؤل هام مفاده: ما هي الأرضية العامة التي تقوم عليها هذه البنوك؟ إن على مستوى الإطار الديني الذي تندرج ضمنه، أو على مستوى التنظير الفكري الذي يؤطرها، هذا دون إغفال للقالب القانوني الذي تتبوثق داخله.
لكن، إذا كان تناولنا لهذه الفكرة هو ضرورة ملحة تقتضيها دراسة هذا الموضوع باعتبار أنها تشكل الفرش النظري لقيام ظاهرة "البنوك الإسلامية"، فإن دراستنا بعد ذلك للأجهزة الإدارية والهياكل التنظيمية التي تنظم سير وعمل هذه البنوك يكتسي هو الآخر أهمية قصوى وملحاحية كبيرة. مع الإشارة بطبيعة الحال بالتحليل للمشاكل والمثبطات التي تعوق هذه الإدارة وتجعلها عرضة لعدة انتقادات بناءة أو غير ذلك.
إلا أن أية إدارة في أي مجال كان، لابد لها من رقابة حتى تكون هذه الإدارة في مستوى التطلعات المنتظرة منها، لأن في غياب الرقابة تصبح هذه الإدارة غارقة في جملة من الخروقات والتجاوزات غير القانونية، وإدارة البنك الإسلامي لا تحيد عن هذه القاعدة ولا تشذ عليها، هذا ما دفعنا إلى الحديث عن الرقابة في البنوك الإسلامية حتى تكتمل الصورة ويتوضح المكنوه حول كل ما يخص الجانب النظري للبنوك الإسلامية.
وهكذا ارتأينا أن نتناول في (الفصل الأول) المرتكزات الأساسية لقيام البنك الإسلامي سواء الدينية منها أو القانونية دون أن ننسى الآراء الفكرية حول هذه الأسس.
على أن نخصص (الفصل الثاني) لكيفية تكوين إدارة البنك الإسلامي وسير العمل به والرقابة عليه بمختلف أنواعها.
الفصل الأول:
أسس قيام البنك الإسلامي.
إن "البنك الإسلامي" يتمأسس على عدة مرتكزات منها ما هو ديني ومنها ما هو قانوني إلى جانب التأصيل الفكري لهذه المرتكزات، وهو ما سنبينه على النحو التالي: حيث نتطرق إلى الإطار القانوني للبنك الإسلامي وواقع تأسيسه في (مبحث ثان)، على أن نخصص الأساس الديني والفكري الذي يقوم عليه في (مبحث أول).
المبحث الأول: الأساس الديني والفكري لقيام البنك الإسلامي.
إن الحديث عن "البنك الإسلامي" يدفعنا إلى البحث عن أسسه التي ينهض بها وعليها، فلاشك أن هذا النوع من المصارف المستحدثة يتمحور بالدرجة الأولى حول عدة مفاهيم ومبادئ رئيسية تبرر قيامه، وتمده بشيء من التجديد والتنوع، من هذه المفاهيم مفهوم "الربا" و"الربح"، إذ أن هذين المفهومين بالذات إضافة إلى مفهوم "الفائدة" قد أسيل حولهما مداد أقلام المفكرين والمحللين الإقتصاديين سواء المسلمين منهم أو الأجانب، لما يمثلانه من إشكالية عند دراسة البنوك ذات التوجه والبعد الإسلاميين، حيث يتم طرح تساؤل هام ألا وهو ماذا تعني هذه المفاهيم بالنسبة لقاموس هذه المصارف؟ أي كيف تتعامل معها؟
وهو ما سنحاول مقاربته من خلال محاور هذا المبحث، حيث سنبين في (المطلب الثاني) الآراء الفكرية المختلفة حول الربا والربح، أما (المطلب الأول) فسنوضح من خلاله منظور الشريعة الإسلامية لهذين المفهومين.
المطلب الأول: الربا والربح في المنظور الإسلامي.
تكاد تجمع كل الدراسات على أن الربا هو التوأم الحقيقي للفائدة وشبيهها الأول، هذه الأخيرة هي التي تعتمد عليها النظم الربوية أي البنوك العادية في معاملاتها المالية اليومية كأساس لها، بينما البنوك الإسلامية اللاربوية تتعامل وتستخدم مواردها المالية بأساليب استثمارية مباحة ومشروعة منصوص عليها في الفقه الإسلامي رامية من وراء ذلك تحقيق الربح.[5]
وهذا ما يعني أن الربا يشكل ذلك الفيصل بين قيام البنوك الإسلامية والبنوك العادية، إذ أن الأولى تعتبره خارجا عن نطاق الشرع ومبادئ الإقتصاد الإسلامي وفقه المعاملات، أما الثانية فلا يهمها أتعاملت بالربا أم لا، إذ غاية ما تصبو إليه هو تحقيق الربح الأقصى بشتى الوسائل الممكنة، أي أنها تتخذ الربح هدفا قبليا مسطرا لها في قانونها الأساسي، في حين أن البنوك الإسلامية لا تسعى إلى تحقيقه إلا في حدود ما يخول لها إمكانية بقائها ويضمن لها استمراريتها.
هذا ما استوجب ملامسة كل من مفهوم الربا والربح في الإسلام باعتباره يحرم الأول ويشجع على الثاني متى كان موافقا للشرع.
الفرع الأول: موقف الإسلام من الربا.
قبل طرح وجهة نظر الإسلام حول الربا، لا بأس من الإحاطة بمعنى الربا لغة وشرعا.
1 ـ الربا معناه في اللغة (الزيادة والفضل)، وضدها نقصان، نقص. يقال ربا الولد: نشأ، وربا الشيء، نما وزاد. فهو مشتق من "ربا، يربو، ربوا ورُبوا فهو راب"[6] ويقال أيضا الربوة وهي كل ما ارتفع من الأرض من تراب وصخور، وعبر تدبر القرآن الكريم نجد أن كلمة الربا جاءت بمعان متعددة وكلها تعني الزيادة والنماء والفضل، حيث نجدها بمعنى الإرتفاع في قوله تعالى: ]وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت[.[7] ووردت بمعنى الكثرة في العدد وذلك مصداقا لقوله تعالى: ]أن تكون أمة هي أربى من أمة[[8]، أي أمة أكثر وأكبر عددا من أمة أخرى، إلى غير ذلك من المعاني المتعددة في آيات قرآنية أخرى.
2 ـ أما شرعا، فقد اصطلح أئمة الفقهاء على أن الربا يعني كل زيادة أو فضل لا يستند إلى الشرع، غير أن فقهاء المذاهب الأربعة المعروفة اختلفوا حول تعريف الربا من الناحية الشرعية فقط:
– فقد عرفه الحنفية على أنه: "فضل مال خال عن عوض بمعيار شرعي مشروط لأحد المتعاقدين في المعاوضة".
– أما الإمام مالك فعرفه على أساس أنه: "الزيادة في العد أو الوزن محققة أو متوهمة والتأخير".
– وعرفه الشافعية بأنه "عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد، أو مع تأخير البدلين أو أحدهما".
– أما الإمام أحمد بن حنبل فقد عرفه بكونه "الزيادة في أشياء مخصوصة".[9]
هذا وإن اختلف فقهاء المسلمين في إعطاء تعريف شرعي واحد للربا فإنهم مع ذلك يوقنون تمام اليقين بكونه زيادة غير مشروعة.
3 ـ جاء الإسلام وفي جعبته العديد من الأحكام التي ترمي في مجملها إلى تحقيق العدالة والمساواة الإجتماعيين، محطما بذلك كل حيف أو ظلم، هادفا إلى تقويم الأخلاق وتهذيبها بعدما أصبحت في الحضيض، وإصلاح ما فسد من أفعال الناس ومعاملاتهم.
وقد سلك الإسلام في ذلك، منهج التدرج التصاعدي في تشريع الأحكام، تهيئة للنفوس المريضة والعقول الزائفة لتلقي هذه الأحكام بطيب نفس واقتناع عقلي ووجداني، حيث نجد أن الشارع الذي هو الله قد أنزل مجموعة من النصوص التحريمية لجملة من الأفعال والتصرفات الإنسانية وأبطلها لما فيها من مفاسد بينة، والربا لم يخرج بدوره من نطاق التحريم، حيث نجد الحق بدأ أولا ببيان عدم منفعة الربا في قوله تعالى: ]وما آتيتم من ربا لتربوا في أموال الناس فلا يربو عند الله، وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون[.[10] أي أن الأغنياء الذين يعطون أموالهم على وجه الربا ليزيد ويكثر ما لهم به، فإنه لا يزيد ولا يضاعف عند الله لأنه كسب خبيث لا يبارك الله فيه.[11] ثم حرم الربا على اليهود بقوله سبحانه: ]فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا وأخذهم الربا وقد نهوا عنه[.[12] أي بسبب تعاطي اليهود للربا وهو محرم عليهم حرم الله عليهم طيبات كانت محللة لهم،[13] ثم استرسل الشرع الإسلامي في تحريم الربا من خلال قول رب العزة سبحانه: ]يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة[[14]، فهذا نهي من الله تعالى لعباده المؤمنين عن تعاطي الربا وتوبيخا لهم لما كانوا عليه في الجاهلية من تضعيفه.[15]
بعد ذلك ولما استقر الإيمان في القلوب وتهيأت الأنفس والعقول، أتى تحريم الربا صريحا وقاطعا، والنهي عنه واضحا وجليا وذلك من خلال آيات سورة البقرة من أول قوله تعالى: ]الذين ياكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا، وأحل الله البيع وحرم الربا، فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله، ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، يمحق الله الربا ويربي الصدقات، والله لا يحب كل كفار أثيم[[16]، حيث شبه الله تعالى الذين يتعاملون بالربا ويمتصون دماء الناس بأولئك المصروعين والمجانين الذين يقومون متعثرين ومتخبطين في أنفسهم بسبب استحلالهم ما حرم الله، وقولهم: الربا كالبيع فلماذا يكون حراما؟ فرد الله عليهم قولهم فأحل البيع بما فيه من تبادل المنافع، وحرم الربا لما فيه من الضرر الفادح بالفرد والمجتمع، لأن فيه زيادة مقتطعة من جهد المدين ولحمه، وهكذا فقد محق الله كل خير وربح للربا لما فيه من زيادة وأربى ونمى الصدقات وإن كانت قليلة وناقصة.[17]
ثم أمر الله سبحانه المتقين بأن يتركوا الربا إن كانوا قد آمنوا حقا، حيث قال الحق: ]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله، وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون[[18] فهذه الآية حملت خطابا صريحا للناس بترك ما لهم من الزيادة على رؤوس الأموال التي أقرضوها لغيرهم، وحسب تفسير هذه الآية، ومن خلال السياق الذي وردت فيه، فإن سبب نزولها هو كون قبيلة بني عمرو من ثقيف وبني المغيرة من بني مخزوم كان بينهم ربا في الجاهلية فلما جاء الإسلام ودخلت فيه هاتين القبيلتين طلبت ثقيف أن تأخذه من بني مخزوم، لكن هذه الأخيرة أبت أن تؤدي الربا في ظل الإسلام فوصل الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي نزلت عليه الآية أعلاه، فتركت القبيلتان ما بقي من ربا بينهم وتابوا إلى الله جميعا، لأن الجزاء على عدم ترك الربا هو حرب الله ورسوله، فقد وردت رواية عن ربيعة بن كلثوم عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: يقال يوم القيام لآكل الربا خذ سلاحك للحرب.[19]
وتتجلى حرمة الربا وأكله واضحة جلية من خلال ما تقدم ذكره من آي القرآن الكريم، والتي تؤكد كلها على فداحته وفساده، وإلا لما حذر الله تعالى آكلي الربا بحرب منه جلت قدرته ومن رسوله المصطفى عليه السلام، أي أن أكل الربا هو سبب موجب للحرب بين الله ورسوله من جهة، وبين من لا يبتعدون عنه ولا يمتثلون لحكم الله وأمره من جهة ثانية.
فها هو سعيد بن جبير رضي الله عله التابعي الجليل يجعل علامة آكل الربا يوم القيامة هي النهوض والسقوط مرة أخرى لعدم القدرة على الوقوف بسبب الثقل الذي يشعر به في بطنه لأن الله تعالى أربى وكثر من الربا الذي أكله، وها هو سيد قطب رحمه الله شهيد الإسلام قد أسقط صورة التخبط والتعثر على النظام الربوي المعاصر، فقد جاء على لسانه: "إن العالم الذي نعيش فيه اليوم هو عالم القلق والإضطراب والخوف والأمراض العجيبة، وذلك بالرغم من كل ما بلغته الحضارة المادية، وعلى الرغم من كل مظاهر الرخاء المادي، ثم هو عالم الحروب الشاملة والتهديد الدائم بالحروب المبيدة وحرب الأعصاب والإضطرابات التي لا تنقطع هنا وهناك".[20]
وإذا كان القرآن الكريم قد حرم الربا بنصوصه القاطعة والمحكمة والتي لا ينتابها أدنى شك أو مراء، اعتبارا لما فيه من إضرار وإجحاف بالشخص وماله، وكونه كسب خبيث يمقته الإسلام أشد مقت، فإن السنة النبوية الشريفة قد سارت على نهج الكتاب الكريم، وعززته بأحاديث متعددة محرمة للربا ومبينة لقباحته الشنيعة.
ومن هذه الأحاديث التي وصلت إلينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في باب تحريم أكل الربا، سواء أكان هذا الأخير ربا الصرف أو ربا البيوع ما يلي:
ـ فيما يخص ربا الصرف وهو ما تعلق بالمعاملات الصرفية والقرض والديون، فإنه روي أن البراء بن عازب وزيد بن أرقم سئلا عن الصرف فقالا: كنا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصرف فقال: "إن كان يدا بيد فلا بأس وإن كان نساء فلا يصلح".[21] وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء". وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواء بسواء، والفضة بالفضة إلا سواء بسواء، وبيعوا الذهب بالفضة والفضة بالذهب كيف شئتم".[22] فيتبين لنا أن بيع مال بمال أو طعام بطعام صرفا أو مبادلة يجب أن يكون متساويا سواء بسواء، لا زيادة فيه ولا ربا، ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك واضح من خلال قوله: "لا تبيعوا"، وللإشارة فقط فإن هذه الأحاديث كلها صحيحة وردت في صحيح البخاري، وعلاوة على ما سبق فإن الديون أو ربا النسيئة هي التأخير في أجل الدين مع أخذ زيادة عليه، وهو محرم طبعا.
ـ أما ما يتعلق بربا البيوع، فإن هذا الأخير ينقسم إلى نوعين وهما: ربا الفضل وربا النساء، فربا الفضل هو بيع الجنس بجنسه يدا بيد متفاضلا، وربا النساء هو بيع الجنس بجنسه أو بجنس آخر من الأموال الربوية، وهذه الأنواع من ربا البيوع هي حرام في الإسلام ومنهي عنها، فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: كنا نبيع صاعين بصاع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صاعين بصاع ولا درهمين بدرهم"، وعن حكيم بن حازم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"، أو قال: حتى يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما".[23] وهذا فيه إشارة للآية التي سبق معنا ذكرها: ]يمحق الله الربا ويربي الصدقات[[24].
إضافة إلى ما ذكر من أحاديث نبوية، فإنه عليه السلام حذرنا مغبة التعامل بالربا سواء أخذا أو عطاء، لأن الأمر سيان يستوي فيه الآخذ والمعطي لقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه في حديث شريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه". وقال: "هم سواء".[25] وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا. فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا".[26] وهذا الحديث فيه إشارة وتلميح إلى كون آكل الربا لا يهنأ بما أكل، وأنه دائما فاغرا فاه إلى المزيد منه.
والربا في رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وسبعون بابا، وفي رواية أخرى ساقها إلينا أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الربا سبعون جزءا أيسرها أن ينكح الرجل أمه". وقال عليه السلام: "يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا". قال: قيل له: الناس كلهم؟ قال: "من لم يأكله منهم ناله من غباره".[27] وفي هذا تأكيد واضح لحقيقة الربا، وأن الزمان الذي تحدث عنه الرسول صلى الله عليه وسلم هو زماننا هذا، الذي أصبحت فيه الفوائد الربوية في كل المجالات تنتشر كما تنتشر النار في الحطب اليابس حيث من لم يتعامل بالفائدة الربوية مباشرة ناله حظه منه بطرق أخرى.
لهذا نجد المصطفى عليه السلام يوصينا بأن ندع ما يريبنا إلى ما لا يريبنا، وأننا كلما وجدنا سبيلا لتجنب مثل هذه المعاملات المحرمة شرعا إلا والتجأنا إليه، لأن الربا كلما زاد ونما فإنه في الأخير لا يفيد الناس بأي شكل من الأشكال مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل".[28]
ويتبين لنا من خلال الأحاديث التي أوردناها أن الربا محرم في السنة كما هو محرم في الكتاب، فموقف الإسلام من الربا واضح وضوح الشمس، لا يحتاج لأي نوع من التشكيك والتضليل، أو المجادلة، إلا كما يجادل الأعمى مرشده، فالربا محرم بكل أشكاله وتمظهراته.
لهذا نجد أن ديننا الحنيف يحثنا على عدم أكل أموال الناس بالباطل، وأن نيسر على المعسر حتى يتمكن من قضاء ما عليه من ديون مصداقا لقوله تعالى: ]وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون[.[29] ومصداقا لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حديث أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان تاجرا يداين الناس فإذا رأى معسرا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه".[30]
وهذا فيه معنى كبير للتضامن والسماحة بين الأفراد داخل المجتمع المسلم، لأن إمهال الموسر والتجاوز عن المعسر فيه تكريس للقيم الأخلاقية التي حضنا عليها الإسلام، وفيه كذلك سد لباب الربا وما يترتب عنه من مضار لا تعد ولا تحصى إن بالفرد أو بالمجتمع.
وإن كنا قد أبرزنا موقف الإسلام من الربا من خلال الكتاب والسنة النبوية، فإننا ارتأينا أن نرجع قليلا إلى الوراء، وأن نغوص في عمق التاريخ، علنا نجد فيه ما يؤكد فعلا أن للربا جذورا تمتد إلى ما قبل التاريخ وحتى بعده، وأنه داء استشرى في الأمم السابقة قبل أن تصلنا أعراضه في عصرنا الراهن.
إذ أن الدراسات والأبحاث في هذا المجال تكاد تؤكد بشكل أو بآخر أن التعامل بالأشكال الربوية قديم قدم الزمن لم تنج منه أمة من الأمم.
لذلك فتناول ومقاربة الربا في تأصيله التاريخي أوالكرونولوجي موضوع على قدر من الأهمية لما فيه من بيان لحقيقته التاريخية.
وهذا ما سنعمل على إيضاحه من خلال المحور الموالي، والذي نبين فيه الربا في الحضارات القديمة والديانات السماوية السابقة.
الفرع الثاني: الربا في المجتمعات القديمة والشرائع السماوية.
سنتعرض بداية للربا في تصور المجتمعات ما قبل التاريخية، قبل أن نسوق موقف الشرائع السماوية السابقة منه، وذلك بشكل مقتضب ومركز.
1 ـ الربا في المجتمعات القديمة:
إن الحضارات القديمة والتي عرفت في عصور ما قبل الميلاد، والتي يمكن القول عنها أنها كانت بحق مدنيات قوية على جميع الأصعدة، تنهل من كل ما من شأنه أن يعزز مكانتها ويقوي شوكتها، قد وقفت هي الأخرى وقفة استهجان واستنكار لكل المعاملات الربوية وإن كانت تنشط فيها بقوة، وتسري في أوصالها بسرعة، وذلك نابع من اقتناعها الصميم بكون الربا هو مفسدة كبرى لأخلاق الفرد الذي يتعامل به، أو لنظام المجتمع الذي يسري فيه، وأنه وبال على النظام الإجتماعي والإقتصادي لما يحمل في طياته من جوانب سيئة وآثار سلبية.
هذا ما جعلنا نتوقف عند الربا في ثلاث محطات تاريخية، أي في عهد الفراعنة والإغريق والقياصرة.
أ ـ عهد الفراعنة:
إن الأبحاث العلمية والأكاديمية التي تعنى باقتصاديات مصر القديمة ومعاملاتها الصرفية وأنشطتها المالية، أفادت أن المصريين القدامى لم يحرموا الربا ولم يحظروه بشكل تام وبصورة قاطعة، وإنما شرعوا قوانين ووضعوا نواميس، الغاية منها الحد من أضراره، إيمانا منهم بما يخلفه وراءه من ويلات اجتماعية.
والشاهد على ذلك، هو ما نقله إلينا المؤرخ الإغريقي "ديودور" الذي اهتم بالقانون الفرعوني وخاصة ذلك الذي سنه الملك "بوخوريس" وهو من ملوك الأسرة الفرعونية الرابعة والعشرين، والذي يقضي فيه بأن "الربا مهما تطاولت عليه الآجال لا يجوز أن يصل إلى مقدار رأس المال".[31]
ب ـ عهد الإغريق:
لقد قام المشرع الإغريقي "صولون" بإصلاحات هامة، همت قضية الربا والذي كان متغلغلا في المجتمع الأثيني بشكل ملفت للنظر.
حيث أن العرف السائد آنذاك وقبل إدخال هذه الإصلاحات، كان يقضي بأن الشخص المدين لشخص آخر إذا لم يوفه دينه في الموعد، أصبح هو نفسه ملكا للدائن.
هذا ما جعل قانون "صولون" يحرم هذا التصرف ويقتلعه من جذوره، حيث قرر أن تكون مسؤولية المدين في ماله وذمته، لا في شخصه ورقبته، وحدد نسبة 12% من رأس المال كنهاية قصوى وكسقف أعلى يمكن أن تبلغه فوائد الدين.[32]
ج ـ عهد القياصرة:
لقد آمنت الدولة الرومانية بنفس الأعراف والعادات التي آمن بها الإغريق، ومنها العرف الذي كان سائدا في المجتمع اليوناني بخصوص الدين ومسؤولية المدين،[33] وسيرا على نهج المشرع الإغريقي "صولون" فإن "مؤلفوا الألواح الإثنى عشر" في روما أدخلوا هم الآخرين إصلاحات ترمي التخفيف من آثار الربا وسلبياته، لذا وضعوا قاعدة بخصوص مسؤولية المدين مشابهة تماما للقاعدة التي مرت معنا لدى الإغريق، وهي أن تكون مسؤوليته في ذمته وماله لا في رقبته وشخصه وبنفس نسبة "صولون" أي 12% ، وبعد ذلك جاء القيصر الروماني "جوستنيان" وجعلها 12% للتجار، ومن شابههم و4% بالنسبة للنبلاء.[34]
ويمكن القول بأن هذه التشريعات كلها قننت ووضعت عقب الإضطرابات والحروب الداخلية الطاحنة والتي دارت رحاها بين الأغنياء والفقراء في الشعوب المذكورة آنفا، والإصلاحات التي أدخلت وقتئذ إنما كانت مجرد علاج وقتي لهذه الاضطرابات الإجتماعية التي سببتها الأنظمة والقوانين الربوية.
ونجد مثالا آخر للمجتمعات القديمة، حرمت بصورة قاطعة الربا والتعامل به مثل الصين القديمة، إذ أن تاريخ الصين المكتوب لم يسجل أي شكل من أشكال المعاملات الربوية.
2 ـ الربا في الشرائع السماوية السابقة.
عالجت الديانات السماوية السابقة على الإسلام داء الربا كما عالجه هذا الأخير، واتجهت به نحو التحريم الكامل، ذلك لأن مصدر هذا التحريم هو التشريع الرباني والذي هو واحد بالنسبة لجميع هذه الشرائع الدينية.
أ ـ الديانة اليهودية:
لقد وقفت الديانة اليهودية من الربا موقفا صارما، وحظرته تماما، لما فيه من أضرار وقبائح كثيرة تسبب العديد من المشاكل بين الناس وتخلق الفتن والبلابل بينهم.
وأكبر دليل على ما في الربا من قصد الإيذاء بالمفترض والإضرار به هو أن كلمة "ربا" بالعربية مقابلها باللغة العبرية هي كلمة Nessher والمشتقة من فعل يعني العض والإلتهام.
وقد ورد تحريم الربا في بطون أمهات الكتب الدينية اليهودية بشكل واضح، هكذا جاء في كتاب العهد القديم في الآية 24 من الفصل 22 من سفر الخروج ما يلي: "إذا أقرضت مالا لأحد من أبناء شعبي، فلا تقف منه موقف الدائن، لا تطلب منه ربحا لمالك".
وجاء في موضع آخر وبالتحديد في الآية 35 من الفصل 25 من سفر اللاويين أنه: "إذا افتقر أخوك فاحمله… لا تطلب منه ربحا ولا منفعة".[35]
ب ـ الديانة المسيحية:
جاء في الآيتان 34 و35 من الفصل 6 من إنجيل لوقا أن المسيح عليه السلام قال: "إذا أقرضتم لمن تنتظرون منهم المكافأة فأي فضل يعرف لكم؟ ولكن افعلوا الخيرات وأقرضوا غير منتظرين عائداتها وإذا يكون ثوابكم جزيلا". ويعد هذا القول أو التعليم حسب جميع الآباء اليسوعيين بمثابة تحريم قاطع للتعامل بالربا بالرغم مما يتهم أو يرمى به هؤلاء من تسامح وتراخ في مطالب الحياة. فقد وردت عن بعضهم عبارات صارمة بشأن الربا منها قول الأب "إسكوبار": "إن من يقول أن الربا ليس معصية يعد ملحدا وخارجا عن الدين".
وبات تحريم الربا مذهبا معولا عليه في أوربا خلال القرون الوسطى بعدما تقرر بواسطة "مرسوم إيكس لا شابيل" في عام 789م، إلا أن هذا المذهب بدأ يفقد شيئا من قدسيته ومناعته إثر انطلاق مسيرة عصر النهضة والتحرر، فبدأت الإعتراضات والإنتقادات تتوالى على هذا المذهب من طرف المفكرين الأوربيين في الفترة المتراوحة ما بين القرن السادس عشر والثامن عشر ومن هؤلاء المفكرين نجد "كالفين" و"مونتسكيو".
ومن مظاهر فقدان قدسية المذهب السابق نجد مظهران أساسيان:
· فالمظهر الأول يتمثل في أن بعض الملوك ورجال الدين انتهكوا تحريم الربا علانية مثل ملك فرنسا "لويس الرابع عشر" الذي اقترض بالربا ليسدد ثمن دانكرك عام 1662م، ومثل البابا "بي التاسع" تعامل هو الآخر بالربا عام 1680م.
· أما المظهر الثاني فيتجلى في وضع استثناء عن قاعدة تحريم الربا كلما تعلق الأمر بأموال القصر، التي يمكن استثمارها بالطرق الربوية وذلك بإذن من القاضي سنة 1593م.
إلا أن رياح الثورة الفرنسية سنة 1789م حملت في طياتها إجازة للتعامل بالربا في حدود خاصة يعينها القانون، فأصبح مبدأ رسميا في البلاد الفرنسية.[36]
ج ـ الربا في المجتمع الجاهلي:
إن التوقف عند الربا في الشرائع السماوية والمجتمعات المدنية القديمة، اقتضى منا كذلك، استتباع خطواته واستكناه أدواته في المجتمع العربي الجاهلي بشبه الجزيرة العربية، بيد أن هذا المجتمع الوثني الجاهلي عرف تملصا من كل القيم الأخلاقية التي وصلت إليه من الملل السابقة وخاصة ملة إبراهيم عليه السلام، ومن آثار ومظاهر هذه القطيعة مع الميراث الديني أن أصبح المنطق الذي يحكم لا العبادات ولا المعاملات هو منطق الأهواء والنزعات، والتي لا تمت بأية آصرة مع العرف أو التشريع الديني.
ومن هذا المنطق المنفلت من الضوابط والمثل العليا، ينبثق التعامل بالربا جليا واضحا لدى عرب الجاهلية.
ومن الأسباب التي يعزى إليها بروز الربا في هذا المجتمع، هو أن هذا الأخير كان ميالا إلى المعاملات التجارية، خصوصا إذا علمنا أن عرب الجاهلية كانوا مستقرين في مكة والتي تعد زمنئذ من أهم المدن التجارية على الإطلاق في شبه الجزيرة العربية، وأنهم كانوا يسعون إلى الكسب بكل الطرق، علاوة على هذه الأسباب، فإن تواجد اليهود في المنطقة كان له أثر بارز في استفحال ظاهرة التعامل بالربا والذي كانوا يحرمونه فيما بينهم ويبيحونه مع غيرهم من الجيران العرب[37].
ويمكن القول بأن الربا الذي كان شائعا بينهم هو "ربا النسيئة" وهو الذي ينشأ عن إقراض المال لفترة معينة نظير زيادة تشترط على رأس المال، أو التمديد في أجل سداد الدين عند حلوله مقابل زيادة مضافة إلى أصل الدين الأول.[38]
فكان أهل الجاهلية يقول دائنهم لمدينه إذا حل وقت أداء الدين "إما أن تقضي وإما أن تربي"، مما يضطر معه المدين إما إلى الأداء وإما إلى قبول إعطاء زيادة أخرى للدائن المرابي حتى يمنحه أجلا آخر للسداد.
غير أن سطوع ضياء الإسلام على هذه المنطقة العربية جعل الأمور تتغير، وتسير نحو إقرار العدل في كل شيء، وإخضاع التصرفات المالية للمنطق الرباني والتوجيه النبوي، اللذان بهما تقرر تحريم الربا أخذا وعطاء لما فيه من تعود الناس على الكسب المريح دون بذل أي جهد فيه.
وهكذا جاء البيان النبوي واضحا في هذا الشأن، حيث خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال: "ألا إن كل ربا كان في الجاهلية موضوع عنكم كله، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون، وأول ربا موضوع ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله".[39] أي كل ربا كان التعامل ساريا به في الجاهلية يجب تركه بتاتا ولكل واحد من عرب قريش الإحتفاظ برأس ماله الأصلي.
الفرع الثالث: الربح في الإسلام:
لابد من الإشارة بداية إلى معنى الربح لغة واصطلاحا، قبل الخوض في توضيح الرؤية حوله:
1- الربح لغة: من ربح، يربح، ربحا وأرباحا، وهو ما يربح ويكسب.
الربح في التجارة: الفرق بين ثمن البيع ونفقة الإنتاج أو الشراء، ضده خسارة.[40]
2- الربح اصطلاحا: الربح في كلام الفقهاء هو "زائد ثمن بيع تجر على الثمن الأول ذهبا أو فضة. ويخلص من ذلك أنه ما يتحصل من زيادة مستفادة نتيجة الإتجار"، عرفه ابن عرفة من المالكية.[41]
– مفهوم وإطار الربح في النظام الإسلامي:
إن مقاربة مفهوم الربح تتم من منظورات وزوايا مختلفة، ذلك أن الربح يمكن النظر إليه من زاوية المادة والروح.
والإسلام تناول الجانبين معا، حيث شجع على الربح الروحي الذي يعني العمل الصالح في الدنيا والذي جزاؤه في الآخرة عظيم وثوابه جزيل، وحث على الربح المادي ويعني الفرق الذي ينتج من عملية البيع والشراء، أي ما يكسبه البائع بعدما يبيع سلعته ويخصم منها تكاليف إنتاجها.
فالربح إذن هو ذلك الدافع والمحرك الحقيقي لكل المعاملات الشرعية المقررة في الإسلام شريطة أن لا يحيد عن القواعد المرسومة له.
من هنا يمكن القول بأن الربح الذي دعا إليه الإسلام وحث عليه هو ذلك الربح الخالي من أي شيء يشينه، وهو المحاط بغلاف القناعة، لا غلو فيه ولا مراباة ولا احتكار، إذ أن البيع الصحيح هو الذي ليس فيه خداع باطل ولا خيانة واللذان من شأنهما أن يؤديا إلى الكسب والربح السريع وغير المستحق البتة.
والنبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن الربح المتأتى من هكذا بيوع بقوله: "الخديعة في النار، ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد". ونهانا عن بيع النجش وبيع الغرر لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يبتاع المرء على بيع أخيه ولا تناجشوا ولا بيع حاضر لباد". وقوله أيضا: "لا يبيع بعضكم على بيع بعض ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق".[42]
وجاء في القرآن الكريم قول الله تعالى: ]ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين[[43] وقوله تعالى: ]ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون، ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين[[44].
كل هذه الأحاديث الشريفة والآيات الكريمة تدل على أن النظام الإقتصادي الإسلامي لا يبيح الأرباح الإحتكارية الناتجة عن الطرق الملتوية، ولا تدخل ضمن عناصر احتسابه التكاليف المخالفة للشريعة الإسلامية، عكس ما هو قائم لدى الأنظمة الربوية التي تحتسب مقدار الأرباح بالنظر لكل العناصر والتكاليف كيفما كان طريقها شريفا أم لا.
والشريعة الإسلامية أكدت على أن المال يجب أن يكون مصدر خير ونماء للجميع، وليس مصدر ضرر وعدم نفع، حيث يجب تنميته واستثماره وتشغيله بالطرق الشرعية، الخالية من مسائل مثل الغش والتدليس والإستغلال والإحتكار، وأن تكون الأرباح ذات مصدر حلال وطيب، لهذا فالرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا مغبة الوقوع في دائرة البيوع المحرمة، حيث قال: "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام".[45] بل وحرم كذلك كل ما ينتج عن هذه المسائل والأشياء من مصنوعات جديدة، وأن تكون هذه الأرباح فيها من السماحة واليسر والسهولة، وليس فيها مغالاة أو مبالغة فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: "رحم الله رجل سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى".[46]
فالربح في الإسلام يأخذ إطاره من خلال التعارض مع المفاهيم والمبادئ الخاطئة وغير الشريفة التي سبق بيانها، وطرق الوصول إليه هي طرق معبدة ومشروعة.
وزيادة على ما سبق، فيمكن القول بأن الربح في النظام الإسلامي لا يأخذ بعين الإعتبار عند احتساب تكاليفه بالزكاة المفروضة شرعا، كما تفعل الأنظمة الربوية التي يتحدد نطاق الربح لديها، وبالتالي سعر بيع السلع بعدما تقوم بخصم الضرائب المستحقة، والذي يطلق عليه الربح بعد خصم الضرائب،[47] وهذا يعني أن مفهوم الربح في النظام الربوي يقصد به ذلك المبلغ المتبقي بعد خصم كل التكاليف الإنتاجية والإلتزامات المالية الأخرى، من ضرائب وفوائد وغير ذلك.
محصلة القول، هو أن الربا حرام في الإسلام لأنه ضار في نفسه أو لغلبة الضرر فيه، والربح حلال لأنه نافع في نفسه أو لغلبة النفع فيه، وإذا كان كل من الربا والربح عبارة عن زيادة في رأس المال، إلا أنهما مختلفين تمام الإختلاف، لأن الزيادة الأولى هي أجرة على مجرد التأجيل في موعد الدين ليس فيها أي بذل للجهد ولا أي عمل، بينما الزيادة الثانية هي المقابل المتحصل عليه بعد البيع والشراء أي بعد القيام بعملية الإتجار والتي فيها بذل للمال والعمل معا.
المطلب الثاني: الآراء الفكرية حول الربا والفائدة والربح.
لا غرو في أن مواضيع مثل الربا والفائدة والربح تشكل مادة دسمة للمفكرين والمحللين على اختلاف أطيافهم الفكرية وألوانهم الإيديولوجية، وهذا ما جعل أقلام الكثيرين منهم يسيل مدادها طبعا في تفكيك رموز هذه المواضيع والتي تشكل بحق عماد الإقتصاديات المعاصرة، لا لشيء سوى لأن الربا والفائدة التي تعتبر سعرا للأول وكذا الربح تشغل كل ناشط اقتصادي سواء كان صاحب رأس مال مادي يسعى إلى تكثيره وتنميته أو كان صاحب رأس مال فكري يسعى هو الآخر إلى إغنائه وإثرائه.
وإن كنا قد عملنا في (المطلب الأول) على وضع صور الربا والربح في إطارهما الديني والتاريخي، فإنه لا يفوتنا كذلك طرح وإبراز الآراء الفكرية والتنظيرية لعدد من المفكرين مسلمين وأجانب لمقاربة موضوع الفائدة والربا والربح، وتكون الدراسة أكثر شمولية ومصداقية، وهذا ما سيتم تناوله في هذا المطلب، حيث اخترنا خندقة وتصنيف هذه الأفكار إلى أفكار غربية "كمحور أول"، وأخرى إسلامية "كمحور ثان".
الفرع الأول: الفكر الغربي.
لقد تناسلت العديد من الأفكار الغربية من نظريات اقتصادية عالمية، والتي تعاقبت الواحدة تلو الأخرى محاولة إعطاء صورة واضحة المعالم على المفاهيم المؤثتة للمعاملات البنكية والمالية، وإذا اعتبرنا أن الفائدة والربا والربح من هذه المفاهيم بل هي مفاتيح هذه المعاملات الأخيرة فلابد أن نتناولها على لسان المفكرين الإقتصاديين له من الأهمية ما له.
وإن كان هؤلاء المفكرين لم يتحدثوا عن النظام البنكي وخصوصياته في الدول الغربية ولم يكن موضوع اهتمامهم الأول، فمع ذلك أغنوا بأفكارهم ونظرياتهم هذا الميدان وأثروه كثيرا.
وبما أن المفاهيم أعلاه مرتبطة فيما بينها بشكل تلازمي وانعكاسي، فإننا سنعمل على جرد آراء المفكرين بخصوصها موحدة غير منفصلة.
لقد مر معنا في المطلب السابق معنى الربا وتعريفه، كما بينا كذلك الربح ومفهومه، ولابد لنا إذن من معرفة العلاقة القائمة بين الربا والفائدة، والتي لا يمكن فهمها إلا بتوضيح معناها لغة وكذا في اصطلاح الإقتصاديين الغربيين، وإعطاء فكرة عن النظريات التي طرحت بشأنها.
1 : الفائـدة لغة: ما يستفيده الإنسان من علم ومال.
هي جزء بالمئة من المال يأخذه الدائن ربحا من المدين في زمن محدد.
هي كذلك جزء بالمئة من المال يأخذه من له حساب في المصرف، جمعها: فوائد.[48]
2: هناك تعريفان اثنان للفائدة واحد يستعمل في محيط المصارف والبنوك، وهو أن الفائدة هي: "الثمن النقدي لاستعمال مبلغ نقدي" حيث يكون المودعون لودائعهم إما لأجل أو للإدخار في أحد المصارف بمثابة دائنين لهذا الأخير ويستحقون في نهاية الأجل نسبة الفائدة من البنك، ويكون هذا الأخير في موقف المدين لهؤلاء المودعين، وإما أن يكون البنك أو المصرف في موقف الدائن الذي يقرض الأموال المودعة لديه للمستثمرين والمقترضين يتقاضى منهم في نهاية الأجل المحدد والمتفق عليه نسبة الفائدة وهي الزيادة المقررة على القروض مقابل التأجيل والإنتظار والإمهال.
وهناك التعريف الثاني للفائدة والمتداول في المجال الإقتصادي وهو أنها "ما يدفع مقابل استخدام قرض من المال السائل لفترة زمنية متعارف عليها عادة بالسنة، ويعبر عن سعر الفائدة بنسب مئوية من رأس المال، ويحصل المنظم[49] على القرض النقدي ويستخدمه في تشغيل عناصر الإنتاج الأخرى (الأرض والعمل) لكي ينتج سلعا استهلاكية أو سلعا رأسمالية أو تقديم خدمات".[50]
3: بعدما قمنا بإيضاح هذه التعريفات التي كان لابد منها، نصل إلى إعطاء بعض الآراء الفكرية والنظريات الغربية حولها والعلاقة التي توجد بينها وبين الربا والبيع.
لقد سبق أن أشرنا في موضع سابق أن أوربا المسيحية لم تتعامل بالربا واعتبرته محرما، إلا أن حدوث اختلافات في الموضوع، وتعالي أصوات المنادين بعدم تحريم الفائدة التي هي جزء لا يتجزأ من الربا وفي مقدمتهم "مونتسكيو"، وذلك إبان نجاح الثورة الفرنسية، جعلت فرنسا وأوربا فيما بعد تسن قانونا ينص على: "أنه يجوز لكل أحد أن يتعامل بالربا في حدود خاصة يعينها القانون". إلا أن التغيرات التي عرفتها أوربا عقب الثورة الصناعية وما ترتب عنها من تحولات عميقة تجاريا ورأسماليا ومصرفيا حملت المجتمع الأوربي على أخذ الفائدة وقبولها، مع إضفاء اسم الربا على القدر الزائد عن ما هو مسموح به قانونا وعرفا، لكن أليست الفائدة هي ربا سواء قلت نسبتها أو كثرت؟
نعم هي كذلك، وهو الأمر الذي أكده "كينز" والذي يعد أحد رموز الإقتصاد العالمي في القرن الماضي، حيث توصل إلى حقيقة مفادها أن الفائدة هي ربا مهما كانت نسبتها، وتشكل ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، حين قال: "وحين تتوافر من رؤوس الأموال المتاحة للتوظيف في صورة مدخرات خاصة أو عامة فإن سعر الفائدة يهبط بطبيعته إلى الصفر ولا يبقى فيه مجال يعيش فيه المستثمر المتبطل على حساب المجتمع بما يقتضيه من فائض ربوي في صورة فائدة أو ربح فاحش".[51]
وهو بذلك يكون قد خلص إلى عدم جدوى البنوك الربوية إذا لم يتم استثمار الأموال التي تقرضها للمستثمرين والتي هي في الأصل ودائع عندها، حيث أن إتجاه المقترضين إلى ادخار ما يقترضونه من البنك يجعل هذا الأخير لا يستفيد من فوائد نسبها مرتفعة، إلى أن يصل سعر الفائدة إلى أدنى مستوياته وهو ما ليس في صالح البنك بأي شكل من الأشكال.
وإذا كانت البنوك الإسلامية تقوم على أساس محاربة الفائدة وعدم التعامل بها أخذا أو عطاء، فما هي النظريات التي صيغت حولها من طرف مفكري الغرب واقتصادييه؟
أ ـ النظريات الإقتصادية الأولى للفائدة:
الكل يعلم أن النظريات الإقتصادية العالمية والتي دوت في سماء الفكر الإقتصادي والسياسي خلال القرنين الماضيين لم تتحدث عن الفائدة بشكل خاص وانفرادي، وإنما جاء ذكرها وتحليلها ضمن تصورات المفكرين الغرب وتأملاتهم للأنظمة السياسية والإقتصادية والإجتماعية في العالم ككل، محاولين إيجاد التركيبة السحرية للنظام الأمثل على كل الأصعدة والمستويات.
وهكذا نجد مثلا أن "آدم سميت" يرى أن حصة أصحاب رؤوس الأموال تتمثل في تلك الفوائد المقررة أصلا لهذه الأخيرة أي لرؤوس الأموال، أما "جون باتيست ساي" فيرى أن الفائدة هي نصيب صاحب رأس المال جزاء تقديم رأسماله إلى المنظم وهو نصب ثابت ومستحق بالنسبة إليه سواء نجح المشروع أو لم يحقق مكاسب.
في حين نجد برودون "يربط الفائـدة بالوقت، ويعتبر أن نسبها هي مقابلا وثمنا للوقت".[52]
وفي تفسير آخر يقدمه لنا "سينيور" للفائدة معتبرا إياها تلك المكافأة العادية لامتناع صاحب المال عن استهلاك جزء من ماله الذي أقرضه للمستثمر من أجل الإنتاج.
وقد استعمل "ألفريد مارشال" لفظة "الإنتظار" عوض كلمة "الإمتناع" التي استعملها "سينيور" واعتبرها "كارل ماركس" كلاما فارغا، ف"مارشال" هذا اعتبر أن انتظار صاحب المال أو المقرض هو ما يفسر ويبرر ضرورة دفع الفائدة له.
أما "تيركو" الذي أعطى أول شرح علمي للفائدة، فاعتبر أنها ريع للرأسمال مقابل استعمال إنتاجي أو استهلاكي للرأسمال، هذا ويعتبر"ريكاردو" أن الفائدة هي الحصة التي يأخذها مالك العقار جراء تقديمه هذا الأخير للمنظم من أجل استغلاله في الإنتاج، وعبر عن الفائدة بمصطلح الريع.
ب ـ النظريات الحدّية أو الحقيقية للفائدة.
تسعى هذه النظريات إلى معرفة الأسباب الكامنة وراء دفع الفائدة، والعوامل المحددة لمستوياتها في سوق القروض.
ومن أنصار هذه النظريات نجد "بوم باورك" و"راي" و"فيشر" الذين أسسوا لنظرية "انخفاض قيمة المستقبل" و"نظرية الفائدة" وهو "كتاب ل"فيشر"، هؤلاء يعتمدون في تفسير سبب دفع المدين للفائدة كونه يفضل ما هو حاضر من رأس مال على ما هو مستقبل منه وهو ما يبرر دفعه للفائدة.[53]
أما "كاسل" فيفسر الفائدة بالندرة النسبية لرأس المال شأنه في ذلك شأن بقية الخيرات الإقتصادية، فهو يرى أنه كلما ازدادت حدة ندرة رؤوس الأموال ارتفع سعر الفائدة وانخفض الطلب عليها والعكس صحيح.
ج ـ النظريات الحديثة للفائدة.
تضفي هذه النظريات على الفائدة طابع النقدية، فهي تعتبرها ثمنا للنقد أكثر منها مكافأة الإمتناع عن الإستهلاك.
وهذه المدرسة أو النظرية الحديثة للفائدة تحاول إبراز دورها الإستراتيجي في السياسة الإقتصادية.
ومن رواد هذه المدرسة نجد "ويسكل" و"مارشال" ثم "كينز"، الذي يمكن القول عنه أنه حمل لواء معارضة الفائدة وطالب بإلغائها،[54] معلنا أن من أوجب واجبات الدولة اتجاه الفرد هو "العمالة الكاملة"[55] "plein emploi"، والتي لا يمكن تحققها إلا بتقهقر سعر الفائدة ليصل إلى مستوى الصفر أو ما يقاربه، وهو ما أكده الإقتصاديون الغربيون معتبرين أن الفوائد الربوية كانت وراء العديد من الأزمات والإنتكاسات التي عرفها الإقتصاد العالمي الذي لن يكون في أحسن أحواله إلا إذا أصبحت الفائدة صفرا.
وقال "سيلفيو جيسيل": "إن نمو رأس المال يعوقه معدل فائدة النقود ولو أن هذه الفرملة أو المانعة أزيلت لتضاعف نمو رأس المال في العصر الحديث لدرجة خفض سعر الفائدة إلى صفر في فترة وجيزة".
إذن، فهذه النظرية ومعها "كينز" يعتبران أن الفائدة تشكل فرملة لنمو رأس المال وعائقا يحول دون تطوره وازدياده.[56]
في مقابل النظريات الإقتصادية الكبرى التي تناولت مفهوم الفائدة وعالجت مواضيعه من شتى الزوايا، نجد أن الفكر الغربي اهتم بهذا الموضوع ولكن هذه المرة من طرف الفكر الإستشراقي الذي يهتم بدراسة البنية المجتمعية الإسلامية، ويحاول سبر خبايا الدين الإسلامي وما ينطوي عليه من قضايا تهم كل مناحي الحياة.
هكذا نجد المستشرق الأمريكي "رجاء كارودي"[57]، المفكر والعالم الذي درس الإسلام وتعمق فيه بشكل كبير، في خضم تأملاته لهذا الدين وللقرآن الكريم توصل إلى حقيقة مفادها أن الإقتصاد الإسلامي ينبني على مبدأين رئيسيين ينظمان مختلف مناحي الحياة، وهما: تحريم استعمال نظام الفوائد البنكية، لأن أية فائـدة ومنفعة يجب أن تكون نتاج عمل ما، والمبدأ الثاني يتمثل في وجوبية الزكاة التي تسمح بمحاربة الغنى الفاحش، وتضمن تماسك وتكافل المجتمع وذلك باقتسام الخيرات والثروات.[58]
واسترسل "كارودي" في تأملاته حول الإقتصاد الإسلامي ليستنتج أن القرآن الكريم عندما حرم الربا فإنه حرمه بشكل مطلق، وبالتالي لا يمكن تأويله بطريقة مقيدة وحصره فقط في "الفائدة" أو "الفائدة المضاعفة"، لأن موضع الخلاف حسب رأيه ليس في درجة ارتفاع أو هبوط نسبة الفائدة، وإنما الخلاف حول مبدأ الفائدة نفسه، أي الخلاف حول الأموال التي تفرخ صغارا دون عمل كما جاء على لسانه.
وقد خلص إلى هذه النتيجة من خلال الآية القرآنية ]وأحل الله البيع وحرم الربا[59][، ويعتبر أن الفائدة الربوية محرمة لأن الإنسان يتلقى أكثر مما يستحق.
إن الإنسان داخل المجتمع الإسلامي المتجدد حسب "كارودي" هو إنسان لا يسعى بطبعه إلى الربح في ذاته، وينفي أن يتم البحث عن الربح من أجل الربح في إطار اقتصاد إسلامي حقيقي، وهكذا قال: "… فمفهوم الربح يمكن أن يوجد في اقتصاد إسلامي، ولكن لا كغاية في حد ذاته وكفائض قيمة، واستغلال لعمل الآخرين، بل كأداة قياس لإدارة جيدة وعمل ذي فعالية عملية في خدمة الله والإنسان".[60]
الفرع الثاني: الفكر الإسلامي.
إذا كنا قد تطرقنا في المحور السابق لأهم الأفكار الغربية الواردة بشأن الربا والفائدة والربح، وأبرزنا مفاهيمها لدى المفكرين العالميين، في إطار تحليلاتهم وأبحاثهم حول أنساق البنية الإقتصادية، فإننا سنعمل في هذا المحور على طرح الفكر الإسلامي بخصوص هذه المواضيع، وكيفية تناولها ومعالجتها من قبل المفكرين المسلمين الذين يبحثون عن السبل الناجعة لإنجاح اقتصاد البلدان العربية والإسلامية، ويهتمون بشكل خاص، بالنظام المصرفي الإسلامي والوجه الذي يجب أن تكون عليه البنوك الإسلامية.
وما تجدر الإشارة إليه، هو أن معظم هؤلاء المفكرين المسلمين يجمعون على أن الفائدة البنكية، أو سواها هي ربا محرم بالكتاب والسنة، الذي يعتبرونه وبالا على الإقتصاديات العالمية الراهنة وعاملا مسرعا لأزماتها.
ولكن ما هو مفهوم الفائدة في الفقه الإسلامي؟
1 ـ لقد عرف الفقه الإسلامي الفائدة بأنها: "ما يستفاد عن غير طريق مال آخر كالميراث والعطية والمنحة، أو ما يستفاد من عروض القنية، كالزيادة في أثمانها، مثل العقار والحيوان، المشترى للإقتناء إذا بيع بأكثر من ثمن عروض التجارة أو الغلة، التي هي ما نتج عن عروض التجارة قبل بيع رقابها كالصوف والوبر واللبن".[61]
2 ـ إن الشريعة الإسلامية، كما سبق الذكر سلفا، حرمت الفوائد الربوية ومنعت التعامل به بأي وجه من الأوجه، وحثت على الكسب والربح الطيب الناتج عن العمل والكد.
لهذا، فإن الفقهاء والعلماء المسلمين لم يأتوا بجديد في هذه المسألة سوى أنهم توسعوا فيها وبينوا ما للربا من مساوئ، وأنه داء لا نجاة للعالم منه إلا باستئصاله من جسمه وأنه خطر يتهدد اقتصاد وسياسة العالم، وأخلاقياته.[62] وكما يحاولون إيصال هذه الفكرة للحضارة الغربية التي تعيش بلدانها على الأنظمة الربوية التي تنخرها حتى النخاع، طارحين في الآن نفسه بدائل عن هذه الأنظمة متمثلة في البنوك والمؤسسات المصرفية المبتعدة تماما عن أي تعامل ربوي، والتي تقيم حدا فاصلا تميز به بين الزيادة الحلال وهي الربح، وبين الزيادة الحرام والتي هي الربا.
وهكذا نجد من بين فقهاء ومفكري الإسلام "ابن تيمية" الذي عبر عن الربا بقوله: "الربا هو طلب الربح في مبادلة المال من غير صناعة ولا تجارة".[63] موضحا أن الزيادة التي تنضاف إلى رأس المال دون بذل أي عمل ودون تحمل مخاطر الإستثمار والخسارة تعد ربا محرما شرعا.
وفي الحقيقة، فإن أفكار أئمة وعلماء الدين الإسلامي وردا على الحملة التي شنها ويشنها دعاة التعامل الربوي من علمانيين ومغرضين للدين الإسلامي الذين يحاولون إبراز ما للفائدة والربا من أهمية كبرى في ازدهار الإقتصاد العالمي والإسلامي.
هكذا نجد العديد من الفتاوى التي تحرم الربا والفائدة، بالرغم من ادعاء المدعين أن نسبة الفائدة التي يدفعها المصرف مثلا إلى صاحب المال أو الوديعة هي أقل من نسبة الخسارة التي قد تلحق ماله من جراء التضخم النقدي.
ومن بين هذه الفتاوى، هناك فتوى جماعية صدرت عن علماء القرويين بفاس في سنة 1906م منددين فيها انتهاج النظام المصرفي بالمغرب ومما جاء في هذه الفتوى:
"المصرف الذي يقرض بفائدة هو أكبر ما يمكن الوقوع فيه من الآثام".[64] كما أن أئمة المذهب الشيعي الإثنى عشري ذكر عنهم أنهم أكدوا على أن: "الربا يمنع الناس من اصطناع الخير، وأنه لو كان حلالا لترك الناس تجارتهم وما يتاجرون إليه، فحرم الله الربا لتنفر الناس من الحرام إلى الحلال وإلى التجارة من بيع وشراء".
والربا على رأي هذا المذهب هو مفسدة للمال، "إذ أن الإنسان يشتري من أخيه درهما بدرهمين فيكون ثمن الدرهم درهما وثمن الآخر باطلا".[65]
ويمكن القول أن الفتوى العلمية أعلاه لعلماء فاس تعتبر بقعة ضوء سلطت على طبيعة النظام المصرفي بالمغرب والذي يقوم على أساس الفوائد البنكية الربوية، ولعل من أسباب صدور هذه الفتوى في اعتقادنا هي البوادر التي أشرت على قرب نقل التجربة الأوربية المصرفية إلى المغرب الذي شهد أولها مع مطلع العقد الأول من القرن 20 وعلنا بهؤلاء العلماء يسعون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في هذا المجال داخل المغرب.
كما أن الأستاذ "أبو الأعلى المودودي" الكاتب الباكستاني، والذي نشر عدة بحوث قيمة في مجلة "ترجمان القرآن"، التي تعنى في مجملها بالأسس الإقتصادية في الإسلام في مقابلتها بالنظم المعاصرة، وفي معرض حديثه عن الربا والفرق بينها وبين البيع فإنه قال: "البيع هو أن يقدم البائع سلعته إلى المشتري… إما أن يكون البائع هيأ هذه السلعة للمشتري بجهده وبإنفاقه عليها ماله أو اشتراها من غيره، فهو في كلتا الصورتين يضيف أجرة جهده إلى رأس ماله الذي أنفقه… فهذا هو ربحه.
وبإزاء ذلك إن "الربا" هو أن يعطي الرجل رأس ماله رجلا آخر على أن يرده إليه بزيادة كذا… ونظير التأجيل هو ذلك المبلغ الزائد على رأس المال… وهو "الربا" وما هو –كما ترى- بأجرة على مال أو شيء وإنما هو أجرة على التأجيل فقط".[66]
واسترسل "المودودي" في توضيح الفرق بين البيع والربا، ولكن هذه المرة بخصوص معيار الربح المتأتى من كل منهما، حيث أبرز أن البائع وإن أسرف في أخذ الربح من المشتري أثناء عملية البيع والشراء، فإنه لا يأخذه منه إلا مرة واحدة فقط، بينما الربح الذي يأخذه الدائن من مدينه في إطار معاملة ربوية هو رحب متواصل غير منقطع ويزداد حدة مع مر الزمان وكر الأيام.[67]
ودائما بخصوص الربح الذي يعد وجها بارزا ودافعا حقيقيا في إطار تنمية الإقتصاد الإسلامي، فإن "ابن خلدون" تناوله كما يلي: "إن معنى التجارة تنمية المال بشراء البضائع ومحاولة بيعها بأغلى من ثمن الشراء، وهذا الربح بالنسبة إلى أصل المال يسير، إلا أن المال إذا كان كثيرا عظم الربح لأن القليل في الكثير كثير".[68] أما "ضياء مجيد" فقد اعتبر أنه لا فرق بين الربا وهو كل قرض جر منفعة، وبين سعر الفائدة الذي يحصل عليه المودعون (المقرضون) من البنك التجاري، أو الذي يحصل عليه هذا الأخير من المستثمرين (المقرضين)، لهذا السبب حرم الإسلام الربا باعتبار سعر الفائدة، وأحل الحصول على الربح الطيب بمختلف الطرق من بينها عقد المضاربة. وأن علة تحريم الربا هو الظلم الذي يطال المدين، فالربا حسب قوله: "عبارة عن ابتزاز ثروة شخص آخر دون مقابل، أي أخذ الثمن دون عوض والعوض يعني العمل، أي أن الربا أخذ ثمن دون عمل فهو حرام".[69]
وعليه، فلو استغل الدائن ماله في عمل ما مثلا بدلا من إقراضه فإنه ليس مؤكدا أن يحقق من وراء عمله هذا ربحا دائما، بل ومحتمل جدا أن يخسر في مشروعه، فيخسر معه ماله وجهده، وإذا كسب في هذا المشروع فيكون قد ربح ما بذله من عمل، ولكن الدائن حين قيامه بتقديم ماله للمدين على سبيل القرض فإن ربحه المتمثل في نسبة الفائدة باعتباره ربا هو ربح مضمون ومؤكد.[70] وهذا صحيح، إذ أن أي مشروع كيفما كان نوعه إنما يقوم على أساس الكسب والربح، الذي يبقى مع ذلك ربحا توقعيا بالرغم من الدراسة المدققة للميزانية والإستقراء القبلي لأحوال السوق، وتظل نسبة الخسارة واردة جدا، ليس كما هو الحال بالنسبة للإقراض بفائدة حيث يبقى المقرض الدائن في منأى عن مشاكل المدين وحساباته، ولا يهمه في العملية سوى ماله الذي أقرضه إياه منضافة إليه نسبة الفائدة المتفق عليها.
وما ينبغي الإشارة إليه، ونحن بصدد استقراء آراء المفكرين العرب والمسلمين، هو أن هؤلاء تعاملوا مع الربا كل حسب نظرته إليه، فهناك من قال بأن الربا المحرم في الإسلام إنما يكون في القروض الإستهلاكية لا الإنتاجية، أي تلك التي يقصد بها المقترض حاجته الذاتية للإستهلاك، ولا يروم استغلالها في وسائل الإنتاج (المنفعة العامة) وفي هذا الخندق نجد الدكتور "عبد الرزاق السنهوري" وهناك من يقترح بأن تحسب الفوائد البنكية بمثابة ضرائب ورسوم يدفعها المواطنون لبنوك الدولة نظير انتفاعهم من أموالها وأموال الجماعة، ومن دعاة هذا الطرح هناك الشيخ: "زكريا البري".
ونجد في موقف آخر لعلامة مغربي وهو الأستاذ "علال الفاسي"، الذي يقول بإباحة ربا السنة (ربا الفضل)[71] والذي حرم فقط سد الذرائع حتى لا يتخذ وسيلة للوصول إلى ربا القروض، وربا السنة هو ما سماه "الفاسي" بالربا الخفي في مقابل الربا الجلي المحرم بالنص القرآني.
محصلة القول، هو أن هناك العديد من الآراء في هذا الشأن، لعلماء مسلمين وعرب، حاولوا بقدر الإمكان التكلم في موضوع الربا والفائدة وكذا المعاملات المصرفية الإسلامية، لكن بصورة أثارت الشبهات حولها، لأنهم اقتحموا باب الإفتاء وباب الحلال والحرام وهم غير متسلحين بالعتاد الكافي من علوم التفسير والحديث والمقاصد الشرعية، ولا يسعنا المقام هنا لإدراجها كلها تفاديا للإطناب.[72]
وفي جانب مقابل، نجد صدور مجموعة من الفتاوى الشرعية حول المعاملات المصرفية الصادرة عن المجامع الفقهية وهيئات الرقابة الشرعية لبعض المصارف الإسلامية، حاولت أن تدلي بدلوها في الموضوع، وترد على بعض مزاعم المغرضين الذين يحلون ما حرم الله.
ومن جملة ما صدر، هناك قرار للمؤتمر الإسلامي الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة حيث أفتى أن الفائدة على مختلف أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين القروض الإستهلاكية والقروض الإنتاجية، وأن الإقراض بالربا أو الإقتراض به كله محرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة.
كما نجد أن مجلس المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي أفتى بما يلي: "كل ما جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعا، لا يجوز أن ينتفع به المسلم مودع المال لنفسه أو لأحد ممن يعوله في أي شأن من شؤونه.."، كما جاء في تقرير للجنة الباكستانية أن نظام الفائدة يتعارض والشريعة الإسلامية، ولابد من إيجاد نظام اقتصادي واجتماعي خال من الربا والإستغلال والتسلط.[73]
3 ـ علة تحريم الربا والفائدة:
إن الإسلام –وقبله الديانات السماوية والحضارات القديمة- حين حرم الربا فإنه لم يحرمه اعتباطا وبدون أية أسباب، إنما حرمه لغايات مبررة، ولعلها مبينة، وهو يروم من وراء ذلك قطع دابر الإسترزاق والتكسب على حساب الآخرين دون بذل الجهد والعمل، إذ أن الربا غالبا ما يطبع الإنسان بالأنانية وعبادة المال، ويجعل الأغنياء يرهقون كاهل الفقراء والمعسرين الذين تضطرهم ظروف معيشتهم إلى تأجيل ديونهم بالزيادة المتواصلة.
كما يمكن القول أن الربا وسعر الفائدة من الأسباب الرئيسية في تكدس الثروات وتضخم الأسعار، التي تقصم ظهر المواطنين المحتاجين كل يوم، وهو نذير بتعجيل الأزمات التي تصيب الإستقرار الإقتصادي والإجتماعي للدول المقامة على أسس النظام الربوي، والربا هو الشيء الذي لأجله يصاب نظام التجارة والصناعة بداء "الدوران التجاري" الذي تنتابه فيه نوبات الكساد والبوار كما جاء على لسان "المودودي". بيد أن رأس المال الربوي ذاته لا يرضى أن يتجه إلى أعمال نافعة تشتد إليها الحاجة للمصلحة العامة لأن مقدار الربح يكون فيها بسيطا وقليلا، بل على العكس من ذلك يتجه هذا الرأس المال إلى أعمال لا يحتاج إليها الناس ولكن هامش الربح فيها كبير وكبير جدا.[74]
وللربا من المضار ما يجعل الفرد والمجتمع والإنسانية ككل، تعيش على المادة وتتكالب عليها تكالبها على باقي الرذائل، فأخلاقيا مثلا، فإن الإنسان يتحجر قلبه ويضيق صدره ولا يعود يأبه لمشاكل الآخرين ولا يمد لهم يد العون والمساعدة، أما اجتماعيا، فالربا يخلق الطبقية واللامساواة وتعارض مصالح الأغنياء مع تطلعات الطبقات المعدمة، ولا يبيت هناك مكان لشيء اسمه التكافل والتضامن الإجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد، أما من الناحية الإقتصادية، فإن الربا والتعامل بالفائدة أضحى آفة عالمية لم ينج منها قطر من الأقطار، حيث أحدثت لكثرة تعامل الناس به مهنة تدعى: "مهنة المرابي".[75] وأوغل وواصل توغله حتى شمل معظم مناحي الحياة الإقتصادية، من تجارة وصناعة وفلاحة…
وزيادة على هذا وذاك، فإن الربا ترفضه الفطرة الإنسانية ويمقته المنطق السليم، إذ كيف يعقل أن يستغل الإنسان حاجة أخيه الإنسان تحت مسمى "الفائدة" وتحت غطاء حرية التجارة والرفاه والإزدهار الإقتصاديين! فإن كان هناك رفاه وازدهار فلما لا يشمل سوى الأغنياء الذين يزداد غناهم ويقصي الفقراء الذي تتعاظم فاقتهم وفقرهم؟!
لقد تطرقنا في هذا المبحث إلى مواضيع الربا والفائدة والربح، واستقرأنا مختلف النصوص الدينية والآراء الفكرية حولها، وتناولناها حسب سياقها التاريخي، لنصل إلى نقطة أساسية وهي مدى تشكيلها لدعامات وركائز يرتكز عليها البنك الإسلامي أثناء قيامه وتأسيسه، وهل بالفعل استطاع هذا الأخير جعلها أمورا تدعم موقفه وتبرر قيامه؟
وخير ما نختم به هذا المبحث هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يشكل لبسا وريبة للإنسان، ومن بينها المعاملات التي يرتاب فيها الفرد هل هي من قبل المعاملات الشرعية والمشروعة أم لا، ويجادل في حلها وحرامها وفي إباحتها ومنعها، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهة، فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان والمعاصي حمى الله من يرتع حول الحمر يوشك أن يواقعه".[76]
ولكن ماذا عن الظروف القانونية التي يعمل فيها البنك الإسلامي؟
وما هي التجارب الرائدة في مجال المصرفية الإسلامية؟
ذلك ما سنعرفه من خلال المبحث الثاني.
المبحث الثاني: الوضعية القانونية لإنشاء البنك الإسلامي وواقع تأسيسه.
سوف نتناول في هذا المبحث، نظام البنك الإسلامي من الزاوية القانونية لتأسيسه، من خلال تسميته، والمصطلحات المتنوعة المستعملة للدلالة عليه، ثم شكله القانوني، والإمتيازات التي يتمتع بها، الشيء الذي يثير العديد من التساؤلات حول هذه المواضيع، ويرجع سبب ذلك إلى الظروف القانونية التي يعمل بها البنك الإسلامي، والتي تتعارض مقتضياتها في غالب الأحيان مع مقوماته والتوجه السياسي والإقتصادي في الدول الذي يوجد بها.
وهكذا ارتأينا أن نقسم هذا المبحث إلى مطلبين، أولهما للإطار القانوني العام لتأسيس البنك الإسلامي، على أن نتعرض في الثاني لواقع هذا التأسيس من خلال أهم التجارب السائدة في الوقت الحالي.
المطلب الأول: الإطار القانوني العام لتأسيس البنك الإسلامي.
يتحدد هذا المحور في تسمية البنك الإسلامي، وشكله القانوني والإعفاءات الممنوحة له، وهو ما سنحاول تناوله في هذا المطلب، حيث سنخصص تسمية البنك الإسلامي وشكله القانوني في "الفرع الأول"، على أن نتطرق للمعاملة التفضيلية الممنوحة له في "الفرع الثاني".
الفرع الأول: تسمية البنك الإسلامي وشكله القانوني.
1 ـ تسمية البنك الإسلامي:
إن كل من تطرق إلى هذه النقطة –تسمية البنوك الإسلامية- سواء كان كاتبا أو ناقدا أو باحثا، إلا ولاحظ نوعا من الإختلاف والتنوع في تسمية هذه الهيئات، حيث يمكن أن نقسمها إلى فئتين: الأولى يطلق عليها اسم بنك (بنك دبي الإسلامي)،[77] بينما الثانية نجدها تحمل أسماء أخرى كبيت التمويل ودار المال والشركة.[78]، والقاسم المشترك بين هذه التسميات هي صفة "إسلام" علما بأنها تستمد كلها صفتها "كبنوك إسلامية" من القوانين المنظمة لها، والتي تنص على أنها جميعا تمارس العمليات البنكية.
وقد يتبادر إلى الذهن من الوهلة الأولى، بأن هذا أمر عادي ولا لبس فيه، وأن الفئة الأولى تحتوي البنوك، والثانية المؤسسات المالية غير البنكية، وهذا المنطق مرفوض لأن كل من يتعامل مع الفئتين، بدءا بالمساهمين أو أصحاب الودائع، بل حتى القوانين المنظمة لها يدرجهما تحت تسمية "بنك"، وهذا الأمر غير منطقي، لأنه كما تقول الدكتورة عائشة الشرقاوي المالقي: "يخلط بين المفاهيم وتبعا لذلك النمط من التحكيم، لا يمكن أن ندرج تحت اسم "بنك" إلا المؤسسات المصرفية التي تتوفر على المعايير القانونية المطلوبة، وبالتالي نستثني الشركات المالية المتخصصة، وبيوت التمويل وشركات الإستثمار".
ولكننا حتى نحدد موقع البنك الإسلامي من المؤسسات المالية بشكل أوضح وأتم، لابد من ذكر بعض وظائف هذه المؤسسات وإعطاء أمثلة عنها.
فشركات الإستثمار هي عموما شركات قابضة (Halding) توظف أموال المساهمين فيها في مشاريع استثمارية تكون عموما ذات حجم كبير وأجل طويل، ونذكر مثالا على ذلك شركات الإستثمار التابعة لمجموعة البركة (ويوجد فرع لهذه الشركة في المغرب) والشركات الإسلامية للإستثمار التابعة لدار المال الإسلامي.
أما شركات توظيف الأموال فهي مؤسسات تتلقى مدخرات المودعين لتوظيفها في شتى المجالات التجارية والعقارية والصناعية، وخاصيتها أنها تتعامل بالأقساط الصغيرة على آجال صغيرة، ويشمل ذلك أعداد هائلة من العملاء، من كل المستويات الإجتماعية، ومثل ذلك مؤسسة الهلال في إنجلترا.
أما مؤسسات التأمين تقوم بتغطية المخاطر المتعلقة بالأشخاص والحاجات بالنسبة للمتعاضدين في المؤسسة بواسطة عقد التبرع المشروط، وتقوم هذه المؤسسات التعاونية بدور التأمين وإعادة التأمين، ومثال هذه المؤسسات الشركة العربية الإسلامية للتأمين وشركة التكافل وإعادة التكافل بالليكسامبورغ[79].
وهكذا يتبين أن البنوك والمؤسسات الإسلامية، تمارسان نفس الأعمال وبنفس الطرق، بل نجد الفئة الثانية تتبنى سياسات تتعلق بدعم وقيام الفئة الأولى وإنشائها ولعب دور التنسيق فيها، مثل دار المال الإسلامي مع بنوك فيصل الإسلامية، ومجموعة البركة مع بيوت التمويل وبنوك البركة، ولذلك إذا قلنا بأن المؤسسات المالية التي تؤسس المصارف بنوكا، فقانونيا يفترض فيها القيام بما يجيزه لها القانون فقط، وأن تتوفر فيها نفس الضوابط، وهذا أمر يأتي مخالفا للضوابط الواردة في القانون البنكي الوضعي للإعتراف بمؤسسة ما بأنها بنكا، فالقانون المغربي إذا طبقته على البنوك والمؤسسات الإسلامية، وجدته يفصل بينها في ظل قانون المهنة البنكية والقرض لسنة 1967، الذي كان يخص البنوك وحدها بمهمة تلقي الأموال من العموم كودائع وحصر أعمالها في القروض والعمليات المالية والبورصة والصرف[80]، ومنع عنها مزاولة الأعمال الصناعية والتجارية إلا بإذن خاص،[81] بينما البنوك الإسلامية والمؤسسات المالية تتلقى كلها الأموال من العموم كودائع، وتقوم بكل الأعمال لاسيما التجارية منها، والتي تعد أساسية بالنسبة لها.
وقد استمر الأمر على هذا الفصل في القانون المغربي بين البنوك والمؤسسات المالية، إلى أن صدر قانون 1993، الذي لم يعد معه مجال للتمييز من حيث التسمية بين البنوك والمؤسسات المالية، لأنه أطلق عليها جميعها مصطلح "مؤسسات الإئـتمان"[82] وسمح لها كلها بتلقي الأموال كودائع.
قبل الإنتقال إلى الشكل القانوني للبنوك الإسلامية، لابد لنا من تناول نقطة جوهرية، تفرض نفسها بإلحاح، ألا وهي ربط تسمية هذه البنوك بالإسلام، فما هي الردود التي خلفتها هذه الكلمة؟ وهل كل ما يحمل كلمة "إسلام" يصبح إسلاميا جوهرا وشكلا؟ أم أن الإسلام أكبر من هذا؟
إن ربط تسمية هذه البنوك بالإسلام، أثار ردود فعل مختلفة، مؤيدة ومعارضة لدى الباحثين والمختصين، فالإتجاه الأول يقول بأن هذا الوضع سليم ولا لبس فيه، حيث يرون أنها جاءت كنوع من التحدي للجدل الذي يحوم حول إمكانية أن يكون للمرجعية الإسلامية رؤية أو نظرية في مجال الإقتصاد بشكل عام، وفي مجال البنوك بشكل خاص، هذه الأخيرة التي استطاعت أن تغطي جميع المجالات التي تعمل فيها البنوك الربوية وفق النظام الإسلامي، ومن مؤيد هذا الإتجاه نجد أحمد لوتاه.[83]
بينما نجد الإتجاه الثاني يتناول هذه البنوك بشيء من النقد اللاذع، بقصد الجرح والتثبيط، والقول بأن هذه البنوك استعملت الإسلام درعا تتستر وراءه ليس غير، ومن أبزر مساندي هذا الإتجاه نجد حسين علي راشد، الذي يقول بأن البنوك الإسلامية عبارة عن طلاء إسلامي لواقع غير إسلامي، وأنها لا تختلف عن البنوك التقليدية إلا في التسمية، والصحفيـــة الفرنســية Stéphanie Prrigi التي أصدرت كتابا سنــــة 1989 تحــــــت عنـــــوان: "Des banques islamiques".[84]
أما الإتجاه الثالث، ومن أبرزه الدكتورة عائشة الشرقاوي المالقي، ورئيس مجموعة دالة البركة، الذي ذهب إلى القول بأن كلمة إسلام لا تكفي لأي شيء لكي يصبح إسلاميا مضمونا وشكلا، لأن الإسلام أكبر من أن يزج به في هذه الأموال، أو أن يوضع في موضع يعرضه للضغط إذا فشلت التجارب أو أسيء استخدامها.[85]
ونحن نؤيد هذا الإتجاه الأخير، لأن الإسلام يجب أن يبقى ذو مكانة عالية وبعيدا عن الشبهات التي يمكن أن يقع فيها على أيدي بعض اللذين لا يحسنون تسيير هذه البنوك، وبالتالي الإساءة إلى الإسلام بصفة عامة. لأن اللافتة الإسلامية ليست دليلا على صدق الإنتماء الإسلامي والقول بأن مؤسسة ما إسلامية، يجب ألا يفهم منه بأنها بالضرورة إلتزاما بالموقف والمسلك الإسلامي.
2 ـ الشكل القانوني للبنك الإسلامي:
إن البنوك الإسلامية تخضع من ناحية شكلها الحقوقي للقوانين الخاصة بالشركات، وقد اختارت في الأغلب الأعم صبغة شركة المساهمة[86] التي تدخلها في صبغة البنوك التجارية، وإن كان يطلق على بعضها اسم "شركة المساهمة المحدودة" فإن ذلك راجع فقط لكون الدول التي توجد بها تعتمد على النمط الأنجلو ساكسوني[87] الذي يضفي عليها هذه الصفة، حيث يسمح أن يدير الأموال غير مالكيها، مع أنها في الواقع هي نفس شركة المساهمة في التصنيف اللاتيني، الذي له تصور معين عن المشاركة في إدارة الأعمال، حيث أنه لا يدير إلا من يملك، ولا يخرج عن هذه القاعدة سوى البنك الإسلامي للتنمية باعتباره هيئة دولية.
إن إتخاذ المصارف الإسلامية شكل شركة المساهمة[88] يعني أنها تتأسس بنفس شكل البنوك التقليدية، مما يدل على أنها لم تستطع التخلص من القوانين الوضعية الجاري العمل بها في الدول التي توجد بها، أو أن تخلق شكلا خاصا على نفس مستوى طرق العمل التي أتت بها، إلا أن الحقيقة هي أن هذا التصنيف لا يمنح المصرف الإسلامي من القيام بمهام لا تعرفها البنوك التجارية عادة، وبالأخص تنظيم علاقاتها مع المودعين من جهة والعملاء من جهة أخرى على أساس المشاركة، كما سنوضح ذلك فيما بعد، ولا يمنعها أيضا من تنظيم حسابات جديدة كالتي تخص صندوق القرض الحسن أو صندوق الزكاة.[89]
الفرع الثاني: المعاملة التفضيلية الممنوحة للبنك الإسلامي.
مرت "البنوك الإسلامية" بمرحلة عاملتها فيها السلطات المختصة معاملة تفضيلية بالمقارنة مع البنوك الربوية، ونظرا لتعدد البنوك الإسلامية الآن وتنوعها اختلفت هذه المعاملة حسب كل دولة، وعدم تمتيعها كلها بالمعاملة التفضيلية، وحتى التي استفادت منها خلال فترة معينة، تقلصت استفادتها مع مرور الزمن، ولهذا وجب علينا أن نصنفها لأغراض هذا المحور إلى ثلاث مجموعات:
– مجموعة البنوك التي استفادت من الإعفاءات بشكل مطلق أو نسبي من النظم القائمة، ويندرج تحت هذا النوع من البنوك، كل من الإمارات العربية المتحدة ومصر وتونس والبحرين والأردن على سبيل المثال لا الحصر.
– مجموعة البنوك في الدول التي أسلمت نظامها البنكي بأكمله –كما في باكستان وإيران- أو بشكل جزئي على سبيل المثال تركيا.
– مجموعة البنوك التي قامت دون تنظيم خاص يحكمها ودون إعفائها من النظم المصرفية التقليدية[90]، كحالتي الدانمارك والمملكة المتحدة.
1 ـ البنوك الإسلامية التي استفادت من الإعفاءات بشكل مطلق أو نسبي:
نجد على رأس هذه البنوك في جمهورية مصر العربية، بنك ناصر الإجتماعي، الذي تمتع بعدة امتيازات وإعفاءات بموجب قانون رقم 66 لسنة 1971م[91]، شملت الإعفاء من جميع أنواع الضرائب والرسوم على أموال الهيئة وإيراداتها وما تؤديه من معاشات وإعانات وقروض، بالإضافة إلى استثنائه من الخضوع لقانون البنوك والإئتمان رقم 163 لسنة 1957[92]، فضلا عن تخويله حق الإمتياز على جميع أموال مدينيه بالنسبة للأموال المستحقة عليهم، وله استخدام الحجز الإداري لتحصيلها.[93]
وفي مصر دائما باعتبارها من الدول الرائدة في تجربة البنوك الإسلامية، تمتع بنك فيصل الإسلامي المصري، بإعفاءات ضريبية حمت أمواله وأرباحه وتوزيعاته وكافة أوجه نشاطه وعملياته سواء في مركزه الإجتماعي أو فروعه، لمدة خمسة عشر عاما من كل ضريبة أو رسم،[94] كما أعفيت المعدات التي يستوردها البنك والمنقولات التي يمتلكها من الضرائب والرسوم الجمركية.
وبالإضافة إلى الإعفاءات الضريبية، صدرت بحق البنك وفروعه استثناءات من التنظيمات الجاري بها العمل في الرقابة على النقد الأجنبي، والهيآت العامة، أو شركات القطاع العام، أو المؤسسات ذات النفع العام.[95]
وقد استمر العمل على أساس هذه الإمتيازات والإعفاءات والإستثناءات، إلى حدود 1981م، حيث عرفت مصر صدور قانون تحت رقم 142، الخاص بتسوية الوضعية بين البنوك، تضمن تعديل المادتين 10 و11 من قانون 1971، حيث نصت المادة 10 بعد تعديلها على سريان القوانين المنظمة للرقابة على النقد الأجنبي على البنك وفروعه، في حين نصت المادة 11 على خفض مدة الإعفاءات الضريبية وجعلها خمس سنوات عوض خمسة عشر عاما.
وتتمتع البنوك الإسلامية في دولة الأردن بإعفاءات وإمتيازات متعددة ومنها البنك الإسلامي الأردني للتمويل والإستثمار[96]، الذي استفاد من إعفاءات ضريبية في أمواله وأرباحه من كل ضريبة أو رسم، كما أعفى من رسوم الطوابع وغير ذلك من التكاليف المقررة على العقود التي ينظمها البنك مع الغير.[97]
وبالإضافة إلى الإعفاءات الضريبية، صدرت بحق البنك استثناءات عن التنظيمات الجاري بها العمل في معاملات البنوك والإئتمان، حيث يقدم الأشخاص المتعاملون معه أو الموظفون معلومات سرية ومكتوبة، كما لا يجوز لأي موظف أو مراقب شرعي أو فاحص حسابات أن يفضوا بأية معلومات تمس سلامة العمل وعلاقة البنك مع المتعاملين.[98]
وتوجد إلى جانب الإعفاءات والإستثناءات، إمتيازات منحت للبنك، تمثلت في حق الإمتياز على أموال الملتزمين تجاهه، سواء كانوا متعاملين معه أو كافلين، كما تتمتع دعاوى البنك ومعاملاته التنفيذية أو الإجرائية بالأولوية، ولا تسري عليه التنظيمات الخاصة بتقديم الكفالات والتأمينات النقدية الجاري العمل بها في المحاكم ودوائر الإجراء والجهات الجمركية وغيرها من المؤسسات العامة.[99]
ومن البنوك التي منحت معاملة تفضيلية شبيهة بالبنك الإسلامي الأردني للتمويل والإستثمار هناك بنك البحرين الإسلامي[100] وبنك فيصل الإسلامي،[101] حيث استفادت جميع الشركات التي اختارت إنشاء هذه البنوك في دولة البحرين من الإعفاءات الضريبية التي تنص عليها الدولة، كما قامت الأردن بإنشاء قانون جديد للبنوك يتناول أحكاما تخص البنوك التي تعمل وفق الشريعة الإسلامية، وأن هذه الأحكام أعطيت الأولوية في التطبيق على غيرها من النصوص والقوانين، وقد تم تخصيص فصل كامل ومستقل للبنوك الإسلامية، استيعابا للمستجدات في العمل المصرفي.[102]
ومن البنوك التي استفادت من معاملة تفضيلية نسبية، هناك بيت التمويل السعودي التونسي[103]، الذي منح له نظام ضريبي خاص، جعل أرباحه تنقسم من حيث خضوعها للضرائب إلى ثلاثة أنواع: الأول: معفى بالكامل، ويشمل أرباح الودائع بالدينار التونسي، والثاني معفى بشكل نسبي، ويشمل أرباح ودائع التوفير حتى سقف 5000 دينار، علما بأن نسبة الضريبة على أرباح الودائع تساوي حسب القانون التونسي 20%.[104]
2 ـ البنوك الإسلامية والمعاملة التفضيلية في الدول التي أسلمت نظامها البنكي:
نأخذ نموذج باكستان، حيث قامت هذه الأخيرة سنة 1947 على جمع المسلمين من كل أنحاء القارة الهندية لإقامة دولة إسلامية، وتطبيق نظام الإقتصاد الإسلامي فيها، إلا أن فكرة تطبيق هذا النظام، ترددت بين الظهور والإختفاء بسبب عدم وضوح معالمه وكيفية تطبيقه، وقد استمر الحال على هذا الشكل إلى سنة 1977م، حيث كلف الرئيس الباكستاني في 29 شتنبر من نفس السنة مجلس الفكر الإسلامي بإعداد دراسة عن النظام الإقتصادي والمصرفي الإسلامي[105]، ومن مجموع هذه الجهود الجماعية اتخذت السلطات تدابير تشجيعية في حق التعامل بشهادات المضاربة، التي أعفيت مردوديتها من الضريبة على الدخل، بشرط أن يوزع 90% من الدخل على أصحاب شهادات المضاربة.[106]
ومن الدول التي أسلمت نظامها البنكي بشكل جزئي نجد تركيا، حيث صدر في هذه الأخيرة قانون خاص ينظم نشاط التمويل اللاربوي ويسمى "بيوت التمويل الخاصة" وذلك بالمرسوم رقم 7506/1983م، المؤرخ 13/12/1983م والمرسوم رقم 7833/84 المؤرخ 15/3/1985 الصادرين عن مجلس الوزراء والبيانات، وقد أسس حتى الآن وفقا لهذا التنظيم بيت التمويل البركة التركي وبيت فيصل للتمويل ويمارسان عملهما وفقا لهذا النظام، وهكذا نجد هذه المؤسسات المصرفية تسير بطريقة مختلفة عن البنوك الربوية.
3 ـ البنوك الإسلامية الخاضعة للقوانين المصرفية التقليدية.
نجد في مقدمة هذه البنوك، المصرف الإسلامي الدولي الموجود في الدنمارك حيث تمخض عن المفاوضات والترتيبات التي جمعت بين الشركة القابضة (المصرف الإسلامي الدولي) والسلطات الدنماركية، اجتماعي 22/3/1982 و21/7/1982م في مقر رعاية البنوك[107] تقرر عنهما خضوع المصرف الإسلامي الدولي للقوانين والتنظيمات الجاري العمل بها في الدولة-الدنمارك-، دون إعفاء أو استثناء والتأكيد من جانب الشركة القابضة على إمكان مباشرة العمل المصرفي الإسلامي ضمن إطار القوانين المصرفية للدنمارك.
ونفس الوضع نجده عند البركة الدولية المحدودة، حيث أكد البنك المركزي البريطاني من خلال سياسته الفعلية والمعلنة، أنه لا يمنحه أي امتياز بمعنى أن الشركة تباشر جميع أنشطتها وفقا للشريعة الإسلامية بما لا يتعارض مع القوانين أو اللوائح المحلية أو أي طلبات من أي سلطة مختصة بتنظيم أو رقابة عمل الشركة.
المطلب الثاني: الواقع الجغرافي للبنوك الإسلامية.
إذا كان اهتمامنا بمسيرة المصارف الإسلامية قد دلنا على متابعة التجربة، وهي لا تزال رغبة جامحة في النفوس إلى أن دخلت عالم الواقع، مبرزين في ذلك ملابسات ظهورها وقوة اندفاعها في المرحلة الراهنة، فإن هذه المتابعة بعد أن مكنتنا من الإطلاع على الصورة الخارجية لحركة المصارف الإسلامية، وعلى الإطار القانوني لها لا تزيدنا إلا شغفا وتطلعا إلى الكشف عن واقعها التأسيسي في مختلف دول العالم، لذا ندخل في مرحلة أخرى من المتابعة ألا وهي الواقع الجغرافي للبنوك الإسلامية.
وبناء عليه سنقسم هذا المطلب إلى ثلاث محاور، يضم الأول البنوك الإسلامية في الدول الإسلامية التي تعرف تعايش النمطين –الإسلامي والربوي- أما الثاني، فنخصصه لتأسيسها في الدول التي قامت بتحويل نظامها البنكي إلى النمط الإسلامي، أما الثالث فنتناول فيه تأسيس البنوك الإسلامية في الدول غير الإسلامية.
الفرع الأول: تأسيس البنوك الإسلامية في الدول الإسلامية التي تعرف تعايش النمطين.
سنتناول في هذه النقطة نموذج جمهورية مصر العربية، بنوع من التفصيل نظرا لدورها القيادي في مجال "العمل المصرفي الإسلامي"، في المرحلة الأولى، على أن نتعرض بعد ذلك لبقية الدول بنوع من الإيجاز يقتضيه حجم التجربة فيها.
1 ـ التجربة المصرية:
لقد مرت هذه التجربة بمرحلتين، مرحلة الستينات التي عرفت ظهور بنوك الإدخار المحلية ومرحلة السبعينات التي عرفت ظهور البنوك التجارية الإسلامية، وسنحاول بحول الله إلقاء الضوء على المرحلتين بالتوالي.
أ ـ مرحلة الستينات:
عرفت جمهورية مصر العربية أول "بنك إسلامي" في العصر الحديث، مع بداية العقد السادس من القرن 20 في شكل بنك الإدخار المحلي في يوليوز عام 1963م بمدينة ميت غمر، بموجب مرسوم جمهوري تحت رقم 17/1961، يعمل بأسس متفقة تماما مع الأسس الإسلامية، رغم أنها لا تحمل صراحة شعارا إسلاميا يحدد هويتها، وكانت الفكرة من إنشاء هذا البنك هي إقامة وحدات مصرفية محلية في كل قرية أوحي لتجميع مدخرات الأهالي، وتوظيفها مباشرة في خدمة احتياجاتهم في منطقتهم.[108]
وتعود فكرة إنشاء مثل هذه البنوك إلى الدكتور أحمد النجار، الذي تأثر بالنجاح الذي حققته بنوك الإدخار المحلية الألمانية، والآثار الإيجابية التي كانت لها على الإقتصاد الألماني، عندما كان يدرس هناك، والتي يعود تاريخها إلى القرن 19.
واعتبرت هذه التجربة أولى المحاولات الجادة لإنشاء بنك إسلامي، حيث جاءت بعده فترة الإنتشار، ففي سنة 1965 تم افتتاح خمسة فروع هامة وتحت نفس التسمية، وفي سنة 1966 افتتحت ثلاثة فروع جديدة، وعلى مدة الأربع سنوات التي عاشتها التجربة عرفت 9 فروع، و100.000 متعامل تقريبا، موزعين بين مختلف الدوائر، و200 شخص هو عدد العاملين الماهرين على إدارة وتسيير الفروع.[109]
وأهم ما يلفت الإنتباه في هذه الفترة من حياة بنوك الإدخار المحلية، هو التجاوب الكبير للجمهور معها، سواء منها المودعين أو المستثمرين.
وعلى كل حال، فإن تجربة بنوك الإدخار في مصر سرعان ما تعطلت، وتوقفت نهائيا في شهر ماي من سنة 1967، ويمكن القول بأن سبب انهيار هذه البنوك هو احتضان المشروع بكامله تحت وصاية بعض الجهات في ظل نظام مركزي، وبالتالي ضرب مبدأ المحلية في الصميم، الذي يعتبر المبدأ الأساسي في نجاح التجربة.
ب ـ مرحلة السبعينات:
أخذت تجربة البنوك التجارية الإسلامية في مصر مسارها الحقيقي في مرحلة السبعينات من القرن الماضي، حيث تم إنشاء أول بنك إسلامي حديث، وهو "بنك ناصر الإسلامي" سنة 1971 بمقتضى القانون رقم 66 لسنة 1971م، حيث يحرم قانونه الأساسي التعامل بالربا بالأخذ أو العطاء.[110]
وبعد عدد من السنوات أنشئ بنك "فيصل الإسلامي المصري"، في سنة 1977 بمقتضى القانون رقم 48/1977 المعدل بالقانون رقم 42/1981، وأخذ شكل شركة مساهمة مصرية، وسجل كبنك تجاري خاص تحت رقم 88 بتاريخ 14/6/1979 وباشر أعماله في شهر يوليوز 1979[111]، كما نجد الآن في مصر بنوك إسلامية أخرى إلى جانب بنك فيصل الإسلامي المصر، وهي "المصرف الإسلامي الدولي للإستثمار والتنمية" الذي تأسس عام 1980[112] وبنك "عربية" وهو فرع لمؤسسة "الراجحي" المصرفية، بالإضافة إلى هذه البنوك في مصر، نجد هيكل النشاط المصرفي القائم بها، يتضمن فروعا للمعاملات الإسلامية تابعة لبنوك تجارية أصلا.[113] مثل فرع بنك مصر للمعاملات الإسلامية، الذي يعد أول فرع إسلامي فتح العالم العربي سنة 1979 وأسسه طلعت حرب، بعد ذلك زاد العدد ليصل على 30 فرعا موزعة على مختلف محافظات الجمهوية، وقد بلغ عدد الفروع لمختلف البنوك في جمهورية مصر العربية 30 فرعا، موزعة على عدد 30 بنكا تقليديا، بحيث لا تكاد مدينة مصرية تخلو من فرع أو فرعين للمعاملات الإسلامية.[114]
2 ـ التجربة في بقية الدول الإسلامية:
سنقسم هذا المحور إلى ثلاث نقط: الأولى نخصصها للتجربة في دول الخليج العربي، والثانية للتجربة في الدول الأفريقية، على أن نتناول في الثالثة الدول الأسيوية.
أ ـ البنوك الإسلامية في دول الخليج العربي:
شهدت هذه الدول تأسيسا مترادفا للبنوك الإسلامية، وعلى رأسها دولة البحرين، التي تعمل فيها في ظل إطار قانوني يمتاز بالمرونة مكنها من التعايش مع البنوك والمؤسسات المالية التقليدية داخل هذا البلد، ويعد بنك البحرين الإسلامي أول بنك أنشئ في هذه الدولة طبقا للمرسوم رقم 2 لسنة 1979، وباشر أعماله في نونبر 1979[115]، وهو شركة مساهمة بحرينية ألزمه المرسوم المؤسس له بكل القوانين الموجودة في الدولة والمتمثلة في قانون الشركات وقوانين النقد والقوانين البنكية فضلا عن عقده التأسيسي ونظامه الداخلي، ولكن لما لا يتعارض منها مع أحكام الشريعة الإسلامية، وهذا ما أكده نظامه الأساسي، الذي نص على الإمتناع الكامل عن التعامل بالربا جليا كان أم خفيا.[116]
وفي 14 يوليوز 1983، تأسس بنك فيصل الإسلامي البحريني، في شكل شركة مساهمة وبترخيص خاص منح له من طرف مؤسسة النقد في الدولة.[117]
وتولى بعد ذلك إنشاء البنوك الإسلامية، ومنها بنك البركة الذي تأسس عام 1984م، والبنك العربي الإسلامي الذي تأسس عام 1990م[118]، وهذه البنوك شاركت في تأسيسها البنوك الإسلامية التي كانت موجودة قبلها في الدولة مع بضع الخواص السعوديين بالأخص.
وعرفت دولة قطر أول بنك إسلامي سنة 1982، وهو مصرف قطر الإسلامي، ثم بعده بنك قطر الدولي الذي بدأ أعماله في أكتوبر 1990م، كما عرفت قطر فروعا للمعاملات الإسلامية مثل الفرع الذي فتحه مصرف قطر الإسلامي.[119]
ب ـ البنوك الإسلامية في الدول الأفريقية:
سنأخذ التجربة التونسية كإحدى الدول الإسلامية الأفريقية، التي عرفت البنوك الإسلامية، نظرا لحجم العمل فيها، ويعد بيت التمويل السعودي التونسي، أول بنك أنشئ في تونس بمقتضى القانون رقم 108/1985 بتاريخ 6/12/1985، وهو بنك يمتثل لأحكام الشريعة الإسلامية على الرغم من اعتماده على التقنية الحديثة في كل أعماله، ويعود سبب هذه التسمية إلى الإشتراك الذي تم بين البنك المركزي التونسي بنسبة 20% ومساهمين سعوديين متمثلين في المجموعة المالية "البركة" بنسبة 80%.[120]
والملاحظ بالنسبة لهذه الفئة من الدول الإسلامية، وجود دول أخرى فيها، تعرف هذه البنوك كالجزائر وموريتانيا.
أما المغرب، فيعد من الدول الإسلامية القليلة التي لم تنفتح بعد على الممارسات المالية الإسلامية، وذلك بعد مرور أكثر من ربع قرن عن انطلاقها، وهذا لا يعني أن المغرب بقي منعزلا عن هذه الحركة المتطورة، بل دعمها بشتى الوسائل الممكنة وعلى سبيل المثال، فإن فكرة إنشاء البنك الإسلامي الدولي للتنمية ولدت بالرباط خلال المؤتمر الأول للقمة الإسلامية في 25/09/1969 بمبادرة من جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، وقد ساهم المغرب بفعالية في مقررات المشروع القادم من طرف مصر وباكستان والأمين العام لمنظمة العالم الإسلامي، قصد المصادقة على اتفاقية البنك الإسلامي للتنمية[121]، وهكذا فقد سجل المغرب حضوره العملي على الساحة منذ بداية السير، حيث عرف عدة محاولات من طرف المجموعات الإسلامية المالية الكبرى، كمجموعة: البركة ومجموعة دار المال الإسلامي لفتح بنك إسلامي به،[122] كما عرف محاولات أخرى من طرف مجموعة من رجال الأعمال المغاربة، إلا أن هذه المحاولات لم تؤتي أكلها بعد بالإضافة إلى بعض الفعاليات المغربية ومن بينها الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في الإقتصاد الإسلامي، التي عبرت عبر جميع توصيات الندوات الدولية الثمانية[123] التي نظمتها عن مطالبها الملحة بفتح المجال للنشاط المالي والمصرفي الإسلامي بالمغرب.
وهكذا نرى أن تجربة البنوك الإسلامية ما زالت قاصرة في المغرب، ونرجو عندما تأتي التجربة ينطبق عليها قول الشاعر:
وإني إن كنت الأخير زمانه *** لأت بما لم تستطعه الأوائل.
ج ـ البنوك الإسلامية في الدول الأسيوية:
سمحت بعض الدول الإسلامية الأسيوية، بتأسيس "بنوك إسلامية" فيها، وقد اخترنا نموذج كل من ماليزيا وتركيا.
فقد تأسست في ماليزيا، بنوك إسلامية على رأسها "البنك الإسلامي الماليزي بيرهاد"، الذي تأسس في بداية شهر يوليوز 1987، الذي يعد أول بنك من نوعه في هذه المنطقة من العالم، ويوجد مركزه الإجتماعي في كوالالمبور، وهو هيأة مالية حاصلة على دعم حكومي، وقد جاء هذا البنك إلى حيز الوجود بعد مجموعة من الإستعدادات، حيث قام رئيس وزراء ماليزيا بتشكيل لجنة وطنية للبنك الإسلامي في 30/7/1981م، وقد قامت بتقديم تقريريها في 1/7/1982م، متضمنا عدة توصيات[124]. وفعلا صادق البرلمان ومجلس الشيوخ على قانون البنوك الإسلامية سنة 1982م، وقد تضمن هذا القانون لائحتين، الأولى متعلقة بإنشاء البنك الإسلامي، والثانية بالإستثمارات العمومية التي أجازت للبنك الإسلامي المشاركة فيها.[125]
ومن الدول الإسلامية الأسيوية التي لها تجربة مع "البنوك الإسلامية" هناك تركيا حيث صدر بها قانون خاص ينظم نشاط التمويل اللاربوي ويسمي بيوت التمويل الخاصة وذلك بالمرسوم رقم 7506/1983م بتاريخ 16/12/1982م، ورقم 7833/84 بتاريخ 15/3/1984م، الصادرين عن مجلس الوزراء،[126] الشيء الذي أدى إلى إنشاء أول "بنك إسلامي" في تركيا، هو بنك فيصل الإسلامي الذي تأسس سنة 1985م، ومقره في العاصمة أنقرة، ثم بيت البركة التركي للتمويل، الذي تأسس في نفس السنة، ومقره في أنقرة أيضا، وبعدهما بيت التمويل التركي الكويتي سنة 1989.
وتعرف البنوك الإسلامية في تركيا معارضة قوية من طرف العديد من الشخصيات في الدولة، التي تتخوف من التطور السريع لهذا القطاع، وأيضا لأنهم رأوا أن مؤسساته تخالف الدستور التركي لأنها تعمل طبقا لمبادئ دينية وليست علمانية، لكن تركيا تراجعت عن خطة لإغلاق البنوك الإسلامية في البلاد، مما اضطرها إلى حجب مبادرتها بذلك بعد أن كانت قد أضافت بندا يدعو البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية التي لا تعمل بنظام الفوائد إلى التحول إلى بنوك عادية وإلا تعرضت للإغلاق.[127]
الفرع الثاني: تأسيس البنوك الإسلامية في الدول التي أسلمت نظامها البنكي:
وتضمن هذه البنوك كلا من إيران والباكستان والسودان، وإذا كانت الدولة الثانية قد تطرقنا لها سابقا، فإن تعرضنا سيقتصر على النموذجين الأساسيين في هذه الفئة هما التجربة الإيرانية والسودانية، وعليه سنحاول التعرف على الوضعية في كل دولة على حدة.
1 ـ التجربة الإيرانية:
قامت جمهورية إيران الإسلامية، بإعادة هيكلة كل النظام المالي للإقتصاد على النهج الإسلامي، وبالتالي تحويل الإقتصاد ككل والمؤسسات بما فيها المالية إلى مؤسسات إسلامية، حيث صدر قانون التأميم في سنة 1979م، قلص عدد البنوك من 36 إلى 9 بنوك، ثم صدر في أول شتنبر 1983م القانون المصرفي الإسلامي الذي نص على التنظيم الكامل للجهاز المصرفي،[128] وبدأ تنفيذه منذ 21 مارس 1984م، بحيث لم تعد البنوك منذ ذلك التاريخ تقبل الودائع أو تعطي القروض على أساس الفائدة.[129]
وهكذا تحول نظام الفوائد في إيران إلى نظام المشاركة في الأرباح، تحت رقابة البنك المركزي، الذي خول حق وضع الحدود العليا للأرباح.[130]
2 ـ التجربة السودانية:
إذا كانت السودان تصنف لدى البعض مع المجموعة التي تعرف ازدواجية في النظام المصرفي، لاستمرار وجود العمل المصرفي التقليدي فيها، ولكننا نظرا للوضعية الخاصة التي تتمتع بها السودان في قضية إحلال الشريعة الإسلامية، محل القوانين المعمول بها في الدولة، فضلنا الحديث عنها ضمن المجموعة التي أسلمت نظامها البنكي.
ويمكن تقييم التجربة السودانية في مرحلتين:
خلال المرحلة الأولى كانت المصارف الإسلامية تعمل جنبا إلى جنب مع البنوك التقليدية وهو ما عرف بالنظام المصرفي الموازي، حيث تم تأسيس بنك فيصل الإسلامي السوداني، بموجب قانون خاص أجازه مجلس الشعب في جمهورية السودان الديمقراطية، يحمل اسم "قانون بنك فيصل الإسلامي" لعام 1977.[131]
وفي سنة 1981، بدأ التحول من النظام التقليدي إلى الإسلامي، بصدور قرار جمهوري، منع البنوك المتخصصة من استخدام الفوائد في عملياتها، كما قامت السلطة السودانية في سنة 1984م، بتحريم كل صور التعامل الربوي سواء على مستوى الإقتصاد الكلي أو القطاع المصرفي أو المعاملات الفردية، وذلك بنص قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م، الذي صدر بأمر مؤقت رقم 6 لسنة 1984.[132] كل هذه الإجراءات أدت إلى إنشاء "البنوك الإسلامية" في السودان، مثل بنك التنمية التعاوني الإسلامي السوداني سنة 1983[133]، بقانون صدر سنة 1982م، ثم البنك الإسلامي لغرب السودان، الذي شرع في مزاولة أنشطته في شهر شتنبر 1984 وبنك التضامن الإسلامي، وغيرها من البنوك الإسلامية التي تعمل في هذا البلد.[134]
وهكذا يتبين خلال هذه المرحلة تعايش المصارف الإسلامية مع البنوك التقليدية التي تتعامل مع الفائدة وتمثل تركيبة الجهاز المصرفي الربوي في ذلك الوقت كل من بنك الخرطوم الذي يمثل أحد البنوك الوطنية العريقة المملوكة للدولة، والبنك العالمي السوداني وغيرها من البنوك التقليدية، لكن هذا الأمر استمر على ما هو عليه إلى حدود 1989 لتدخل السودان في مرحلة ثانية مع البنوك الإسلامية.
أدى وصول الجبهة الإسلامية للحكم سنة 1989، إلى الإسراع بإعادة الشريعة الإسلامية كأساس للقوانين في الدولة، حيث تم تحويل النظام المصري بالكامل إلى النظام الإسلامي بصدور أول قانون إسلامي في نونبر 1991،[135] وتخويل البنك المركزي تنظيم النشاط المصرفي على أساس الإقتصاد الإسلامي، كما تم إنشاء هيئة عليا للرقابة الشرعية على البنوك والمؤسسات المالية لتتولى تأهيل القطاع الإقتصادي والمصرفي فقهيا للقيام بأسلمة الإقتصاد السوداني والقطاع المصرفي.
الفرع الثالث: تأسيس البنوك الإسلامية في الدول غير الإسلامية:
شهدت الخمسة والعشرون سنة الأخيرة من القرن الماضي ظهور المصارف والمؤسسات المالية في مناطق عديدة، فبعد أن كان عددها في 1979 لا يتجاوز سبعة مصارف فقط نجد أن عددها الآن تجاوز مائة وخمسين مصرفا ومؤسسة مالية إسلامية،[136] ولعل الإقبال الكبير في التعامل مع هذه البنوك، ومعدلات النمو التي تحققها آثار انتباه العديد من الدول غير الإسلامية، حيث قررت خوض غمار هذه الظاهرة من خلال التواجد في أسواقها.
وهكذا سنتناول تجربة كل من الدنمارك وبريطانيا، نظرا لقيمتهما العملية.
1 ـ التجربة الدنماركية:
عرفت الدنمارك سنة 1983، أول بنك إسلامي في أوربا، تحت اسم "المصرف الإسلامي الدولي بالدنمارك", بهدف العمل كمراسل للبنوك الإسلامية بالدرجة الأولى، ولخدمة الجاليات الإسلامية في الغرب بالدرجة الثانية، وقد كانت الحكومة الدانماركية سباقة في الترخيص لبنك إسلامي بالعمل فوق إقليمها، بعد فشل البنوك الإسلامية في الحصول على ترخيص، يسمح بتأسيسها فوق إقليم الدول الغربية، نظرا لحداثة العهد بنظم هذه البنوك، ولعدم اقتناع السلطات المصرفية في هذه الدول –شأنها شأن السلطات المصرفية في البلاد الإسلامية حينئذ- بإمكان نجاح هذه البنوك[137].
وقد جاءت هذه الموافقة على إنشاء بنك إسلامي على مرحلتين،[138] الأولى صدرت فيها رخصة أولية بتاريخ 20/02/1982 تضمنت شروطا معينة امتثلت لها الشركة، ثم جاءت الثانية والتي منحت فيها الشركة الرخصة الأخيرة بتاريخ 17/2/1983 وهي التي سبقت التأسيس الفعلي للبنك الذي تم في 18/4/1983. وساهم في هذا البنك كل من بيت التمويل الكويتي، ووزارة الأوقاف في أبو ظبي وشخصيات مسلمة أخرى، لتدعيم العلاقات الإقتصادية بين الدول الإسلامية وغير الإسلامية، ملبيا بذلك رغبة الحكومة الدنماركية.[139]
2 ـ التجربة البريطانية:
أنشأت مجموعة البركة في بريطانيا "بنك البركة الدولي المحدود" عام 1984 وهو بنك إسلامي[140]، مر تأسيسه بمراحل عدة بدأت في 11/5/1981 بتأسيس شركة مساهمة تحت اسم "هارجريف سيكيوريتبز ليمتد" برأس مال قدره مائة جنيه إسترليني.[141]
وبعد حصول الشركة على ترخيص تلقي الودائع من البنك المركزي الإنجليزي، قامت شركة البركة للإستثمار والتنمية الموجودة بجدة بشراء أسهمها، وغيرت نظامها الأساسي بشكل يجعل الشركة تقوم بأعمال مطابقة للشريعة وغير مخالفة للقوانين السارية في بريطانيا.[142]
وقد استمر الحال على ما هو عليه، إلى أن قام البنك المركزي البريطاني عام 1993م، بإغلاق بنك البركة الدولي المحدود.
كما عرفت عدة دول أوربية البنوك الإسلامية كألمانيا وهولندا وسويسرا بالإضافة إلى دول أمريكا وآسيا.[143]
الفصل الثاني:
إدارة البنك الإسلامي والرقابة عليه:
إن تجربة المصارف الإسلامية يمكن القول عنها أنها ما زالت فتية، تتلمس بدايات الخطر، إذ لا يكاد يربو عمرها عن ثلاثة عقود، وذلك إذا ما قارنّاها مع تجربة البنوك العادية والتي رسخت أقدامها على الساحة المالية والإنتاج المصرفي، ومع ذلك لا أحد ينكر لها ما بذلته من جهد واجتهاد، متسلحة بقوة إيمانها بفلسفتها، وعازمة على ركوب التحديات في المجال، لتصل إلى ما تصبو إليه من إحلال نظام مصرفي ذي أبعاد ورؤى إسلامية، وتمتح من معينه قواعده ومبادءه ومناهجه في الحياة الإقتصادية للمسلم، عاقدة العزم على كسر القيود التي فرضتها الأنظمة المصرفية الربوية على الإنسان عامة والمسلم خاصة الذي يجد نفسه مطوقا من كل الجهات للتعامل مع هذه الأنظمة مكرها لا بطل.
والبنوك الإسلامية لم تؤمن بفكرة تطبيق فلسفتها هذه بالديار العربية والإسلامية فحسب، ولكنها راهنت أيضا على تطبيقها في عقر دار النظام الربوي، أي راهنت على أن يكون تواجدها حتى بالديار الغربية الممتلكة لكل أدوات المصرفية والقطاع البنكي الجد متطورة.
لهذا أدركت البنوك الإسلامية ضرورة امتلاكها لمثل هذه الأدوات، وعرفت أن نجاحها مرتبط ارتباطا وثيقا بقدرتها على خلق وإيجاد ترسانة فاعلة على المستوى البشري والتقني، والتي تتمثل في تنظيم إداري محكم إن داخل البنوك أو في إطار علاقاتها الخارجية، هذا مع إيمانها أن الإدارة كيفما كانت درجة تخلق مسيريها لن تسير على الخط المرسوم لها في قانونها التنظيمي، إلا إذا كانت هناك سلطة موازية ورادعة تتمثل في هيئة الرقابة بمختلف أنواعها، المصرفية منها أو الشرعية.
ولكن تثور عدة تساؤلات في هذا المقام مثل الطريقة التي تدار بها البنوك الإسلامية، هل هي نفس الطريقة المدارة بها البنوك العادية أم أن هناك اختلاف في الإدارة؟ ما هو الجهاز المسير لهذه البنوك؟ ما هي نوعية الرقابة الممارسة عليها؟ وهل هناك من رقابة أخرى تسري بحكم طابعها الخاص؟ سنقف على هذه الجوانب من خلال هذا الفصل الذي سنتعرض في "مبحثه الأول" لإدارة البنوك الإسلامية، بعد ذلك ننتقل للحديث عن الرقابة عليها في إطار "مبحث ثان".
المبحث الأول: إدارة البنك الإسلامي.
إن البنك الإسلامي مثله مثل باقي المؤسسات الأخرى العاملة في الميدان، يمتلك هيكلة إدارية متكونة من عدة أجهزة ومصالح، تسهر على تنفيذ سياسته المصرفية، وخريطته التنظيمية تقريبا هي نفسها خريطة أي بنك عادي آخر، مع بعض المميزات التي يختص بها عن غيره، والتي سنأتي على بيانها لاحقا.
وهذه الهياكل والأجهزة الإدارية تعمل على بلورة أهداف البنك ورسالته وترجمتها على أرض الواقع.
إلا أنه توجد بعض العراقيل والمشاكل التي يتخبط فيها البنك الإسلامي وتحد نوعا ما من نشاطه وتقدمه، وتثبط مسيرته التنموية.
فما هو هذا الجهاز الإداري الذي يعمل من خلاله البنك الإسلامي؟ (مطلب أول)، وما هي المشاكل والمعيقات التي يتخبط فيها؟ (مطلب ثان).
المطلب الأول: الجهاز الإداري.
يقصد بالجهاز الإداري للبنك الإسلامي، ذلك الطاقم المتكون من عدة مصالح وهيئات، والمجندة جميعها للسير بهذا البنك إلى توفير كل الخدمات المصرفية وغيرها من الأعمال التي ينشدها كل من يتعامل معه.
وهذه المصالح والهيئات تقوم بعملية التخطيط لتوجهات البنك الإسلامي، بحكم أن التخطيط يمثل أهم عنصر من عناصر العملية الإدارية.[144]
وباستقرائنا للتنظيم الداخلي للبنك الإسلامي، نجده ينقسم إلى جمعية عمومية، ومجلس إدارة، وكذا مصالح إدارية متكونة من وحدات خاصة بالعمليات الصرفية وأخرى بالخدمات البنكية… إلخ.
الفرع الأول: الجمعية العمومية:
إن البنك الإسلامي وكبقية البنوك التقليدية الأخرى، يتخذ شكل شركة المساهمة، لأن القانون[145] يحظر على باقي أنواع الشركات التجارية الأخرى الإشتغال في القطاع البنكي، والقرض، والإستثمار والتأمين، والرسملة والإدخار، ويوجب هذا القانون أن تستغل مثل هذه الأنشطة في إطار شركة المساهمة.[146]
ولهذا فوجود جمعية عمومية ذات طابع تقريري كان أمرا لابد منه بالنسبة لكل البنوك الإسلامية، لأنها السبيل الذي من خلاله يتأتى للمساهمين في رأسمال البنك المشاركة في تسيير إدارته ورسم سياسته العامة.
وككل شركات المساهمة، فإن البنك هو الآخر يشتمل على نوعين من الجمعيات العامة، فهناك الجمعية العامة العادية، وأخرى غير عادية،[147] لكل واحدة منهما اختصاصاتها، والضوابط المتحكمة في سير العمل بها إن على مستوى انعقاد جلساتها أو على مستوى النصاب القانوني المطلوب لصحة اجتماعاتها.
هكذا يتضح من تصفح قوانين البنوك الإسلامية أن مسألة انعقاد الجمعية العمومية العادية تتم مرة واحدة كل سنة على الأقل، إلا أن التاريخ الذي تعتزم هذه الجمعية أن يكون زمن انعقادها فإنه يختلف باختلاف لوائح البنوك الإسلامية بعضها عن بعض[148]، وهي على أي حال تواريخ متعددة لا يمكن الإشارة إليها جميعا هنا.
أما فيما يخص مكان الإنعقاد فهو الآخر يختلف من بنك إسلامي لآخر، فهناك من يشترط أن تنعقد الجمعية في البلد الذي يوجد فيه المقر الحقيقي للبنك،[149] وهناك من لم يحدد المكان وترك حرية تحديده لمجلس إدارة البنك.[150]
بالنسبة للجهة المخول لها حق دعوة الجمعية العامة للإجتماع فنجد أن هذه الجهة وكما هو الحال في البنوك التقليدية، هي مجلس الإدارة، أو بعض الجهات الأخرى كوزارة التجارة والصناعة مثلا، أو المساهمين المالكين لنصيب أوفر في رأس مال البنك.[151]
كما يحق لأي عضو في المجلس التنفيذي للمديرين لدى البنك الإسلامي للتنمية دعوة الجمعية للإنعقاد بتوجيه طلب في الأمر للرئيس، الذي يبحث سبل ذلك، ويقوم بإخطار بقية الأعضاء بهذا الطلب.[152]
أما ما يهم النصاب القانوني المطلوب لصحة انعقاد الجمعية العمومية لدى البنوك الإسلامية، فيتضح أن هناك تباينا فيما يخص نسبه، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن البنك الإسلامي الأردني للتمويل والإستثمار يشترط لصحة اجتماعاته توفر مساهميه الحاضرين الإجتماع على أكثر من نصف أسهم البنك.[153]
وباعتبار أن الجمعية العمومية هي هيئة تقريرية داخل الجهاز الإداري لكل البنوك الإسلامية، فإن قراراتها يفصل ويبث فيها بأغلبية الأصوات، غير أن بنك فيصل الإسلامي السوداني حاد عن هذه القاعدة العامة وترك أمر التقرير للرئيس.[154]
كما يمكن أن تتخذ القرارات دون تصويت كما هو شأن البنك الإسلامي للتنمية الذي ترك المسألة لرئيس مجلس المحافظين.[155]
ويتم التصويت إما برفع الأيادي، أو بالإقتراع السري على جميع المقررات بحسب كل بنك بنك.
الفرع الثاني: مجلس الإدارة.
يعتبر المجلس الإداري لأي بنك تقليدي، أو شركة المساهمة، العقل المدبر والجهاز المسير لكل كبيرة وصغيرة، داخل البنك أو الشركة، وهذا ما نجده حتى بالنسبة للبنوك الإسلامية، فلكل بنك إسلامي مجلسه الإداري، أو مجلس المديرين التنفيذيين كما يسمى في البنك الإسلامي للتنمية.[156]
بخصوص عدد الأعضاء وتكوين هذا المجلس، فلا يمكن الحسم في ذلك، لأن الوضع يتباين من بنك إسلامي لآخر، غير أنه فيما يتعلق بالاختصاصات فغالبا ما نجد أن المجلس الإداري غالبا ما تناط به مهام إدارة أعمال البنك المحددة في لوائحه ومقرراته الخاصة.
وهكذا، نجد على سبيل المثال، أن مجلس المديرين التنفيذيين في البنك الإسلامي للتنمية يمارس أعضاؤه اختصاصات تتمثل في إعداد ما يعرض على مجلس المحافظين –اتخاذ القرارات المتعلقة بنشاط البنك وعملياته بما يتفق والسياسة العامة للمجلس السابق وتوصياته- تقديم الحسابات عن كل سنة مالية للتصديق عليها في الإجتماع السنوي لمجلس المحافظين، والتصديق على الميزانية التقديرية والتوقعية للبنك.[157]
بيد أنه يجتمع المجلس أعلاه كلما دعت ضرورة لذلك، إما في المقر الإجتماعي أو في مكان آخر يتم اختياره من قبل هذا المجلس[158] إما اجتماعا عاديا أو خاصا،[159] على أن تتوفر الأغلبية المطلقة في اتخاذ القرارات والتي تتمثل في أغلبية أصوات المديرين التنفيذيين الحاضرين الإجتماع.[160]
هذا ونجد بقية البنوك الإسلامية الأخرى لها لوائحها الخاصة بتكوين المجلس الإداري، وعدده، واختصاصاته، إلى غير ذلك من الأمور، وارتأينا الإكتفاء بما ذكرناه عن البنك الإسلامي للتنمية وذلك للتمثيل فقط.
وغالبا ما تنضوي تحت لواء المجلس الإداري لأي بنك إسلامي عدة لجان مختلفة تشرف على عدة أعمال، ويمكن في هذا الباب ذكر: اللجنة التنفيذية العليا –لجنة الإستثمار والمشاركة –لجنة التكافل الإجتماعي –لجنة السياسة العامة.. إلى غير ذلك من اللجان والتي تقل أو تكثر من بنك لآخر.[161]
الفرع الثالث: المصالح الإدارية.
إن المصالح الإدارية لكل بنك، تعد بمثابة قلبه النابض وشرايينه الممتدة، لتمده بكل مقومات النجاح في مشواره المصرفي، لهذا لا يختلف اثنان حول أهمية هذه المصالح وحيويتها.
ونجد أن هذه المصالح تتنوع من بنك إسلامي لآخر، غير أنها غالبا ما تتفرع بحسب مقاصد وأهداف وكذا طبيعة البنك إلى مصلحة الإدارة، المصلحة القانونية، مصلحة الخدمات البنكية، مصلحة التكافل الإجتماعي، مصلحة التخطيط، وأخيرا مصلحة الإستثمارات والمشاركة.
1 ـ مصلحة الإستثمارات والمشاركة.
تقوم هذه المصلحة على وضع سياسة وبرامج الإستثمار والإشراف على تنفيذها، وكذا تحليل ودراسة المشروعات التي تقدم للبنك من أجل تمويلها، كما تعمل على تنمية الأعمال ومختلف الإستثمارات الآجلة، والتوظيفات قصيرة الأجل، وكذا إدارة ومتابعة الديون، وهذه المصلحة تقابل مصلحة القروض لدى البنوك التقليدية.[162]
2 ـ مصلحة الإدارة:
تعمل على الإشراف على مختلف مصالح البنك الإسلامي من موارد بشرية ومحاسبة ومختلف الأعمال والإجراءات الإدارية المتطلبة للتعامل مع هذا البنك،[163] كما تشرف على الجانب الإجتماعي والثقافي لمختلف موظفي وأطر البنك.
3 ـ مصلحة الإدارة:
تتكفل هذه المصلحة بمختلف الإجراءات القانونية للبنك من تمثيله أمام المحاكم سواء كان مدعيا أو مدعى عليه، والإشراف على تمحيص والنظر في كل العقود والمستندات التي يبرمها البنك ويتعامل بها.[164]
4 ـ مصلحة الخدمات البنكية:
تشرف على رقابة كل العمليات والخدمات البنكية من إيداع الأموال لدى البنك وتقديم مختلف أنواع القروض، كما تشرف على جميع الحسابات سواء حسابات الإستثمار أو حسابات الإدخار أو الحساب الجاري.
5 ـ مصلحة التخطيط:
تسعى هذه المصلحة إلى تهيئة الأبحاث المختلفة التي من شأنها رسم عمل وسياسة البنك، ووضع التقارير السنوية وإصدار النشرات التي تبين وتعرف بأنشطة البنك.[165]
6 ـ مصلحة التكافل الإجتماعي:
تتلخص وظائف هذه المصلحة في إدارة الزكاة، من جمعها وتوزيعها على المستحقين لها، سواء تلك الواجبة على البنك أو المتلقاة من المحسنين، كما تشرف على صندوق القرض الحسن.
بيد أن الخريطة التنظيمية للبنك الإسلامي يمكن القول بأنها هي نفسها لدى البنوك التقليدية، لكن هناك بعض المميزات الهامة والتي تعكس مقاصد المؤسسة وأهدافها ورسالتها، وتجعل البنك الإسلامي متميزا في هذا الميدان، ونجد من هذه المميزات توفر البنك الإسلامي على:
– هيئة الرقابة الشرعية.
– الإرشاد المالي والإقتصادي للعملاء والزبناء.
– إدارة الزكاة وصندوق القرض الحسن… إلخ.[166]
وهكذا يمكن أن نمثل للجهاز الإداري وهيئاته ومصالحه بالجدادة التالية على أن نعرض لأهم المعيقات والصعوبات التي تعترضه وتحد من فعاليته في (المطلب الثاني).
المطلب الثاني: عراقيل إدارة البنك الإسلامي:
إذا كانت الأيام قد أثبتت النجاح والإنجازات الكبيرة للبنوك الإسلامية، رغم مسيرتها التي لم تكن في الحقيقة إلا محاولة للسير فوق الأشواك، فهي لم تسلم من عثرات وأخطاء وصعوبات أثيرت بـشأنها عدة انتقادات، وهكذا سنرى في (الفرع الأول) مشكل العاملين، ثم (الفرع الثاني) سنرى مشكل الإستثمار، لنختم في (الفرع الثالث) بمشكل النظم المحاسبية.
الفرع الأول: الموارد البشرية (العاملين).
من أبرز المشاكل والمعيقات التي تعترض الإدارة في البنوك الإسلامية نجد مسألة العاملين فيها، هذه الأخيرة بقدر ما تكون سببا للإرتقاء بمستوى الأداء، بقدر ما تكون سببا في فشل مسيرته ككل، لأن الإدارة في عصرنا أصبحت علما وفنا، فأحيانا يكون العمل جيدا، لكن سوء التسيير يضيع ثمرته، لذلك لابد من حسن الإدارة، عن طريق حسن اختيار العاملين لتسند إليهم قيادة العمل المصرفي الإسلامي[167]، فلا مكان لغير المحترفين في مسيرة النجاح، حتى يشعر المتعامل أنه لم –ولن- يفقد أي تمييز في الأداء المهني عند تعامله مع المصرف الإسلامي.
وهذا ما لم يتم للبنوك الإسلامية، حيث واجهت ولا تزال الكثير من التحديات والصعوبات فيما يخص العاملين بها، والتي ترجع بالأساس إلى قلة الكوادر الإدارية ذات الكفاءة والخبرة والدراية بالعمل المصرفي الإسلامي.[168] نظرا لعدم تنويع وسائل استقطاب الكفاءات الإسلامية، وعدم تحري مبدأ الجدارة والإستحقاق في اختيار العاملين، وأن إجراءات التعيين مناسبة وسهلة، بالإضافة إلى برامج التنمية والتدريب في البنوك الإسلامية التي تعاني من عدة نقاط ضعف تتمثل في عدم تنويع أساليب التدريب وضعف الحافز الذاتي،[169] الشيء الذي حتم عليها الإعتماد على أطرهم في الأصل موظفون في البنوك الربوية،[170] لا يستوعبون دائما المعاملات الشرعية، لأن تفكيرها بعيد عن هذا النوع من المعاملات،[171] نظرا للتكوين الذي تلقته وفق المناهج التعليمية الغربية، البعيد كل البعد عن الفقه وأحكام الشريعة الإسلامية، خاصة إذا لم يقم البنك الإسلامي الذي يعملون به بتنظيم تداريب كافية تعرف بالعمل المصرفي[172]، وما يزيد الطين بلة هو قيام بعض البنوك بتوظيف أطر أجنبية[173] لا تمت للإسلام بصلة، كل هذا يؤدي إلى ضعف الولاء بين البنك وعامليه، لأن العامل المسؤول في البنك الإسلامي يجب أن يكون من المؤمنين بآلية العمل المصرفي ومن المحفزين ذاتيا للنجاح، ومن الراغبين في إعادة تعليم أنفسهم من منظور الشريعة الإسلامية،[174] فضلا عن كفاءتهم العملية والعلمية.
وهكذا يجب أن يكون كل موظف فقيها، ويقوم بالعمل خير قيام، بالإضافة إلى توفره على تكوين اقتصادي وقانوني وفني جيد، لأن اختيار العنصر الضعيف الذي لا يعرف في البنوك شيئا إلا باسم الله والحمد لله، ثم نعين المدير المتدني الذي يبعد أصحاب الخبرات عن البنك، أمرا لا يجوز تغميض العيون له، فهذه مؤسسة، يجب أن تعطي حقها للواعين والأكفاء الذين يديرونها.[175]
وهذا النقص الذي تعرفه البنوك الإسلامية في التكوين والكفاءة لا يقتصر عليها فقط، بل يهم حتى عدد العاملين، فإذا نظرنا إلى الطاقم البشري العامل لدى البنوك الإسلامية بحسب الإختصاص، وجدنا قلة المختصين في الإستثمارات[176] وهذا شيء مخالف للصواب، ما دامت البنوك الإسلامية تعيش على استثمار أموالها وأموال الودائع لا على إقراضها.
إن هذه المساوئ التي انتقدت هذه البنوك من أجلها، والتي أتت في جزء كبير من سوء الإدارة ونقص الإخلاص والكفاءة، دفعها إلى الإهتمام بإعداد الأطر الإدارية ذات الكفاءة والولاء، وتنمية الأجهزة الإدارية فيها، مع توفير التكوين الشرعي المتعمق لها، وفي هذا النطاق قام البنك الإسلامي للتنمية ودار المال الإسلامي، بإنشاء كل منهما معهدا[177] لتكوين العاملين في البنوك الإسلامية، كما أنشئ معهد في قبرص لنفس الغرض بمبادرة من الإتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، بينما تكوين بعض البنوك الإسلامية العاملين فيها في مراكزها التدريبية الخاصة،[178] مثل البنك الإسلامي الماليزي وبنك فيصل الإسلامي المصري.
ولعل هذه المبادرات راجعة لعدم وجود كليات خاصة بالإقتصاد الإسلامي ضمن الهياكل الجامعية.
كما قامت بعض البنوك بوضع ضوابط لانتفاء العاملين والقيادات للعمل بالإدارة، وتصميم برامج وملتقيات ومختبرات لمواجهة النقص في معارف ومهارات الأفراد وجبره.[179]
كل هذه الإجراءات التي قامت بها إدارة الخدمات المصرفية أدت إلى التغلب ولو نسبيا على مشكل العاملين.
[1] – د. منير إبراهيم هندي: "إدارة الأسواق والمنشآت المالية". منشأة المعارف الإسكندرية. سنة 1999. ص: 261.
[2] – د. عائشة الشرقاوي المالقي: "البنوك الإسلامية، التجربة بين الفقه والقانون والتطبيق". المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، وبيروت، الطبعة الأولى، سنة 2000م. ص: 10.
[3] – هذا التعريف مأخوذ عن د. محسن أحمد الخضيري في مقاله المنشور على صفحات الأنترنيت على الموقع الإلكتروني:
www.fiseb.fr عن موقع www.google.fr.
[4] – المادة 6 من القانون المتعلق بمؤسسات الإئتمان المغربية لسنة 1993.
[5] – د. مصطفى كمال السيد طايل: "البنوك الإسلامية المنهج والتطبيق". مطابع غباشي طنطا. 1408هـ/1988م. ص: 1.
[6] – منجي الطلاب. مادة ربا. الناشر مكتبة الأمة.
[7] – سورة الحج. الآية: 5.
[8] – سورة النحل. الآية: 92.
[9] – د. مصطفى كمال السيد طايل: مرجع سابق. ص: 3.
[10] – سورة الروم. الآية : 38.
[11] – الشيخ محمد علي الصابوني:"صفوة التفاسير". المجلد الثاني. المكتبة العصرية صيدا. بيروت. الطبعة الأولى، 1421هـ/2001م. ص: 1041.
[12] – سورة النساء الآيتان: 160-161.
[13] – الشيخ محمد علي الصابوني: المرجع أعلاه. المجلد الأول. ص: 295.
[14] – سورة آل عمران. الآية: 130.
[15] – الشيخ محمد علي الصابوني: المرجع أعلاه. المجلد الأول. ص: 210.
[16] – سورة البقرة. الآيتين: 275-276.
[17] – الشيخ محمد علي الصابوني: مرجع سابق. المجلد الأول. ص: 158.
[18] – سورة البقرة. الآيتان: 278-279.
[19] – الإمام أبي الفداء إسماعيل ابن كثير : "تفسير ابن كثير". المجلد الأول. دار الفكر 1407هـ/1986م. ص: 331.
[20] – ورد هذا الكلام لسيد قطب في المرجع السابق للشيخ محمد علي الصابوني: المجلد الأول. ص: 160.
[21] – الإمام أبو عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري : "صحيح البخاري". الجزء الأول. كتاب البيوع. مكتبة الصفا. 1423هـ/2003م. ص: 450.
[22] – الإمام أبو عبد الله بن اسماعيل البخاري: المرجع أعلاه، الجزء الأول. ص: 472.
[23] – الإمام أبو عبد الله بن اسماعيل البخاري: المرجع أعلاه. الجزء الأول. ص: 454.
[24] – سورة البقرة. الآية : 176
[25] – الشيخ محمد علي الصابوني: مرجع سابق. المجلد الأول. ص: 159.
[26] – الإمام البخاري: المرجع أعلاه. المجلد الأول. كتاب البيوع.. ص: 455.
[27] – الحديثين أعلاه واردين في تفسير ابن كثير. المجلد الأول. ص: 329 من أراد المزيد من الإطلاع ما عليه إلا الرجوع إلى المرجع المذكور.
[28] – رواه ابن ماجة.
[29] – سورة البقرة. الآية : 280.
[30] – الإمام البخاري: مرجع سابق. المجلد الأول. كتاب البيوع. ص: 453.
[31] – د. مصطفى كمال السيد طايل: مرجع سابق. ص: 4.
[32] – د. مصطفى كمال السيد طايل: مرجع سابق. ص: 4.
[33] – العرف الذي كان سائدا هو أن المدين الذي لم يتمكن من تسديد دينه إلى صاحبه يصبح هو نفسه ملكا للدائن. وهو ما يعني أن مسؤوليته تتجاوز صفته المالية إلى شخصه ونفسه.
[34] – د. مصطفى كمال السيد طايل: مرجع سابق. ص: 5.
[35] – د. مصطفى كمال السيد طايل: مرجع سابق. ص: 5.
[36] – د. مصطفى كمال السيد طايل: مرجع سابق. ص: 6 و7. خصوصا: ص: 6.
[37] – د. مصطفى كمال السيد طايل: مرجع سابق. ص: 7 و8 خصوصا ص: 7.
[38] – د. عبد الرحمان الحلو : "من أجل بنك إسلامي أفضل". الدار البيضاء. 1990م. ص: 89.
[39] – أنظر هذا الحديث والذي ورد بصيغ متعددة في "تفسير ابن كثير". ص: 332.
[40] – أنظر "منجي الطلاب" مرجع سابق. مادة: ربح.
[41] – د. مصطفى كمال السيد طايل: مرجع سابق. ص: 12.
[42] – وردت هذه الأحاديث كلها في "صحيح البخاري". مرجع سابق. أنظر الصفحات: 466-1469-470 على التوالي بحسب ترتيب الأحاديث أعلاه.
[43] – سورة هود، الآية: 85.
[44] – سورة المطففين، الآيات: من 1 إلى 6.
[45] – الإمام البخاري. مرجع سابق. ص: 483.
[46] – الإمام البخاري. مرجع سابق. ص: 453.
[47] – د. مصطفى كمال السيد طايل: مرجع سابق. ص: 18.
[48] – راجع "منجي الطلاب". مادة/فائدة. مرجع سابق.
[49] – المنظم حسب "جون باتيست ساي" هو الشخص الذي يؤمن الصلة بين عناصر الإنتاج وبين المستهلكين، أي بين سوق الخدمات وسوق المنتجات مع مراعاة تطورات العرض والطلب في كل من السوقين.
[50] – د. مصطفى كمال السيد طايل: مرجع سابق. ص: 42.
[51] – د. مصطفى كمال السيد طايل: مرجع سابق. ص: 45.
[52] – فحسب "برودون" فإن الذي يباع ويشترى في الأسواق المالية ليس شيئا آخر غير الوقت، لأنه هو المتحكم في خيوط لعبتها المالية، وهذا ما يفسر أنه كلما زادت مدة القرض كلما تضخمت نسبة الفائدة.
[53] – لقد قام "بوم باورك" بتفسير نظريته حول "انخفاض قيمة المستقبل" وأعطى ثلاثة أسباب تجعل المقترض يفضل دفع الفائدة، وهذه الأسباب هي: سبب نفسي متمثل في كون الإنسان يفضل الإشباعات الفورية على المستقبلية، والسبب الثاني هو اقتصادي كون أن الخيرات الآنية تتبع حاجات حالة وأخرى مستقبلية، بينما الخيرات المرتقبة لا يمكن أن تواجه حاجات فورية، السبب الثالث هو سبب تقني ويتمثل في أن الإستثمار السابق باستخدام رأس المال يؤدي إلى ارتفاع الإنتاجية وتطور قيمة وكمية الإنتاج خلافا لما يمكن أن يحققه استثمار لاحق.
[54] – لقد تجلى رفض "كينز" للفائدة وبالتالي مطالبته ومناداته بإلغائها في تصريحه الذي صرح به عقب الإتفاقية التي أبرمت مع الولايات المتحدة الأمريكية إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث قال: "لا أستطيع أن أنسى أبدا ذلك الحزن الشديد والألم المرير الذي لحق بنا من معاملة أمريكا لنا في هذه الإتفاقية، فإنها أبت أن تقرضنا شيئا إلا بالفائدة". وللإشارة فإن "كينز" هو اقتصادي انجليزي واسمه بالكامل: "جون مياركينز" (1883-1946)، وأسس مدرسة اقتصادية تحمل اسمه، مأخوذ من دروس الإقتصاد السياسي لطلبة الإقتصاد.
[55] – يقصد "كينز" ب"العمالة الكاملة" هي أن يجد كل من يرغب في العمل فرصته في ذلك.
[56] – هذه النظريات التي مرت معنا بخصوص مفهوم الفائدة يمكن التعمق فيها بشكل أكثر وأوسع، ولهذا يرجى مراجعة المحاضرات التي تلقى على طلبة العلوم الإقتصادية والمراجع التي يعتمدون عليها في دروسهم، وذلك مثل مراجع المحاسبة الوطنية، وتاريخ الفكر الإقتصادي، والإقتصاد السياسي.
[57] – "رجاء كارودي": كان اسمه الحقيقي "روجي كارودي" وهو مستشرق أمريكي أسلم بعدما درس القرآن الكريم وبحث في الدين الإسلامي، من بين ما كتب في حياته: "تأملات حول الإقتصاد الإسلامي".
[58] – Garaudy R, Réflexions sur l’économie islamique, Revue AL-Monaataf, N° 11-1995. P P : 1.
[59] – سورة البقرة. الآية: 275.
[60] – رجاء كارودي: "تأملات حول الإقتصاد الإسلامي". مجلة المنعطف. العدد 11/1416-1995. ص: 28-29.
[61] – د. مصطفى كمال السيد طايل: مرجع سابق. ص: 42.
[62] – د. عبد الرحمان الحلو : مرجع سابق. ص: 188.
[63] – د. مصطفى كمال السيد طايل: مرجع سابق. ص: 24.
[64] – الدكتور علال الخياري: "الإقتصاد الإسلامي". شركة التوزيع والنشر. الدار البيضاء، ص: 116-117.
وقد جاء في المصدر ذاته أن الأستاذ أحمد شاكر من مصر أدرج في كتابه "عمدة التفسير" ما يلي: "فانظروا أيها المسلمون، إن كنتم مسلمين إلى بلاد الإسلام في كافة أقطار الأرض إلا قليلا، وقد ضربت عليها القوانين… التي استباحت الربا استباحة صريحة بألفاظها وروحها، والتي يتلاعب فيها واضعوها بالألفاظ بتسمية الربا فائدة".
[65] – ضياء مجيد: "البنوك الإسلامية". مؤسسة شباب الجامعة. الإسكندرية. 1997. ص: 13.
[66] – أبو الأعلى المودودي: "الربا". ترجمة وتعريب: محمد عاصم الحداد. دار الفكر. ص: 82.
[67] – أبو الأعلى المودودي : المرجع أعلاه. ص: 83.
[68] – د. مصطفى كمال السيد طايل: مرجع سابق. ص: 14.
[69] – ضياء مجيد: مرجع سابق. ص: 3.
[70] – ضياء مجيد: مرجع سابق. ص: 14.
[71] – ويقصد ب"ربا الفضل" وكما سبق أن أشرنا في موضع سابق، هو زيادة أحد البدلين على الأخر، وذلك في مبادلة الشيء بجنسه كما في الذهب والفضة. أو القمح بالقمح.
[72] – للمزيد من الإطلاع حول الموضوع: راجع: عبد الرحمان لحلو: مرجع سابق. الفصل الأول: "شبهات حول الربا". ص: 87 إلى 170.
[73] – د. عبد الرحمان لحلو : مرجع سابق. راجع الفصل الثالث منه تحت عنوان: "الفتاوى الشرعية حول المعاملات الصرفية". ص: من 179إلى 189.
[74] – أبو الأعلى المودودي: مرجع سابق. ص: 52.
[75] – أبو الأعلى المودودي: مرجع سابق. ص: 41 و45.
[76] – الإمام البخاري: مرجع سابق. المجلد الأول، كتاب البيوع. ص: 448.
[77] – من البنوك الأولى في الإمارات العربية، تأسس بموجب مرسوم صادر في 12/3/1975 من سمو حاكم إمارة دبي الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم.
د. جمال الدين عطية: "البنوك الإسلامية بين الحرية والتنظيم، التقييد والإجتهاد، النظرية والتطبيق". كتاب الأمة. العدد 13. الطبعة 1. مطابع الدوحة الحديثة. قطر 1986. ص: 22.
[78] – للإطلاع أكثر على المؤسسات المالية الإسلامية التي تحمل هذه الأسماء، وتاريخ تأسيسها والدول التي توجد بها: أنظر: د. عبد الرحمان لحلو: "من أجل بنك إسلامي أفضل". مرجع سابق. ص: 227-228.
[79] – د. عبد الرحمان لحلو: مرجع سابق. ص: 27-28.
[80] – المرسوم الملكي بمثابة قانون لسنة 1967. الفصل 1.
[81] – هذا يعني أنه لو أراد بنك إسلامي ممارسة أعماله في المغرب كان بإمكان وزير المالية في ظل قانون 1967 منحه الإذن الخاص بممارسة الأعمال التجارية والصناعية، خروجا عن القاعدة العامة.
المرسوم الملكي بمثابة قانون لسنة 167 الفصل 13 الذي يقول "يمنع على الأبناك أن تزاول بكيفية اعتيادية صناعة أو تجارة خارجة عن العمليات الخاصة بالمهنة البنكية ما لم يكن هناك ترخيص خاص بالمخالفة يمنحه وزير المالية.
[82] – الظهر الشريف بمثابة قانون لسنة 1993 المتعلق بمؤسسات الإئتمان.
[83] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 46-47.
[84] – د. عبد الرحمان لحلو: مرجع سابق. ص: 7.
[85] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 47-48.
[86] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 48.
[87] – من الدول التي تعتمد على هذا النمط الإنجلوساكسوني نجد بريطانيا وسكوتلنده والولايات المتحدة الأمريكية، أما الدول ذات التصنيف اللاتيني نجد فرنسا، إيطاليا، ألمانيا حيث قوانينها مستقاة من القانون الروماني.
إن الفرق بين القوانين ذات الأصل اللاتيني والقوانين ذات الأصل الإنجلوساكسوني ينعكس على قوانين الدول الإسلامية بحسب الدول المستعمرة.
فنحن في دول المغرب العربي حيث أن المستعمر كان إما فرنسيا أو إسبانيا أو إيطاليا تتأثر قوانين دولنا بالنزعة اللاتينية، مما قد يجعل التعايش بين نظام مصرفي إسلامي والقانون المحلي أصعب منه في الدول التي يسودها قانون ذو نزعة أنجلوساكسونية.
عبد الرحمان لحلو: مرجع سابق. ص: 59.
[88] – عبد الرحمان شميعة : "محاضرات في القانون التجاري". مكتبة وراقة سجلماسة.طبعة 2005. مكناس. ص: من 299 إلى 383.
[89] – سنعمل على تفصيل مقتضيات هذا الموضوع في دراسة لاحقة في المبحث الأول من الفصل الأول من القسم الثاني.
[90] – د.جمال الدين عطية: مرجع سابق. ص: 21.
[91] – بنك ناصر الإجتماعي، القانون المنشئ للبنك رقم 66 لسنة 1971. المادة 11-12-13.
[92] – المرجع أعلاه، المادة 13 من القانون رقم 66 لسنة 1971.
[93] – المرجع أعلاه. المادة 12 من القانون رقم 66 لسنة 1971.
[94] – جمال الدين عطية : مرجع سابق. ص: 24.
[95] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 57.
[96] – تأسس بموجب قانون خاص تحت رقم 13 لسنة 1978، بالمملكة الأردنية.
أنظر: دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 75-76.
د. عبد الرحمان لحلو: مرجع سابق. ص: 227.
[97] – البنك الإسلامي الأردني للتمويل والإستثمار. قانون المؤقت. رقم 13. لسنة 1972. المادة 30 الفقرة 1-2.
[98] – البنك الإسلامي الأردني للتحويل والإستثمار. قانون المؤقت رقم 13. لسنة 1978. المادة 30. الفقرة 3.
[99] – د. جمال الدين عطية: مرجع سابق. ص: 30.
[100] – تأسس بموجب مرسوم رقم 2 لسنة 1979 وباشر أعماله في نوفمبر 1979.
دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 71.
[101] – تأسس في 14 يوليوز 1983 في شكل شركة المساهمة وبترخيص خاص منح له من طرف مؤسسة النقد في الدولة.
دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 71.
[102] – عبد الكريم خليل: مجلة الوعي الإسلامي. العدد 416. ربيع الأخير 1421هـ/يوليوز 2000. ص: 89.
[103] – تأسس بقانون رقم 108/1985 بتاريخ 6/12/1985.
دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 79.
[104] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 60.
[105] – د. جمال الدين عطية: مرجع سابق. ص: 37.
[106] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 61.
[107] – د. جمال الدين عطية: مرجع سابق. ص: 57.
[108] – أبو المجد حرك: "البنوك الإسلامية ما لها وما عليها". سلسلة الدين المعاملة. الطبعة الأولى. دار الصحوة للنشر، القاهرة. بدون سنة. ص/ 37-38.
[109] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 65.
[110] – أبو المجد حرك : مرجع سابق. ص: 38.
[111] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 68.
[112] – أبو المجد حرك : مرجع سابق. ص: 40.
[113] – د. عبد الرحمان يسري: "مجلة الفرقان". العدد 42. 1420هـ/1999م. ص: 70-71.
[114] – سعيد مرطان: "مجلة الفرقان". العدد 42. مرجع سابق. ص: 47.
[115] – أبو المجد حرك : مرجع سابق. ص: 40.
[116] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 71.
[117] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 71.
[118] – عبد الرحمان لحلو: مرجع سابق. ص: 227.
[119] – للإطلاع أكثر على باقي دول هذه الفئة، كالمملكة العربية السعودية، ودولة الكويت، والإمارات العربية المتحدة.
راجع: دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص:من 70 إلى 75.
[120] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 79.
[121] – د. المختار الزكراوي : "تاريخ الفكر الإقتصادي". الجزء الثاني. مكتبة دار السلام. الرباط. 2001. ص: 90-91.
[122] – د.منصف ابن الطيبي: مجلة الفرقان. العدد 42. مرجع سابق. ص: 5-6.
[123] – حيث قال الدكتور يوسف القرضاوي : "إن هذه العاصفة من التصفيقات قد أوصلت الرسالة إلى سيادة الوزير، بعدما قام أحد الحاضرين بمطالبة فضيلة الدكتور بمناشدة السلطات المغربية بفتح المجال أمام عمل البنوك الإسلامية بالمغرب".
د. يوسف القرضاوي: "محاضرات من ندوة التطبيقات الإقتصادية الإسلامية المعاصرة". منشورات الفرقان. الطبعة رجب 1419. دار قرطبة، الدار البيضاء. ص: 71.
[124] – د. جمال الدين عطية: مرجع سابق. ص: 49-50.
[125] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 78.
[126] – د. جمال الدين عطية: مرجع سابق. ص: 51-52.
[127] – تحت إشراف الدكتور محمد جميل الشبشيري : مجلة الوعي الإسلامي. العدد 412. ذو الحجة 1420هـ/مارس ـ أبريل 2000م. ص: 84.
[128] – لتحديد الوضعية العامة للنظام المصرفي ومكانه في النظام الإقتصادي لابد من الإشارة إلى المادتين 43-44 من دستور جمهورية إيران الإسلامية.
راجع: د. جمال الدين عطية: مرجع سابق. ص: 43-44-45.
[129] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 86-87.
[130] – سنعمل على تفصيل مقتضيات هذا الموضوع في دراسة لاحقة وذلك بمناسبة التطرق إلى الرقابة على البنوك الإسلامية في المبحث الثاني من الفصل الثاني في القسم الأول.
[131] – د. صابر محمد حسن : مجلة الفرقان, العدد 42. مرجع سابق. ص: 31-32.
[132] – راجع : د. جمال الدين عطية: مرجع سابق. ص: 23.
[133] – أول بنك تقيمه الحكومة بالإشتراك مع الجمعيات والإتحادات والتعاونيات، وذلك بناء على "قانون التعاون لسنة 1972 والذي يعرف كلمة جمعية بأنها أية جمعية تعاونية أو إتحاد تعاوني أو أي هيأة مسجلة وفق أحكام التعاون أو أي قانون آخر يحل محله".
دة. عائشة الشرقاوي المالقي: "البنوك الإسلامية التجربة بين الفقه والقانون والتطبيق". مرجع سابق. ص: 94-95.
[134] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 95.
[135] – د. صابر محمد حسن : مجلة الفرقان. العدد 42. مرجع سابق. ص من: 31 إلى 36.
[136] – د. الغريب ناصر : مجلة الفرقان. العدد 43. مرجع سابق. ص: 23.
[137] – جمال الدين عطية : مرجع سابق. ص: 56.
[138] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 82.
[139] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 82.
[140] – عبد الرحمان لحلو: مرجع سابق. ص: 227.
[141] – جمال الدين عطية : مرجع سابق. ص: 58-59.
[142] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 83.
[143] – للتعرف على هذه التجارب بالتفصيل راجع كل من :
– دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص من: 85 إلى 90 .
– سمير عابد الشيخ: مجلة الفرقان، العدد 42. مرجع سابق. ص: 10-11.
– عبد الرحمان لحلو: "من أجل بنك إسلامي أفضل". مرجع سابق. ص: 227-228-229.
[144] – أحمد رزيق : مجلة الفرقان. عدد 43. مرجع سابق. ص: 86.
[145] – أنظر المادة 44 من قانون 5.96 المتعلق بالشركات التجارية في التشريع المغربي، والذي يحظر مثلا شركة المسؤولية المحدودة من أن تنشط في القطاع البنكي وغيره من الأنشطة المالية.
[146] – عبد الرحيم اشميعة : مرجع سابق. ص: 250.
[147] – القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة في المغرب.
[148] – مثل البنك الإسلامي للتنمية الذي يعقد جمعيته العامة العادية في ربيع الثاني من كل عام، أو في أي وقت أراد مجلس المديرين التنفيذيين ذلك.
أما البنك الإسلامي الأردني للتمويل والإستثمار فيعقدها بعد انتهاء السنة المالية للبنك، ولا يمكن أن يتأخر عن الأربعة الأشهر التي تلي هذا الموعد، وذلك حسب المادة 40 من قانون البنك الأساسي، راجع هذه المادة.
[149] – وذلك كما نصت المادة أعلاه من قانون إنشاء البنك الإسلامي الأردني للتمويل والإستثمار والتي نصت على أنه: "وفي جميع الأحوال يتم عقد اجتماع الهيئات العامة داخل المملكة (الأردنية)".
[150] – مثل بنك فيصل الإسلامي السوداني، والبنك الإسلامي للتنمية.
[151] – مثال : بيت التمويل الكويتي والبنك الإسلامي الأردني، وبنك فيصل الإسلامي السوداني.
[152] – المادة 4 من النظام الداخلي للبنك الإسلامي للتنمية.
[153] – فيما يخص بنك فيصل الإسلامي السوداني، فإنه يشترط نسبة 20% من امتلاك الأسهم على الأقل لدى المساهمين الحاضرين، وعند البنك الإسلامي للتنمية، فإن النصاب القانوني الواجب توفره هو ثلثي مجموع أصوات أعضاء هذا البنك.
راجع في هذا الخصوص المادتين 24 و25 من النظام الأساسي للبنك فيصل الإسلامي السوداني، وكذا المادة 6 من النظام الداخلي للبنك الإسلامي للتنمية.
[154] – المادة 28 من النظام الأساسي لبنك فيصل الإسلامي السوداني.
[155] – حيث نجد أن الجمعية العامة في هذا البنك الإسلامي تتألف من مجلس للمحافظين والذي تمثله كل دولة عضو في هذا البنك بمحافظ واحد لها ونائب عنه، ويرأس هذا المجلس أحد المحافظين في اجتماعه السنوي والذي تمتد مهمته إلى غاية الإجتماع السنوي الموالي للمجلس، أنظر المادة 155 من النظام الداخلي للبنك وكذا المادة 21 من اتفاقية تأسيسه.
[156] – ويتكون مجلس المديرين التنفيذيين هذا من 10 أعضاء، يتم تعيين أربعة منهم من قبل الدول الأربعة الحاملة لأكبر عدد من الأسهم، وبقية الستة يتم انتخابهم من طرف مجلس المحافظين مع استثناء الدول الأربعة الأولى، على أنه لا يجوز الجمع بين عضوية هذا المجلس وعضوية مجلس المحافظين، وذلك طبقا للمادة 316 من اتفاقية تأسيس البنك الإسلامي للتنمية.
[157] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 104.
[158] – المادة 33 من اتفاقية تأسيس البنك الإسلامي للتنمية. وكذا المادة 5 من لائحة إجراءات مجلس المديرين التنفيذيين.
[159] – المادة 4 من النظام الداخلي للبنك الإسلامي للتنمية.
[160] – المادة 34 من اتفاقية تأسيس البنك الإسلامي للتنمية.
[161] – د. عبد الرحمان لحلو: مرجع سابق. ص: 79.
[162] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 108.
[163] – د. عبد الرحمان لحلو: مرجع سابق. ص: 79.
[164] – كما تقوم هذه المصلحة على تسيير وضبط العلاقات مع المتعاملين مع البنك، وصياغة مختلف أشكال العقود..
[165] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 109.
[166] – د. عبد الرحمان لحلو : مرجع سابق. ص: 78.
[167] – الدكتور الغريب ناصر: مجلة الفرقان. العدد 43. ص: 36.
[168] – لاسيما في الوحدات شديدة التخصص مثل الخزينة والإستثمار والتمويل.
د. سعيد مرطان: مجلة الفرقان. العدد 42. ص: 57.
[169] – د. أحمد رزيق : "قراءة" في موسوعة تقويم أداء البنوك الإسلامية. الجزء الثاني، مجلة الفرقان. العدد 43. مرجع سابق. ص: 88.
[170] – منى ابن الطيبي: مجلة الفرقان. العدد 43 مرجع سابق. ص: 40.
[171] – يقول الدكتور يوسف القرضاوي : إن العنصر البشري من البنوك التقليدية وعقله مركب تركيبا ربويا وليس عنده أي خلفية إسلامية ولإحساس هذه الفكرة.
ذ. يوسف القرضاوي: "فوائد البنوك في الربا والحرام". عن الموقع الإلكتروني : www.gogole.com
[172] – مجلة الفرقان. مرجع سابق. العدد 43. ص: 40.
[173] – كالبنك الإسلامي بالدنمارك، يعمل بأطر أغلبها من الدنماركيين، نظرا لاضطراره لذلك لأن قانون الإقامة يشترط توظيف نسبة من السكان المحليين، وعلى كل حال، يمكن حل هذه المشكلة بتفاعل جهود كل من السلطات السياسية والقطاع البنكي.
دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 111.
[174] – عبد الرحمان لحلو: مرجع سابق. ص: 233.
[175] – سامي حمود : مرجع سابق. ص: 96.
[176] – المختصين في الإستثمارات لا يمثلون إلا 20% من مجموعهم، وأن 80% الباقية تشتغل في الأعمال الأخرى.
دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 112.
[177] – وكلا المعهدين يقدم فرصة دارسة تؤدي إلى نيل دبلوم في الإقتصاد الإسلامي وأعمال البنوك الإسلامية المؤهلة من خريجي الدول الإسلامية وتستغرق فترة الدراسة عامين.
[178] – دة. عائشة الشرقاوي المالقي: مرجع سابق. ص: 113.
[179] – د. سعيد مرطان : مجلة الفرقان. العدد 42. مرجع سابق. ص: 58 إلى 60.