في الواجهةمقالات قانونية

التضخم الجنائي وأثره السلبي على المبادئ الجنائية “مبدأ الشرعية الجنائية نموذجا

الدكتور : المهدي بوي دكتور في الحقوق عضو بهيئة تحرير مجلة القانون و الأعمال الدولية

 

التضخم الجنائي وأثره السلبي على المبادئ الجنائية “مبدأ الشرعية الجنائية نموذجا

Criminal inflation and its negative impact on criminal principles

the principle of criminal legitimacy as a model » 

?الدكتور : المهدي بوي

دكتور في الحقوق

عضو بهيئة تحرير مجلة القانون و الأعمال الدولية

ملخص:          

من المشكلات التي بات يعاني منها القانون الجنائي المعاصر، مشكلة التضخم التشريعي، وهو ما يجسده الكم الهائل لنصوص التجريم والإفراط في العقاب وتجاوز الحدود المرسومة للسياسة الجنائية التقليدية، وهذا يعني تغيير جذري في المبادئ والمفاهيم التي تحكم القانون الجنائي التقليدي.

وإذا كان الفكر الجنائي في مساره الطويل قد وضع مبادئ ومفاهيم أثثت المنظومة التقليدية للقانون الجنائي التقليدي، فإن ما يلاحظ أن القانون الجنائي المعاصر، أضحى يشكل افتئاتا متزايدا على تلك المبادئ والتي يشكل مبدأ الشرعية الجنائية قطب الرحى منها.

من هنا أصبح الحديث جاريا عن انتكاسة مبدأ الشرعية الجنائية في خضم المتغيرات التي يعرفها القانون الجنائي الجديد على ما تنم عنه ظاهرة التضخم الجنائي في أبعادها الكاملة، بيد أن هذه الظاهرة لم ينحصر أثرها في تغيير المبادئ التي ترسم السياسة الجنائية بوجه عام والتي يعتبر مبدأ الشرعية محورها الأساس. فالتدخل الجنائي أضحى يشهد توسعا متزايدا من خلال تجريم أنواع جديدة من السلوك الإجرامي، أو تكثيف الضغط الجنائي في مجالات لم يفلح القانون الجنائي العام أو التقليدي بمبادئه الراسخة في صدها .

الكلمات المفاتيح:

التضخم الجنائي – مبدأ الشرعية الجنائية – السياسة الجنائية -التجريم و العقاب – القانون الجنائي

Abstarct

One of the problems that contemporary criminal law suffers from is the problem of legislative inflation, which is embodied in the huge amount of criminalization texts, excessive punishment and which exceeds the limits set for traditional criminal policy. Thus, a radical change in the principles and concepts that govern traditional criminal law

If criminal thought in its long course has developed principles and concepts that have fueled the traditional system of traditional criminal law, what is highlighted is that contemporary criminal law has become an increasing infringement on those principles, and of which the principle of criminal legality is the cornerstone of it .

From here on, there is talk about the setback of the principle of criminal legitimacy in the midst of the variables defined by the new criminal law on what the phenomenon of criminal inflation in its full dimensions indicates. Criminal intervention is witnessing an increasing expansion through the criminalization of new types of criminal behavior, or the intensification of criminal pressure in areas that the general or traditional criminal law, with its well-established principles, has not succeeded in repelling .

Keywords :  Criminal inflation – the principle of criminal  Legitimacy      –     criminal policy  –    criminalization and   punishment                                                                                  

مقدمة:

كان من نتائج التغيرات السريعة التي يمر منها العالم المعاصر، أن حصل تغيير عميق في أشكال وأساليب السلوك الإجرامي، ومن هنا لم يتردد مالكو زمام التشريع من الحرص على تجريم أكبر قدر ممكن من أوجه السلوك الإجرامي المعاصر، وذلك من منطلق أن الأداة الجنائية هي الوسيلة الأنجع لتوقي سوء مغبة الجرائم الخطيرة، منتهجة في ذلك أسلوبا استباقيا يعتبر تعجيل استحقاق العقاب باستباق اللحظة الزمنية المقررة عادة لتوقيعه أو الحد من الضمانات الإجرائية حينا وإلغاؤها تماما أحيانا أخرى.

ويعتبر القانون الوجه المضيء للسياسة الجنائية لأنه يشرعن الممارسات داخل المجتمع ويمنحها قوة الوجود والثبوت النصية انسجاما مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.

ومع تطور أساليب ارتكاب الجرائم المعاصر على نحو أدى إلى تهديد أمن المجتمعات واستقرارها الاقتصادي، أضحى الاتجاه نحو عولمة مقاومتها وكذا وسائل مكافحتها أمرا مشروعا، بل سارعت السياسات الجنائية من وثيرتها التدخلية على نحو اتخذ معه القانون الجنائي المعاصر منحى تسلطيا لمواجهتها، مما أدى إلى تضخم التشريع الجنائي وتناثر نصوصه في مختلف القوانين، ناهيك عن الاتجاه نحو التجريم التحوطي.

وعليه فالتوسع في سياسة التجريم نتج عنه بالتبعية تعطيل لبعض المبادئ التي طالما شكلت الركائز الأساسية التي يستند عليها القانون الجنائي اعتبارا للتضخم الذي عرفه التشريع المغربي لكثرة تدخلاته وتغلغله داخل المجتمع. مما نتج عنه اختلال في البناء الداخلي للنظام الجنائي القائم وهو الأمر الذي كان له الأثر السلبي في إعادة إنتاج الانحراف.

ومن هذا المنطلق ستكون هذه الدراسة الموجزة محاولة لتقديم قراءة تحليلية و نقدية لموضوع التضخم الجنائي و أثره السلبي على مبدأ الشرعية الجنائية و ذلك من خلال محورين أساسين: مظاهر اختلال مبدأ الشرعية الجنائية (المحور الأول) ، معايير و محددات جودة النص الجنائي (المحور الثاني).

المحور الأول: مظاهر اختلال مبدأ الشرعية الجنائية:

يقصد بمبدأ الشرعية أنه “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني” وهذا معناه أن القاضي لا يملك حق خلق جريمة جديدة أو عقوبة جديدة لجريمة قائمة، وإنما يلزم بخلق شيء من ذلك تدخل التشريع ذاته.

ويخضع القانون الجنائي بمختلف فروعه لمبدأ الشرعية، فهذا القانون يتتبع بالخطى الواقعة الإجرامية منذ تجريمها والمعاقبة على ارتكابها إلى متابعة المتهم بالإجراءات اللازمة لتقرير مدى سلطة الدولة في معاقبته حتى تنفيذ العقوبة المحكوم بها عليه، وفي كافة هذه المراحل يضع القانون الجنائي النصوص التي تمس حرية الإنسان، سواء عن طريق التجريم والعقاب أو الإجراءات التي تباشر ضده، أو بواسطة تنفيذ العقوبة عليه[1].

ولقد عرف مبدأ الشرعية إقبالا واسعا في بداية الأمر، نظرا لجملة الجوانب الإيجابية التي يحتويها، من قبل حده من تحكم الهيأة القضائية والتنفيذية على حد سواء، لذا فقد أصبح يكتسب طابعا دستوريا في قوانين الكثير من الدول، ما عدا قوانين دول قليلة كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، التي لا تأخذ به بصفة صريحة.

لكن وفي حقيقة الأمر فإن هذا المبدأ يعرف أزمة حقيقية تسببت فيها على الخصوص ظاهرة تضخم القوانين، حيث تتجسد الانتقادات التي تعرض لها مبدأ الشرعية في عدة مستويات: على مستوى المصدر، على مستوى التطبيق وعلى مستوى إنتاج القاعدة الجنائية وإعادة إنتاجها.

أولا: اختلال مبدأ الشرعية على مستوى المصدر

يقتضي مبدأ الشرعية الجنائية “وفق نموذج الفيلسوف و الفقيه القانوني سيزاري بكاريا” حصر مصادر القاعدة الجنائية في النصوص المكتوبة وحدها، وأن تكون هذه النصوص صادرة عن السلطة التشريعية المتمثلة في البرلمان باعتباره الممثل الوحيد للأمة والمخول له قانونا إنتاج القاعدة الجنائية انطلاقا من مبدأ انفراد السلطة التشريعية بهذه الوظيفة.

وإذا كان “النموذج البكاري” يقر بضرورة الفصل بين السلطات –كما نظر لذلك مونتسكيو- وأن يكون مصدر القاعدة الجنائية هو السلطة التشريعية أي القانون بمعناه الضيق، لما تشكله القاعدة الجنائية من قيد على الحرية الفردية من منطلق أن السلطة التشريعية هي التي تعرف الحدود الممكن فرضها على الحقوق والحريات[2]، فإن التطور الذي شهدته أجهزة الدولة الحديثة بصفة عامة والأنظمة الدستورية بوجه خاص، أدى إلى فقدان هذا المبدأ-مبدأ فصل السلطات- الصفاء الذي ميز التنظير له، ذلك أن فصل السلط الذي نادى به “مونتسكيو” وتلقفه “بكاريا” من بعده أدى إلى تعطيل الوظائف بين السلطات حتى أضحى الحديث جاريا عما اصطلح عليه باستبداد البرلمان داخل نظام جامد غير متحرك وهو ما أدى بدوره إلى تغليب سلطة على سلطة أخرى وإحداث خلل في التدابير التشريعية.

من هنا نادى الفقه الدستوري بمبدأ عقلنة وترشيد النظام البرلماني تمهيدا لبداية التعايش والتعاون بين مختلف السلطات وخصوصا السلطتين التشريعية والتنفيذية على اعتبار أن سلطة القضاء يجب أن تبقى مستقلة، وهو ما ترجم في المجال الجنائي بإعادة توزيع الاختصاص على مستوى إنتاج القاعدة الجنائية، بحيث لم يبقى القانون –بمعناه الضيق- هو المصدر الوحيد الذي يحكم إنتاج القاعدة الجنائية.

هكذا وصلت الأنظمة الجنائية إلى فتح المجال أمام السلطة التنفيذية للعبث بحقوق المواطنين وحرياتهم، وأدى الابتعاد عن المصدر الشكلي لإنتاج القاعدة الجنائية إلى هدم فكرة القانون الجنائي وتحرير الدولة من كل قيد ورفع كل الحواجز التي كانت منصوبة أمام ممارستها التعسفية لحق العقاب[3].

وعموما فإن تدخل السلطة التنفيذية إلى جانب السلطة التشريعية في إنتاج القاعدة الجنائية، اتخذ وجهين أساسيين، وجه خفي ويتمثل في أن الحكومات –أي السلطة التنفيذية- هي التي تعمل على إعداد مشاريع قوانين وتقديمها إلى البرلمان قصد المصادقة عليها، وهي مسطرة شائعة في الأنظمة الدستورية التي تنبثق فيها الحكومات من أغلبية برلمانية وهي أداة تمنح اختصاصا تشريعيا بحكم ما تتوفر عليه من أغلبية تستطيع تمرير مشاريعها، ومن ثمة فالحكومة هي التي تهيمن على إدخال التعديلات والإصلاحات التشريعية على هذه القوانين وتوجيهها.

وبالرجوع إلى النظام القانوني المغربي، نجد أن غالبية القوانين يكون مصدرها مشاريع قوانين، أي التي تتقدم بها الحكومة. وليست مقترحات قوانين، أي التي يتقدم بها البرلمان، ومن هنا تتجلى هيمنة الحكومة أو السلطة التنفيذية على مجال التشريع في النظام السياسي المغربي.

ثم إن هناك الوجه الظاهر لتدخل السلطة التنفيذية وهو مكرس دستوريا، ففي فرنسا نضرب لذلك مثلا بالمادة 34 من الدستور الفرنسي لسنة 1958 الذي أوكل مهمة العقاب في مجال الجنايات والجنح للسلطة التشريعية، وهو ما يعني بمفهوم المخالفة أن تشريع المخالفات موكول للسلطة التنفيذية، وهذه الصيغة التي أتى بها الفصل 34 من الدستور خلقت نقاشا واسعا وسط الحقوقيين، حيث عملت الحكومة بعد ذلك على سن مجموعة من المراسيم التي تنظم اختصاصها في مجال القانون الجنائي فيما يتعلق بالمخالفات، وهو ما أكدته المادة 111-2 من قانون العقوبات الفرنسي الجديد وهي بصدد حصر مصادر التجريم والعقاب.

أما في مصر، فنجد أن نص المادة 66 من الدستور المصري واضح في أنه “لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون”، وقد جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن المقصود بعبارة “بناء على قانون” ليس إلا تأكيد لما جرى عليه العمل في التشريع من أن يتضمن القانون ذاته تفويضا للسلطة التنفيذية المكلفة بسن اللوائح في تحديد الجرائم وتقدير العقوبات، مما مؤداه أن المادة 66 من الدستور تجيز أن يعهد القانون إلى السلطة التنفيذية بإصدار قرارات لائحية تحدد بعض جوانب التجريم والعقاب[4].

أما من جهة القانون المغربي، فله قانون واضح وأكيد في أن نصوص القانون هي المصدر الوحيد للتجريم والعقاب، باعتبار أن القيم والمصالح التي يحميها القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية لا يمكن تحديدها إلا بواسطة ممثلي الشعب[5]، حيث أن الدساتير 1962،1970،1979،1992،1996،2011 تجعل مجال التجريم والعقاب وخلق المحاكم والمساطر الجنائية من اختصاص السلطة التشريعية، وهو ما يترجم نموذج “بكاريا” على المستوى الشكلي، لكن هل الأمر كذلك؟ وهل القاعدة الجنائية ببلادنا مصدرها دائما هو القانون بمعناه الضيق؟

و حيث أن الدستور المغربي يأخذ بمبدأ انفراد التشريع بتحديد الجرائم والعقوبات بمقتضى الفصل 71 منه للحيلولة دون مباشرة السلطة التنفيذية لهذه الوظيفة، غير أنه بالمقابل نجد نصوص دستورية أخرى تخول للسلطة التنفيذية إمكانية إنتاج القاعدة الجنائية ويتعلق الأمر بحالة التفويض البرلماني (الفصل 70 من دستور 2011)، أو في حالة استلام الحكومة للإختصاص التشريعي في الفترات الفاصلة بين الدورات (الفصل 81 من الدستور).

وكثيرة هي النصوص التي تضمنتها مجموعة القانون الجنائي لسنة 1962 والتي جاءت خارج إطار “مبدأ انفراد التشريع”، ومجموعة من القوانين الخاصة كما هو الحال لقانون الصحة، قانون الزيوت المسمومة، قانون محاربة المخدرات. ونصوص كثيرة جاءت مخالفة لقاعدة إنفراد المشرع بالتجريم والعقاب.

و مما يمكن ملاحظته أن هناك تناقضا صارخا بين بنود الدستور الحالي وعلى الأخص المادة 81 منه وبعض نصوص القانون الجنائي (الفقرة 11 من المادة 609)، والتي تقرر مقتضياته المعاقبة بغرامة تتراوح بين 30 و1200 درهم كل من خالف مرسوما أو قرارا صدر عن السلطة الإدارية بصفة قانونية، إذا كان هذا المرسوم أو القرار لم ينص على عقوبات خاصة لمن يخالف أحكامه، وقد انبرى بعض الفقه للتعليق على هذه الوضعية المتناقضة، ورأى بأنه كان من اللازم إشراك السلطة التنفيذية في هذا المجال، وذلك بالنسبة للجرائم القليلة الأهمية كما هو الشأن عند بعض الدول، فلا عيب في ذلك شريطة جعل مقتضيات الدستور منسجمة مع مقتضيات الفصل 609/11.

بينما أبدى جانب آخر من الفقه تخوفه من هذه الوضعية –وضعية إشراك السلطة التنفيذية في مجالي التجريم والعقاب- من أن يساء استخدام الأداة الجنائية وتسخيرها خدمة لبعض الأغراض الفئوية الضيقة أو رعاية لبعض المصالح غير الجديرة بالحماية الجنائية، أو كوسيلة للتنكيل بالخصوم السياسيين أو محاربة المذاهب الإيديولوجية المناوئة[6].

ثانيا: اختلال مبدأ الشرعية الجنائية على مستوى التطبيق:

كان للتطورات التي عاشها العالم منذ أواخر القرن التاسع عشر بعد أن نظمت سلطات الدولة بما يكفل الفصل بينها، وزالت المخاوف التي أوجبت الالتزام الحرفي بمبدأ الشرعية الجنائية، وتقدمت العلوم المساعدة للقانون الجنائي وسلطت الأضواء على شخصية المجرم وعلى الجريمة كظاهرة إنسانية، تأثيرها البين على مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، لذلك فقد تعرض مبدأ الشرعية لحملة عنيفة من الانتقادات قادتها اتجاهات إيديولوجية وفلسفية مختلفة أسفرت عن تدهور مبدأ الشرعية.

ويمكن رصد الاختلالات التي تعرض لها مبدأ الشرعية الجنائية من خلال تقييم للسياسة التجريمية المتبعة في المغرب ويظهر ذلك من خلال:

  • الفقرة الثانية :غياب وحدة القانون الجنائي:

حيث يلاحظ تشتت النصوص القانونية الزجرية بين مجموعة من القوانين تجعل الممارس يتوه وسط زخم هذه النصوص القانونية في إطار عملية إعطاء التكييف القانوني السليم للأفعال الجرمية، بل يصعب عليه حتى العثور على النص الملائم.

  • الإفراط في التجريم:

بشكل غريب يكاد يفقد معه القانون الجنائي غايته، من خلال تقرير العقاب على الإخلال بالتزامات التي قد لا تصل إلى مستوى التجريم باعتبارها اختلالات اجتماعية وسوسيو-اقتصادية وليست انحرافات سلوكية، ولا يكاد يخلو أي نص قانوني جديد من جرائم وعقوبات إلى درجة تضمين حتى القوانين الإجرائية التي تنظم سير المحاكمات نصوصا تجريمية وعقابية[7].

  • غياب وحدة وانسجام العديد من النصوص الجنائية:

و يتضح ذلك من خلال تعرض التجريم لنفس الفعل ضمن العديد من النصوص الخاصة مما يخلف إشكاليات في التطبيق، إذ لوحظ أن اعتماد المشرع على المقاربة الزجرية في إطار السياسة الجنائية لمواجهة بعض الظواهر الاجتماعية لم يكن كافيا للحد من تلك الظواهر بسبب عدم مواكبة سياسات عمومية أخرى للسياسة الجنائية كما هو الشأن بالنسبة للسياسة العقابية المتبعة في قضايا المخدرات التي لم تفلح في التقليص في عدد من الجرائم بسبب عدم توفير أو عدم استمرار السياسات العمومية الأخرى في محاربة أسباب ودواعي زراعة القنب الهندي، مما أدى إلى زيادة عدد المحكوم عليهم من أجل المخدرات دون أن يؤثر ذلك على إنتاج هذه المادة أو تداولها.

وقد أدى ذلك إلى تحول القانون الجنائي إلى أداة رعب، دون أن يحقق غاياته في كثير من الأحوال، كما أدى الإفراط في التجريم إلى تضخم القضايا الجنائية المعروضة على المحاكم في ظل غياب بدائل حقيقية للدعوى العمومية، كما ساهم بشكل ملحوظ في ازدياد عدد السجناء والمعتقلين الاحتياطيين دون أن يحد من حالة العود أو يوفر الردع الحقيقي مع ما يترتب عن ذلك من  انعكاسات سلبية على عمليات التأهيل وإعادة الإدماج.

المحور الثاني: معايير و محددات جودة النص الجنائي:

من المعلوم أن ما يدخل ضمن اختصاص المشرع بناء على قاعدة “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص” لصياغة نصوص التجريم والعقاب صياغة واضحة يستهدف كافة المخاطبين بها بفهم المقصود منها، بمعنى تحري الدقة واليقين في تحديد الجرائم والعقوبات سواء من حيث العناصر المكونة لكل جريمة والظروف الملابسة لها بيانا نافيا لكل جهالة أو من حيث تحديد العقوبة نوعا ودرجة ومقدارا[8].

ومع ذلك، فإن الممارسة التشريعية في القانون الجنائي المعاصر لتنهض دليلا على تنكر المشرع لهذا الواجب في عدد غير قليل من الحالات والنماذج التي تأتي فيها نصوص التجريم والعقاب في صيغ غامضة أو فارغة أو غير سليمة ، وإسناد إنتاج القاعدة الجنائية إلى غير المتخصصين أدى إلى كثرة التعديلات والاستدراكات الأمر الذي لعب دورا بارزا في ظهور أزمة التضخم التشريعي بوجه عام، والتضخم الجنائي بوجه خاص.

وترتيبا على ذلك يرى الأستاذ هشام بوحوص[9] بأن المادة 609/11 من القانون الجنائي غير دستورية وتتعارض مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، حيث أن المادة المذكورة في نظره لم تحدد مرسوما أو قرارا بعينه يترتب على مخالفته تطبيق العقوبة المنصوص عليها فيها، وهو ما لا يتفق مع مبدأ التحديد الواجب للنص الجنائي.

كما أن نص المادة 609/11 يؤدي إلى منح الجهة المفوضة بإصدار القرارات أو المراسيم سلطة إنشاء جرائم وعقوبات جديدة، والتفويض حتى يكون مطابقا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يجب أن يقتصر على تحديد بعض جوانب التجريم، وليس إسناد جرائم جديدة، وكمثال على ذلك نص المادة 287 من القانون الجنائي التي تنص “كل إخلال بالتنظيم المتعلق بالمنتجات المعدة للتصدير الذي يهدف إلى ضمان جودتها ونوعها وحجمها، يعاقب بغرامة تتراوح بين مائتين وخمسة آلاف درهم وبمصادرة السلعة”.

فالمشرع في هذه المادة قام بتجريم ما يتعلق بمخالفة القواعد التنظيمية الخاصة بالمنتجات المعدة للتصدير، لكنه لم يبين فحوى هذا التنظيم وطبيعة هذه المواد المعدة للتصدير، وفسح المجال للسلطة التنفيذية لتهتم بهذا الفراغ وتملأه حسب سياسة المشرع ذاتها.

وبناء على ما سلف سنتناول في نقطة أولى مظاهر الاختلال في القاعدة الجنائية ثم بعد ذلك انعكاسات جودة القاعدة الجنائية على مبدأ الأمن القانوني.

أولا : مظاهر الاختلال في النص الجنائي:

تتعدد مظاهر الاختلال في القاعدة الجنائية، يمكن تلخيصها في الإشكالات التالية:

  • تضخم النصوص الجنائية:

إن تنظيم شؤون المجتمع والفرد أصبح مهمة لا يمكن تحقيقها إلا بالهروب نحو القانون الجنائي، واللافت للإنتباه أن الأداة الجنائية أصبحت تحتل الصفوف الأمامية بذريعة أن لها فعالية أقوى من غيرها.

ولعل السبب الأساسي لهذا التضخم هو السهولة في إعداد القوانين والبساطة في تقدير قيمتها وأهميتها، حيث لم يراع المشرع قاعدة أن إعداد القوانين يجب أن يكون بالقدر اللازم لما نحتاجه، وأنه لا يجوز إصدار أي قانون ما لم يكن إصداره ضروريا ولازما، ودليل ذلك أن تضخم التشريع يقلل من قيمته، و في نفس السياق هناك مثل فرنسي شهير يقول: “عندما يثرثر القانون يدير المواطن الأذن الصماء”، وهذا ما يفسر إقدام المشرع الجنائي من خلال سياسته الجنائية على تجريم أفعال جديدة يترتب عنها ما يعرف بتضخم المادة الجنائية[10].

ومن الأسباب التي ساهمت أيضا في تضخم نصوص القانون الجنائي نجد تنوع مصادر التجريم، حيث يلاحظ اتساع نطاق التفويض التشريعي، في إطار ما يسمى بالتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فمعظم نصوص القانون الجنائي لا تتقيد بالصورة البرلمانية للتشريع، وبذلك لم يعد القانون بمعناه الضيق هو المصدر الوحيد الذي يحتكر إنتاج القاعدة القانونية، وقد نتج عن ذلك عدم التناسق والانسجام بين هذه النصوص، بالإضافة إلى كثرتها وسرعة تغيرها وتشعبها بما لا يتيسر حتى للمتخصصين العلم بمقتضياتها.

  • غموض النصوص الجنائية:

إذا كانت القاعدة الجنائية تتضمن خطابا تشريعيا يلزم القاضي بالبحث على النص الجنائي الواجب تطبيقه، أو في أركان الجريمة المرتكبة، فإن عدم وضوح القاعدة الجنائية أمام عدم وضع المشرع الجنائي لحد فاصل بين ما هو مجرم وما هو مباح، قد يؤدي إلى أن يتعسف في إعمال أحكام القانون أو أن يقع في أخطاء قد تجعل منه مشرعا لقاعدة جنائية غير منصوص عليها في القانون الجنائي، وذلك عندما يعاقب شخصا بريئا دون أن يرتكب أية جريمة، أو على الأقل أن تأتي أحكامه متضاربة حول نفس الفعل المرتكب.

ومن هنا يستنتج جانب من الفقه[11]، بأن موضوع القاعدة الجنائية، متى كان واضحا مع وضوح الغرض التشريعي من حمايته، فإن عمل القاضي بدوره، سيكون واضحا، ومن تم فإن معالم العدالة بدورها ستتضح في كل الأحكام التي يصدرها هذا القاضي الذي قد يتلقى قبولا من الرأي العام بشكل يوازي الغرض التشريعي من العقاب على الأفعال التي تدخل في دائرة التجريم.

  • تناقض النصوص الجنائية:

وأبرز مظهر للتدليل على ظاهرة تصادم النصوص فعلا ما يلاحظ في معالجة جرائم الشيك حيث أن أغلب المقتضيات الواردة بالفصلين 543 و544 من القانون الجنائي تضمنتها المادة 316 من مدونة التجارة، مما يطرح بجدية التساؤل عما إذا كانت المادة 316 تلغي الأحكام الواردة في مجموعة القانون الجنائي، وهو ما ينعكس سلبا على العمل القضائي حيث تتضارب الأحكام ويصبح الافتئات على حقوق الناس أمرا سائغا بسبب عدم وضوح الرؤية لدى المشرع.

وفي كثير من الأحيان تأتي الصياغة التشريعية في عبارات أو مصطلحات تقنية لا تفي بالغرض التشريعي المتوخى منها، كاستعمال عبارة السجن في موضع الحبس، أو الخلط بين الجريمة والجناية، أو التردد في استعمال مصطلح المساهم بدل المشارك، أو العكس وهكذا…، حيث أن عدم الدقة في اختيار صياغة النص الجنائي بشكل واضح، قد يؤثر على مدلول هذه النصوص ما إذا كانت تقتضي تجريم الأفعال، أو إباحتها. ومن ثم فإن مبدأ الشرعية الجنائية يمكن أن يفقد مكانته بين نصوص القانون الجنائي الخاص[12].

ثانيا : الشروط الأساسية لجودة النص الجنائي:

مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات لا يقتضي فقط أن تكون السلطة التشريعية مصدرا للتجريم والعقاب، بل ويجب أن تصدر تشريعات واضحة ومحددة بعيدة عن الغموض وعدم التحديد، ومن تم فقد رتب الفقه والقضاء على قاعدة الشرعية الجنائية ثلاثة خصائص أساسية يجب توافرها في القاعدة الجنائية لعل أبرزها خاصية:

  • التوقعية Prévisibilité:

وتعني السماح لكل شخص أن يتوقع ويعرف ما ينتظره على درجة معقولة، الآثار الجنائية المترتبة عن إتيان سلوك مجرم.

والتوقعية بهذا المعنى تسمح للمتقاضي معرفة النص الجنائي المطبق عليه من أجل تهييئ دفاعه بطريقة فعالة وناجعة، حتى يتسنى له معرفة حدود العقوبة ومدى تطابقها مع الأفعال المنصوص عليها في القانون الجنائي.

  • الولوجية Accessibilité:

معرفة النصوص الجنائية تجعل الأفراد يقومون بتشكيل سلوكاتهم بكل ما يتطلبه النص الجنائي، وهو ما يجسده مبدأ “لا يعذر أحد بجهله القانون”.

ذلك أن مبدأ الشرعية يرسم للأفراد الحدود الواضحة بين ما هو مباح وما هو محظور، ومن ثمة فإن الاطلاع على القاعدة الجنائية ينبغي أن يكون على مستوى النص بكامله، والولوجية بهذا المعنى تقتضي ألا يكون هناك تقاطع في النص كما هو الشأن حينما يلجأ المشرع إلى تقنية العقاب بالإحالة أو التجريم على بياض، لذلك فخاصية الولوجية في القاعدة الجنائية تحقق المعرفة الدقيقة للتجريم والعقاب.

  • التحديد Détermination:

ينبغي أن تكون القاعدة الجنائية دقيقة في صياغتها، واضحة في مضمونها لتلافي كل خروج عن مقتضيات النص المحدد تشريعا، وهو ما يتطلب بأن تكون اللغة القانونية المستعملة في صياغة النص لغة سهلة وواضحة في مستوى فهم عامة المخاطبين بها، وهذا التحديد ينبغي أن لا يتوقف عند حدود القاعدة الجنائية فحسب بل ينبغي أن يطال الأحكام القضائية وإعطائها المضمون الذي تحتمله وذلك لاستبعاد التحكم[13].

 

الخاتمة:

و في ختام دراستنا لهذا الموضوع يمكن القول بأن مواجهة ظاهرة التضخم الجنائي ليست بالأمر اليسير حيث يقتضي الحال بعد الوقوف على مكامن الخلل من خلال هذه الدراسة المتواضعة ، وضع تقييم عام للسياسة الجنائية و البحث عن أسباب قصورها و فشلها في مكافحة الجريمة ، إذ أصبح لزاما تقليص المنظومة الجنائية المتضخمة من الجرائم التي لم يعد المجتمع يعتبرها متصفة بالخطورة على نظامه و لم تعد تنتهك القيم العليا التي يؤمن بها و يحميها ، كما على القائمين على السياسة الجنائية إعادة النظر في الاستراتيجية المتبعة و البحث عن وسائل تحقق أقصى فاعلية ممكنة في مكافحة الظاهرة الاجرامية.

و قد آن الأوان لتغيير المقاربة الزجرية التي تستند اليها المنظومة الجنائية ببلادنا من خلال عقلنة القانون الجنائي بتوجه وقائي و إضفاء ما يمكن اضفاؤه من البعد الإنساني عليه عبر ما يعرف بأنسنة القانون الجنائي، و تجاوز المنهج التقليدي في الزجر و العقاب الى مناهج عقلانية و إصلاحية حديثة تعود بفوائد أكثر على المجتمع، فقد أكدت الاحصائيات أن أكبر نسبة من المجرمين تنحدر من مناطق عشوائية و فقيرة، مما يقتضي وضع خطط شاملة لمحاربة البطالة و توفير السكن اللائق للفئة المعوزة طالما أن السبب الرئيسي للجريمة له صلة مباشرة بالظروف الاجتماعية و الاقتصادية.

و باللجوء الى مثل هذه السياسات الوقائية سنحمي الكثير من الأفراد من الوقوع في شراك الجريمة كونهم ليسوا مجرمين بالفطرة لكنهم أصبحوا مجرمين بما صنعته الدولة من ظروف سيئة و صعبة أدت الى تفشي الأمية و الفقر و البطالة.

 

 

 

 

المراجع والمصادر                             

[1]- عصام عفيفي عبد البصير، “أزمة الشرعية الجنائية ووسائل علاجها –دراسة مقارنة في القانون الوضعي والقانون الجنائي الإسلامي-“، مطبعة دار المعارف الاسكندرية، الطبعة الأولى 2007، ص: 30.

[1]- محي الدين أمزازي، “العقوبة”، جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية، 1993، ص 246 وما بعدها.

[1]- محي الدين أمزاري، مرجع سابق، نقلا عن:

J.GRAVEN. « le droit pènal soviètique », R.S.C, 1948, P:231 et un si de suite.

انظر الصفحة 254 وما بعدها.

[1]- عصام عفيفي  عبد البصير، “مبدأ الشرعية الجنائية-دراسة مقارنة في القانون الوضعي والفقه الجنائي الإسلامي” ، دار الفكر العربي، الإسكندرية، 2004، ص:115.

[1]- جعفر العلوي، “شرح القانون الجنائي العام المغربي”، مكتبة المعارف الجديدة فاس، تاريخ الطبعة غير مذكور، ص: 44 وما بعدها.

[1]- ياسين الأيوبي، “تعثر العدالة الجنائية”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة، السنة الجامعية 2009/2008، ص:18وما بعدها.

[1]- عبد الحفيظ بلقاضي، “التدخل الجنائي بين التقييد الأدنى والمد التوسعي الشامل –القانون الجنائي المعاصر والتغيير في النموذج الإرشادي”، مقال منشور بمجلة القصر، العدد 10، ص 46.

[1]- هشام بوحوص، “محاضرات في مادة السياسة الجنائية والقانون الجنائي”، مرجع سابق، ص 85 وما بعدها.

[1]- محمد التغدويني، “إشكالية التجريم في التشريع الجنائي المغربي”، مرجع سابق، ص:41، نقلا عن ياسين الأيوبي، “تعثر العدالة الجنائية”، مرجع سابق ص:27.

[1]- عصام عفيفي عبد البصير، “تجزئة العقوبة نحو سياسة جنائية جديدة”، ص :147، نقلا عن: بوعزى صبراوي، مبدأ الشرعية وإشكالية التضخم الجنائي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، ص: 51، 52

[1]– عصام عفيفي عبد البصير، “أزمة الشرعية الجنائية ووسائل علاجها –دراسة مقارنة في القانون الوضعي والقانون الجنائي الإسلامي-“، مطبعة دار المعارف الاسكندرية، الطبعة الأولى 2007، ص: 30.

[2]– محي الدين أمزازي، “العقوبة”، جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية، 1993، ص 246 وما بعدها.

[3]– محي الدين أمزاري، مرجع سابق، نقلا عن:

J.GRAVEN. « le droit pènal soviètique », R.S.C, 1948, P:231 et un si de suite.

انظر الصفحة 254 وما بعدها.

[4]– عصام عفيفي حسني عبد البصير، “مبدأ الشرعية الجنائية-دراسة مقارنة في القانون الوضعي والفقه الجنائي الإسلامي” ، دار الفكر العربي، الإسكندرية، 2004، ص:115.

[5]– جعفر العلوي، “شرح القانون الجنائي العام المغربي”، مكتبة المعارف الجديدة فاس، تاريخ الطبعة غير مذكور، ص: 44 وما بعدها.

[6]– ياسين الأيوبي، “تعثر العدالة الجنائية”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة، السنة الجامعية 2009/2008، ص:18وما بعدها.

[7]– يعاقب قانون المسطرة الجنائية المغربي على عدم أداء الشهادة (المادة 128) وعلى انقطاع وتوقف التقادم (المادة 649).

[8]– عبد الحفيظ بلقاضي، “التدخل الجنائي بين التقييد الأدنى والمد التوسعي الشامل –القانون الجنائي المعاصر والتغيير في النموذج الإرشادي”، مقال منشور بمجلة القصر، العدد 10، ص 46.

[9]– هشام بوحوص، “محاضرات في مادة السياسة الجنائية والقانون الجنائي”، مرجع سابق، ص 85 وما بعدها.

[10]– محمد التغدويني، “إشكالية التجريم في التشريع الجنائي المغربي”، مرجع سابق، ص:41، نقلا عن ياسين الأيوبي، “تعثر العدالة الجنائية”، مرجع سابق ص:27.

[11]– محمد التغدويني، “إشكالية التجريم في التشريع الجنائي المغربي”، مرجع سابق، ص 41،42.

[12]– محمد التغدويني، “إشكالية التجريم في التشريع الجنائي المغربي”، مرجع سابق، ص 55.

[13]– عصام عفيفي عبد البصير، “تجزئة العقوبة نحو سياسة جنائية جديدة”، ص :147، نقلا عن: بوعزى صبراوي، مبدأ الشرعية وإشكالية التضخم الجنائي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، ص: 51، 52.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى