في الواجهةمقالات قانونية

التعويض المحدد في إطار نزع الملكية من أجل المنفعة العامة – أي عدالة؟ – الدكتورة: إيمان اليزناسني

 

التعويض المحدد في إطار نزع الملكية من أجل المنفعة العامة – أي عدالة؟ –
Compensation determined in the framework of expropriation for the public benefit – what justice?
الدكتورة: إيمان اليزناسني
حاصلة على الدكتوراه في القانون العام
باحثة في القانون العام

ملخص:
إذا كان قيد نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، يعد حصرا قانونيا على حق الملكية الخاصة، فإن المنطق القانوني يفرض ضرورة إعطاء مقابل لمنزوعي الملكية عن حقوقهم المنزوعة، وعن الامتيازات التي كانت في حوزتهم، وذلك بمنحهم تعويضا عادلا يراعي مجموعة من الاعتبارات، أهمها التقييم الدقيق للعقارات موضوع نزع الملكية، وفق معايير وعناصر واقعية لجبر ضررهم. مما يشكل أهم الضمانات المخولة للمنزوعة ملكيته كمقابل عن نزع الملكية، وذلك يشكل مقابلا عن المساس بهذا الحق، لكن منح التعويض العادل للمنزوعة ملكيتهم قد تعترضه إكراهات عدة.
الكلمات المفتاحية:
المنفعة العامة – نزع الملكية- التعويض العادل- القضاء الإداري

Abstract:
If the restriction of expropriation for the benefit of the public is a legal limitation to the right of private property, the legal logic dictates the need to give compensation to the dispossessed for their expropriated rights and for the privileges they possessed, by granting them fair compensation that takes into account a set of considerations, The most important of which is the careful evaluation of the properties subject to expropriation, according to realistic criteria and elements to redress their damage. This constitutes the most important guarantees vested in the expropriated person as a consideration for expropriation, and this constitutes a consideration for the infringement of this right, but the granting of fair compensation to the expropriated may be hampered by several constraints.
Keywords:
General benefits- Expropriation – Fair Compensation – Administrative Judiciary
مقدمة
إن إشراف الدولة على تدبير السياسة التنموية للبلاد خصوصا التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فرض عليها ضرورة تملك عقارات عديدة قصد القيام بالمشاريع التنموية، إذ في بعض الأحيان لا تملك هذه العقارات، وبالتالي تضطر إلى سلك مسطرة نزع الملكية للمنفعة العامة لكي تحصل عليها. وبالتالي فتطبيق مسطرة نزع الملكية في هذا السياق تشكل إحدى أهم الوسائل القانونية البارزة التي تمكن الإدارة من تكوين رصيد عقاري مهم، يمكنها من القيام بمشاريع ذات الصلة بمخططاتها التنموية.
ومما لا شك فيه أن العقار أو الملكية العقارية أصبحت ركيزة بارزة للاستثمار والتنمية، فأي مشروع كيفما كان نوعه وطبيعته وحجمه، إلا ويحتاج إلى رقعة عقارية لتنفيذه، وهو الشيء الذي نصت عليه الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية، ومن ضمن ما جاء فيها:
“لا يخفى عليكم أن العقار يعتبر عامل إنتاج استراتيجي، ورافعة أساسية للتنمية المستدامة بمختلف أبعادها، ومن ثم فالعقار هو الوعاء الرئيسي لتحفيز الاستثمار المنتج، المدر للدخل والموفر لفرص الشغل، ولانطلاق المشاريع الاستثمارية في مختلف المجالات الصناعية والفلاحية والسياحية والخدماتية وغيرها ” .
إن المشرع المغربي وبصدد صيانته لحق الملكية الخاصة والارتقاء بها من تعسف الإدارة وشططها في استعمال السلطة، أحاط عملية نزعها بمجموعة من الضمانات حتى لا تخرج هذه العملية عن طابعها كإجراء استثنائي، إذ توجه في تفسيره لأضيق الحدود في نطاق المسطرة والشروط التي يحددها القانون في هذا الصدد. وذلك ما تجلى من خلال اقرانها بعنصرين أساسيين هما المنفعة العامة والتعويض العادل، لما يشكلان من ضمانات أساسية لحقوق المنزوعة ملكيتهم.
فإذا كان قيد نزع الملكية للمنفعة العامة، يعد حصرا قانونيا على حق الملكية الخاصة، فإن المنطق القانوني يفرض ضرورة إعطاء مقابل لمنزوعي الملكية عن حقوقهم المنزوعة، وعن الامتيازات التي كانت في حوزتهم، وذلك بمنحهم تعويضا عادلا لما تم نزعه منهم. مما يشكل أهم الضمانات المخولة للمنزوعة ملكيته كمقابل عن نزع الملكية، وذلك يشكل مقابلا عن المساس بهذا الحق، لكن منح التعويض العادل للمنزوعة ملكيتهم قد تعترضه إكراهات وعراقيل عدة.
إن الضمانات المحاطة بعملية نزع الملكية، لن تكون ذات أثر فعال ومؤثر إلا إذا كان للقضاء سلطة في بسط رقابته على القرارات المعلنة للمنفعة العامة، وكذلك على التعويضات الممنوحة للمنزوعة ملكيتهم كمقابل لذلك النزع وجبرا لأضرارهم، باعتباره الضامن لمبدأ المشروعية ومرسخ لدولة الحق والقانون.
تبرز أهمية الموضوع من خلال الدور الهام الذي يتميز به التعويض العادل في جبر أضرار المنزوعة ملكيتهم كمقابل لما فقدوه من حقوقهم العقارية، كما أنه لا يمكن الحديث عن عدالة التعويضات الممنوحة للمنزوعة ملكيتهم، دون التطرق للدور الهام والبارز الذي يمارسه القاضي الإداري في التوفيق بين المصلحة العامة المعبر عنها من طرف السلطة العامة، عبر إصدارها لقرارات نزع الملكية للمنفعة العامة كضمانة لتحقيق الصالح العام ذات النفع العام للمجتمع، وكذلك من خلال حماية مصالح الأفراد عبر ضمان تعويضات عادلة لهم كمقابل مادي عن قيمة ملكيتهم الفردية كحق من حقوق الإنسان المكفول دستوريا وتشريعيا، والمصون في المواثيق والمعاهدات الدولية.
لقد تمت مقاربة الموضوع من خلال إشكالية جوهرية تتمثل في:
إلى أي مدى يتم منح تعويضات عادلة للأطراف المنزوعة ملكيتهم كمقابل لنزع الملكية؟
وتتفرع عن هذه الاشكالية الأسئلة الفرعية التالية:
– ما هي السلطة التي لها حق تحديد التعويض؟
– وما دور الرقابة القضائية على التعويض المقترح من طرف الجهة نازعة الملكية؟
وتبعا لذلك سيتم مقاربة هذا الموضوع من خلال مبحثين:
 المبحث الأول: السلطة المحددة للتعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة
 المبحث الثاني: دور الرقابة القضائية في إطار التعويض عن نزع الملكية

 

 

المبحث الأول: السلطة المحددة للتعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة
إن شرعية التعويض كمقابل لنزع الملكية تتحقق باحترام القواعد العامة التي نص عليها القانون 81/7 في الفصل 20 منه، الذي يحدد قواعد التعويض. مما يفرض ضرورة التطرق للجهة المختصة في تحديده، كما أنه في هذا الصدد لا يمكن تجاهل دور الخبير في اقتراح التعويض عن نقل الملكية.
المطلب الأول: اللجنة الإدارية المختصة بتحديد التعويض كمقابل لنزع الملكية
لم يحدد قانون 81/7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت، تركيبة اللجنة الإدارية المختصة بتحديد التعويض عن نزع الملكية، وإنما اكتفى بالتنصيص عليها في الفصل 42 منه، بينما أوكل هذه المهمة للسلطة التنظيمية التي تم التنصيص عليها بمقتضى المادة 19 من المرسوم التطبيقي 2.82.382 المؤرخ في 16 أبريل 1983 على تركيبة هذه اللجنة. على أن يبقى قاضي نزع الملكية هو الجهة الفاصلة في اقرار هذا التعويض عند النزاع، وقبل الحكم بنقل الملكية لفائدة السلطة نازعة الملكية.
الفرع الأول: تأليف اللجنة الإدارية للتقييم
لقد نص الفصل 7 من المرسوم التطبيقي لقانون نزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت رقم 81/7 ، بتحديد أعضاء اللجنة المكلفة باقتراح التعويضات عن نزع ملكية العقارات، أو الحقوق العينية المنزوعة ملكيتها.
إذ تتألف اللجنة المشار إليها في الفصل 42 من القانون 81/7 الآنف الذكر، والمكلفة بتحديد ثمن العقارات، أو الحقوق العينية المنزوعة ملكيتها من الأعضاء الدائمين التالي بيانهم:
– السلطة الإدارية المحلية أو ممثلها، رئيسا؛
– رئيس دائرة أملاك الدولة أو منتدبه؛
– قابض التسجيل والتنبر أو منتدبه؛
– ممثل طالب نزع الملكية أو الإدارة التي يجري نزع الملكية لفائدتها.
بالإضافة إلى أعضاء اللجنة الدائمين، هناك أعضاء غير دائمين بحسب طبيعة العقار وهم:
– مفتش الضرائب أو منتدبه، ومفتش التعمير أو منتدبه، إذا تعلق الأمر بأراض حضرية مبنية أو غير مبنية.
– مفتش الضرائب القروية أو منتدبا عنه، والمدير الإقليمي لوزارة الفلاحة أو منتدبا عنه إذا تعلق الأمر بأراض قروية .
الفرع الثاني: مهام اللجنة الإدارية للتقييم
وتتولى السلطة القائمة بنزع الملكية أعمال الكتابة.
كما أن هذه اللجنة وبالرغم من تركيبتها المتعددة، لكنها غالبا ما تتعثر في مهامها، ويعود ذلك للضغوطات المختلفة والمتعددة، التي يتعرض لها أعضاؤها سواء من جانب السلطات الإدارية لإقرار تعويضات هزيلة في أغلب الأحيان، أو من جانب الجهات المتضاربة للرفع من قيمة التعويض أو تخفيضه، أو بدافع المحاباة والانحياز لطرف دون آخر.
وتتجلى مهمة اللجنة الإدارية للتقييم كما هو مبين من تسميتها، في وضع تقييم تقريبي للعقارات محل نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، أو الحقوق العينية الواردة عليها. وتجتمع اللجنة المشار إليها أعلاه في المرسوم التطبيقي ل 16 أبريل 1983 بطلب من الإدارة نازعة الملكية.
ومما يلفت الانتباه أن المشرع لم يحدد كيفية عمل هذه اللجنة، مما يطرح مشاكل عويصة من قبل تحديد طريقة العمل والنصاب القانوني الواجب توافره لاجتماعاتها وطريقة التصويت، ودور كل الأعضاء الدائمين، وغير الدائمين، وتوزيع الاجتماعات، ومقراتها .
أما بخصوص الوقت المعتمد من طرف اللجنة الإدارية لتقييم العقارات موضوع نزع الملكية، فإنه يبتدأ بعد نشر مقرر التخلي، إذ لا يمكن لهذه اللجنة أن تجتمع قبل هذا التاريخ.
فبعد انتهاء اللجنة من أشغالها، يكون على الجهة المحركة لمسطرة نزع الملكية قبول التعويض المحدد، والذي ستعرضه بدورها على أصحاب الحقوق العينية، وإلا كان عليها التراجع عن الاستمرار في الإجراءات القانونية لنزع الملكية، إذا تبين لها أن المبلغ المحدد مكلفا لها .
انطلاقا مما سبق، يمكن القول إن هذه اللجنة ليست بهيئة استشارية تمارس عملا إداريا لصالح نازع الملكية، مادام اللجوء إليها يعد إلزاميا وليس بمسطرة اختيارية من شأن نازع الملكية الاستغناء عنها أو عدم الأخذ بنتائجها، بل إنها مسطرة إجبارية يتوقف عليها استمرار نازع الملكية في عمله ومنصوص عليها في كل من قانون نزع الملكية والاحتلال المؤقت، والمرسوم التطبيقي له.
وفي هذا الصدد يجب أن يتم تعديل القانون 81/7 بوجوب وضرورة مراجعة اللجنة المذكورة للمبلغ المحدد في حالة رفضه من قبل نازع الملكية، تحت طائلة التراجع عن الاستمرار في مسطرة نزع الملكية.
في حين نجد جانب آخر من الباحثين ، لا يوافق على مراجعة اللجنة الإدارية للتقويم للمبلغ المحدد، ويرجع السبب في ذلك لكون أن دور هذه اللجنة هو معاينة العقار وتحديد قيمته بكل دقة واستقلالية، بعيدا عن جميع الضغوطات، وضمانا لحقوق منزوعي الملكية من جهة، والدولة أو نازع الملكية من جهة أخرى.
فإذا كان مبلغ التعويض المحدد من لدن اللجنة الإدارية للتقييم، يجب على نازع الملكية أن يلتزم به أثناء الإجراءات المتعلقة بنزع الملكية. فإن الملاك وأصحاب الحقوق العينية موضوع الاستملاك غير ملزمين البتة بذلك، ولهم دائما أن يطلبوا من القضاء الزيادة فيه .
كما أن السلطة القضائية المختصة غير ملزمة أيضا بهذا التقدير، إلا في الحالة التي يكون فيها مبلغ التعويض المقدر محل اتفاق بين نازع الملكية ومنزوع الملكية، وهذا ما قراره المجلس الأعلى سابقا –محكمة النقض حاليا- في قرار صادر عنه والذي جاء فيه: “لكن حيث إن المحكمة لم تكن ملزمة باقتراح لجنة التقييم، مادام المعنيون بالأمر قد رفضوا الاقتراح المذكور” .
وفي قرار اخر صادر عن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض جاء فيه: ” إن مسألة تقدير التعويض عن ضرر نزع الملكية لأجل المنفعة العامة من صميم السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع التي تملك كامل الصلاحية لتقدير التعويض بالاستناد على الخبرات الفنية في حالة المنازعة في التعويض المقترح من طرف الإدارة، وأن تلك الصلاحية لا تخضع لرقابة محكمة النقض إلا فيما يخص التعليل، الذي ينبغي أن يكون مستمدا من معطيات واقعية وقانونية”.
وفي جميع الأحوال لا يمكن للقاضي الإداري أن يحدد تعويضا أقل من المبلغ المقترح من طرف السلطة النازعة للملكية، وهو المحدد من طرف اللجنة لأنه مقيد بأن يبت في حدود طلبات الأطراف.
المطلب الثاني: دور الخبير في اقتراح التعويض
إن القاضي الإداري في سبيل إقراره لتعويض عادل ومنصف للعقارات المنزوعة ملكيتها، يتحتم عليه اللجوء إلى الخبرة في هذا الإطار لمساعدته في التوصل لتعويض مناسب عن ذلك النزع.
إن اللجوء لتحديد التعويض من طرف الجهة المختصة بذلك، يجعلها ملزمة بالاحتكام إلى كل العناصر الضرورية لتحديد تعويض عادل وحقيقي، كمقابل عن نزع الملكية العقارية للمنزوعة ملكيتهم.
فالتعويض طبقا للفقرة الثانية من الفصل 20 يجب أن يقدر حسب قيمة العقار يوم صدور قرار نزع الملكية، دون أن تراعي في تحديده البناءات والأغراس والتحسينات المنجزة دون موافقة نازع الملكية، منذ نشر أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة العامة المعين للأملاك المقرر نزع ملكيتها .
ومن المفترض أن الخبرة تتم بناء على طلب أطراف النزاع، وإن كان ليس هناك ما يمنع القاضي من الناحية القانونية من الاتجاه إليها من تلقاء نفسه، إذ ينص الفصل 55 من قانون المسطرة المدنية على أنه: “يمكن للقاضي بناء على طلب الأطراف، أو أحدهم أو تلقائيا أن يأمر قبل البث في جوهر الدعوى بإجراء خبرة”.
وفي هذا الشأن نذكر حكم للمحكمة الإدارية بمكناس إذ جاء في منطوقه “… وحيث جاءت الخبرة مستوفية للشروط الشكلية المتطلبة قانونا، مما ارتأت معه المحكمة اعتماد نتائجها للفصل في النزاع “.
الظاهر أن اللجوء إلى الخبرة في مجال التعويضات المحكوم بها في نطاق نزع الملكية في طريقها لكي تصبح عرفا قضائيا ،غير أنه يبقى من حق القاضي الإداري أن يلجأ إلى تحديد التعويض المستحق دون الاستعانة بالخبرة .
فإذا لم تتوفر المحكمة على العناصر الكفيلة بتحديد التعويض المستحق للمنزوعة ملكيتهم، خاصة إذا تعلق الأمر بمعطيات تقنية لا علاقة لها بالقانون، وكان تقرير اللجنة الإدارية خاليا من تلك العناصر، فضلا عن عدم تمكين المحكمة منها من قبل الطرفين معا، فإنها تضطر إلى إجراء خبرة بموجب حكم تمهيدي قبل البث في الموضوع، وذلك إما بناء على طلب من الأطراف أو أحدهم، أو أنها تأمر بإجراء الخبرة تلقائيا .
وطبقا لما نص عليه الفصل 49 من قانون 81/7 المتعلق بنزع الملكية للمنفعة العامة، فإنه تطبق على قضايا نزع الملكية جميع قواعد الاختصاص والمسطرة المقررة في قانون المسطرة المدنية، ما عدا في حالة الاستثناءات المنصوص عليها في هذا القانون.
كما نصت المادة 7 من قانون المحاكم الإدارية 90/41 على أنه: “تطبق أمام المحاكم الإدارية القواعد المضمنة في قانون المسطرة المدنية، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك” . فالقواعد المطبقة في الخبرة أمام المحاكم الإدارية في مجال نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، هي نفسها المضمنة في قانون المسطرة المدنية.
وبالتالي، تعد الخبرة القضائية من الاجراءات البارزة التي يعتمد عليها القضاء، إذ يأمر بها القاضي في ظروف خاصة وبشروط معينة لإجراء تحقيق في مسائل فنية لا تستطيع المحكمة أن تدلي بدلوها فيها، وتحتاج إلى من يوضح لها بعض الأسئلة أو النقط الفنية والتقنية البحثة من الأشخاص ذوي المعارف الخاصة، كي تستطيع الحكم فيها بحياد وموضوعية.
ويتم تعيين الخبير عادة من بين الخبراء الملحقين المسجلين في جدول الخبراء المعتمد من طرف وزارة العدل، وإذا لم يوجد تخصص ما بذلك، فيمكن للمحكمة بصفة استثنائية أن تعين خبيرا من خارج الجدول، على أن يؤدي اليمين القانونية أمام المحكمة .
كما أن الخبير لا يقوم بمهمته إلا بحضور أطراف النزاع ووكلائهم، أو بعد التأكد من توصلهم بالاستدعاء بصفة قانونية، ما لم تأمر المحكمة بخلاف ذلك إذا تبين لها أن هناك حالة استعجال .
فالخبير يلجأ لممارسة المهمة الموكولة إليه بموجب الحكم التمهيدي الذي توصل بنسخة منه، وبحضور أطراف النزاع ووكلائهم، ما لم يسبق لهم أن توصلوا بالاستدعاء بصفة قانونية، فعندئذ له الحق أن يقوم بالخبرة، ولو دون حضور الطرف المتخلف بدون عذر مقبول.
يستنتج مما سبق، أن عملية الخبرة تتجلى في تنفيذ الخبير للنقط الواردة في الأمر التمهيدي المطلوب منه القيام به، وهي لا تنحاز عن القواعد المنصوص عليها في الفصل 20 من قانون نزع الملكية والاحتلال المؤقت رقم 81/7، الذي نص على القواعد المطبقة في تحديد التعويض عن نقل الملكية، ومن خلال ذلك يجب على القاضي الإداري أن يحلل عناصر الدعوى ووقائعها تحليلا مفصلا، تم يحدد للخبير ما يمكن فحصه وتقديره من الناحية التقنية وتقديم رأيه بخصوصه.
كما تجدر الإشارة إلى أن الخبرة ما هي إلا إجراء من اجراءات التحقيق، ولا تأخذ بها المحكمة إلا على سبيل الاستئناس، حيث جاء في حيثيات قرار صادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط ما يلي: “إن المحكمة عند استعمالها السلطة التقديرية في تحديدها للتعويض، فإنها لا تكون بالضرورة مقيدة بالتقديرات التي تؤول إليها عن طريق اللجنة الإدارية، أو عن طريق الخبرة” .
كما أن إجراء الخبرة القضائية لتقويم العقارات المستهدفة بالنزع لا يتوقف فقط على العناصر المنصوص عليها في الفصل 20 من قانون نزع الملكية، بل يتم أيضا تطبيق مجموعة من المعايير الفنية، مثل التقييم عن طريق المقارنة والاعتماد على التقديرات والتصريحات الضريبية واحتساب نسبة تكلفة التجهيز، واللجوء إلى معامل إعادة التقييم المعمول به في مجال الضريبة على الأرباح العقارية .

 

المبحث الثاني: دور الرقابة القضائية في إطار التعويض عن نزع الملكية
يعتبر من بين أسباب إنشاء المحاكم الإدارية بالمغرب، أن تتولى هذه الأخيرة تحديد التعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، وذلك استنادا إلى خطاب صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله يوم 8 ماي 1990، بمناسبة إنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان .
المطلب الأول: رقابة القضاء الإداري للتعويض المقترح من طرف اللجنة الادارية للتقييم
إن التعويض المقترح من طرف الإدارة نازعة الملكية والمحدد من قبل اللجنة الإدارية للتقييم، يمكن تعديله من طرف قاضي نزع الملكية عند الاقتضاء، مما يجعلنا أمام حالتين:
 الحالة الأولى، التي يكتفي فيها بالتعويض المحدد من طرف اللجنة الإدارية للتقييم.
 الحالة الثانية، فهي التي يتم فيها تعديل ذلك التعويض من طرف المحكمة.
وفي هذا الإطار فإن القضاء الإداري دوره يتمثل في مراقبة التعويض المقترح، ثم تحديده.
الفرع الأول: الاكتفاء بالتعويض المقترح من طرف نازع الملكية
إن جل الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية في قضايا نقل الملكية، تقف عند حدود المصادقة على التعويض المقترح من طرف الإدارة نازعة الملكية، اعتمادا على تقديره من طرف اللجنة الإدارية للتقييم، معللة تلك الأحكام بالموافقة عليه إما صراحة أو ضمنيا.
إن موافقة المنزوعة ملكيته على التعويض المقترح عليه من طرف الإدارة، قد تتم بمذكرة جوابية مكتوبة، وقد تقتصر على مجرد تصريح بذلك.
فالموافقة بمقتضى مذكرة جوابية تتم إذا وافق الطرف المنزوعة ملكيته على التعويض المقترح عليه من طرف الإدارة نازعة الملكية بموجب مذكرة جوابية، بمناسبة استدعائه من قبل المحكمة، وبعد تبليغه بنسخة من مقال الدعوى وتكليفه بالجواب عنه. فإنه لا يسع قاضي نقل الملكية في هذه الحالة إلا أن يحكم بالتعويض المقترح فقط لعدم المنازعة فيه، ولعدم إمكانية الحكم بأكثر مما طلب منه.
كما أنه في بعض الأحيان يكتفي المنزوعة ملكيته بالموافقة على التعويض المقترح عليه من طرف الإدارة نازعة الملكية، بمجرد تصريح شفوي بالجلسة أثناء نظر دعوى نقل الملكية. وهذه هي الحالة التي ما تحدث غالبا.
ولعل ما يجعل المحاكم الإدارية تكتفي بالعروض المقترحة من طرف الإدارة، نظرا لعدم تكليفهم بتنصيب محام للجواب عنه، لما يستتبع ذلك من مصاريف قد تفوت أحيانا ما قد يحصل عليه المنزوعة ملكيتهم من آثر الحكم له بالتعويض عن نقل ملكيته. ولعله أيضا ما تستند عليه الغرفة الادارية بمحكمة النقض عندما لا تلتفت إلى مثل هذه الإشكالات، خصوصا ما يتعلق منها بتكليف المدعى عليه بالجواب بواسطة محام.
وبشأن الموافقة الضمنية على التعويض المقترح إذ تتم هذه الموافقة على التعويض المقترح في حالتين:
 الموافقة الضمنية بعد توصل المنزوعة ملكيته بالاستدعاء وعدم جوابه
لقد صدرت عن المحاكم الإدارية المغربية بهذا الخصوص عدة أحكام، اعتبرت أن مجرد توصل المنزوعة ملكيته بالاستدعاء للجلسة، وبنسخة من مقال دعوى نقل الملكية يشكل قرينة عن أنه لا ينازع لا في مبدأ نقل الملكية، ولا في مبلغ التعويض المقترح عليه من طرف الإدارة نازعة الملكية .
إلا أنه رغم صدور عدة أحكام في هذا الشأن، فقد ألغت الغرفة الإدارية بمحكمة النقض جميع أحكام المحاكم الإدارية، التي قضت باعتماد التعويض المحدد من طرف اللجنة الإدارية للتقييم بعلة الموافقة عليه ضمنيا من طرف المنزوعة ملكيته، وفق ما تمت الإشارة إليه.
واعتبرت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى سابقا أن “التعويض التي تقدره اللجنة الإدارية المشار إليها في الفصل 42 من القانون 81/7 المتعلق بنزع الملكية للمنفعة العامة، يتوقف نفاذه على قبوله من الطرفين: نازع الملكية والمنزوعة منه، ولا يمكن استنتاج هذا القبول من مجرد عدم حضور الطرف الأخير للجلسة… “.
فألغت بذلك حكم المحكمة الإدارية بالرباط ، وأرجعت الملف إلى نفس المحكمة للبث فيه من جديد طبقا للقانون، ويعتبر هذا التوجيه توجها سليما من الغرفة الإدارية، وذلك لكون أنه لا يمكن أن ينسب لساكت قول.
 الموافقة الضمنية رغم عدم توصل المدعي عليه بالاستدعاء
في أحيان كثيرة اكتفت المحاكم الإدارية بالموافقة على التعويض المحدد من طرف اللجنة الإدارية للتقييم، على الرغم من تعذر تبليغ المنزوعة ملكيته بنسخة من المقال الرامي إلى نقل الملكية، ولا باستدعائه للجلسة بعد إنجاز مسطرة التقييم في حقه لتحكم في النهاية بمقتضى حكم ضروري في حق نازع الملكية، وغيابي في حق المنزوعة ملكيته مع اختلاف تعليلاتها.
فمرة نجد أنها تعلل حكمها بأن: ” التعويض المقترح من طرف نازع الملكية، تعتبره المحكمة بما لها من سلطة تقديرية مناسبة ويتعين الحكم مقتضاه” . ومرة أخرى تعلل نفس الحكم بأن: ” المدعى عليهم لم ينازعوا في المبلغ المقترح من طرف المدعي، فيتعين اعتباره المبلغ الواجب على هذا الأخير أداؤه لفائدتهم” .
بالرغم من أن المشرع حدد للقضاء القواعد الواجب إتباعها لتقدير التعويض عن نزع الملكية، وبالتالي الحكم بنقل الملكية، إلا أن هذا الأخير قد يكتفي أحيانا فقط بالتعويض الذي حددته اللجنة الإدارية للتقييم، دون إعماله للقواعد المؤطرة للتعويض المنصوص عليها في الفصل 20. فباستقراء بعض الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية في قضايا نقل الملكية، يلاحظ أنها تكتفي فقط بالمصادقة على التعويض المقترح من طرف الإدارة نازعة الملكية، اعتمادا على تقديرات لجنة التقييم، معللة تلك الأحكام بالموافقة عليها إما صراحة أو ضمنيا .
الفرع الثاني: استعانة المحكمة الإدارية بالخبير في تحديد التعويض
يقوم القاضي الإداري بدور بارز في تحديد قيمة التعويض، حيث يتمتع بسلطة تقديرية في هذا الصدد، لتحديد قيمة المتر مربع للأرض المنزوعة ملكيتها للمصلحة العامة دون القيد بالقيمة المحددة من طرف الخبير، اعتمادا على ثمن بين أرض مجاورة. وأساس التقدير هو مساحة الأرض المنزوعة وموقعها وتجهيزها.
جذير بالذكر في هذا السياق حكم للمحكمة الإدارية بمكناس الذي جاء فيه: “… وحيث إنه فيما يخص التعويض المستحق، فالمحكمة الإدارية وبما لها من سلطة تقديرية في تقييم نتيجة الخبرة … “.
وانطلاقا منه، يمكن للقاضي الإداري أن يستعين بخبير أو خبراء كلما ظهرت صعوبة في تحديد مقابل عادل للتعويض، وذلك نظرا لما يتمتع به الخبير من دراية ومعرفة في أمور خاصة ودقيقة بالعقارات.
ففي مجال نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، يجري عمل المحاكم الإدارية على إصدار حكم تمهيدي، يقضي بانتداب خبير معين للوقوف صحبة الطرفين نازع الملكية ومنزوع الملكية، بعد استدعائها بصفة قانونية على العقار الذي سيشمله إجراء النزع قصد إعطاء وصف شامل له. وتحديد ما قد يكون فوقه من بيانات وأغراس، مع محاولة التعريف بهاته الأغراس والبيانات إن وجدت.
وتبعا لما تم ذكره، يتم تقدير وتحديد قيمة العقار على ضوء كل ذلك، يوم صدور المرسوم بنزع الملكية ويوم تقييده المقال لدى المحكمة، مقارنا مع ما قد يكون من بيوعات مجاورة ومماثلة في النوعية والتاريخ ووضع تقرير مفصل بذلك داخل أجل معين من تاريخ توصله بالمأمورية، وبتحديد أجرته التي يضعها نازع الملكية من أجل تحديد المحكمة. وحضور الأطراف الذين يجب استدعاؤهم بصورة قانونية أو عدم حضورهم الخبرة ليس له تأثير على إجرائها، كما أن حضورهم وعدم تعقيبهم عليها لا يعني بتاتا قبولهم للحكم الصادر قبل الفصل في الموضوع .
ويقتضي الفصل 47 من قانون نزع الملكية 81/7 على أنه: ” إذا أمر القاضي بإجراء خبرة تولى كاتب الضبط على الفور- استثناء من أحكام الجزء الثاني من الفصل 60 من قانون المسطرة المدنية- تبليغ النص الكامل لتقرير الخبرة إلى نازع الملكية، وإلى المنزوعة منهم الملكية”.
وللوصول إلى تقييم سليم، يتقيد الخبير في عمله –كما تتقيد اللجنة الإدارية للتقييم والقاضي – بالشروط الجوهرية المتطلبة في الفصل 20 من قانون نزع الملكية81/7، وحيث إن المحكمة بعد دراستها للخبرة المذكورة، يتبين لها بأنها قد استوفت جميع العناصر التقنية لأحكام الفصل 20 من قانون 81/7، بما في ذلك تحديدها لتعويض مناسب لقيمة العقار موضوع الطلب يوم إيداع المقال بهذه المحكمة. مما تقرر معه تأسيسها على تلك المصادقة على ما حددته الخبرة المذكورة” .
وذلك يفرض على الخبير مراعاة عدة معايير فنية وموضوعية، منها على الخصوص وجوب اعتماده على عناصر مقارنة تصلح للاستشهاد بها في النازلة، بأن تكون هذه العناصر مجسدة في عمليات تمت بشأن عقارات تماثل العقار موضوع الخبرة من حيث موقعه، وخصائصه ومساحته وإمكانية استعماله، وفي تاريخ لا يبتعد عن التاريخ الواجب أخذه بعين الاعتبار في التقييم. وتكون المحكمة ملزمة بمراقبة هذه العناصر حتى لا تهضم الحق العادل في التعويض للطرف المنزوعة ملكيته.
وفي جميع الأحوال، يجب أن تأتي الخبرة بمعطيات تقنية تسمح للمحكمة بتقدير القيمة الحقيقية للملك، ولها أن تأخذ بهذه الخبرة أو تصرف النظر عنها جملة وتفصيلا ” فلا يلزم القاضي بأي حال من الأحوال الأخذ برأي الخبير أو الخبراء”. كما أنه ليس هناك ما يمنع القاضي من اللجوء إلى اجراءات التحقيق الأخرى، الواردة بقانون المسطرة المدنية.
المطلب الثاني: سلطة القضاء الإداري في ضمان تعويضات عادلة للأطراف المنزوعة ملكيتها
إذا كان قيد نزع الملكية للمنفعة العامة يعد إكراها قانونيا على حق الملكية الخاصة، فإن المنطق القانوني يفرض ضرورة إعطاء مقابل مادي لمنزوعي الملكية كتعويض عن حقوقهم المنزوعة، وعن الامتيازات التي كانوا يستفيدون منها. فإعطاء تعويض عادل لمنزوعي الملكية يشكل أهم الضمانات المخولة لأصحاب للملكية الخاصة، ويشكل مقابلا عن نزع حقهم.
إن سلطة تحديد التعويض تعود لقضاء الموضوع، وفقا لما نص عليه قرار صادر عن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض: ” إن تحديد التعويض عن الضرر من صميم سلطة محكمة الموضوع، شريطة إقامة قضائها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت ضمن أوراق الملف، ولا رقابة عليها من طرف محكمة النقض إلا بخصوص التعليل. والمحكمة لما أيدت الحكم المستأنف، راعت خصائص العقار ووجه استعماله وموقعه ومساحته، حسب معايير التقييم الواردة في الفصل 20 من القانون 81/7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت، وأسست قناعاتها على الخبرة، التي أبرزت العناصر الضرورية والكافية لتحديد التعويض، تكون قد عللت قرارها تعليلا كافيا مطابقا للواقع والقانون”.
كما أقرت في قرار اخر لها طبقا لنفس التوجه، على أن : ” مسألة تقدير التعويض عن ضرر نزع الملكية لأجل المنفعة العامة هو من صميم السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، التي تملك كامل الصلاحية لتقدير التعويض بالاستناد على الخبرات الفنية في حالة المنازعة في التعويض المقترح من طرف الإدارة، وأن تلك الصلاحية لا تخضع لرقابة محكمة النقض إلا فيما يخص التعليل، الذي ينبغي أن يكون مستمدا من معطيات واقعية وقانونية”.
لقد جاء في الفصل الخامس من ظهير 6 ماي 1982 القاضي بتنفيذ القانون رقم 81/7، المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت أنه” يباشر طبق الشروط المقررة في هذا القانون إعلان المنفعة العامة، والحكم بنقل الملكية إلى نازعها وتحديد التعويض عن نزع الملكية“.
غير أن ما يعاب على التشريع المغربي المرتبط بنزع الملكية أنه لم ينص صراحة على عدالة هذه التعويضات، إلا أن ما يشفع له إغفاله لهذا المبدأ أنه خول القضاء وحده تحديد التعويض النهائي. الأمر الذي من شأنه أن يضمن امكانية تقرير تعويض يناسب الأضرار التي لحقت بمنزوعي الملكية. وقد أقر المشرع في هذا الصدد مسطرة دقيقة لتحديد التعويض، فوضع مقتضيات قانونية تهم كيفية تحديده سواء في المرحلة الإدارية أو في المرحلة القضائية.
إن الهاجس الذي يبقى مسيطرا على المشرع هو الحفاظ على المال العام أكثر من أي شيء آخر، وهذا هو الذي أدى به إلى الدفع بتعجيل الإجراءات، حتى لا ترتفع قيمة التعويضات دون أي اعتبار لمصالح وحقوق منزوعي الملكية.
وقد وضع المشرع المغربي مجموعة من المعايير، التي يتم بواسطتها تحديد التعويض، وهي المعايير التي حددها الفصل 20 من قانون نزع الملكية والاحتلال المؤقت، إذ جاء فيه أنه:” يحدد التعويض عن نزع الملكية طبقا للقواعد التالية:
يجب ألا يشمل إلا الضرر الحالي والمحقق الناشئ مباشرة عن نزع الملكية، ولا يمكن أن يمتد إلى ضرر غير محقق، أو محتمل أو غير مباشر.
يحدد قدر التعويض حسب قيمة العقار يوم صدور قرار نزع الملكية. دون أن تراعى في التحديد قيمة البناءات والأغراس والتحسينات المنجزة دون موافقة نازع الملكية من نشر أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة العامة المعين للأملاك المقرر نزع ملكيتها”.
وبناء عليه، اعتبر قانون 81/7 أن الضرر الذي يمكن التعويض عنه أثناء نزع الملكية للمنفعة العامة، هو الضرر الحالي والمحقق الناشئ مباشرة عن نزع الملكية، دون أن يمتد هذا التعويض إلى كل من الضرر غير المحقق والضرر المحتمل والضرر غير المباشر.
إن تجاهل المشرع المغربي للتعويض عن الضرر المستقبلي، شكل إهدارا كبيرا لحقوق منزوعي الملكية للمنفعة العامة، فالأساس الذي يجب أن ينبني عليه نظام نزع الملكية هو منح تعويض عادل للأطراف المنزوعة ملكيتهم. فالعدالة تقتضي أن يتم التعويض عن الأضرار التي لحقت الملكية الخاصة أيا كانت هذه الأضرار مادية، معنوية، حالية، أو مستقبلية.
إن مرد هذا العيب الذي يعتري تشريع نزع الملكية هو هيمنة هاجس الحفاظ على المال العام، والحرص على مرور عملية نزع الملكية بأقل التكاليف، وهذا ما أدى إلى إقصاء مجموعة من الأضرار من التعويض. والملاحظ أن المشرع الفرنسي تراجع عن الموقف السائد ولم يعد يأخذ بشرط كون الضرر حاليا ومحققا، مما فتح المجال للتعويض عن العديد من الأضرار.
وبالتالي، يمكن اعتبار أن اختصاص تقدير قيمة التعويض عن نقل الملكية يعود للمحاكم الإدارية، مراعية في ذلك مجموعة من الاعتبارات مستمدة أساسا من الفصل 20 من قانون نزع الملكية والاحتلال المؤقت 81/7. فالقاضي الإداري قد يكتفي بالتعويض المقترح من طرف نازع الملكية، وقد يتم تعديله بناء على طلب المنزوع ملكيته، كما أنه قد يلجأ إلى انتداب خبير مختص في الموضوع، بناء على التقرير الذي ينجزه هذا الأخير يتم تحديد التعويض المناسب.
غير أن ذلك لا يعني بالضرورة أن المحاكم الإدارية تتقيد بالمبلغ الذي يحدده التقرير بحذافيره، فلها أن تعتمد على خبرة واحدة أو أكثر دون التقيد بما جاء فيها لأجل تحديد التعويض المستحق للمنزوع ملكيته. وإذا ما حددت الخبرة القضائية مبلغ التعويض عن نزع ملكية عقار أقل من مبلغ التعويض المعروض من طرف الإدارة نازعة الملكية، يجعل المبلغ الأخير هو الواجب الأخذ به.
كما أن للمحكمة السلطة التقديرية لتعديل التعويض المقترح من طرف الخبير، كلما تبين لها عدم انسجام النتيجة التي انتهى إليها هذا الأخير مع المعطيات الواقعية والمادية المستقاة من تقريره . غير أنه إذا ما تم التراضي بين المنزوع ملكيته ونازع الملكية حول التعويض المقترح من طرف هذا الأخير، فإن المحكمة لا يسعها إلا الإشهاد على الاتفاق المبرم بين الطرفين.
إن ما يجب التأكيد عليه انطلاقا مما تمت مقاربته، أن التعويض عن نزع الملكية يجب أن يكون عادلا، سواء بالنسبة للسلطة نازعة الملكية أو المنزوعة ملكيته. لأن التعويض في جميع الأحوال يبقى مالا عاما لا يجب أن يثري على حسابه أحد بطريقة غير مشروعة، وأن يتم التعويض بقدر الضرر مع الأخذ بعين الاعتبار أن المنزوعة ملكيته قد يستفيد من المشروع المنجز في إطار نزع الملكية، إما ماديا إذا ترتب عن هذه العملية زيادة في قيمة الجزء المتبقي من العقار، أو اجتماعيا واقتصاديا بالنظــر إلى طبيعــة وأهمية المنشآت والمرافق المستهدفـة من خلال عملية نزع الملكيــــة.
خلاصة القول، إن الرقابة القضائية على قرارات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة وفرت الكثير من الحقوق الأساسية للمواطنين، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل امتدت الرقابة القضائية على السلطة التقديرية، لتشمل مجالات كانت وإلى وقت قريب تدرج ضمن المجال المحفوظ للتقدير الحر للإدارة في مادة قرارات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة. حيث دشن من خلالها القاضي الإداري توجها حديثا في الرقابة على القرارات الإدارية من خلال ابتداع وابتكار بعض النظريات المتطورة، والمتجلية أساسا في نظرية الموازنة بين المنافع والأضرار.
كما يمكن تقديم مجموعة من الاقتراحات في إطار التعويض كمقابل لنزع الملكية على سبيل المثال، والتي من شأنها تعزيز الدور الريادي الذي يتميز به قرار نزع الملكية في التنمية الشاملة للبلاد، وكذلك الدور البارز للقضاء الإداري في هذا الشأن كضمانة بارزة وهامة لحماية حق الملكية الخاصة للأفراد، وذلك من خلال:
 ضرورة وضع آليات كفيلة بالتسريع من وتيرة تنفيذ الأحكام القضائية، حتى لا يفقد المواطن ثقته في إلزامية الأحكام القضائية الصادرة عن القضاء كسلطة مستقلة.
 وجوب إحداث هيئة متخصصة في التقييم العقاري من أجل إقرار تعويض عادل، كمقابل لنزع الملكية العقارية حتى تكون مساعدة للقضاء في ذلك، كسائر المهن المساعدة للقضاء الأخرى.
 وجوب تمكين المنزوعة ملكيتهم من المشاركة في إجراءات إعداد قرار نزع الملكية، خاصة في مرحلة البحث العلني ولجنة التقييم.
 ضرورة السعي نحو تسريع وتسهيل الاعتماد على اليات ووسائل التواصل الحديثة في التبليغ؛ (كالتبليغ الالكتروني، وتنفيذ الأحكام القضائية…)
لائحة المراجع
• الكتب المتخصصة:
– أحمد أجعون،” المنازعات المتعلقة بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة”، منشورات المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية العدد الخاص رقم 3، مطبعة المعارف الجديدة بالرباط 2017.
– العربي محمد مياد،” الحق في التعويض العادل عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة”، سلسلة إعلام وتبصير المستهلك، الطبعة الأولى 2009، دار الأفاق المغربية للنشر والتوزيع.
– سهام تابت، “دور القضاء في معالجة قضايا نزع الملكية من أجل المنفعة العامة”، دار الأفاق المغربية للنشر والتوزيع، الدار البيضاء طبعة 2017.
– فاطمة الزهراء حامد،” ضمانات منزوعي الملكية -التعويض نموذجا”، مطبعة دار القلم، الطبعة الأولى 2015.
– محمد الكشبور، نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، قراءة في النصوص وفي مواقف القضاء، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية سنة 2007.
– محمد محجوبي، “دعوى نقل الملكية وإجراءاتها أمام المحكمة الإدارية”، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى 2004.
• المقالات:
– محمد الأعرج وسمير أحيذار “اختصاص القضاء الشامل في مادة نزع الملكية”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 71، نونبر -دجنبر سنة 2006.
• الأطاريح الجامعية
– أحمد أجعون، “اختصاصات المحاكم الإدارية في مجال نزع الملكية من أجل المنفعة العامة”، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط، السنة الدراسية 1999/2000.
– الرجراجي زكرياء، “حماية القضاء الإداري للملكية العقارية بالمغرب”، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة مولاي اسماعيل، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس، السنة الجامعية 2016-2017.
• الظهائر الملكية والنصوص التشريعية والتنظيمية
– ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 الموافق ل 28 شتنبر 1974بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية.
– ظهير شريف رقم 1.81.254 صادر في 11 من رجب 1402 (6 مايو 1982) بتنفيذ القانون رقم 81/7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت.
– القانون رقم 90/41 المأمور بتنفيذه بمقتضى الظهير الشريف رقم 225.91.1 الصادر في 22 من ربيع الأول 1414 (10 شتنبر 1993)، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 3/11/1993.
– مرسوم رقم 2.82.382 صادر في 2 رجب 1403 (16 أبريل 1983) بتطبيق القانون رقم 81/7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.81.254 صادر في 11 من رجب 1402(6 مايو 1982).
• الأحكام والقرارات القضائية
– حكم المحكمة الإدارية بمكناس، ملف رقم 123/7108/18، حكم عدد 08/7108/2019 بتاريخ 30/05/2019.
– حكم صادر عن المحكمة الإدارية بمكناس، ملف رقم 132/7108/18، حكم عدد 12/7108/2019 بتاريخ 18 يوليوز 2019.
– قرار الغرفة الإدارية بمحكمة النقض عدد 871/3، ملف إداري عدد 684/4/3/2018 بتاريخ 03 يونيو 2019، منشور في الموقع الإلكتروني لمحكمة النقض.
– قرار صادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 1229 ملف عدد 916/10/11 بتاريخ 28/03/2013، غير منشور.
– قرار صادر عن محكمة النقض في غرفتها الإدارية، عدد 25 الصادر بتاريخ 08 يناير 2015 في الملف الإداري عدد 1293/4/2/2012.
– قرار صادر عن محكمة النقض في غرفتها الإدارية، عدد 3/871 المؤرخ في 03/06/2019، ملف إداري عدد 684/4/3/2018.
– حكم المحكمة الإدارية بمراكش عدد 134 بتاريخ 19/6/2002.
– حكم الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى الملغي للحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 15 دجنبر 1998 في الملف عدد 578/98.
– حكم الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى الملغي للحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 15 دجنبر 1998 في الملف عدد 578/98.
– حكم المحكمة الإدارية بالرباط رقم 231/2010، الملف الاداري عدد 54/12/2009 بتاريخ 17/03/2009 غير منشور.
– حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 143 بتاريخ 11 مارس 1997.
– حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 364 بتاريخ 12/12/1995 في الملف عدد 95/54 ت.
– قرار عدد 1061 صادر عن محكمة النقض بتاريخ 24 أكتوبر 2002 في الملف عدد 781/14/01.
– قرار عدد 714 بتاريخ 24 أكتوبر 1996، ملف عدد 1996/1/5/480، أورده أحمد أجعون،” اختصاصات المحاكم الإدارية في مجال نزع الملكية من أجل المنفعة العامة”، ص 243.
-حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 177 بتاريخ 08/06/1995 في الملف عدد 94/31 ت.
– حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 143 بتاريخ 11 مارس 1997.
• الرسائل والخطب الملكية:
– الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية حول موضوع: “السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية”، المنعقدة بالصخيرات يومي 8 و9 دجنبر 2015.
– خطاب صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني بمناسبة إنشاء المجلس الاستشاري لحقــوق الإنسان بتاريخ 13 شوال 1410 هـ (8 ماي 1990م)، مقتبس من الموقع الإلكتروني للمجلس الوطني لحقوق الإنسان www.cndh.ma

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى