الحق في سرعة المحاكمات بين التكريس الدستوري والدعوة إلى التنصيص القانوني – الدكتور الشرقاوي القرقار
الحق في سرعة المحاكمات بين التكريس الدستوري والدعوة إلى التنصيص القانوني
الدكتور الشرقاوي القرقار
أستاذ باحث
عضو مختبر البحث في السياسة الجنائية والقانون المقارن
جامعة القاضي عياض
إن المبدأ العام هو إجراء وانعقاد المحاكمات الجنائية على نحو من السرعة دون أي تماطل أو تأخير غير مشروع. أي أن يتم الفصل في الدعوى العمومية في أسرع وقت ممكن، وصدور الأحكام في مدة معقولة ومقبولة، وأخذا بعين الاعتبار الضمانات الدستورية والقانونية للمحاكمة العادلة.
وقد أصبح هذا الأصل، أي انعقاد المحاكمات الجنائية في مدة معقولة إلى وقت قريب من أهم حقوق المتقاضين التي تمت دسترتها في صلب الوثيقة الدستورية لسنة 2011، وذلك بموجب الفصل 120 منها، والذي ينص بصريح العبارة على أنه ” لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول”.
وبهذا يجب أن تسير المحاكمات بلا تأخير متعمد، أو إهمال أو تقاعس لا مبرر له، وليس معناه أن تجري المحاكمات بسرعة مفرطة تغيب فيها الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، حيث تصبح المحاكمة الجنائية دون ذات فائدة.
كما تكمن الأهمية القصوى لهذا الحق الدستوري، في كون صدور الأحكام الجنائية في مدة معقولة هي مسألة تؤرق الكثير من الأفراد-المتقاضين-لا سيما وان هناك بعض القصور التشريعي في هذا الإطار، سواء في احتساب المدة المعقولة، وحصر عداد السرعة الذي يجب أن تحدد به المحاكمات، بالإضافة إلى المسؤول عن التأخير الذي قد يطال المحاكمة، ولهذا وجب الحديث عن السرعة في المحاكمة الجنائية، والتعرض لبعض مبرراتها.
يقصد بالسرعة في إجراء المحاكمة الجنائية الإسراع في تجاوز وإنهاء الإجراءات القضائية، والفصل في الدعوى العمومية خلال مدة معقولة ومقبولة، دون الإخلال بالضمانات المقررة لحق الدفاع، بتعبير آخر انهاء الإجراءات القضائية الزجرية التي تتخذ بشأن جريمة ما في أسرع وقت ممكن، والفصل في النزاع الجنائي وعدم التأخر فيه بلا مسوغ أو مبرر قانوني.
ووفقا لما تقدم لا يجوز إطالة أمد الدعوى العمومية أو أن يعتريها تباطؤ أو تقاعس أو إهمال أو عدم إكثرات، بحيث تبقى الدعوى العمومية محتفظة بكل مبادئ المحاكمة العادلة، وضمان كل حقوق الأطراف.
فالمحاكمة السريعة تختلف أيضا عن المحاكمة المتسرعة التي تفتقر إلى النزاهة، والحياد، واحترام حقوق الدفاع والمواجهة والمساواة…، وكذا تختلف عن المحاكمة المستعجلة في مجال الدعوى المدنية والتجارية، والتي تتحكم فيها الصفة الوقتية، دون المساس بأصل الحق.
وبهذا فالمشرع المغربي في دستور 2011 بحسب ما ذكرناه كان أكثر تقدما، وبادر للنص في صلب الوثيقة الدستورية على حق المتقاضين في صدور الحكم في مدة معقولة، الشيء نتمنى تكريسه وتنزيله في إطار القانوني الإجرائي.
وما ذهب إليه المشرع الدستوري في هذا الإطار لم يكن اعتباطيا أو من قبيل الترف التشريعي، بل لهذا التوجه مبرراته وأسبابه الحقيقة، التي يمكن أن نوجزها في التالي:
- سرعة الفصل في الدعوى العمومية يؤدي إلى إشعار الناس بوجود عقاب لكل جريمة، وأن من يقدم على ارتكاب جريمة ما سوف ينال عقابه بسرعة.
- من مصلحة المجتمع أن يعرف إذا كان المتهم بريئا لتعلن براءته، أو إذا كان مذنبا لينال عقابه.
- أحيانا وهذا هو المهم على الأقل في نظرنا عندما يكون المتهم بريئا، ويطول أمد المحاكمة يضر به وبسمعته وبأفراد أسرته، وبعمله ومصدر رزقه، وقد يكون غير ذلك، أي يكون مذنبا وعندما تطول محاكمته يشعر بالرضا والراحة خاصة إذا كان متابعا في حالة سراح، وغير معتقل احتياطيا.
- المحاكمات الجنائية الطويلة وبلا شك تكلف الدولة أموالا ومبالغ عالية، وتكلف كذلك المتهم أعباء تنتقص من ماليته، كالتنقل واتعاب المحامي خاصة إذا كان المتهم هو المعيل الوحيد لعائلته.
- المحاكمات الجنائية السريعة تؤدي إلى تصريف عدد مهم من القضايا الرائجة، وتخفيف العبء على القضاء، وعدم تراكم القضايا.
- كما تعتبر المحاكمة السريعة وصدور حكم في وقت معقول حقا للضحية لاقتضائه تعويض في وقت سريع يلملم به جراحه لقاء ما تكبده من آلام. وبالتالي إحساسه بنوع من الارتياح والإيمان بأن القانون يحميه.
وللتذكير فالمشرع الدستوري عندما نص صراحة على حق المتقاضين في صدور حكم في مدة معقولة، لم ولن يقصد كما قد يفهم إخلالا ومساسا بمبادئ قرينة البراءة والمساواة بين الخصوم وحق الدفاع، بل تبقى لها مكانتها ومركزها التي تحميها قواعد القانون الإجرائي.
وختاما نود القول أن المشرع الجنائي يجب أن يبادر ويسارع إلى مجاراة ما ذهب إليه المشرع الدستوري, وينص صراحة في صلب القانون المسطري على حق المتقاضين في محاكمة سريعة ,وفي صدور حكم في مدة معقولة، مع افراد قواعد خاص بالموضوع من شأنها اسعاف القضاة في إصدار مقررات قضائية سريعة وذات جودة، مع تحميل المسؤولية لكل من كان له سبب في تأخير المحاكمات، وتحديد مدة أو مدد معينة لكل نوع من أنواع المحاكمات الجنائية، التي لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوزها مع إصدار أحكام داخلها ومن غير المساس بطبيعة الحال بالمبادئ التي تسير عليها العدالة وتنبني عليها.