الخطأ بإهمال في النظم والقوانين الاقتصادية
Negligent error in economic systems and laws
بوعزة صواليحي
باحث في القانون المدني والمعاملات الالكترونية[1](*)
ملخص:
إن الخطأ بالإهمال في النظم والقوانين الاقتصادية هو الخطأ الذي يرتكبه أحد الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين الذين لهم مراكز اقتصادية (شركات، مهنيون) تجاه النظم والقوانين التي تنظم السوق وتحث على المنافسة الحرة، وتركز على احترام البيئية بشكل لا يضر بالأفراد، وذلك بعدم الالتزام بها والإهمال في تطبيقها. وهو ما قد يؤدي إلى المسؤولية المدنية، كما أقر بذلك القانون الفرنسي بموجب مدونة التجارة، في حالة غياب اليقظة والحيطة والحذر في الامتثال لتوجهات النصوص القانونية، لذلك كان ولابد من معالجة الجزاء عن إهمال النصوص القانونية في إطار قواعد القانون المدني، وذلك بتسليط الضوء على صور هذا النوع من الخطأ؛ وكذلك تطرق لمسؤولية المدنية لشركات الأم، والشركات التابعة لها عن إهمالهم للمتطلبات القانونية التي أدت إلى إلحاق الضرر بالآخرين.
الكلمات المفتاحية: القوانين الاقتصادية، الخطأ بإهمال، الشركات الأم.
Abstract :
Negligence in economic systems and laws occurs when natural or legal persons, such as companies or professionals, fail to comply with laws that regulate the market, encourage free competition, and promote environmental respect. This neglect can lead to civil liability, as stated by French law in the Commercial Code, especially when there is a lack of vigilance and care in following legal directives. It is important to address the consequences of such negligence within civil law, emphasizing the responsibility of parent companies and their subsidiaries for failing to meet legal requirements, which causes harm to others.
Keywords: economic laws, negligent error, Parent companies.
مقدمة:
من البديهي أن الإهمال الذي يسبب ضررًا ماديًا أو جسديًا للشخص يستحق التعويض، في حال تحققت أركان المسؤولية المدنية. لكن يبقى الإشكال المطروح هو مصير باقي الأضرار الناجمة عن الخطأ بالإهمال[2] في تطبيق نصوص قانونية ذات بعد اقتصادي، هدفها الأول والأخير الحفاظ على استمرارية الدورة الاقتصادية والحفاظ على توازن المصالح في السوق بين جميع المراكز الاقتصادية، سواء كانوا مهنيين أو مستهلكين.
فمن المعلوم أن الامتناع عن تطبيق نصوص قانونية آمرة موجهة للسوق له جزاءات جنائية، تتمثل في غرامات[3] جنائية واردة في قانون حماية المستهلك[4] وقانون حرية الاسعار المنافسة[5] وقوانين أخرى لها بعد اقتصادي بالأساس، لكن هذه الجزاءات الجنائية لن يكون لها صدى في نفسية المضرور من هذا الامتناع نتيجة الإهمال، فالضرر لن يُزال بتنفيذ العقوبة على الجاني، دون تعويض الخسارة الفائتة للمضرور الذي قد تكون خسارته، وهو صاحب رأس المال، لها تأثير كبير في نفسيته، خصوصًا وأنه جبان[6] كما يصفه رجال الاقتصاد.
لذلك، لا بد من تقرير حماية يكون هدفها الأساسي تعويض المضرور وجبر ألمه النفسي والمادي بالدرجة الأولى، وهذا لن يتحقق إلا بتقرير المسؤولية المدنية الناتجة عن الخطأ بالإهمال في النظم والقوانين الاقتصادية. فالمسؤولية المدنية هي التي يمكن أن تحقق نوعًا من الطمأنينة للمضرور، على عكس الغرامات والجزاءات الاخرى[7] التي لن يجني منها المضرور أي نفع، حيث تذهب لصالح الخزينة. وبالتالي، فإن التفكير في تسليط الضوء على التعويض المدني لفائدة المضرور له اعتباراته وأهميته العلمية والعملية.
أهمية البحث:
تكمن أهمية البحث في هذا الموضوع في محاولة تسليط الضوء على هذا النوع من الخطأ، خصوصًا أنه يؤثر بشكل كبير على الأفراد والشركات، ويترتب عليه إمكانية تحميل المسؤولية المدنية نتيجة للإخلال به، وذلك بسبب إهمال القوانين الاقتصادية. خصوصًا أن بعض التشريعات قد طورت من مجال المسؤولية المترتبة على عدم احترام قوانين الاقتصادية.
بالتالي، فإن دراسة هذا الموضوع تعد ضرورية لفهم الخطأ الإهمالي في النظم والقوانين الاقتصادية والجزاء المترتب عن ذلك.
خصوصًا وأن هذا الموضوع يطرح إشكالًا جوهريًا، وهو كالتالي: إلى أي حد يمكن القول بأن الخطأ الناتج عن إهمال القوانين الاقتصادية يرتب مسؤولية مدنية؟
وللإجابة عن هذا الإشكال، لابد أن نتطرق في هذا البحث إلى ماهية الخطأ بالإهمال، موضحين تعريفه وأهم صور المنبثقة عنه في إطار إهمال النظم والقوانين الاقتصادية، ثم نتطرق إلى المسؤولية المدنية عن الخطأ بالإهمال في تطبيق النصوص الاقتصادية، وذلك على الشكل التالي:
المطلب الأول: ماهية الخطأ بالإهمال في النظم والقوانين الاقتصادية
المطلب الثاني: المسؤولية المدنية عن الخطأ بالإهمال في القواعد الاقتصادية
المطلب الأول: ماهية الخطأ بالإهمال في النظم والقوانين
الاقتصادية
يعتبر الخطأ من أهم الأركان الأساسية للمسؤولية بشتى أنواعها، وهو ما جعله يحظى بالتدرج في جسامته وتوابع ارتكابه. ويُعدّ الخطأ بالإهمال نوعًا من أنواع الخطأ، ولذلك اختلف الفقه في تصنيفه وتعريفه بحسب الزاوية التي تمت دراسته منها. لذلك، سوف نتطرق لتعريفه في (الفقرة الأولى)، ثم نبرز أهم صوره في مجال المعاملات الاقتصادية في (الفقرة الثانية).
الفقرة الاولى: مفهوم الخطأ بإهمال
بالرجوع إلى المشرع المغربي[8]، نجد أنه لم يعرف الخطأ بالإهمال، وهو ما جعل الفقه ينصب على تعريفه مع وجود اختلاف في التصنيف؛ وذلك بحسب الزاوية التي تمت دراسته منها. فعند الرجوع إلى الفقه المدني[9]، نجد أنه ذهب إلى القول بأن الخطأ بالإهمال في الاصطلاح هو (شبه الجرم quasi-délit)، وهو الذي يقع دون قصد الإضرار. وبهذا يكون الخطأ بالإهمال (faute par négligence) على درجة واحدة مع الخطأ غير العمد (faute non intentionnelle).
بينما اعتبر الفقه الجنائي[10]، الخطأ بالإهمال إحدى صور الخطأ غير العمد، مشيرًا إلى أنه يقع نتيجة اتخاذ موقف سلبي من الشخص في مواجهة بعض الأوضاع التي تفرض عليه الحذر واتخاذ الاحتياطات اللازمة لتفادي وقوع الجريمة.
وعليه، يمكن القول أن الخطأ بالإهمال في النظم والقوانين الاقتصادية هو ذلك التصرف الذي لا يتفق مع واجب الحيطة والحذر تجاه النصوص القانونية الموجهة للسوق، والذي ينجم عنه ضرر للغير، وذلك من غير قصد لإحداث الضرر؛ فقط لأن المخطئ لم يتحلَّى بواجب الحيطة والحذر تجاه من يتعامل معه. حيث يكون الغرض من هذا الإهمال هو تحقيق نوع من الربح الأكبر عن طريق التخلص من القيود التي تحث على المنافسة الشريفة، وعلى الشفافية، وعدم الاحتكار، وعدم التعسف في استعمال سلطة القيادة الناجمة عن وضع المهيمن لبعض الشركات الكبرى. وبالتالي، فإن الضرر له أبعاد مختلفة سواء كان بتفويت الفرص أو إصابة أضرار محققة نتيجة عدم اتخاذ واجبات السلامة والإرشاد.
الفقرة الثانية: صور تحقق الخطأ بالإهمال في المعاملات الاقتصادية
يمكن أن يتحقق الإهمال في المعاملات الاقتصادية ذات الطابع الاستهلاكي، والتي تجمع بين المستهلك والمهني، من خلال العديد من الصور التي لا يمكن حصرها، لكون بعضها مفروض بموجب نصوص قانونية، وبعضها الآخر مستمد من طبيعة المعاملة الاقتصادية، ومنها:
1: الخطأ بإهمال في تقديم واجب الاعلام للمستهلك
يقع على عاتق المهني تجاه المستهلك واجب الالتزام بالإعلام[11]، بجميع المعلومات المتعلقة بالعقد المراد إبرامه سواء من حيث أوصاف الشيء، محل التعاقد أو مداه أو شروطه، وبكل البيانات الضرورية و اللازمة لإيجاد رضاء مستنير و كامل حول جزئيات محل العقد، وذلك حتى لا يكون هناك تدليس أو غلط أو غبن قد يصيب إرادة المستهلك[12]، نتيجة إهمال المهني في التصريح والاخبار بجميع معلومات المنتوج أو الخدمة.
فالإخلال بواجب الإعلام، الذي يعتبر خطأ بإهمال لنصوص قانون حماية المستهلك، يمكن أن نتصوره في حالتين هما:
الحالة الأولى: وهي التي تكون فيها المعلومات ثانوية وغير أساسية إذا طبقناها على جميع المستهلكين، لكنها تحدث فرقًا عند إيضاحها. والمعيار هنا يمكن أن نقول إنه معيار موضوعي لا شخصي، لأنه إذا طبقنا المعيار الشخصي، فإن المهني قد يغفل إيضاح هذه المعلومات لبعض الأشخاص دون الآخرين، وهو ما لا يتناسب مع الواقع، لأن من الصعب معرفة مستوى فطنة وذكاء كل شخص مقارنةً بالآخر. لذلك، يكون المهني ملزمًا دائمًا بإيضاح حتى المعلومات الثانوية غير الأساسية التي قد يعتبرها المستهلك حاد الفطنة والذكاء عبثًا في إيضاحها إليه، وذلك راجع لخصوصية قانون حماية المستهلك الذي جاء بهدف حماية حقوق المستهلك بشكل عام؛ وعليه فالمعيار الموضوعي هو الأنسب في معظم حالات حماية المستهلك، لأن الهدف هو حماية كافة المستهلكين دون النظر إلى معرفتهم الشخصية.
الحالة الثانية: وهي التي يفترض أن المستهلك يعلم بتلك المعلومات، مما دفع بالمهني إلى عدم ذكرها له عن حسن نية ودون قصد. فهذا يعد إهمالًا من جهة هذا الأخير، فهو ملزم بإيضاحها إليه نظرًا لكون الواجب واجب “Le devoir est le devoir.”
أما دون ما ذكرنا فيعتبر خطأ جسيمًا[13]، خصوصًا إذا رتب ضررًا للمستهلك، كما في الحالة التي تكون فيها تلك المعلومات المتعلقة بالسلعة أو الخدمة ضرورية ويجب الإعلام بها، ويكون المهني قد أخفاها بسوء نية لأنها تؤثر في قيمة السلعة أو الخدمة تأثيرًا محسوسًا أو قد تضر بصحة المستهلك إذا لم يحصل على الإعلام الكافي لاستخدامها.
وعليه، فإن إهمال المهني لالتزامه بالإعلام هو إهمال صريح للنصوص القانونية التي تحث على القيام به. وبذلك، إذا حدث ضرر للمستهلك سواء كان جسيمًا أو يسيرًا، فإن هذا الأخير يمكنه رفع دعوى تعويض في إطار المسؤولية المدنية عن الإخلال بالالتزام بالإعلام.
2- الإهمال في أتخاذ واجبات السلامة
إن الإهمال في اتخاذ إجراءات السلامة[14]، يمكن أن ينتج عنها مسؤولية مدنية، ويمكن أن نتصور الإهمال في الالتزام بالسلامة[15] في عدم اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية السلع والمواد الخطرة، وذلك بعدم اتخاذ الإجراءات الوقائية مثل عدم تأمين البضائع أو عدم توفير الاحتياطات اللازمة عند نقلها، كعدم وضع إشارات تحذيرية أو عدم تأمين حاويات النقل[16]. كل هذه الأمثلة تعتبر إهمالًا في واجبات السلامة الضرورية.
3- الخطأ بإهمال في استجابة البنك لطلب المعارضة الذي يقع من مستعمل وسيلة الوفاء الإلكتروني
عند قيام صاحب وسيلة الوفاء الإلكتروني بإبلاغ المؤسسة البنكية بضياع أو سرقة بطاقته البنكية بهدف منع استعمالها من قبل الغير، والقيام بحجزها والاحتفاظ بها، ففي حالة قيام البنك بالوفاء بواسطة البطاقة البنكية أو القيام بأي تحويل إلكتروني للأموال رغم الإبلاغ والمعارضة من قبل حاملها الشرعي الذي بلغ عن ضياعها، هنا، فإن أي تصرف في حساب هذا الأخير عن طريق تلك البطاقة البنكية، يكون البنك متحملاً للمسؤولية عن إهماله للالتزامات الملقاة عليه، والتي من بينها الإهمال في الاستجابة للمعارضة الصادرة من الزبون الذي فقد وسيلة وفائه الإلكتروني. وهذا يمكن أن ينتج عنه ضرر اقتصادي ذو طبيعة مالية، كما لو كان هذا المستعمل تاجراً وفقد رصيده البنكي الذي كان يعوّل عليه لتحقيق صفقة معينة.
وهذا ما أكدته محكمة الاستئناف التجارية بالدار بيضاء في قرار لها[17] حيث جاء فيه ” وحيث قدم المدعي تعرضه بضياع البطاقة البنكية (أ) وإهمال هذه الأخيرة هذا التعرض، مما جعلها مسؤولية عن هذا الإهمال وبالتالي تعويض المدعي عن المبالغ المسحوبة بالبطاقة البنكية الضائعة بعد قيامه التعرض للمؤسسة البنكية المفتوح عندها الحساب البنكي للمدعي بعض التعرض، وأما في حالة عدم قيام الحامل بإبلاغ البنك بضياع البطاقة أو سرقتها فإنه يتحمل مسؤولية إخلاله بالتزاماته”.
4- الخطأ بإهمال في تفاوض بين المهنين
يمكن أن نتصور الإهمال في الدخول في التفاوض في المعاملات الاقتصادية في صور متعددة، من أبرزها عدم الامتثال لمبادئ حسن النية في التفاوض[18] أو عدم احترام القوانين واللوائح المنظمة للتفاوض[19]، مثل قوانين المنافسة أو القوانين المتعلقة بالشفافية أثناء تفاوض مثل أن يكون التفاوض بين الشركات في مجال معين محكوما بقوانين مكافحة المنافسة غير المشروعة كالاحتكار؛ وقطع العلاقات التجارية ثابتة مع الغير لفرض شروط غير مبررة[20]، ففي هذه الحالة إذ لم يأخذ أطراف العلاقة التعاقدية بهذه التوجيهات بعين الاعتبار، فهذا يشكل إهمالا يترتب عنه جزاء، كما سوف نرى في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: المسؤولية المدنية عن الخطأ بالإهمال في القواعد
الاقتصادية
على الرغم من اهتمام التشريعات بحماية المنافسة ومعاقبة من يخالف ويهمل قواعد المنافسة الشريفة بعقوبات جنائية مثل الغرامات، إلا أن الغرامة، وإن حققت بعض الأهداف العقابية مثل الردع العام والردع الخاص، إلا أنها لا توفر الحماية الكاملة للأشخاص المستفيدين من هذه الحماية. ولذلك، ظهرت الحاجة الملحة للجوء إلى قواعد المسؤولية المدنية لتعويض ما يوجد من نقص في الحماية الجنائية[21]. وقد نظم المشرع المغربي المسؤولية المدنية عن الاضرار التي يمكن أن تحدث للمستهلك نتيجة المنافسة المحظور[22].
غير أن هذه الجزاءات هي محتشمة نوعا ما، لذلك سوف نتطرق للمسؤولية المدنية التي يمكن أن يرفعها المضرور جراء فوات الفرصة بين المهنين أنفسهم وذلك عندما يتم استغلال الوضع المهيمن، مهملا بذلك نصوص قانون حرية الاسعار والمنافسة، (الفقرة الأولى)، كما نتطرق للمسؤولية المدنية في حق الشركات التي ترتكب خطأ بإهمال في أخذها بالنصوص التي تتعلق بسلامة الأشخاص والبيئة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مسؤولية وضع المهيمن عن فقدان فرصة بسبب ارتكابه لخطأ بالإهمال في تطبيق قواعد المنافسة
تعتبر الشركة الأم عبارة عن مجموعة من الشركات (Un groupe de société) لكل واحدة منها شخصيتها القانونية المستقلة وتكون مرتبطة فيما بينها بمصالح مشتركة وتمسك إحداها تسمى الشركة الأم بقية الشركات تحت نفوذها القانوني أو الفعلي وتمارس رقابتها بشكل يؤدي إلى وحدة القرار. ويمكن اعتبارها أيضا أنها عبارة عن مجموعة من الوحدات تضم أشخاصا اعتبارية خاضعة لمراقبة مشتركة بواسطة الروابط المالية التي تجمعها[23].
وبالتالي فاستغلال وضع المهيمن أي استغلال هذه الشركة لأم، لسلطتها على باقي فروعها في فرض شروطها على المتعاملين معها، مهملة بذلك جميع النصوص القانونية التي تحد من التعسف واستغلال النفوذ الاقتصادي، يترتب عنه جزاءات، أقرها قانون حرية الأسعار والمنافسة. وهذه الجزاءات ذات طبيعة جزائية بالأساس[24]، لكن يمكن أن نتصور كذلك جزاءات مدنية متمثلة أساسًا في إبطال كل التزام أو اتفاق أو بند تعاقدي الذي يتعلق بممارسة محظورة بموجب المواد 6 و7 من نفس القانون وذلك بموجب المادة 10 منه[25]، إضافة لإمكانية رفع دعوى تعويض عن ضياع فرصة[26] في تحقيق ربح محقق نتيجة العلاقات التي كانت سائدة والتي تم قطعها بفعل علاقة الشركة الأم بباقي فروعها وعلاقتها المالية.
فالتعويض عن تفويت فرصة يراد به بصفة عامة، أن المتضرر كان ينتظر في المستقبل أن يكون في مركز أفضل أو في وضع أكثر ملاءمة، إلا أن الفعل الضار الذي ارتكبه المدعى عليه قضى على هذا الأمل، وبعبارة أخرى أكثر وضوحا فإن تفويت الفرصة يعنى اختفاء نتيجة كان المدعي يرغب في تحققها قبل أن تتحقق بالفعل أو قبل أن يكشف الواقع عن استحالة ذلك[27].
وهذا التعريف ينطبق على الحالة التي ذكرنا، بحيث أن المتعامل مع الشركة التي قطعت العلاقة ثابتة بهدف فرض شروطها، جعل هذه الشركة التي كانت تتوقع من خلال علاقاتها الثابتة تحقيق ربح مضمون، وهو ما سبب لها ضرر محققا تستحق من خلاله التعويض عن فوات هذا الكسب الفائت.
كما أن استغلال الشركات الأم لمركزها الاقتصادي في فرض شروطها عن طريق قطع العلاقات الثابتة لشركة أخرى؛ يمكن أن يُسمى تعسفًا في استعمال الحق[28]، والذي نظمه المشرع المغربي في الفصل 94 من قانون الالتزامات والعقود، إسوةً بباقي التشريعات الأجنبية.
بالرجوع إلى الفصل 94 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص على أنه:” لا محل للمسؤولية المدنية، إذا فعل شخص بغير قصد الإضرار ما كان له الحق في فعله. غير أنه إذا كان من شأن مباشرة هذا الحق أن تؤدي إلى إلحاق ضرر فادح بالغير، وكان من الممكن تجنب هذا الضرر أو إزالته من غير أذى جسيم لصاحب الحق، فإن المسؤولية المدنية تقوم إذا لم يجر الشخص ما كان يلزم لمنعه أو لإيقافه”.
وبذلك نجد المشرع المغربي قد حدد لنا المعايير التي يمكن من خلالها استنباط وجود التعسف في استعمال الحق، والمتمثلة أساسًا في معيار شخصي ومعيار موضوعي[29].
فالمعيار الشخصي: يقصد به توجه نية صاحب الحق للإضرار بالغير والمتمثل في فرض شروط التعسفية، تضر بالشركة المفروضة عليها، أما الموضوعي؛ فيتمثل في استعمال الشركة الأم لسلطتها على باقي الشركات في توجههم وقطع العلاقة الثابتة مع هذه الشركة التي تريد الشركة الأم التعاقد معها بشروط التعسفية.
فتطبيقنا للفصل 94 ينطبق على هذه الحالة وذلك بكون الشركة الأم لها الحق في التوجيه والرقابة على باقي الشركات، لكن ليس لها الحق في استعمال هذه السلطة من أجل قطع العلاقات الثابتة لشركة أخرى بهدف الإضرار بها؛ فهنا تكون قد ارتكبت خطأ بسوء النية، مفاده إهمال التوجيهات والقوانين التي تمنع قطع العلاقات الثابتة عن طريق استخدام النفوذ الاقتصادي.
الفقرة الثانية: المسؤولية المهنين عن الخطأ بإهمال لقواعد سلامة الاشخاص والبيئة
بالرجوع لتعديل القانون المدني الفرنسي لسنة 2016 نجده أقر بالمسؤولية المدنية عن الخطأ بإهمال بموجب المادة 1241[30]، والخطأ بإهمال، كما أشرنا إليه سابقًا عند تعريفه، هو عدم اتخاذ الحيطة والحذر في مراعاة النظم والقوانين، وذلك بإهمالها وعدم إعمالها. وإهمال الشركات للنصوص القانونية الموجهة هو بحد ذاته خطأ بإهمال يترتب عنه مسؤولية مدنية. ومن أبرز التشريعات التي أقرت هذه المسؤولية نجد التشريع الفرنسي، وذلك بموجب المادة L225-102-1[31] من مدونة التجارة.
حيث أوجبت هذه المادة اليقظة على الشركات مجهولة الاسم وشركات المساهمة البسيطة التي توظف، خلال سنتين متتاليتين على الأقل، خمسة آلاف موظف داخلها أو داخل فروعها المباشرة أو غير المباشرة التي يقع مقرها الاجتماعي في الأراضي الفرنسية، أو ما لا يقل عن عشرة آلاف موظف داخلها أو داخل فروعها المباشرة أو غير المباشرة التي يقع مقرها الاجتماعي في الأراضي الفرنسية أو في الخارج.
واليقظة المقصود بها هنا هي التدابير أو الخطة المعقولة التي من شأنها تحديد المخاطر ومنع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية وصحة وسلامة الأشخاص والبيئة؛ ففي حالة إهمال الشركات المعنية لتوجيهات هذه المادة، فإن المسؤولية المدنية تقوم تجاهها، وذلك بتحريكها بناء على طلب أي شخص يبدي مصلحة في إتخاذ هذا الإجراء[32]، وذلك بهدف خلق نوع من المسؤولية التقصيرية للشركات ذات البُعد الاجتماعي[33].
بينما المشرع المغربي لم ينظم المسؤولية المدنية عن عدم الالتزام الشركات باليقظة المرجوة في اتخاد التدابير سلامة البيئة وإنما نظمها عن الأضرار التي تقع بالفعل نتيجة استعمال أو نقل المواد الخطيرة أو المضرة، ونستشف ذلك من خلال مقتضيات المادة 63 من القانون 11.03 المتعلق بحماية استصلاح البيئية[34]، التي ينص على أنه:” يعتبر مسؤولا دون الحاجة إلى إثبات خطا ما كل شخص مادي أو معنوي يخزن أو ينقل أو يستعمل محروقات أو مواد مصرة وخطيرة، وكذا كل مستغل المنشاة مصنفة كما يحددها النص التطبيقي لهذا القانون، تسببت في إلحاق ضرر جسدي أو مادي له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بممارسة الأنشطة المشار إليها أعلام”.
ومنه فالمشرع المغربي لا يرتب المسؤولية المدنية على إهمال نص وإنما يجب أن ينتج عن هذا الإهمال ضرر للغير، عكس المشرع الفرنسي الذي جعل المسؤولية المدنية قائمة بمجرد إهمال النص الذي يلزم الشركات اليقظة فالخطأ المقصود لا يعد، بالمعنى الدقيق للكلمة، إضرارا بالمصالح المذكورة في المادة 4-102-225 من مدونة التجارة، بل يكمن الخطأ في غياب خطة يقظة أو عدم كفايتها أو حتى عدم تتبع تنفيذها .
إذا كانت الشركات تتحمل المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية التي ترتكبها بسبب عدم مراعاتها للنظم والقوانين، فما محل الشركة الأم من هذه المسؤولية خصوصًا وأننا نعلم أن لها سلطة الرقابة والتوجيه؟
في ظل هذا التساؤل العريض، سعى جانب من الفقه في إطار مشروع التمهيدي لتعديل قانون الالتزامات ومدة سريان التقادم في القانون المدني الفرنسي[35] إلى بناء نظرية المسؤولية المدنية للشركة الأم في ظل تجمع الشركات، وذلك من خلال تأسيس مسؤولية تستمد أساسها من “المسؤولية عن فعل الغير”، لكن بشرط إثبات أن الضرر ناتج عن الرقابة التي تمارسها الشركة الأم على شركاتها التابعة لها.
وقد واقترح هذا المشروع تعديل المادة 1360 من القانون المدني الفرنسي، حيث جاء في الفقرة الثانية لهذه المادة المقترحة: ” وبالمثل يعد مسؤولا كل من يراقب النشاط الاقتصادي أو المالي لمهني في حالة تبعية، رغم أنه يتصرف لحسابه الخاص، عندما يثبت المتضرر أن الفعل الضار يرتبط بممارسة الرقابة، وفي نفس الحكم بالنسبة للشركة الأم عن الاضرار التي تسببها لشركاتها التابعة أو لوكلاتها”[36] .
إلا أنه تعرض هذا المشروع إلى عدة انتقادات كون أن مصطلح الرقابة في حد ذاته غير محدد المعالم، فيستوي أن تكون الرقابة مباشرة، غير مباشرة، قانونية أو بحكم الواقع إضافة أن هذا الطرح يتعارض كذلك مع مبدأ استقلالية الشخصية المعنوية[37] وما ينتج عنها من أثر.
غير أننا لا نؤيد هذه الانتقادات، خصوصًا وأن مصطلح الرقابة واضح المعالم في مسألة خضوع الشركات لعلاقة تبعية لشركة الأم، وذلك لأنها تمتلك سلطة إصدار الأوامر لباقي الشركات التابعة لها وتوجيهها في العمل، كما تمتلك سلطة الرقابة على تنفيذ هذه الأوامر. ويعود ذلك إلى كون الشركة الأم لها نفوذ فعلي بسبب علاقة المديونية التي تجعل باقي الشركات تخضع لها. فبعض الشركات تكون هي صاحبة المواد الأولية في التصنيع – كما في مجال المشروبات – ونتيجة لذلك، في حال لم تلتزم أو لم تنفذ إحدى الشركات الخاضعة لأوامر شركة الأم، سيتم قطع إمداداتها من المواد الأولية، وبالتالي يكون مصير تلك الشركة هو التوقف عن دورة الإنتاج التي كانت تقوم بها. وبذلك، فإن الشركة الأم لها نفوذ فعلي في ممارسة رقابتها على باقي الشركات، مما يؤدي إلى وحدة القرار، وعليه فالشركة الأم تتحمل كامل المسؤولية عن الأضرار التي تحدتها باقي الشركات التابعة لها في الرقابة والتوجيه وذلك على أساس مسؤولية المتبوع عن فعل التابع.
خاتمة:
خلاصة القول، أننا من خلال معالجتنا لهذا الموضوع حاولنا تسليط الضوء على الخطأ بالإهمال في النصوص القانونية ذات البعد الاقتصادي، التي من شأن عدم احترامها أن يؤدي إلى حدوث عدم التوازن في السوق بين المراكز الاقتصادية التي تتمثل إما في أطراف مهنية، مثل الشركات، الموردين، أو المستهلكين. وقد قمنا في هذه الدراسة بمقاربة أهم صور الخطأ بالإهمال في النظم والقوانين الاقتصادية، وذلك بالاعتماد على كل من قانون حماية المستهلك، وقانون حرية الاسعار والمنافسة، كما تناولنا الجزاء المترتب على هذا الإهمال، خصوصًا من قبل الشركات التي لا تحترم قواعد المنافسة، عن طريق استغلال الوضع المهيمن في إبرام التصرفات لصالحها بطرق غير مشروعة، مثل قطع العلاقات الثابتة. حيث يمكن للمضرور من هذا القطع رفع دعوى للتعويض عن ضياع فرصة، أو رفع دعوى للتعويض عن التعسف في استعمال الحق، مع إمكانية إبطال الشروط التعسفية إن تم التعاقد مع هذه الشركة. كما تطرقنا لمسؤولية الشركات عن إهمالها للنصوص القانونية الهادفة إلى احترام البيئة، حيث توصلنا إلى إمكانية إقامة المسؤولية المدنية من قبل أي شخص له مصلحة في ذلك، حتى دون حدوث ضرر، وذلك بموجب القانون الفرنسي. وذلك على عكس المشرع المغربي الذي يتطلب حدوث الضرر لإقامة دعوى المسؤولية المدنية.
مراجع:
الكتب:
مأمون الكزبري: نظرية الالتزام في ضوء الالتزامات والعقود المغربي، الجزء الأول، مصادر الالتزامات، ط الاولى، م دار القلم، بيروت، لبنان، 1970، ص 375.
- إدريس العلوي العبدلاوي، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزام، الجزء الثاني، الإرادة المنفردة – الإثراء بلا سبب، المسؤولية التقصيرية- القانون، ط الأولى، بدون ذكر المطبعة، س 2000. ص 153.
عبد الواحد العلمي: شرح القانون الجنائي المغربي، القسم العام، ط الخامسة، م النجاح الجديدة، الدار بيضاء، س 2021.ص 252.
- عبدالقادر العرعاري: مصادر الالتزامات- الكتاب الأول- نظرية العقد، مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة الرابعة، 2014،
- هشام المراكشي: الوجيز في النظرية العامة للالتزام، الجزء الثاني المسؤولية المدنية”، ط الاولى، م الأمنية بالرباط، س 2023.
الرسائل:
- سعيدة سباوي: النظام القانوني لوسائل الدفع الإلكترونية (البطاقة البنكية نموذجا)، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- فاس، س 2020- 2021، ص 71.
- إيمان السريري: المسؤولية المدنية عن تفويت ضياع الفرصة، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، جامعة شعيب الدكالي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الجديدة، سنة 2023/2024،
المقالات
- معزوز البكاي: الالتزام بضمان السلامة في مجال نقل الاشخاص، المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، ع 7، س 2006،
- عبد الرحيم شميعة، إيمان التيس: حماية المستهلك بين الإعلام القانوني و بين التأهيل المجتمعي في القانون المغربي، مجلة القانون و الأعمال، عدد الحادي عشر، نونبر 2016،
- أبوبكر مهم: عرقلة المنافسة في السوق: التعسف في استغلال الوضع المهيمن نموذجا، مجلة القضاء التجاري، مج 6، ع 11، 12،
- ماثيو زولوميان: تطور المسؤولية المدنية للشركات في القانون الفرنسي، مجلة قونونك، ع 15، س 2023، س 2018،
- فاطمة جلال عبد الله: الحماية المدنية من الممارسات الاحتكارية الضارة بالمنافسة، مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية، مج 9، ع 1، س 2023.
- ياسين أدليمي: أساس ومعيار تحديد نطاق نظرية التعسف في استعمال التعسف في استعمال الحق في القانون المغربي والفرنسي، مجلة الباحث للدراسات القانونية والقضائية، ع 28، س 2021.
- محمد عيدروس باهارون: تطور التاريخي لنظرية التعسف في استعمال الحق، مجلة القانون، ع 27، س 2023.
- زهراء عصام صالح كبة: المسؤولية المدنية الناشئة عن الضرر النفسي الناجم عن الإهمال: دراسة في ضوء قانون المملكة المتحدة، مجلة العلوم القانونية والسياسية، مج 12، 1، س 2023، ص 135.
مؤتمرات:
- حورية سويقي: مسؤولية الأم عن الأضرار البيئية الشركات التي تسببها شركائها التابعة في ظل تجمع الشركات، كتاب أعمال المؤتمر الدولي: آليات حماية البيئة، طرابلس- لبنان، س 2017.
مواقع الإلكترونية:
- (*) خريج ماستر القانون المدني والمعاملات الالكترونية، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالجديدة. ↑
- زهراء عصام صالح كبة: المسؤولية المدنية الناشئة عن الضرر النفسي الناجم عن الإهمال: دراسة في ضوء قانون المملكة المتحدة، مجلة العلوم القانونية والسياسية، مج 12، 1، س 2023، ص 135. ↑
- عرف المشرع المغربي الغرامة في الفصل 35 من القانون الجنائي بأنها:” هي إلزام المحكوم عليه بأن يؤدي لفائدة الخزينة العامة مبلغا معينا من النقود، بالعملة المتداولة قانونا في الممــــلكة”. ↑
- ظهير شريف رقم 1.11.03 صادر في 14 من ريع الأول 1432( 18 فبراير 2011) بتنفيذ القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، الجريدة الرسمية عدد 5932 بتاريخ 3 جمادى الأولى 1432( 7أبرايل 2011)، ص 1072. ↑
- ظهير شريف رقم 1.14.116 صادر في 2 رمضان 1435 (30 يونيو 2014) بتنفيذ القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الاسعار والمنافسة، الجريدة الرسمية عدد 6276 الصادرة بتاريخ 26 رمضان 1435 (24 يوليو 2014)، ص 6077. ↑
- Le capitaliste est un lâche ↑
- كالعقوبات الحبسية الواردة في بعض المواد من قانون حرية الاسعار والمنافسة. ↑
- المشرع المغربي لم يعرف الخطأ بإهمال لكنه أشار إليه سواء في قانون الالتزامات والعقود أو في مجموعة القانون الجنائي، فبرجوع لقانون الالتزامات والعقود؛ نجده قد تحدث عنه بموجب الفصل 78 وهو بصدد تعريفه للخطأ بقوله:” من غير قصد إحداث الضرر”.
اما في مجموعة القانون الجنائي فقد اشار اليه وذلك كتالي: (من غير أن يقصد 192/2)، (حصل منهم إهمال مكن… 311)، (من ارتكب بعدم تبصره أو… إهماله 432)، (من تسبب، بعدم تبصره أو…إهماله 433). ↑
- انظر في هذا الصدد كل من:
– مأمون الكزبري: نظرية الالتزام في ضوء الالتزامات والعقود المغربي، الجزء الأول، مصادر الالتزامات، ط الاولى، م دار القلم، بيروت، لبنان، 1970، ص 375.
– إدريس العلوي العبدلاوي، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزام، الجزء الثاني، الإرادة المنفردة – الإثراء بلا سبب، المسؤولية التقصيرية- القانون، ط الأولى، بدون ذكر المطبعة، س 2000. ص 153. ↑
- عبد الواحد العلمي: شرح القانون الجنائي المغربي، القسم العام، ط الخامسة، م النجاح الجديدة، الدار بيضاء، س 2021.ص 252. ↑
- والالتزام بالإعلام كمصطلح يعود الفضل في ظهوره إلى الفقيه الفرنسي جوكلا Joklar)) في منتصف القرن 20، اما المشرع المغربي فقد نظمه أولا في ظهير الالتزامات والعقود أولا ثم في القانون رقم 104.12. المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة، غير أن هذا التنظيم كان عاما، أما بعد صدور القانون 31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك، تم تبني هذا المصطلح بشكل أدق في مكانه الطبيعي، وذلك بموجب ديباجته و المادة الثالثة وما يليها.
للتعمق أكثر في هذه النقطة أنظر:
عبدالقادر العرعاري، مصادر الالتزامات- الكتاب الأول- نظرية العقد، مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة الرابعة، 2014، ص 182. ↑
- عبد الرحيم شميعة، إيمان التيس، حماية المستهلك بين الإعلام القانوني و بين التأهيل المجتمعي في القانون المغربي، مجلة القانون و الأعمال، عدد الحادي عشر، نونبر 2016، ص127. ↑
- الخطأ الجسيم، هو الذي لا يرتكبه إلا شخص عديم الاكتراث، وهو خطأ خطير، قد يفوق في درجته الخطأ العمدي، لكن يختلف عنه في عنصر النية، بمعنى أن نية المرتكب له، لم تنصرف لإحداثه، وغالبا ما يقوم به شخص فليل الفطنة والذكاء، وهناك من الفقه من يعتبر أن الخطأ الجسيم هو الإخلال بواجبات قانونية على درجة من الأهمية، ولا يقاس بدرجة غباوة وحمق الشخص الذي يرتكبه.
انظر في هذا الصدد: هشام المراكشي: الوجيز في النظرية العامة للالتزام، الجزء الثاني المسؤولية المدنية”، ط الاولى، م الأمنية بالرباط، س 2023. ص 87. ↑
- نص المشرع المغربي على الالتزام العام بالسلامة في القانون 24.09 المتعلق بسلامة المنتوجات والخدمات وذلك ضمن الباب الثاني من القسم الأول. ↑
- تعود جذور نشأة الالتزام بضمان السلامة للقضاء الفرنسي سنة 1911 عندما أكد على أن عقد نقل الأشخاص يتضمن أيضا الالتزام بتوصيل المسافر إلى مقصده سالما، ثم طبق بعد ذلك في مجال السكك الحديدية من خلال قرار 27/01/1913 الذي استعمل مصطلح الالتزام بنتيجة سلامة الركاب، ومنذ ذلك الوقت اتسع مجال تطبيق الالتزام بضمان سلامة ليشمل الحافلات (قرار ماي 1955 للمزيد من الاطلاع والتوسع حول هذه النقطة أنظر: معزوز البكاي: الالتزام بضمان السلامة في مجال نقل الاشخاص، المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، ع 7، س 2006، ص 7. ↑
- أنظر في هذا الصدد ظهير شريف رقم 1,11,37 صادر في 29 من جمادي الأخرة 1432 (2 يونيو 2011) بتنفيذ القانون رقم 30.05 المتعلق بنقل البضائع الخطرة عبر الطرق، الجريدة الرسمية عدد 5956 بتاريخ رجب 1432 (30 يونيو 2011)، ص 3072. ↑
- قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار بيضاء رقم 3986 بتاريخ 2017/07/06، ذكر عند سعيدة سباوي: النظام القانوني لوسائل الدفع الإلكترونية (البطاقة البنكية نموذجا)، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- فاس، س 2020- 2021، ص 71. ↑
- وذلك كاتفاق مسبق بين منتج وبعض الاغيار من المنتجين على قطع العلاقات التجارية الثابتة مع موزع بهدف إلزامه بتفاوض بالشروط المطروحة، والتي تكون غير مبررة وهذا ما أشار إليه المشرع المغربي في المادة 7 بموجب فقرتها الاخيرة من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الاسعار والمنافسة، حيث نص في هذه الفقرة على أنه:” يحضر قيام منشأة أو مجموعة من منشأة باستغلال التعسفي:
1-…
2-…
يمكن أن يتجلى التعسف بوجه خاص في رفض البيع أو في بيوع مقيدة أو في شروط بيع تميزية وكذا في شروط بيع تميزية وكذا في قطع علاقات تجارية ثابتة لمجرد أن الشريك يرفض الخضوع لشروط تجارية غير مبرر، ويمكن أن يتجلى كذلك فيما يفرضه بصفة مباشرة أو غير مباشرة من حد ادنى لسعر إعادة بيع المنتوج أو سلعة أو لسعر تقديم الخدمة أو لهامش تجاري”. ↑
- نذكر على سبيل المثال قانون رقم 31.08 المتعلق حماية المستهلك، الذي جاء بمجموعة التوجيهات التي يجب أن يحترمها أطراف وذلك قبل ابرام العقود أي خلال مرحلة المفاوضات، كالالتزام العام بالإعلام ومراعات جهل وضعف المستهلك، وذلك عن طريق عدم استغلاله… ↑
- عادة ما يحدث هذا في الشركات التي تكون في وضع مهيمن، انظر في هذا الصدد: أبوبكر مهم: عرقلة المنافسة في السوق: التعسف في استغلال الوضع المهيمن نموذجا، مجلة القضاء التجاري، مج 6، ع 11، 12، س 2018، ص 13 ومايليها. ↑
- فاطمة جلال عبد الله، الحماية المدنية من الممارسات الاحتكارية الضارة بالمنافسة، مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية، مج 9، ع 1، س 2023، ص 594. ↑
- وذلك من خلال مقتضيات المادة 106 من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الاسعار والمنافسة، الذي جاء فيه:” يمكن أن تنتصب جمعيات المستهلكين المعترف بها بصفة المنفعة العامة طرفا مدنيا أو أن تحصل على تعويضات عن الضرر اللاحق بالمستهلكين بناء على دعوى مدنية مستقلة”. ↑
- ولشركات الأم والشركات التابعة لها، ثلاثة الخصائص تجمعهم، وهي:
شركات تابعة متمتعة بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي.
تبعية الشركة التابعة للشركة الأم عن طريق تقنية المراقبة.
الطابع المالي الذي يربط الشركات الأعضاء
أنظر في هذا الصدد كل من :
– أبوبكر مهم: عرقلة المنافسة في السوق: التعسف في استغلال الوضع المهيمن نموذجا، م س، ص 15
– حورية سويقي: مسؤولية الأم عن الأضرار البيئية الشركات التي تسببها شركائها التابعة في ظل تجمع الشركات، م س، ص 153 ↑
- انظر الباب الثاني من القسم الثامن من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الاسعار والمنافسة. ↑
- تنص المادة 10 من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الاسعار والمنافسة، الذي جاء فيه:” يعد باطلا بقوة القانون كل التزام أو اتفاقي أو بند تعاقدي يتعلق بممارسة محظورة بموجب المواد 6 و7 اعلاه”. ↑
- نشأت فكرة التعويض عن ضرر تفويت الفرصة في أحكام القضاء حيث ظهرت أول الأمر في اجتهاد قضائي معزول توالت بعده اجتهادات أخرى أصبحت موضوعا لنقاشات الفقهاء وتعليقاتهم والتي عبروا من خلالها عن استحسانهم لهذه الفكرة ودعمهم لها، فمنذ أواخر القرن التاسع عشر صدر أول اجتهاد قضائي يشير إلى تفويت الفرصة ويقبل التعويض عنه، وقد كان ذلك عندما أصدرت غرفة العرائض بمحكمة النقض الفرنسية قرارها الشهير بتاريخ 17 يوليوز 1889 والذي اعتبرت فيه أن خطأ وكيل الدعاوى Avoue الذي حرم موكله من استئناف حكم صادر ضده يكون ضررا محققا وحالا من شانه إثارة مسؤولية الوكيل العقدية. كما سارت في نفس الاتجاه الغرفة المدنية لمحكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 27 مارس 1911، للمزيد من الاطلاع في هذه النقطة أنظر: إيمان السريري: المسؤولية المدنية عن تفويت ضياع الفرصة، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، جامعة شعيب الدكالي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الجديدة، سنة 2023/2024، ص 1. ↑
- إيمان السريري: م س، ص 5. ↑
- يرجع أصل نظرية التعسف في استعمال الحق للشريعة الاسلامية؛ التي أخدت بها منذ زمن بعيد؛ لأن الشريعة الإسلامية تقيم أحكامها على أساس العدل؛ فمبادئ العدالة تعد من أساسيات الشريعة؛ التي نهت عن التعسف في استعمال الحقوق، والظلم، وإلحاق الضرر بالآخرين؛ فكانت الشريعة الإسلامية سباقة إلى إرساء معالم هذه النظرية كنظرية عامــة تتطرق إلى جميع الحقوق؛ لأن الفقه الإسلامي ينظر للحق نظرة اجتماعية؛ فقيد صاحب الحق من حيث التصرف بحقه بقيود مقتضاها المحافظة على مقصود الشارع، وحق الغير، وكان من شأن ذلك؛ أن توسع الفقه الإسلامي وصاغ نظرية عـامة تصارع في دقتها، وشموليتها أخدت ما وصلت إليه التشريعات الحديثة ومنها القانون المدني الفرنسي. للتعمق في هذه النقطة أنظر: محمد عيدروس باهارون، تطور التاريخي لنظرية التعسف في استعمال الحق، مجلة القانون، ع 27، س 2023، ص 59. ↑
- ياسين أدليمي، أساس ومعيار تحديد نطاق نظرية التعسف في استعمال التعسف في استعمال الحق في القانون المغربي والفرنسي، مجلة الباحث للدراسات القانونية والقضائية، ع 28، س 2021، ص 256. ↑
- Article 1241 : Chacun est responsable du dommage qu’il a causé non seulement par son fait, mais encore par sa négligence ou par son imprudence. ↑
- Code de commerce, article . L225-102-1 : I.-Toute société qui emploie, à la clôture de deux exercices consécutifs, au moins cinq mille salariés en son sein et dans ses filiales directes ou indirectes dont le siège social est fixé sur le territoire français, ou au moins dix mille salariés en son sein et dans ses filiales directes ou indirectes dont le siège social est fixé sur le territoire français ou à l’étranger, établit et met en œuvre de manière effective un plan de vigilance.
Les filiales ou sociétés contrôlées qui dépassent les seuils mentionnés au premier alinéa sont réputées satisfaire aux obligations prévues au présent article dès lors que la société qui les contrôle, au sens de l’article L. 233-3, établit et met en œuvre un plan de vigilance relatif à l’activité de la société et de l’ensemble des filiales ou sociétés qu’elle contrôle.
Le plan comporte les mesures de vigilance raisonnable propres à identifier les risques et à prévenir les atteintes graves envers les droits humains et les libertés fondamentales, la santé et la sécurité des personnes ainsi que l’environnement, résultant des activités de la société et de celles des sociétés qu’elle contrôle au sens du II de l’article L. 233-16, directement ou indirectement, ainsi que des activités des sous-traitants ou fournisseurs avec lesquels est entretenue une relation commerciale établie, lorsque ces activités sont rattachées à cette relation. ↑
- Article L225-102-1: “…
II. Lorsqu’une société mise en demeure de respecter les obligations prévues au I n’y satisfait pas dans un délai de trois mois à compter de la mise en demeure, la juridiction compétente peut, à la demande de toute personne justifiant d’un intérêt à agir, lui enjoindre, le cas échéant sous astreinte, de les respecter.
Le président du tribunal, statuant en référé, peut être saisi aux mêmes fin” . ↑
- ماثيو زولوميان، تطور المسؤولية المدنية للشركات في القانون الفرنسي، مجلة قونونك، ع 15، س 2023، 538 وما يليها. ↑
- ظهير شريف رقم 1.03.59 صادر في 10 ربيع الأول 1424 ( 12 ماي 2003) بتنفيذ القانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة، الجريدة الرسمية عدد 5118 بتاريخ 18 ربيع الأخر 1428 (19 يونيو 2003)، ص 1900. ↑
- AVANT-PROJET DE RÉFORME DU DROIT DES OBLIGATIONS (Articles 1101 à 1386 du Code civil) ET DU DROIT DE LA PRESCRIPTION (Articles 2234 à 2281 du Code civil) Rapport à Monsieur Pascal Clément Garde des Sceaux, Ministre de la Justice 22 Septembre 2005, https://www.justice.gouv.fr/sites/default/files/migrations/portail/art_pix/RAPPORTCATALASEPTEMBRE2005.pdf , Date de dernière consultation : 11 :32 h/ 10-02-2025. ↑
- Art. 2 /1360 :” De même, est responsable celui qui contrôle l’activité économique ou patrimoniale d’un professionnel en situation de dépendance, bien qu’agissant pour son propre compte, lorsque la victime établit que le fait dommageable est en relation avec l’exercice du contrôle. Il en est ainsi notamment des sociétés mères pour les dommages causés par leurs filiales ou des concédants pour les dommages causés par leurs concessionnaires”. ↑
- حورية سويقي: مسؤولية الأم عن الأضرار البيئية الشركات التي تسببها شركائها التابعة في ظل تجمع الشركات، كتاب أعمال المؤتمر الدولي: آليات حماية البيئة، طرابلس- لبنان، س 2017، ص 156. ↑