الدكتور مصطفى الفوركي : المغرب يرسخ انتصاره الدبلوماسي: قراءة في القرار الأممي رقم 2797 الذي يؤكد الطابع السيادي للمملكة على أقاليمها الجنوبية
المغرب يرسخ انتصاره الدبلوماسي: قراءة في القرار الأممي رقم 2797 الذي يؤكد الطابع السيادي للمملكة على أقاليمها الجنوبية
إعداد: الدكتور مصطفى الفوركي
دكتور في الحقوق
مدير مجلة القانون والأعمال الدولية
يشكل القرار رقم 2797 الصادر عن مجلس الأمن الدولي محطة فارقة في مسار القضية الوطنية الأولى، إذ أقرّ عملياً بوجاهة المقترح المغربي للحكم الذاتي تحت السيادة الكاملة للمملكة. إن هذا الاعتراف الأممي لا يقف عند حدود الدعم السياسي، بل يعكس تحوّلاً استراتيجياً في مفهوم الشرعية الدولية إزاء ملف الصحراء المغربية، بعدما باتت المبادرة المغربية المرجعية الواقعية الوحيدة للتسوية.
الموقف الدولي، كما يؤكده القرار، لم يعد يتسم بالتردد الذي طبع مداولات العقود السابقة، بل تحوّل إلى مساندة صريحة لرؤية المملكة بقيادة الملك محمد السادس، الذي شدد في خطبه على أن وحدة التراب الوطني من طنجة إلى لكويرة ليست موضوعاً للنقاش، بل مبدأ سيادي مؤسس للهوية الوطنية.
التحول الأممي ومؤشرات دبلوماسية جديدة
من منظور علم العلاقات الدولية، يمكن قراءة القرار الأممي كدليل على نضج الدبلوماسية المغربية في إدارة الملفات المعقدة. فقد استطاع المغرب، عبر مزيج من الواقعية والبراغماتية السياسية، أن يبني تحالفات متينة عابرة للقارات، تعززت بإعلان دول كبرى عن دعمها الصريح للحكم الذاتي. هذا التوجه يعكس انتقال المملكة من موقع الدفاع إلى موقع الفاعل المؤثر في صياغة الموقف الأممي.
في السياق الإعلامي، لم يعد الحديث مقتصراً على “النزاع في الصحراء”، بل على تثبيت “السيادة المغربية على الصحراء”، وهو تحول لغويّ يحمل دلالات سياسية قوية، إذ يعكس تبني المجتمع الدولي للمفردة المغربية في وصف القضية.
أقاليم جنوبية تنعم بالاستقرار والتنمية
لا يمكن فصل الاعتراف السياسي عن الواقع التنموي القائم في الأقاليم الجنوبية. فالمشاريع الكبرى في مجالات البنية التحتية، والموانئ، والطاقة النظيفة، والنقل البحري، جعلت من مدن مثل العيون والداخلة نقاط إشعاع إقليمي. وتُظهر المؤشرات الاقتصادية ارتفاعاً ملحوظاً في نسب الاستثمار المحلي والأجنبي بهذه المناطق، ما جعلها نموذجاً يحتذى في الاندماج الوطني والتنمية المندمجة.
من زاوية أكاديمية، أصبحت الصحراء المغربية فضاءً لتجريب السياسات العمومية الجديدة التي تراهن على اللامركزية والحكامة المحلية، بما يعزز نجاح نموذج الجهوية المتقدمة الذي تبنته المملكة منذ دستور 2011.
الدبلوماسية المغربية وأفق التكامل الإفريقي
عملت السياسة الخارجية للمغرب على تحويل الأقاليم الجنوبية إلى جسر استراتيجي للتعاون القاري. فالمنظور المغربي للوحدة الإفريقية يتأسس على مبدأ الشراكة المتكافئة والتنمية المشتركة، ما جعل الرباط تحظى بمصداقية سياسية واقتصادية داخل الاتحاد الإفريقي وخارجه.
وقد أبرز القرار 2797 هذا البعد الإقليمي عندما أشار إلى الدور البنّاء للمغرب في حفظ الأمن والاستقرار بالقارة. وهو تأكيد على أن قضية الصحراء لم تعد شأناً محلياً بل جزءاً من معادلة الأمن الإقليمي في الساحل والصحراء.
خطاب الوحدة والعودة إلى الجذور
في بُعده الإنساني، حمل الخطاب الملكي الأخير نداءً واضحاً للمغاربة المحتجزين في مخيمات تندوف للعودة إلى الوطن والمشاركة في مسيرة البناء الوطني. وتكتسي هذه الدعوة بعداً وطنياً جامعاً يتجاوز السياسة إلى قيم الانتماء والتضامن. فهي دعوة للمصالحة مع الذات الجماعية وتأكيد على أن جميع المغاربة متساوون في الحقوق والواجبات دون تمييز أو إقصاء.
تثبيت السيادة وترسيخ المستقبل
يمكن القول إن القرار رقم 2797 يمثل تتويجاً لمسار طويل من الدبلوماسية الهادئة والسياسة الواقعية التي انتهجتها المملكة المغربية. ومن زاوية تحليلية، يعكس هذا القرار انتقال الملف من دائرة النزاع إلى دائرة الحسم التدريجي، حيث أصبح الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء حقيقة سياسية واقتصادية قائمة.
اليوم، يغدو المغرب فاعلاً رئيسياً في ترسيخ السلم والتنمية بالمنطقة، مستنداً إلى شرعية تاريخية ومشروعية تنموية، في طريق مفتوح نحو مستقبل يسوده الاستقرار والازدهار لكل جهات الوطن من طنجة إلى لكويرة.






