في الواجهةمقالات قانونية

الضمانات المخولة للمدين في الحجز التحفظي على سفينته في ضوء النظام البحري التجاري السعودي -دراسة مقارنة الدكتور: حارث عامر التميمي

الضمانات المخولة للمدين في الحجز التحفظي على سفينته في ضوء النظام البحري التجاري السعودي -دراسة مقارنة
The Guarantees Granted to the Debtor in the Precautionary Seizure of Their Ship Under the Saudi Maritime Commercial Law: A Comparative Study
الدكتور: حارث عامر التميمي
أستاذ القانون الخاص المساعد جامعة الملك فيصل/ المملكة العربية السعودية

ملخص الدراسة:
الحجز التحفظي إجراء قانوني يتيح للدائن أن يستوثق لحقه بموجب قرار قضائي، غير أن مصلحة الدائن قد تطغى على مصلحة المدين، ولذلك فقد قام المنظم السعودي بوضع مجموعة من الأحكام القانونية تضمن عدم تعسف الدائن أو مماطلته في استعمال حقه، وتشكل ضمانات تحمي للمدين حقوقه المتعلقة بسفينته سواء بالنسبة للإجراءات السابقة على الحجز التحفظي أو اللاحقة عليه، في ضوء اتفاقيتي بروكسل للحجز التحفظي على السفن لعام 1952م، وجنيف للحجز على السفن لعام 1999م.
وقد انتهت الدراسة إلى العديد من الاستنتاجات والتوصيات لعل من أهمها وجود فراغات قانونية يتعين الوقوف عندها وتداركها لضمان إحداث توازن بين حماية مصالح الدائن والمدين.
الكلمات المفتاحية: الحجز التحفظي- سفينة- اتفاقية بروكسل- اتفاقية جنيف- النظام السعودي

Abstract
The arrest of the sea vessel is a legal procedure by which the creditor can, by decision of a court, secure his legal right, but the interest of creditor may exceed the interest of debtor. Therefore, the Saudi legislator has legislated rules for the creditor to ensure not to exceed lawful limits and to prevent incurring damages to the debtor and ensuring some legal protections to his ship before and after arrest of sea vessel in the light of Brussels and Geneva Conventions for arresting of sea vessels. The study concludes number of results and recommendations which may contribute to the enactment of laws in an accurate manner.
Keywords: Arrest of sea vessel, vessel, Brussel Convention, Geneva Convention, Saudi legislation.

مقدمة:
الحجز هو وضع المال تحت سلطة القضاء، وذلك بقصد منع صاحبه من التصرف فيه تصرفا يضر بحقوق الدائن الحاجز. ويعتبر الحجز إجراء تحفظيا يحفظ المال المحجوز من أي تغيير مادي أو قانوني حفاظا على حقوق الدائن الحاجز، وهو ينقسم إلى حجز تحفظي وآخر تنفيذي، وذلك بحسب الغاية المرجوة من مباشرته. فإذا كان الدائن الحاجز يهدف إلى استيفاء حقه من أموال مدينه بعد بيعها بواسطة السلطة العامة كان حجزا تنفيذيا. أما إذا كان الدائن لا يهدف من مباشرة حجزه إلا منع مدينه من التصرف في المال المحجوز تصرفا ضارا به بوضعه تحت يد القضاء كان حجزا تحفظيا.
ومن ثم فإن الحجز التحفظي يرمي إلى الضغط على إرادة المدين الذي لا يمكن له أن يستعيد حرية التصرف في ماله إلا بعد سداد الدين أو التحول إلى الحجز التنفيذي ببيعه في مزاد علني وقبض دينه من أصل الثمن.
وبما أن السفينة تعد مالًا وتدخل في عناصر الذمة المالية لمالكها، فهي تدخل في الضمان العام لدائنيه، وبالتالي فهي تخضع لإجراءات الحجز بنوعيه إذا توقف المالك عن سداد ديونه المستحقة الأداء.
ويخضع الحجز على السفينة سواء أكان حجزا تحفظيا أم تنفيذيا لقواعد خاصة تختلف عن القواعد العامة للحجز على سائر المنقولات. وإذا كان الحجز التحفظي يمثل وسيلة احترازية فاعلة تحفظ لأصحاب الحقوق حقوقهم، ويمكن من خلاله تجنب خطر سفر السفينة الذي قد يؤدي إلى تقليل فرص الحصول على تلك الحقوق، غير أن هذا الحجز قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى تكبد الطرف الآخر (المدين) خسائر فادحة بسبب عدم القدرة على استغلال السفينة والتصرف بها نتيجة وقوعها تحت الحجز، وفي المقابل فإن الدائن قد لا يكون لديه مصلحة حقيقية وجادة من إيقاع هذا الحجز على السفينة، فيكون قد تعسف في استعمال حقه في إيقاع الحجز التحفظي على السفينة، وأدى ذلك الاستعمال إلى الإضرار بالمدين.
ولذا فقد حاول القانونيون إيجاد مجموعة من الضمانات للمدين قبل إيقاع الحجز التحفظي على السفينة وبعد إيقاعه، إضافة إلى الضمانات والتعويضات عن الأضرار الناجمة التعسف في استعمال الحق في الحجز من قبل الدائن، وضمانات أخيرة لاسترداد السفينة المحجوزة.
وجدير بالذكر؛ فإن الحجز على السفينة يخضع لقواعد خاصة منظمة في القانون البحري، وقد صدر في المملكة العربية السعودية النظام البحري التجاري بموجب المرسوم الملكي رقم (م/33) بتاريخ 5/4/1440هـ والذي تناول الحجز على السفينة في المواد (74-84)، ويضاف إلى ذلك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تناولت الحجز على السفينة منها اتفاقية بروكسل للحجز التحفظي لعام 1952م، واتفاقية جنيف للحجز على السفينة للعام 1999م، إلى جوانب القواعد العامة الواردة في نظام التنفيذ .
أهمية البحث:
تظهر أهمية البحث في خطورة إجراء الحجز التحفظي على السفن وما يترتب عليه من تعطيل عمل السفن دون وجه حق، وإمكانية ألا يكون للدائن أية مصلحة من إيقاع الحجز التحفظي على السفينة، بل يكون هدفه إلحاق الضرر بالمدين المحجوز على سفينته، فيكون الدائن قد تعسف في استعمال حقه في إيقاع الحجز التحفظي، مما يؤدي إلى تكبد المدين خسائر ناتجة عن عدم تشغيل السفينة المحتجزة، مما يلزم منه حماية حقوق أطراف الحجز التحفظي وخصوصًا حقوق المدين الواقع على سفينته الحجز وتوفير الضمانات القانونية له.
مشكلة البحث:
تكمن مشكلة البحث في عدم تجلي كثير من الضمانات الممنوحة للمدين عند إجراء الحجز التحفظي على سفينته في النظام البحري التجاري السعودي، مع الحاجة إلى معرفة تلك الضمانات لا سيما أن هذا الإجراء له صبغة دولية يطبق على السفن الأجنبية والذي قد يترتب عليه تعطيل عمل السفن، فأحببت أن أسهم في بيان هذه الضمانات؛ لذا يمكن طرح التساؤلات الآتية:
1- ما الضمانات الممنوحة للمدين قبل إيقاع الحجز التحفظي على سفينته؟
2- ما أنواع الضمانات الممنوحة للمدين قبل إيقاع الحجز التحفظي على سفينته؟
3- ما الضمانات الممنوحة للمدين بعد إيقاع الحجز التحفظي على سفينته؟
4- ما الضمانات المقدمة للمدين لحماية حقوقه من الأضرار الناجمة عن الحجز التحفظي؟
5- ما الضمانات المقدمة للمدين لاسترجاع سفينته المحجوزة؟
أهداف البحث:
يهدف البحث إلى بيان منهج النظام البحري التجاري السعودي في التعامل مع إجراءات الحجز التحفظي على السفينة، وتوضيح القواعد الضامنة لحقوق المدين من تعسف الدائن في استعمال حقه في إيقاع الحجز التحفظي على سفينته، وجمعها في مقالة ميسرة تصل إلى متناول عموم الباحثين والمهتمين في هذا المجال.
منهج البحث:
اتبعت في كتابة هذا البحث المنهج الاستقرائي التحليلي، وذلك من خلال الإلمام بجميع جوانب الدراسة والعمل على تحليل النصوص النظامية ذات الصلة بموضوع الحجز التحفظي على السفن، والاسترشاد بالكتب المتخصصة في شروح القانون البحري، واستعنت بالمنهج المقارن للمقارنة قدر الإمكان بين أحكام النظام البحري السعودي واتفاقيتي بروكسل وجنيف.
خطة البحث:
يتكون البحث من مقدمة وتمهيد ومبحثين وخاتمة.
المقدمة.
تمهيد ويحوي تعريفًا للحجز التحفظي على السفينة.
المبحث الأول: الضمانات المخولة للمدين قبل توقيع الحجز التحفظي:
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الضمانات ذات الصفة الشكلية.
المطلب الثاني: الضمانات ذات الصفة الموضوعية.
المبحث الثاني: الضمانات المخولة للمدين بعد توقيع الحجز التحفظي:
المطلب الأول: ضمانات حماية حقوق المدين من الأضرار الناتجة عن الحجز التحفظي.
المطلب الثاني: ضمانات المدين لاسترداد السفينة المحجوزة.
الخاتمة: وتشمل أهم النتائج والتوصيات.
تمهيد: تعريف الحجز التحفظي على السفينة:
تكون السفينة معرضة للحجز ومن ثم البيع إذا لم يحصل الدائن على ماله من دين في ذمة مدينه، وقبل إجراء البيع لا بد أولًا أن يحجز على السفينة.
والحجز التحفظي هو إجراء حمائي مقرر لمصلحة الدائن الذي ليس بيده سند تنفيذي، ويهدف إلى توثيق حقه ومنع المدين من التصرف في المال لحين حصوله على السند التنفيذي وإتمام إجراءات التنفيذ الجبري.
وفي هذا تنص المادة الرابعة والعشرون من نظام التنفيذ السعودي على أنه “للدائن أن يطلب إيقاع الحجز التحفظي على منقولات مدينه إذا لم يكن للمدين محل إقامة ثابت في المملكة أو خشي الدائن لأسباب مقبولة اختفاءها أو تهريبها”.
ويمكن تعريف الحجز التحفظي على السفينة بأنه إجراء احترازي يُقصد منه إيقاف مؤقت لحركة السفينة في الميناء بمقتضى طلب من الدائن الذي ليس بيده سند تنفيذي ينفذ بوساطته على السفينة ويكون خائفا من ضياع حقوقه إذا سافرت السفينة وغادرت الميناء .
كما عرفت الفقرة الثانية من المادة الأولى من معاهدة بروكسل لسنة 1952م الخاصة بتوحيد بعض قواعد الحجز التحفظي على السفن البحرية، الحجز التحفظي على السفينة بأنه “احتجاز السفينة بإجراء قضائي ضمانا لمطالبة بحرية، ولكنه لا يشمل الاستيلاء على السفينة تنفيذا لحكم قضائي أو امتثالا له”، وكذلك عرفت الفقرة الثانية من المادة الأولى من اتفاقية جنيف لعام 1999م الحجز التحفظي على السفينة بأنه: يعني أي توقيف للسفينة أو تقييد لنقلها بأمر من محكمة ضمانا لمطالبة بحرية.
ولم يخالف المنظم السعودي ما ورد في الاتفاقيات الدولية السابق ذكرها إذ نص في المادة (74) من النظام البحري التجاري السعودي على أنه: “يكون الحجز التحفظي على السفينة بأمر قضائي من المحكمة المختصة …. “.
وبرأي الباحث فإنه يمكن القول بأن الحجز التحفظي على السفينة في جوهره يتضمن منعًا للسفينة من السفر خشية قيام المجهز بتهريبها بعيدا عن الميناء.
وفي الحقيقة فإن المدين يبادر إلى تقديم كفالة بالدين المدعى به كي يتسنى رفع الحجز التحفظي على السفينة، ومن النادر عملًا أن تُباع سفينة جبرًا لأن المجهز يقوم بالوفاء بالدين من الأموال الأخرى .
المبحث الأول: الضمانات المخولة للمدين قبل توقيع الحجز التحفظي:
قرر المنظم السعودي جملة من الضمانات السابقة لإجراء الحجز التحفظي على السفينة، وذلك حماية لحقوق المدين وعدم الإضرار بها، إذ قد يصدر الحجز لسبب غير وجيه فيتضرر المدين تضررا بالغًا.
وهذه الضمانات تنقسم إلى ضمانات ذات صفة شكلية، وضمانات ذات صفة موضوعية.
المطلب الأول: الضمانات ذات الصفة الشكلية.
منح النظام البحري التجاري السعودي من الناحية الشكلية مجموعة من الضمانات تحميه من الإجراءات التي قد يتخذها الدائن وتكون تعسفية، وهي عبارة عن إجراءات سابقة لإيقاع الحجز التحفظي على السفينة، وتتمثل في أن الحجز التحفظي هو إجراء لا يمس ملكية المدين لسفينته، ولا يمكن توقيعه إلا بعد الحصول على موافقة الجهة القضائية المختصة.
الفرع الأول: الحجز التحفظي إجراء لا يمسُّ ملكية المدين لسفينته:
من أهم الأخطار التي قد يلاقيها المدين هو قيام الدائن بالتنفيذ على السفينة وبيعها للحصول على دينه، غير أن النظام القانوني في الجملة سعى إلى إقامة نوع من التوازن بين حقوق الدائن وضرورة رعايتها حتى يحصل الدائن على حقه من جهة، ومن جهة أخرى بادر إلى حماية مصلحة المدين من تصرفات الدائن بمنعه من التصرف في السفينة المحجوزة، فالحجز الذي يوقعه الدائن على سفينة المدين لا يجرد فيه المدين من ملكيته للسفينة ولا يمس حقوق مالكها، وأيضا لا يرتب أي حق عيني للحاجز على السفينة، وإنما هو مجرد إجراء احترازي لإبقاء السفينة ضمانا لدينه ، وبالتالي يستطيع المدين التصرف في السفينة ببيعها أو رهنها مع وجود الحجز التحفظي طالما أن التصرف لا يضر مصلحة الحاجز، ولكن نفاذ التصرف يبقى معلقا إلى أن يرفع الحجز .
كما أن أعمال الحفظ والصيانة تسري في حق الدائن الحاجز مثل عملية استبدال بعض قطع الغيار بأخرى وهي من الأعمال التي يحتفظ بها مالك السفينة رغم الحجز الواقع على السفينة، ويسري الحجز على الجزء المستبدل حتى ولو زادت قيمته بكثير عن الجزء القديم .
وحينما نعود إلى اتفاقية بروكسل لسنة 1952 واتفاقية جنيف لسنة 1999 وتحديدًا في المادة الأولى من الفقرة الثانية نلاحظ أن الحجز التحفظي ما هو في حقيقته إلا إجراء وقتي من أجل إيقاف السفينة ومنعها من الإبحار ومغادرة الميناء، وذلك ضمانًا لأي مطالبة بدين، وهذا يتفق مع روح نصوص النظام البحري التجاري السعودي.
وجدير بالإشارة إلى أن النظام البحري لم يبين المقصود بالحجز التحفظي على السفينة، ولم يحدد نطاقه، إذ إن الحجز التحفظي لا يمكن من خلاله التنفيذ على السفينة إلا مع وجود سند واجب التنفيذ.
وفي المقابل فإن الباحث يجد أن اتفاقية بروكسل لسنة 1952، واتفاقية جنيف لسنة 1999 قد تضمنتا نصوصًا صريحة في هذا الشأن، حيث منحت تلك الاتفاقيات للمدين ضمانًا صريحًا بعدم التنفيذ مباشرة على السفينة، وإنما تُحجز السفينة دون المساس بملكية المالك للسفينة.
وبناء على ما سبق؛ فإن النظام البحري التجاري السعودي إلى جانب اتفاقيتي بروكسل وجنيف قد اتجهوا إلى منح ضمان للمدين تتمثل في اشتمال الحجز التحفظي على إجراء وقتي ليس فيه مساس بملكية المدين لهذه السفينة، وتبقى الاتفاقيتين – حسب رأي الباحث- أكثر وضوحًا في بيان الدور الذي يقوم به الحجز التحفظي البعيد عن الاستيلاء على السفينة ونزع ملكيتها من المدين.
الفرع الثاني: الحجز التحفظي لا يوقع إلا تنفيذًا لأمر قضائي:
لا يكون الحجز التحفظي على سفينة المدين ممكنًا إلا بقرار صادر من الجهة القضائية المختصة، ولا يكون واجبا لوقوع الحجز التحفظي أن يكون بيد الدائن سند تنفيذي بل يكفي الحصول على إذن قضائي به، لأن الهدف هو التحفظ على المال المحجوز.
وقد نصت المادة الرابعة والسبعون من النظام البحري السعودي بأن “يكون الحجز التحفظي على السفينة بأمر قضائي من المحكمة المختصة، ويحرر محضر بذلك”.
كما أشارت اتفاقية بروكسل في المادة الرابعة منها إلى أنه ” لا يجوز الحجز على السفينة إلا بإذن من المحكمة، أو من السلطات القضائية المختصة في الدول المتعاقدة التي يجري فيها توقيع الحجز”.
وبالمثل؛ فإن اتفاقية جنيف في الفقرة الثانية من المادة الأولى أشارت إلى أن الحجز التحفظي يوقع بأمر من المحكمة.
وفي هذا الصدد؛ فإن الباحث يرى بأن النظام البحري التجاري السعودي قد اعتد بضرورة الحصول على إذن من المحكمة المختصة حتى يتم إيقاع الحجز التحفظي، وهو ما يتفق مع توجه اتفاقية بروكسل لسنة 1952م، واتفاقية جنيف لسنة 1999م، بمعنى أن الأمر يحمل طابعا قضائيا وليس طابعا إداريا أو طابعا انفراديا من جانب الدائن، وهو ما يمثل ضمانة قوية لجانب المدين وحماية له من قيام الدائن بإجراءات تعسفية تجاهه، وذلك لأن طلب الحجز التحفظي سيخضع للرقابة القضائية، وسيقوم القاضي بالتأكد من جدية الطلب، وتوافر شروط الدين الذي يطالب به الدائن قبل أن يصدر أمره بتوقيع الحجز والتي أشرنا لها في الفرع الأول.
ومن هنا؛ فإن القاضي في المحكمة المختصة له سلطة تقديرية واسعة في قبول إيقاع الحجز التحفظي على السفينة أو رفض إيقاع هذا الحجز، وذلك بسبب تقديره على سبيل المثال أنه لا يوجد ضرر يلحق طالب الحجز، أو أنه ليس هناك خشية من تهريب الأموال أو إخفائها أو شهر الإفلاس.
وترتيبا على ذلك؛ فإن الدائن يحق له أن يطلب توقيع الحجز التحفظي على السفينة، وذلك بتقديم طلب للحجز على السفينة إلى المحكمة المختصة، والمقصود بالمحكمة المختصة المحكمة التي وقع الحجز في نطاقها .
وجدير بالإشارة؛ فإن البضائع التي تحملها السفينة غير داخلة في القرار القضائي بحجز السفينة تحفظيا، وتعتبر من الأموال التي للمدين كامل التصرف فيها، وإذا كانت بعضها عرضة للتلف أو الهلاك أو تقلب الأسعار فيجوز للمحكمة أن تأمر ببيعها .
وجدير بالذكر؛ فإن اتفاقية جنيف لسنة 1999 في الفقرة الأولى من المادة السادسة قد منحت المحكمة المختصة السلطة التقديرية في إلزام المدين بتقديم ضمان دون أن تحدد مقدار هذا الضمان، حيث تنص المادة سابقة الذكر على أنه: “يجوز للمحكمة كشرط لحجز السفينة أو لإجازة الإبقاء على الحجز الذي سبق توقيعه، أن تفرض على المطالب الذي يسعى لحجز السفينة أو الذي حصل على حجز السفينة الالتزام بتقديم ضمان من نوع وبمقدار وبشروط تحددها تلك المحكمة، إزاء أية خسارة قد يتكبدها المدعى عليه نتيجة للحجز إذا تبين أن المطالب هو المسؤول عنها، وهذا يشتمل ولكن لا يقتصر على الخسائر أو الأضرار التي تلحق بالمدعى عليه نتيجة حدوث الحجز تعسفيا أو دون مبرر أو الإفراط في تقدير الضمان المطلوب والمقدم”.
في المقابل يجد الباحث أن النظام البحري السعودي لم يشترط شرط تقديم ضمان من قبل الدائن، وكذلك الحال بالنسبة لاتفاقية بروكسل لسنة 1952.
وتبعا لذلك؛ فإن الباحث يرى بأنه من الاتجاه الحسن أن تقوم الجهات التنظيمية في المملكة العربية السعودية بإلزام الجهة القضائية المختصة الدائن بتقديم ضمان أو كفالة أو على الأقل إعطاء السلطة التقديرية للقاضي المختص بتقديم تلك الكفالة ويمكن أن تقدر كحد أدنى بعشرة بالمائة من قيمة الدين المطالب به ضمانا للأضرار التي قد يتعرض لها المدين من الحجز على السفينة والذي قد يكون حجزا تعسفيا لا مصلحة للدائن الحاجز من وراء إيقاع الحجز على السفينة، وإنما الهدف هو إلحاق الضرر بالمدين المحجوز عليه وتعطيل السفينة عن أداء دورها المتمثل في تسيير التجارة البحرية وشحن البضائع ونقل الركاب المسافرين عبر البحر.
وجدير بالإشارة كذلك؛ فإن السفن المتأهبة للسفر لا تقبل الحجز عليها ترجيحًا لمصلحة المدين في الملاحة البحرية على مصلحة الدائن الحاجز، وعدم تعطيل الرحلة البحرية للسفينة التي تقل على متنها أشخاصا أو بضائع قد يتأخر وصولها أو تفسد، وتكون السفن متأهبة للسفر إذا حصل الربان على الترخيص بالخروج من الميناء البحري .
والحقيقة أن النظام البحري التجاري السعودي لم يتناول مدى جواز الحجز على السفينة المتأهبة للسفر، مع العلم أن نظام المحكمة التجارية السعودي كان قد نص في المادة (178) الملغية على أنه: “لا يجوز ضبط السفينة المستعدة للسفر إنما يمكن ضبطها لجهة الديون الواقعة لأجل السفر المستعدة له إلا أنه مع ذلك إذا قدمت كفيلا على إعطاء الديون المذكورة فتخلص من الضبط واستعداد السفينة للسفر يتبين بمجرد أخذ الربان أوراق مرور السفينة” .
ويوصي الباحث المنظم بالنص صراحة على هذه المسألة الأخيرة في النظام البحري للتأكيد على تلك الحماية المقررة لمصلحة المدين التي تمثل مصلحة عامة لجميع الأشخاص والبضائع والأشياء الموجودة على ظهر السفينة مقارنة بمصلحة الدائن الحاجز الخاصة.
الفرع الثالث: الحد من حالات تكرار الحجز على السفينة ضمانًا لحقوق المدين
أشارت اتفاقية بروكسل لسنة 1952 وتحديدا في الفقرة الثانية من المادة الثالثة على أنه لا يمكن لنفس الدائن أن يحجز على السفينة أكثر من مرة واحدة في نفس المحكمة أو المحاكم الأخرى التابعة لنفس الدولة المتعاقدة، أو تلك التي تم رفع حجزها أو تجنب ذلك بموجب كفالة، إلا إذا أثبت الدائن أن الضمان أو الكفالة قد تم استرداده نهائيا قبل إيقاع الحجز التحفظي على السفينة أو أن يثبت الدائن وجود سبب جدي آخر يتطلب معه إبقاء السفينة محجوزة مثل أن يثبت أن الدين غير كاف.
وبالمثل؛ فإن اتفاقية جنيف لسنة 1999 قد نصت في المادة الخامسة منها أنه إذا تم رفع الحجز عن سفينة محجوزة، فإنه لا يمكن حجزها مرة أخرى بسبب نفس الدين إلا إذا كان الضمان المقدم من المدين غير كاف، أو كان الكفيل الذي قدم الضمان غير قادر على الوفاء ببعض أو كل التزامات ذلك الشخص، أو إذا تم رفع الحجز التحفظي بطلب من الدائن بناء على أسباب معقولة.
وبناء على ما سبق؛ فإن الباحث يرى بأن اتفاقية بروكسل لسنة 1952 ومعها اتفاقية جنيف لسنة 1999 قد اشتملت على ضمانات للمدين تحول دون تكرار الحجز التحفظي على السفينة، إلا في حالات ضيقة تجيز للدائن تكرار الحجز، وذلك رغبة من المنظمين لتلك الاتفاقيات في حماية المدين من أن تتوقف سفنه عن العمل في مجال النقل البحري، وما ينتج عن ذلك من خسائر جسيمة تعود على المدين، ويكون الدائن حينئذ قد أساء استعمال حقه في الحجز على السفينة بإيقاع الحجز عليها أكثر من مرة.
وهو ما يجعل الباحث يؤيد أن يتضمن النظام البحري السعودي نصوصا تقيد الدائن من المطالبة بإيقاع الحجز التحفظي لعدة مرات، حماية لمصالح المدين من الإضرار بها من جانب الدائن المتعسف في استعمال حقه في الحجز على السفينة أكثر من مرة.
المطلب الثاني: الضمانات ذات الصفة الموضوعية المرتبطة بالدَّين البحري موضوع إجراء الحجز التحفظي على السفينة
في الواقع وجدت مجموعة من الأحكام تشكل سياجا عاليا من الضمانات للمدين، وهي ذات طابع موضوعي مرتبطة بالدين البحري موضوع إيقاع الحجز التحفظي على السفينة، وهذه الأحكام أشير لها في النظام البحري التجاري السعودي بالإضافة إلى اتفاقية بروكسل لسنة 1952 واتفاقية جنيف لسنة 1999، وتتمثل هذه الضمانات في حصر أصول الدين البحري ومصادره، وتحديد الشروط التي من الواجب توافرها في الدين المطلوب شموله بضمان.
وسيتم مناقشة مصادر الدين البحري في فرع أول، ثم سيتم مناقشة الشروط الواجب توافرها في الدين في فرع ثان.
الفرع الأول: مصادر الدين البحري موضوع الحجز التحفظي
أشار النظام البحري السعودي في المادة الرابعة والسبعين إلى أن الحجز التحفظي لا يكون إلا بسبب الوفاء بدين بحري، وقد حصرت المادة الخامسة والسبعين من النظام المذكور مصادر الدين البحري التي على أساسها يوقع الحجز التحفظي على السفينة، وهو ما يتماثل مع ما ورد في اتفاقية بروكسل لسنة 1952 واتفاقية جنيف لسنة 1999، ويهدف هذا الحصر لديون معينة إلى إخراج ديون أخرى مترتبة في ذمة المدين وليس لها علاقة بنشاطاته البحرية. وقد أشارت المادة الخامسة والسبعين من النظام إلى أنه يعتبر دينا بحريا كل ادعاء حق أو دين مصدره إحدى الأمور الآتية:
• أضرار تتسبب بها السفينة سواء بالتصادم أو التلوث أو غيرها من الحوادث البحرية المتماثلة.
• خسائر في الأرواح والأبدان تسببها السفينة أو تنتج عن استغلالها.
• العقود المتعلقة باستعمال السفينة أو استئجارها.
• العقود المتعلقة بنقل البضائع.
• هلاك البضائع والأمتعة المنقولة بالسفينة وتلفها.
• الإنقاذ .
• الخسائر البحرية المشتركة .
• قَطْر السفينة .
• إرشاد السفينة .
• الالتزامات الناشئة عن تزويد السفينة بالمواد والأدوات بقصد استغلالها.
• الديون الناجمة عن صنع السفينة أو إصلاحها وتجهيزها، والمصروفات الناجمة عن وجودها في الأحواض.
• أجور الربان والضباط والبحارة والوكلاء البحريين.
• الأموال التي ينفقها الربان والشاحنون والمستأجرون والوكلاء البحريون لحساب السفينة أو لحساب مالكها.
• ما يتعلق بالنزاع حول ملكية السفينة.
• المنازعة في ملكية سفينة على الشيوع، أو في حيازتها، أو في استغلالها، أو في حقوق المالكين على الشيوع على المبالغ الناتجة عن الاستغلال.
• الرهن البحري.
• رسوم الموانئ والممرات المائية وأجورها.
• التأمين على السفينة.
• مصروفات انتشال حُطام السفينة أو البضائع ورفعها وإزالتها.
كما أن اتفاقية بروكسل لسنة 1952 اشترطت لإيقاع الحجز التّحفظي على السّفينة أن يوجد دين بحري، كالدّين النّاتج عن التّصادم البحري أو المساعدة والإنقاذ البحريين، أو الإرشاد البحري أو القَطْر، أو توريد المواد اللاّزمة لإصلاح السّفينة وغيرها من الدّيون التي نصّت عليها المادة الأولى من الاتفاقية.
وهو ما يشابه – في نظر الباحث – الديون التي نص عليها النظام البحري التجاري السعودي.
ويرى جانب من الفقه أن التعداد الحصري للديون البحرية لا يتوافق مع التطورات الحاصلة في التجارة البحرية التي ينشأ عنها ظهور ديون جديدة والتي هي انعكاس لتوسع التجارة وازدهارها بشكل عام، وهو ما يوجد عند المقارنة بين النظام البحري السعودي واتفاقية جنيف واتفاقية بروكسل.
ويرى الباحث بأن التعداد الحصري للديون البحرية فيه حماية أكبر لجانب المدين، ويخول القاضي إيقاع الحجز على السفينة لتوفر حالة من الحالات المذكورة في النظام.
الفرع الثاني: إلزامية توافر شروط في الدين البحري محل الحجز التحفظي
من المعلوم – كما مر آنفا – أنه لا يجوز إيقاع الحجز التحفظي إلا بأمر من القضاء، وذلك من أجل التأكد من شروط الدين الذي يطالب به الدائن، وهذه الشروط تتضمن ضمانات للمدين لأنها تحدد النطاق للدائن بالنسبة للديون التي بموجبها يستطيع المطالبة بالحجز التحفظي.
وفي الحقيقة؛ فإن المنظم السعودي لم يحدد في النظام البحري الشروط الواجب توافرها في الدين البحري باستثناء أن يكون الدين ضمن الديون البحرية.
وهذا الأمر يستوجب أن يتم الرجوع إلى القواعد العامة في نظم الإجراءات المدنية وتحديدًا نظام التنفيذ، حيث وضع المنظم السعودي شروطا لازمة للمحكمة المختصة لإيقاع الحجز التحفظي لا تختلف بالنسبة لكل الأموال محل الحجز ويمكن أن تكون محددة لنطاقه بما يراعي وضع حدود لتقييد حق المدين في التصرف في أمواله بشكل عام وضمان عدم وقوع تعسف من الدائن الحاجز.
ومن هنا؛ فإنه يجب أن تتوفر في الدين جملة من الشروط وتتمثل في الآتي:
1- شرط تحقق وجود الدين:
نصت المادة (28) من نظام التنفيذ على أنه لا يوقع الحجز التحفظي إلا للحصول على حق ظاهر الوجود، بمعنى أن يكون هناك سبب ظاهر يدل على رجحان وجوده في ذمة المدين ، ومن هنا فإن حق طالب الحجز يجب أن يكون ثابتا بسند يدل ظاهره على وجوده، أما إذا كان وجود الحق محل شك كبير فإن المحكمة المختصة يمتنع عليها توقيع الحجز في تلك الحالة.
كما لا يجوز أن يكون الحجز التحفظي اقتضاء لمجرد حق احتمالي قد يترتب في الذمة في المستقبل أو لحق معلوم معلق على شرط واقف لم يتحقق بعد أو مضافا إلى أجل لم يحل بعد . لأن هذه الديون قد تتحقق أو لا تتحقق وقد تثبت أو لا تثبت.
2- أن يكون الدين حال الأداء:
أي أن يكون الدين مستحق الأداء فورا دون أن يكون مؤجلا، وهو ما نصت عليه المادة (28) أيضا من نظام التنفيذ السعودي، ويعتبر شرط حلول الأجل من أهم الشروط المنصوص عليها لصالح المدين للحيلولة دون قيام الدائن بالحجز التحفظي على سفينة المدين إلا بحلول الأجل، لأن الحجز التحفظي يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمدين، وعليه فإن الدائن سينتظر إلى أن يحل الأجل النظامي للدين، ومن ثم يبدأ بمباشرة إجراءات الحجز على السفينة.
3- أن يكون الدين معين المقدار:
يرى الباحث أن الدين المطالب به من جانب الدائن ينبغي أن يكون محدد المقدار، وهذا التحديد يضمن للمدين تخصيص قيمة الدين، ويحدد له مبلغ الكفالة أو الضمان الذي على أساسه يمكن رفع الحجز عن السفينة، وهو ما يوفر ضمانا للمدين من مغالاة الدائن في مقدار الكفالة.
والدين المطالب به من جانب الدائن ينبغي – كما يرى الباحث – أن يكون الحد الأدنى لمقداره محددا، حتى لا يفسح المجال للدائن للمطالبة بدين غير محدود المقدار في مقابل الخسائر الجسيمة التي تصيب المدين جراء الحجز على سفينته.
المبحث الثاني: الضمانات الممنوحة للمدين بعد توقيع الحجز التحفظي على سفينته
لم تقتصر الضمانات المقدمة للمدين على الضمانات السابقة لتوقيع الحجز التحفظي، وإنما امتدت إلى ضمانات لاحقة لتوقيع الحجز التحفظي على سفينة المدين تسمح له بالمحافظة على حقوقه وعدم تعسف الدائن في استعمال حقه.
وتتمثل هذه الضمانات في حماية حقوق المدين من الأضرار الناشئة عن حجز الدائن، وضمانات تتعلق بحق المدين في استرجاع سفينته المحجوزة.
المطلب الأول: الضمانات المقدمة للمدين لحماية حقوقه من الأضرار الناجمة عن الحجز التحفظي
يترتب على إيقاع الحجز التحفظي على سفينة المدين التزامات قانونية تقع على عاتق الدائن، وهي في المقابل ضمانات تقدم للمدين لحماية حقوقه وحماية سفينته المحجوزة من أضرار قد تصيبها، وتتمثل هذه الضمانات في نشأة مسؤولية الدائن عن الضرر اللاحق بالسفينة المحجوزة تعسفيا، وكذا الالتزام بتعيين حارس للسفينة.
الفرع الأول: مسؤولية الدائن عن الضرر اللاحق بالمدين جراء الحجز تعسفيا على سفينته
في الواقع لم يتطرق النظام البحري السعودي إلى مسؤولية الدائن عن الضرر الناتج بسبب حجز السفينة دون سبب مشروع، ولكن بالرجوع إلى القواعد العامة في نظام التنفيذ السعودي يلاحظ أن النظام أشار إلى تلك الحالة وتحديدا في المادة الثانية والثلاثون من النظام، إذ نصت على أنه “يجب على طالب الحجز أن يقدم إلى المحكمة، أو الجهة المختصة إقرارًا خطيًا موثقًا من كفيل مقتدر، أو ضمانًا يضمن جميع حقوق من طلب الحجز على أمواله وما يلحقه من ضرر إذا ظهر أن طالب الحجز غير محق في طلبه “.
ويتضح للباحث من هذه المادة أنه إذا تم حجز السفينة لسبب غير مشروع أو لم يكن الدائن محقا في طلب الحجز وترتب على الحجز إضرار بالمدين، فقد أتى المنظم السعودي بحل لهذه الإشكالية، يتمثل في إلزام الدائن في تقديم إقرار خطي موثقا من كفيل مليء، أو أن يقدم ضمانا يضمن جميع حقوق المدين وما قد يلحقه من ضرر جراء هذا الحجز ومنعه – على سبيل المثال – من استغلال سفينته في أعمال النقل.
وهذا الحكم يتطابق مع نص الفقرة الأولى من المادة السادسة من اتفاقية جنيف لسنة 1999، والمادة السادسة من اتفاقية بروكسل لسنة 1952.
وتأكيدا على الحكم السابق فإنه يرى الباحث ضرورة أن يقوم المنظم بالنص صراحة في النظام البحري على توفير ضمانة قانونية للمدين تحد من تعسف الدائن في إجراء الحجز التحفظي على السفينة، وعدم الاكتفاء بما ورد في القواعد العامة، وذلك كأن يقدم مثلا خطاب ضمان مصرفي أو تأمين نقدي، ويبقى على المدين إثبات وجود تعسف في إجراء الحجز وأن الدائن لم يكن لديه مصلحة محققة وحالة في إجراء الحجز التحفظي.
والتعويضات التي يحكم بها على الدائن الحاجز تشمل في الجملة التعويض عن أي ضرر أصاب المدين المحجوز على سفينته بسبب توقيع الحجز، ومن ذلك مصاريف صيانة السفينة أثناء توقفها في الميناء بسبب الحجز، والمبالغ التي دفعها مالك السفينة لملاك البضائع المشحونة لتعويضهم عن التأخر أو عدم وصول البضائع المشحونة، ومصاريف تقديم الكفالة أو الضمان اللازمين لرفع الحجز، وأيضا مصاريف المحاماة والتحكيم البحري لفض النزاع.
الفرع الثاني: تعيين حارس قضائي لحماية سفينة المدين المحجوزة
اكتفت اتفاقية بروكسل لسنة 1952 في مادتها السادسة الفقرة الثانية إلى الإشارة بشكل عام على أنه تطبق قواعد الإجراءات المتعلقة بحجز السفينة التابعة للدولة التي أصدرت الأمر بالحجز أو الدولة التي يوقع فيها الحجز التحفظي وهذا دون أن تتضمن أحكاما تتعلق بحراسة السفينة، كما اكتفت المادة الثانية الفقرة الرابعة من اتفاقية جنيف لسنة 1999 بالنص على أنه يحكم قانون الدولة التي يوقع فيها الحجز أو يطلب توقيعه فيها الإجراءات المتعلقة بحجز السفينة ورفع حجزها وهذا مع مراعاة أحكام الاتفاقية.
ولم يشر النظام البحري السعودي إلى وجوب تعيين حارس قضائي على السفينة بعد الحجز عليها، ولكن بالرجوع إلى القواعد العامة الواردة في نظام التنفيذ وتحديدا المادة الثانية والأربعون حيث تنص على أنه ” يكلف قاضي التنفيذ المحجوز عليه بحراسة المال المحجوز تحت يده بشرط تقديم ضمان، أو كفيل مليء بالامتناع عن التعرض للمال المحجوز بما قد يضر الدائن، فإن رفض المحجوز عليه الحراسة، أو تعذر تقديم الضمان، أو الكفيل، أمر قاضي التنفيذ بتعيين حارس مرخص له”. ويرى الباحث فاعلية أن تقوم المحكمة بإصدار حكم بتعيين حارس لحفظ المال المعهود إليه حراسته وهو السفينة وضمان أمنها، ويقع عليه التزام بالمحافظة على السفينة التي عين حارسا عليه، وأن يبذل في ذلك عناية الرجل المعتاد .
المطلب الثاني: الضمانات المقدمة للمدين لاسترداد سفينته المحجوزة
يهدف الحجز التحفظي على السفينة إلى ضمان دين بحري غير ثابت في حق المدين، ولا يصل إلى التنفيذ على السفينة، وهو الأمر الذي يسمح للمدين حق استرجاع سفينته برفع الحجز عليها مقابل دفع ضمان أو كفالة، أو إذا لم يقدم الدائن طلب تثبيت الحجز التحفظي على السفينة في الآجال النظامية أمام الجهة القضائية المختصة.
الفرع الأول: تقديم الضمان أو الكفالة مقابل رفع الحجز عن السفينة المحجوزة
ذهب المنظم السعودي إلى إمكانية أن يقوم المدين باسترجاع سفينته عن طريق الطلب من الجهة القضائية المختصة التي أمرت بالحجز، بعد تقديم ضمان في شكل مبلغ مالي أو كفالة يقدمها شخص آخر، إذ نصت المادة الواحدة والثمانون بقولها: ” تصدر المحكمة المختصة أمرًا قضائيًا برفع الحجز، إذا قدمت كفالة أو أي ضمان يكفي للوفاء بالدين المدعى به”.
ويرى الباحث بأن مبلغ الضمان أو الكفالة ينبغي أن يتم تحديده بمقدار الدين المطالب به شريطة ألا يتجاوز قيمة السفينة المحجوزة، ذلك أنه في بعض الأحيان قد تعادل الكفالة قيمة السفينة المحجوزة ويكون الدين المطالب به أقل من قيمة السفينة بكثير وهو ما يثقل كاهل المدين بعبء كبير.
ولا يجوز رفع الحجز إذا كان بسبب ديون بحرية متعلقة بملكية السفينة أو بملكيتها على الشيوع، لأن المدعي الذي يطالب بملكية السفينة لا يغنيه تقديم الكفالة.
وهو الإجراء نفسه الذي نصت عليه الفقرة الأولى من المادة الخامسة من اتفاقية بروكسل لسنة 1952 و ذلك بالسماح للمدين برفع الحجز على سفينة مقابل تقديم ضمان أو تأمين كافيان، و هذا بموجب أمر صادر من المحكمة المختصة، واستثنت نفس المادة حالتين من رفع الحجز واردتين في المادة الأولى الفقرة (ق) و (ر) تتعلقان على التوالي بالنزاعات المتعلقة بملكية السفينة، وبالنزاعات المتعلقة بالسفينة المملوكة على الشيوع أو حق التصرف فيها أو استغلالها أو الحقوق الناتجة عن استغلالها، ففي هاتين الحالتين يتم رفع حجز السفينة لكن يمنح القاضي المختص إذن باستغلال السفينة مقابل أن يقدم المدين ضمانات كافية أو أداءات إيجار تسيير السفينة خلال مدة الحجز، وهو الأمر نفسه الذي نصت عليه الفقرة الأولى من المادة الرابعة من اتفاقية جنيف لسنة 1999، وهو عين ما أخذ به المنظم السعودي في النظام البحري التجاري.
كما تذهب اتفاقية بروكسل لسنة 1952 في مادتها الخامسة الفقرة الثالثة واتفاقية جنيف لسنة 1999 في الفقرة الثالثة من المادة الرابعة على أن تقديم المدين لضمان أو كفالة من أجل تحرير سفينته لا يعتبر إقرارا بمسؤوليته عن الدين المطالب به، وهو ما يتفق مع طبيعة الحجز التحفظي في أنه مجرد إجراء وقائي يهدف منه الدائن إلى الحفاظ على حقه المحتمل الثبوت لحين حصوله على السند التنفيذي وثبات حقه الذي يطالب به، مما يشير إلى أن القانون منح للمدين ضمانة أخرى لا تفسح المجال للدائن من أجل إلقاء المسؤولية مباشرة على المدين، أو تخلي هذا الأخير عن حقه عن الدفاع عن حقوقه للحد عن مسؤوليته.
الفرع الثاني: رفع الحجز عن السفينة المحجوزة في حالة عدم رفع الدعوى بالدين في الآجال النظامية
الدعوى بالدين هي دعوى يتعين على الدائن الحاجز حجزًا تحفظيًا أن يرفع دعواه بأصل الحق الذي يطالب به بقصد الحصول على السند التنفيذي، وهي دعوى ترفع أمام الجهة القضائية المختصة التي وقع الحجز في دائرة اختصاصها، وذلك للنظر في موضوع الدين وصحة الحجز معًا، فهو إجراء ذو أهمية بالغة كونه يرمي إلى العمل على استقرار المراكز القانونية، وحماية المدين من تماطل الدائن في القيام بالإجراءات النظامية اللازمة من أجل تثبيت الحجز التحفظي.
وقد تناول النظام البحري التجاري السعودي الأجل اللازم لتثبيت صحة الحجز التحفظي، وحسنا فعل بالنص على هذا الأمر وذلك في المادة التاسعة والسبعون بقولها: ” على الدائن أن يرفع الدعوى بالدين وبصحة الحجز أمام المحكمة المختصة التي وقع الحجز في نطاقها خلال الثمانية أيام التالية لتسليم محضر الحجز إلى الربان أو من يقوم مقامه، وإلا عُدّ الحجز كأن لم يكن، ويحق لمجهز السفينة أو من ينيبه استصدار أمر قضائي بإلغاء الحجز”.
ويترتب على عدم احترام الدائن لهذا الأجل البطلان وعدم ترتب أي أثر اتجاه المدين بما في ذلك الإجراءات اللاحقة، وهو ما يسمح للمدين بالمطالبة برفع الحجز عن السفينة أو استرداد مبلغ الضمان أو الكفالة.
وهو ما ذهبت إليه اتفاقية بروكسل لسنة 1952 وذلك بموجب أحكام المادة السابعة منه، حيث أشارت في الفقرة الرابعة من المادة آنفة الذكر بقولها ” إذا لم ترفع الدعوى او تتخذ الإجراءات في أي من الحالات المذكورة في الفقرتين السابقتين خلال المهلة المحددة على النحو المذكور، يجوز للمدعى عليه طلب الإفراج عن السفينة أو عن الكفالة أو الضمانات الأخرى”.
وهو الأمر نفسه الذي ذهبت إليه اتفاقية جنيف لسنة 1999 بموجب أحكام المادة السابعة منها.
ويرى الباحث بالإضافة إلى ما سبق؛ إلى أنه إذا نظرت الدعوى لم يثبت الدين فإنه يمكن الحكم بإلزام الحاجز بتعويض الطرف المحجوز عليه عن الأضرار التي لحقت به.
الخاتمة:
من خلال ما سبق؛ أن الحجز التحفظي يعد من الأدوات القانونية التي منحها المنظم السعودي للدائن من أجل ضمان المحافظة على مال المدين حتى يستطيع الدائن أن يستوفي حقه عند حلول موعد الاستحقاق، وقد عني المنظم بذكر الأحكام الإجرائية للحجز الاحتياطي مع محاولة عدم الإضرار بمصالح المدين جراء إيقاع الحجز التحفظي، ويمكن الحديث عن جملة من الاستنتاجات والتوصيات وفقا لما يأتي:
الاستنتاجات:
1- الحجز التحفظي وضعت قواعده وأحكامه لحماية مصلحة الدائن من أجل توثيق حقه ومنع المدين من تهريب أمواله أو التصرف بها، ويدخل في هذا الأمر؛ الحجز التحفظي على السفينة.
2- لم يبين النظام البحري السعودي جميع إجراءات الحجز التحفظي على السفينة، مما دفع إلى الرجوع إلى القواعد العامة وتحديدا الواردة في نظام التنفيذ السعودي.
3- اشترط النظام السعودي لإيقاع الحجز التحفظي على السفينة أن يكون بسبب دين بحري.
4- يمكن أن يقوم المدين باسترداد سفينته عن طريق الطلب من المحكمة المختصة بعد تقديم الضمانات الكافية.
5- يمكن رفع الحجز عن السفينة في حالة عدم رفع الدعوى بالدين في المدد النظامية.
التوصيات:
1- ينبغي تدارك بعض الفراغات القانونية في النظام البحري السعودي الذي يتعين الوقوف عنده لضمان نوع من التوازن الفعال بين مصالح الدائن ومصالح المدين.
2- مما ينبغي تداركه هو غياب نصوص تنظيمية عن حالات تكرار الحجز على السفينة.
3- مما ينبغي الوقوف عنده هو موضوع تعيين حارس قضائي لحماية سفينة المدين المحجوزة، من خلال بيان أحكام الحراسة القضائية على السفينة.
المراجع:
الأنظمة:
1. نظام التنفيذ الصادر بالمرسوم الملكي م/53 بتاريخ 13/8/1433هـ.
2. النظام البحري التجاري الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/33) بتاريخ 5/4/1440هـ
3. اتفاقية بروكسل للحجز التحفظي على السفن لعام 1952م.
4. اتفاقية جنيف للحجز على السفينة للعام 1999م.
5. نظام المحكمة التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/2 وتاريخ 15/1/1390هـ.
6. نظام المعاملات المدنية السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/ 191 وتاريخ 29/11/1444هـ.

الكتب العلمية
1. محمد بن عواد الأحمدي، محمد بن علي القرني، أصول الأنظمة السعودية، مكتبة المتنبي، الدمام، الطبعة الأولى، 1445هـ.
2. محمد محمد سويلم، النظام البحري والجوي السعودي، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الثانية، 2020م.
3. أسامة نائل المحيسن، الحجز التحفظي على السفن في التشريعين التونسي والإماراتي على ضوء الاتفاقيات الدولية، مجلة الأحداث التونسية، عدد 23.
4. إيمان فتحي الجميل، النظام القانوني للسفينة، الوفاء القانونية، الإسكندرية، 2010م.
5. مهدي بشوش، الضمانات المخولة للمدين في الحجز التحفظي على سفينته، مجلة العلوم القانونية والسياسية، المجلد العاشر، العدد الثاني، 2019م.
6. طالب حسن موسى، القانون البحري، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2004.
7. حسين الغشامي، الآثار المترتبة على حجز السفينة تحفظيا وفقا للأنظمة السعودية، المجلة القانونية، المجلد الحادي عشر، العدد السابع، 2022م.
8. خالد رضوان السمامعة وأنيس منصور المنصور، أحكام الحجز التحفظي على السفينة في القانون الأردني، مجلة الآداب والعلوم القانونية، جامعة السلطان قابوس.
9. نجم عبود، الحجز على السفينة في القانون العماني والاتفاقيات الدولية، مجلة جيل الأبحاث المعمقة، الجزائر، العدد الثالث، 2018م.
10. علي جمال الدين عوض، القانون البحري، دار النهضة العربية، القاهرة.
11. مصطفى كمال طه، القانون البحري، دار الفكر الجامعي، 2009.
12. عبد القادر العطير، الوسيط في شرح قانون التجارة البحرية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2014.
13. هشام فضلي، التطورات الحديثة في الحجز التحفظي على السفينة وفقا للاتفاقيات الدولية والقانونين المصري والفرنسي، مجلة كلية الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية، جامعة الإسكندرية، العدد 2، 2011.
14. فتحي والي، التنفيذ الجبري في المواد المدنية والتجارية، دار النهضة العربية.
15. عاشور مبروك، التنفيذ الجبري في قانون دولة الإمارات، مطبوعات جامعة الإمارات، 1996.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى