في الواجهةمقالات قانونية

العمل عبر المنصات الرقمية: الإطار القانوني وأفق التنظيم – الدكتور محمد منعزل: أستاذ باحث جامعة ابن زهر كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير الباحث : نجيب الصالحي: طالب باحث بسلك الدكتوراه جامعة ابن زهر كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير

الدكتور محمد منعزل: أستاذ باحث جامعة ابن زهر كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير الباحث : نجيب الصالحي: طالب باحث بسلك الدكتوراه جامعة ابن زهر كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير

 

العمل عبر المنصات الرقمية: الإطار القانوني وأفق التنظيم

Working through digital platforms: the legal framework and organisational perspectives

الدكتور محمد منعزل: أستاذ باحث جامعة ابن زهر

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير

الباحث : نجيب الصالحي: طالب باحث بسلك الدكتوراه

جامعة ابن زهر كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير

ملخص البحث

    برز العمل عبر المنصات الرقمية كنمط جديد لممارسة الشغل، حيث انتشر بحدة في السنوات الأخيرة نتيجة التحولات الرقمية والتكنولوجية، بالإضافة إلى المرونة التي يتميز بها، خصوصا إبان بعض الفترات الاستثنائية على غرار فترة انتشار جائحة كورونا وما أعقبها من اتخاذ إجراءات وقائية. ولا شك أن العمل عبر المنصات الرقمية يوفر فرصا عدة سواء لفائدة العمال أو لصالح المقاولات، إلا أنه في الوقت نفسه يطرح تحديات عديدة على أرض الواقع ترتبط بالخصوص بمدى احترام المنصات لظروف العمل اللائق وكذا بمدى توفير الحماية القانونية المخولة للأشخاص المرتبطين بهذه المنصات.

وعلى الرغم من التزايد المتواصل لهذا النوع من العمل، فإن الملاحظ أن التشريع المغربي يعرف قصورا في تأطير هذا النمط من العمل، وذلك على خلاف بعض التشريعات المقارنة التي حاولت مسايرة هذا المستجد كما هو الشأن بالنسبة للتشريع الفرنسي. وفي ظل الغموض الذي يلف طبيعة العلاقة الرابطة بين المنصة الرقمية والأشخاص المرتبطين بها، فقد أتيحت الفرصة للقضاء للبت في طلبات إعادة تكييف هذه العلاقة، حيث كانت محاكم الموضوع في بداية الأمر ترفض هذا الطلبات، وذلك إلى أن استقر قضاء النقض بناء على مجموعة من الأسس والاعتبارات على وصف هذه الرابطة بأنها علاقة شغل.

وقد فتح موضوع العمل عبر منصات الرقمية الأفق، وقدمت بشأن تأطيره مجموعة من المقترحات، وذلك عبر الاستناد على مجموعة من التجارب المقارنة في هذا المجال

Abstract

Working through digital platforms is now considered one of the major changes in the world of work. This recent type of work is widespread as a result of digital and technological transformations and accelerated especially during the Covid-19 pandemic. The rise of these digital platforms represents both opportunities and challenges for businesses and workers alike.

Despite the massive use of this type of work, Morocco has a legal vacuum in this area, contrary to several comparative legislations that have succeeded in supporting these new forms of digital work, particularly in France.

Following the ambiguity that marks the relationship between the digital platform and its related persons, in other words the relationship between the platform and the self-employed, the case law has been able to requalify the legal nature of this relationship, recognizing the status of self-employed persons as employees. Indeed, the Supreme Court ruled on the legal quality of this relationship based on several criteria such as the principle of reality and the unavailability of the qualification of the employment contract.

Thus, this topic triggers the debate between all actors on the possible horizons and avenues for regulating work via digital platforms; to this end, a new reflection calls for adopting a hybrid status of these workers.

مقدمة

عرف المجتمع في العقود الأخيرة ثورة رقمية وتحولات تكنولوجية مضطردة لم يشهد لها مثيل من قبل، شملت العديد من القطاعات والمجالات الحيوية لم يكن عالم الشغل بمنأى عنها، فقد كان لها تأثير على ظهور أنماط جديدة للتشغيل تعد في أغلبيتها أشكالا غير نمطية أو غير نموذجية (formes atypiques d’emploi)[1]، كما هو الشأن بالنسبة للعمل عن بعد والعمل لبعض الوقت والعمل بالمنازل والعمل المؤقت والعمل بصفر ساعة عمل…

في ظل هذه التحولات الرقمية، انتشر بقوة العمل عبر الارتباط بالتطبيقات والمنصات الرقمية (Plateformes numériques) سواء في مجال النقل (Careem/Heetch/VotreChauffeur Maroc/(Uber أو في مجال التوصيل (/Ubereats/Take Eat Easy Glovo/JumiaFood  ).

كما أسهمت جائحة كورونا وما ترتب عنها من إجراءات احترازية ووقائية تجنبا لانتشار الوباء بين الأشخاص، خصوصا ما تعلق بفرض حجر صحي واتخاذ إجراءات احترازية من قبيل إغلاق الحدود بمعظم دول المعمور، بدورها في تزايد الإقبال على هذه المنصات الرقمية، لاسيما ما يرتبط باقتناء الوجبات الغذائية السريعة.

وقد أفرزت هذه الأنماط الجديدة للتشغيل تحديات جديدة ومتعددة المستويات سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية. فهي وإن كانت من جهة مصدر خلق مناصب جديدة للشغل والتقليص من معدلات البطالة خصوصا لدى الشباب وتوفير المرونة بالنسبة للمقاولات، إلا أنها من جهة أخرى تطرح رهانات متعددة، تتعلق خصوصا بضمان واحترام شروط العمل اللائق والعمل المنتج للجميع ومحاربة الهشاشة وعدم الاستقرار في العمل وتوفير الحماية الاجتماعية للأجراء واحترام حقوقهم الأساسية.

وفي ظل ما يعانيه الأشخاص العاملون في إطار المنصات الرقمية، خصوصا مع تفشي جائحة كورونا كوفيد 19، من هشاشة وعدم الاستقرار في العمل، حيث غياب الحق في التغطية الصحية والاستفادة من التعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، ناهيك عن ارتفاع عدد ساعات العمل اليومية، فقد اضطر هؤلاء إلى اللجوء إلى المحاكم المختصة للمطالبة بإعادة تكييف العقود التي تربطهم بالمنصات الرقمية.

في البداية، كانت محاكم الموضوع تقضي برفض طلبات إعادة التكييف على اعتبار أن العمال يمارسون نشاطهم بحرية في إطار نظام المقاول الذاتي، كما أنهم أبرموا عقودا للشراكة مع هذه المنصات الرقمية، على خلاف محاكم القانون التي ذهبت في اتجاه مخالف، إذ اعتبرت أن العلاقة الرابطة بين الطرفين تشكل علاقة شغل، وذلك بناء على مجوعة من الأسس والاعتبارات. فعلاقة بقضايا تتعلق بشركات عالمية كبرى تدبر منصات رقمية للوساطة مثل شركة “أوبر” (Uber)[2]، وشركة “تيك إت إيزي” (Take Eat Eazy)، وشركة “كلوفو” (Glovo)[3]،  تم الحسم في النظام القانوني للعمال، حيث تم التوصل إلى أن نظام العامل المستقل كان صوريا بعد أن تأكد لها وجود عنصر التبعية القانونية باعتباره العنصر الجوهري المميز لعقد الشغل.

إن الأحكام والقرارات القضائية المتواترة الصادرة عن مختلف المحاكم في البلدان المذكورة أعلاه، دفعت مختلف الفاعلين من حكومات ونقابات وباحثين في مجال قانون الشغل إلى طرح مجموعة من الاقتراحات والسناريوهات لتحسين وضعية هذه الفئة، منها ما يتعلق بإدخال تعديلات تشريعية على قوانين الشغل تضمن لها حرية أكبر أثناء مزاولة العمل مع ضمان الحد الأدنى من الحقوق مثل الحد الأدنى للأجر والرخص السنوية المؤدى عنها والحماية الاجتماعية.

كما أسهم البروز القوي لهذه المنصات في سوق الشغل في إطار ما يسمى بالاقتصاد التضامني (économie collaborative) في طرح نقاشات قانونية بين الباحثين والممارسين ومختلف الفاعلين في هذا المجال، وإعادة النظر في مفاهيم كلاسيكية خصوصا ما يتعلق بالتبعية القانونية ومدى صموده كمعيار حاسم في تكييف عقد الشغل. فقد أدى انتشار العمل بواسطة المنصات الرقمية خلال السنوات الأخيرة إلى طرح إشكاليات ترتبط بوضعية الأجراء المرتبطين بها، والنظام القانوني الذي يطبق على هذه الفئة والحماية القانونية والاجتماعية المخولة لها، فهل فعلا يتمتعون باستقلالية وحرية أثناء مزاولة عملهم في إطار نظام العامل المستقل، أم أن الأمر في حقيقته يخفي وجود رابطة التبعية القانونية؟ وبالتالي إمكانية القضاء إعادة تكييف العلاقة التي تربطهم بالمقاولات على أنها علاقة شغل؟

 ومن جهة أخرى، تم فتح نقاش مستفيض حول مختلف السبل والحلول الممكنة لاحتضان هذا النمط الجديد من العمل، فقد تعددت هذه الأخيرة، بين خلق نظام ثالث هجين أو القيام بتعديلات تشريعية تحافظ على استقلالية هذه الفئة مع توفير حد أدنى من الضمانات أو الحقوق أو الاتجاه نحو اعتبار هذه الفئة ضمن فئة الأجراء.

وللإجابة عن الإشكالية التي يطرحها موضوع هذا المقال، ارتأينا اتباع خطة وفق التقسيم التالي:

المطلب الأول: التأطير القانوني للعمل عبر المنصات الرقمية

الفقرة الأول: مفهوم العمل عبر المنصات الرقمية

الفقرة الثاني: التنظيم التشريعي للعمل عبر المنصات الرقمية

المطلب الثاني: المبحث الثاني: أفق تنظيم العمل عبر المنصات الرقمية على ضوء الاجتهادات القضائية

الفقرة الأولى: التأطير القضائي لعقود الأشخاص المرتبطين بالمنصات الرقمية

الفقرة الثانية: أفق تنظيم العمل عبر المنصات الرقمية

 

المطلب الأول: التأطير القانوني للعمل عبر المنصات الرقمية

إن التزايد المستمر للعمل عبر المنصات الرقمية لا يقتصر على المغرب فحسب، بل يعد ظاهرة عالمية أملتها ظروف مرتبطة بالتحولات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية على إثر تفشي جائحة كورونا، لذا أضحت مختلف التشريعات بما فيه التشريع المغربي تفكر في مواكبة هذه التحولات للالتحاق بركب من سبقتها من الدول المتقدمة.

إن الإحاطة بالتأطير القانوني للعمل عبر المنصات الرقمية، تقتضي بداية التعرف على مفهوم العمل عبر المنصات الرقمية (المطلب الأول)، على أساس التطرق في مرحلة موالية إلى الجانب التشريعي المنظم لهذا النمط من العمل (المطلب الثاني).

الفقرة الأولى: مفهوم العمل عبر المنصات الرقمية

سيتم التطرق لمفهوم المنصات الرقمية (أولا)، ثم التطرق للمقصود بالعمل عبر المنصات الرقمية (ثانيا).

أولا: تعريف المنصات الرقمية

في ظل الفراغ التشريعي للعمل عبر المنصات الرقمية، لم يعرف المشرع المغربي المنصات الرقمية كما سبقت الإشارة إلى ذلك، على خلاف المشرع الفرنسي الذي حاول تقديم محاولات تحديد المقصود بالمنصات الرقمية في نصوص متفرقة كما هو الشأن بالنسبة للمدونة العامة للضرائب لسنة 2015 التي اعتبرت في الفصل 242 مكرر المنصة الرقمية بأنها: «كل مقاولة، كيفما كان مكان تأسيسها، بصفتها مدبرا لمنصة للربط بين أشخاص عن بعد بطريقة إلكترونية، وذلك بهدف بيع سلعة وتقديم خدمة أو تبادل أو تقاسم سلعة أو خدمة”[4].

وبدورها نصت مدونة المستهلك الفرنسية على أنه: “يعد مدبرا للمنصة الرقمية كل شخص طبيعي أو معنوي يعرض، بصفة مهنية، للعموم خدمة للتواصل عبر الأنترنت، مجانية كانت أو مؤدى عنها؛ وذلك بغرض:

  • (…).
  • ربط عدة أطراف بهدف بيع سلع أو تقديم خدمة، أو من أجل تبادل أو تقاسم محتوى أو سلعة أو خدمة”. [5]

كما عرف مقترح القانون المتعلق بنظام أجراء المنصات الرقمية في الفصل الأول المنصات الرقمية للعمل بأنها: “تلك التي تطور نشاطا اقتصاديا وتجاريا بهدف اقتراح وتنظيم خدمات لزبناء سيتم ربطهم عن طريق عمال بطريقة مباشرة بواسطة المنصة.”[6]

من جهته عرف المجلس الوطني للرقمنة[7]  المنصة الرقمية بأنها: ” كل مرفق له وظيفة الوساطة للولوج إلى معلومات ومحتويات وخدمات أو سلعة تنجز أو تمنح من طرف ثالث.”

فالمنصات الرقمية وسيط لامادي سواء بين شخصين من الخواص أو بين مؤسسة ومستهلك، أو بين مؤسستين تقدم خدمة على شكل جماعي عبر المنصات الرقمية، بموجب عقود تعاون [8]  (contrats collaboratifs)، فهي عبارة عن وسيط ينظم بمقابل عملية العرض والطلب[9].

كما عرفت المنصات الرقمية من جهة أخرى بأنها أجهزة أو برامج تستخدم تطبيقا أو خدمة ما، تعمل وفق نظام التشغيل وتنسيق البرامج، وتستعمل مجموعة من التعليمات لمعالج معين.[10]

ومن جهتها، اعتبرت منظمة العمل الدولية في تقرير صادر عنها منصات العمل الرقمية مكونا أساسيا للاقتصاد الرقمي، تتيح للأفراد أو عملاء قطاع الأعمال بالاضطلاع بالعديد من الأنشطة والأعمال المسندة إليهم، من بينها تنظيم الرحلات أو طلب الوجبات أو العثور على أخصائيين مستقلين لتطوير المواقع الإلكترونية أو ترجمة الوثائق. وهي تعمل، من خلال ربط قطاعات الأعمال والعملاء بالعمال، على إحداث تحول في إجراءات العمل مع ما يترتب عن ذلك من آثار جسيمة في مستقبل العمل.[11]

ثانيا: مفهوم العمل عبر المنصات الرقمية

من أجل تقريب مفهوم العمل عبر المنصات الرقمية، سيتم بداية التطرق لتعريف العمل عبر المنصات الرقمية، ثم في مرحلة ثانية التعرف على أنواع هذه المنصات.

1- تعريف العمل عبر المنصات الرقمية

 أضحى إنجاز العمل عبر المنصات الرقمية نموذجا اقتصاديا جديدا (nouveau modèle économique) ينجز فيه العمل حسب الطلب (à la demande) اعتمادا على يد عاملة تتسم بالمرونة والجاهزية وقلة التكلفة وتحمل مخاطر النشاط[12].

ويمكن تعريف العمل المؤدى استنادا للمنصات الرقمية بأنه كل عمل ينجز عبر وساطة منصات رقمية في قطاعات ذات نطاق واسع، يأخذ فيه أشكالا متنوعة، وذلك مقابل الحصول على أجر.[13] فالعمل عبر المنصات الرقمية لا يعدو أن يكون شكلا من أشكال التشغيل، تستعمل من خلاله منظمات أو أشخاص منصة عبر الأنترنيت من أجل الوصول لمنظمات أو أشخاص آخرين بهدف حل مشاكل أو تقديم خدمات خاصة مقابل الأداء[14].

إن من مميزات العمل عبر المنصات الرقمية وجود علاقة ثلاثية الأطراف بين المنصة الرقمية والعامل والزبون[15].  كما أن بين خصائصه توافر العناصر التالية:

  • تنظيم عمل مأجور عبر منصة رقمية؛
  • تدخل ثلاثة (03) أطراف تتجسد في المنصة الرقمية والعامل والزبون؛
  • التعاقد من الباطن على العمل؛
  • تقسيم الأعمال إلى مهام؛
  • تقديم الخدمات بناء على طلب.

والملاحظ أن محاولة تقديم تعريف دقيق للمنصات الرقمية ليس بالشيء الهين، وذلك بالنظر لتنوعها الكبير واختلاف الأنشطة التي تقدمها، فهذه الخاصية تجعلها تتسم بعدم التجانس، حيث يمكن القول أن الخاصية المشتركة تقتصر على كونها تهدف إلى تحقيق الربط بين فاعلين وأطراف متعددة.

 

2- أنواع منصات العمل الرقمية

استنادا إلى التقرير الصادر عن منظمة العمل الدولية سنة 2021، ازداد العمل عبر المنصات الرقمية خلال العقد الأخير بخمسة أضعاف في جميع أنحاء العمل.

 ويمكن تصنيفها إلى نوعين من المنصات الرقمية: الصنف الأول يستند إلى الشبكة العنكبوتية، حيث ينجز فيه العمل عبر الأنترنيت عن بعد بواسطة العمال يصنفون على أنهم يعملون في إطار علاقة شغل.

أما الصنف الثاني فيكون قائما على إنجاز العمل فعليا في عين المكان، حيث يتم تنفيذ المهام في مواقع مادية محددة مثل خدمات سائقي سيارات الأجرة وعمال التوصيل. ويصنف العمال في هذا النوع على أنهم يؤدون عملهم لحسابهم الخاص أو متعاقدين مستقلين.

وفي تصنيف آخر ورد في تقرير المفتشية العامة للشؤون الاجتماعية بفرنسا ميز بين ثلاثة أصناف من المنصات[16] تتجلى في:

  • (Les plateformes digitales) المنصات الرقمية مثل محركات البحث والشبكات الاجتماعية؛
  • (Les plateformes collaboratives) المنصات التضامنية؛
  • (Les plateformes d’emploi) منصات التشغيل، وهذا النوع الأخير من المنصات الرقمية هو الذي يشكل موضوع هذا البحث.

         فالدور الأساس للمنصات الرقمية للعمل هو الوساطة، وذلك استنادا إلى خوارزميات (Algorithmes) تسمح بتوزيع السلع والخدمات من أجل إرضاء أكبر عدد ممكن من الأشخاص.[17]

ولا شك أن الإحاطة بموضوع العمل عبر المنصات الرقمية يقتضي التطرق في فقرة ثانية إلى واقع تنظيمه التشريعي سواء في إطار التشريع المغربي أو التشريع المقارن.

 

الفقرة الثانية: التنظيم التشريعي للعمل عبر المنصات الرقمية

يعد العمل عبر التطبيقات الرقمية من بين الأنماط الجديدة للعمل الذي بات يعرف تزايدا مستمرا، الأمر الذي يستدعي معه الوقوف على واقع تنظيمه التشريعي سواء في المغرب (الفقرة الأولى)، أو في بعض التشريعات المقارنة خصوصا التشريع الفرنسي (الفقرة الثانية).

أولا- العمل عبر المنصات الرقمية في التشريع المغربي

على الرغم من التزايد المضطرد للعمل عبر التطبيقات الرقمية، إلا أنه يلاحظ أن التنظيم التشريعي لهذا النمط من العمل بالمغرب يتميز بالفراغ والقصور، وهي ملاحظة لا ترتبط فقط بالعمل عبر المنصات الرقمية، بل أيضا بأنماط أخرى مثل العمل الجزئي والعمل عن بعد.

بالرجوع إلى مواد مدونة الشغل المغربية، لا نجد مقتضى ينظم هذا النمط من العمل على خلاف بعض التشريعات المقارنة مثل التشريع الفرنسي.  فعلى الرغم من أن مدونة الشغل قد جاءت في خضم الصخب التكنولوجي، وعلى الرغم مما جاء في تصديرها حول الأخذ بعين الاعتبار إكراهات المقاولة بالنسبة للتشريعات المقارنة ومتطلبات المنافسة، خدمة للاستثمار والإنتاج من أجل اقتصاد قوي وقادر على المنافسة على مواجهة تحديات العولمة ومواكبة التأهيل الاقتصادي والاجتماعي، فإن اهتمام المشرع الاجتماعي المغربي بالتطورات التكنولوجية الحديثة يبقى محدودا جدا[18]. فبعض مواد المدونة لا تسعف في احتضان هذا النمط من العمل، فالمادتان الأولى والثانية من المدونة في إطار حديثها عن مجال تطبيق مقتضياتها لم تتطرقا لهذا النمط من العمل، الذي يتصف بطغيان الطابع اللامادي، فمدة العمل غير محددة بدقة، كما أنه لا وجود لمقر عمل يجسد الارتباط المباشر بين العمال والمنصات.

 لذا، فقد أصبح من الضروري القيام بتعديلات تشريعية تساير هذا التطور، وتحمي خصوصيات بعض الفئات التي توصف بالهشاشة كما هو الشأن بالنسبة للعمل عبر المنصات الرقمية.

فأغلب الأشخاص المرتبطين بالمنصات الرقمية بالمغرب مثل شركة “كلوفو” (Glovo) الأكثر حضورا في سوق الشغل المغربي، يتوفرون على صفة مقاول ذاتي باعتباره كل شخص ذاتي يزاول بصفة فردية نشاطا صناعيا أو تجاريا أو حرفيا أو يقدم خدمات [19].

وقد أفرز الفراغ التشريعي المرتبط بالعمل عبر المنصات الرقمية في الواقع صراعات في بعض القطاعات الحيوية مثل قطاع النقل[20]، وكذات تحديات في المجال الضريبي.

فعلى مستوى قطاع النقل، وعلى إثر انتشار شركات النقل الناشطة بواسطة التطبيقات الرقمية خصوصا على مستوى مدينة الدار البيضاء، أصبحت هذه الشركات تشكل منافسة حقيقية لأرباب ومهني قطاع النقل التقليدي، على اعتبار أنها – حسب هذه الفئة – تعمل بصفة غير مشروعة، ولا تتوفر على ترخيص يسمح لها بممارسة نشاط النقل، وهو ما يشكل خرقا لمبدأ المنافسة الشريفة وتهديدا حقيقيا لهذه الفئة ولقوتها اليومي.

كما أنه، وبالإضافة إلى النقاش الدائر حول طبيعة العلاقة التي تربط شركة “أوبر” (Uber) بالسائقين، فقد طرح أيضا إشكال لدى المهتمين يتعلق بطبيعة النشاط الممارس من لدن هذه الشركة، فهل يتعلق الأمر بشركة للنقل أم شركة للتكنولوجية الرقمية؟[21]

صعوبة أخرى يطرحها القصور التشريعي للعمل عبر المنصات الرقمية في المجال الضريبي، يتجلى في عدم تطبيق أي ضرائب على معاملات كبريات المنصات الرقمية العالمية التي تنشط في المجال الاقتصادي الرقمي بالمغرب، وذلك راجع لسببين: فمن جهة، يتعذر على التشريع الوطني المغربي بوضعه الحالي فرض ضرائب على الأنشطة الرقمية، حيث ظل معظمها خارج القواعد الضريبية المحلية، كما أنه من جهة أخرى تطرح تحديات ومخاطر ترتبط بالازدواج الضريبي وما تنص عليه مقتضيات الاتفاقيات الدولية الثنائية في المجال الضريبي.

فمثل هذه الأوضاع من شأنها أن تخلق تداعيات سلبية حقيقية، فإلى جانب فقدان المغرب تحصيل إيرادات ضريبية مستحقة، فإنها أيضا تسهم في عدم تحقيق العدالة في المنافسة بسبب التفاوت الحاصل في الأعباء الضريبية بين الشركات الرقمية ونظيرتها من الشركات التقليدية[22].

وعلى الرغم من القصور التشريعي المميز للعمل عبر المنصات الرقمية، فإن نصوصا تشريعية مختلفة قد تسعف من قريب أو بعيد في تأطير هذه الفئة مثل القانون الإطار رقم 09.21  المتعلق بالحماية الاجتماعية، والقانون رقم 98.15 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، والقانون رقم 99.15 المتعلق بإحداث نظام المعاشات لفائدة فئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، والقانون رقم 00-65 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، والظهير شريف بمثابة قانون رقم 184.72.1 بتاريخ 15 جمادى الثانية 1392 (27 يوليوز 1972) يتعلق بنظام الضمان الاجتماعي كما تم تغييره وتتميمه.

وفي ظل الفراغ التشريعي للعمل عبر المنصات الرقمية بالمغرب، يتعين التعرف على تأطيرها القانوني في بعض التشريعات المقارنة خصوصا التشريع الفرنسي.

 

ثانيا: العمل عبر المنصات الرقمية في بعض التشريعات المقارنة

بات من اللازم على الحكومات اتخاذ تدابير قانونية لتأطير العمل عبر المنصات الرقمية، فإذا كان التشريع المغربي يعرف تأخرا في هذا المجال، فإن بعض الدول كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا التي سارعت إلى سن نصوص قانونية محاولة منها توفير حماية أدنى من الحماية الاجتماعية.

فبعد أن أدرج المشرع الفرنسي تعريفا قانونيا للمنصات الرقمية في الفصل 242 مكرر من المدونة العامة للضرائب، خصص في إطار التعديل الذي طال مدونة الشغل الفرنسية في 8 غشت 2016 عنوانا خاصا تحت عنوان “العمال المستعملون لمنصات الوساطة بطريقة الكترونية”، وذلك في الفصول من L7341-1 إلىL7345-6).

فقد تم التنصيص لأول مرة على المسؤولية الاجتماعية responsabilité sociale)   (للمنصات الرقمية تجاه العمال المرتبطين بها[23]،  وهي مسؤولية معنوية[24] تتحمل من خلالها هذه المنصات مجموعة من الضمانات من قبيل تحمل مساهمات التأمين عن حوادث الشغل، والإسهام في التكوين المهني، وحماية حق الإضراب من خلال منع اللجوء إلى التدابير القسرية (coercitives)،  والحق في تأسيس منظمات نقابية.

كما أن المدونة العامة للضرائب الفرنسية بدورها ألقت على عاتق المنصات الرقمية أثناء القيام بعملياتها التجارية واجب حق الإعلام بشكل واضح وشفاف[25].

وفي إطار قانون 24 دجنبر 2019، المتعلق بتوجيه التنقلات (la loi d’orientation des mobilités) تم الاعتراف لعمال المنصات الرقمية بحق الولوج والتعرف على كل المعطيات التي تخص الأنشطة التي يقومون بها داخل المقاولة[26].

وفي ظل الغموض والقصور التشريعيين اللذين يميزان العمل عبر المنصات الرقمية، وعدم الحسم في الوضعية القانونية للعمال المرتبطين بها، يتعين الوقوف في المبحث الثاني على موقف القضاء ودوره في تأطير هذا النمط من العمل الجديد، وكذا مختلف الحلول القانونية الممكن اتباعها لتأطير وضعية هذه الفئة.

 

المطلب الثاني: أفق تنظيم العمل عبر المنصات الرقمية على ضوء الاجتهادات القضائية

في ظل الفراغ التشريعي الذي يميز العمل عبر المنصات الرقمية، وعلى إثر التزايد المستمر لهذا النمط من العمل، وفي ظل الهشاشة التي يطرحها، فقد اضطر الأشخاص العاملون في إطار هذه المنصات الرقمية إلى اللجوء إلى المحاكم المختصة للمطالبة بإعادة تكييف العقود التي تربطهم بالمنصات الرقمية، حيث أضحى للقضاء دورا محوريا في تكييف هذه العلاقة.

وعليه، وقصد الإحاطة أكثر بتوجه القضاء في مجال تحديد الطبيعة القانونية للعمل عبر المنصات الرقمية، فإنه يتعين بداية التعرف على الأسس المعتمدة من لدنه في تكييف عقود العمال المرتبطين بالمنصات الرقمية سواء أمام محاكم الموضوع أو محاكم القانون (المطلب الأول)، ثم التطرق في مرحلة موالية لآفاق التنظيم التشريعي للعمل عبر المنصات الرقمية ومختلف السيناريوهات التشريعية الممكنة (المطلب الثاني).

الفقرة الأولى: التأطير القضائي لعقود الأشخاص المرتبطين بالمنصات الرقمية                 

يقتضي التعرف على رأي القضاء التطرق لموقف محاكم الموضوع الفرنسية في ظل الفراغ الذي يعرفه الاجتهاد القضائي المغربي في هذا المجال (أولا)، ثم التعرف على المبررات المعتمدة من لدن محكمة النقض الفرنسية في وصف العلاقة الرابطة بين العمال والمنصات الرقمية (ثانيا).                                                                                                                                                             

أولا: أسس محاكم الموضوع في رفض إعادة تكييف عقود أجراء المنصات الرقمية

بعد أن كانت محاكم الموضوع في فرنسا تقضي في شأن طلبات تكييف العقود الواردة عليها في شأن طبيعة نشاط عمال المنصات الرقمية بعدم الاختصاص، على اعتبار أنهم يمارسون عملهم بشكل مستقل في إطار نظام المقاول الذاتي، حيث أبرموا عقودا للتعاون مع الشركات التي تدير هذه المنصات الرقمية، حسمت محكمة النقض الفرنسية النقاش الواسع حول وضعية هذه الفئة، فقد بتت لأول مرة في شأن تكييف العقد الرابط بين موزع الوجبات والمنصة الرقمية “تيك إت إزي” (Take Eat Easy ) في قرارها الصادر سنة 2018، حيث اعتبرت هذه الأخيرة العلاقة الرابطة بين الناقل والشركة علاقة شغل. [27]

كما ذهبت في نفس الاتجاه في قرار صادر عنها بتاريخ 4 مارس 2020، إذ أعادت تكييف العلاقة الرابطة بين أحد السائقين وشركة “أوبر” (Uber)[28]، واعتبرتها عقد شغل، وذلك بعد أن توصلت إلى وجود التبعية القانونية بعناصرها الثلاثة: سلطة الإشراف والتوجيه وسلطة المراقبة وسلطة التأديب كما هي محددة في قرار “الشركة العامة” (Société Générale) الصادر عن محكمة النقض الفرنسية سنة 1996.

ففي فرنسا، قضت محكمة الاستئناف بباريس في قرار صادر عنها بتاريخ 20/07/2017[29] برفض الطلب الذي تقدم به أحد موزعي الوجبات الرامي إلى إعادة تكييف العقد، حيث اعتبرت الموزع مقاولا ذاتيا مستقلا، مؤيدة بذلك الحكم الصادر عن مجلس الخبراء بباريس الذي قضى بعدم الاختصاص في البت في القضية[30]، ومنح الاختصاص للمحكمة التجارية. وقد استندت محكمة الاستئناف في قرارها السالف الذكر على مجموعة من الأسس، تتمثل في خلو العقد من شرط التفرد بالعمل لدى المشغل و خلو العقد من شرط عدم المنافسة و الحرية في تنظيم العمل.

1- خلو العقد من شرط التفرد بالعمل لدى المشغل clause d’exclusivité))

يعد شرط التفرد بالعمل لدى المشغل (clause d’exclusivité) من بين الشروط التي قد يتضمنها عقد الشغل، من خلاله يشترط المشغل على الأجير، سواء في عقد الشغل أو في عقد لاحق، عدم العمل لدى جهة أخرى، أو ألا يشتغل لديها إلا بعد حصوله على إذن صريح يسمح له بذلك[31].

ولعل من بين أهم الأسس التي اعتمدت عليها محاكم الموضوع للقول بعدم وجود علاقة شغل ما أشارت إليه بغياب شرط عدم التفرد بالعمل لدى المشغل في العقد، فقد تطرقت للحرية التي يتمتع بها العامل في إبرام عقود مماثلة مع أي مقاولة أخرى. فقد أشارت محكمة الاستئناف الفرنسية[32] في هذا الصدد إلى عدم تمتع شركة (Take Eat Eazy   ) بشرط التفرد بالعمل لديها، حيث يتمتع المتعاقد، على خلاف ذلك، بكامل الحرية في إبرام عقد مماثل مع مقاولة أخرى[33].

غير أن السؤال الذي يطرح في هذا الصدد هو هل غياب هذا الشرط في العقد يعد مؤشرا على عدم وجود علاقة شغل؟

فمن جهة، قد يعد شرط التفرد بالعمل لدى المشغل مؤشرا إضافيا من بين المؤشرات المعتمدة للقول بقيام علاقة التبعية، غير أن غياب هذا الشرط لا يكفي للجزم التام بعدم وجود علاقة شغل، فلا شك أن العمل التابع قد يمارس بشكل جزئي.  ومن جهة أخرى، يعد تضمين العقد شرط التفرد بالعمل لدى المشغل مؤشرا أكثر على وجود تبعية اقتصادية، والتي لا تكفي لوحدها للقول بوجود عقد شغل[34].

2- خلو العقد من شرط عدم المنافسة (Clause de non-concurrence)

يعرف شرط عدم المنافسة بكونه اتفاق يلتزم بمقتضاه أحد المتعاقدين بألا يؤسس مشروعا منافسا للمتعاقد الآخر، أو ألا يشتغل في مؤسسة منافسة له[35]. أما في المادة الاجتماعية فيعرف بأنه الاتفاق الذي بمقتضاه يلتزم الأجير بعدم منافسة مشغله، سواء من خلال إنشاء مشروع منافس أو من خلال الاشتغال عند مشغل منافس، وذلك ليس فقط أثناء سريان العقد، بل حتى بعد انتهائه أو فسخه[36].

وقد اعتمدت محاكم الموضوع في فرنسا أثناء تأسيس قراراتها القاضية برفض طلبات إعادة تكييف العلاقة  الرابطة بين المنصات والعمال على مبرر غياب شرط المنافسة وعدم إدراجه في العقد الرابط بين الطرفين للدلالة على الحرية التي يتمتع بها أجراء المنصات خلال ممارسة العمل.

3- الحرية في تنظيم العمل ( الزمان والمكان )

استندت محكمة الاستئناف في تعليلها إلى الحرية التي يتمتع بها الموزع في اختيار فترات العمل، حيث يمكن له بنفسه أن يختار أسبوعيا ساعات العمل، كما له إمكانية اختيار تلك التي لا يود خلالها مزاولة نشاطه، بالإضافة إلى الإمكانية المخولة له في تغيير فترات العمل قبل حلول موعدها في حدود 72 ساعة. [37]

نفس الاتجاه اتبعه مجلس الخبراء لباريس في قضية شركة “أوبر” (Uber)، عندما أكد على غياب أي رقابة لهذه الأخيرة على فترات عمل السائق، حيث لا يوجد إلزام على السائق بالحضور أو مدة الاتصال[38].

ومن أجل تعزيز فكرة الحرية المطلقة في تنظيم أوقات العمل التي من شأنها أن تبعد الاعتراف بوجود عقد شغل، برر أيضا قضاة الموضوع موقفهم بناء على الحق المخول للعامل في رفض الطلبات الواردة عليه عبر التطبيق الرقمي[39].

ثانيا: مبررات محاكم النقض في إعادة التكييف

على خلاف محاكم الموضوع التي كانت تقضي بعدم الاختصاص لكون عمال المنصات الرقمية يمارسون عملهم باستقلالية في إطار نظام المقاول الذاتي، أعادت محكمة النقض الفرنسية تكييف عقود هذه الفئة القراراين السالفي الذكر المرتبطين بشركتي  “أوبر” (Uber) و”تيك إت إيزي” (Take Eat Eazy)، وذلك استنادا إلى مجموعة من الاعتبارات ذكرت من خلالها بمفاهيم كلاسيكية لإثبات وجود عنصر التبعية وبعض المبادئ الأساسية  المؤطرة لتكييف عقد الشغل خصوصا مبدأ الواقعية.

1- إعادة تطبيق مفاهيم كلاسيكية

أ-التبعية القانونية بعناصرها الثلاثة

استندت قرارات إعادة تكييف عقود العمال المرتبطين بالمنصات الرقمية على معايير ومفاهيم كلاسيكية لإثبات عنصر علاقة التبعية القانونية التي يعرفها بعض الفقه بأنها: “هيمنة المشغل أثناء تنفيذ العقد على نشاط العامل، فقوامها نوع من السلطة لأحد المتعاقدين على الآخر، تتجسد في حق المشغل في توجيه الأجير وملاحظته أو رقابته في أثناء قيامه بالعمل، والتزام الأجير بإطاعته في هذا التوجيه وبالامتثال له في  تلك الملاحظة أو الرقابة، كما تظهر في الجزاءات التي يمكن للأول، عند المخالفة، توقيعها على الثاني[40].

ففي ظل غياب تعريف تشريعي لعنصر التبعية في أغلب قوانين الشغل المقارنة، فقد ذكرت محكمة النقض الفرنسية بداية بالتعريف القضائي الكلاسيكي لعنصر التبعية في إطار عقد الشغل، الصادر عنها سنة 1996  الذي اعتبر أن ما يميز علاقة التبعية في عقد الشغل هو تنفيذ العمل تحت سلطة مشغل يتوفر على سلطة توجيه الأوامر وإعطاء التوجيهات، وسلطة مراقبة تنفيذها، وكذا سلطة توقيع العقوبات على الأجير في حالة الإخلال بالالتزامات الملقاة على عاتقه”[41].

فإلى أي حد استطاعت محكمة النقض الفرنسية تطبيق التعريف الكلاسيكي للتبعية القانونية على وضعية عمال المنصات الرقمية، أي إبراز مدى تمتع المنصات الرقمية بسلطات التوجيه والرقابة والتأديب وعدم اقتصارها على دور الوساطة؟

فارتباطا بسلطة المراقبة، يتوفر التطبيق على نظام للتموقع الجغرافي (géolocalisation) يخول الشركة إعمال رقابتها على نشاط العامل، حيث يخول لها إمكانية تتبع وضعيته الجغرافية بشكل مباشر، وكذا إمكانية التعرف على العدد الإجمالي للمسافة التي تم قطعها، فهي بذلك تكون قد تجاوزت الاختصاص التشريعي المنوط بالمنصات الرقمية الذي يقتصر على الربط والوساطة.

ومن جهة أخرى وعلاقة  بسلطة التأديب،  تتمتع الشركة  بحق فرض جزاءات يكمن أن تتخذها ضد عامل المنصة الرقمية في حالة إخلاله بالالتزامات الملقاة على عاتقه مثل إجراء تعديلات على تعرفة الأجر المستحق، وقد تصل هذه الجزاءات  إلى حد غلق حسابه (désactivation du compte) وفسخ العقد، وذلك عندما يقدم هذا الأخير على ارتكاب بعض السلوكيات من قبيل عدم القيام بتوصيل الوجبات بشكل متكرر بعد قبوله القيام بهذه العملية ما لم يكن ذلك بسبب قهوة قاهرة، أو في حالة اختيار السائق مسلكا غير مناسب، أو القيام بأفعال غير لائقة تجاه شركاء الشركة أو مديريها أو أحد الزبناء أو الإقدام على بعض التصرفات الخطيرة مثل عدم احترام قواعد قانون السير.

 

  • تقنية حزمة المؤشرات (faisceau d’indices)

  إن إثبات عنصر التبعية باعتباره العنصر الجوهري في عقد الشعل، لن يتأتى إلا عبر إبراز العناصر الثلاثة السابقة ذكرها. ويستند القاضي أثناء نظره في النزاع إلى مفهوم حزمة المؤشرات faisceau)  d’indices) خصوصا في الحالات التي يتعذر عليه الوصول بطريقة مباشرة إلى عناصر التبعية القانونية.

فبناء على تقنية حزمة المؤشرات، توصلت محكمة النقض في القضايا المرتبطة بعمال المنصات الرقمية إلى وجود علاقة التبعية والتي نذكر من بينها:

  • المرفق المنظم service organisé))

أشارت محكمة النقض الفرنسية إلى أن العمل داخل مصلحة منظمة قد يكون مؤشرا على وجود علاقة تبعية، وذلك في الحالة التي يحدد فيها المشغل بطريقة أحادية شروط تنفيذ الشغل[42]. ولعل من بين المؤشرات التي يعتمدها القضاء من أجل البحث عن الطبيعة الحقيقية للعقد نذكر:

  • مؤشر الأجر، أي ما يتقاضاه الأجير مقابل العمل الذي يؤديه سواء كان نقديا أو عينيا أو على شكل نسبة من الأرباح التي يحصل عليها المشغل. ففي هذه الحالة يمكن للتبعية الاقتصادية أن تشكل مؤشرا لقيام علاقة التبعية؛
  • مؤشر مكان تنفيذ العمل الذي يشكل دليلا أوليا على وجود عقد شغل. فعمليا الغالب الأعم أن الأجير يتنقل من مسكنه لممارسة نشاطه داخل المقاولة أو في أي محل آخر في ملكية المشغل؛
  • مؤشر الالتزام بتوقيت عمل معين أي الفترة المحددة التي يكون فيها الأجير خاضعا لسلطة المشغل، والتي غالبا ما تكون محددة من حيث البداية والنهاية؛
  • مؤشر تقديم المواد الأولية ووسائل الإنتاج من المشغل، أي أن الاشتغال بأدوات العمل تعود ملكيتها للمشغل مؤشر على أن العلاقة هي علاقة شغل، لأن الشخص الذي يقدم خدمات للغير بواسطة أدواته الخاصة يعتبر مقاولا يزاول عمله بحرية واستقلالية مثل الأطباء والنجارين والحدادين والخياطين وغيرهم من الحرفيين؛[43]
  • اشتغال الأجير الحصري لدى المشغل، ذلك أن تضمن العقد لشرط التفرد بالعمل لدى المشغل يشكل مؤشرا على وجود علاقة شغل، على خلاف الحالة التي يتمتع فيها الأجير بالحرية الكاملة في إبرام عقود مماثلة مع مقاولة لأخرى.

 

فالعامل المرتبط بالمنصة الرقمية سواء في قضية توزيع الوجبات أو في قضية سياقة سيارة الأجرة لم يكن يتمتع بأي سلطة في تنظيم عمله، بل إنه ولج مرفقا منظما بصفة كلية من لدن المنصات الرقمية، فالمرفق الذي يمارس فيه الموزعون والسائقون نشاطهم لم يكن له وجود خارج المنصة الرقمية، حيث لا يتمتعون بحق تكوين زبناء بصفة شخصية، كما أن لا سلطة لهم في تحديد الأتعاب المستحقة ولا حتى في تحديد ظروف إنجاز العمل، فكل الظروف المحيطة بمرفق النقل أو التوزيع تبقى منظمة حصريا من لدن المنصات الرقمية[44].

2- صورية نظام العامل المستقل

وصفت محكمة النقض الفرنسية نظام العامل المستقل الذي يتمتع به عمال المنصات الرقمية بالصوري (fictif)، وذلك لكون هذه الأخيرة تتمتع واقعيا بسلطات التوجيه والرقابة واتخاذ الجزاءات[45]. فقيام علاقة التبعية لا يتوقف على الإرادة المعبر عنها من لدن الطرفين، ولا على التسمية التي تم إطلاقها على الاتفاق الرابط بينها، بل بناء على الشروط المرتبطة بإنجاز العمل[46].

3- الواقعية في تكييف العقد

تؤطر مهمة القاضي أثناء تكييف عقد الشغل مجموعة من المبادئ لعل من أبرزها مبدأ الواقعية، الذي يقوم على أساس البحث الموضوعي في وقائع وعناصر إنجاز الشغل، والبحث عن كل القرائن الدالة على وجود العلاقة الشغلية بعنصرها الجوهري المتمثل في تبعية للأجير لمشغله، وذلك دون الوقوف على إرادة ونية الطرفين، أي عدم الاقتصار أثناء وصف عقد الشغل، على المعيار الشخصي الذي ينبني على الحرية التعاقدية التي قد تخفي تحايلا لأحد الطرفين على القانون، قد يكون سببا لحرمان الأجير من الحماية والضمانات المقررة له قانونا.[47]

فقانون الشغل يتميز بواقعية عميقة، بحيث لا يجب فقط على قاضي الموضوع الوقوف على المصطلحات المستعملة من لدن الأطراف، بل يتعين عليه تقدير الواقع وتحديد ظروف إنجاز الشغل وتحديد مدى وجود علاقة التبعية القانونية[48].  فمبدأ الواقعية يقتضي عدم تكييف العقد بناء على ما يصرح به الأطراف أو ما يكتبونه في العقد، بل استنادا إلى ما يقومون به[49].

وجدير بالذكر أن النزاعات المرتبطة بإعادة تكييف عقود عمال المنصات الرقمية لم يقتصر على فرنسا فحسب، بل هو ظاهرة عمت أغلب الدول التي تعرفها انتشارا واسعا لهذا النمط من العمل. في إسبانيا مثلا، أعادت المحكمة العليا بدورها تكييف الوضعية القانونية لناقل الوجبات الغذائية باستعمال الدراجة الهوائية من نظام الأجير المستقل إلى نظام الأجير التابع لشركة” كلوفو” (Glovo) في قرار صادر  عنها بتاريخ 25 شتنبر 2020، مؤكدة على أن هذه الأخيرة لا تعد مجرد وسيط، بل تتجاوز هذا الدور لتمارس سلطات التوجيه والرقابة والتأديب، مما يتعين والحالة هذه اعتبار العمل الذي يمارسه الناقل عملا تابعا.[50]

      ومــن جهة أخرى، قررت المحكمة العليا في المملكة المتحدة الاعتراف للسائقين المرتبطين بشركة “أوبـــر” Uber)) بنظام العامــل travailleur /worker)) باعتباره نظاما وســطا بين الأجــــير employee/(employeur  والأجير المستقل (indépendant/Independent)، وهو ما يخول للآلاف من هؤلاء الأجراء الاستفادة من حد أدنى من الأجر ومن حد أقصى من مدة العمل الأسبوعية وكذا الاستفادة من مجموع الرخص المؤدى عنها.[51]

 

الفقرة الثانية: أفق تنظيم وضعية أجراء المنصات الرقمية

إن الأحكام والقرارات القضائية المتواترة الصادرة عن مختلف المحاكم في البلدان المذكورة أعلاه، دفعت مختلف الفاعلين من حكومات ونقابات وباحثين في مجال قانون الشغل إلى طرح مجموعة من الاقتراحات والسناريوهات لتأطير وتنظيم وضعية هذه الفئة، منها ما يتعلق بإدخال تعديلات تشريعية على قوانين الشغل تضمن لهم حرية أكبر أثناء مزاولتهم للعمل مع توفير الحد الأدنى من الحقوق ( الحد الأدنى للأجر، الرخص السنوية المؤدى عنها، الحماية الاجتماعية…).[52]

فنظرا للتزايد المستمر في أعداد عمال المنصات الرقمية خلال السنوات الأخيرة نتيجة التطور الرقمي، وفي ظل الإشكالات القانونية التي تطرح خصوصا على مستوى الوضعية القانونية لعمال هذه المنصات، تعددت المقاربات القانونية المطروحة أمام المشرع. فمنها من يطالب بتبني نظام ثالث مختلط (الفقرة الأولى)، ومنها من يطالب باعتبار عمال المنصات الرقمية خاضعين لقانون الشغل من خلال اعتماد الإثبات بواسطة القرينة القانونية (الفقرة الثانية).

      أولا- خلق نظام ثالث هجين (hybride)

إن السائد لدى أغلب التشريعات الاجتماعية كما هو الشأن بالنسبة للمشرع المغربي وكذا نظيره الفرنسي هو تبني التقسيم الثنائي الذي يوصف بالكلاسيكي أو الجامد استنادا إلى تطبيق معيار التبعية القانونية، حيث يتم التمييز في هذا الإطار بين العمل المستقل وبين العمل التابع. فبمفهوم المخالفة، من لا يعتبر أجيرا تابعا يعد بالضرورة عاملا مستقلا، والعكس الصحيح أي أن اعتبار العامل أجيرا تابعا يعني أنه غير مستقل، وبالتالي لا يمكن تصور وجود نظام قانوني مختلط بين الوضعين السابقين.

فقد دفعت الوضعية الخاصة التي تميز العمال المرتبطين بالمنصات الرقمية بعض الدول كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا إلى التفكير في خلق نظام قانوني ثالث وسيط بين نظام العامل المستقل ونظام الأجير. ذلك أن تبني هذا النظام من شأنه أن يمكن من احتضان عمال المنصات الرقمية المتواجدين في المنطقة الرمادية (zone grise)، وأن يعيد النظر ويخفف من جمود وحدة التقسيم الثنائي الكلاسيكي الذي يعد جوهر قانون الشغل منذ عدة عقود الزمن.[53]

فهذا التقسيم الثلاثي سيمكن لامحالة من جهة أجراء هذه المنصات الرقمية من ممارسة عملهم بشكل مستقل مع ضمان الاستفادة من حماية اجتماعية أكثر اتساعا من جهة أخرى [54].

وجدير بالذكر أن هذا التوجه ليس بالأمر الجديد في بعض الدول، فحتى قبل انتشار المنصات الرقمية، تتميز بعض الأنظمة القانونية المقارنة كما هو الشأن بالنسبة للقانوني البريطاني والقانون الإسباني والقانون الألماني والقانون الإيطالي باعتماد نظام قانوني ثالث، يمكن من خلالها احتضان عمال المناطق الرمادية يكون خلالها هؤلاء العمال مستقلين، لكن تابعين اقتصاديا (travailleurs autonomes économiquement dépendants)، ويتمتعون فيه ببعض الحقوق شبيهة بتلك التي يتمتع بها الأجراء التابعون.[55]

  • نظام (workers ) في بريطانيا

يتمركز نظام العامل (worker ) في القانون البريطاني[56] في موقع وسط بين نظام الأجير (employee) ونظام العامل المستقل (self-employed). فمن خلاله يتمتع العامل ببعض الحقوق الأساسية المخولة للأجير التابع مثل الحد الأدنى للأجر والعطل المؤدى عنها، كما يتمتع بجانب هام من الحماية الاجتماعية.

         2نظام (trade ) في إسبانيا

تبنى المشرع الإسباني ابتداء من قانون العامل المستقل لسنة2007[57] نظاما قانونيا يكون خلاله العامل مستقلا وتابعا اقتصاديا (trade [58]). فالعامل من خلال هذا القانون يعد صنفا خاصا من الأجراء المستقلين يتمتعون بحماية خاصة بالنظر للتبعية الاقتصادية، سواء من حيث الاختصاص القضائي أو من حيث تأطير حالات إنهاء العلاقة التعاقدية أو تحديد شروط العمل[59].

 

  • نظام ( co co per  )  في إيطاليا

عرف القانون الإيطالي منذ سنة 1973 تطبيق نظام التبعية الموازية (parasubordination)، حيث تتمركز أصناف وسيطة بين العمل الحر والعمل التابع.  وقد عرف هذا النظام عدة تعديلات إلى حدود سنة 2015، حيث ظهر مفهوم التعاون المنظم من مقدم الأوامر (co co per) يتمتع خلاله العمال باستقلالية في تنفيذ العمل، مع تحديد مختلف أوجه تنظيم تنفيذه خصوصا ما يرتبط بمكان وزمن ممارسته.[60]

وعلى الرغم مما قد يحققه تبني هذا النظام من إيجابيات، إلا أنه لقي انتقادات على اعتبار أنه ينتقل بنا من وجود منطقة رمادية واحدة تفصل العمل المستقل عن العمل التابع في إطار التقسيم الثنائي الكلاسيكي إلى منطقتين رماديتين غامضتين اثنتين لن يحدا من النزاعات المرتبطة بإعادة التكييف. ناهيك عن كونه سيؤدي إلى فرض أعباء ثقيلة على المقاولات المعنية نتيجة التحويل الجوهري الذي ستعرفه في أنماط التشغيل[61].

فحتى الدول التي اعتمدت هذا التقسيم لم تعد ترغب في الاستمرار في تطبيقه على وضعية عمال المنصات الرقمية، حيث أصبحت تفكر في نظام قانوني خاص بهذه الفئة.

ثانيا: الاعتراف لعمال المنصات الرقمية بنظام الأجير التابع

على إثر تواتر قرارات إعادة تكييف عقود عمال المنصات الرقمية الصادرة عن مختلف المحاكم، وبغية مسايرة التطورات الحاصلة في مجال قانون الشغل ومن بينها الانتشار المتواصل للعمل عبر المنصات الرقمية، ظهر اتجاه ينادي بإعادة النظر في مفهوم التبعية القانونية بمظهرها التقليدي.

فحسب هذا التوجه، يتعين توسيع نطاق تطبيق قانون الشغل ليشمل العمل عبر المنصات الرقمية، وذلك من خلال مراجعة التعريف الكلاسيكي لعقد الشغل لاسيما عنصر التبعية حتى يشمل نطاق تطبيق قانون الشغل العمل الهش والذي يدخل ضمنه العمل عبر المنصات الرقمية.  فبدل الحديث عن التبعية القانونية كمعيار لتكييف عقد الشغل يتم الاستناد إلى تبعية واقعية[62].

غير أن تبني هذا الاتجاه لم يسلم بدوره من الانتقاد، ذلك أنه قد يجد معارضة من لدن العمال الذين يرغبون في البقاء في استقلالية أثناء إنجاز العمل، ففئة عريضة من العمال لا يرغبون في الدخول في علاقة شغلية، لأن ذلك من شأنه أن يمس الحرية في العمل المرغوب فيها سواء من حيث الزمان أو المكان.

كما أنه من جهة أخرى، قد يكون تبني هذا التوجه سببا في انقراض العديد من منصات العمل الكبرى، خصوصا تلك التي لا تفكر في إدخال تغييرات على نماذجها الاقتصادية المتبعة[63].

ولعل من بين الحلول المقترحة لتأطير عمل المنصات الرقمية اعتماد نمط القرائن القانونية التي تعرف القرينة بأنها ما يستنبطه المشرع أو القاضي من أمر معلوم للدلالة على أمر مجهول[64]. فهي حسب تعبير المشرع المغربي عبارة عن نتائج يستخلصها القانون أو القاضي من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة.[65] وتنقسم القرائن إلى نوعين اثنين: قرائن قانونية مقررة طبقا للقانون وقرائن قضائية متروك أمر استنباطها لتقدير القاضي.

وتنقسم القرائن القانونية في علاقتها بإثبات عقد الشغل إلى نوعين: النوع الأولى يفيد قيام علاقة التبعية ويسمح بتوسيع نطاق تطبيق قانون الشغل، حماية لبعض الفئات التي لا يسمح اعتماد معيار التبعية القانونية بإخضاعهم لقانون الشغل. في هذا الإطار قرر المشرع المغربي التنصيص على بعض القرائن القانونية لوجود تبعية قانونية تعفي الأجير من كل إثبات كما هو الشأن بالنسبة للوكيل المتجول أو الممثل أو الوسيط في التجارة، حيث يعد عقد شغل كل عقد يبرم بين أحد هؤلاء وبين مشغلهم في الصناعة أو التجارة أيا كان الوصف الذي أعطي له[66].

نفس التوجه اتبعه المشرع الفرنسي، فبالنظر للاستقلالية الحقيقية التي يتمتع بها مزاولو هذه المهن في مقابل التبعية الاقتصادية الكبيرة التي يخضعون لها، وفي إطار توفير حماية لبعض المهن، نص في الكتاب الأول من الباب السابع على مجموعة من القرائن القانونية تعتبر هذه الفئات أجراء وتعفيهم من أي إثبات، وذلك بصرف النظر عن توفر عنصر التبعية،[67] شريطة استجماع الشروط المطلوبة قانونا مثل عقد الصحفي المهني[68] وفنان العروض (artiste de spectacle)[69] والمتجول أو الممثل أو الوسيط( vrp) [70]  وعارض الأزياء [71] .(mannequin)

بينما النوع الثاني من القرائن القانونية وعلى خلاف النوع الأول ينفي وجود هذه العلاقة، ويقلص بذلك من نطاق قانون الشغل. فعلى سبيل المثال نستحضر توجه المشرع الفرنسي إلى اعتبار تسجيل الأشخاص في السجل التجاري والشركات (rcs)[72] قرينة قانونية على عدم الارتباط بعلاقة شغل لفئات أخرى، خصوصا أن هذه القرينة القانونية ليس قاطعة، حيث يمكن إثبات عكسها، فالاستقلالية قد تكون مجرد صورة احتيالية تحجب حقيقة العلاقة الشغلية.

خاتمة

إن العمل عبر المنصات الرقمية ولد نمطا جديدا من العمل يخرج عن النمط الكلاسيكي التقليدي. فعلى الرغم مما يتيحه من فرص جديدة للعمل واعتباره مصدرا مدرا للدخل لفئة من الشباب في ظل تفشي ظاهرة البطالة، بالإضافة إلى ما يسمح به من مرونة في توقيت الشغل والجمع بين العمل والدراسة أو الأعمال المنزلية، فإنه بالمقابل يثير إشكالات حقيقية تتعلق بالظروف المرتبطة بالعمل، حيث توصف بالهشاشة، بالإضافة إلى الإشكالات المتعلقة بتكييف وضعية العمال المرتبطين بالمنصات الرقمية.

هذا الوضع المتردي، لابد أن يقابله تحرك من لدن الحكومات قصد التدخل من أجل إعادة النظر في النظام القانوني المنظم لهذه الفئة، وذلك على الأقل من أجل ضمان الحد الأدنى من الحقوق الاجتماعية وتحسين ظروف العمل وضمان الاستقرار لكل المتعاملين مع هذه الأرضيات الرقمية، خصوصا في البلدان التي تعرف فراغا تشريعيا واضحا في هذا المجال كما هو الشأن بالنسبة للمغرب. فمقتضيات مدونة الشغل ما تزال تحيلنا إلى زمن ما قبل الثورة التكنولوجية، وهو زمن قديم ومتآكل ومنتهي الصلاحية حسب تعبير إحدى الباحثات[73].

فملاءمة التشريع الاجتماعي المغربي مع إفرازات الثورة الرقمية يشكل تحديا جديدا ورهانا حقيقيا وضرورة ملحة. لذا، فإن أول ما يتعين القيام به هو التفكير في وضع قواعد جديدة تنظم العمل عبر المنصات الرقمية قصد سد الثغرات التي تطرحها على أرض الواقع سواء ذات الطبيعة الاجتماعية أو ذات الطبيعة القانونية، وهي عملية ليست بالهينة، بالنظر لتعدد المنصات الرقمية.  

كما أن الآمال معقودة على القضاء لإعادة النظر في مفهوم التبعية القانونية عبر الخروج عن إطاره الكلاسيكي والتوجه نحو مرونة أكبر تسمح باحتواء واحتضان الأوضاع والأنماط الجديدة للشغل والتي يندرج ضمنها العمل عبر المنصات الرقمية.

المراجع المعتمدة

أولا: المراجع باللغة العربية

1– الكتب

  • الحاج الكوري، مدونة الشغل الجديدة، القانون رقم 65.99 أحكام عقد الشغل، مطبعة أمنية، الرباط 2004؛
  • ربى الحيدري، التحولات في عقد العمل بين القانون المدني وقانون العمل، دراسة مقارنة مع قانوني العمل الفرنسي والمصري، المؤسسة الحديثة للكتاب، لبنان، الطبعة الأولى، 2015؛
  • عبد اللطيف خالفي، الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الأول، علاقات الشغل الفردية، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى، 2014؛
  • محمود جمال الدين زكي، عقد العمل في القانون المصري، التقنين المدني، قانون العمل الجديد، نظام العاملين في القطاع العام، مطبعة الهيئة العامة للكتاب، الطبعة الثانية، 1982.
  • المقالات
  • آمال بن رجدال، أي مركز قانوني لعمال المنصات الرقمية، حوليات جامعة الجزائر1، العدد 33، الجزء الثاني، يونيو 2019؛
  • سميرة كميلي، قانون الشغل والتطورات التكنولوجية، مجلة المناهج القانونية، العددان 13 و14، 2009؛
  • عدنان بوشان، شركة “أوبر” (UBER) وإشكالاتها القانونية، مقال منشور بالموقع الالكتروني: bibliotdroit.com؛
  • محمد الكشبور، الشروط المضمنة في عقد الشغل وأثرها على أثر علاقة العمل، مجلة فضاء المعرفة القانونية، العدد الثاني، 2019؛
  • عبد الرحمان حموش، سلطة المشغل التأديبية في ضوء مدونة الشغل وقضاء محكمة النقض، مجلة العلوم القانونية، العدد الثالث؛
  • محمد بوعتلي وسامي ليلية، واقع المنصات الرقمية وتأثيرها على التنمية المستدامة في الجزائر: دراسة ميدانية وحقوقية وقياسية، مجلة المدير، عدد خاص بالملتقى الدولي حول: اقتصاد المنصات الرقمية – فرص وتحديات، المجلد 9، عدد خاص، 2022.

 

  • التقارير
  • موجز تقرير حول الأشكال اللانمطية والجديدة للتشغيل بالمغرب، السياق والرهانات وآفاق التطور، وزارة التشغيل والإدماج المهني، مديرية المرصد الوطني لسوق الشغل، إصدار سنة 2020؛
  • تقرير المنظمة العالمية للشغل تحت عنوان التشغيل غير النمطي في العالم، تحديد التحديات وفتح التوقعات، (L’emploi atypique dans le monde, identifier les défis, ouvrir les perspectives) ، إصدار سنة 2016؛
  • التقرير الرائد لمنظمة العمل الدولية، لمحة عامة عالمية عن العمالة والشؤون الاجتماعية: دور منصات العمل الرقمية في تحويل عالم العمل، موجز تنفيذي، سنة 2021؛
  • طارق عبد القادر اسماعيل، الضرائب على الاقتصاد الرقمي في الدول العربية، تقرير صندوق النقد العربي، 2021.

ثانيا- المراجع باللغة الفرنسية

1-Articles:

  • FABRE, les travailleurs des plateformes sont-ils des salariés ?  Premières réponses frileuses des juges français, droit social, p.547;
  • C. COURCOL-BOUCHARD, le livreur, la plateforme et la qualification du contrat, revue de droit du travail, 2018;
  • SUMMA, la responsabilité sociale de la plateforme et sa responsabilité d’information fiscale : vers une régularisation de l’économie numérique, article publié le 20 mars 2017, www.village-justice.com;
  • ESCANDE-VARNIOL, l’ubérisation, un phénomène global. Regard de droit comparé, revue de droit du travail, 2017;
  • VULTUR et L. ENEL, les plateformes de travail numériques : Uber et la dérèglementation de l’industrie du taxi au Québec, Institut national de la recherche scientifique, novembre 2020;
  • P. MOUSSY, variations sur la qualification, Droit Ouvrier, aout 2000 ;
  • T. ASQUIER, sens et limites de la qualification de contrat de travail. De l’arrêt FORMACAD aux travailleurs « ubérisés », Revue De Droit du Travail, février 2017.

 

 

2-Rapports

  • Rapport du Conseil National du Numérique, ambition numérique, pour une politique française et européenne de la transition numérique, 2015;
  • Commission européenne, étude visant à rassembler des éléments sur les conditions de travail des travailleurs des plateformes, rapport publié en mars 2020;
  • Rapport du Ministère du Travail et de l’Insertion professionnelle, Observatoire National du Marché du Travail, les nouvelles formes et les formes atypiques d’emploi au Maroc, contexte, enjeux et perspectives de développement, 2020;
  • Étude visant à rassembler des éléments sur les conditions de travail des travailleurs des plateformes, rapport publié par la commission européenne, mars 2020;
  • HURSTEL, les plateformes de travail : enjeux et pistes de régulation, 31 mars 2021;
  • FROUIN, réguler les plateformes numériques de travail, rapport du premier ministre, 1 décembre 2020;
  • GOMES, le statut juridique des travailleurs économiquement dépendants, étude comparée en droit ; allemand, espagnol, français, italien et anglais, rapport remis à l’organisation internationale de travail, décembre 2017;
  • Travail à l’ère des plateformes numériques, rapport publié par le Conseil National du Numérique, juillet 2020;
  • NICOLE et E. LEBLANC, une lecture du rapport sur la régulation des plateformes numériques de travail, la revue des conditions de travail, n°12, juillet 2021 ;
  • KEFIER, Q. CORDIER et A. FARCY, quel statut juridique pour les travailleurs des plateformes numériques ? R.D.S., 2019;
  • Travailleurs des plateformes : liberté ou protection aussi, rapport publié par l’Institut Montaigne en avril 2019.

 

ثالثا: المراجع باللغة الإنجليزية

 

Eurofound (2018), Overview of new forms of employment – 2018 update, Publications Office of the European Union, Luxembourg.

 

[1] – وصفت هذه الأشكال بغير النمطية أو غير النموذجية للتشغيل (l’emploi les formes atypiques de) على اعتبار أنها تخرج عن الشكل النموذجي المتمثل في عقد الشغل غير محدد المددة الذي يمثل الأساس والقاعدة طبقا للمادتين 16 و17 من مدونة الشغل، ويدخل في زمرة هذه الأشكال اللا نموذجية عقود الشغل محددة المدة وعقود التشغيل المؤقت والعمل الجزئي.

يراجع في هذا الشأن:

– موجز تقرير حول الأشكال اللانمطية والجديدة للتشغيل بالمغرب، السياق والرهانات وآفاق التطور، وزارة التشغيل والإدماج المهني، مديرية المرصد الوطني لسوق الشغل، إصدار سنة 2020، منشور بالموقع الرسمي للوزارة المذكورة: www.travail.gov.ma، تاريخ الاطلاع: 15/05/2022 على الساعة 01.30؛

–  تقرير المنظمة العالمية للشغل تحت عنوان التشغيل غير النمطي في العالم، تحديد التحديات وفتح التوقعات، (L’emploi atypique dans le monde, identifier les défis, ouvrir les perspectives) ، إصدار سنة 2016، منشور بموقع المنظمة العالمية للشغل www.ilo.org، تاريخ الاطلاع: 15/05/2022 على الساعة 02.00.

 

[2] –   أوبر (Uber): شركة تكنولوجية أمريكية متعددة الجنسيات، يوجد مقرها في  سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، تقوم على تطوير أسواق تعمل على تطبيقات بالهواتف النقالة تسمح لمستخدمي الهواتف النقالة بطلب سائق سيارة بغرض التنقل. ومنذ إطلاقها قامت العديد من الشركات بنسخ نموذج أوبر في أعمالها، وهو التوجه الذي بات يعرف باسم “Ubérisation”.

وكلمة (ubérisation) كلمة جديدة انتشرت في فرنسا بعد الحوار الذي أجرته جريدة “الفايننشال تايمز ” سنة 2014 مع رجل الأعمال الفرنسي ورئيس الجمعية الفرنسية للمؤسسات الخاصة (AFEP) “موريس ليفي” (Maurice Lévy). وقد تم إدراجها لأول مرة في قاموس “لاروس” (Larousse) سنة 2017، حيث تم تعريفها بأنها: “إعادة النظر في النموذج الاقتصادي لمقاولة ما أو لنشاط اقتصادي معين نتيجة ظهور فاعل اقتصادي جديد يوفر نفس الخدمات بأثمنة أقل، حيث يتم إنجازها من لدن أشخاص مستقلين بدل أجراء، وفي الغالب الأعم تتم عن طريق منصات للحجز عبر الانترنيت. “

« Remise en cause du modèle économique d’une entreprise ou d’un secteur d’activité par l’arrivée d’un nouvel acteur proposant les mêmes services à des prix moindres, effectués par des indépendants plutôt que des salariés, le plus souvent via des plateformes de réservation sur Internet. »

[3] –  “كلوفو” (GLOVO): شركة إسبانية تأسست سنة 2014 في برشلونة، وبدأت فعليا عملها سنة 2015. تقوم على أساس شراء منتجات بناء على طلبيات الزبناء اعتمادا على تطبيق الهاتف النقال الخاص بها وتوصيلها في زمن جد قصير لا يتعدى نصف ساعة.

[4] – L’article 242 bis du code général des impôts français dispose que : « L’entreprise, quel que soit son lieu d’établissement, qui en qualité d’opérateur de plateforme met en relation à distance, par voie électronique, des personnes en vue de la vente d’un bien, de la fourniture d’un service ou de l’échange ou du partage d’un bien ou d’un service. »

[5] – L’article L. 111-7 du code de la consommation français dispose que : « Est qualifiée d’opérateur de plateforme en ligne toute personne physique ou morale proposant, à titre professionnel, de manière rémunérée ou non, un service de communication au public en ligne reposant sur :

1-……………………………………………………………………………………….

2- la mise en relation de plusieurs parties en vue de la vente d’un bien, de la fourniture d’un service ou de l’échange ou du partage d’un contenu, d’un bien ou d’un service. »

[6] – L’article L. 7522-1 de proposition de loi relative au statut des travailleurs des plateformes numériques dispose que : « Les plateformes numériques de travail sont celles qui développent une activité économique et commerciale qui consiste à proposer et organiser des services à des clients qui seront réalisés par des travailleurs directement mis en relation par la plateforme. Cette mise en relation n’est pas l’objet de l’activité de la plateforme mais la modalité d’accès et de réalisation du service ». www.senat.fr

[7] – « un service occupant une fonction d’intermédiaire dans l’accès aux informations, contenus, services ou bien édités ou fournis par des tiers. Au‑delà de sa seule interface technique, elle organise et hiérarchise les contenus en vue de leur présentation et leur mise en relation aux utilisateurs finaux. À cette caractéristique commune s’ajoute parfois une dimension écosystémique caractérisée par des interrelations entre services convergents. »

– Rapport du Conseil National du Numérique, ambition numérique, pour une politique française et européenne de la transition numérique, 2015, p.395.

[8] – آمال بن رجدال، أي مركز قانوني لعمال المنصات الرقمية، حوليات جامعة الجزائر1، العدد 33، الجزء الثاني، يونيو 2019، ص:29.

[9]M. ESCANDE-VARNIOL, l’ubérisation, un phénomène global. Regard de droit comparé, revue de droit du travail, 2017, p.166.

[10] – محمد بوعتلي وسامي ليلية، واقع المنصات الرقمية وتأثيرها على التنمية المستدامة في الجزائر: دراسة ميدانية وحقوقية وقياسية، مجلة المدير، عدد خاص بالملتقى الدولي حول: اقتصاد المنصات الرقمية – فرص وتحديات، المجلد 9، عدد خاص، 2022، ص.14.

[11] –  التقرير الرائد لمنظمة العمل الدولية، لمحة عامة عالمية عن العمالة والشؤون الاجتماعية: دور منصات العمل الرقمية في تحويل عالم العمل، موجز تنفيذي، 2021، ص.1.

[12] –  آمال بن رجدال، أي مركز قانوني لعمال المنصات الرقمية، م. س.، ص.29.

[13] – Commission européenne, étude visant à rassembler des éléments sur les conditions de travail des travailleurs des plateformes, rapport publié en mars 2020, p.1.

    « Tout travail fourni à travers, sur ou par l’intermédiaire de plateformes en ligne dans un large éventail de secteurs, où le travail peut prendre des formes variées et est fourni en échange d’une rémunération ».

[14] – « Platform work is a form of employment that uses an online platform to enable organisations or individuals to access other organisations or individuals to solve specific problems or to provide specific services in exchange for payment. »

– Eurofound (2018), Overview of new forms of employment – 2018 update, Publications Office of the European Union, Luxembourg, p.15.

[15] – Commission européenne, étude visant à rassembler des éléments sur les conditions de travail des travailleurs des plateformes, rapport publié en mars 2020, p.1.

[16] – Rapport du Conseil National du Numérique, travail à l’ère des plateformes numériques. Mise à jour requise, juillet 2020, p.13.

[17]–  M. VULTUR et L. ENEL, les plateformes de travail numériques: Uber et la dérèglementation de l’industrie du taxi au Québec, Institut national de la recherche scientifique, novembre 2020, p.10.

[18] – سميرة كميلي، قانون الشغل والتطورات التكنولوجية، مجلة المناهج القانونية، العدد 13، 14، 2009، ص: 116.

[19] – القانون رقم 114.13 المتعلق بنظام المقاول الذاتي الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.06 الصادر في 29 من ربيع الآخر 1436 ( 19 فبراير 2015)، الجريدة الرسمية عدد 6342 الصادرة بتاريخ 21 جمادى الأولى 1436 ( 12 مارس 2015).

[20] – من بين المنصات الرقمية التي تنشط في مجال النقل نذكر: Uber, Careem, Heetech, Pip Pip Yalah, Koursa Maroc, Votre chauffeur maroc, Chedli Taxi Maroc.

– Rapport du Ministère du Travail et de l’Insertion professionnelle, Observatoire National du Marché du Travail, les nouvelles formes et les formes atypiques d’emploi au Maroc, contexte, enjeux et perspectives de développement, 2020, p.64.

– [21]   عدنان بوشان، شركة “أوبر” (UBER) وإشكالاتها القانونية، مقال منشور بالموقع الإلكتروني: www.bibliotdroit.com تاريخ الاطلاع: 01/06/2022 على الساعة 12.09.

[22] –  طارق عبد القادر اسماعيل، الضرائب على الاقتصاد الرقمي في الدول العربية، تقرير صندوق النقد العربي، 2021، ص. 10.

[23]–  l’article L7342-1 du code de travail dispose : « Lorsque la plateforme détermine les caractéristiques de la prestation de service fournie ou du bien vendu et fixe son prix, elle a, à l’égard des travailleurs concernés, une responsabilité sociale qui s’exerce dans les conditions prévues au présent chapitre. »

[24] -D. SUMMA, la responsabilité sociale de la plateforme et sa responsabilité d’information fiscale : vers une régularisation de l’économie numérique, article publié le 20 mars 2017, https://www.village-justice.com, date de visite : 20/07/2022.

 

[26] la loi n° 2019-1428 du 24 décembre 2019 d’orientation des mobilités, www.legifrance.gouv.fr.

 

[27] Cour de cassation, civile, chambre sociale, 28 novembre 2018, 17-20.079, www.legifrance.gouv.fr.

 

 

[28]Cour de cassation, civile, chambre sociale, 4 mars 2020, 19-13.316, www.legifrance.gouv.fr.

 

[29]– Cour d’appel de Paris, pôle 6 – ch. 2, 20 avr. 2017, n° 17-00511, www.courdecassation.fr.

[30] – Conseil de prud’hommes de Paris, 17 nov. 2016, n° 16-04592, www.doctrine.fr.

[31] – محمد الكشبور، الشروط المضمنة في عقد الشغل وأثرها على علاقة العمل، مجلة فضاء المعرفة القانونية، العدد الثاني، 2019، ص:413.

[32] – C. COURCOL-BOUCHARD, p.819.

[33] -« Le prestataire est libre de conclure avec toute autre entreprise un contrat similaire ou équivalent, la société TAKE EAT EASY ne disposant d’aucune exclusivité. »

[34] -C. COURCOL-BOUCHARD, le livreur, la plateforme et la qualification du contrat, revue de droit du travail, 2018, p. 812.

[35] عبد الرحمان حموش، سلطة المشغل التأديبية في ضوء مدونة الشغل وقضاء محكمة النقض، مجلة العلوم القانونية، العدد الثالث، ص.153.

[36] – عبد اللطيف خالفي، الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الأول، علاقات الشغل الفردية، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى، 2014، ص.416.

[37] –   « Le prestataire choisit librement les plages horaires disponibles à l’intérieur desquelles il s’engage à effectuer une ou plusieurs livraisons et peut modifier une plage horaire au maximum 72 heures avant son commencement. »

 « … il reste libre chaque semaine de déterminer lui-même les plages horaires au cours desquelles il souhaite travailler, ou de n’en sélectionner aucune s’il ne souhaite pas… »

 

[39] – A. FABRE, les travailleurs des plateformes sont-ils des salariés ?  Premières réponses frileuses des juges français, droit social, p.547.

   [40] – محمود جمال الدين زكي، عقد العمل في القانون المصري، التقنين المدني، قانون العمل الجديد، نظام العاملين في القطاع العام، مطبعة الهيئة العامة للكتاب، الطبعة الثانية، 1982، ص.488.

[41] – Cass. Soc., n° 94-13187 en date du 13 novembre 1996 dispose que :« le lien de subordination est caractérisé par l’exécution d’un travail sous l’autorité d’un employeur qui a le pouvoir de donner des ordres et des directives, d’en contrôler l’exécution et de sanctionner les manquements de son subordonné. »

 

[42] –  Cour de cassation, chambre sociale:

 « Le travail au sein d’un service organisé peut constituer un indice du lien de subordination lorsque l’employeur détermine unilatéralement les conditions d’exécution du travail. »

[43] – الحاج الكوري، الحاج الكوري، مدونة الشغل الجديدة، القانون رقم 65.99 أحكام عقد الشغل، مطبعة أمنية، الرباط ،2004، ص. 36.

[44] Cour de cassation, chambre sociale ، arrêt n°374 en date  du 4 mars 2020 (19-13.316):

 « Il a ainsi intégré un service de prestation de transport créé entièrement organisé par la société UBER BV, qui n’existe que grâce à cette plateforme, service de transport à travers duquel il ne constitue aucune clientèle propre, ne fixe pas librement ses tarifs ni les conditions d’exercices de sa prestation de transport, qui sont entièrement régis par la société Uber BV ».

 

[46] – Cour de cassation, chambre sociale ، arrêt N° 1737  en date du 28 novembre2018 (17-20.079) :

« La cour d’appel, qui a ainsi déduit de l’ensemble des éléments précédemment exposés que le statut de travailleur indépendant de M. X était fictif et que la société Uber BV lui avait adressé des directives, en avait contrôlé l’exécution et avait exercé un pouvoir de sanction, a, sans dénaturation des termes du contrat et sans encourir les griefs du moyen, inopérant en ses septième, neuvième et douzième branches, légalement justifié sa décision. »

 

[47] – ربى الحيدري، التحولات في عقد العمل بين القانون المدني وقانون العمل، دراسة مقارنة مع قانوني العمل الفرنسي والمصري، المؤسسة الحديثة للكتاب، لبنان، الطبعة الأولى، 2015، ص. 178.

[48] – P. MOUSSY, variations sur la qualification, Droit Ouvrier, aout 2000, p.320.

[49]–  T. ASQUIER, sens et limites de la qualification de contrat de travail. De l’arrêt FORMACAD aux travailleurs «ubérisés», Revue De Droit du Travail, février 2017, p.98.

– قرار رقم 805/2020 صادر عن المحكمة العليا الإسبانية بتاريخ 25/09/2020.[50]

[51] – Supreme court ok UK – Uber and others vs Aslam and others – 19 février 2021.

[52] – صدرت في هذا الصدد مجموعة من التقارير في شأن تنظيم عمل المنصات الرقمية، ونخص بالذكر التقرير المعنون ب « réguler les plateformes numériques de travail » المعد من لدن  (Jean-Yves FROUIN) والموجه للوزير الأول بفرنسا بتاريخ 1 دجنبر2022، تقرير منشور بالموقع الرسمي للحكومة الفرنسية:  www.gouvernement.fr

 

[53] – Étude visant à rassembler des éléments sur les conditions de travail des travailleurs des plateformes, rapport publié par la commission européenne, mars 2020, p.8.

[54] –  J. HURSTEL, les plateformes de travail : enjeux et pistes de régulation, 31 mars 2021, p.16.

[55] – J. FROUIN, réguler les plateformes numériques de travail, rapport du premier ministre, 1 décembre 2020, p.17.

[56] – Employment Rights Act 1996, section 230:

“In this Act “worker” (except in the phrases “shop worker” and “betting worker”) means an individual who has entered into or works under (or, where the employment has ceased, worked under) —

(a)a contract of employment, or

(b)any other contract, whether express or implied and (if it is express) whether oral or in writing, whereby the individual undertakes to do or perform personally any work or services for another party to the contract whose status is not by virtue of the contract that of a client or customer of any profession or business undertaking carried on by the individual;

[57] – la loi du 11 juillet 2007, la LETA (ley del Estatuto del trabajo autonomo).

[58] – TRADE: trabajador autónomo dependiente económicamente. (Travailleur autonome économiquement dépendant.)

[59] –  B. GOMES, le statut juridique des travailleurs économiquement dépendants, étude comparée en droit allemand, espagnol, français, italien et anglais, rapport remis à l’organisation internationale de travail, décembre 2017, p.1.

[60] – Travail à l’ère des plateformes numériques, rapport publié par le Conseil National du Numérique, juillet 2020, p.55.

[61] – A. NICOLE et E. LEBLANC, une lecture du rapport sur la régulation des plateformes numériques de travail, la revue des conditions de travail, n°12, juillet 2021, p.200.

[62] – F. KEFIER, Q. CORDIER et A. FARCY, quel statut juridique pour les travailleurs des plateformes numériques ? R.D.S., 2019, p.49.

[63] – Travailleurs des plateformes : liberté ou protection aussi, rapport publié par l’Institut Montaigne en avril 2019, p.7.

[64] – إدريس العلوي العبدلاوي، شرح وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1981، ص.129.

[65] –  ينص ف. 449 من ق.ل.ع. على ما يلي: » القرائن دلائل يستخلص منها القانون أو القاضي وجود وقائع مجهولة. « 

[66] – تنص  المادة 79 من م.ش على ما يلي:

» يعد عقد شغل كل عقد يكون التمثيل التجاري أو الصناعي محلا له، أيا كان الوصف الذي أعطي له، والمبرم بين الوكيل المتجول، أو الممثل، أو الوسيط، مهما كانت صفته، وبين مشغله في الصناعة أو التجارة، سواء نص العقد صراحة على ذلك أم سكت عنه… «

[67] – محمد سعيد، فاعلية التطبيق القضائي في تكييف عقود الشغل، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة، الموسم الجامعي: 2020/2021، ص. 167.

[68]L’article L7112-1 du code du travail français dispose que :

 « Toute convention par laquelle une entreprise de presse s’assure, moyennant rémunération, le concours d’un journaliste professionnel est présumée être un contrat de travail.

Cette présomption subsiste quels que soient le mode et le montant de la rémunération ainsi que la qualification donnée à la convention par les parties. »

[69]– L’article L7121-3 du code du travail français dispose que :

«Tout contrat par lequel une personne s’assure, moyennant rémunération, le concours d’un artiste du spectacle en vue de sa production, est présumé être un contrat de travail dès lors que cet artiste n’exerce pas l’activité qui fait l’objet de ce contrat dans des conditions impliquant son inscription au registre du commerce et des sociétés.»

[70]Article L7313-1 du code de travail français dispose que :

 «Toute convention dont l’objet est la représentation, conclue entre un voyageur, représentant ou placier et un employeur est, nonobstant toute stipulation expresse du contrat ou en son silence, un contrat de travail. »

[71] – L’article L7123-3 du code de travail français dispose que :

«Tout contrat par lequel une personne s’assure, moyennant rémunération, le concours d’un mannequin est présumé être un contrat de travail. »

[72]–   L’article L. 8221-6 du Code du travail français dispose que :

« I.-Sont présumés ne pas être liés avec le donneur d’ordre par un contrat de travail dans l’exécution de l’activité donnant lieu à immatriculation ou inscription :

1° Les personnes physiques immatriculées au registre du commerce et des sociétés, au registre national des entreprises en tant qu’entreprise du secteur des métiers et de l’artisanat, au registre des agents commerciaux […]».

[73] –  سميرة كميلي، م.س.، ص. 116.

 

لتحميل الاصدار كاملا

من هنا

للتوثيق 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى