الفهرس
الفصل الثانى (( مفهوم الغير فى خصومة التحكيم )) المفهوم الإجرائى للغير
المبحث الأول :أثر إجراءات التحكيم بالنسبة للغير
المطلب الأول :مفهوم الغير عند تعدد أطراف التحكيم وارتباط عدة تحكيمات بعضها ببعض
المطلب الثانى :تدخل وإدخال الغير فى خصومة التحكيم (( التعدد بعد بدء الخصومة ))
المطلب الثالث: مدى تأثر الغير بعدم قابلية الإجراءات القضائية والتحكيمية للتجزئة
المبحث الثانى :أثر حكم التحكيم بالنسبة للغير
المطلب الأول : مدى امتداد حجية الشىء المقضى لحكم التحكيم الى الغير
المطلب الثانى :مدى الإحتجاج بحكم التحكيم فى مواجهة الغير
الفرع الأول :الاحتجاج بحكم التحكيم فى مواجهة الكفيل
الفرع الثانى :الاحتجاج بحكم التحكيم فى مواجهة مصدر خطاب الضمان
خـــاتــمــة
أهم المراجع
:أولا- باللغة العربية
ثانيا : باللغة الأجنبية ( الفرنسية والانجليزية )
الفصل الثانى
(( مفهوم الغير فى خصومة التحكيم ))
المفهوم الإجرائى للغير
133- الأصل الاتفاقى للروابط الإجرائية فى خصومة التحكيم يحول دون إعمال القواعد المعمول بها فى قانون المرافعات ، فالتحكيم كتصرف إجرائى (1) تنصرف آثاره الى طرفيه وتنصرف عبارة طرفى التحكيم على أطراف التحكيم ولو تعددوا (( م 4/1 من قانون التحكيم وهذا التعدد قد يكون قبل بدء خصومة التحكيم كأثر لوجود عقد متعدد الأطراف (2) ، وهنا يثور التساؤل عن ما هى صور هذا التعدد ؟ وما هى آثار هذا التعدد ؟ فقد يلجأ جميع الأطراف الى التحكيم فتثور مشكلة كيفية اختيار هيئة التحيكم وقد ينشأ عن هذا التعدد عدة تحكيمات فتثور مشكلة كيفية ضمها وقد يكون التعدد بعد بدء خصومة التحكيم فقد يلتجئ البعض الى التحكيم دون البعض مما يجعل من الصعب انصراف أثر إجراءااتها الى غير أطرافها والأخذ بفكرة الخصم التبعى والآمر بادخال الغير والزامه بالاشتراك أو المشاركة فيه حتى ولو خول أطرافها هيئة التحكيم مثل هذه السلطة لأن السلطات التى يعهد بها الأطراف للمحكيمن لا تصل الى حد تخويلهم سلطة الآمر وعلى فرض اتفاق الطارف على ذلك فاان الغير له دائما ان يرفض الاشتراك فى تحكيم لم يشارك فى اختيار هيئته ولكن الأمر يتوقف على تحديد مفهوم الغير المتدخل أو المطلوب إدخاله ؟ كما يثور التساؤل حول مدى جواز تدخل وإدخالة الغير فى خصومة بطلان حكم التحكيم ؟ .
135- ويثور التساؤل كذلك حول مدى تأثر الغير بعدم قابلية الإجراءات القضائية والتحكيمية للتجزئة فاذا رفع شخص من الغير على أطراف عقد متضمن شرط تحكيم دعوى أمام محكاكم الدولة فهل يجوز للمدعى عليه أن يطلب إدخال الطرف الآخر فى اتفاق التحكيم كضامن فى هذه الدعوى أم أن لهذا الأخير أن يدفع بعدم قبول طلب تدخله متمسكا بشرط التحكيم الوارد فى العقد المبرم بينه وبين المدعى عليه ؟ الواقع أن الفقه والقضاء اختلفوا اختلافا واضحا فى هذه الإجابة عن هذا التساؤل .
136- وفى الغالب أن خصومة التحكيم تنتهى بحكم (1) فما هو أثر هذا الحكم بالنسبة للغير ؟ وهذا التساؤل يثير جدلا حول نطاق الأثر الملزم لحجية الشىء المقضى ليتناول الغير الذى لم يكن طرفا فى خصومة التحكيم ، وللاجابة على التساؤلت السبقة سوف نعرض لهذا الفصل فى مبحثين :
المبحث الأول : أثر إجراءات التحكيم بالنسبة للغير .
المبحث الثانى : أثر حكم التحكيم بالنسبة للغير .
المبحث الأول
أثر إجراءات التحكيم بالنسبة للغير
137- يجرى القضاء المصرى على أن التحكيم ليس من قبيل الدعاوى ومشارطة التحكيم ليست من قبيل صحف الدعاوى ، إنما هى مجرد اتفاق على عرض نزاع معين على محكمين والنزول على حكمهم ولا يتضمن مطالبة بالحق او تكليفا بالحضور أمام هيئة التحكيم (1) فالتحكيم اتفاق من طبيعة أجرائية تنصرف آثاره الى طرفيه ولو تعدوا (( م 3/3 من قانون التحكيم )) .
138- والتعدد الوارد فى المادة سالفة الذكر ، ينصرف الى أطراف اتفاق التحكيم وليس الى أطراف خصومة التحكيم ، مثل هذا التعدد الفرض فيه أنه سابق على بدء خصومة التحكيم فما هى صوره ؟ وما هى آثاره ؟ فمن المتصور أن يلجأ جميع الأطراف الى التحكيم فتثور مشكلة كيفية اختيار هيئة التحكيمات المتعددة , وقد يلجأ البعض دون البعض فما أثر إجراءات التحيم على من لم يشارك فيها ؟ وهل يمكن إدخاله فيها أو قبول طلب تدخله واذا رفعت دعوى على أحد أطراف اتفاق التحكيم أمام قضاء الدولة فهل يمكن إدخال الطرف الآخر فى اتفاق التحكيم ويدفع بعدم قبول طلب تدخله تأسيسا على هذا الشرط ؟ .
139- من السياق السابق سوف نعالج هذا المبحث فى المطالب التالية :
المطلب الأول : مفهوم الغير عند تعدد أطراف التحكيم وتعدد التحكيمات .
المطلب الثانى : تدخل وإدخال الغير فى خصومة التحكيم .
المطلب الثالث : مدى تأثر الغير بعدم قابلية الإجراءات القضائية والتحكيمية للتجزئة .
المطلب الأول
مفهوم الغير عند تعدد أطراف التحكيم وارتباط عدة تحكيمات بعضها ببعض
(أ) صور تعدد أطراف التحكيم عند بدء خصومة التحكيم :
140- يتخذ تعدد أطراف التحكيم عند بدء خصومة التحكيم عدة صور فقد يكون بسيطا أو مركبا أو حتميا (1) .
141– (1) التعدد البسيط : consorite simple ويدخل فى عداد هذه الصورة تعدد المدينين ، فمن المسلم به أن الرابطة بين المدينين المتضامنين والدائن يحكمها قاعدة وحدة الدين ، التى تخول الدائن حق مطالبة أيا منهم بقيمة الدين كله ( م 285/2 مدنى ) وهذا مقتضى التضامن بينهم (2) وسبق أن ذكرناا من ناحية مدى عدم تطابق حيلة التمثيل المتبادل والحقيقة القانونية ومن زاوية أخرى فان علاقة المدينين بعضهم ببعض تخضع لقاعدة انقسام الدين ومن ثمة فان كل طرف مستقل عن الآخر ولكل منهم أن يقوم بتعيين محكمة وبالتالى لا يمكن إجبارهم على تعيين محكم مشترك واذا التجأ الدائن مختصما احدهم فقط أو تمسك بعضهم باتفاق التحيم فان الباقين يعتبرون من الغير ، إعمالا لمبدأ نسبية الإجراءات التحكيمية .
141- (2) التعدد المركب Consorite Complexe وهذ التعدد قد ينشأ إما عن وجود عقد متعدد الأطراف من ذلك ما سبق ذكره عن مجاميع العقود ، كالمشروع المشترك والكونسورسيوم ومجموعة المصالح الاقتصادية ونظام الشراكة وهذه العقود سبق أن تعرضناا لمدى قوتها الملزمة وخاصة للقوة الملزمة لشرط التحكيم الوارد بها ومدى إمكانية الاحتجاج به فى مواجهة جميع أطراف هذه العقود وهنا نتعرض لكيفية إدخل وتدخل أطراف هذه العقود وما يترتب على ذلك من مشاكل تتعلق بتعيين عدد المحكمين المناسب ، وكيفية تعينهم ، وخاصة فى الحالات التى يصعب فيها أو يتعذر التنبوء وقت إبرام العقد بالعدد الصحيح للأطراف وبهوية الأطراف الذين قد يجدوا انفسهم داخلين فى تحكيم لا يعلمون عن إجراءاته شيئا وقد يجرى فيما بعد رغم أنهم لا يرغبون فيه .
وقد ينشأ التعدد المركب عن وجود سلسلة من العقود تتألف من عقود مستقلة من الناحية القانونية ولكن ترتبط بعضها ببعض برابطة تبعية من طبيعة اقتصادية واحدة مثال ذلك قيام رب العمل بالتعاقد مع مقاول صلى لانجاز مشروع وقيام المقاول الأصلى بابرام عقد أو أكثر من عقد تبعى مع مقاول أو مقاولين من الباطن فاذا تضمن كل من االعقد الأصلى والعقود التالية له شروط تحكيم فانه يترتب على ذلك قيام عدة تحكيمات متتابعة ومتوازية ومرتبطة كل منها بالآخر فكيف يمكن ضمها ؟ .
142- (3) التعدد الحتمى consorite necissaire ومن ذلك حالة الشيوع(1) فى هذا الفرض فان كل الأطراف يتعبرون طرفا واحدا ويجب تعيين محكم واحد ومن ثمة لا نكون فى هذا الفرض بصدد تحكيم متعدد الأطراف .
2- أثر التعدد : تعدد التحكيمات :
144- ويتبين مما سبق أنه فى حالة التعدد البسيط والتعدد المركب يوجد نوع من الاارتباط او وحدة المسألة المثارة (2) فشرط التحكيم الوارد فى العقد المتعدد الأطراف أو فى سلسلة العقود التى تتمتع باستقلال من الناحية القانونية وترتبط بعضها ببعض برابطة تبعية من طبيعة اقتصادية يثير إمكانية إثارة النزاع المتولد عن هذه العقود أو تلك أمام أكثر من هيئة من هيئات التحكيم ، فقد يرغب المحتكم أو المحتكم ضده أن ينضم تحكيمه الى تحكيم آخر لوحدة المسألة المثارة وقد يكون أحد الطرفين أو الطرفان فى التحكيم ليسوا هم أنفسهم فى التحكيم الأول ، وهذا يعنى أن أحد الطرفين فى التحكيم الثانى من الغير بالنسبة للتحكيم الأول فمن المصلحة بمكان أن تنظر هذه المنازعات المرتبطة والمتداخلة محكمة تحكيم واحدة بغية تجنب تفتيت المنازعات ومنع تناقض الأحكام واقتصاد فى الوقت والنفقات ولكن من يملك الأمر بضم هذه التحكيمات لتحقيق هذه المآرب ؟ .
(1) ضم التحكيمات :
145- من غير المتصور فى غيبة النصوص طلب ذلك من قضاء الدولة بالرغم من تزايد سلطاته فى الآونة الأخيرة فى العديد من التشريعات المعاصرة ، حيث تأخذ هذه التشريعات بنظام المبادرة القضائية وبالرغم من تزايد هذه السلطات فى مجال التحكيم كذلك إلا أن تدخله فى إجراءات الضم مقيد بالأصل الاتفاقى لإجراءات التحكيم ، وما تتسم به من نسبية أثرها ، وما يترتب على تدخل القاضى من افتئات ومباغته لإرادة المحتكمين الذين يعلمون ما يريدون وما لا يريدون من التحكيم ، ففى عقود الهندسة المدنية ، لا يرغب الأطراف فى الضم لتعارض مصالحهم فمن مصلحة المقاول الأصلى طلب الضم فى حين أن مثل هذا الضم لا يحقق مصلحة المقاول من الباطن (1) .
(أ) الواقع العملى :
146- وتعتبر قضية ADGAS (1) مثال حى لتأكيد ما سبق وتتلخص وقائعها فى أن شركة أبو ظبى للغاز المسماة بشركة Liquefaction تعاقدت مع شركة أمريكية لتشييد مخازن للغاز السائل وتضمن العقد شرط تحكيم مفاده أن المنازعات التى تثور بشأن هذا العقد يتم حله عن طريق التحكيم ، على أن يكون التحكيم فى لندن بالفعل اكتشفت شركة أبوظبى للغاز عيوبا فى المخازن المشيدة التجأت على أثرها الى التحكيم اتفق على تسمية محكم فرد وهو تحكيم حالات خاصة ad-hoc دفعت الشركة الأمريكية بعدم مسئوليتها عما وقع من أخطاء تأسيسا على أن هذه الأخطاء يجب إسنادها الى المقاول من الباطن الذى قام بتسليم وتركيب هذه المخازن ، وفى نفس الوقت التجأت الشركة الأمريكية بدورها الى التحكيم ضد المقاول الأصلى والشركة اليابانية كمقاول من الباطن وطبقا لهذا الشرط ينعقد التحكيم هو الآخر فى لندن .
بدون شك لو أن هذا النزاع طرح على القضاء العادى فى دولة الإمارات أو فى انجلترا فانه من الممكن إدخال الشركة اليابانية كضامن ويترتب على ذلك ضم الخصومات ، ولا أحد ينكر ما لإدخال الضامن فى هذه الحالة من مزايا فى الاقتصاد فى النفقات ومنع تضارب الأحكام ولكن الوضع مختلف بالنسبة لخصومة التحكيم فمن ناحية رفضت شركة أبو ظبى (( المحتكمة )) طلب الشركة الأمريكية المقاول الأصلى إدخال الشركة اليابانية بصفتها مقاولا من الباطن باعتبارها ضامنا لأن من شأن ذلك إطالة وتعقيد الإجراءات كما رفض المقاول من الباطن وهو هنا الشركة اليابانية نفسه ضم الخصومات لأنها تفضل الانتظار حتى انتهاء التحكيم الأصلى ومن هنا يبدو بوضوح مدى التعارض فى المصالح ، فكيف يمكن وضع حد لهذا التعارض وتجنب إصدار قرارات متعارضة بمعنى كيف يمكن ضم هذه الخصومات ؟ .
ب – موقف الفقه :
147- ذهب الأستاذ Boissesson (1) الى القول بأنه لإمكانية ضم الخصومات التحكيمية المتعددة يجب التفرقة بين ثلاث مجموعات من الروابط :
أ) الروابط الأفقية horzontal وتضم كل الأطراف الذين ساهموا فى انجاز مشروع ما سواء أكان المشروع فى صيغة اتفاق تعاون أم مشروعا مشتركا أو كونسورتيوم أو أى اتفاق جماعى آخر .
ب) الروابط الرأسية verticale وتنشأ عن وجود سلسلة من العقود عقد أصلى وعقود تبعية مثال ذلك : العقد الذى يبرمه رب العمل مع المقاول الأصلى ، والعقود التى يبرمها هذا الأخير مع المقاولين من الباطن .
ج) المجموعة المختلطة من الروابط وهى تجمع بين الطائفة الأولى والثانية ، من ذلك الحائزون المتعاقبون لسند الشحن وكذلك المقاول من الباطن الذى يضمن بنفسه تنفيذ المشروع عن طريق تقديم الاعتمادات الكافية وهذه الضمانات تستغرق فى الحقيقة مركزه العقدى وبالتالى نكون بصدد مراكز عقدية مركبة .
148- ويطلق الأستاذ jakubowski (2) على الطائفة الأولى بالروابط متعددة الجوانب multilateraux أما الطائفة الثانية فتمثل وجود ارتباط Connexes حيث يوجد طرف ثالث من الغير مرتبط بالعقد الأصلى بصرف النظر عن طبيعة الرابطة ، قانونية ، أو اقتصادية ومن ذلك المقاولون من الباطن النا قلون ، الموردون ، المؤمنون ، الكفلاء ( الكفيل البسيط ، الكفيل المتضامن ) ، مصدر خطاب الضمان : الضامن المستقل والضامن المقابل .
فبالنسبة للمراكز العقدية المركبة فانه من المتصور إذا طرحت على قضاء الدولة فانها يمكن أن تصدر قرارا واحدا يفصل فى جميع المنازعات ليس فقط تلك التى تثور بين رب العمل والمقاول الأصلى ، وانما أيضا بين هذا الأخير والمقاول من الباطن ، وانتظار هذا الأخير ( الموردون ، الناقلون , المؤمنون ) حيث أن قواعد التدخل الجبرى تخوله أن يفصل فى الطلب الأصلى ، والطلبات الفرعية ، كإدخال الضامنين المتولدة عن الطلبات الأصلية .
وبكل تأكيد فانه من المرغوب فيه إعمال القاعدة السابقة أمام محكمة التحكيم التى تنظر فى المراكز القانونية المركبة situation juuidique complexe وتخويلها سلطة الفصل ليس فقط فى الطلب الأصلى وإنما أيضا فى الطلبات الفرعية ولا أحد ينكر ما يحققه هذا الحل من مزايا تتمثل فى السرعة واقتصاد فى النفقات وتجنب اصدار قرارات متناقضة .
والواقع اذا تضمن العقد المبرم بين المقاول الأصلى ورب العمل شرط تحكيم فانه يمكن إعمال هذا الشرط اذا ثار نزاع بينهما وهنا نكون بصدر تحكيم أول وقد يترتب على النزاع السابق نشوء نزاع ثان بين المقاول الأصلى والمقاول من الباطن فاذا تضمن العقد المبرم بينهما شرط تحكيم فانه يمكن الالتجاء الى التحكيم إعمالا لهذا الشرط وهنا تكون بصدد تحكيم ثان ، فيخشى فى هذه الحالة صدور قرارات متناقضة فيمكن أن نتصور أن يعترف المقاول الأصلى فى التحكيم الأول بالمسئولية تجاه رب العمل عن اخطاء لم يقترفها هو شخصيا وإنما اقترفها المقاول من الباطن فيصدر حكما فى مواجهته على هذا الأساس ومن المتصور فى التحكيم الثانى المنعقد بين كل من المقاول الأصلى والمقاول من الباطن أن يصدر الحكيم بتقرير مسئولية المقاول الأصلى وربما مسئولية رب العمل
149- وترتيبا على ما تقدم فان اصدار قرار واحد فى مجمل هذه المنازعات من قبل محكمة التحكيم يفترض وجود شرط تحكيم مشترك يظهر فى كل هذه العقود أى شرط تحكيم متعدد الأطراف هذا الشرط موضع شك بالنسبة لجمهور الفقهاء وكل الجهود التى بذلت من جانب الفقه ، أو من قبل هيئات التحكيم لتحديد مضمون هذا الشرط باءت بالفشل (1) ولذلك نهيب بالباحثين أن يكون هذا الموضوع محل اعتبارهم فى الآفاق المستقبلية ويرجع هذا الفشل الى استحالة إعماله سواء من حيث تحديد مكان التحكيم أو عدد المحتكمين أو اختيار المحكمين وعددهم وكذلك تحديد القانون الواجب التطبيق .
150- ويسوق العمل بعض الحلول الجزئية لمثل هذه المشاكل ففيما يتعلق بطائفة الروابط الرأسية ، أى حالة الارتباط التى توجد بين العقود من الباطن فمن الممكن أن يتفق كل من رب العمل والمقاول الأصلى على إدخال المقاول من الباطن فى إجراءات التحكيم القائمة بينهما رغم أنه من الغير بالنسبة للعقد الأصلى وما تضمنه من شرط تحكيم .
وفى هذه الحالة فانه من المتصور أن يتفق المقاول الأصلى مع المقاول من الباطن على اختيار محكم مشترك فى شرط التحكيم الوراد فى العقد المبرم بينهم وعند عدم اتفاقهم يعهد بذلك الى هيئة مستقلة من بين الهيئات المنظمة للتحكيم ومن المتصور هنا أن تكون لصدد تحكيم مضموم Arbitrage consolide وهذا االضم الاتفاقى يتم إعماله بأنه فى حالة لجوء كل من رب العمل والمقاول الأصلى الى التحكيم فان للمقاول الأصلى أن يطلب إدخال المقاول من الباطن وعلى محكمة التحكيم أن تفصل بمقتضى قرار واحد فى الطلبين الأصلى والفرعى وان يقبل المقاول من الباطن الحكم الصادر مقدما .
ولكن الأمر كما هو واضح متوقف على قبول المقاول من الباطن الدخول فى التحكيم القائم بين رب العمل والمقاول الأصلى وهذا أمر نادر الحدوث عملا فهو يخشى المجازفة ويرغب فى التأنى لإعداد دفاعه ودفوعه .
151- ومن هنا يبدو فى الأفق الحل الذى انتهى اليه الأستاذ Delvove الذى كيفه بالتنسيق الظاهرى لإجراءات التحكيم (1) أو التوفيق بين القرارات وهذا الحل يفترض أن ينعقد تحكيمان أو أكثر تحت مظلة مركز تحكيم واحد ، ويكون لهذا الأخير سلطة التدخلة فى تعيين محكم ثالث أو هيئة عليا لضمان حسن سير الإجراءات ومحاولة التوفيق بين القرارات التى ينبغى ان تصدر من محاكم التحكيم المختلفة .
ولكن المحكم المشترك أو الهيئة العليا ستكون على علم بكل ما يجرى فى التحكيمات الأخرى (1) وهذا من شأنه الإخلال بمبدأ سرية المداولات بيد أنه يمكن التغلب على مثل هذه الصعوبة عن طريق عقد جلسة مشتركة لكل هيئات التحكيم المعنية وعلى كل هيئة أن تصدر حكمها على استقللا وهذا الحل تم الأخذ به فى نزاع يتعلق بسلسلة عقود بين المجهز , المستأجر لرحلة ، والمستأجر للوقت والشاحن والمرسل اليه ، عرض على غرفة التحكيم البحرية فى باريس فى قضية bilitis ولكن نجااح هذا الحل امر نادر نسبيا (2) .
152- وتأسيسا على ما سبق فانه يمكن إدخال المقاول من الباطن للمساهمة فى إجراءات التحكيم المنعقدة بين كل من المقاول الأصلى ورب العمل حتى ولو لم يكن طرفا فى هذا التحكيم ، وذلك عن طريق الاشتراك مع المقاول الأصلى فى إعداد دفاع مشترك (3) ، وفى اختيار محكم مشترك بحيث يمكن الاحتجاج فى مواجهة المقاول من الباطن بالحكم الصادر فى مواجهة كل من رقب العمل والمقاول من الباطن وينبغى ألا ينصرف معنى الاحتجاج هنا الى المعنى الإجرائى والذى سوف نتناوله فيما بعد حيث أن الحكم هنا لا يعد مجرد واقعة بالنسبة للمقاول من الباطن ومن ثمة يجوز له الطعن بطريق الاعتراض الخارج على الخصومة فى القوانين التى تأخذ به كالقانون الفرنسى وإنما ينبغى أن يحمل على معنى آخر ، ذلك لأن مشاركته السابقة طرحها يجعل من الصعب تصور إمكانية طعنه فى الحكم بالاعتراض الخارج على الخصومة ، فى النظم القانونية التى تجيز ذلك كالقانون الفرنسى لأنه يعتبر طرفا فى إجراءات التحكيم ومشاركة المقاول من الباطن على النحو السابق فى خصومة التحكيم القائمة بين رب العمل والمقاول الأصلى تستوجب منه تنفيذه ما يقضى به منطوق الحكم الصادر من محكمة التحكيم ، ومؤدى ذلك تجنب اللجوء الى التحكيم الثانى ، الذى يجرى فى مواجهته وهو المقاول الأصلى (1) .
153- وبالنسبة للطائفة الثانية التى سماها الاستاذ Boissesson بالمجموعة الافقية وأطلق عليها الأستاذ jukubowski بالروابط متعددة الجوانب ، فان الموقف أقل صعوبة من الطائفة السابقة وهذه المجموعة قد تكون متضامنة أو غير متضامنة .
154-فبالنسبة للفرض الأول الذى تكون المجموعة الأفقية متضامنة ، فلا توجد صعوبة نظرا لأن الأصل هو وحدة الدين فان كل عضو يعتبر مرتبطا بالعقد الأصلى مع العميل ولكن نظرا لأن كل عضو فى المجموعة مستقل عن الآخر ، فان لكل منهم تعيين محكمة ، فاذا وجد مشروع كمشروع مترو الأنفاق مكون من اثنتى عشرة شركة فانه إذا لم يقم أى منهم بتعيين محكمة أو تم تعيينه ففى الغالب الا تتحقق قاعدة الوترية , ولذلك فان التجربة تؤكد أنه فى الغالب أن هذه المجموعات تتفق على اختيار محكم مشترك وقد تخول إحدى هيئات التحكيم سلطة تعيينه عند عدم الاتفاق .
ولكن الصعوبة الحقيقية تثور فى الفرض الثانى الذى تكون فيه المجموعة الأفقية غير متضامنة حيث يقتصر التحكيم على من وقع العقد الأصلى أى بين رب العمل والعميل أما بالنسبة لباقى اعضاء المجموعة الذين لم يوقعوا فانهم لا يمكن أن يصيروا أطرافا فى التحكيم فى هذا الفرض يمكن إعمال فكرة التنسيق الاظاهرى السابق طرحها فيما يتعلق بالمجموعة الرأسية .
154- (جـ) تقدير نقدى :ومما سبق يتبين أن الحلول السابقة حلول جزئية ، ولم تضع حدا للصعوبات السابق طرحها (1) بل إن من هذه الصعوبات ما زالت قائمة وغاية فى التعقيد ، خاصة فيما يتعلق بمضمون حق الفرد فى اختيار محكمة بصفة عامة وعلى وجه الخصوص فى حالة التحكيم متعدد الأطراف فهل هذا الحق مطلق أم أنه مقيد ؟ الواقع أن المحتكم شبه حر semi libre فى اختيار محكمة ، فالتحكيم مبنى على ثقة الخصوم فى شخص محايد وقع عليه اختيارهم المشترك ونفس الثقة تفترض فى مركز التحكيم الذى عهد اليه باختيار المحكم وعلى المركز أن يؤكد دائما أنه محل ثقتهم .
155- ونفس الثقة تفترض فيما لو تعلق الأمر بهيئة التحكيم ، فمن الجوهرى التأكيد على أن الكل يسلم بأن اختيار كل خصم لمحكمة لا يعنى أنه وقع عليه الاختيار كمناصر لقضيته ، أو مدافع عن حقوقه فهو قاض وليس بوكيل (2) ولذلك فان تشكيل محكمة التحكيم عملا مشتركا بين الخصوم وهذا العمل مكفول بضامنتين فمن ناحية أن من حق المحكمين ، أو لهيئة متفق عليها مقدما مهمة تعيين المحكم الثالث ومن ناحية ثانية أن القانون واللوائح والاتفاقات والعادات تخول كل طرف الحق فى الرد وهذا يشكل قيدا على الطرف الآخر فى تعيين محكمة حيث ينبغى أن يضع نصب عينيه عند اختياره له بأن يكون محايدا ومستقلا .
وعلى ضوء هذه الفلسفة ، فانه يمكن القول بأن حرية كل طرف فى تعيين محكمة تتضمن التزاما بان يختار محكما مستقلا وعلى الطرف الآخر بقبول هذا المحكم فاذا ما قبله فلا يحق له رده فكلا الطرفين سيفرض عيهم خيار وحيد فيما بينهم .
156- وذهب بعض الفقهاء (1) الى امكانية ضم الخصومات التحكمية عن طريق الاتفاق على كيفية تعيين محكم او محكمين وهذا الاقتراح غاية فى الأهمية ولكن إعمااله يتوقف على إرادة الأأطراف فضلا عن أنه يصادف صعوبات كثيرة فمن ناحية إذا تم تعيين المحكمين من قبل نفس مركز التحكيم فان الضم يمكن أن يتم عن طريق تشكيل نفس محكمة التحكيم ، وطبقا للائحة الخاصة بالمؤسسة التحكيمية ان يصدر قرارا بالضم وفى المقابل فانه فى الفرض الذى يتدخل فيه قاض فى تعيين محكم فى حالة تخلف أحد الأطراف أو امتناعه عن تعيين محكمة فان القاضى يكون غاية فى الحذر فى اتباع إجراءات ضم التحكيمات دون موافقة الأطراف ، فالقاضى فى تقديمه العون الفنى لأطراف التحكيم يكون ذلك مرتبطا بخيار الأطراف وكذلك بخير رئيس محكمة التحكيم .
157- والواقع ان التجربة تؤكد أن الأطراف غاية فى الحذر ويتجلى هذا الحذر فى طلبات الرد الفرعية المؤسسة على سبق علم المحكم بالقضية وان المحكم الذى تم تعيينه لن يكون محايدا بما فيه الكفاية للفصل فى الخصومة الجديدة ومن ذلك ما انتهى اليه الأمر الصادر فى 13/1/1988 حيث اعترضت شركة تدعى Setec (1) على تعيين شركة تدعى Sicca لمحكم سبق وان فصل فى الطلب الأصلى ، وذلك أمام المحكمة الكلية بباريس فقضى بأنه ليس هناك ما يمنع من حيث المبدأ بأن يفصل المحكم فى طلب إدخال ضامن بعد تقديم الطلب الأصلى الذى أحاط به علما ، فالعلم بالإجراءات السابقة ليس من شأنه إثارة لاشك حول نزاهة المحكم وموضوعيته وصلاحيته فى الفصل فى النزاع الجديد متى كانت شخصيته لا تثير منازعة جدية .
(2) كيفية ضم التحكيمات فى القانون المقارن :
158- (أ) ومن التشريعات (2) التى لها فضل السبق فى إرساء حل تشريعى لهذه المسألة قانون المرافعات الهولندى (3) الذى أجاز لأى طرف من أطراف أى من التحكيمات الناجمة عن النزاع متعدد الأطراف أن يلجأ الى قضاء الدولة للحصول على قرار بالضم وعلى ذلك نصت المادة 1046 من قانون المرافعات المدنية الصادر فى 1986 فى فقرتها الأولى ، على أنه ( يجوز لكل طرف من أطراف االتحكيم أن يطلب من رئيس محكمة اول درجة بامستردام الأمر بضم إجراءات التحكيم فاذا كان مقر التحكيم هولندا وتنظر خلافا مرتبطا باجراءات قائمة أمام محكمة أخرى مقرها أيضا هولندا ، ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك ).
159- ويتبين من النص السابق الإشارة اليه أن على طالب الضم أن يتقدم بطلبه الى رئيس محكمة أو درجة وان يحدد فى هذا الطلب موضوع مرافعات فان على رئيس المحكمة أن يحدد جلسة يسمع فيهاا كلا من المحكمين وباقى الأطراف فاذا قبل الطلب فان له أن يأمر بالضم أولا يأمر به فله سلطة تقدير كاملة فقد يأمر بالضم الكلى jonction totale وعلى الأطراف أن يحاولوا جاهدين اختيار المحكمين على أن يكون عددهم وترا لا شفعا كذلك عليهم تحديد الإجراءات الواجبة التطبيق بصدد التحكيم المنضم فاذا لم يتفقا فى الموعد الذى ضربته لهم المحكمة فان للطرف صاحب المصلحة فى التعجيل أن يطلب من رئيس المحكمة تسمية المحكمين وعند الاقتضاء تحديد القواعد الإجرائية الواجبة التطبيق على التحكيم المنضم ، ويضيف القانون أنه فى هذه الحالة لرئيس المحكمة أن يحدد أيض اتعاب المحكمين عما سبق أن قاموا به من أعمال نظرا لأن الضم الكلى غير من مهمتهم
160- كما أن لرئيس المحكمة أن يأمر بالضم الجزئى jonction partielle على أن يحدد طالب الضم أوجه النزاع التى يتضمنها كما فى حالة الضم الكلى ويجب على الأطراف أن يتفقوا على اختيار القواعد الإجرائية الواجبة التطبيق على خصومة التحكيم المنضم فى الموعد المحدد من قبل رئيس المحكمة وعند عدم الاتفاق فان لرئيس المحكمة أن يطلب من الطرف صاحب المصلحة فى التعجيل أن يسمى المحكمين ويحدد القواعد الإجرائية واجبة التطبيق ويجب على المحكمة التحكيمية أن توقف التحكيمات القائمة مامها فى حالة الضم الجزئى وفى أعقاب ذلك فان محكمة التحكيم المعنية أن تبدأ سير الإجراءات أمامها ، وعلى المحاكم الأخرى أن تفصل فى النزاع المطروح عليها مع مراعاة حكم المحكمين الصادر فى التحكيم المنضم ومن الجدير باالذكر أن قرار رئيس المحكمة الصادر بضم إجراءات التحكيم غير جائز الطعن فيه بالاستئناف
161- (ب) فى القانون الأمريكى ليس هناك تشريع موحد بشأن ضم وتوحيد خصومات التحكيم وما يجرى عليه العمل فى هذا المضمار بعيدا عن أن يكون متفقا عليه ، مما يستلزم بيان موقف المشرع على الصعيدين الفيدرالى والاقليمى أى على صعيد الولايات وكذلك موقف القضاء .
162- أ- الواقع (1) أنه على المستوى الفيدرالى لا يوجد تشريع ينص على مثل هذ الإجراء أى على ضم او توحيد خصومات التحكيم وبالرغم من هذا فان بعض المحاكم الفيدرالية تأمر به وعلى العكس من ذلك فان لائحة الجمعية الأمريكية المعروفة بسم A.A.A لم تنص على أية إجراءات خاصة بالضم وهو غير جائز إلا إذا اتفق على ذلك صراحة .
163- ب- وعلى الصعيد التشريعى للولايات (2) فان بعض الولايات الأمريكية وعلى وجه الخصوص كاليفورنيا ومتشيجانو ، حيث تجيز تشريعاتها لمحاكم الولاية أن تأمر بضم خصومات التحكيم بناء على طلب أحد الأطراف على أنه يشترط لتحقيق ذلك من ناحية أن تكون الاتفاقات والاجراءات التحكيمية بين نفس الخصوم ومن ناحية ثانية أن تكون المنازعات ناجمة عن نفس العقود أو عن سلسلة من العقود المرتبطة ومن ناحية ثالثة أن تشترك المنازعات فى نقطة أو نقاط تتعلق بالواقع أو القانون وعلى أساسها إذا فصل المحكمون فيها على استقلال فانه يمكن أن يصدروا قرارات متعارضة .
164- ويثور التساؤل حول هل يجوز للأطراف فى الولايات الأمريكية التى توجد بها تشريعات تجيز الضم الاتفاق على رفض الضم والنص على ذلك صراحة فى العقد ؟ أى بوضع شرط يقيد من الالتجاء الى مثل هذا الإجراء ؟ وفى هذا الخصوص قضت إحدى محاكم كاليفورنيا بأنه بالرغم من وجود هذا الشرط فى أحد العقود المتنازع عليها يفيد منع الأطراف من الضم بدون رضاء كافة الأطرافالمعنية فان له سلطة أن تأمر به لأجل تجنب مخاطر صدورها أحكاما متناقضة إذا ما تم الفصل فى كل من الخصومتين على استقلال وعلى الصعيد القضائى .
165- (جـ) على الصعيد القضائى : امرت بعض المحاكم الفيدرالية وفى غيبة التشريعات فى مجال الإنشاءات والنقل البحرى بضم الخصومات بناء على طلب الخصوم وهذا هو ما يجرى عليه القضاء فى نيويورك حيث قضت الادائرة الثانية بمحكمة الاستئناف الفيدرالية وهى تشمل كلا من نيويورك وفيرمون Vermontو consecticut أن من مصلحة العدالة تجنب إصدرا قرارات متناقضة لأن فى ذلك تعزيزا للاقتصاد فى النفقات واختصارا فى الإجراءات والعمل على فعاليتها واحتراما لإرادة الأطراف عندما يكون النزاع متولدا من نفس الاتفافات أو سلسلة من الاتفاقات المرتبطة .
166- وتطبيقا لما تقدم فانه فى قضية تتلخص وقائعها (1) فى أن مجهز لسفينة ومالكا لها فى نفس الوقت أبرم عقدا أول مع عميل له وتضمن شرط تحكيم ، وعقدا آخر بينه وبين شخص من الغير لضمان تنفيذ العميل لالتزامه وضمنه أيضا شررط تحكيم ، التجأ المجهز الى التحكيم ضد العميل بناء على العقد الأول ثم التجأ الضامن فى العقد الثانى الى التحكيم طلب المجهز من المحكمة الفيدرالية الأمر بضم الخصومتين أى التحكيمين قضت المحكمة بالأمر بالضم وخولت كل طرف تسمية محكمة وتم تسمية محكمين وفقا للإجراءات المعمول بها أمامها .
167- وانتهت بعض المحاكم الفيدرالية الى نفس النتيجة وخاصة فى ولاية بنسلفانيا ونيوجرس ودلاور وفرجينيا وكارولينا الجنوبية والشمالية حيث قضت بضم وتوحيد خصومات التحكيم عن طريق الأخذ بتفسير واسع لشرط التحكيم والبحث عن الإرادة الضمنية للأطراف واتجاهها الى ضم التحكيمات وفسرت إحدى المحاكم شرط التحكيم بأنه يمتد ليشمل كل المنازعات المرتبطة بالعقد المتنازع عليه ومن ذلك المنازعات المتعلقة برضاء الأطراف بضم تحكيماتهم المنفصلة .
168- وفى المقابل ذهبت بعض المحاكم الى غير ذلك حيث اشترطت لوجوب الضم توافر الرضا الصريح للأطراف ومن ذلك المحاكم الفيدرالية فى الدائرة التاسعة للولايات الأمريكية وتشمل كلا من كاليفورنيا ولويزانا والمسيسبى ولم تقتنع هذه المحاكم بالحجج المؤسسة على فعالية الإجراءات والاقتصاد فى النفقات كأساس لضم الخصومات (1) .
169- (3) الوضع فى القانون المصرى : لم يتعرض المشرع المصرى فى قانون التحكيم الجديد رقم 27 لسنة 1994 لمسألة إمكانية ضم محكمين اختياريين لارتباطهما أو لعدم قابليتهما للتجربة ، وكذلك الفرض المتمثل فى عدم قابلية الإجراءات للتجزئة بين خصومة التحكيم الاختيارية والخصومة القضائية أى المطروحة على قضاء الدولة ولم يتناول الفقه والقضاء هذين الفرضين ولكن تعرض الفقه للفرض المتمثل فى وجود ارتباط بين تحكيمين مطروحين على هيئتين مختلفتين مـن هيئــات التحكيم الإجبارى حيث احتدم الخلاف بينهما حول إمكانية الضم (2) وقبل عرض هذه الآراء نود أن ننوه أن التحكيم الإجبارى ليس بتحكيم بالمعنى الفنى ، وذلك لافتقاره للعنصر الإرادى وإغفاله ضمانات التقاضى الأساسية وفى هذا المقام اختلف الفقه والقضاء حول طبيعته (3) فذهبت محكمة النقض الى اعتبار هيئات التحكيم الإجبارى هيئات ذات اختصاص قضائى (4) ، وذهبت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة الى القول بأن هيئة التحكيم تعتبر جهة قضائية ويذهب جانب من الفقه الى اعتباره قضاء استثنائيا والواقع أن مسألة ضم التحكيمات الإجبارية تخرج بطبيعتها من إطار البحث ومع ذلك نود أن نذكر بأن هذه المسألة غير متفق عليها فى الفقه حيث يذهب البعض الى عدم جواز الضم أى الإحالة للارتباط تأسيسا على أن قرار وزير العدل بتشكيل هيئة التحكيم يحددها لنزاع الذى تنظره وحده دون غيره فلا تملك نظر أى نزاع مرتبط به أى تأسيسا على مبدأ ثبات النزاع فضلا عن الإحالة للارتباط لا تكون إلا بين محكمتين تابعتين لجهة قضائية واحدة ولأن الإجراءات المتبعة أمام القضاء تختلف من جهة لى أخرى وم تقرره المادة 110 مرافعات بصدد عدم الاختصاص نص استثنائى لا يقاس عليه (1) .
170- بيد أن الرأى السابق ذهب الى تخويل وزير العدل إصدار قرار بالضم حيث أكد بأنه إذا رأى الوزير رابطة حقيقة بين الدعوى الأصلية التى سبق أن أصدر قراره بتشكيل هيئة تحكيم لنظرها وبين الدعوى الفرعية فاانه يشكل للدعوى الأخرى ذات الهيئة التى شكلت للنظر فى الدعوى الأولى ، فهنا فقط تكون الدعوتان مطروحتان على هيئة التحكيم التى تلتزم بالفصل فيهما وكل هذا مشروط بوحدة الخصوم فى الدعوى الأصلية والطلب العارض (2) .
171- ولكن هناك من ذهب الى أبعد من ذلك (3) ، ويرى جواز الضم وأن مثل هذا الضم لا يعد خروجا عن إرادة الأطراف لأنه ليس من سلطتهم أساسا تحديد اختصاص هيئة التحكيم كما أن ذلك لا يعد إخلالا بنص المادة ( 61 من قانون الامؤسسات ) التى تنص فى نهايتها على أن يبين قرار الوزير النزاع الذى سيعرض على الهيئة وعلى الهيئة صاحبة الاختصاص من تقدير مدى الارتباط بين الخصومتين ، ولا حاجة الى القول بضرورة العودة الى النزير كما يذهب الرأى السابق كى يشكل ذات الهيئة التى شكلت للنظر فى الدعوى الأولى إذ لا جدوى من ذلك فتلك العودة إن قصد بها أن الوزير يجب أن يتبين صلة الارتباط فمن باب أولى أن يتبين تلك الصلة هيئة التحكيم ، وهى التى يرأسها عنصر قضائى كما أن حظر الاحالة من هيئة تحكيمية الى هيئة أخرى فان جانب من الفقه بؤكد على أن نص المادة 110 مرافعات يمكن القياس عليها تأسيسا على عدم اختلاف مدلول الارتباط أيا كانت الخصومات فاستقلال هذه الخصومات ليس سوى وهم ولوحدة لقواعد المطبقة فى هذا الخصوص أما فيما يتعلق باختلاف العدل ولسنا بصدد محكمين يختارهم الأشخاص بإرادتهم ويحددون اختصاصهم ، ثم إن هذا الاختلاف لن يعظم بحال من الأحوال نظرا لأن رئيس هيئة التحكيم هو رجل قضاء وإجراءات التقاضى امامها هى إجراءات منظمة فى مواعيد عديدة ولا تختلف فى كثير عن إجراءات التقاضى العادية (1) .
172- والواقع أن هذا الرأى جانبه الصواب حيث قلب الأمور رأسا على عقب وجعل الاستثناء مبدأ فلا أحد يشكك فى الطبيعة الاستثنائية للتحكيم الإجبارى والواقع أن كون المحكم من رجال القضاء ليس مبررا لأن ولايته تقتصر على المنازعة التى عهد اليه بالفصل فيها ، فهو قاض خاص وليس بقاض له الولاية العامة ، ثم إن القرار الذى يصدره رئيس الهيئة ينسب الى الهيئة وليس اليه كما أن القرار الذى يصدره بالإحالة يجاوز حدود ما عهد اليه به سلطات فالفارق واضح بين سلطات رئيس هيئة التحكيم وسلطات رئيس المحكمة أو الدائرة ولا ينبغى النزلاق فى المقارنة ولا ينبغى أن نذهب الى حد القول إن حكم الشىء هو حكم نظيره وشبيه الشىء منجذب اليه .
المطلب الثانى
تدخل وإدخال الغير فى خصومة التحكيم
(( التعدد بعد بدء الخصومة ))
173- من المسلم به أن للغير أن يتدخل أمام قاضى الدولة كما أنه يمكن ادخاله جبرا عنه لتحقيق مصلحة العدالة ، أو لإظهار الحقيقة سواء من تلقاء نفس القاضى أو بناء على طلب أحد الخصوم (1) .
ولكن هذه المسلمة لا يمكن إعمالها فى إطر خصومة التحكيم بسبب نشأتها الاتفاقية فلا يمكن للغير كالكفيل مثلا أن يتدخل تدخلا إراديا فى خصومة التحكيم القائمة بين المحتكم والمحتكم ضده إلا باتفاقهما كما أنه لا يمكن إجباره على ذلك لافتقار المحكمين لسلطة الأمر كما أن له دائما أن يرفض الاشتراك فى تحكيم لم يشارك فى اختيار هيئته .
مما لا شك فيه أن إجازة التدخل يعد وسيلة مجدية لصيانه الحقوق من أقرب الطرق فضلا عن أنها تعد وسيلة لتنوير عقيدة المحكمة بالجونب المختلفة للمنزعة المطروحة أمامها مم يعد فى النهاية عونا على حق اداء العدالة بالاضافة الى اعتبارها مظهرا من مظاهر حق الدفاع الذى يعد أحد المبادئ الأساسية التى تهيمن على إجراءات الخصومة .
174- وعدم إدخال الغير يجعل قرار المحكم أو القاضى على حد سواء محلا للشك ، ويكون هذا القرار غير كامل لأن الخصوم غير متواجدين فى الدعوى ومؤقتا لأأن المنازعة التى فصل فيها تكون قابلة لأن ترفع مرة أخرى للقضاء من جانب المتدخل وغير قابل للتطبيق لأنه من الممكن أن يصدر فى هذه الحالة قرار آخر من القضاء يفصل فى المنازعة على نحو يتعارض مع القرار الأول بمعنى أنه يؤدى الى إحتمال تعارض الأحكام (1) .
175- الواقع أن الأمر يتوقف على تحديد مفهوم الغير المتدخل أو المطلوب إدخاله (2) ، فالفقه يجمع على أنه إذا كان إدخال الغير قد تقرر باعتباره إجراء يهدف الى تنوير عقيدة المحكمة فى شأن واقعة محددة كالزام الغير بتفديم مستند تحت يده فانه لا يمكن ان يعد طرفا فى الخصومة وكذلك يتردد الفقه حول اعتبار الغير المتدخل تدخلا انضماميا طرفا فى الخصومة ومما لا شك فيه أنه يمكن للغير أن يتدخل أو يطلب أحد الخصوم إدخاله فى خصومة الطعن ببطلان حكم المحكمين باعتبارها خصومة قضائية ينطبق عليها القواعد الإجرائية المعمول بها أمام قضاء الدولة ، هذه الفروض سوف نتناولها بالتفصيل فيما بعد .
ويهمنا فى هذا المقام بيان الفرض الذى يكون فيه تدخل الغير أو إدخاله هو استكمال عناصر الخصومة التى أغفلها الخصوم كإدخال من كان تربطه بأحد الخصوم رابطة تطامن أو التزام لا يقبل التجزئة أو من يضار من قيام التحكيم أو صدور حكم فى النزاع المطروح أمام هيئة التحكيم أو وجود دلائل جدية على التواطؤ أو الغش أو التقصير من جانب الخصوم فهل اتفاق التحكيم يحول دون ذلك وهل ينبغى اتفاق جميع الأطراف على مشاركة الغير فى جميع الإجراءات التحكيمية ؟ .
1- الغير المتدخل فى الخصومة التحكيمية لتقديم مستند تحت يده لا يعد طرفا فيها :
176- يجمع الفقه الإجرائى على أنه إذا كان إدخال الغير بغرض تنوير عقيدة المحكمة فى شأن واقعة محددة كالزامه بتقديم مستندات أوراقه تحت يده لإظهار الحقيقة فانه لا يمكن أن يعد هذا الغير طرفا فى الخصومة (1) والقول بذلك يقتضى التسليم مقدما بأن للمحكم سلطة إلزامه بتقديم المستندات التى تحت يده فهل يملك المحكم ذلك ؟ .
177- من المسلم به أن محكمة التحكيم لها سلطة الفصل فى النزاع استنادا على المستندات التى يقدمها الأطراف وتستطيع إلزامهم بتقديمها أينما وجدت فى هذا الخصوص قضى بأن المستندات التى تحوزهاا الشركة الوليدة لا تعد جزءا من تلك التى يحوزها الطرف الملزم بتقديمها إذا كانت الشركة الوليدة مستقلة عن الشركة الأم ومن ثمة لا تملك الشركة الأخيرة إجبار احد شركاتها الوليدة على تقديم المستندات المطلوب تقديمها (2) .
178- ومفاد ما تقدم أن محكمة التحكيم تستطيع أن تلزم المحتكم بتقديم ما تحت يده من مستندات وترتب على تخلفه فى تقديم ما طلب منه من مستندات الاكتفاء بما قدم منها وعلى ذلك نصت المادة 35 من قانون التحكيم حيث جاء نصها كالتالى (( إذا تخلف أحد الطرفين … عن تقديم ما طلب منه من مستندات جاز لهيئة التحكيم الاستمرار فى إجراءات التحكيم وإصدار حكم فى النزاع استنادا الى عناصر الإثبات الموجودة أمامها ، ولكن هل يجوز لهيئة التحكيم أن تجبر الغير على تقديم ما تحت يده من مستندات ؟ .
179- الواقع أنه لم يرد نص فى قانون التحكيم المصرى يعالج مثل هذا التساؤل ، وترتيبا على ذلك فان هيئة التحكيم لا تملك الزام الغير بتقديم مستند تحت يده سواء من تلقاء نفيها أو بناء على طلب أحد الأطراف وذلك لافتقارها سلطة الأمر ولكن هل يجوز لرئيس هيئة التحكيم أن يطلب من رئيس المحكمة المشار اليها فى المادة (9) إلزام الغير بتقديم المستندات التى فى حوزته ؟
الواقع أن المشرع فى المادة 37 من قانون التحكيم اقتصر على حالتين أولهما الحكم على من يتخلف من الشهود عن الخصوم أو يمتنع عن الإجابة بالجزاءات المنصوص عليها فى المادتين 78،80 من قانون الإثبات ، وثانيهما :الأمر بالإنابات القضائية وذلك خلافا لما تنص عليه بعض التشريعات من ذلك ما تنص عليه المادة 1460/3 مرافعات فرنسى جديد من الحكم بتكليف الغير بتقديم مستند فى حوزته ضرورى للحكم فى خصومة التحكيم ولذلك نرى وجوب النص على ذلك وخاصة أنه لا يمكن إعمال حكم نص المادة 20 , 26 من قانون الإثبات ذلك لأنه يشترط لإعمالهما أن يرد نص فى القانون يجيز مطالبته بتقديم المحرر أو تسلمه وهو م لم ينص عليه قانون التحكيم .
180- ومع ذلك تذهب بعض التشريعات الى تخويل محكمة التحكيم مثل هذه السلطة ، ففى الولايات الأمريكية ينص القانون الفيدرالى (1) على أنه يمكن لمحكمة التحكيم أن تنذر أى شخص للمثول أمامها وأن يقدم كل المستندات التى فى حوزته وفى انجلترا يمكن لأى طرف الحصول على أمر بالمثول بالزام الغير أو الشاهد Awrit of Subpoena duces tecum بالحضور أمام محكمة التحكيم وتقديم المستندات التى فى حوزته (1) .
181- ويحدث عملا أن يحضر شخص من الغير بناء على طلب أحد الأطراف أمام هيئة التحيكم ويدلى بأقوال من شأنهاا دعم ادعاءات هذا الطرف وعندما يطلب الطرف الآخر أو حتى هيئة التحكيم المستندات المؤيدة لأقواله فانه يرفض تقديمها ، متمسكا بسريتها ونصادف أمثلة من هذا النوع فى المنازعات البحرية عندما يطلب أحد الأطراف من السمسار الإدلاء بأقواله بشأن المنزعات المتعلقة بالعقد الذى أبرمه وكثيرا ما يتم ذلك لصالح الطرف الذى طلب منه ذلك فاذا ما طالبه الطرف الآخر بتقديم ما يؤيد أقواله بالمستندات التى فى حوزته فانه يرفض تقديمها لسلطة الأمر وكل مالها أن تستخلص من أقواله النتائج التى تراها متوافقة مع ظروف النزاع (2) .
182- وقد يكون الغير الذى فى حوزته المستندات هى الدولة أو هيئة من هيئاتها وترفض تقديمها متذرعة بسريتها والسرية هنا لابد وأن تتعلق باعتبارات راجحة وظاهرة من اعتبارات الصالح العام أو أمنها وقد تعرضت هيئة التحكيم فى قضية ( وينترشال ) ضد دولة قطر عام 1987 لمثل هذا الموقف حيث أقدمت الشركة على تقديم بعض االمستندات التى من المفروض نها فى صورة أجهزة الدولة وثار النقاش حول هذه النقطة , رأت المحكمة مع ذلك أن المستندات المذكورة لا تحمل من السرية ما يمكن حجبها عن نظر المحكمة وطلبت استيفاء الحكومة جميع المستندات التى حصلت عليها والإقرار بمسئوليتها الكاملة عن تسريب المعلومات الواردة بها لأى طرف ثالث (1) .
ومن الجدير بالإشارة أن لمحاكم الدولة سلطة تقديرية واسعة فى الزام الغير بتقديم المستندات التى فى حوزته فلا تأمر بها الا إذا كانت أساسية فى الفصل فى النزاع .
(ب) المتدخل الانضمامى فى خصومة التحكيم لا يعتبر طرف فيها :
183- المتدخل الانضمامى هو شخص من الغير ليس طرفا فى الرابطة الموضوعية موضوع الخصومة ولكن مصالحه تتأثر بشكل مباشر بما تسفر عنه الخصومة من نتائج ولذلك فان دوره يقتصر على الانضمام الى أحد الخصوم فهو لا يطالب بحق أو مركز قانونى إنما يتدخل لتأييد طلبات المدعى أو المدعى عليه أو لمساعدة أيهما لكى يحكم لصالح من ينضم اليه لما في هذا الحكم من مصلحة تعود عليه وهو فى انضمامه لأحد الخصوم لا يحل محله ولا يمثله كما أنه لا ينضم لمحض مصلحة من ينضم اليه وإنما لمصلحته هو باعتبار أن مصلحة ذلك الخصم تتفق مع مصلحته .
184- وعلى ذلك فالتدخل الانضمامى إما أن يكون بهدف تحفظى محض لرقابة الخصم فى الدعوى منعا لغشه وتدليسه مما قد يسبب للمتدخل ضررا حتى لو بقى خارج الدعوى فهو يتدخل لمرقبة سير الدعوى لمصلحته الخاصة ، وإما أن يكون بهدف مساعدة أحد الخصوم على النجاح فى الدعوى مما يعود عليه بالفائدة كذلك ومن جهة ثالثة فقد يتدخل الشخص لتحقيق الهدفين السابقين معا ولكن المتدخل هنا ليس طرفا رئيسيا على أى الأحوال فهو لا يمارس دعوى وإنما دوره ثانوى وتبعى وذلك سواء كان تدخله تحفظيا أو انضماميا أو لتحقيق الهدفين معا فهو أيا كانت صورة تدخله لا يطالب بشىء خاص مميز إذ لا يطلب بالحكم لصالحه .
185- ولأجل ذلك فان الفقه يتردد فى اعتباره طرفا فى الخصومة فذهب البعض الى القول بانه لا يعد طرفا فى الخصومة (1) لأنه ليس له حقوق الطرف فى الخصومة ، حيث لا يستطيع أن يتخذ موقف متعارضا مع موقف الخصم الذى تدخل منضما اليه ولكنه يقبل فى الخصومة بالحالة التى هى عليها واذا كان هذا هو رأى جانب من لفقه الإجرائى على صعيد الخصومة أمام قضاء الدولة فاان هذا الرأى من الأجدر قبوله فى إطار خصومة التحكيم نظرا لطبيعتها الاتفاقية فهو إن تدخل فليس له من دور إلا كونه معاونا كما أن تدخله وقف على إرادة الطرف الآخر وعلى إرادة المحكم أو المحكمين ، لأنه ليس بطرف لا فى اتفاق التحكيم ولا فى عقد التحكيم اى العقد الذى يبرمه المحتكم أو المحتكمون مع المحكم او المحكمين للفصل فى النزاع وتحديد المهمة المعهود بها اليهم وكذلك تحديد اتعابهم .
(جـ) جواز تدخل وإدخال الغير بناء على اتفاق المحتكمين وقبول هيئة التحكيم :
186- يجمع الفقه الإجرائى السائد فى كل من مصر وفرنسا (1) على أنه إذا كانت الحكمة من منع الغير من التدخل ومنع المحكم والخصوم من إدخال شخص ليس طرفا فى اتفاق التحكيم هو احترام ارادة المحتكمين فانه يجوز لأطراف خصومة التحكيم السماح بتدخل الغير إما بإدراج نص فى اتفاق التحكيم يسمح بذلك أو باتفاق لاحق على ذلك بعد بدء خصومة التحكيم وفى هذا الفرض الأخير يجب موافقة هيئة التحكيم لأنه من ناحية لا يعد طرفا فى عقد التحكيم فضلا عن أنه قد يخشى أن يؤدى تدخله الى إطالة أمد النزاع وبالتالى ععدم إمكان الحكم فى الموعد المحدد مما يعرض الحكم للبطلان لتجاوز الميعاد المتفق عليه ومن جنب آخر يجب موافقة المطلوب إدخاله ( أى الغير ) لأن المحكم لا يملك سلطة الأمر التى يملكها قاضى الدولة .
ومتى توافرت الشروط السابقة فان المدخل أو المتدخل يلتزم بكافة شروط اتفاق التحكيم وتنصرف اليه آثاره ويحتج عليه بالحكم الصدر فى النزاع على المتدخل فى جميع الأحوال لا يلتزم بالإجراءات التى نظمها قانون المرافعات , والواقع ان بعض التشريعات اتجهت الى تقنين كيفية تدخل وإدخال الغير فى خصومة التحكيم ومن ذلك الوفاق السويسرى (1) وقانون المرافعات الهولندى (2) .
187- فتنص المادة 28 من الوفاق السويسرى (1) : على أنه (( 1- يجوز تدخل واختصام الغير بناء على اتفاق الغير وأطراف النزاع ، 2- وان اتفاق هؤلاء متوقف على موافقة محكمة التحكيم يجمع الفقه على أن هذه المادة تطبق على كل حالات مساهمة الغير فى خصومة التحكيم .
وعلى ذلك فانها تنطبق على التدخل الهجومى حيث يتدخل الغير فى خصومة قائمة للتمسك بحقوقه الخاصة فى مواجهة أطراف الخصومة الأأصليين أى فى حالة تدخل الغير طالبا الحكم لنفسه بادعاء مرتبط بالخصومة أمام المحكمين كما تنطبق على حالة التدخل الانضمامى ، حيث يتدخل لساعدة أحد الخصوم بغية الحكم لصالحه لما فى هذا الحكم من مصلحة تعود عليه وهو فى انضمامه لأحد الخصوم لا يحل محل ولا يمثله كما أنه لا ينضم لمصلحة من ينضم اليه وإنما لمصلحته هو باعتبار أن مصلحة ذلك الخصم تتفق مع مصلحته وقد يتدخل لمراقبة سير الخصومة لمصلحته الخاصة فقد يخشى غش أو تدليس الخصم الذى طلب الانضمام اليه مما قد يسبب للمتدخل ضررا لو بقى خارج الخصومة وتأسيسا على ما سبق فان الفقه يتردد فى اعتبار المتدخل الانضمامى طرفا بمعنى الكلمة .
188- على أن الفقه الإجرائى فى سويسرا (2) يرى أن المادة 28 السابق الإشارة اليها تنطبق على المتدخل الانضمامى حتى ولو كان غير مرتبط باتفاق التحكيم حيث أنه ليس هناك ما يمنع من مساعدة أحد أطراف الخصومة الأصليين بدون أن يكون له الحق فى أن يتصرف كما لو كان طرفا أمام المحكمين وبدون الاحتجاج بحكم التحكيم فى مواجهته .
189- وأما فيما يتعلق بادخال ضامن فى خصومة التحكيم فان بعض نصوص قوانين المقاطعات تخول الخصوم الأصليين إجبار الغير على المساهمة فى خصومة التحكيم القائمة وإبداء الطلبات والدفوع المرتبط بالنزاع المطروح وذلك شريطة أن يكون المطلوب إدخاله كضامن طرفا فى اتفاق التحكيم ولكن المشكلة تثور بالنسبة لهذا الفرض تتمثل فى كيفية مساهمة المطلوب إدخاله كضامن فى اختيار هيئة التحكيم حيث لا يجبر على المثول أمام محكم لم يشارك فى اختياره وخاصة أن مبدأ المساواة بين الخصوم يقتضى ضرورة مساهمته فى ذلك وتتعقد المشكلة فى حالة التعدد الوجوبى وعدم اتفاق الأطراف على اختيار محكم مشترك ولقد سبق وأن عرضنا لهذه الأفكار .
190- كما أن المادة السابقة تنطبق على حالة الاستبدال الإرادى للخصوم substitution volontaire des parties كما فى حالة الحوالة والإبرء من الدين ولكن لا تنطبق على حالة مجموعة الشركات ستنادا على معيار الوحدة الإقتصادية لأنه يلزم أن تكون جميع الشركات موقعة على اتفاق التحيكم كما أنها لا تنطبق على حالة ضم خصومات التحيم لأن مثل هذا الضم يستلزم موافقة جميع الأطراف كما يلزم أن يكون هؤلاء مرتبطين باتفاق تحكيم أو اكثر من الاتفاقات المتماثلة وأن المحكم أو المحكمين هم أنفسهم فى الخصومات المنعقدة على استقلال كما يجب ان يخولهم القانون الواجب التطبيق سلطة الضم ( م 13 من اللائحة الداخلية لغرفة التجارة الدولية ) .
191- ويشترط على ضوء ما سبق لمساهمة الغير فى خصومة التحكيم من ناحية الاتفاق بين الغير وأطراف خصومة التحكيم ، وبين هؤلاء والمحكم أو المحكمين ولكن مثل هذا الاتفاق ليس بشرط أن يكون صريحا وإنما يمكن أن يكون ضمنيا ، من ذلك حالة وجود شرط تحكيم متعدد الأطراف وقد يكون مثل هذا الاتفاق موجودا مقدما كم فى حالة توقيع الجميع على نظام الشخص المعنوى الذى يتضمن شرطا يفيد إمكانية الالتجاء الى التحكيم ، ولا يهم ن يكون الاتفاق ناجما عن وجود شرط او أكثر من شروط التحكيم المماثلة فينبغى بل يكفى فى حالة تعدد الأطراف أن يكون جميع الأطراف مرتبطين فيما بينهم بمثل هذا الاتفاق واذا ثارت منازعة حول وجود ومدى هذ الاتفاق فان محكمة التحكيم تختص بالفصل فيها إعمال لمبدأ الاختصاص بالاختصاص .
كما يجب من ناحية ثانية موافقة المحكمين وهذه الموافقة توازى مسألة قبول المحكم للمهمة المعهودة بها اليه ، وعلى ذلك فان هذا القبول يجب أن يصدر من كل محكم على حدة ليس بقرار من محكمة التحكيم والواقع أن الأمر يتعلق هنوا بقبول المحكم او المحكمين لمهمة جديدة من قبل أطراف جدد فهؤلاء لا يمكن فرضهم على المحكمين .
192- 2- وفى القانون الهولندى (1) تنص المادة 1045 من قانون المرافعات المدنية على أنه (( لا يجوز لهيئة التحكيم أن تأذن للغير أن يتدخل تدخلا انضماميا أو اختصاميا أو إدخاله كضامن إلا إذا وافق الأطراف كتابة على انضمام الغير الى اتفاق التحكيم فاذا لم يوقع الأطراف على مثل هذا الاتفاق فان الغير لا يمكن اعتباره طرفا فى إجراءات التحكيم )) .
193- بيد أنه ليس هناك ما يدعو للدهشة فى أنه من النادر فى الواقع العملى أن يوافق الأطراف على مثل هذا الأتفاق عندما يطلب شخص من الغير أثناء سير الإجراءات أنضمامه أو تدخله ونفس الأمر عندما يتم إدخال الغير كضامن ، ومع ذلك فان الفائدة العملية للنص المشار اليه تبدو جلية على صعيد لوائح التحكيم فاذا ورد نص فى أحد لوائح التحكيم مفاده أنه (( إذا كان أحد أطراف منازعة تحكيمية لهذه اللائحة مرتبطا باتفاق تحكيم مع الغير ، أحال هو الآخر الى هذه اللائحة فان اتفاق التحكيم المشار اليه فى الفقرة الثالثة من المادة 1045 مرافعات يفترض أنه أبرم فمثل هذا النص ورد فى لائحة التحكيم الخاص بمركز تحكيم البناء فى هولندا فعلى سبيل المثال ورد فى العقد المبرم بين رب العمل والمقاول الأصلى وكذلك العقد المبرم بين المقاول الأصلى والمقاول من الباطن شرط يحيل الى لائحة المركز فان المقاول من الباطن يمكنه أن يطلب من محكمة التحكيم أن ينضم أو يتدخل فى التحكيم بين كل من المقاول الأصلى ورب العمل دون حاجة الى إبرام اتفاق مكتوب بينه وبين رب العمل طبقا لنص المادة 1045/3 مرافعات السابق الإشارة اليها فمثل هذا الاتفاق سبق أن ورد فى لائحة التحكيم التى أحال اليها العقدان السابقان بين كل من رب العمل والمقاول الأصلى وبين هذا الأخير والمقاول من الباطن وكذلك إذا ما طلب المقاول الأصلى أو رب العمل إدخال المقاول من الباطن كضامن .
194- ومن ناحية ثالثة يجب على الغير الذى يرغب فى النضمام أو التدخل فى خصومة التحكيم ، أن يقدم طلبا الى محكمة التحكيم وذلك طبقا لنص المادة 1045 فقرة أولى يبين فيه أن له (( مصلحة ما )) فى التحكيم وعلى المحكمة ان ترسل هذا الطلب الى الأطراف فى أقصر ميعاد ممكن ، كما أن لكل من المحتكم والمحتكم ضده طبقا لنص الفقرة الثانية من نفس المادة طلب إدخال الغير كضامن وفى هذه الحالة يجب تقديم صورة من طلب الإدخال الى كل من محكمة التحكيم والخصم وعلى محكمة التحكيم ان تسمع الأطراف ولا يمكن ان تأذن بانضمام أو تدخل أو ادخال الضامن الا اذا انضم الغير بمقتضى اتفاق مكتوب بينه وبين الأطراف ، أم فيما عدا ذلك فان محكمة التحكيم تتمتع بسلطة تقديرية واسعة وإعمالا لذلك قضى فى أحد القضايا (1) تم الفصل فيها وفقا لنظام تحكيم مركز التحيكم الهولندى برفض طلب المدعى عليه بادخال الغير كضامن تأسيسا على أن المحتكم بدون إدخال الضامن أى لم يحدد مصلحته فى طلب الإدخال وأضاف المحكم بأن المصلحة الوحيدة للمحتكم ضده فى تحديد حقوقه تجاه الغير من خلال إجراءات إدخاله كضامن لا تبرر التأخير فى الإجراءات الذى يترتب عليه ضرر بالمحتكم .
195- وإذا قضى بقبول انضمام أو تدخل أو إدخال الغير كضامن فانه وفقا لنص قانون المرافعات المدنية الهولندى السابق الإشارة اليه يعتبر الغير طرفا فى إجراءات التحكيم وعلى أطراف خصومة التحكيم الأصليين والمدخلين أن يتفقوا على الإجراءات الواجب على محكمة التحكيم اتباعها وإلا فانه يجب على محكمة التحكيم تحديدها .
(د) جواز تدخل الغير فى خصومة الطعن ببطلان حكم المحكمين :
196- من المتفق عليه أن دعوى بطلان حكم المحكمين ليست طريقا من طرق الطعن فى الأحكام (2) فهى لا تعد جزءا من هيكل خصومة التحكيم ، أو مرحلة من مراحلها ، وبالتالى لا تدخل فى إطار البحث ولكن نود أن نذكر أنها ترفع بالإجراءات المعتادة لرفع الدعاوى وينطبق عليها قواعد التدخل وإدخال الغير المقررة فى قانون المرافعات ولا يحول دون ذلك أنها ترفع أمام محكمة الدرجة الثانية ( م 54/2 من قانون التحكيم ) وذلك رغم مخالفة ذلك لعدم جواز تدخل الغير أمام محكمة الدرجة الثانية ، ذلك لأن محكمة التحكيم لا تدخل ضمن الهرم القضائى للدولة ، فلا تعد درجة من درجات التقاضى .
197- ويسلم القضاء المقارن بجواز تدخل الغير فى خصومة الطعن بالبطلان حيث يجرى بأن للشركاء فى الشركة شخصية قانونية مستقلة عن الشركة وانه يجوز لهم التدخل فى إطار خصومة الطعن بابطال حكم المحكمين الصادر ضد الشركة وهذا التدخل يجد مصدره فى نصوص قانون المرافعات وليس فى إرادة الطرفين شريطة أن يكون للتدخل مصلحة مغايرة لمصلحة الشركة او ان يكون التمسك بها بقصد المحافظة على حقوقهم ودعم أوجه الدفاع المقدمة من الشركة التى يعتبرون أطرافا فيها (1) .
المطلب الثالث
مدى تأثر الغير بعدم قابلية الإجراءات القضائية والتحكيمية للتجزئة
198- (1) ماهية عدم قابلية الإجراءات القضائية والتحكيمية للتجزئة : إذا رفع شخص من الغير على أحد أطراف عقد متضمن شرط تحكيم دعوى أمام محاكم الدولة فهل يجوز للمدعى عليه أن يطلب إدخال الطرف الآخر فى اتفاق التحكيم كضامن فى هذه الدعوى ، أم أن لهذا الأخير أن يدفع بعدم قبول طلب تدخله تأسيسا على شرط التحكيم الوارد فى العقد المبرم بينه وبين المدعى عليه ؟
ومثال ذلك قيام المشترى الذى ترفع عليه دعوى استحقاق من الغير للمبيع بإدخال البائع الذى يلتزم بالضمان فى هذه الخصومة مثل هذا الطلب يعتبر مقبولا طبقا لنص المادة 119 مرافعات فلو فرض أن عقد البيع المبرم بين المدعى عليه ( المشترى ) المطلوب إدخاله كضامن ( البائع ) ورد به شرط تحكيم فهل يجوز للبائع طبقا لنص المادة 13 من قانون التحكيم أن يتمسك بعدم قبول طلب إدخال تأسيسا على هذا الشرط ؟ هذا التساؤل يتعلق بمسألة مدى سمو شرط التحكيم على اختصاص قضاء الدولة وهل يختلف الحل إذا كنا بصدد تحكيم إجبارى بمعنى هل يمكن إدخال البائع المرتبط بشرط تحكيم أمام هيئة تحكيم إجبارى ؟ أم أن له أن يتمسك أيضا بعدم قبول طلب تدخله ؟ .
199- (2) مدى تعارض دفع الضامن بالتحكيم أمام قضاء الدولة مع القواعد الإجرائية الإساسية الواقع أن دفع الضامن بالتحكيم أمام قضاء الدولة يتعارض مع القواعد المعمول بها فى قانون المرافعات من ذلك قاعدة ( أن قاضى الدعوى هو قاضى الدفع ) ( م 47 ، 60 ، 119 مرافعات ) وكذلك التزام الغير المختصم بالإجراءات المعمول بها أمام القضاء المختص محليا بالطلب الأصلى فاذا كان لا يجوز دفع هذا الاختصاص بالتمسك بوجود اتفاق على الاختصاص فهل يجوز دفعه بالتمسك بشرط التحيكم ؟ والسؤال هو هل عدم القابلية الإجرائية المترتبة على هذه الفروض لها أثرها فى فعالية أو محو شرط التحكيم ؟ وأيا كانت الإجابة عن مثل هذا التساؤل بالايجاب أو النفى فانه يبدو جليا مدى تأثر الغير وهو فى هذا المقام رافع الدعوى أمام قضاء الدولة بالدفع بالتحكيم .
(3) وترتيبا على النتيجة السابقة فان الفقه والقضاء اختلفوا اختلافا واضحا فى الإجابة على مثل هذا التساؤل وترددت الإجابة بين اتجاهين .
201- (أ) الاتجاه الأول ويذهب الى وجوب إدخال الضامن المرتبط بشرط تحكيم مع من طلب إدخاله فى الخصومة القضائية لتوافر حالة عدم تجزئة إجرائية .
ويأخذ بهذا الاتجاه قضاة الموضوع فى فرنسا (1) حيث ذهبوا بأنه متى وجدت حالة عدم تجزئة إجرائية فانه يترتب على وجودها شل كل فعالية لشرط التحكيم لان القول بغير ذلك يؤدى الى تناقض الأحكام وأن هذا يتفق مع ما يقتضيه المنطق السليم ومقتضيات العدالة .
فذهبت محكمة استئناف باريس(1) حتى قبل الأخذ بما قننه المشرع الفرنسى فى المادة 333 مرافعات من أن عدم القابلية للتجزئة من شأنه تعطيل وشل شرط الاتفاق على الاختصاص فقضت فى حكمها الصادر فى 19/10/1960 بأن عدم القابلية للتجزئة من شأنه تعطيل وشل كل فعالية لشرط التحكيم على أساس أن من مصلحة حسن سير العدالة السماح لكل الخصوم طرح جميع دفوعهم فى نفس الجلسة وأمام نفس القضاء وأكدت على قناعتها بهذا الحل والإصرار عليه فى حكمها الصادر فى 21/12/1979 (2) حيث قضت بأن مجرد وجود رابطة إرتباط Lien connexite تكفى لشل شرط التحكيم من إنتاج آثاره المتمثلة فى استبعاد اختصاص قضاء الدولة .
كما ذهب القضاء المختلط (3) فى بعض أحكامه الى أنه (( عندما يكون هناك سبب واضح للارتباط يتطلب جمع دعويين فان القضاء التحكيمى يجب أن يحيل الى القضاء العادى كل الخصوم )) وهذا القضاء لقى قبولا لدى بعض الفقهاء على وجه الخصوص الأستاذ Normand (1) الذى ذهب الى القول بأن عدم القابلية للتجزئة عندما يكون حقيقيا ينبغى أن يغلب على اتفاق التحكيم وهذا المبدأ العام يستخلص من القواعد المعمول بها فى القانون الوضعى هو أنه ما لا يقبل التجزئة لا يمكن أن يجزأ وأساس هذه القاعدة هو حسن إدارة العدالة التى ترمى الى تجنب إصدار قرارات متناقضة يستحيل تنفيذها فى آن واحد وفى نفس المعنى ذهب البعض يؤيده جانب من الفقه المصرى (2) الى القول بوجوب احترام الاتفاق على التحكيم فى كل الأحوال ما دامت الخصومة اتفق على فضها بطريق التحكيم وكانت قائمة بين أطرافه أيا كان موقف الغير من هذه الخصومة حتى إذا تقدم بطلبات ترتبط بها ما دام هذا الارتباط يقبل التجزئة أما إذا كان الرباط لا يقبل التجزئة فلا يجوز الالتجاء الى التحكيم ويؤكد هذا الجانب على أنه (3) الراجح فى اعتقادنا هو عدم التجزئة وعقد الاختصاص لقضاء الدولة بكل المنازعة لأن ذلك ما يقتضيه حسن سير العدالة ويقتضيه المنطق القانونى السليم هذا الاتجاه يبدو واضحا عدم تأثر الغير بالتحكيم ومؤداه سمو الاختصاص القضائى على الإختصاص التحكيمى .
200- (ب) الاتجاه الثانى :ويذهب أنصاره الى عدم جواز إدخال الضامن المرتبط بشرط تحكيم مع من طلب إدخاله فى الخصومة القضائية احتراما لاتفاق التحيكم .
فذهبت بعض أحكام القضاء الى أنه اذا رفع شخص دعوى على أحد أطراف عقد متضمنا شرط تحكيم فانه لا يجوز للمدعى عليه أن يختصم الطرف الآخر كضامن لارتباطهما باتفاق التحكيم فاصدرت محكمة النقض فى هذا المعنى أحكاما عديدة واستندت فى قضائها (1) بأنه لا يوجد ثمة خشية من تناقض الأحكام لأن مثل هذا التناقض قد يحدث رغم وحدة القضاء لاختلاف تفسير النص الواحد وان هذه الخشية تتمثل فى إهدار ما لاتفاق التحكيم من قوة ملزمة وان هناك من الحالات ما يصعب تجنب تفتيت المنازعة ومن هذه الحالات اختيار اللجوء الى التحكيم فخشية التناقض بين القرارات الصادرة من المحكمين وتلك الصادرة من قضاء الدولة ملازم لوجود التحيكم نفسه كما أن تعطيل أثر اتفاق التحكيم بسبب هذه الخشية يعد ضربة فى مقتل للتحكيم باعتباره قضاء العلاقات المتصلة وخاصة فى المنازعات المركبة والمتشابكة المتولدة عن العقود متعددة الأطراف أو عن سلسلة العقود فمن الممكن ان يتذرع أحد الخصوم بمبدأ عدم الابلية للتجزئة الإجرائية للإفلات من التحكيم مما يترتب عليه الشك والارتياب بالتحيكم .
202- فضلا عن أن طلب إدخال ضامن وإن كان من شأنه تعطيل شرط الاتفاق على الاختصاص أمام المحاكم العادية فان ذلك مشروط بأن تكون المحكمة المختصة بالطلب الأصلى مختصة نوعيا بدعوى الضمان الفرعية بيد أن شرط التحكيم يترتب عليه أثران أحدهما إيجابى يتمثل فى التزام طرفيه بالالتجاء الى التحكيم وثانيهما سلبى يتمثل فى استنفاد ولاية قضاء االدولة فالمبدأ هو عدم اختصاص المحاكم العادية فى حالة وجود اتفاق على التحكيم (1) وعلى ذلك فان المحاكم العادية لا تختص نوعيا بنظر طلب ادخال ضامن مرتبط بشرط تحكيم مع أحد أطراف الخصومة أمامها .
203- كما أنه من المسلم به أن دعوى الضمان التى يتضمنها طلب الضمان الفرض فيها أنها دعوى جديدة مختلفة عن الدعوى الاصلية ليس فقط من حيث اشخاصها فحسب وإنما من حيث محلها وسببها وهى إن كانت مرتبطة بالدعوى الأصلية باعتبار أن الححكم فى هذه الأخيرة يؤثر سلبا وإيجابا فى الحكم الذى يصدر فيه فهى تستقل بكيانها عنها ولا تعتبر دفاعا أو دفعا فيها فانه ترتيبا على ما تقدم أنه إذا كانت المسألة التى يثيرها الطلب الفرعى مما يدخل فى ولاية جهة أخرى غير جهة القضاء العادى التى تتبعها المحكمة المقدم اليها الطلب فانه يمتنع على هذه المحكمة النظر فى هذه الطلبات لانتفاء ولايتها ولما كان يترتب على اتفاق التحكيم استنفاد ولاية قضاء الدولة فان دفع الضامن بالتحكيم ينبغعى قبوله والحكم برفض طلب إدخاله لانتفاء ولاية قضاء الدولة (1) .
204- (جـ) تقدير نقدى : فضلا عن أنه من المتفق عليه أن شرط التحكيم ليس بشرط اتفاق على الاختصاص ولا تنطبق عليه القواعد الخاصة بالاختصاص المحلى إنما يعد اتفاقا على الولاية convention d\’invistiture (2) فالولاية هى العمل المنشىء أو المؤسس للسلطة القضائية الممنوحة لقضاء ما ويعرفها البعض بأنها السلطة المخولة للقضاء لنظر النزاع أى أن الولاية تعنى بيان المصدر القانونى للسلطة القضائية أما الاختصاص فيقصد به كيفية ممارسة هذه السلطة وعلى وجه التحديد مجموعة القواعد التى تسمح بتحديد المنازعات التى تنظرها المحاكم على اختلاف درجاتها وعلى ذلك فان مشكلة الاختصاص لا تثور الا بطريقة ثانوية بالنسبة لمسألة الولاية نظرا لانها تعالج نماذج إعمال السلطة القضائية التى تستمد أساسها القانونى من الولاية (1) وتأسيسا على ذلك يوجد فارق بين شرط الاتفاق على الاختصاص وبين شرط التحكيم الذى يخول المحكمين سلطة قضائية حيث أنه لا يمكن التنازل عن هذا الشرط الأخير من جانب واحد وعدم الاعتداد به عن طريق تقديم طلب إدخال ضامن .
205- وبالبناء على ما تقدم فان الاستناد الى فكرة عدم التجزئة لتحييد آثار شرط التحكيم غير مبرر على الصعيد العملى حيث أن حالات عدم التجزئة نادرة الوقوع من الناحية العملية فهى لا توجد على الإطلاق فى حالة إدخال ضامن حيث أن تناقض القرارات لا يمنع على الاطلاق من تنفيذها المتعاصر كما هو الأمر فى حالة المنازعات التى ترمى الى الوفاء بمبلغ أو بمبالغ من النقود .
206- فضلا عن ذلك فانه على الصعيد الإجرائى فان عدم التجزئة ليست سوى وهم illusoire ، فهى إن كانت خير وسيلة للجمع بين الطلب الأصلى والمسائل لتى تتفرع عنه فى خصومة واحدة مما يتيح للمحكمة النهوض بوظيفتها على نحو أفضل بحكم إلمامها بكافة عناصر النزاع وم يؤدى اليه من اقتصاد الوقت والإجراءات والنفقات فانه لا يخفى ما يمثله هذا النهج أيضا من ضمانه فعالة للحماية القضائية ذاتها بحكم أنه يحول دون صدور أحكام متعارضة يستحيل أو يصعب تنفيذها فيما لو فصل بين الأصل والفرع ويعهد بالأصل فى كل منهم االى قاضى أو قضاء مختلف (1) .
207- ومع ذلك فان عدم االقابلية للتجزئة تعتبر حيلة إجرائية fiction procedurale تسمح فى الغالب بتركيز النزع على صعيد قواعد الاختصاص المحلى ولكن الوهم يبدأ حيث يتم ربط فكرة عدم التجزئة بالوقائع أى بإدراجها فى الوقائع وإسنادها الى المنازعة نفسها قبل تحويلها الى نزاع من خلال المطالبة القضائية ووسائل الدفاع .
وبناء على ما تقدم فان التعويل على أن فكرة عدم القابلية للتجزئة تضفى على المنازعة وحدتها الإجرائية ليس بصحيح ونعتقد أن الصحيح أن وحدة المنازعة مسألة سابقة فى الوجود على النزاع وتكييفها بعدم القابلية للتجزئة يقتضى تركيزها الذى من شأنه تحييد شرط التحكيم وهذا التفسير لا يتفق مع ما ذهبت اليه محكمة النقض فى حكمها الصادر فى 15/7/1975 (2) ، بأنه لا يوجد بين الطلب الأصلى وطلب إدخال ضامن عدم قابلية للتجزئة ومن ثم لا يوجد فى الحالة المطروحة أدنى خشية من تناقض القرارات الصادرة فى الطلبين حيث أن هذا القضاء يعتبر مصادرة على المطلوب فينبغى استنباط عدم القابلية للتجزئة من انتفاء خشية التناقض لا من عدم تجزئة المنازعة ومن الثابت أن إعمال فكرة عدم القابلية للتجزئة له أثر محدود فى مد الاختصاص وبنظر الطلبات المرتبطة وفى المقابل يجب ألا نضيف الى عدم القابلية للتجزئة نوعا من تجسيد المنازعة التى يترتب عليها شل اتفاقات التحكيم .
208- (4) أثر عدم القابلية للتجزئة الإجرائية على المركز العقدية المركبة أو التبعية الناشئة عن مجاميع أو سلسلة العقود المتضمن بعضها شرط تحكيم :
سبق وأن تناولن الفرض الذى تتضمن فيه عدة عقود شرط تحكيم وبين كيفية التوفيق بين هذه لشروط عند تزحمها والفرض هنا أنه اذا كنا بصدد مجاميع عقود أو سلسلة من العقود فانه ينشأ عنها مراكز عقدية مركبة أو تبعية وتضمنت بعض هذه العقود شرط تحكيم والبعض الآخر شرط اتفاق على الاختصاص والبعض الآخر لا يتضمن أيا من هذه الشروط بحيث يصبح أصحاب هذه المراكز أطرافا فى التحكيم فى بعض العقود دون البعض فما مدى سمو شرط التحكيم على قواعد الاختصاص القضائى ؟ الواقع أن هذا السؤال يثير مسألة مدى استقلال خصومة التحكيم عن الخصومة القضائية فى حالة وجود عدم قابلية للتجزئة الواقع أن الحلول التى انتهى اليها القضاء المقارن مختلفة بحسب ما إذا كنا بصدد تحكيم داخلى أو تحكيم دولى .
209- (أ) فعلى الصعيد الداخلى :يتجه القضاء نحو إعمال مبدأ سمو اختصاص محااكم الدولة على قضاء التحكيم (1) ففى قضية تتلخص فى أن مجموعة من الدلالين commission – priseurs أبرموا عدة عقود تخذت شكل G.I.E. أى مجموعة من المصالح الاقتصادية كان العقد الأول فى 1981 وتضمن شرط تحكيم وفى 1984 أبرم عقدان يتعلقان بذات الموضوع وهو مشروع لتحليل برامج الحاسب الآلى الأول تضمن شرط اتفاق على التحكيم والثانى وهو عبارة عن عقد مقاولة من الباطن تضمن شرط اتفاق على التحكيم والثانى وهو عبارة عن عقد مقاولة من الباطن تضمن شرط اتفاق على الاختصاص محكمة استئناف باريس (2) .
ثار نزاع بشأن فسخ مجموع الاتفاقات السابقة التجأ على أثرها أطراف عقد المقاولة من الباطن الى المحكمة التجارية بباريس قضت برفض الطلب تأسيسا على وجود اتفاق على التحكيم ورد بباقى العقود وأن خصومة التحكيم مستقلة عن الخصومة القضائية ألغت محكمة استئناف باريس الحكم مؤكدة على أن القابلية للتجزئة الناجمة عن تعدد العقود يترتب عليه محو كل أثر لشرط التحكيم وأسندت الإختصاص بنظر النزع الى المحكمة التجارية .
210- (ب) وعلى النقيض من الاتجاه السابق يجرى القضاء على صعيد التحكيم الدولى بسمو شرط التحكيم على اختصاص قضاء الدولة فقضت محكمة استئناف باريس بأنه على فرض وجود عدم تجزئة فان الظروف القائمة ليس من شأنها أن تثير شكا حول صحة الاشتراط الحر الذى تراضى عليه الأطراف أى الاتفاق على التحكيم وفى هذا أثبتت أن لكل من المطلوب إدخالهم الحق فى المساهمة فى إجراءات التحكيم إذا ما وافق على ذلك باقى الأطراف (1) كما قضت فى نزاع يتعلق بعقد امتياز مع حوالته للغير بأنه شرط التحكيم الوارد بالعقد الدولى يعد شرطا صحيحا وفعالا ويمتد تطبيقه الى المحال اليه حتى لو تعلق جزئيا بحق أحد الأطراف شريطة أن يدخل النزاع فى توقعات أطراف الاتفاق على التحكيم (2) .
211- (5) وأما بالنسبة للقضاء المصرى فى هذا الخصوص فانه أخذ باتجاه مماثل بالنسبة للتحكيم الإجبارى حيث قضى (2) بأن دعوى الضمان الفرعية الموجهة من هيئة عامة لى شركة قطاع عام وهى تعتبر مستقلة بكيانها عن الدعوى الأصلية إذ لا تعد دفعا أو دفعا فيها فيحكمها قواعد الاختصاص الولائى المتعلقة بالنظام العام فيختص بنظرها دون غيرها هيئات التحكيم ، وعلى المحكمة المعروضة عليها أن تقضى بعدم اختصاصها من تلقاء نفسها فى هذه الحالة لانتفاء ولايتها طبقا لنص المادة 110 مرافعات ويجب القضاء باحالتها الى هيئة التحكيم .
المبحث الثانى
أثر حكم التحكيم بالنسبة للغير
212- تنقضى خصومة التحكيم بصدور حكم فى موضوعها (1) ويترتب على صدوره من ناحية استنفاد المحكم لولايته ، فالمحكم بعد الحكم لا يصير محكما ولا يجوز له المساس به (2) ومن ناحية أخرى فانه يعتبر حجة فى مواجهة من كان طرفا أو ممثلا فى الخصومة فحكم التحكيم شأنه شأن احكام القضاء له حجية نسبية ولكن نظرا لأصله الاتفاقى فانه يثور التساؤل حول ما إذا كانت نسبية أثر الحكم تعزر نسبية أثر اتفاق التحكيم ، وتمتد حجيته الى كل من يعد طرفا فى اتفاق التحكيم ؟ على النحو السالف بيانه فى الفصل الأول حتى ولو لم يكن طرفا أو ممثلا فى خصومة لتحكيم الواقع أن حجية الأمر المقضى تقتصر فقط على من كان طرفا أو ممثلا فى خصومة التحكيم ولا يحتج به فى مواجهة الغير حتى لو كان طرف فى إتفاق التحيم ولم يكن طرفا فى خصومة التحكيم ، ,لكن الصعوبة تثور فى التمييز بين نطاق حجية الأمر المقضى لحكم التحكيم بوصفه عملا قضائيا والاحتجاج به بوصفه واقعة فى مواجهة الغير ، نظرا لتشابك العلاقات وترابطها بين الأطراف والغير ، والصعوبة تثور فى تحديد من يعد ممثلا فى الخصومة فقضى بأنه إذا كان للمدير العام لشركة مساهمة تمثيل الشركة فى اتفاق التحكيم وفى خصومة لاتحيم فان الشركة مع ذلك تعتبر من الغير ولا يحتج بحكم التحكيم الصادر فى موضوع النزاع فى مواجهتها ، إذا تبين من نظام الشركة وحكم المحكمين أن مدير الشركة تصرف من وحى مصلحته الشخصية (1) ، ومع ذلك ذهب القضاءؤ الى أن حجية الشىء المقضى لحكم المحكمين لا يقتصر أثرها على المدين الأصلى وإنما تمتد الى الكفيل سواء أكان كفيلا بسيطا(2) أم كفيلا متضامنا (3) ومن هذا القضاء يتبين مدى الخلط بين حجية حكم التحكيم والاحتجاج به ولذلك سنقوم بدراسة هذا المبحث فى مطلبين .
نفرد الأول منهما لبيان مدى امتداد حجية الشىء المقضى لحكم التحكيم الى الغير .
ونتناول فى الثانى مدى الاحتجاج بحكم التحكيم فى مواجهة الغير .
المطلب الأول
مدى امتداد حجية الشىء المقضى لحكم التحكيم الى الغير
213- 1- يجرى القضاء حتى قبل قانون التحكيم الجديد على أن (( أحكام المحكمين شأنها شأن أحكام القضاء تحوز حجية الشىء المقضى به بمجرد صدورها وتبقى هذه الحجية ، وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض طالما بقى الحكم قائما (1) وهذا القضاء فننه المشرع فى المادة (55) من قانون التحكيم حيث نصت على أنه (( تجوز أحكام المحكمين الصادرة طبقا لهذا القانون حجية الأمر المقضى وتكون واجبة النفاذ بمراعاة الأحكام المنصوص عليها فى هذا القانون )) .
214- ومقتضى حجية الحكم هو تقيد لخصوم بمضمون القرار التحكيمى على نحو يحول بينهم وبين تجديد المناقشة والتنازع حول ذات المسألة المقضى فيها بإجراءات مبتدأة سواء أكان ذلك بطريق مباشر أم غير مباشر فالحجية وفقا للوظيفة التى تؤديها هى وصف يلحق بمضمون الحكم أى بم يقرره من قضاء ، وتدل على تقييد الخصوم والقضاء بهذا المضمون خارج إجراءات الخصومة التى صدر فيها الحكم (1) .
215-2- والواقع أن حجية الشىء المقضى يجب تناوله من ثلاثة اوجه مختلفة .
الوجه الأول : يتعلق بأثر حكم التحكيم تجاه الخلافات التى ثارت بين الأطراف أنفسهم (2) فى هذه الحالة يثبت للحكم حجية سلبية تقتصر على لحيلولة على طرح المزاع مرة ثانية أمام القضاء فاذا ما تم طرحه ، عليه أن يقضى بعدم قبوله لسبق نظر النزاع (( م 116 مرافعات ، ويترتب على صدور لحكم من المحكمين انقضاء الحق فى التحيم وكذلك الحق فى الدعوى تأسيسا على قاعدة منع مباشرة الدعوى مرتين لذات لموضوع .
والوجه الثانى : ويتلق بأثر حكم التحكيم تجاه الخلافات التى يمكن أن تثور فيما بعد وهذا الوجه يثير عدة صعوبات فيذهب البعض الى القول بأن نظرية حجية الشىء المقضى به Stare decisis لا تطبق (3) فالقرار الصادر من محكمة التحكيم لا يمكن أن يكون له أدنى أثر على لخلافات التى يمكن أن تثور فيم بعد بين الأطراف اللهم الا إذا اتفقوا على أن حكم التحيكم السابق يكون ملزما بالنسبة لكل خلاف من نفس الطبيعة يحتمل أن يحتج به فى المستقبل (1) وهذاا الرأى لا يمكن قبوله على إطلاقه : فالواقع أنه طبقا لنص المادة 101 من قانون الإثبات (( أن الأحكام التى حازت قوة الأمر المقضى تكون حجة فيما فصلت فيه من حقوق ، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية ونظرا لأن أحكم المحكمين لا تقبل الطعن فيها بأى طريق من الطعون المنصوص عليها فى قانون المرافعات (( م 52/1 من قانون التحكيم )) وعلى ذلك فان أحكام المحكمين تكتسب بمجرد صدورها ليس فقط حجية الشىء المقضى إنما أيضا قوة الأمر المقضى ، وطبقا لهاتين المادتين فان أحكام المحكمين ليست لها فقط أثر سلبى وإنما أيضا أثر إيجابى تتناول كل الدعاوى الأخرى التى ترفع بمسائل متفرعة عن المسألة الأساسية المقضى فيها ويتمثل هذا الأثر الإيجابى فى التزام القضى أو المحكم بالفصل فى الدعاوى التى ترفع بمسائل فرعية على وجه يتفق مع ما سبق أن قضى به فى خصوص المسألة الأساسية ومن ناحية أخرى إذا كانت الحجية تحول دون الخصوم ودون التمسك ببطلان الحكم الصادر خارج الإجراءات كوسيلة لإسقاط حجيته توصلا الى إعادةى طرح المسألة المقضى فيها مرة ثانية أمام القضاء للفصل فيها من جديد فإن التمسك ببطلان حكم المحكمين يعد استثناء يرد على حجيته فاذا ماا قضى بالبطلان تجرد الحكم من حجيتهن ولكن لا يترتب على ذلك انقضاء الحق فى التحكيم فيجوز طرح النزاع مرة ثانية على هيئة تحكيم أخرى وهذا ما هو حدث فى قضية هضبة الاهرام فبعد أن قضت محكمة النقض الافرنسية ببطلان حكم لاتحكيم الصادر من غرفة لاتجارة الدولية تم طرح النزاع على هيئة تحكيم الاستثمارات C.I.R.D.I (1) .
216- والوجه الثالث ويتعلق بأثر حكم التحكيم تجاه الغير ويثير هذا الوجه جدلا حول نطاق الأثر الملزم للحجية ليتناول الغير الذى لم يكن طرفا فى الخصومة ، وهذا الجدل يمتد بجذوره الى حجية الحكم الصادر من قضاء الدولة .
217- أولا : الفقه التقليدى : الحكم له حجية نسبية فى هذا الخصوص دافع التقليديون عن نسبية الحجية وأنكروا سريانها فى مواجهة الغير الذى لم يكن طرفا فى الخصومة وصدر فيها الحكم (2) واستندوا فى دفاعهم على كل من فكرة العقد القضائى حيث قاسوا الأحكام على العقود وكذلك فكرة التمثيل الضمنى (1) وسوف نعرض للفكرة الأولى فى هذا المطلب أاما الفكرة الثانية فسوف نعالج تطبيقاتها العملية على كل من الكفلاء ومصدر خطاب الضمان فى المطلب الثانى .
218- (أ) نطاق القوة الملزمة لحجية الشىء المقضى :الواقع أن إعمال مبدأ النسبية على حجكم التحكيم مؤداه قصر حجيته على أطراف الخصومة التى صدر فيها الحكم شريطة أن يكونوا قد اتصلوا بالخصومة فاذ تعدد أطراف اتفاق التحكيم والتجأ بعضهم الى التحكيم وتم تشكيل هيئة التحكيم فان الحكم حجة فى مواجهة من أعلن بطلب التحكيم دون سواه ممن لم توجه اليهم الإجراءات ولم يشاركوا فى إجراءات التحكيم وبداهة لا تسرى فى مواجهة ممثلى الخصوم وإنما فى مواجهة الخصوم انفسهم وذهب جانب من الفقه الى القول بنه اذا كان شخص مرتبط بشرط التحكيم فليس بشرط ان يكون ممثلا فى خصومة التحكيم (2) حتى يكون ملتزما بما قضى به حكم التحكيم وانما يكفى أن يكون كذلك اذا كان على علم بالطلب المقدم فى مواجهته واذا ما احترمت هيئة التحيكم مبدأ حق الدفاع ومبدأ الحضورية أثناء سير الإجراءات التحكيمية التى توجت بهذا الحكم (3) ويسلم الفقه بامتداد الحجية لكل من الخلف العام والخلف الخاص كما تمتد حجية الأحكام فى حالة التصامن اذا كان صادرا لصالح احدهم ما دام لا يرتبط بسبب خاص به أما اذا كان صادرا ضد أحدهم فلا يحتج به فى مواجهة الباقين وذلك إعمالا لأحكام التضامن (1) .
219- (ب) تقدير نقدى لموقف الفقه التقليدى : ولكن ما انتهى اليه التقليديون يبدو لأول وهلة أنه يتفق مع النشأة الاتفاقية للتحكيم وخاصة فى إعتبار خصومة التحكيم بمثابة عقد قضائى حيث أنها نتاج اتفاق الخصوم على اللجوء الى التحكيم وليس نتيجة إرادة المحتكم المدعى فقط كما هو الحال فى الخصومة القضائية باعتبار الدعوى تدخل فى طائفة الحقوق الإرادية فان المشرع حاول إصباغها بالصبغة القانونية ، حيث لم يعتد الى حد ما بإرادة المحتكم ضده ( المدعى عليه ) فى انعقاد خصومة التحكيم فقد يجد هذا الأخير نفسه مجبرا على أن يكون طرفا فيها حتى ولو إمتنع عن المشاركة فى إجراءاتها ، فغيابه لا يمنع من صدور الحكم وإمكان تنفيذه سواء كان لصالحه أم ضده وهذا ما يستفاد من نصوص المواد رقم 17/2 ، 34/2 من قانونم التحكيم ويذهب البعض الى القول بأن ( حرية ) الخصوم فى اختيار التحكيم كوسيلة لفض المنازعات أو اختيار محكميهم أصبحت وهما وخاصة على صعيد المنازعات المتعلق بالتجارة الدولية ذلك لأنه كثيرا ما يفرض التحكيم جبرا على أطراف التجارة الدولية كما هو الحال فى العقود الدولية ذات الشكل النموذجى التى تحتوى الغالبية العظمى منها على شرط التحكيم كما أن انتشار مراكز وهيئات التحكيم الدائمة جعل من حرية الأطراف فى إختيار محكميهم فى غالب الأحيان مجرد وهم (2) ذلك لأن هذا الاختيار يتم عن طريق مركز أو هيئة التحكيم التى يلجأ اليها الخصوم فى منازعات التجاة الدولية سواء بمقتضى شرط فى العقد أو بمقتضى مشارطة مستقلة للتحكيم 220- فضلا عن أن حجية الشىء المقضى لحكم التحكيم لا تستمد قوتها من إرادة المحتكمين ، ولكن من القانون ذاته استنادا الى الضرورة العملية التى تستوجب حسم النزاع وعدم تأبيده وعلى ذلك نصت المادة (55) من قانون التحكيم ، فأحكام المحكمين الصادرة طبقا لهذا القانون تحوز حجية الأمر المقضى وتكون واجبة النفاذ بمراعاة الأحكام المنصوص عليها فى هذا القانون ولما كان حكم التحكيم باتفاق الفقهاء عملا قضائيا فان حجية الشىء المقضى فيه تعد سمة أصلية فيه وتتناقض جذريا مع فكرة العقد الذى يجوز تعديله أو فسخه بإرادة الأطراف (1) .
221- كما أن فكرة العقد القضائى مع التسليم بعدم صحتها لا تؤدى الى عدم وجود أى آثار للحكم فى مواجهة الغير فقد سبق أن أوضحنا أن هناك فارقا بين القوة الملزمة للعقد والاحتجاج بالعقد ، فالاولى تعد الأثر المباشر للعقد والذى يترتب عليه أن يصير الشخص دائنا أو مدينا وهذا الأثر قاصرا على طرفيه والثانى هو الأثر غير المباشر للعقد ، والذى يترتب عليه أن يصير الشخص دائنا أو مدينا وهذا الأثر قاصر على طرفيه والثانى هو الأثر غير المباشر أو الانعكاسى للعقد ويعنى الاستناد الى العقد بوصفه واقعة أو كوسيلة للاثبات وهذا الأثر يترتب فى مواجهة الكافة فالعقد ينشئ مركزا قانونيا موضوعيا يمكن الغير الاستناد اليه أو يحتج به فى مواجهته كاستناد المضرور الى عقد التأمين فى الرجوع على شركة تأمين المسئول عن الضرر ومطالبتها بالتعويض ، كما أن لشركة التأمين التمسك فى مواجهة المضرور بعقد التأمين لإثبات أن خطأ المتسبب فى الضرر لا يشمله هذا العقد وعلى ذلك يتضح أن العقد من الممكن أن ينج آثارا فى مواجهة الغير بطريق غير مباشر وسبق أن عرضن لمدى الاحتجاج باتفاق التحكيم فى مواجهة الغير وخاصة الكفيل ومصدر خطاب الضمان .
222- ثانيا : موقف الفقه الحديث : الحكم له حجية مطلقة فى مواجهة الكافة :
أ- أساس الحجية المطلقة للحكم :ويذهب الفقه الحديث الى أن الحجية التى تنسب للحكم حجية مطلقة تسرى فى مواجهة الكافة ، ولكن هذا الفريق من الفقهاء اختلفوا بشأن أساس تأثر الغير بالحكم (1) فهناك من يرى أن القوة المطلقة لحجية الأمر المقضى ترجع الى أن العمل القضائى يشكل حقيقة موضوعية (2) باعتباره تعبيرا عن القاعدة القانونية بالنسبة لحالة معينة وان العمل القضائى ذو طبيعة واحدة دائما لا تختلف من حالة الى أخرى ، وبالتالى لا يختلف نطاق حجيته من حالة الى أخرى ولما كان العمل القضائى هو إثبات مخالفة القاعدة القانونية فانه يكون ذا طابع موضوعى شأنه فى ذلك شأن المخالفة نفسها فلا يمكن لأحد أ، يتجاهله .
223- وهناك من ذهب الى الاحتجاج المطلق بالأثر المنشئ للحكم (3) حيث ميز بين قوة الأثر المنشئ للحكم وقوته فى الإثبات فالحكم بحسب طبيعته لا يقتصر أثره على إنشاء مركز جديد بل يكون له أيضا وظيفة تتعلق باثبات هذه المراكز ولكن تقتصر قوة الأثر الأخير على الخصوم فقط أما بالنسبة للغير فان هذا الإثبات لا يسرى فى مواجهتهم فلا يمكن الزامهم بالحقيقة التى يتضمنها الحكم دون أن يكون بإمكانهم منازعتهم إذا أنهم لم يشاركوا فى إنتاجها ومعنى ذلك عدم التمسك بحجية الشىء المقضى فى مواجهتهم (1) .
224- وذهب فريق ثالث من الفقه الحديث الى أن الغير يتأثر بسبب قوة القرينة التى تلحق بحجية الشىء المقضى ويميز أصحاب هذا الرأى بين قوة الحكم فى الإثبات والقوة الإلزامية للحكم (2) وتختلف قوة الحكم فى الإثبات بالنسبة للخصوم عن قوتها بالنسبة للغير فبالنسبة للخصوم فانه ينشئ قرينة قاطعة أما بالنسبة للغير فانه ينشئ قرينة بسيطة ، يمكن للغير إثبات عكسها ، وهى المجال الطبيعى للنسبية لأن الإدانة أو البراءة هى عبارة عن جزاء إجتماعى مقتص من الحقوق فلا يمكن أن ينتج أثره إلا بالنسبة للطرفين المتنازعين دون الغير .
225- ويتوسط اتجاه ثالث بين المذهبين السابق الإشارة اليهما ويعتمد حلا وسطا وإن اختلف أنصاره حول اساس الحل ومضمونه فطبقا للبعض فانه لا يمكن رسم نطاق ثابت للحجية فهى فى بعض الحالات حجية مطلقة تسرى فى مواجهة الكافة ، وفى حالات أخرى نسبية لا تسرى الا فى حجية مطالقة تسرى فى مواجهة الخصوم فى الدعوى التى صدر فيها الحكم ، ويكمن معيار التفرقة بين هذه الحالات فى طبيعة ونطاق الحق أو المركز القانونى الذى فصل فيه الحكم فالأحكام التى تفصل فى حقوق شخصية تلازمها حجية نسبية أما الأحكام التى تفصل فى حقوق أو مراكز موضوعية فانها ترتب حجية مطلقة تسرى فى مواجهة الكافة ، ولا يعتمد البعض الآخر هذا التوجه ، ويعتمدون على المزاوجة بين القاعدتين منهجا مختلفا فقاعدة نسبية حجية الأحكام تستقر لدى البعض الآخر باعتبارها القاعدة الأصلية ولا تظهر الحجية المطلقة فى هذا التصور الا باعتبارها استثناء من القاعدة الأصلية ينحصر إعماله فى بعض الحالات التى يعد من أبرز أمثلتها الأحكام المنشئة للحالة المدنية .
ب – عدم اتفاق فكرة الحجية المطلفة أيا كان أساسها مع موضوع الحماية التحكيمية :وهذا التصور الأخير وكذلك ما ذهب اليه الفقه الحديث لا يتفق مع فكرة الحماية التحكيمية ليس فقط لصعوبة التفرقة بين الحقوق الشخصية والحقوق الموضوعية وتدهور فكرة الحق الشخصى وانتشار فكرة المركز القانونى وتماثل هذه المراكز كأثر لتشابك العلاقات وتداخلها (1) وأنما أيضا لأن هذا النوع الثانى من المراكز منها ما يتعلق بالمصلحة العامة أو الجماعية , ومثل هذه المراكز لا يجوز أن تكون محلا للتحكيم وخاصة التحكيم الاختيارى فالحالة المدنية أو الجنسية على سبيل تتعلقان بالنظام العام وهذه المسائل لا يجوز فيها الصلح وما لا يجوز فيه الصلح لا يجوز فيه التحكيم .
ثالثا : إمتداد حجية الشىء المقضى الى الغير تأسيسا على فكرة المركز القانونى التابع :
226- أ- ذهب جانب من الفقه (2) الى القول بامتداد حجية الشىء المحكوم فيه الى الغير تأسيسا على أن مركزه يعتمد على المركز الذى قرره الحكم سواء تعلق الأمر بحكم قضائى أو حكم تحكيم وهنا لنا أن نتساءل عن ماذا تبقى من مبدأ النسبية وهل يوجد (( غير )) بالمعنى الحقيقى .
ب – تقدير نقدى : هذا الرأى لم يسلم من النقد حيث ذهب البعض الى أن القول بامتداد أثار الحكم الى الغير يستوجب فتح الباب امام الغير للتدخل فى خصومة التحكيم ، هو أمر لا يتصور مع قيام التحكيم على اتفاق لا تمتد آثاره إلا الى أطرافه ولكن لا يبقى سوى تقدم الغير بطلب التدخل على أن يخضع أمر قبوله لموافقة الطرفين كما سبق أن ذكرنا ، أما إذا لم يتحقق ذلك وصدر الحكم فيجب أن يتاح له أمر الاعتراض وفقا لنظام اعتراض الخارج عن الخصومة ، وهو نظام ألغاه المشرع المصرى الذى حصن أحكام التحكيم – كما رأينا – ضد كل طرق الطعن .
ويرى هذا الجانب من الفقه عدم إمكانية قبول إمتداد آثار حجية حكم التحكيم لمن يقفون موقفا وسطا بين أطراف التحكيم ، وبين الغير الأجنبى تماما عن خصومة التحكم والعلاقات الأصلية التى تربط بين الأطراف ويذهب السنهورى (1) الى ان من بين الغير الذى لا يسرى فى حقه الحكم الصادر ضد المدين المالك على الشيوع والمدين المتضامن ، والدائن المتضامن والكفيل ، والوارث بالنسبة لسائر الورثة .
ويؤكد هذا الجانب من الفقه (2) أن ما سبق يستودب فى تقديره تدخل المشرع لإعادة إمكانية الطعن بطريق الاعتراض الخارج عن الخصومة لمواجهة الحالات العملية التى تضع الغير ذا المصلحة بين شقى الرحى فلا هو طرف يملك ما يملكه الأطراف من الحضور وإبداء أوجه دفاعه ولا هو أجنبى من الغير الذين لا تمتد اليهم آثار حكم التحكيم وفقا لما تتجه اليه بعض الآراء (3) .
والواقع أن الحكم لا ينتج أثرا فى مواجهة الغير بطريقة مباشرة فالغير لا يمكن أن يكون محكوما له أو محكوم عليه ، فالمحكم لا يعلم إدعاءاته ولم يستنتج منها قراره وقت صدوره ، والقول بغير ذلك من شأنه أن يتغير وجه الحكم وإمتداد حجية الشىء المقضى به ولكن يتأثر الغير بالحكم بطريق غير مباشر اذ يمكن أن يستند اليه الغير أو يحتج به فى مواجهته كأساس لشرعية المركز القانونى الذى يقرره بمعنى أنه يعتبر دليل إثبات لهذا المركز ويحتج به فى مواجهة الكافة ، وقد يترتب على هذا الاحتجاج فائدة أو ضرر بالغير .
227- وبالبناء على ما تقدم ينبغى التمييز بين حجية الشىء المقضى به والإحتجاج فالأولى ترمى الى ضمان ثبات الشىء المقضى فيه لأجل استقرار وحماية السلام الإجتماعى (1) ، والثانية (2) (( تقتضى تعديل النظام القانونى للحكم تجاه الغير كأثر لتشابك وتداخل العلاقات بين الأفراد )) فالاحتجاج صفة قانونية مستقلة تنسحب من حيث المبدأ على كل الأعمال والتصرفات والحقوق والمراكز القانونية .
228- وتطبيقا لذلك قضى بأن كون المحتكمين ليسوا أصحاب الصفة فى المنازعة التى اتفق فى شأنها على التحكيم لا يترتب عليه سوى أنه لا يكون الحكم الصادر فيها حجية على أصحاب الصفة فى تلك المنازعة دون أن يؤدى ذلك الى بطلان الحكم (3) وكذلك الأمر اذا تعلق الأمر بمجموعة شركات فان الحكم الصادر فى علاقة إحدى الشركات بالغير لا يحتج به فى مواجهة بقية الشركات التى يتمتع كل منهما بوجود قانونى مستقل (1) كما قضى بإبطال حكم المحكمين القاضى بالزام الكفيل بدفع الدين الى الدائن فى حين أنه لم يوقع على اتفاق التحكيم ، فمثل هذا الحكم لا تمتد حجيته الى الكفيل ولكن إذا كان الحكم ينطوى على ضرر بالكفيل فكيف يمكن حمايته هل يحق له الطعن فيه ؟ بالاعتراض الخارج عن الخصومة أو بصورته الواردة ضمن أسباب الطعن بالتماس اعادة النظر ، هذا ما سوف نعرض له فى المطلب الثانى والواقع أن هذه الحلول تبدو أهميتها بالنسبة لشركات الواقع وشركات المحاصة كالمشروع المشترك وكذلك الأمر بالنسبة للشركات المغلقة وذات المسئولية المحدودة حيث أن مدير هذه الشركة يعتبر بمثابة كفيل لها كما أن هذه الحلول يجب توخيها بالنسبة لخطابات النوايا التى تصدرها الشركة الأم الى فروعها .
229- بيد أنه ليس من السهل التمييز بين حجية الشىء المقضى به والاحتجاج بالحكم ، ذلك بسبب الروابط الجوهرية المصالح المستركة التى قد توجد بين أطرافه وبعض من الغير ، ويدخل فى هذه الطائفة الأخيرة كل من الكفلاء مصدر خطاب الضمان ولذلك سنعرض لهذه المشكلة فى المطلب التالى .
المطلب الثانى
مدى الإحتجاج بحكم التحكيم فى مواجهة الغير
الفرع الأول
الاحتجاج بحكم التحكيم فى مواجهة الكفيل
230- غياب الكفيل عن إجراءات التحكيم لا يعنى أن الحكم الصادر فى خصومة التحكيم بين كل من الدائن والمدين لا ينتج أدنى أثر تجاهه فهذا الحكم يمكن الاحتجاج به فى مواجهته ، وهنا يثور التساؤل حول معرفة ما إذا كان للكفيل أن يطعن فى حكم التحكيم ؟
يجرى القضاء على أنه يمكن للكفيل أن يتمسك بحكم التحكيم الصادر بين الدائن والمدين (1) ، كما يمكن الاحتجاج به فى مواجهته وهذا القضاء مؤسس على مبررات تؤكد بأنه يجب عدم اعتبار كفيل أحد اطراف التحكيم من الغير بالنسبة لإجراءات التحكيم (2) .
231- بيد أنه اذا كانت الحلول التى اتى بها القضاء صحيحة فان الأسباب التى بنيت عليها تعد خاضئة فأاسباب هذه الأحكام خلطت بين حجية الشىء المقضى به والاحتجاج به رغم الفارق الواضح بينهما فحجية الشىء المقضى تتضمن وتنطوى على ثبات الحكم l\’immutabilite du jugement بين أطرافه (3) ، فى حين أن الإحتجاج ، ويقصد به آثاره الحكم الخارجية وتمثل امتداد إشعاع أو آثار الحكم فى وسط قانونى بأن يفرض على الغير مركزا قانونيا متولدا عن الحكم (1) فالحكم فى الحدود التى ينطوى على تعديل فى البنية القانونية يمكن أن يحتج به فى مواجهة الجميع فحكم التحكيم الصادر ضد المدين ويأمره بالوفاء يعد بمثابة واقعة تفرض على الكفيل .
232- فالكفيل ليس بطرف فى إجراءات التحكيم ومن ثمة فانه لا يلتزمم بما ورد فى حكم التحكيم ولا يمكن اعتبار هذا الحكم سندا تنفيذيا فى مواجهته ولا يستطيع الدائن أن يستصدر أمرا بتنفيذه فى مواجهته حتى يمكن الحصول على دينه وإنما عليه الالتجاء الى قضاء الدولة للحصول على دينه تأسيسا على الالتزام المتولد من عقد الكفالة بمعنى أن التزام الكفيل بأن يدفع ما ثبت قضاءا فى مواجهة المدين الأصلى مرجعه قواعد الكفالة وليس حجية الشىء المحكوم فيه .
223- وهذا الحل هو الذى انتهت اليه محكمة استئناف باريس فى 21/5/1964 (2) ، فبعد أن قضت بأن حكم التحكيم الصادر فى مواجهة المدين لا يمكن الاحتجاج به فى مواجهة الكفيل قضت بأن المحكمة التجارية هى المختصة بتقرير مدى التزام الكفيل بالوفاء بالدين للدائن ، حتى لو كان حكم التحكيم مشمولا بأمر التنفيذ بمعنى أن قضاء الدولة وليس محكمة التحكيم هو المختص بأن يأمر الكفيل بالوفاء بالدين للدائن ، اللهم إلا إذا وجد شرط تحكيم فى عقد الكفالة ولكن لا يمكن للكفيل أن يتعرض لما قضى به حكم التحكيم فى مواجهة المدين لانه قضى فيه بصفة قاطعة من قبل المحكمين .
وسبق وأن عبرت محكمة استئناف باريس فى 4/1/1960 (1) عن هذا الحل بطريقة أكثر وضوحا حيث قضت بأن القضاة الذين ينظرون طلب التعويض المقدم ضد الكفيل لهم الحق فى تقدير ما إذا كان حكم التحيم يشكل معطيات واقعة تخوله إلزام الكفيل بتعويض مساو للمبلغ الذى قضى به حكم التحيم تجاه الشركة المكفولة ومع ذلك فان للكفيل فى الطلب المقدم فى مواجهته أمام قضاء الدولة أن يتمسك بالدفوع المستمدة من عقد الكفالة لأجل الإفلات من التزامه بالضمان .
234- وفى المقابل فان الحق فى الكفالة يمكن أن يعتبر عقبة أمام إمكانية ممارسة الكفيل لطريق الأعتراض الخارج عن الخصةمة فى القوانين التى تسمح بها وخاصة القانون الفرنسى والواقع أن القضاء منقسم منذ أمد بعيد على نفسه بصدد هذه المسألة فبعض الأحكام (2) ترفض منح الكفيل اتباع هذا الطريق فى حين أن أحكاما أخرى تجيز على العكس للكفيل الطعن فى حكم التحكيم بالاعتراض الخارج عن الخصومة (3) .
ففى حكم صدر فى 6/6/1981 (4) فتح الباب على مصراعيه للكفيل حيث خوله حق الطعن بالاعتراض الخارج عن الخصومة فى حكم المحكمين متى كان مبنى طعنه التمسك بدفوع خاصة به لم يتمسك بها مدينه فى مواجهة الدائن أمام محكمة التحكيم ،ولكن ما لبثت أن عدلت محكمة النقض عن موقفها حيث قصرت حق الكفيل فى الاعترا ض الخارج عن الخصومة على الدفوع الخاصة به فلا يمكنه التمسك إلا بالدفوع التى تنصب على المنازعة فى وجود الكفالة أو صحتها أو نفاذ أو انقضاء التزامه بصرف النظر عن الالتزام الأصلى ومن ذلك الدفع بالتجريد (1) .
235- وهذا القضاء لم يسلم من النقد فذهب الاستاذ Veaux (2) الى أن محكمة النقض سلكت طريقا مسدودا فعلى فرض أن المدين الأصلى لم يتمسك أمام المحكمين بالحجج التى ترمى الى المنازعة فى عقد الكفالة فانه يجوز للكفيل حينئذ أن يقدم إعتراضا خارجا عن الخصومة ضد القرار الصادر بادانة المدين الأصلى للمنازعة فيما لم تفصل فيه من نقاط ( م 582 مرافعات فرنسى ولذلك فانه أمر منتقد العبور عن طريق الاعتراض الخارج عن الخصومة الذى يعد فى حقيقته نزاعا مختلفا فى كل عناصره هذا فضلا عن أن الكفيل يمكنه دائم الاحتجاج بالدفوع الخاصة به عندما يكون مختصما أى مدعى عليه فى دعوى الوفاء التى يرفعها الدائن استنادا الى حكم التحكيم الصادر ضد المدين .
وهذا النقد أيا كان أساسه لا يسمح بتبرير تخويل الكفيل حق الاعتراض الخارج عن الخصومة فى حكم التحكيم حتى فى الفرض الذى يتمسك فيه الكفيل بالأوجه الخاصة به ويثور البحث عما إذا كان للكفيل باعتباره من الغير الحق فى الاعتراض الخارج عن الخصومة فى حكم المحكمين بقصد إعادة الفصل تجاهه فى التزامات المدين الأصلى ، وذلك بأن يتمسك بأوجه جديدة غير تلك التى تمسك بها المدين أمام المحكمين ؟
236- ومن باب أولى ، فان صفة الغير المعترف بها للكفيل تخوله الحق فى الاعتراض الخارج عن الخصومة (1) وهذه القاعدة يجمع عليها الغالبية العظمى من الفقهاء ولكن لا ينبغى تعميمها فالاعتراض الخارج عن الخصومة ليس بالضرورة حق لكل غير فى الخصومة ففى بعض الفروض من الصعب وإن لم يكن من المستحيل الفصل بين الاحتجاج وحجية الشىء المقضى فيه وذلك بسبب الروابط الجوهرية القائمة بين الأطراف وبعض من الغير التى تبدو جلية من خلال إجراءات التقاضى (2) .
237- وترتيبا على ما تقدم ذهب جانب من الفقه الى القول بأنه إذا كان لطائفة من الغير الطعن فى الاعتراض الخارج عن الخصومة فان ممارستهم لهذا الحق يخضع لبعض القيود والغاية من هذا التقييد هو تجنب عدم استقرار المراكز القانونية وتناقض الأحكام وفكرة المركز القانونى التابع situation subordonnee تفسر القوة الخاصة للاحتجاج فى هذه الفروض ، ومن بينها الفرض الخاص بالكفيل (3) .
238- وتأسيسا على فكرة المركز القانونى التابع نجد جانبا من الفقه المصر ، ذهب الى القول أنه من العدالة إمتداد حجية حكم التحكيم الى الغير تأسيسا على أن مركز الغير يعتمد على المركز الذى قرره الحكم سواء تعلق الأمر بححكم قضائى أو حكم تحكيم (4) وسبق أن ذكرنا أن هذا الرأى لم يسلم من النقد (5) .
239- ويذهب جانب من الفقه المصرى الى القول (1) ان خضوع الكفيل للحكم الصادر ضد الدين الأصلى معناه أن الحكم قد حاز الحجية فى مواجهته ، وهذا القول ينطوى على خلط بين حجية الحكم والاحتجاج به ، فالحكم فى يد الدائن فى هذه الحالة لا يعدو أن يكون دليل إثبات وهو بهذه الصفة حجة على الكافة بما اثبته وهو فى هذا المثالة واقعة ثبوت الدين فى ذمة المدين الأصلى ، ومن ثم وجب ان يلتزم به الكفيل ، ولكن إلتزام الكفيل بالوفاء لا ينتج عن كون الحكم حجة عليه ، وإنما ينتج عن إلتزامه بالوفاء بموجب عقد الكفالة وبمعنى آخر عندما يثبت الدين قضاء فى مواجهة الكفيل فان الحكم يكون دليلا على صحة وجود الدين فى ذمة المدين الأصلى فالوفاء إذن نتيجة للقاعدة القانونية بين أطراف الالتزام وليس نتيجة الحكم .
240- وإتساقا مع الرأى السابق فان الحكم التحكيمى الصادر بين الدائن والمدين يحتج به فى مواجهة الكفيل باعتباره بالنسبة لإجراءات التحكيم ولكن مركز الكفيل كضامن يمنعه من الطعن فى الحكم بطريق الاعتراض الخارج عن الخصومة ، فالكفيل كالمؤمن الذى يحتج المضرور فى مواجهته بالحكم الصادر ضد المؤمن له ، فالمؤمن لم يكن طرفا فى الخصومة ، والحكم الصادر فى مواجهة المؤمن له يعتبر بمثابة تحقيق للمخاطر المؤمن عليها ، سواء من حيث المبدأ أو من حيث النطاق فالمؤمن فبالرغم من أنه يتمتع بمركز الغير فانه ليس له الحق فى الطعن عن طريق الاعتراض الخارج عن الخصومة على فرض النص عليه الا إذا ثبت أن الحكم الصادر مبنى على غش أو تواطوء فالحكم الصادر فى مواجهة المدين الأصلى يعد بمثابة تحقيق المخاطر المضمونة بوساطة الكفيل ، ومن ثمة يوجد سبب للتردد فى حرمان الكفيل من الاعتراض الخارج عن الخصومة ولذلك فاننا نرى أن المشرع لم يحالفه التوفيق بالغاء الطعن بالتماس اعادة النظر فى أحكام المحكمين كما كانت تنص عليه المادة 511 مرافعات الملغاة .
الفرع الثانى
الاحتجاج بحكم التحكيم فى مواجهة مصدر خطاب الضمان
241- يثير حكم التحكيم الصادر قبل أو بعد طلب سحب خطاب الضمان عدة مشاكل فى الواقع العملى ، فاذا صدر هذا الحكم ضد المستفيد من خطاب الضمان فان طلبه سحب هذا الخطاب يحمل فى ظهره نوعا من التعسف(1) ، أما إذا صدر هذا الحكم بعد وفاء الضامن به فما مدى إمكانية الاحتجاج به ضد كل من الضامن والمستفيد ؟
فاذا صدر حكم تحكيم فى موضوع العقد الأصلى بين كل من العميل الآمر والمستفيد فان ذلك الحكم يثير أولا فى الأذهان ما اذا كانت طبيعته القضائية تمنحه فى حدود معينة أثرا أسمى من ذلك المقرر لشرط التحكيم ، فالضامن يعد من الغير بالنسبة لشرط التحكيم الوراد فى العقد الأصلى وحكم التحكيم ليس له قوة الزامية أكثر منتلك التى لشرط التحكيم ، فلا يمكنه التمسك بما يقرره من حقوق كما أن العميل الآمر الذى صدر الحكم لصالحه فى مواجهة المستفيد لا يمكنه الاحتجاج به فى مواجهة البنك الضامن لان هذا الأخير لم يتعاقد مباشرة مع المستفيد (1) .
242- ومع ذلك إذا كان الضاامن غير ملزم باتفاق التحكيم ولا بحكم المحكمين فان العميل الآمر يمكنه الاحتجاج به فى مواجهته باعتباره واقعة كما أن الضامن لا يمكنه الإحتجاج بحكم التحكيم فى مواجهة المستفيد بسبب عدم الاحتجاج بالدفوع المستمدة من العقد الأصلى الذى يعد حكم التحكيم جزءا منه ، على أنه يخشى إذا ما قام بتنفيذ التزاماته القاطعة يمكن أن تعرضه لعدم استيفائها من العميل الآمر ويمكن تصور عدة فروض وبيان النتائج المترتبة عليها .
243- فمن ناحية يمكن تصور وفاء الضامن رغم صدور حكم ضد المستفيد فاذا ما تصورنا استحالة استرداد البنك المبلغ الذى دفعه الى المستفيد من العميل الآمر فيثور التساؤل حول مدى امتداد حجية الشىء المقضى لحكم التحكيم الصادر بين العميل الآمر والمستفيد الى الضامن ، هذا ما لا يمكن تصوره نظرا لأن القاعدة هى نسبية حجية الشىء المقضى لحكم التحكيم فهذه الحجية ليست لها أدنى فعالية قانونية الا فيما بين أطراف الانزاع وترتيبا على ذلك فان الضامن لا يرتبط بحجية الشىء المقضى لحكم التحكيم الصادر ضد المستفيد فامتداد حجية الشىء المقضى الى الغير يقتضى تعديل النظام القانونى للحكم كأثر لتشابك الروابط بين الأفراد .
244- ومن ناحية أخرى فان العميل الآمر إذا ما صدر الحكم لصالحه فانه يحاول جاهدا تجميد قيمة الخطاب لدى الضامن ومنعه من الوفاء بتعهده ، والسؤال هو هل مطالبة المستفيد الضامن بالوفاء بقيمة خطاب الضمان وجحود ما قضى به حكم التحكيم فى مواجهته هل يعتبر غشا ، أو طلبا فى ظاهرة التعسف (1) الواقع أن حكم التحكيم ليس من شأنه من حيث المبدأ إهدار ما لتعهد البنك من استقلال عن العقد الأصلى (2) ومع ذلك قضت محكمة بروكسل بأن طلب المستفيد سحب خطاب الصمان رغم صدور الحكم فى مواجهته وجحوده إياه يشكل مسلكا تعسفيا تدليسيا (3) .
245- جرى القضاء الفرنسى فى بادء الأمر على الحكم بتجميد قيمة خطاب الضمان فى الفرض السابق ، أى فى حالة صدور حكم تحكيم فى مواجهة المستفيد وجحود هذا الأخير ما قضى به واستند فى ذلك الى فكرة التعسف الظاهر ،ولكن ما لبث أن هجر القضاء هذه الفكرة حيث أكد أن الطابع المستقل لالتزام البنك فى خطاب الضمان يستبعد أية إمكانية للاستناد الى شروط تنفيذ العقد الأصلى (1) وان كون الأمر قد نفذ جميع التزاماته تجاه المستفيد من الضمان لا يسمح ولو قام الدليل على صحة ادعائه بإعفاء البنك من تنفيذ التزامه بالوفاء ولكن محكمة النقض اعتبرت طلب المستفيد الوفاء بقيمة خطاب الضمان رغم صدور حكم تحكيم فى مواجهته يعتبر غشا ظاهرا من المستفيد يبرر تجميد قيمة خطاب الضمان (2) .
246- وبالرغم من ذل كفان نظرية طلب المستفيد الظاهر نفسه ليس من السهل إعمالها (3) بالنسبة للضامن المقابل Contre garantie ومن الصعب إعماله فى حالة وجود ضمانة غير مباشرة حيث أن استقلاله لا يتأثر إلا عندما يوجد غش أو تدليس فالضامن بمرد الطلب أى بمقتضى عقد الضمان الأول يجب أن يكون شريكا فى الغش وأن يكون لديه علم بالطابع التعسفى لطلب المستفيد ، فى اللحظة التى يطلب هو نفسه الضمان المقابل ولكن كيف يمكنه العلم بحكم تحكيم قد يصدر فى سرية ؟ وفضلا عن أن الضامن الأول ليست له أية علاقة بالعميل الآمر ، فمن المحتمل أن يقر هذا الأخير بأنه أخبره بفحوى القرار التحكيمى وعلى ذلك فان الآمر سوف يجد نفسه أمام صعوبة بالغة تحول بينه وبين طلب تجميد قيمة خطاب الضمان بسبب صعوبة إثبات غش الضامن الأول وتواطؤه المبنى على العلم بحكم التحكيم ، وخاصة أنه قد يفوت الأوان لإثبات غش المستفيد مما يصعب القول بامتداد حجية الشىء المقضى لحكم التحكيم الى البنك وتخويله حق الطعن فيه كما أن الأحتجاج بالحكم عن طريق الالتماس باعادة النظر لن يكون مجديا ، ولذلك فان الاختصاص بنظر هذا الطلب يكون قاصر على قضاء الدولة المستعجل .
247- وسبق أن ذكرنا أن التزام البنك بالوفاء بقيمة خطاب الضمان مستقل عن التزام العميل الآمر والمستفيد والبنك ليس ضامنا موسرا فحسب ، كما هو شأن الكفيل فى الكفالة بل هو مدين بنفس درجة المدين الأصلى فهو يؤمن للمستفيد من تعهده جميع الضمانات التى يؤمنها الحصول على تأمين نقدى .
248- وعلى البنك الوفاء بقيمة خطاب الضمان بمجرد طلب المستفيد ، ولا يتوقف على صدور حكم تحكيم فى الفرض الذى يتضمن العقد الأصلى بين العميل الآمر والمستفيد مثل هذا الشرط ولكن قد يشترط مصدر خطاب الضمان صدور حكم تحكيم لصالح المستفيد حتى يتمكن من سحبه وتضمين الخطاب مثل هذا الشرط ، بحيث لا يكون للبنك الضامن أن يقوم بالوفاء إلا بعد صدور حكم التحكيم (1) ، يرجع الى الإستغلال التعسفى وغير المشروع من بعض المستفيدين بالضمان الواجب الدفع لدى أول مطالبة ، قد ظهر ولكن بعد فوات الآوان مساوئ هذا الأسلوب ، مما من شأنه تغيير المراكز الإجرائية والإخلال بالتوازن حتى بالنسبة للمرحلة اللاحقة على تنفيذ الضمانة .
249- بيد أن اقتضاء صدور حكم سبق فى موضوع العقد الأصلى يعد سمة أساسية للتأمينات الشخصية التبعية مثلما هو الحال فى الكفالة وهذا ما يتعارض مع خاصية الآلية لخطابات الضمان فى كونها تدفع بمجرد الطلب ، وهذا الحكم يخول للضامن التأكد من صحة طلب المستفيد وبالتالى ليس له وظيفة قضائية ، فهو لا يلزم الضامن بتنفيذ التزامه ، فحكم التحكيم لا يمتد الى مشكلة الضمانة ، فالضمانة تحيل اليه وتتوقف عليه ومحم العقد الأصلى يقرر ما إذا كان يجب تنفيذ الضمانة أم لا ، وانما يتوقف ذلك على أن الضامن يجب عليه أن يتأكد من تطابق المستندات وفى سبيل ذلك قد يصادف بعض الصعوبات فى تقدير مضمون الحكم عندما يشوبه غموض ، ولكن الضامن لا يتعرض لتقدير مدى صحة حكم التحكيم ، فهذا الحكم يعتبر قرينة قوية على أن العميل الآمر نفذ أو لم ينفذ التزماته ، فالبنك الضامن لا يقوم إلا بالتحقق من الناحية الشكلية من مضمون وفحوى حكم التحكيم دون فحص صحته ومن الجدير بالإشارة أن إشتراط مثل هذا الشرط فى خطاب الضمان يضفى عليه نوعا من التبعية ويجرده من استقلاله ، ولا يعدو البنك أن يكون مجرد كفيل ، وخطاب الضمان بمثابة عقد كفالة لارتباط تنفيذه بثبوت مديونية المدين (1) .
250- ومجمل القول أن حكم التحكيم يعتبر بالنسبة للكفيل ومصدرى خطاب الضمان مجرد واقعة لا تمتد حجية اليهم وان كان يمكنهم الطعن فيه فى القوانين التى تجيز ذلك كالقانون الفرنسى ، بالاعتراض الخارج على الخصومة ، شريطة أن ينطوى على غش أو تدليس ، واذا كان القانون المصرى لم ينص على كيفية الطعن فيه فكلنا أمل أن يعيد المشرع النظر فى إعادة النظر لما يحققه هذا الطعن من حماية للغير وخاصة أن حكم التحكيم ليس بأفضل من الأحكام الصادرة من قضاء الدولة (2) .
خـــاتــمــة
251- نخلص من الدراسة التحليلية والتطبيقية المقارنة لمبدأ نسبية أثر التحكيم بالنسبة للغير ، أن المفهوم الموضوعى للغير فى التحكيم أضيق من مفهومه الإجرائى ، ويرجع ذلك الى أن المشرع أخذ بمفهوم واسع لفكرة الطرف فى اتفاق التحكيم حيث تبنى (( نظرية الثقة )) التى تجمع بين كل من الإرادة الظاهرة والإرادة الباطنة لأطراف الاتفاق .
فمن ناحية اشترط أن يكون إرادة الطرف مكتوبة ورتب على تخلف الكتابة بطلان اتفااق التحكيم ( م 12 من قانون التحكيم ) ومن ناحية ثانية خفف من حدة هذا المقتضى ولم يشترط أن تكون هذه الكتابة موقعة وكل ما اشترطه أن يكون هناك تبادل للمستندات المتضمنة شرط التحكيم ، وعلى ذلك يعد طرفا فى اتفاق التحكيم كل من يعلم بوجود شرط تحكيم فى المراسلات والوثائق المتبادلة ,وانه تصرف أو كان مفروضا أن يتصرف على هذا الأساس أى اتجهت ارادته الى الارتباط به .
252- والواقع أن المنهج الذى سلكه المشرع المصرى فى قانون التحكيم يتوافق مع ما يجرى على قضاء التحكيم فيما انتهى اليه من انصراف أثر اتفاق التحكيم الى أشخاص لم يوقعوا عليه (( قضية وستلاند )) كما أنه قد لا ينصرف هذا الأثر الى أشخاص وقعوا عليه ولكن لم تتجه ارادتهم الى الارتباط به (( قضية هضبة الأهرام )) .
253- فضلا عن أن هذا النهج يتوافق مع مسلك الفقه والقضاء على صعيد النظرية العامة للعقد ، فى إحداث ثغرات فيما تبقى من مبدأ نسبية أثر العقد (( م 145 من القانون المدنى )) (1) وذلك كأثر لردود الفعل الطبيعية للتحولات الايدلوجية والاجتماعية فى المجتمع وتجاوز الواقع القانونى للقانون المكتوب (1) ، وما انتها اليه الفقه من أن التشتبث بأهداب الشكلية الواردة فى القانون المدنى ينطوى على خداع (2) ودعوته الى إعادة التفكير فى مبدأ النسبية وإعادة تعريف وتحديد نطاقه العقدى ، وظهور طبقة المتعاقدين الوسط contractants mediats وهى طائفة من الأسخاص توجد بين كل من الطرف بالمعنى الحقيقى والغير الأجنبى ، وهذه الطائفة أصبحت تفرض وجودها فى كل الأوجه الحديثة للمجموعات الاقتصادية ذات الأطراف المتعددة pluricontractuels (3) .
254- واتساقا مع ما تقدم ، فانه لتحديد المفهوم الموضوعى للغير فى اتفاق التحكيم قمنا بالتمييز بين مدى امتداد قوته الملزمة الى الغير والاحتجاج به فى مواجهة الغير ، ولبيان الفرض الأولى تم التمييز بين طائفتين من أطراف الاتفاق الطائفة الأولى الأطراف لحظة تكوين العقد المتضمن شرط التحكيم ، والطائفة الثانية ، الأطراف لحظة تنفيذ العقد المتضمن شرط التحكيم .
255- بالنسبة للطائفة الأولى ، فانه يندرج فى هذه الطائفة كل من أبرم الاتفاق او ساهم فى إبرامه ، واتجهت إرادته الى الارتباط به حتى ولم يكن موقعا عليه ، وناقشنا مدى انصراف أثر الاتفاق الى الأشخاص الممثلين ، وما تثيره فكرة التمثيل من صعوبات ففى حالة التمثيل الناقص يجرى قضاء التحكيم على عدم انصراف اثر اتفاق التحكيم الى الممثل Represente إذا لم يكشف الممثل reppresentant عن اسم وصفة من يمثله ، وكذلك تعرضنا لمركز المفاوض وما يثيره تبادل الأوراق المتضمنة شرط التحكيم فى المرحلة السابقة على التعاقد ، من مشاكل وهو ما يعرف بمعركة الاستمارات وتضارب آراء الفقه وأحكام القضاء بشأنها ، فبعضها اعتبرت المفاوض وكيلا وانتهت الى عدم امتداد شرط التحكيم اليه والبعض الآخر قضت بعكس ذلك والزمت المفاوض بشرط التحكيم تأسيسا على الإرادة الظاهرة .
أما فى حالة التمثيل الكامل ، كالوكيل الاتفاقى فان القضاء يتجه الى الأخذ بمفهوم واسع لفكرة التفويض الكتابى ، كما أن قضاء التحكيم بلغ شأوا بعيدا فى مقام الأخذ بالأوضاع الظاهرة فيما يتعلق بتمثيل الشخص الاعتبارى ، وناقشنا مدى امتداد القوة الملزمة لاتفاق التحكيم الى الأشخاص الذين لا يعتبرون أطرافا فى اتفاق التحكيم الا بمقتضى حيلة قانونية ، أو استنادا الى قاعدة قانونية كالمدينين المتضامنين ، أو الوكيل القانونى ، وعدم توافق حيلة تمثيل المدينين المتضامنين بعضهم لبعض مع الواقع القانونى ، ولا مع طبيعة شرط التحكيم ، لأن التضامن فيما ينفع لا فيما يضر ، فاذا كان يمكن التمسك بشرط التحكيم من قبل أى من المدينين المتضامنين ، فانه تثور صعوبة فى التمسك به فى مواجهتهم .
256- وبالنسبة للطائفة الثانية فيندرج فى هذه الطائفة كل من نفذ الاتفاق المتضمن شرط التحكيم أو ساهم فى تنفيذه ، من هؤلاء الأشخاص الذين يعلنون عن رضاهم بالتحكيم قبل إبرام العقد المتضمن لشرط التحكيم ، ومن هؤلاء الموكل فى عقد الوكالة بالعمولة ، والأشخاص الذين يصدر رضاهم بالتحكيم بعد إبرام العقد المتضمن شرط التحكيم ، ومن هؤلاء الخلف العام والمستفيدون من الانتقال الكلى أو الجزئى للعقد المتضمن شرط التحكيم ، كحوالة العقد وحوالة الحق وحوالة الدين ، مع الأخذ فى الاعتبار الفارق بين حوالة الحق وحوالة الدين وقيام التحكيم على الاعتبار الشخصى .
وعرضنا للجدل الذى ثار بالنسبة لمدى امتداد شرط التحكيم الى المرسل اليه فى عقد الشحن أو فى مشارطة إيجار السفن ، وقلنا بأن المرسل اليه يعتبر منفذا للقعد ، وتنفيذ العقد يعادل الرضا به ، وبما تضمنه من شروط ، وخاصة شرط التحكيم ، وذلك إعمالا لفكرة (العقد الواقعى) المعمول بها فى القانون الألمانى ، فضلا عن أنه من الناحية الإجرائية فان تبعية الحق فى التحكيم لا تتعارض مع ما لشرط التحكيم من استقلال عن العقد الأصلى الوارد فيه فأساس الاستقلال ومقتضاه هو اختلاف محل كل من الشرط عن محل العقد الوارد به ، فمحل الأول بوصفه تصرفا إجرائيا هو الاتفاق على حل النزاع بوساطة شخص من الغير ، ومحل الثانى تسليم البضاعة بصرف النظر عن كيفية التسليم ( فوب أم سيف ) فاستقلال شرط التحكيم لا يعنى انفصاله عن العقد الأصلى بل إنه فى خدمة هذا العقد ، فيجب نقله وامتداده تبعا لمصير العقد الأصلى ، ولما كان المرسل اليه يعتبر منفذا للعقد الأصلى فمن ثمة فان شرط التحكيم الوارد فى سند الشحن يمتد اليه فهو ملحق ضرورى للالتزام الأصلى .
وكذلك للمستفيد من الاشتراط لمصلحة الغير ، والجدل الذى ثار حول مدى إمكانية التمسك فى مواجهته بشرط التحكيم ، فاذا كان له الحق أن يستفيد من شرط التحكيم المشترط لصالحه فهل يمكن الاحتجاج به فى مواجهته ؟ فهناك من ذهب الى ذلك تأسيسا على فكرة ثنائية القبول(1) ، ولكن فى الواقع نرى عكس ذلك أن القانون إذا كان يخول الغير التمسك ببعض آثار القوة الملزمة للاتفاق ، وتصحيح مبدأ نسبية أثر العقد بالنسبة له فانه ليس معنى ذلك أنه يتمتع بنفس مكنات وسلطات الطرف فليس له سلطة طلب إبطاله أو تعديله ، فالاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع فيه ولا ينبغى تفسير إرادة المشرع الى غير ما انصرفت اليه .
257- كما اختلف قضاء الدولة وقضاء التحكيم بشأن امتداد شرط التحكيم الى المراكز العقدية الناجمة عن مجاميع العقود ، فبعض الأحكام قضت برفض مد شرط التحكيم الذى يرد فى أحد العقود الى أطراف عقد آخر لم يتضمنه ، مع ارتباط هذه العقود بعضها ببعض برابطة ذات طبيعة اقتصادية ، ذلك لأنه ينبغى البحث عن الإرادة الحقيقية فى المساهمة فى التحكيم .
وتذهب بعض الأحكام الأخرى الى مد شرط التحكيم وذلك أخذا بفكرة الإرادة الظاهرة وأخذ القضاء يتحسس هذه الإرادة من خلال حيل متعددة كالوكالة الظاهرة ، والحلول والاشتراط لمصلحة الغير ومجرد الوجود الواقعى لمجموعة الشركات ، وذهب البعض الى حد القول بامكانية استخلاص قاعدة موضوعية فيما يتعلق بمجاميع العقود تتمثل فى أن الروابط المؤسسية من شأنها أان تخلق قرينة على القبول الضمنى .
258- والواقع أن البحث عن الإرادة الضصمنية من مسلك الشخص فى مرحلة التفاوض أو عند تنفيذ العقد يعتبر مصدرا لعدم الأمان القانونى ، لأن البحث عن الإرادة الضمنية دائما يؤدى الى نتائج احتمالية كما أن المراكز الواقعية المتماثلة ، يمكن أن تقود الى قرارات متعارضة ومدعاة لإطلاق سلطات المحكمين وتحكمهم ، كما أن مجرد الوجود الواقعى لمجاميع الشركات ، ليس كافيا فى حد ذاته لاعتباره قرينة على قبول شرط التحكيم ، ولا ينبغى قلب الاستقلال القانونى للشركات ليصير استثناء .
259- ومجمل ما سبق ، فان التوسع فى مفهوم الطرف ومد القوة الملزمة لاتفاق التحكيم الى أشخاص ليسواا أطرافا فيه والحد من نطاق مبدأ نسبية أثر الاتفاق يعنى الأخذ بمفهوم ضيق الغير ، يدعونا الى التساؤل حول ما إذا كان يوجد غير بالمعنى الحقيقى ، كل ذلك من شأنه أن يخلق نوعا من التخوف فى أوساط التحكيم ، ومن شأنه أيض أن يخلق نوعا من (( امبريالية التحكيم une sorte d\’imperalisme d\’arbitrage فكل فرد يرتبط بشخص آخر برابطة ذات طبيعة اقتصادية أو يوجد بينهم مصالح متشابكة يخشى أن يجلب الى تحكيم لا يرغب فيه ، فالشركة الأم تخشى أن تجلب الى تحكيم لا ترغب فيه لمجرد أن الشركة الوليدة ضمنت عقدها مع الغير شرط تحكيم .
260- وترتيبا على ما تقدم فانه لوضع حد لهذه الخشية فان على المحكم بوصفه قاضيا خاصا البحث عن القاعدة القانونية الواجبة التطبيق على المراكز العقدية لامركبة أو الأشخاص غير الموقعة على اتفاق التحكيم سواء أكان محكما بالقانون أم محكما بالصلح ، وعلى هذا الأخير بحث ما إذا كان إعمال هذه القاعدة من شأنه أن يؤدى الى نتائج غير عادلة ، فإعمال قواعد القانون يعد أفضل المعايير لمد شرط التحكيم الى الأشخاص غير الموقعة عليه وخاصة الشركات التى ضمنت أحد عقودها هذا الشرط ، فالبحث عن قاعدة قانونية تطبق على الوقائع المطروحة ليس بحثا مصطنعا عن الإرادة الضمنية كما أنه ليس بحثا تقديري أو تحكميا ، وإنما يعد مصدرا للأمان القانونى ، ومن شأنه السماح لمحكمة النقض ببسط رقابتها على الحلول التى ينتهى اليها المحكمون .
261- ومن ناحية ثانية ، يعتبر اتفاق التحكيم بالنسبة للغير واقعة يجب عليه أن يأخذ فى الحسبان وجودها كأى واقعة اجتماعية ، ولذلك فانه يمكن الاحتجاج به فى مواجهته والاحتجاج صفة قانونية مستقلة تنسحب من حيث المبدأ على كل الأعمال والتصرفات ، والحقوق ، والمراكز القانونية ، وفى هذا الخصوص تناولنا مدى الاحتجاج بشرط التحكيم فى مواجهة كل من الكفيل ومصدر خطاب الضمان ،وذلك نظرا لأن مركزهما غير واضح الأساس فى القانون الوضعى .
وخلصنا من هذه الدراسة أن علاقة الكفيل بالتحكيم يحكمها منطق الكفالة ، فالكفيل سواء أكان كفيلا بسيطا أم كفيلا متضامنا يعد مع الغير بالنسبة لشرط التحكيم الوارد فى العقد المكفول المبرم بين الدائن والمدين الأصلى ذلك لأن الالتزام الموضوعى للكفيل والمتمثل فى ضمان مخاطر عدم الوفاء مختلف عن التزام المدين الأصلى ، وأن الدفوع الملازمة للدين والتى من شأن تمسك الكفيل بها انقضاء الدين لا تشمل الدفوع الإجرائية ، ومن ذلك الدفع بالتحكيم نظرا لأنه ليس لها أدنى أثر على التزام الكفيل ، فلا تؤدى الى انقضائه أو التخفيف منه .
262- كما يجرى القضاء على أن شرط التحكيم الوارد فى العقد الأصلى لا يحول دون الوفاء بخطاب الضمان وذلك تأسيسا على أن التزام البنك مستقل ومجرد عن أية علاقة سابقة سواء علاقة البنك لعميله ، أو علاقة هذا الأخير بالمستفيد كما قضى بأنه لا يمكن الاحتجاج بشرط التحكيم الوارد فى العقد الإصلى فى مواجهة الضامن المقابل contre – garantie نظرا لاستقلال التزمه عن العقد الأصلى وعقد الاعتماد بالضمان .
263- وعلى الصعيد الإجرائى ، فان مفهوم الغير فى خصومة التحكيم أوسع من مفهومه فى اتفاق التحكيم ، فالمبدأ المعمول به هو مبدأ نسبية إجراءات التحكيم ، فلا يعتبر خصما فى خصومة التحيكم إلا كل من كان طرفا فى اتفاق التحكيم وساهم فى تشكيل هيئة التحكيم ، سواء باتفاقه مع الطرف الآخر (( م 15 من قانون التحكيم )) أو أخبر بتعيين محكم عنه عند امتناعه عن تعيين محكمة أو نتيجة لعدم اتفاقه مع الطرف الآخر .
264- وإذا كان من المتفق عليه أن التعريفات تعتبر عملا فقهيا بحتا، وليس بعمل تشريعى فان المشرع قد وفر على الفقه عناء البحث وحدد المقصود (( بطرفى التحكيم )) وذلك فى المادة 4/3 من قانون التحكيم ، حيث نص على أن تنصرف عبارة (( طرفى التحكيم )) فى هذا القانون الى أطراف التحكيم ولو تعددوا ولكن المشرع لم يعالج المشكلاات الناجمنة عن تعدد أطراف التحكيم ، ولا تلك الناجمة عن التحكيم متعدد الأطراف ، سواء قبل أو بعد بدء خصومة التحكيم .
265- فاذا تعدد أطراف التحكيم فى جانب قبل بدء الخصومة سواء أكان تعددا بسيطا ، أم مركبا ، أم حتميا ولم يتفقوا على اختيار محكم مشترك عنهم فانه يجوز لأى منهم أن يطلب ذلك من القضاء وكذلك اذا اختار كل واحد منهم محكما على استقلال فانه من المتصور تدخل القضاء لتحقيق قاعدة الوترية ، والا كان تشكيل هيئة التحكيم باطلا ولذلك نرى وجوب تدخل المشرع بالنص على هذين الفرضين .
266- واذا ترتب على لتعدد نشوء عدة تحكيمات مرتبطة فيرى جانب من الفقه المصرى الأخذ بما انتهى اليه القضاء الأمريكى (1) ونضيف وبما هو منصوص عليه فى بعض التشريعات المقارنة كقانون المرافعات الهولندى من وجوب تدخل القضء للمر بتجميع التحكيمت التى تشير اليها لاتفاقات فى تحكيم واحد واسع لان ذلك فى رأيهم من شأنه تشجيع التحكيم وإعطاء اللجوء اليه أكبل قدر ممكن من الفاعلية ، كما أن هذا الحل يحقق مزايا ظاهرة ويمكن استلهامه على الأقل فى المرحلة الحالية من التطور ، وحتى يتم دوليا الاتفاق على تنظيم مناسب أكثر تحديدا يعالج مشكلات التحكيم متعدد الأطراف ، والواقع أنه إذا سمحنا بتدخل القضاء للضم الإجبارى للتحيكمات ، فان ذلك يشكل مرحلة تكميلية نحو التحول التدريجى لإخضاع خصومة التحكيم لوصاية قضاء الدولة , وهذا اتجاه معاكس لحركة وتطور التاريخ ، ومع النشأة الاتفاقية للتحكيم ، وخاصة أن المشرع أطلق العنان لسلطان الإرادة فى قانون التحكيم الجديد ، حيث أن جل قواعده مكملة أو مفسرة أو مقررة فيمكنهم الاتفاق على الضم أو وضع شرط التحكيم بطريقة تفيد ذلك (1) .
267- أما عن التعدد بعد بدء الخصومة فان النشأة الاتفاقية لخصومة التحكيم تعد عقبة كؤود أمام إعمال أحكام قانون المرافعات ، بشأن تدخل أو إدخال الغير ولكن إذا كان القصد من تدخل الغير هو تنوير عقيدة هيئة التحكيم بشأن واقعة محددة كإدلاء بشهادة أو تقديم مستند تحت يده فانه يجوز تدخله وإذا كان المشرع عالج الفرض الأول ونص فى المادة 37 من قانون التحكيم فى أن لهيئة التحكيم أن تطلب من رئيس المحكمة المشار إليها فى المادة (9) الحكم على من يتخلف من الشهود عن الحضور أو يمتنع عن الإجابة بالجزاءات المنصوص عليها فى المادتين 78-80 من قانون الإثبات فى المواد المدنية والتجارية ولم ينص على الفرض الثانى المتمثل فى إلزام الغير بتقديم مستند تحت يده وخاصة أن هيئة التحكيم تفتقر الى سلطة الآمر ، ولذلك نرى وجوب تدخل المشرع باضافة فقرة جديدة الى هذا النص تفيد المعنى السابق طرحه ، ويجرى حكمها كالتالى (ب) إلزام الغير بتقديم المستندات التى فى حوزته .
268- ولكن لا يمكن تدخل الغير أو إدخاله فى خصومة إلا باتفاقه مع الأطراف وقبول هيئة التحكيم ، وعلى ذلك نصت المادة 28 من الوفاق السويسرى والمادة 1045 من قانون المرافعات الهولندى ، وإذا لم يوجد اتفاق فلا يمكن إجبار الغير على الاشتراك أو المشاركة فى خصومة التحكيم ، نظرا لافتقار المحكمين لسلطة الآمر فضلا عن أن الغير له أن يرفض الاشتراك فى تحكيم لم يشارك فى اختيار هيئته والواقع أنه قلما يحدث اتفاق فى الواقع العملى ولكن تبدو فائدة النص على ذلك جلية على صعيد لوئح التحكيم فى أنه إذا ورد نص فى أحد لوائح التحكيم مفاده أنه إذا كان أحد أطراف منازعة تحكيمية يخضع لهذه اللائحة مرتبطا باتفاق تحكيم مع شخص من الغير ، أحال هو الآخر الى أحكام هذه اللائحة ، فان اتفاق التحكيم المشار اليه يفترض أنه أبرم – كما تجيز بعض قوانين المرافعات فى بعض المقاطعات السويسرية إدخال الضامن فى خصومة التحكيم شريطة أن يكون طرفا فى اتفاق التحكيم .
269- على أنه لا يجوز إدخال الضامن المرتبط بشرط تحكيم مع من طلب إدخاله فى الدعوى المرفوعة على هذا الأخير من الغير ، ذلك أن شرط التحكيم ليس بشرط اتفاق على الاختصاص ولا تنطبق عليه قواعد الاختصاص المحلى وإنما يعد اتفاقا على الولاية ومن ثمة فانه يخرج من ولاية قضاء الدولة .
270- وأخيرا بالنسبة لأثر حكم التحكيم بالنسبة للغير فعرضنا لموقف كل من الفقه التقليدى والفقه الحديث من امتداد حجية الشىء المقضى لحكم التحكيم الى الغير وقمنا بتقدير نقدى لهذا الفقه وذاك وقلنا إن هناك من ذهب الى القول بامتداد حجية الأمر المقتضى الى الغير ، إذا كان مركزه يعتمد على المركز الذى قرره الحكم ، سواء تعلق الأمر بحكم قضائى أو بحكم تحكيم ، ولكن القول بذلك يستوجب من ناحية تدخل الغير فى خصومة التحكيم ، وهذا أم غير متصور نظرا لأصلها الاتفاقى ، كما يفترض من ناحية أخرى أن للغير الحق فى الطعن فى الحكم ، وهذا أيض أمر غير متصور للأسباب التالية :-
271- فمن ناحية : أن الطريق الوحيد المقرر للطعن فى حكم التحكيم هو رفع دعوى ببطلانه ، فهل يجوز للغير رفع مثل هذه الدعوى ؟ هذا أمر غير متصور ، ذلك لأنه بالنظر الى أسباب البطلان الواردة فى المادة 53/1 نجد بعضها يتعلق باتفاق التحكيم وتشمل هذه الأسباب ما هو مقرر فى الفقرات ( أ ، ب ، د ، و ) وبعضها الآخر يتعلق بخصومة التحكيم ، وتشمل الأسباب الواردة فى الفقرات ( ج,هـ،ز ) وعلى ذلك فانه يفترض فى رافع الدعوى أن يكون طرفا ليس فقط فى اتفاق التحكيم وإنما أيضا فى خصومة التحكيم (1) .
272- ومن ناحية ثانية : أن المشرع حصن حكم التحكيم ضد كل طرق الطعن المقررة فى قانون المرافعات ( م 52/1 ) وبالتالى فانه يبدو لأول وهلة أن حكم التحكيم فى مركز أفضل من حكم القضاء أى من الأحكام الصادرة من قضاء الدولة ، وبالتالى لا يحقق الحماية القضائية الكافية لا لأطرافه ولا للغير إذا ما تم الاحتجاج به فى مواجهته ولذلك يثور التسؤل عن مدى توفيق المشرع فى قانون التحكيم الجديد فى إلغاء الطعن باتماس إعادة النظر (1) ، خلاف لم كانت تنص عليه المادة 511 مرافعات الملغاة ، من جواز الطعن بالتماس إعادة النظر فيما عدا الحالة الخامسة من المادة 241 من قانون المرافعات ، وبالرجوع الى الأحوال السبعة الأخرى غير الحالة الخامسة المستثناه التى يجوز فيها الطعن بالتماس إعادة النظر طبقا لنص المادة 241 مرافعات يتضح لنا أنها صور لا تدخل ضمن حالات بطلان حكم التحكيم المنصوص عليها فى المادة 53 من القانون الجديد وأن لها نطاقا مختلفا عن نطاق دعوى البطلان ، هذا فضلا عن الميعاد الضيق لدعوى البطلان 90 يوم ، ولذلك فما هى الحكمة من استبعاد الطعن فى حكم التحكيم إذا وقع من الخصم غش كان من شأنه التأثير فى الحكم أو حصل بعد الحكم إقرار بتزوير الأوراق التى بنى عليها أو قضى بتزويرها أو كان حكم التحكيم قد بنى على شهادة شاهد قضى بعد صدوره بأنها مزورة ، أو حصل ملتمس إعادة النظر بعد صدور حكم التحكيم على أوراق قاضعة فى الدعوى كان خصمه قد حال دون تقديمها ، أو إذا كان منطوق الحكم مناقضا بعضه لبعض أو إذا صدر الحكم على شخص طبيعى أو اعتبارى لم يكن ممثلا تمثيل صحيحا فى الدعوى وذلك فيما عدا حالة النيابة الاتفاقية ، او لمن يعتبر الحكم الصادر فى الدعوى حجة عليه ولم يكن قد أدخل أو تدخل فيها بشرط إثبات غش من كان يمثله أو تواطؤه أو إهماله الجسيم .
273- وأخيرا يجب عدم الخلط بين حجية الشىء المقضى لحكم المحكمين ومدى الاحتجاج به وتطبيقا لهذا التمييز فان حكم التحكيم الصادر بين المدين والدائن يحتج به فى مواجهة الكفيل ، ولكن مركزه كضامن يمنعه من الطعن فيه ، على فرض أن له حق الطعن فيه ، كماا هو مقرر فى القانون الفرنسى الاعتراض الخارج على الخصومة ، ولكن ما هو الحل اذا انطوى الحكم على غش أو تدليس من شأنه التأثير على الغير ؟ الحل يكمن فى العودة الى نظام التماس إعادة النظر مع قصره على الفرض السابق طرحه .
274- ومن مجمل ما سبق فان مفهوم الغير فى اتفاق التحكيم أضيق منه فى خصومة التحكيم ، وسوف يزداد ضيقا مع تزايد وتشابك الروابط القانونية ومع كل ذلك فان التوسع فى الإستثناءات التى ترد على مبدأ النسبية يعد تأكيدا لهذا المبدأ ، كما أنه من الصعب إحداث ثغرات فى مبدأ نسبية إجراءات خصومة التحكيم ، بإعمال فكرة الخصم التبعى ذلك نظرا لأصلها الإتفاقى ، كما أن حماية الغير تقتضى تخويله حق الطعن فى حكم التحكيم بالاعتراض الخارج على الخصومة فى صورته الواردة ضمن أسباب الطعن فى التماس إعادة النظر ، الواردة فى المادة 240/8 من قانون المرافعات ، ومجمل القول أن كل ما تم طرحه خلال هذا البحث ما هو إلا ضوابط لتحديد نطاق مفهوم الغير فى التحكيم وبيان مضمونه وخاصة أن فكرة الغير فكرة متغيرة متفرعة الأصول ومتشابكة وذلك كله حتى لا نزلق فى درب من امبريالية التحكيم ، وحتى نتجنب وصاية القضاء على خصومة التحكيم ، ونسير فى تيار معاكس لحركة التاريخ .تم بحمد الله وفضله
أهم المراجع
أولا : باللغة العربية :
– إبراهيم أحمد إبراهيم : التحكيم الدولى الخاص : القاهرة 1986 .
– أبو زيد رضوان : الأسس العامة فى التحكيم التجارى الدولى ، دار الفكر العربى – 1981 .
– أحمد أبو الوفا : التحكيم الإختيارى والإجبارى – منشأة المعارف ط 5 1988 .
– أحمد السيد الصاوى : أثر الأحكام بالنسبة للغير – بدون سنة نشر .
– أحمد شوقى عبد الرحمن : قواعد تفسير العقد الكاشفة عن النية المشتركة للمتعاقدين ، ومدى تأثير قواعد الإثبات عليها – المطبعة العالمية الحديثة 1977 .
– أحمد ماهر زغلول : 1- دعوى الضمن الفرعية ، بدون ناشر ، ط 1993 .
2- الحجية الموقوفة أو تناقضات حجية الأمر المقضى ، دار النهضة العربية 1990 .
– أحمد مسلم : أصول المرافعات – دار الفكر العربى 1979 .
– أكثم الخولى : الاتجاهات العامة فى قانون التحكيم المصرى ، ورقة عمل مقدمة الى الندوة المنعقدة فى مركز القاهرة للتحكيم التجارى الدولى فى الفترى من 12 : 13 سبتمبر 1994 .
– برهام عطا الله : القواعد الخاصة باتفاق التحكيم فى القانون رقم 27 لسنة 1994 بشأن التحكيم فى المواد المدنية والتجارية – محاضرة القيت بمركز القاهرة الإقليمى للتحكيم التجارى الدولى فى 12/9/1994 .
– حسام لطفى : المسئولية المدنية فى مرحلة التفاوض – القاهرة – 1995 .
– سامية راشد : التحكيم فى العلاقات الدولية الخاصة – الكتاب الأول – اتقاق التحكيم – دار النهضة العربية – 1984 .
– رضا عبيد : شرط التحكيم فى عقد النقل البحرى – مجلة الدراسات القانونية – ع6 حقوق أسيوط يوليو 1984 صـ 193 .
– سعيد علام : المسائل المتعلقة بالدولة كطرف فى منازعات التحكيم البترولية ورقة عمل قدمت الى ندوة المشكلات الأساسية فى التحكيم الدولى من منظور متطور ، القاهرة 12/1/1989 .
– سمير تناغو : التأمينات الشخصية – منشأة المعارف ط 1975 .
– عبد الرازق السنهورى : الوسيط فى شرح القانون المدنى – جـ12 ، جـ 2 ، صـ 10 – دار النهضة العربية 1981 .
– عبد الحميد أبو هيف : المرافعات المدنية – مطبعة المعارف 1915 .
– عبد المنعم خلاف : غرامة التأخير ومكافأة كسب الوقت فى النقل البحرى – رسالة حقوق القاهرة 1987 .
– عزمى عبد الفتاح : 1- قانون التحكيم الكويتى – مطبوعات جامعة الكويت ط1 – 1990 .
2- نحو نظرية عامة لفكرة الدعوى أمام القضاء المدنى – مطبوعات جامعة الكويت 1986 .
3- دعوى بطلان حكم التحكيم – ورقة عمل مقدمة الى مؤتمر التحكيم الدولى الثالث فى الفترة من 13:14 /4/1996 .
– على جمال الدين عوض : 1- عمليات البنوك – دار النهضة العربية 1981 .
2- شرط التحكيم فى سندات الشحن ومشارطة ايجار السفن ، تقرير مقدم فى مؤتمر مجمع البحر المتوسط فى الفترة من 7:12 يناير 1989 .
– فتحى والى : 1- مبادئ قانون القضاء المدنى – دار النهضة العربية – 1981 .
2- الوسيط فى قانون القضاء المدنى – دار النهضة العربية – 1981 .
3- دعوى بطلان حكم التحكيم وقوته التنفيذية وفقا للقانون المصرى رق م27 لسنة 1994 ورقة عمل مقدمة الى مؤتمر التحكيم التجارى الدولى فى الفترة من 25 : 27/3/1995 .
– محسن شفيق : التحكيم التجارى الدولى فى قانون التجارة الدولية – دروس لطلبة الدكتوراه دبلوم القانون الخاص بكلية الحقوق – جامعة القاهرة غير منشور بحث 1973 .
– محى الدين علم الدين : 1- منصة التحكيم التجارى الدولى : دار الفكر العربى – 1986 .
2- خطاب الضمان والاساس القانونى لإلتزام البنك : رسالة حقوق
القاهرة 1967 .
– مختار بريرى : التحكيم التجارى الدولى – دار النهضة العربية – 1995 .
– محمد شوقى شاهين : الشركات المشتركة طبيعتها وأحكامها ، رسالة القاهرة 1987 .
– محمد كمال حمدى : عقد الشحن والتفرغ – منشأة المعارف – بدون سنة نشر .
– محمد محمود إبراهميم : الطلبات العارضة – دار الفكر العربى – 1985.
– محمد نور شحاته : 1- الرقابة على أعمال المحكمين – دار النهضة العربية 1993 .
2- النشأة الاتفاقية للسلطات القضائية للمحكمين – دار النهضة العربية
3- الدعوى الجماعية – دار النهضة العربية – 1995.
– محمود سمير الشرقاوى : مركز المرسل اليه فى سند الشحن – مجلة القانون والاقتصاد – ع1 س 37 ص 73 .
– محمود محمد هاشم : النظرية العامة للتحكيم فى المواد المدنية والتجارية – دار الفكر العربى 1990 .
– منصور مصطفى منصور : عقد الكفالة ،المطبعة العالمية 1960 .
– نبيل إسماعيل عمر : 1- سلطة القاضى التقديرية ، منشأة المعارف 1982 .
2- الارتباط الإجرائى فى قانون المرافعات – منشأة المعارف 1994 .
– وجدى راغب : 1- النظرية العامة للعمل القضائى ، منشأة المعارف – 1974 .
2- دراسات فى مركز الخصم أمام القضاء المدنى – مجلة العلوم القانونية والاقتصادية س 18 – يناير 1976 .
ثانيا : باللغة الأجنبية ( الفرنسية والانجليزية ) :
Ancel : la cautionnement des dettes de l\’entreprise, Dalloz ed 1980 aksen : les arbitrage multi-parties au U.S.A. Rev.Arb1981 Aubert : A propos d\’une distinction renouvelee des parties et des tiers. R.T.D.civ. 1993 – 266
Aussel, Essai Sur la notion des tiers en droit civil : these, Montpellier – 1951
Bourquet, Le reglement de litiges multipartites dans l\’arbitrage commerciale internationale, these, Poitiers . 1989
Boyer :les effets des jugements a l\’egard des tiers, R.I.D.civ 1951 Calastreng : La relativite des Conventions, these, Toulouse, 1939 Catherine – guelfacci – Thibierge : De l\’elargissement de la notion de la partie au contrat a l\’el;rgissement de la portee du principe de leffet relatif : R.T.D.civ. 1994 . p 275.
Chambreuil “B” Arbitrage international et garanties bancaires. Rev. Arb. 1991. 33 .
Chapelle : L\’arbitrage et les tiers, le droit des personnes morales Rapport, generales, Rev.Arb. 1988
Claude- Reymond, Des connaissances personnelles de l\’arbitre a son information privilegee, Rev. Arb. 1991
Cornu: regard sur le titre III du livre III du code civil ” Des contrats sous des obligations conventionnelles en generale” cours. D.E.A. 1976 – 1977 .
Craing – Park, Paulson : i.C.C Arbitration – 2 ed . 1990 Daneil Cohen : Arbitrage et societe .L.G.D.J. 1993 David : L\’arbitrage dans le commerce internationnal Economic 1982
De Boisseson : le droit francais de L\’arbitrage et international, preface . P. Bell et, 2 ed 1990
Delebecque : la transmission de la clause compromissoire, Rev.Arb. 1991- 19
Derains et schaf : Clause d\’arbitrage et groupes de societes, journal dr des. Aff. Inter . 1985.231
Dublisson : Arbitration in subcontrats. For internnational projects journal of international. Arbitration, 1986 P . 197
Duclos : L\’opposabilite, Essai d\’une theorie generale, preface, de Martin, L.G.D.J. 1984
Duguit : La transformation du droit prive depuis le code Bapolein 1912 .
Eisemann , Arbitrage et garanties contractuelles, Rev.Arb. 1972. 375
Fadlallah : Clause d\’arbitrage et groupes des societes : Trav. Com . fr. Dr. inter. Priv. Annees – 1984- 1985 . ed C.N.R.S. P 105
Fouchard : Ou va l\’arbitrage international , Me Gell. Law. Jonrnal 1989 . P 35.
Geze : De la verite legale aatache par la loi a l\’acte juridictionnel, R.D.P. 1913 , P 437.
Ghestin :Nouvelle proposition pour un renouvellement de la distnction des parties et des tiers, R.T.D. civ. 1994. P 777.
Gillis wetter : A multiparty arbitration scheme for international. Joint venturs : in arbitration internationnal, 1987.P2
Goutal : Essai sur le principe de l\’effet felatif du contrat, preface de Batiffal, L.G.D.j. 1981
Guillien : l\’acte juridictionnel et l\’autorite de la chose jugee these Bordeaux . 1931
Hannoun, ch : le droit et les groupes de societes, preface de A. lyon. Caen L.G.D.j. 1991
Hascher : consoledated Arbitration by American courts – 1981 – journal of internationl – Arbitration . P . 127
Hautte: The rights of defense in Multi – party Arbitration, the international construction, law – Review. 1989. P. 393
Homonic : l\’arbitrage en droit commercial, L.G.D.J. 1950
Jarrasson : la notion de l\’aarbitage, preface de Oppetit, L.G.D.J. 1987
Jaruin : conssolidated Arbitrations, 1987. 3 journal Arbitration P. 245
Jarvin et Derain : Recueil des sentence arbitrale de la C.C.I. 1974- 1985. I.C.C. Publishing 1990
Lalive (P) Poudret (J.F) Reymond (C.) : le droit de larbitrage interne et international en suisse, ed, Payat lausanne, 1989
Larroument : les operations juridique a trois personnes, these; Bordeaux, 1988.
Le boulounger: 1 groupes d\’Etat et L\’arbitrage, Rev- Arb: 1989 :P 415
2- Etat, politique et Arbitrage, l\’affaire du plateau des pyramids – Rev. Arb. 1986 – P. 3
Lixiao ling : La transmission et l\’extension de la clause compromissoire dans l\’arbitrage international, these : Dijon 1993
Mayer : La neutralisation du pouvoir de l\’Etat en matiere de contrat d\’Etat, clunet 1985. 675.
Mestre : La subrogation personnelle. L.G.D.J. 1976.P 52. Morel : La clause Compromissoire en matiere commerciale, L.G.D.J. Paris, 1966
Mouly : les causes d\’extenction du cautionnement, litec, 1979. Moutalsky : La nature jufidique de l\’arbitrage, essai et note sur l\’arbtrage, Dalloz. 1974 – P 58
Neret : le sous – contrat, preface , P . catale, L.G.D.J. 1979 Oppetit : La clause arbitrale par refernce, Rev. Arb. 1990. P 550 Prum : Application de l\’adage Fraus omina corrumpit a propos des garanties a premiere demande , D.P. C.i. 1987. P . 121
Redfern (A) Hunter (M) smith (M) : law and practice of intrtnational commercial arbitration, london, sweet & Maxiweil, 1991
Ripert : la regle morale dans l\’obligation civiles – L.G.D.J. 1949 Robert et Moreau : arbitage , droit interne , droit international prive 6 ed , Dalloz . 1993 . Rubellin – Devichi : De l, effectivite de le clause compromissoire en cas de pluralite de defendeur ou d appel en garantie dans la jurispsudence recente , Rev. Arb. 1981 – 29 . l\’arbitrage et les tiers , rapport general , le droit de l\’arbitrage , les sogution juridictionnelles , Rev Arb 1988 . P . 515 . Sandrat, (A) van Den Berg : The Netherlands Arbi trations act., 1986 , Kluwer . 1937. Savatier (R) le pretendu principe de l\’effet relatif des contrats R.T.D cui. 1943 . 525 .
Metamorphore economique et social du droit civil : l\’ordre economique . D. 1965 . chr . p 37 . Similer : Ph : le cautionnement , litec . 1982. Stork : Essai sar le mecanisme de la representation dans les actes juridiques , these . L.G.D.J 1982 .
Stoufflet : la garanties bancaire premier demande J.D.I 1987 p 275.
Teyssie : les groupes de contrats , preface de . j.M . Mousseron , I.G.D.j 1975 .
Thery : Surete et publecite fonciere , Droit fondamental , P.U.F. 1988 .
Van – Den – Berg : cansolidat Arbitration and the 1958 . New york Arbitration convention , 1986 – 2 – journal Arbitration international . 386 .
Vasseru : Essai sur la presence d\’une personne ; un acte juridique accompli patr l\’autre R.T.D civ. 1949 . p 173 .
Veaux – Fournerie et De veaux : la representation mutule des coobleges – Etude dediees – a Aweill . Dalloz . Lites , 1983
Veeder (1) Multy party . disputes consolidation under English law . 1986 – 2 journal . Arb. Inter – 310 .
Villard : l\’ inopposabilite aux associes d\’une sentence arbitrale rendue entre une societe civile immobilier et un constructeur : Rev. Arb . 1977 – 123
Vincent et Guinchard : Procedure civile , 22 ed , precis , Dalloz
Watteiz ( J:C) La cautionnement bancaire, le role des bancair , libraire , sirey . Paris . 1964 . p 123.
Weill (A) : principe de la relativite des conventions en droit prive francais , these – strasbourgs 1938 .