في الواجهةمقالات قانونية

الفضاء الإلكتروني مرتع لتعاطي المخدرات الرقمية – دراسة في الاشكالات العلمية والعملية – الباحث : سعد العمراني الباحث : النوري زعري

الفضاء الإلكتروني مرتع لتعاطي المخدرات الرقمية – دراسة في الاشكالات العلمية والعملية
“Cyberspace as a Hub for Digital Drug Use:A Study of Scientific and Practical Challenges”
الباحث : سعد العمراني
باحث بسلك الدكتوراه تخصص العلوم الجنائية والتكنولوجيات الحديثة
كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية – جامعة شعيب الدكالي بالجديدة .
الباحث : النوري زعري
باحث بسلك الدكتوراه تخصص العلوم الجنائية والتكنولوجيات الحديثة
كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية – جامعة شعيب الدكالي بالجديدة .

ملخص:
” دعتنا دراسة الإشكالات الجنائية المتعلقة بالمخدرات الرقمية والتي جعلت من الفضاء الالكتروني مرتعا خصبا لها إلى وضع خطة لتحليلها ومناقشتها، تشتمل على مبحثين. بدأنا بالخوض في معرفة ماهية المخدرات الرقمية و سياق بروزها و ما يميزها عن نظيرتها التقليدية في المبحث الأول، ثم تناولنا إشكالية التأطير التشريعي لهذه المخدرات على المستوى الدولي و الوطني و إشكالية تكييفها في المبحث الثاني. توصلت الدراسة إلى عدة توصيات، أبرزها ضرورة تدارك النقص التشريعي في المجموعة الجنائية و كذلك العمل على تكثيف الجهود قصد محاصرة هذه الأفة على المستوى الدولي اعتبارا لكون الفضاء الرقمي لا يعترف بالحدود الجغرافية وذلك من خلال إدراج نصوص تجريم ترويج المخدرات والمؤثرات العقلية الطبيعية والمصنعة عبر الإنترنت، نظراً لما تشكله هذه المخدرات من خطر على المجتمع، خاصة مع استخدامها كوسيلة للاحتياج والترويج للمخدرات التقليدية.”

Abstract
The study of the criminal issues related to digital drugs, which have flourished in the electronic space, led us to develop a plan for their analysis and discussion, consisting of two sections. We began by exploring the nature of digital drugs, their emergence, and what distinguishes them from traditional drugs in the first section. In the second section, we addressed the challenges of their legal framework at both the international and national levels, as well as the issues surrounding their classification.
The study concluded with several recommendations, the most significant of which is the need to address the legislative gap in the criminal code. Additionally, efforts should be intensified to combat thisissue internationally, given that the digital space transcends geographical boundaries. This can be achieved by incorporating legal provisions to criminalize the promotion of natural and synthetic drugs through the internet, due to the serious risks these digital drugs pose to society, especially as they are used as tools for fraud and the promotion of traditional drugs.

مقدمة
تعتبر الجرائم السيبرانية مظهرا من مظاهر تطور الظاهرة الإجرامية و إستفادتها من الثورة التكنولوجية خلال العقود الأخيرة مما ساعد في إنتشار أنماط جديدة من الجرائم في مقدمتها جريمة التعاطي و الترويج للمخدرات الرقمية هذه الأخيرة نمط مستحدث من جرائم المخدرات تأثيرها يتجاوز تأثير نظيرتها التقليدية على مستوى الاضرار المادية و المعنوية التي تلحقها بالمتعاطي لها و جعلها للفضاء الرقمي مرتعا خصبا لتنامي الظواهر الإجرامية الشيء الذي يسهم في التطبيع معها و استفحالها .
الأمر الذي يجعل من هذه الظاهرة الاجرامية تحدي جديد يؤرق بال المشرع الجنائي وبجعله في سباق مع الزمن من اجل التصدي ومكافحة هذه الجريمة عبر وضع سياسة جنائية واضحة واصدار نصوص زجرية و تعزيز الادوار المؤسساتية لمجابهتها في محاولة منه لتطويقها و كبح الفاعلين فيها تجارا و مروجين و مستهلكين.
وعليه طرحنا من خلال هذه الورقة البحثية إشكالية جوهرية مفادها
– الى أي حد يمكن القول بغياب سياسة جنائية واضحة في مجال تجريم إنتاج و ترويج واستهلاك المخدرات الرقمية عبر الفضاء الالكتروني؟
و طرحنا كذلك بالتبعية عدة إشكالات فرعية منها
– ماهية هذه المخدرات الرقمية او المؤثرات الرقمية ؟
– هل هي فعلا مخدرا ام مجرد ملفات صوتية ؟
– وماهية طريقة عملها؟
– ماهي المخاطر المحتملة لها ؟
– هل هناك بالفعل سياسة جنائية فعالة ؟
– هل هناك نصوص زجرية تنظم هذه الجريمة ؟
– وماهي اوجه القصور هذه النصوص الزجرية في مقارنتها بنظيراتها بالتجارب المقارنة ؟
للإجابة عن كافة الإشكالات الرئيسة والفرعية سنقوم باستثمار التصميم المنهجي التالي حيث سنتناول في المطلب الأول مفهوم المخدرات الرقمية واثارها ،على أن نتطرق في المطلب الثاني الى الإشكالات العلمية و العملية المرتبطة بتجريم المخدرات الرقمية وعلاقتها بالسياسة الجنائية.
المطلب الأول : مفهوم المخدرات الرقمية وأثارها
تقتضي ضرورة البحث في موضوع الفضاء الالكتروني مرتع لتعاطي المخدرات الرقمية التطرق أولا الى مفهوم المخدرات الرقمية ( الفقرة الأولى ) ثم تبيان أثارها ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : مفهوم المخدرات الرقمية
تجدر الإشارة في بادئ الامر الى ان مصطلح المخدرات الرقمية أطلقته منظمة الصحة العالمية ولجان مكافحة المخدرات العالمية، وهناك من يطلق عليها أيضا اسم المؤثرات الصوتية في حين نجد بعض العلماء المتخصصين يسمونها النقر متباين التردد على الأذنين وهو الاسم العلمي للمخدرات الرقمية .
تعتبر المخدرات الرقمية من المصطلحات المستحدثة والحديثة للغاية في الفضاء الرقمي، لذلك فإن الخوض في تعريفها يتسم بنوع من الجدة وذلك على اختلاف التعاريف الموضوعة سواء في الحقل العلمي او اللغوي او الاصطلاحي او الفقهي او التشريعي وسنحاول استطرادها بالتبعية.
في اللغة تعرف المخدرات الرقمية : من خدر واخدر أي جعله خدرا ،والخادر تعني الكسلان، والمخدر جمعه مخدرات أي الضعف والكسل…
تعرف المخدرات الرقمية اصطلاحا بأنها ” موسيقى أو أصوات تبث عبر منصات بالفضاء الرقمي ومتاحة لتحميل من خلال تردد النقر بالأذنين أو نغمة رتيبة معينة، ويهدف هذا التردد إلى مضاعفة دورات موجات دماغية معينة، وعندما تغزف في أذن المستمع إليها عبر السماعات لفترة طويلة تصبح الموجات الدماغية للمستمعين متزامنة مع التسجيل من خلال عملية تسمى استجابة تعقب الموجات .”
وهناك من عرفها بأنها ” ملفات صوتية تحتوي على نغمات أحادية أو ثنائية يستمع أليها المستخدم فتجعل المخ البشري يصل الى حالة التخدر تشبه الى حد كبير حالة تأثير المخدرات الحقيقية .”
وعليه يتضح جليا لنا ان المخدرات الرقمية في مجملها مؤثرات صوتية عبارة عن تسجيلات يجري سماعها عبر وسائل رقمية ( الهواتف، الحواسب، ألات التسجيل…) والمصطلح الشائع التي تنعت به هو ” جرعة” وتعمل المواقع الإلكترونية على تلك الطريقة في تعاملها مع ذلك المنتج الصوتي، إذا تطلق على تسجيلاتها أسماء من وحي عوالم المخدرات التقليدية، كالماريجوانة والهيروين والكوكايين و العقاقير المهلوسة وحبوب النشوة وغيرها من المواد المخدرة.
تجدر الإشارة في هذا المقام الى ان تحديد التعريف التشريعي سواء على المستوى الوطني او الدولي للمخدرات والمؤثرات الرقمية يحتم علينا أولا البحث في تعريف المخدرات التقليدية تشريعيا ثم البحث في التعريفات المرصودة للمخدرات الرقمية .
باستقراء النصوص التشريعية الوطنية المتعلقة بتجريم زراعة وإنتاج وترويج واستهلاك المخدرات نستنج كون المشرع المغربي قد تحاشى تعريف المخدرات التقليدية بل اكتفى بسرد أنواع المخدرات و المؤثرات بمقتضى الظهير الشريف المتعلق بالمصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية الموقعة بفيينا بتاريخ 20شتنبر 1988 والى تنظيم الجزاءات الجنائية عبر تجريم مختلف الأفعال المرتبط بإنتاج او او استيراد او تصدير المخدرات او استهلاكها او ترويجها عبر ظهير 21 ماي 1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات وأشارت في مادتها الأولى على ان المخدرات هي ” أية مادة طبيعية كانت او صناعية من المواد المدرجة في الجدول الأول والجدول الثاني من الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 من ذلك الاتفاقية بصيغتها المعدلة ببرتوكول سنة 1972 المعدل للاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961.”
ويقصد بالمؤثرات العقلية حسب ذات المادة في فقرتها ( ص ) ” أي مادة طبيعية كانت او صناعية أو اية منتجات طبيعية مدرجة في الجدول الأول و الثاني والثالث والرابع من اتفاقية المؤثرات العقلية لسنة 1971.”
يستشف من خلال الاطلاع على مضمون المادة سالفة الذكر و الجدول الأول والثاني والثالث والرابع المرفق بالاتفاقية الدولية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 والاتفاقية الدولية لمؤثرات العقلية لسنة 1971 على ان المقصود بالمخدرات “كل مادة طبيعية او صناعية تستهلك عبر شم او البلع او الحقن … تجعل من المستهلك في حالة نشوة مما يؤثر سلبا على وظائف الدماغ و سلامته العقلية والجسدية”
هذا من جهة ومن جهة أخرى نخلص أيضا لكون المشرع المغربي لم يتطرق أيضا لتعريف المخدرات الرقمية او تبيان احكامها القانونية مما يعكس تأخر سياسته الجنائية في تنظيم الظواهر الاجرامية المستحدثة .
وباستقراء التشريعات المقارنة نجدها أيضا لم تتطرق الى تأطير المخدرات الرقمية والخوض في صياغة تعريف لها بل إكتفت بتعداد نظيرتها التقليدية فقط.
الفقرة الثانية: أثار المخدرات الرقمية
واذا كانت المخدرات التقليدية(المصنعة) مشكلة تشغل بال العالم أجمع لما لها من أثر تدميري على المتعاطي ولما تحدثه من أضرار بالغة على السمعة العامة للإنسان وخاصة فئة المراهقين، حيث تحول المخدرات المدمن لشخص يصبح عبئا على نفسه وعلى أسرته وعلى المجتمع ككل نتيجة لتلف العقل واضطراب الإدراك الحسي وانخفاض المستوى الذهني والكفاءة العملية، فعلاوة على تلف خلايا المخ بالكامل الأمر الذي يؤدي إلى فقدان الذاكرة والهلوسة السمعية والبصرية وفي أحيان كثيرة، وحدوث اضطرابات شديدة في القلب ينتج عنها تعرض المدمن لذبحة صدرية وانفجار في شرايين القلب، والاضطرابات في الجهاز الهضمي، وتلف في الكبد والتهاب المعدة المزمن والتهاب عدة أعضاء وتوقفها عن العمل ،كما يتحول الشخص المدمن لشخص عدواني لديه رغبة شديدة في الحصول على المخدر أو المال اللازم لشرائها مهما كلفه الأمر.
كما تحول المخدرات متعاطيها لشخص انطوائي يفضل العزلة ويبتعد عن الآخرين. ولعل من أهم الآثار النفسية التي يصاب المدمن بها هي الاكتئاب او ما بعرف بسوداوية الفكر حيث يكون دائم القلق والتوتر والخوف من أبسط الأشياء. ولا يتعرض تأثير المخدرات على المتعاطي فقط، بل يمتد تأثيرها إلى الأسرة التي تتأثر سبب الخلافات الدامية عن طريق يحصل على كفايته من المواد المخدرة.
والسؤال الذي نطرحه هنا: هل هناك تأثير حقيقي على جسد المستمع ونفسيته لهذه النغمات او الموجات الصوتية تضاهي الاثار التي تخلفها نظيراتها التقليدية ؟
لقد اسلفنا الذكر بكون المخدرات نوع خاص من المؤثرات الصوتية تنتقل عن طريق السمع وهذه الملفات الصوتية تتضمن ترددات ذات تأثير على كهربائية الدماغ، وقد تترافق مع مواد بصرية وأشكال وألوان تتحرك وتتغير على وفق معدل مدروس تمت هندستها بشكل من شأنه أن يخدع الدماغ، مولدة بذلك شعور باللذة والنشوة تصاحبه تشنجات في جسد المستمع لهذه الملفات الصوتية وتكون هذه الملفات ذات استعمال مزدوج، إذ يتم استعمالها في السابق كوسائل للمعالجة النفسية في بعض المصحات والمستشفيات، وفي هذا الصدد قد تضاربة الآراء الطبية في تحديد أثر هذه الظاهرة على العقل والجسم وفيما كانت تسبب امراض عضوية ونفسية الى جانب الإدمان عليها.
تشير دراسة لمعهد السمع الأمريكي إلى أن المخدرات الرقمية تشكل خطرًا خاصًا على الأطفال والمراهقين، وقد تجاوز الأمر إلى تداول المخدرات الرقمية كقضية شديدة التأثير على الأفراد خصوصًا في الفئات العمرية الصغيرة. يشير الدكتور “براين فليغور” إلى أن السبب والتجريب هما ما يدفع المراهقين إلى تجربة هذا النوع من المؤثرات الصوتية، وليس بغرض العنف (إدراك الصوت) فقط، بل للحصول على التأثير النفسي الذي تحدثه هذه المؤثرات.
وحين يتم الاستماع لهذه الأنواع من النغمات، فإنها قادرة على تحفيز نشاط الدماغ وتأثيره بسبب الذبذبات الصوتية والموجات الصوتية التي تؤدي إلى تغييرات في مستويات الدماغ كزيادتها أو نقصها، وبالتالي تؤدي إلى تأثير يشبه المخدرات التقليدية. كما يمكن أن يصل الدماغ إلى مرحلة خطرة من التغيير إذا تم التعاطي المكثف لهذه المؤثرات، فتتغير حالته بشكل كبير.
لقد تم ملاحظة بعض الحالات التي شهدت ارتفاعًا في معدل التوتر والقلق واضطراب نبضات القلب، وهذا ما أدى إلى تدخل الجهات الصحية والتنبيه حول خطورة استخدام المخدرات الرقمية وضرورة التوعية حول مخاطرها. من الممكن أن تتسبب في أضرار على المدى الطويل خصوصًا إذا تم استخدامها بشكل متكرر ومكثف.
المطلب الثاني: الإشكالات المرتبطة بتجريم المخدرات الرقمية وعلاقتها بالسياسة الجنائية
لقد افرزت التطورات التكنولوجية المشار إليها إ أنفا مخاطر أضحت اشد وطأة على استقرار أمن المجتمعات والمغرب ليس بمعزل عن ذلك حيث أصبحت تهدد أمنهم القومي ونخص بالذكر تلك المخاطر المرتبطة نتشار وتفشي المخدرات الرقمية ، وذلك بما بات يمثله ذلك من تحدي حقيقي أمام السياسة الجنائية بالمغرب والعالم ككلل، حيث أضحت الجريمة المنظمة والعابرة للحدود الوطنية تمثل مجموعة متنوعة معقدة من الأنشطة الإجرامية السرية واسعة النطاق مجهولة المصدر في غالب الأحيان تتم إدارتها وتنفيذها من خلال منظمات إجرامية أقرب للطابع المؤسساتي في تكوينها وإمكاناتها، وجريمة إنتاج وتوزيع واستهلاك المخدرات الرقمية خير مثال لما أسلفنا الحديث فيه.
الشيء الذي وضع التشريع المغربي و المقارن امام رهان تطويع مبدأ الشرعية الجنائية من اجل مكافحة المخدرات الرقمية ( الفقرة الأولى) بغية ترتيب المسؤولية الجنائية على الفاعلين الاصلين والمساهمين والمشاركين إحقاقا للعدالة الجنائية و مكافحتا لهذه الظاهرة الاجرامية ( الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى: المخدرات الرقمية ورهان تطويع مبدا الشرعية الجنائية
يعتبر القانون الجنائي في شقه الموضوعي أو الاجرائي الدعامة الأساسية وحجر الزاوية في صون حقوق وحريات الافراد والجماعات من أي اعتداء يمسها او يهددها، لذا كان فرض جزاءات جنائية وسيلتا لتحقيق الردع العام والخاص شرا لابد منه وضرورة حتمية لمكافحة الظواهر الاجرامية الشاذة عن المجتمع والتي تمثل الجانب السلبي من التفاعلات التي ينتجها هذا الأخير، لذلك فإن القاعدة الجنائية كانت ولا تزال تعبر عن إرادة المشرع والسلطة العامة وتمثل تلك الأداة التي تترجم إرادة الدولة في مواجهة الرعايا والمواطنين من خلال تحديد السلوك الذي يعتبر جريمة و الجزاءات الموقعة على مرتكبيها.
يعتبر مبدأ الشرعية الجنائية ضمانة أساسية في كافة التشريعات الجنائية لحقوق وحريات الافراد يعبر عنه بقولة ” لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص” على المستوى الموضوعي و على المستوى الاجرائي ” لا مسطرة ولا إجراء الا بنص ” وذلك لوضع حد بين المجرم والمباح ويستد هذا المبدأ الى أساس دستوري و تشريعي حيث نجد دستور المملكة الجديد لفاتح يوليوز 2011 قد خصه بالذكر من خلال الفصل 23 منه و القانون الجنائي أيضا شرعنه من خلال الفصل الثالث منه، وعلى هذا المنوال سارة كل التشريعات المقارنة حيث خصت هذا المبدأ بمرجعية دستورية وتشريعية.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام، هل جرم المشرع المغربي صناعة وترويج واستهلاك المخدرات الرقمية عبر الفضاء الالكتروني ؟
للإجابة عن هذا السؤال كان لزما علينا استقراء كافة النصوص التشريعية التي صدرت عن المشرع المغربي والتي نظمت بطريقة مباشرة او غير مباشرة جرائم المخدرات بشتى اشكالها وانواعها للإجابة عن السؤال لأنف ذكره.
وعليه فإن الحال والمشرع المغربي لم ينظم لا من قريب او بعيد جرائم انتاج و ترويج واستهلاك المخدرات الرقمية برغم من الاضطراب المجتمعي الذي تحدثه عكس عدة تشريعات اجنبية وأخرى عربية بادرت الى تنظيم هذه الأفعال الجرمية الخطيرة مما يجعلنا نقر بتأخره عن الركب التشريعي وكونه يعيش أزمة شرعية جنائية ستساهم في إستفحال الظواهر الاجرامية الحديثة مادامت بدون نص يحكمها مما سيسهم في ارتفاع معدلات الجريمة و اضمحلال الشعور المجتمعي بالأمن والأمان.
وبالعودة للتشريع المقارن في هذا الباب ونخص بالذكر التشريعات العربية فقد تناولت بعضها جرائم الكمبيوتر والإنترنت بشكل عام و على وجه الخصوص جرائم ترويج المخدرات الرقمية، لكن بشكل محدود ويعود ذلك إلى حداثة هذا النوع من المخدرات، فضلاً عن أن ثورة التكنولوجيا الحديثة في البلدان العربية لم تبدأ إلا منذ ثلاثة عقود تقريباً، حيث بدأت في أواخر العقد الأخير من القرن الماضي.
ومع هذه الثورة التكنولوجية، انطلقت أيضاً وتيرة التشريعات الرامية إلى تنظيم المعاملات الإلكترونية ومكافحة الجرائم المرتبطة بها. ففي المملكة العربية السعودية، تم إصدار نظام مكافحة المخدرات للجرائم المعلوماتية، بينما نصت دولة الإمارات العربية المتحدة في قانون المخدرات على معاقبة كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو نشر معلومات عبر الشبكة المعلوماتية أو أي وسيلة تقنية أخرى للترويج أو المتاجرة بالمخدرات أو المؤثرات العقلية، أو تيسير استخدامها في غير الحالات المصرح بها قانونياً. وفي الأردن، جرم قانون جرائم أنظمة المعلومات الاحتيال الإلكتروني عبر الإنترنت.
من هنا، تبرز ضرورة التعامل الجاد مع هذه الظاهرة ودراسة آثارها على عقول الشباب قبل أن تتفشى وتصل إلى مرحلة إدمان يصعب علاجها. لذلك، يجب على المشرع المغربي إدراج المخدرات الرقمية ضمن قائمة المواد المخدرة في الجدول الأول والثاني والثالث والرابع المرفق بالاتفاقية الدولية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 والاتفاقية الدولية لمؤثرات العقلية لسنة 1971 ، أو أن يقوم بإصدار قانون خاص بمكافحة جرائم المخدرات الرقمية ، وذلك لما تمثله هذه الظاهرة من خطورة على المجتمع، خصوصاً بعد انتشار استخدام الملفات الصوتية لترويج المخدرات، مما يشكل تهديداً خاصاً للشباب وكل الفئات العمرية.
الفقرة الثانية : المسؤولية الجنائية لمصنعي ومروجي ومستهلكي المخدرات الرقمية
إن مكافحة المخدرات الرقمية تبدأ بتجريم هذه الملفات، فإذا لم يتم تجريمها، فلن يكون هناك أي حظر على تصنيعها أو تداولها أو حيازتها أو الترويج لها أو تعاطيها. كما سيكون من الصعب اتخاذ إجراءات قانونية ضد المواقع الإلكترونية التي تروج لها، أو حجب هذه المواقع، مما يعيق مكافحة هذا النوع من الجرائم بشكل فعال وهو حال العديد من الدول والمغرب ليس بمعزل عنها.
وبالاطلاع على احدى التجارب المقارنة الرئدة عربيا في مكافحة جرائم المخدرات الرقمية نجد أن المشرع الإماراتي قد نظم هذا النوع من الجرائم بصريح نص المرسوم بقانون اتحادي رقم (5) لسنة 2012، المعدل بالقانون اتحادي رقم (12) لسنة 2016، في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات في مادته الرابعة على أنه “يعاقب بالسجن المؤقت والغرامة التي لا تقل عن خمسمائة ألف درهم ولا تتجاوز مليون درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أنشأ أو أدار موقعًا إلكترونيًا، أو أشرف عليه، أو نشر معلومات على الشبكة المعلوماتية، أو وسيلة تقنية معلومات، للاتجار أو الترويج للمخدرات أو المؤثرات العقلية وما في حكمها، أو كيفية تعاطيها، أو لتسهيل التعامل فيها في غير الأحوال المصرح بها قانونا”.
ويتضح بذلك أن المشرع الإماراتي تناول بالتجريم صورتين من الجرائم المتعلقة بالمخدرات عبر وسائل تقنية المعلومات:
1. الصورة الأولى : إنشاء أو إدارة موقع إلكتروني أو الإشراف عليه أو نشر معلومات على الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات للاتجار أو الترويج للمخدرات أو المؤثرات العقلية وما في حكمها.
2. الصورة الثانية : إنشاء أو إدارة موقع إلكتروني أو الإشراف عليه أو نشر معلومات على الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات لكيفية تعاطي المخدرات أو تسهيل التعامل فيها في غير الأحوال المصرح بها قانونًا.
وتعد وسائل تقنية المعلومات ركناً مفترضاً في كلا الجريمتين، ويتكون الركن المادي للجريمة من عدة عناصر، منها السلوك الإجرامي، والنتيجة، وعلاقة السببية. كما يتطلب الركن المعنوي توافر القصد الجنائي لدى الجاني.
أولا: جريمة إنشاء أو إدارة موقع إلكتروني أو الإشراف عليه أو نشر معلومات على الشبكة المعلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات للاتجار أو الترويج للمخدرات أو المؤثرات العقلية وما في حكمها
تُعد جرائم المخدرات التي تُرتكب باستخدام وسائل تقنية المعلومات من الجرائم التي تتميز عن غيرها من الجرائم الجنائية، حيث تتطلب وجود أركان خاصة بجانب الأركان العامة لأي جريمة. وتتمثل هذه الأركان الخاصة في ضرورة وقوع الجريمة بواسطة وسائل وتقنيات المعلومات. وبالتالي، تُعتبر وسائل تقنية المعلومات عنصراً مفترضاً في الجريمة، فإذا لم تتوافر هذه الوسائل، فإن الفعل قد لا يشكل جريمة كما هو منصوص عليه في القانون.
من جانب آخر، تُمثل وسائل تقنية المعلومات جزءاً أساسياً من الأركان المادية للجريمة. إذ تشمل وسائل الاتصال المختلفة مثل الأفلام، مقاطع الفيديو، الشفرات السرية، الرسائل الصوتية، الصور، والرموز. ولكن الأهم في هذه الجرائم هو أن المادة المعنية يجب أن تكون مادة مخدرة أو مؤثرة على العقل، وذلك وفقاً لما نص عليه المرسوم بقانون اتحادي رقم (8) لسنة 2016، الذي عدّل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم (14) لسنة 1995 بشأن مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية. حيث عرفت المواد المخدرة على أنها كل مادة طبيعية أو تركيبية مدرجة في جداول معينة، كما عرفت المؤثرات العقلية بأنها كل مادة مدرجة في جداول خاصة.
– الركن المادي في الجريمة:
يتألف الركن المادي لهذه الجريمة من ثلاثة عناصر أساسية : السلوك الإجرامي، النتيجة الإجرامية، وعلاقة السببية.
1. السلوك الإجرامي: يتحقق السلوك الإجرامي بارتكاب الجاني لأفعال مثل إنشاء الموقع الإلكتروني، إدارته، أو الإشراف عليه، ونشر المعلومات على الشبكة المعلوماتية بغرض الترويج أو الاتجار بالمخدرات أو المؤثرات العقلية. يمكن أن يتم ارتكاب الجريمة من قبل شخص واحد أو من خلال تعاون عدة أشخاص يتقاسمون الأدوار المختلفة، مثل تأسيس الموقع الإلكتروني أو تسهيل الاتصال للمشاركة في الأنشطة غير المشروعة. قد تشمل أفعال المساهمة مثل إمداد الجاني بالمعلومات اللازمة لإنشاء الموقع أو تجهيز الأجهزة أو شبكات الإنترنت لاستضافة الموقع.
2. النتيجة الإجرامية : لا تندمج النتيجة الإجرامية مع السلوك الإجرامي في هذه الجريمة. فلابد من أن يترتب على إنشاء الموقع الإلكتروني أو نشر المعلومات عبر الشبكة المعلوماتية حدوث النتيجة الإجرامية، وهي الترويج أو الاتجار بالمخدرات أو المؤثرات العقلية. يُشترط أن يكون الغرض من الموقع هو الترويج لهذه المواد، وبالتالي لا يكفي فعل التأسيس المجرد للموقع لتحقيق الجريمة. قد يتصور الشروع في الجريمة، أي أن الجاني يشرع في إنشاء الموقع الإلكتروني وتعبئته بالمحتوى دون أن يتم نشره أو تسويقه بعد. في هذه الحالة، يعاقب الجاني بنصف العقوبة المقررة للجريمة التامة.
3. علاقة السببية: تتحقق علاقة السببية عندما يؤدي السلوك الإجرامي (أي إنشاء الموقع الإلكتروني) إلى الترويج أو الاتجار بالمخدرات أو المؤثرات العقلية. إذا قام شخص بإنشاء الموقع الإلكتروني، ولكن الأشخاص الذين اشتروا المخدرات استخدموا طرقًا تقليدية للشراء ولم يتأثروا بنشر المعلومات على الموقع، تنقطع علاقة السببية بين السلوك والنتيجة، وبالتالي لا يُعد السلوك جريمة تامة.
ويُلاحظ أن السلوك الإجرامي في هذه الجرائم يتصف غالبًا بالاستمرارية، لأن الأنشطة المتعلقة بإنشاء وإدارة المواقع الإلكترونية تتطلب وقتًا وجهدًا مستمرًا، وتكون متجددة طالما استمر الشخص في استخدام الشبكة لتحقيق غرض الجريمة.
– الركن المعنوي في الجريمة:
الركن المعنوي للجريمة يتمثل في القصد الجنائي، الذي يتطلب توافر عنصرين: العلم والإرادة.
1. العلم :يجب أن يكون الجاني على علم بعناصر الواقعة الإجرامية، أي أن يكون عارفًا بأن الموقع الإلكتروني الذي ينشئه مخصص للترويج أو الاتجار بالمخدرات أو المؤثرات العقلية.
2. الإرادة : يجب أن تكون إرادة الجاني متجهة لتحقيق النتيجة الإجرامية، وهي الترويج أو الاتجار في المخدرات. وإذا قام الجاني بإنشاء الموقع دون قصد الترويج لهذه المواد، فلا يكون قد تحقق القصد الجنائي.
وتُعد هذه الجريمة من الجرائم ذات القصد الخاص، حيث يلزم أن يكون الهدف من سلوك الجاني هو الترويج أو الاتجار بالمخدرات أو المؤثرات العقلية. في حال قيام الجاني بإنشاء موقع إلكتروني لأغراض مشروعة، ولكن تم استغلاله من قبل آخرين في أنشطة غير قانونية، فإن الجاني لا يُسأل عن الجريمة إذا لم يكن يعلم بها.
ثانيا: جريمة إنشاء أو إدارة موقع إلكتروني أو الإشراف عليه أو نشر معلومات على الشبكة المعلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات لكيفية تعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية أو لتسهيل التعامل فيها في غير الأحوال المصرح بها قانونًا
هذه الجريمة تتشابه في أركانها مع الجريمة السابقة، لكن يختلف الهدف منها؛ إذ لا يتعلق الأمر بالترويج أو الاتجار في المخدرات، بل بنشر معلومات تتعلق بكيفية تعاطي المخدرات أو تسهيل التعامل فيها بشكل غير قانوني. ويُعاقب مرتكب هذه الجريمة بنفس العقوبات المنصوص عليها في الجريمة الأولى.
خاتمة
تعدّ جرائم المخدرات الرقمية من أخطر الجرائم التي انتشرت بصورة كبيرة في العالم والوطن العربي ، بحيث أنها تلحق تأثير مماثل للمخدرات الحقيقية، وتكون على شكل ملفات صوتية تم اعدادها وتحتوي على ترددات تؤثر على الدماغ والاعصاب، وعملية تعاطيها عن طريق الشبكة المعلوماتية حيث تقوم المواقع بالترويج والبيع بأسعار منخفضة مما يشجع الشباب على الاقبال عليها. وتؤدي الى مخاطر متنوعة على الافراد والمجتمع، دون وجود سياسات محلية أو دولية لمكافحتها وصولا لتحقيق الأمن المجتمعي، لذلك ينبغي تحديد الثغرات التي تشوب تشريعات مكافحة المخدرات والتي تعيق عملية المكافحة وايجاد السُبل لسد هذه الثغرات ومعالجتها .
أولًا: الاستنتاجات:
1. غياب التعريف الواضح للمخدرات الرقمية: يعيق تطبيق القوانين الخاصة بمكافحة المخدرات الرقمية وتنظيم استخدامها، حيث أن غموض هذا النوع من المخدرات وانتشاره الواسع لا يتلقى نفس الاهتمام الذي تحظى به المخدرات التقليدية.
2. سهولة الوصول إلى المخدرات الرقمية: من السهل البحث و الحصول عليها عبر الإنترنت بتكلفة منخفضة تساهم في انتشارها بسرعة، مما يعزز خطورتها في الترويج والتعاطي.
3. اختلاف المخدرات الرقمية عن التقليدية: من حيث طبيعتها وطرق تداولها، حيث يتم الترويج لها واستخدامها عبر الوسائل الإلكترونية والإنترنت، مما يجعلها أقرب إلى الجرائم الإلكترونية. ويترتب على تطبيق النصوص التقليدية على هذه الجرائم المستحدثة العديد من المشاكل القانونية.

ثانيًا: التوصيات:
1. إصدار قانون خاص بالمخدرات الرقمية: يتطلب الوضع إصدار قانون واضح وصريح لتنظيم المخدرات الرقمية، أو تعديل قانون المخدرات ساري النفاذ مع تحيين الجداول الملحق له بشكل يضمن تحصين المجتمع من هذه الأفة.
2. قانون لمكافحة استخدام تقنية المعلومات في الترويج للمخدرات الرقمية: يجب إصدار قانون خاص او معدل للنصوص سارية المفعول وطنيا يجرم استخدام وسائل التقنية الحديثة في الترويج أو تعاطي المخدرات الرقمية باعتبارها مؤثرات عقلية، ويعالج خطورتها على المجتمع.
3. حظر وحجب المواقع المروجة للمخدرات الرقمية: ضرورة العمل على حظر المواقع الإلكترونية التي تروج للمخدرات الرقمية، مع فرض رقابة من قبل الدولة والمؤسسات الأمنية على هذه المواقع ضمن إطار مكافحتها محليًا ودوليًا.
4. نشر التوعية المجتمعة : يجب نشر حملات توعية تستهدف الشباب حول مخاطر المخدرات الرقمية وآثارها السلبية على مستوى المؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها و على مستوى نقط التجمهر و الفضاءات العامة، مع تعزيز الرقابة الأسرية وحث المؤسسات الحكومية على أداء دورها في نشر الثقافة التوعوية عبر كل الوسائل المتاحة.
5. تشكيل فرق متخصصة لمكافحة المخدرات الرقمية: ينبغي تشكيل فرق متخصصة تضم مختصين في الجوانب التقنية لملاحقة المواقع الإلكترونية المروجة للمخدرات الرقمية، بالإضافة إلى تحديث مهاراتهم من خلال الدورات التطويرية لمواكبة تطور الجرائم الإلكترونية في هذا المجال وذلك على المستوى المؤسساتي الأمني و القضائي وطنيا وعربيا.

المراجع المعتمدة:
– عمر عبد المجيد مصبح، الإشكالات الجزائية في تكييف المخدرات الرقمية، مقال منشور بمجلة القانون والمجتمع، العدد التاسع 2017، ص 216.
– إبن منظور، معجم لسان العرب، الطبعة الثالثة ، دار احياء التراث العربي، بيروت، بدون سنة الطبع ، ص 232.
– علياء جسين مبارك، المخدرات الرقمية ، منشورات شرطة دبي، مركز دعم اتخاد القرار، الإمارات العربية المتحدة 2013، ص 8.
– لينا محمد الاسدي، القصور التشريعي في مواجهة المخدرات الرقمية، مقال منشور بمجلة الدراسات والأبحاث القانونية والاقتصادية، العدد الثامن عشر 2020، ص 8.
– نوال أحمد سارو الخالدي، المسؤولية الجنائية الناشئة عن تعاطي المخدرات الرقمية، مقال صادر ضمن مؤالف جماعي أصدرته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي دائرة البعثات والعلاقات الثقافية بغداد العراق الطبعة الأولى 2019، ص 252/253.
– خولة موسى ،عبدالله الهياس، استغلال وسائل تقنية المعلومات في ارتكاب جرائم المخدرات وخاصة الرقمية في ضوء قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الإماراتي، مقال منشور بمجلة العلوم الاقتصادية والادارية والقانونية، العدد التايع المجلد الثاني 2018، ص 171.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى