المركز القانوني للنيابة العامة من الداخل
الاسم: ياسين شرف باحث بسلك الماستر تخصص العدالة الجنائية والعلوم الجنائية بفاس
المقدمة
لا يخفى على أحد الدور الكبير والأساسي الذي تقوم به النيابة العامة في الدفاع عن الحق العام والدود عنه، وتفيد الأحكام وضمان استمرار المرافق العمومية، ولعلى استقلال هذه الأخيرة يعد من المبادئ والشروط الأساسية للمحاكمة العادلة، ليشكل بذلك دعامة أساسية لنشر العدالة وحماية حقوق الانسان، ذلك أن الانتقال من الدولة الشرعية إلى دولة الحق والقانون، رهين بمدى فعالية هذا النظام القضائي وفعاليته واستقلاله.
والمملكة المغربية بدورها، وبما أن هذه الأخيرة منخرطة في العديد من المنظمات الحكومية والغير الحكومية والمواثيق الدولية العالمية والاقليمية والاعلانات والنصوص التي تكرس مبدأ استقلال السلطة القضائية بنوعيها (القضاء الجالس و القضاء الواقف)، إضافة إلى التوصيات التي خرج بها ميثاق إصلاح منظومة العدالة والتي أكدت من خلال تشخيصها لوضعية القضاء، أن تبعية أعضاء النيابة العامة لوزير العدل والتفتيش القضائي لوزارة العدل، أصبحت لا تساير أحكام الدستور الجديد لسنة 2011 الذي نص في الفصل 107 على استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبالتالي كانت من بين التوصيات العمل على فصل النيابة العامة عن السلطة التنفيذية وإسناد رئاستها للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، مع تخويل وزير العدل صلاحية إعداد السياسة الجنائية، مع إحداث مفتشية عامة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية تتولى التفتيش القضائي، ومفتشية عامة بوزارة العدل تتولى التفتيش الإداري والمالي.
ولعلى استقلال النيابة العامة سواء خارجيا أو داخليا على وجه الخصوص من الأمور الجوهرية التي أثارت النقاش من لدن الباحثين والمهتمين (قانونيين، سياسيين، حقوقيين، إعلاميين) بشأن العدالة، فإذا كان استقلال النيابة العامة خارجيا أصبح أمر مسلم به لا يثير أي إشكال من الناحية القانونية، فإن الأمر على خلاف ذلك بالنسبة للاستقلال الداخلي الذي يتعقل بتدبير وتسيير النيابة العامة، من خلال هذا الموضوع سأعمل على بيان أوجه التبعية الداخلية و عدم الاستقلال الداخلي (المطلب الأول) على أن أنتقل بعد دلك لتسليط الضوء حول مدى إمكانية محاسبة النيابة العامة المتمثلة في رئيسها (المطلب الثاني).
المطلب الأول: النيابة العامة من الاستقلال الخارجي إلى التبعية الداخلية
مما هو معلوم أن استقلال النيابة العامة، كان نتيجة توصيات تقررين مهمين عرفهما المغرب خلال المرحلة
الأخيرة، تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، وتوصيات الهيئة العليا للحوار الوطني حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة. فيما نصت أقرت هيئة الإنصاف والمصالحة على الاستقلال القضائي الذاتي والإداري، إلا أننا وبالرجوع إلى التقرير الصادر عن رئيس النيابة العامة لسنة 2018 نجدة يؤكد على أن الاستقلال المالي لا يسري على النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة، حيث أن الموارد المرصودة لها تتكلف بها وزارة العدل، مع العلم أنه لا يوجد أي سند أو مقتضى قانوني يعطي السلطة القضائية والنيابة العامة على وجه الخصوص من المشاركة في إعداد الميزانية السنوية. وينتج عن ذلك أن النيابة العامة تقف مكتوفة الأيدي عن تنفيذ برامجها التي تتطلب نفقات مالية. ومن منظور أن النيابة العامة تعد مسؤولة عن تنفيذ السياسة الجنائية، كان من باب أولى إشرافها على تتبع تنفيذ البرامج التي تطلبها مختلف النيابات العامة.
إن ميزانية النيابة العامة تأتي في شكل إعانة مدرجة في بالباب الميزانيات للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، حيث قدر هذا المبلغ في التقرير السنوي لسنة 2018 ب 86.830.000,00 والذي يغطي مختلف النفقات من ماء وكهرباء وأجور الموظفين ونفقات التسيير ومختلف النفقات النظامية الأخرى.
والجدير بالذكر أن الاستقلال المالي يهم رئاسة النيابة العامة وحدها دون باقي مصالح النيابة العامة بالمحاكم التي تظل ميزانيتها تابعة للوزارة المكلفة بالعدل وهو ما تترتب عنه بعض الصعوبات في تنفيذ البرامج التي سبق دكرها.
كذلك يؤدي اعتبار المهام التي يقومون بها أعضاء النيابة العامة مهام إدارية، ينتج عنه إخضاعها للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل، مما يشكل استقلال واضح لاستقلال أعضاء النيابة العامة، لأن المعيار الذي يجب أن يتخذ في تحديد الصفة هل إدارية أم قضائية، تتجلى في طبيعة العمل، وكمثال فطبيعة أعمال ضباط الشرطة القضائية هي مهام إدارية إلا أنها تخضع لمراقبة السلطة القضائية وليس السلطة الإدارية.
وبالتالي فالمهام التي يقومون بها أعضاء النيابة العامة هي مهام قضائية وليست إدارية، مما يحتم خضوعها لمراقبة السلطة القضائية، على اعتبار أن موظفي النيابات العامة بمختلف المحاكم يقومون بمهام قضائية ويساعدون على تنفيذ قرارات وأحكام وأوامر قضائية.
ونظرا أنه في كثير من الأحيان ترتبط الخدمة القضائية بالخدمة الإدارية، قرر المجلس الدستوري في قرار له رقم 991-16 بهذا الصدد “حيث لئن كانت الإدارة العمومية موضوعة، بموجب الفصل 89 من الدستور، تحت تصرف الحكومة، فإن الإدارة القضائية تتميز عن باقي الإدارات العمومية بمساهمتها المباشرة في تدبير الشؤون القضائية المندرجة بطبيعتها في مهام السلطة القضائية؛
وحيث إن المبدأ المنصوص عليه ضمن الفصلين 107 و113 من الدستور لا يمكن إعمالهما دون توفر المسؤولين القضائيين على الإشراف الإداري والمالي على المصالح الإدارية للمحاكم.
المطلب الثاني: مدى إمكانية مسائلة النيابة العامة بعد استقلالها
بعد حصول النيابة العامة على الاستقلال بموجب دستور 2011، وتسليم السلط بشكل فعلي من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلي السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيس للنيابة العامة في 30 أغسطس 2017 تطبيقا للظهير شريف رقم 1.17.45 الصادر بتنفيذ القانون رقم 17.33، ليطرح التساؤل بعد ذلك حول مدى إمكانية مسائلة النيابة العامة بعد استقلالها؟
فرئيس النيابة العامة من حيث إمكانية مسائلته، نشير إلى الجهة التي عينته والمتمثلة في جلالة الملك محمد السادس نصره الله، باعتباره رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، هذا الأخير الذي يتلقى مجموعة من التقارير من مختلف الجهات والتي من بينها، تقرير رئيس النيابة العامة، فيما يخص تنفيد السياسة الجنائية وسير النيابة العامة وذلك تطبيقا للمادة 110 من القانون التنظيمي 100.13 وإذا كانت هذه الإحالة لا تثير أي إشكال فإن الأمر على خلاف ذلك، بالنسبة للجهة التي يعرض أمامها التقرير والمتمثلة في البرلمان، خصوص عدم حضور رئيس النيابة العامة في البرلمان، والاكتفاء بإحالة التقرير على هذا الأخير ومناقشته أمام لجنتي العدل والتشريع، خصوصا إذا سلمنا بأن الهدف من عرض التقرير هي المسائلة، حيث على إثر هدا الإشكال نظر المجلس الدستوري في مدى دستورية المادة 110 من الدستور، حيث أكد المجلس الدستوري أن مناقشة تقرير رئيس النيابة العامة عند غرفتي العدل والتشريع ليس الهدف منة مساءلة النيابة العامة، لأن ذلك يمس باستقلالها الذي يضمنه الدستور، وتعزيزا لهذا الطرح قرر المجلس الدستوري بصريح العبارة أن “مناقشة التقرير بالبرلمان تتم مع مراعاة مبدأ فصل السلط والاحترام الواجب للسلطة القضائية المستقلة” وقدا أشار لذلك رئيس النيابة العامة في العديد من اللقاءات الصحافية، أن امتناعه عن الحلول أمام البرلمان يفرض الدستور عليه، وليس أي شيء أخر كالتعالي عن السلطة التشريعية مثلا.
فالغاية من مناقشة التقرير أمام البلمان، دون حضور رئيس النيابة العامة، تهدف تعديل السياسة الجنائية وتطويرها، على اعتبار أن البرلمان السلطة الموكول لها إعداد السياسة الجنائية.
غير أن ما تجدر الإشارة إليه في هذا الجانب أن إرسال التقرير أو إحالته من طرف رئيس النيابة العامة إلى البرلمان ليس إلزامي بنص الدستور، فالنيابة العامة بذلك تكون خاضعة لمراقبة سلطتين المجلس والملك.
المراجع المعتمدة
- تقرير رئاسة النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة، 2017
- دستور المملكة الصادر سنة 2011 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 الصادر في 27 من شعبان 1432 الموافق ل 29 يوليو 2011 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر 28 شعبان 1432 الموافق ل 30 يوليو 2011.
- القانون رقم 33.17 المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، صدر بالجريدة الرسمية عدد 6605 بتاريخ 18 شتنبر 2017
- القانون التنظيمي 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف 1.16.40 صادر في 14 من جمادى الآخرة 1437 الموافق ل 24 مارس 2016 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6456 رجب 1437 الموافق ل 14 أبريل 2016
- ميثاق إصلاح منظومة العدالة الصادر في يوليوز 2013.
- تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة
- قرار المجلس الدستوري رقم 991-16 الصادر في الملف عدد 1473/16 بتاريخ 2016.