الباحثة:كيلالي زهرة
– متحصلة على شهادة الماجستير في الحقوق : تخصص “قانون عام” من جامعة تلمسان،2012-2013.
– مسجلة في السنة ثانية دكتوراه علوم
– أستاذة مدرسة بالمركز الجامعي غليزان.
مقدمة
قد يثار في كثير من الأحيان أمام الجهات القضائية نزاع يدخل في اختصاص جهة أخرى ويكون الفصل في النزاع الأصلي متوقف على الفصل في النزاع الفرعي والتبعي، كأن يطرح أمام القاضي المدني أثناء نظر نزاع يتعلق بملكية عقار فيدفع أحد الخصوم بأن عقد الملكية مزور، فالبحث في مسألة التزوير ليست من اختصاصه و إنما من اختصاص القاضي الجزائي، باعتبار أن التزوير هو جريمة معاقب عليها في قانون العقوبات، أو أن يدفع أمامه بعدم مشروعية قرار إداري مع الإشارة أن الاختصاص النوعي من النظام العام.
وللفصل في هذه المسألة نكون أمام احتمالين إما أن يفصل القاضي في هذا الدفع طبقا لقاعدة “قاضي الموضوع هو قاضي الدفع” وهنا تسمى المسألة بالمسألة الابتدائية، أو يوقف القاضي الفصل في النزاع الأصلي ويحيل المسألة التبعية إلى القاضي المختص وهو ما يطلق عليه بالمسألة الأولية تطبيقا لقاعدة “مبدأ الفصل بين الوظائف”.
ومن بين هذه المسائل التي يمكن أن تطرأ على النزاع الأصلي الدفع بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه عليه ، اما أمام القاضي العادي أو القضاء الدستوري نفسه و هذا هو موضوع دراستنا.
فما هي طرق إثارة المسألة الأولية الدستورية أمام القضاء العادي و من هي المحكمة المختصة بالنظر فيها؟ وهل يمكن أن تثار هذه المسألة أمام القضاء الدستوري؟
للإجابة على هذه الإشكاليات نقسم موضوع الدراسة إلى مبحثين، نعالج في الأول: المسألة الأولية أمام القضاء العادي ، و الثاني : أمام القاضي الدستوري نفسه.
المبحث الأول:المسألة الأولية الدستورية أمام القضاء العادي
يتعلق الأمر في هذه الحالة بحالة الدفع بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه على النزاع الأصلي من طرف أحد الخصوم ،أو من طرف محكمة الموضوع من تلقاء نفسها وسنعالج كل حالة على حدى لتوضيحها .
الفرع الأول، عن طريق دفع أحد الخصوم
وتسمى أيضا بالطريق غير المباشر للجوء إلى القضاء الدستوري، حيث يدعي أحد خصوم الدعوى صاحب المصلحة بعدم دستورية القانون المزمع تطبيقه على النزاع أثناء نظر الدعوى المطروحه على القضاء، مستعملا في ذلك حقه الدستوري في الدفع بعدم دستورية القوانين.
ويقصد بذلك وجود نزاع سابق مطروح على القضاء ويثير أحد الخصوم مدى دستورية القانون الذي يريد تطبيقه على النزاع، و هذا الدفع هو دفع موضوعي يتعلق بدستورية القانون يسبق الفصل في الدعوى(1) ،أي عدم مطابقة القانون للدستور و المقصود بالقانون هنا القانون بمعناه الشكلي أو الضيق الصادر عن السلطة التشريعية. والموضوعي ليشمل كل قاعدة قانونية عامة و مجردة مهما كان مصدرها تشريعي أو تنظيمي.
وقد كان هذا الأسلوب هو الطريق الوحيد الذي تحرك به الدعوى الدستورية في ظل قانون المحكمة العليا في القضاء المصري، فلم تعرف هذه الأخيرة طريق الإحالة من محكمة الموضوع من تلقاء نفسها،أو الحق في التصدي إلا فيما بعد (2) .
لكن بعد صدور قانون المحكمة الدستورية العليا سنة 1979 عدل هذا الوضع و استحدثت طرق أخرى لإثارة عدم دستورية القانون، لكن بقي الدفع بعدم الدستورية أمام القضاء العادي هو أكثر الطرق شيوعا .
لكن هذا الحق لم يتركه المشرع على إطلاقه بهدف عدم الإطالة من عمر المنازعة وتفادي الدعاوي الكيدية للإضرار بحقوق الخصم الآخر ، فقد أعطى لقاضي الموضوع صلاحية البحث والتأكد من مدى جدية هذا الدفع، فإذا تحقق من جديته أجل الفصل في الدعوى المطروحة أمامه الى حين الفصل في هذه المسألة من طرف المحكمة المختصة برقابة دستورية القوانين وهذا في الدول التي تأخذ بنظام المحكمة الدستورية مثل مصر،أو من طرف قاضي الموضوع بنفسه كما هو الحال في القضاء الأمريكي.
ويقصد بجدية الدفع أن يتحقق القاضي من أن الدفع المثار لا يقصد من وراءه الاطالة في عمر النزاع وذلك بالتأكيد من مسألتين رئيسيتين هما:
أولا: أن يكون الفصل في المسألة الدستورية منتجا، أي أن يكون القانون أو اللائحة المطعون في دستوريتها متصلة بموضوع النزاع أي محتمل التطبيق على النزاع في الدعوى الأصلية أي دعوى الموضوع ، وأن الحكم بعدم الدستورية سيستفيد منه صاحب الدعوى ، وإذا لاحظ القاضي بأن هذا القانون المخاصم(المدفوع بعدم دستوريته)لا يتصل بالنزاع كان له أن يرفض الدفع و استمر النظر في الموضوع دون أن يأخذ بعين الاعتبار المسألة الدستورية (3).
الشرط الثاني: فيتعلق بوجود شبهة في عدم دستورية القانون أو اللائحة و الشك يفسر لجانب عدم الدستورية وقرار القاضي بشأن هذا الدفع ليس نهائيا بل من حق صاحب الدفع أن يطعن فيه بالطرق المقررة للطعن أمام محكمة القضاء الأعلى درجة (4) .
و هذا الدفع كما أشرنا سابقا هو دفع موضوعي من النظام العام يمكن ابداءه في أي مرحلة كانت فيها الدعوى حتى أمام محكمة النقض ، كما أنه للمحاكم أن تثير هذا الدفع من تلقاء نفسها وهذه هي الطريقة الثانية التي تثار بها المسألة الدستورية أمام القضاء العادي.
الفرع الثاني:من طرف محكمة الموضوع من تلقاء نفسها
أعطى القانون المكنة لمحكمة الموضوع ذاتها(أو الهيئة ذات الاختصاص القضائي) وهي بصدد النظر في إحدى الدعاوي مدنية أو تجارية أو جنائية صلاحية اثارة عدم الدستورية من تلقاء نفسها ،اذا ارتأت عدم دستورية نص في قانون أو لائحة لازمة للفصل في النزاع(5)،وذلك بصرف النظر عن مصالح الخصوم في الدعوى الموضوعية، فقد لا ينتبه أي منهما للطعن في دستورية هذا القانون.
حيث تنص المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية:على أنه” إذا تراءى لإحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي أثناء نظر الدعوى أحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في المسأـلة الدستورية”(6)
و لكن هل يتشرط وجوب أن يكون القانون المشكوك في دستوريته لازما للفصل في موضوع النزاع أم لا ؟ الإجابة طبعا هي الإيجاب لأن هذه المحكمة لم تتطرق لهذا القانون إلا بصدد تطبيقه على نزاع الحال و لأن مسألة دستورية القوانين لا تدخل في اختصاصها، و يملك قاضي الموضوع سلطة تقديرية في هذا الشأن.
و قد تساؤل الفقه حول مدى سلطة تقدير قاضي الموضوع في إحالة النص إلى المحكمة الدستورية العليا ؟
فأجمع على أن قاضي الموضوع ملزم بإحالة النص المشكوك بعدم دستوريته إلى قضاء المحكمة الدستورية، حتى وإن دفع أحد الخصوم بعدم دستوريته ومنحهم القاضي أجل لرفع دعوى الدستورية ولكنهم لم يقوموا بذلك ، أي أن القاضي عليه أن يحيل الأوراق إلى المحكمة الدستورية للفصل في عدم دستورية النص و القول بغير هذا يجعل من دعوى عدم الدستورية دعوى شخصية و ليست عينية كما أرادها المشرع أن تكون(7)، بما يفهم منه أن هذا الدفع هو من النظام العام يثيره القاضي من تلقاء نفسه يتعلق بطبيعة الدعوى الدستورية التي هي دعوى موضوعية عينية هدفها مخاصمة القانون و ليس مصلحة شخصية للخصم ،ما يؤكد ذلك الحجية المطلقة لقرار المحكمة الفاصل في دستورية قانون ما .
كما أنه لا يتصور أن يطبق القاضي نصا يعتقد بعدم دستوريته لمجرد أن الخصم لم يلتزم برفع الدعوى في الميعاد المحدد ، وما تجب الإشارة له أيضا في هذا الموضع أن المشرع المصري لم يحدد لهذه الحالة مدة معينة لإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية على عكس الدفع بعدم الدستورية التي منح للخصم أجل ثلاثة أشهر لرفع دعوى الدستورية واعتبر هذا الأجل من النظام العام (8) .
المطلب الثاني:المحكمة المختصة بالفصل في المسألة الاولية
تختلف النظم القانونية في تحديد المحكمة المختصة بالفصل في المسألة الدستورية وهنا نميز بين نظامين ، فهناك من يطبق قاض الموضوع هو قاض الدفع وآخر يغل يد محكمة الموضوع عن النظر في هذه المسألة و يحيلها لمحكمة مختصة تنفرد بهذا الاختصاص.
الفرع الأول: اختصاص محكمة الموضوع بالنظر في المسألة الأولية الدستورية
ينعقد هذا الاختصاص للمحاكم العادية (مدنية تجارية جزائية إدارية …الخ) في الدول التي تأخذ بنظام لامركزية الرقابة، حيث يقوم القاضي الناظر في النزاع الأصلي باستبعاد تطبيق القانون بعد تيقنه من مخالفته للدستور وهو مايطلق عليه برقابة الامتناع، و ما يترتب عن ذلك بقاء هذا القانون-المشكوك في عدم دستوريته- ساري المفعول (9)، لأن هذا الحكم لم يبطل القانون و ولم يفصل في مدى دستوريته أو عدم دستوريته بل أوقف تنفيذه على النزاع محل النظر فقط .
لكن هذا الحكم لا يلزم المحاكم الأخرى، فقد يرى قاض آخر نفس القانون دستوريا، بل أن نفس القاض قد يتخلى عن رأيه الأول وهو بصدد نظر نزاع آخر، لذلك يحوز الحكم الأول حجية نسبية بالنسبة للنزاع الذي تعلق به و أطرافه لا غير.
وقد طبق هذا الأسلوب من الرقابة أول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية في قضية ماربوري ضد مادسون سنة 1803، و هو اختصاص غير دستوري و انما كان نتيجة اجتهاد القضاء العادي نفسه، فقد أعطى لنفسه هذه الصلاحية مستندا في ذلك إلى حجة أن هذه الرقابة ليست سوى جزءا من وظيفته الأصلية في نظر خصومات الأفراد و منازعاتهم (10)، فذلك يندرج ضمن التزاماته بتطبيق القانون –وظيفته الأصلية- وإزالة عوائق تطبيقه و تنازع القوانين وتحديد القانون الواجب التطبيق، و الأمر كذلك فإن هذه الصلاحية تثبت لكل جهات القضاء على اختلاف درجاتها(12).
لكن في حالة عدم قبول القاضي لهذا الدفع و طبق القانون على النزاع ورفض ادعاء الخصم بعدم دستورية النص فما هو الحل ؟
يكون للخصم في هذه الحالة الطعن في الحكم القضائي و إثارة نفس الدفع أمام محكمة الدرجة الثانية في إطار ممارسته لحق الطعن و مبدأ التقاضي على درجتين الذي يحكم أي تنظيم قضائي .
الفرع الثاني :اختصاص المحكمة الدستورية بالفصل في المسألة الأولية الدستورية
خلافا للنظام الأول، ذهبت بعض الدساتير إلى اعتبار البحث في دستورية القوانين من الاختصاص الذي تنفرد به هيئة خاصة سواء أن كانت قضائية أو سياسية دون غيرها ، وبذلك تصد الباب أمام جهات القضاء العام بالنظر في هذه المسألة، و يتعلق الأمر بالدول التي تأخذ بنظام الرقابة المركزية كما هو الحال بالنسبة لمصر و فرنسا حديثا بعد استحداث أحقية الأفراد بإثارة مسألة الدستورية أمام القضاء العادي أو ما يطلق بمسألة أولوية الدستورية(12) .
فإذا ثبت عدم دستورية القانون سواء أن كان عن طريق دفع أحد الخصوم أو محكمة الموضوع من تلقاء نفسها، فإن القاضي في هذه الحالة يوقف الفصل في موضوع النزاع حتى تقول هذه الاخيرة كلمتها في هذا الدفع.
وفي هذه الحالة لا ينحصر دور المحكمة المختصة في وقف تنفيذ القانون فقط و إنما إلغاءه و إبطال مفعوله ، وبما أن هذا الاختصاص هو اختصاص دستوري أصيل فإن هذا الحكم لا يخاطب موضوع النزاع المطروح أمام القضاء و الذي أثير بشأنه مسألة عدم الدستورية وإنما هو حكم ذو حجية مطلقة يخاطب كل سلطات الدولة، و بذلك ينهي و يصفي موضوع دستورية القانون بصفة نهائية، وهو ما أقرته جميع الدساتير التي تأخذ بنظام لامركزية الرقابة ، ومن ذلك المادة 145 من الدستور السوري 1973 بقولها:”اذا قررت المحكمة الدستورية العليا مخالفة القانون أو المرسوم التشريعي يعتبر لاغيا ما كان مخالفا منهما لنصوص الدستور لمفعول رجعي ولا يرتب أي أثر” (13) .
والمادة 54 من النظام الداخلي الصادر في 16أفريل 2012 المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري الجزائري :”آراء وقرارات المجلس الدستوري نهائية وملزمة للكافة”(14) .
لكن ما يعاب على هذا النص أنه لم يحدد الهيئات التي يخاطبها على خلاف النظام الداخلي الملغى الذي حددها بالسلطات العامة و لم نفهم هذا الغموض منه.
المبحث الثاني: المسألة الأولية الدستورية أما القضاء الدستوري
قد تطرح المسألة الدستورية أمام القضاء العادي كما وضحنا سابقا وقد تكون محل نزاع أمام القضاء الدستوري المختص نفسه، ونقصد في هذه الحالة الأنظمة القانونية التي تعقد عدة اختصاصات للمحكمة الدستورية إضافة إلى اختصاصها بالرقابة على دستورية القوانين مثل المحكمة الدستورية في مصر، فقد تصطدم بعدم دستورية قانون ما في إطار ممارسة اختصاصاتها العادية دون أن يدفع أحد الخصوم بهذا الدفع و لم يحال إليها من طرف محكمة الموضوع كما أشرنا إليه سابقا، و هو ما يطلق عليه التصدي فما هو المقصود به و ما هي إجراءاته؟
المطلب الأول: تعريف التصدي
يقصد بالتصدي عند الفقهاء التعرض للأمر أو للشخص وهو مصطلح واسع المضمون بالمقارنة مع استعماله في القوانين(15).
أما المقصود بالتصدي في هذا الموضع فهو جوازية بحث دستورية قانون أو لائحة من طرف المحكمة الدستورية العليا يعرض عليها بمناسبة ممارستها لاختصاصتها (16) ،من تلقاء نفسها دون الحاجة للدفع به.
فقد نصت على هذه الصلاحية المادة 27 من قانون المحكمة الدستورية العليا المصرية 1970 على أن المحكمة و في اطار ممارسة اختصاصاتها(هذه الاختصاصات هي الرقابة على دستورية القوانين أو تفسير القوانين أو تنازع الاختصاص أو تنفيذ الأحكام المتناقضة) إذا ارتأت أن النص القانوني المراد تطبيقه على النزاع المطروح أمامها قضت بعدم دستوريته من تلقاء نفسها(17) .
وقد أشارت أيضا المادة 7 من النظام المحدد لعمل المجلس الدستوري الجزائري 2012 السالف الذكر أحقية المجلس في التصدي لحكم من الأحكام المخطر بها وتعلق به -ولكن لم يشمله الإخطار- أن يتصدى له و يقضي بعدم دستوريته.
لكن ما يعاب على هذا النص أنه لم يفصل في مصير هذه الأحكام و اكتفى بالقول بإعادة هذا النص للجهة المخطرة واختلف أثر عدم دستورية الحكم الخاص بالقانون العضوي و النظام الداخلي ، ففي الأولى إذا ثبت عدم دستورية النص واتضح أنه لا يمكن فصله عن باقي النص فلا يصدر هذا القانون و إذا لم يؤثر فصله على النص يصدر القانون بدون هذا الحكم غير الدستوري أو يطلب قراءة ثانية من البرلمان ثم ينظر في دستوريته مرة ثانية، و كذلك بالنسبة للنظام الداخلي لغرفتي البرلمان فإذا ثبت عدم دستورية حكم من النظام الداخلي فلا يعمل به حتى تثبت دستوريته.
لكن هذه التوضيحات لم نلحظها بالنسبة للقوانين و التنظيمات و المعاهدات فهي لا تقل أهمية عن سابقتها، و لم يفهم هذا الغموض بالنسبة للنص المنظم لاختصاصات المجلس الدستوري ، فيما نرى أن الدستور 96 قد فصل في هذه المسائل وأعدم أثر أي نص تشريعي أو تنظيمي أو معاهدة لم يثبت دستوريتها وذلك بعدم المصادقة عليه وذلك في المواد 167و 168، و إن كان هذا التفصيل من اختصاص النظام المحدد لاختصاصات المجلس الدستوري.
وما تجب الإشارة إليه في هذا الصدد أن مسألة التصدي تدخل ضمن السلطة التقديرية للمحكمة، تثيرها من تلقاء نفسها بغير حاجة إلى دفع من طرف الأفراد ، فالمنطق يقضي أن هذه الأخيرة هي التي عهد لها الدستور برقابة الدستورية فلا يجب أن نحرمها من هذه الصلاحية ما دام مسموح لمحاكم القانون العام حق الإحالة من تلقاء نفسها(18).
المطلب الثاني ضوابط التصدي
قيد المشرع ممارسة سلطة التصدي بمجموعة من الضوابط وهي :
أولا:التصدي يكون أثناء ممارسة الاختصاص ومتصلا بالنزاع المطروح عليه
لم تجعل القوانين مسألة الدستورية رخصة تلقائية تمارسها هيئة الرقابة الدستورية بمجرد اكتشافها عدم دستورية قانون يصل إلى علمها، بل قيدته بضرورة وجود نزاع يسبق إثارتها،حتى وان قلنا بإمكانية وجود الدعوى الدستورية التي ترفع أمام المحكمة الدستورية مباشرة .
كما أن القانون الذي تتصدى له يجب أن يكون على صلة بالنزاع المطروح عليها ولا يشترط أن يكون النص لازما للفصل في النزاع وفي هذا توسعت مجالات الرقابة عن طريق التصدي، وقد طبقت المحكمة الدستورية المصرية هذا الضابط في الكثير من الأحكام التي طلبت منها أن تمارس رخصة التصدي وانتهت إلى رفض الطلب، و من ذلك حكمها الصادر سنة 1983 بقولها:” و حيث أنه لا مجال لما يثيره المدعي من أن لهذه المحكمة حق التصدي لعدم دستورية النص المطعون فيه طبقا لما نصت عليه المادة27 من قانونها و التي تنص على أنه يجوز للمحكمة في جميع الحالات أن تقضي بعدم دستورية أي نص في قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة اختصاصها و يتصل بالنزاع المطروح عليها وذلك بعد إتباع الإجراءات المقررة لتحضير الدعاوي الدستورية ذلك أن إعمال هذه الرخصة المقررة للمحكمة طبقا للمادة المذكورة منوط بأن يكون النص الذي يرد عليه التصدي متصلا بنزاع مطروح عليها ، فإذا انتفى قيام النزاع أمامها كما هو الحال في الدعوى الراهنة التي انتهت على المحكمة من قبل الى انتهاء الخصومة فيها ومن ثم فلا يكون لرخصة التصدي سند يسوغ إعمالها”(19).
وقد أشار النظام المحدد لعمل المجلس الدستوري الجزائري إلى هذا الشرط وقيد حق التصدي بضرورة ارتباط النص المتصدى له بالنص الذي كان محل الإخطار .
و انتقد الفقه هذا الضابط من باب أنه تقييد لسلطة المحكمة في الرقابة على الدستورية، وذلك حين جعل هذه الرخصة مقيدة بارتباط النص غير الدستوري بالنزاع دون أن يترك للمحكمة العنان في ممارسة وظيفتها على أحسن وجه (20).
ثانيا:اتباع الاجراءات القانونية لتحضير الدعاوي الدستورية
لا يعني التصدي مباشرة المحكمة فحص الدستورية مباشرة بمجرد اكتشاف النص المعيب كما هو الحال بالنسبة لنظام الرقابة في الجزائر، وإنما يجب إتباع مجموعة من الإجراءات لتحضير الدعوى، أي أنها تحيل النص على هيئة المفوضين، وإعداد تقرير برأيها ثم تعرض الأوراق على رئيس المحكمة لتحديد جلسة يتم الفصل فيها في الدعوى الدستورية، و لكن القانون لم يحدد أجل قانوني معين للقيام بهذه الإجراءات على عكس الدفع بعدم دستورية النص من طرف الخصوم حيث حددت القانون أجل ثلاثة أشهر لرفع الدعوى أمام المحكمة الدستورية و يسقط حقهم في الطعن بفوات هذا الأجل(21).
وقد أهملت الرقابة الدستورية في الجزائر هذا القيد ، وأعطت للمجلس الدستوري سلطة تلقائية لدراسة النص المتصدى له دون أن تخضعه لإجراءات معقدة التي من شأنها أن تعيق عمله وتزيد من تعقيدات العمل التشريعي الذي يجب أن يكون مستجيبا لكل التطورات التي يعرفها من يخضعون لأحكامه.
خاتمة
نخلص في الأخير وعلى سبيل المفاضلة بين أنظمة الرقابة أن أسلوب الرقابة المركزية هو الأسلوب الأنجع ،فهو الذي يحقق توحيد الأحكام القضائية الدستورية المتعلقة بدستورية القوانين في كل البلاد على عكس نظام لامركزية الرقابة ، لكن ما يعاب عليه فقط من ناحية تعقيد الإجراءات ما يؤدي إلى الإطالة في عمر المنازعة ما يشكل إهدارا للحقوق و الحريات، فقد تضيع حقوق بسبب طول الإجراءات ، و زيادة المصاريف القضائية من شأنه أن يثقل كاهل المتقاضي الذي لاشك أنه سوف يتنازل عن حقه بسبب عدم قدرته على تحمل التكاليف ما يعيق العدالة التي تسمو اليها أي نظام قضائي.
الهوامش:
1-علي محمد مطهر العنسي،مقالة بعنوان :نظرية الدفوع في قانون المرافعات اليمني،alansi.in-goo.com/t10-topic
2– عبد العزيز محمد سالمان،رقابة دستورية القوانين،ط1،دار الفكر العربي،1994،ص318.
3-4- عبد العزيز محمد سالمان، نفس المرجع ،ص319.
5-محمد رفعت عبد الوهاب، رقابة دستورية القوانين، دار الجامعة،2008،ص290
6-أشار اليها عبد العزيز محمد سالمان، المرجع السابق،ص321.
7- عبد العزيز محمد سالمان، نفس المرجع، ص321.
8- عبد العزيز محمد سالمان، نفس المرجع، ص321.
9- حسن مصطفى البحيري، القانون الدستوري،ط1، 2009، ص282.
10-ابراهيم حسنين ، الرقابة القضائية على دستورية القوانين في الفقه و القضاء ،دار الكتب القانونية ،2003،ص9.
11-حسن مصطفى البحيري، المرجع السابق،ص282.
12-أنظر التعديل الدستوري 23يوليه 2008 المكمل بالقانون الاساسي الصادر في 10ديسمبر 2009.
13-أشار اليها حسن مصطفى البحيري، نفس المرجع، ص289 .
14- الصادر في الجريدة الرسمية العدد 26 المؤرخة في 3ماي 2012.
15-مشعل بن زايد بن مفوز الشمري،تحريك القضاء للدعوى الجنائية في الفقه و النظام،بحث تكميلي لنيل شهادة الماجستير ،1431-1432ه، www.staff.imamu.edu.sa
16-محمد رفعت عبد الوهاب،ص290.
17- جلول شيتور،الرقابة القضائية على دستورية القوانين،مجلة الاجتهاد القضائي ،العدد 4،جامعة محمد خيضر،ص79.
18-عبد العزيز محمد سالمان المرجع السابق، 325.
19-أشار اليه عبد العزيز محمد سالمان، نفس المرجع، 324.
20- عوض عبد الجليل الترساوي، المعاهدات الدولية أمام القضاء الدستوري ،دار النهضة العربية ، ص72.
21-عبد العزيز محمد سالمان ، المرجع السابق،ص324.