مقالات قانونية

النظام القانوني لمكافحة الإغراق السلعي في اطار منظمة التجارة العالمية

الاستاذة عطار نسيمة

 

إن المتأمل في الاتفاقيات التي تشرف على تطبيقها منظمة التجارة العالمية، يجد أنها تجعل من العالم كله شرقا وغربا سوقا واحدة وميدانا قانونيا واحدا، يخضع لقواعد قانونية موضوعية واحدة على المستوى الدولي، بدلا من الأنظمة القانونية المتعددة والمناوئة، أي المعادية للاستثمارات الأجنبية، وأنشطة الشركات متعددة الجنسيات، في كثير من الأحيان وفي الدول النامية بالذات.

وما تجدر الإشارة إليه هو أن منظمة التجارة العالمية، قد تولت تنظيم العديد من الاتفاقيات متعددة الأطراف والتي من أبرزها، اتفاقية مكافحة الإغراق، واتفاقية الدعم والإجراءات التعويضية، وأخيرا اتفاقية الوقاية. وقد اكتسبت هذه الاتفاقيات الثلاثة، اهتماما كبيرا طيلة مسيرة اتفاقية الجات، وهذا راجع للحماية الواجب توفيرها للمنتج الوطني، أو للصناعة الوطنية ضد الممارسات غير المشروعة، المتمثلة في ممارسة الإغراق أو الدعم أو زيادة الواردات.

المبحث الاول: الملامح العامة للإغراق التجاري:

المطلب الاول: ماهية سياسة الاغراق التجاري:

تتمحور السياسات التجارية في مختلف الإجراءات والمعاملات التي تتخذها الدول، قصد التأثير في تدفقات السلع والخدمات، وكذا رؤوس الأموال دخولا وخروجا. على أن هذه السياسات التجارية التي تتبعها الدول، يتبلور هدفها الأول والأخير في حماية المصلحة الوطنية، على حساب مصلحة الدول الأخرى، والتي يمكن أن تتصادم مع مبدأ حرية التجارة، الذي يسعى إلى تحقيق المصالح المتبادلة لكافة الدول.

الفرع الاول: تعريف الاغراق:

الإغراق لغة مصدر للفعل أغرق، فيقال أغرق إغراقا، ويقال أغرق في الأمر بمعنى بالغ في الأمر وأطنب، أي الإفراط في الشيء.

أما اصطلاحا فأن نظام الإغراق يتمثل في بيع السلعة المنتجة محليا في الأسواق الخارجية، إما بثمن يقل عن نفقة إنتاجها، أو بثمن يقل عما تباع به نفس السلعة، في السوق المحلية للبلد المصدر.

أو هو قيام إحدى الصناعات ببيع منتجاتها في سوق دولة أجنبية، بسعر يقل عن السعر الذي تبيع به السلعة في سوقها المحلي. أو هو قيام إحدى الصناعات ببيع منتجاتها في سوق دولة أجنبية، بسعر أقل من تكلفة إنتاج السلعة.

وقد عرفته المادة الثانية من اتفاقية التجارة والرسوم الجمركية لعام 1994 كالتالي: “في مفهوم هذا الإتفاق يعتبر منتج ما منتج مغرق، أي أنه أدخل في تجارة بلد ما بأقل من قيمته العادية، إذا كان سعر تصدير المنتج المصدر من بلد إلى آخر أقل من السعر المماثل في مجرى التجارة العادية للمنتج المشابه حين يوجه للإستهلاك في البلد المصدر”. وبالتالي فإنه يستفاد من هذا المفهوم مايلي:

_ أن المقصود بالقيمة العادية للمنتج المغرق، هي سعر المنتج المغرق حين يوجه للإستهلاك في ظروف التجارة العادية في بلد المنشأ، وهذا كقاعدة عامة، مع وجود استثناءات- في تحديد القيمة العادية- في ظل المجرى غير العادي للتجارة.

_ أن المقصود بظروف التجارة العادية، هي الأحوال التي لا تعيق التجارة فيها أية إجراءات أو ظروف استثنائية، كالحروب والكوارث الطبيعية وانهيار الأسواق المالية، التحديد الجبري للأسعار….وبالجملة كل ما يمكن من قيام المنافسة الحرة.

_ المنتج المشابه يقصد به المنتج المطابق أو المماثل من كل النواحي للمنتج المغرق أو الذي تكون مواصفاته وثيقة الشبه بمواصفات المنتج المغرق.

ومع ذلك فإن الاتفاق يقر في الفقرة الثانية من نفس المادة، بأن تحديد الإغراق وفق الأساس السابق قد لا يكون مناسبا في حالة عدم وجود مبيعات لمنتج مشابه، في مجرى التجارة العادي في السوق المحلي للبلد المصدر، أو عندما لا تسمح هذه المبيعات بمقارنة صحيحة بسبب وضع السوق أو انخفاض حجم المبيعات في السوق المحلي للبلد المصدر، وبالتالي فإن الاتفاق يسمح بتحديد الإغراق عن طريق مقارنة سعر التصدير بالسعر المقابل للمنتج المشابه عند تصديره لبلد ثالث. لكن بشرط هو أن يكون السعر معبرا من الواقع بمعنى ممثلا للحقيقة، أو عن طريق المقارنة بتكلفة الإنتاج في بلد المنشأ مضافا إليها مبلغا معقولا مقابل تكاليف الإدارة والبيع والتكاليف العامة وكذا الأرباح.

المطلب الثاني: أشكال سياسة الإغراق:

للإغراق عدة أنواع، بحيث أنه لكل نوع من أنواع الإغراق ميزة يتميز بها عن غيره، وهو ما سوف نجمله، فيما يلي من خلال التعرض لأهم أنواعه:

الفرع الاول:الإغراق العارض أو الطارئ:

إن الإغراق العارض أو الطارئ هو الإغراق المرتبط بظروف استثنائية طارئة، وهذا يرجع لكون أن الإغراق العارض أو الطارئ، ينتج غالبا لسبب تراكم المخزون السلعي لدى منتج ما. بحيث يكون هذا المنتج على استعداد لتصديره بأسعار تقل عن الأسعار المحلية تخلصا منه، مع إبقاء أسعار السلعة مرتفعة في البلد المنتج.

على أن السبب الرئيسي لحدوث الإغراق الطارئ أو العارض، يرجع إلى وجود فائض في الإنتاج، حدث نتيجة خطأ في تقدير الطلب، أو نتج عن حالة كساد. فنتيجة لخشية المنتج من فساد منتوجه، أو زيادة تكلفته نتيجة طول مدة حفظه، يلجأ إلى التخلص من المنتوج المهدد بالفساد، عن طريق بيعه بأقل الأسعار. حتى ولو وصل به الأمر إلى حد بيعه بالخسارة، بمعنى بأقل من سعر تكلفته.

الفرع الثاني: الإغراق المؤقت أو قصير الأجل:

يختلف هذا النوع من الإغراق عن سابقه من حيث الهدف المرجو منه، لكون أن الإغراق العارض أو قصير الأجل، يتمثل هدفه في التخلص من الفائض دون قصد التخلص من المنافسين. بينما الإغراق المؤقت يتمثل في الإغراق الذي ينتهي و يختفي بعد تحقيق الغرض المنشأ من أجله.على أن أمثلته كثيرة ومتعددة يمكن حصر أهمها فيما يلي:

الخفض المؤقت لأسعار البيع، بقصد فتح سوق أجنبية، وكذا الخفض المؤقت لأسعار البيع، بقصد الدفاع ضد منافسة أجنبية طارئة. أو الخفض المؤقت لأسعار البيع، لمنع إقامة مشروعات جديدة، أو بقصد القضاء على منافس وطرده من السوق. وأخيرا الخفض المؤقت لأسعار البيع، لأجل تهديد منافس ما بالقضاء على صناعته حتى يضطر إلى الاستسلام لأمر المُغرق وشروطه، ومن ثم الاتفاق معه.

الفرع الثالث: الإغراق الدائم:

يُطلق أيضا على هذا النوع من الإغراق تسمية الإغراق الزاحف أو المتدرج، ويشترط لقيامه أن يتمتع المُنتج باحتكار فعلي و قوي عادة ما يرجع لتمتعه بإمتياز من الحكومة. ويمكن تصور هذا الإمتياز في فرض ضرائب جمركية عالية، على استراد نفس السلعة من الخارج، وإلا كان من الممكن إستراد السلعة المغرقة المصدرة وإعادة بيعها مرة ثانية في السوق المحلي، بسعر ينافس المنتوج الأول.

وبالتالي فإن الهدف المرجو من ممارسة الإغراق الدائم، هو الإستفادة من مزايا الإنتاج الكبير. وهو الآخر يعد نوع من أنواع الإغراق الدولي، وكظاهرة مستمرة مرتبطة بسياسة دائمة تستند إلى وجود احتكار في السوق، مرده هو التمتع بالحماية.

المطلب الثالث: أهداف سياسة الإغراق:

المقصود بأهداف الإغراق هي المصالح التي يسعى لتحقيقها الممارس لسياسة الإغراق، حتى ولو تطلب منه الأمر الإضرار بغيره من المنافسين. ومن بين هذه المصالح أو الأهداف ما يلي:

الفرع الاول:السيطرة على الأسواق و القضاء على المنافسين:

يُعنى بالسيطرة على الأسواق، احتكار العرض والتحكم في الأثمان، ولعلها أبرز غاية أو هدف يصبوا إليه الممارس لسياسة الإغراق. حيث يتكبد هذا الأخير -الممارس لسياسة الإغراق- خسائر فادحة ومُكلفة، إذ أنه قد يصل به الأمر إلى حد البيع بثمن يقل عن نفقة الإنتاج، أو تكلفة الإنتاج،وهذا كله في سبيل التحكم في الأسواق.

على أن التحكم في الأسواق يتأتى من خلال صمود المنتج الممارس لسياسة الإغراق، في عرض أو بيع سلعته بأقل الأسعار، إلى غاية القضاء أو طرد كافة المنافسين له أو بمعنى آخر”الحد من القدرة السوقية للمنتج المحلي”. ليُفسح له المجال لوحده في السوق، بحيث يصبح المتحكم الوحيد في السوق. لأن “الإغراق الذي تمارسه دولة ما ببيع سلعها في أسواق دولة أخرى بأثمان منخفضة جدا يكون الهدف الأساسي منها، هو اقتلاع السلعة المنافسة من السوق، وتحقيق وضع احتكاري في السوق”

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الأخير يعرف بإستراتيجية التغلغل، والذي يترتب عليه بالنتيجة تتمتع المنتج الممارس لسياسة الإغراق، باحتكار السوق ورفع الأسعار، لأجل الحصول على أقصى الأرباح، وبالتالي تعويض ما لحقه من خسارة وما فاته من كسب.

وهذا راجع لكون أنه بدون تحقيق هذا الهدف، المتمثل في السيطرة على الأسواق، فإنه ليس ثمة فائدة اقتصادية عظيمة تعود على من يمارس الإغراق. ويُعنى بالدرجة الأولى الإغراق المؤقت محدد الأهداف، الذي يسير وفق خطة مرسومة، وليس الإغراق العارض الطارئ الذي ينتهي بتصريف الفائض، دون أن يشعر به أحد من تجار السوق.

الفرع الثاني: توسيع نطاق الأسواق:

قد يكون الهدف المرجو من ممارسة سياسة الإغراق، مخالف تماما للهدف السابق، حيث قد يتكبد الممارس لسياسة الإغراق خسائر فادحة، في سبيل توسيع نطاق الأسواق المستوردة لهذا المنتج وترويجها، الأمر الذي يعود بالفائدة على المنتج المغرق بحد ذاته.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأخيرة تعرف باستراتيجية التوسع، إذ أن الهدف من الإغراق هو فتح منفذ في سوق ما أو عدة أسواق أجنبية لهذا المنتج.

وهذا لأجل توفير التمويل الكافي لرفع كفاءة الإنتاج، من حيث أساليب الإنتاج ونوعية المنتج وتطوير عمليات توزيعه إلى آخره. لأن اتساع حجم الأسواق وتزايد كميات توزيعها تنعكس على المنتج إيجابا. حيث تزداد معدلات الأرباح التي تعد حافزا لزيادة الاستثمارات الصناعية، وبهذا يتحقق النمو والانتعاش للاقتصاد القومي.

المبحث الثاني: القواعد المتبعة في تحديد وجود إغراق ضار من عدمه:

تتمثل العناصر الواجب توافرها لأجل تحريك إجراءات التصدي له، في كل من تحديد لحجم الإغراق الذي أصاب الدولة المستوردة، والذي يصطلح عليه تسمية هامش الإغراق. أكثر من هذا فإن اتفاق مكافحة الإغراق، يشترط ثبوت نسبة معينة في تقدير حجم الإغراق، كما يشترط حصول ضرر من جراء ممارسة فعل الإغراق. إضافة إلى ضرورة توافر رابطة أو علاقة سببية، تجمع بين فعل الإغراق والضرر اللاحق بالدولة المستوردة.

المطلب الأول: تحديد هامش الإغراق:

الفرع الأول: تحديد القيمة العادية:

بالرجوع إلى نص المادة الثانية من اتفاق مكافحة الإغراق لسنة 1994، والتي تنص على مايلي: ” في مفهوم هذا الاتفاق يعتبر منتج ما منتج مغرق، أي أنه أدخل في تجارة بلد ما بأقل من قيمته العادية، إذا كان سعر تصدير المنتج المصدر من بلد إلى آخر أقل من السعر المماثل، في مجرى التجارة العادية، للمنتج المشابه حين يوجه لاستهلاك في البلد المصدر.

حيثما لا تكون هناك مبيعات لمنتج مشابه في مجرى التجارة العادي في السوق المحلي للبلد المصدر، أو حيثما لا تسمح هذه المبيعات بمقارنة صحيحة بسبب وضع السوق الخاص أو انخفاض حجم المبيعات، في السوق المحلي للبلد المصدر، يتحدد هامش الإغراق بالمقارنة بسعر مقابل لمنتج مشابه عند تصديره لبلد ثالث مناسب، شرط أن يكون هذا السعر معبرا للواقع، ومقارنة بتكلفة الإنتاج في بلد المنشأ مضافا إليها مبلغ معقول مقابل تكاليف الإدارة والبيع والتكاليف العامة وكذلك الأرباح.”

يفهم من نص المادة المشار إليها أعلاه، بأنه يمكن التعرف بسهولة على القيمة العادية للمنتج المغرق، في ظل الأحوال العادية للتجارة، وهذا يتأتى بمعرفة سعر السلعة المتداول، في الدولة المصدرة. لأن سعر البضاعة هو التعبير النقدي لقيمتها، وهذا عندما يخصص للاستهلاك في أسواقها، بحيث يتم قياس وتحديد حجم الإغراق بمقارنة سعر السلعة في الدولة المستوردة، مع سعر سلعة مماثلة في الدولة المصدرة. وبمجرد كون أن سعر السلعتين في الدولتين مختلفا، فإن ذلك يدل على أن سعر إحداها، أقل من القيمة الطبيعية، وبالتالي تحقق الإغراق.

وعلى سبيل المثالنفترض أن سعر البيع في السوق المحلي هو 100 وحدة نقدية، بينما أن سعر التصدير هو 80 وحدة نقدية. فإن مبلغ الإغراق هو 20 وحدة نقدية وهذا نتيجة (100-80)، وبالتالي فإن هامش الإغراق المحتسب هو كالآتي (20/80)×100=25%.

إلا أنه في حالات عديدة، قد يكون من غير الممكن تحديد القيمة العادية، على هذا النحو البسيط. الأمر الذي يورد استثناءا عن قاعدة تحديد القيمة العادية، في مجرى التجارة العادي. بحيث يتحقق هذا الوضع عادة عندما لاتتوفر مبيعات للمنتج المشمول بالإغراق، في سوق الدولة المصدرة، أو بمعنى آخر انعدامها. أو في حالة ضعف كمية المبيعات في سوق الدولة المصدرة، وكذلك تأثير الأزمات والحروب في مرونة الطلب على السلع والبضائع في سوق الدولة المصدرة.

وبالتالي وفي هذه الحالات التي لا تسمح بإمكانية إجراء المقارنة، بين سعر المنتوج في البلدين المصدر والمستورد، يتم اللجوء إلى طرق أخرى بديلة، لأجل تحديد القيمة العادية. وهذا إما على أساس مقارنة سعر المنتج المشمول بالإغراق بالمنتج المثيل له، عندما يصدر إلى دولة ثالثة، أو على أساس حساب تكلفة الإنتاج، مضافا إليها تكلفة البيع والتسويق والمصاريف الإدارية والأرباح، إلى غير ذلك من التكاليف والمصاريف.


الفرع الثاني: تحديد سعر التصدير:

سعر التصدير يعرف بأنه السعر المدفوع أو واجب الدفع حقيقة، على المنتجات الموجهة للتصدير. أو بمعنى آخر أن سعر التصدير هو سعر الإدخال (أي إدخال المنتج) في البلد المستورد، فهو بذلك يمثل سعر التقييم الجمركي.

ومن خلال استقراء نص الفقرة 01 من المادة 02 من اتفاق مكافحة الإغراق، يفهم منها أن سعر التصدير هو السعر الذي تم به تصدير منتج من بلد إلى آخر. أو هو السعر الذي تم التفاوض بشأنه لأجل بيع منتج ما من طرف مصدر في بلد التصدير إلى مستورد في بلد الاستيراد. ومن تم فإنه يفترض أن يذكر سعر التصدير في ملف التصدير، الذي تكون الفاتورة التجارية أحد مكوناته.

وقد أحسن واضعوا اتفاق مكافحة الإغراق صنعا عندما أشاروا في المادة 02 فقرة 03، إلى أن سعر التصدير أو التقييم الجمركي الذي سبق الإشارة إليه، قد لا يعول عليه، ولا يوثق فيه إذا ما تعلق الأمر بإثبات وجود إغراق من عدمه، وهذا راجع للأسباب التالية:

أ_ إتحاد كل من المصدر والمستورد، بحيث لا يكون هناك سعر تصدير، مثلا انعدام سعر التصدير، بسبب وجود علاقة مقايضة بينهما.

ب_ أن تكون فيه ترتيبات تعويضية بين كل من المصدر والمستورد، وهذا يتحقق عن طريق مثلا وضع قيم ضئيلة على فواتير البيع، مقارنة مع السعر الحقيقي للمنتج. وهذا بهدف تمكين المستورد، من دفع قيمة ضئيلة من الرسوم الجمركية.

فمثلا بعض المنتجات التي تصدر نحو الاتحاد الأوربي، تكون الأسعار واجبة الدفع غير واردة في الفاتورة، فهذا يعد إغراق خفي يصعب معه استنباط سعر التصدير.

المطلب الثاني: حدوث الضرر وتوافر العلاقة السببية بين الإغراق والضرر:

من المتفق عليه أن المسؤولية تثبت وتتحقق بتوافر ثلاث أركان، متجسدة في الخطأ والضرر والعلاقة السببية التي تجمع بين الأول والثاني، وعليه وبعد ربط هذه الأركان مع موضوع دراستنا، نستنتج بأنه لأجل تحقق المسؤولية عن فعل الإغراق، لابد من توافر ما يلي:

-الخطأ كأحد شروط وجود الإغراق.

-الضرر الحاصل عن وجود الإغراق.

-العلاقة السببية التي تربط بين الخطأ والضرر الحاصل من جراء الإغراق.

وبالتالي وبعد التمعن في نصوص اتفاق مكافحة الإغراق لعام 1994، نجد أن كل من ركن الضرر وركن العلاقة السببية، قد أثراهما الاتفاق بمجموعة من الأحكام والقواعد، التي تزيل أي غبار عنهما. بينما الركن الأول المتمثل في ركن الخطأ، كأحد شروط ممارسة سياسة الإغراق، نجد أن الاتفاق المضاد للإغراق، لم يشر إليه بطريقة مباشرة، وإنما أشار إليه بطريقة غير مباشرة، وهذا عند تحديده لحالات ثبوت أو وجود إغراق ضار والمتمثلة في ما يلي:

-بيع أو تصدير منتج بسعر يقل عن سعره المتداول في بلد التصدير أو بلد المنشأ.

-بيع أو تصدير منتج بسعر يقل عن تكلفة إنتاجه في بلد التصدير أو بلد المنشأ.

-بيع أو تصدير منتج بسعر يقل عن سعر تداوله في بلد مشابه، من الناحية الاقتصادية للبلد المصدر للمنتج المشمول الإغراق.

الفرع الأول: تحديد الضرر:

يقصد بالضرر الوارد في اتفاق مكافحة الإغراق، الضرر المادي الذي يلحق أو يصيب الصناعة المحلية، أو هو التهديد بإحداث ضرر مادي بالصناعة المحلية، أو هو الضرر الذي يؤدي إلى إحداث تأخير مادي، في إقامة صناعة ما.

    ويعتمد تحديد الضرر بحسب ما نصت عليه المادة 03 فقرة 01، التي جاءت تحت عنوان “تحديد الضرر“على تحقيق موضوعي، ينصب على كل من تحديد لحجم الواردات المغرقة، وأثرها على الأسعار في السوق المحلي للمنتجات المماثلة، كما ينصب التحقيق على الآثار اللاحقة، لهذه الواردات على المنتجين المحليين لهذه المنتجات.

وبالتالي فإن المقصود من الضرر المادي المنصوص عليه في اتفاق مكافحة الإغراق، هو الضرر الجسيم، الذي يلحق بأحد فروع الإنتاج الوطني للدولة المستوردة، وهذا من جراء الانخفاض الكبير، في بيع السلعة الوطنية المماثلة للمنتوج المغرق، أو نتيجة لتزايد المستوردات المغرقة. وبالتالي فإن معايير ثبوت الضرر الجسيم، يمكن أن “تتمثل مثلا في التغيرات الطارئة في حجم المبيعات، والإنتاج، والإنتاجية، واستغلال الطاقات، والأرباح، والخسائر، والعمالة. التي تصيب السوق المحلي، الذي استحوذت عليه الزيادة في الواردات”.

مع الإشارة إلى أن الضرر المادي، يتحدد بتحقق مجموعة من الوقائع والأدلة المادية، تتمثل غالبيتها في المعايير التي سبق تبيانها. ومن ثم فإنه يجب أن يترتب عن الإغراق ضرر، لأنه لا عبرة بانتفاء الضرر في هذه الحالة، لأجل فرض رسوم مكافحة الإغراق. 

وبالتالي فإنه يخرج من إطار مفهوم الضرر الجسيم، الضرر الذي يكون أثره محدود، كما أن يقتصر الضرر على مشروع واحد معين في أحد مجالات الإنتاج في الدولة المستوردة، أو الضرر غير الجسيم الذي ينتج عن الانخفاض البسيط لسعر السلعة المستوردة، عن مثيلتها الوطنية، والناشئ عن كفاءة المنتج الأجنبي، عن مثيله المحلي.

    أما المقصود بتهديد إحداث ضرر مادي، فهو يتمثل في أن مواصلة البيع للسلعة المغرقة في الدولة المستوردة، بكمية كبيرة وبسعر منخفض، سيؤديان لا محالة إلى إحداث ضرر مادي، قريب سيلحق بالصناعة المحلية، مادام أن ارتفاع نسبة الإقبال على السلعة المستوردة، والمماثلة للسلعة المحلية -لسبب انخفاض سعرها- سيؤدي في الأخير لا محالة إلى خسارة فادحة بالمنتجين المحليين، ومن ثم توقفهم عن إنتاج هذه السلعة.

على أن تحديد التهديد بوقوع ضرر مادي، لا يُعتد به إذا كان قائما على مجرد مزاعم أو تكهنات، أو إمكانية بعيدة لحدوث ضرر ما.

وبالتالي فإن التهديد بإلحاق الضرر، ينبغي أن يستند تحديده على وقائع وظروف، تؤكد على أن الإغراق قد يسبب ضررا متوقعا ووشيكا، وهذا بحسب الفقرة 07 من المادة الثالثة من اتفاق مكافحة الإغراق، ولإثبات ذلك فإن سلطات التحقيق يجب أن تبحث في العوامل التالية:

*معدل زيادة كبيرة في الواردات المغرقة إلى السوق المحلي، مما يكشف عن احتمال حدوث زيادة كبيرة في الإستيراد.

*وجود كميات كبيرة متوافرة بحرية، أو زيادة كبيرة وشيكة في قدرة المصدر، مما يكشف عن احتمال حدوث زيادة كبيرة، في الصادرات المغرقة في سوق الدولة العضو المستوردة، مع مراعاة مدى توافر أسواق تصدير أخرى لامتصاص الصادرات الإضافية.

*إذا كانت الواردات تدخل بأسعار سيكون لها أثر انكماشي، أو كبت كبير للأسعار المحلية، ومن شأنها أن تزيد الطلب على مزيد من الواردات.

*مخزون المنتج الذي يجري التحقيق بشأنه.

هذا وتجدر الإشارة بأنه لا يمثل أي عامل من العوامل السابقة، مؤشرا حاسما بذاته، إلا أن مجموعة العوامل موضع النظر أو التحقيق، يجب أن تؤدي إلى استنتاج، أن ضررا ماديا سيحدث في حالة عدم اتخاذ إجراءات الحماية.

أما المقصود بالتأخير المادي في إقامة الصناعة المحلية، فهو يتمثل في تأخير مشروع إقامة مصانع في الدولة المستوردة، على أن تقوم هذه المصانع المزمع إقامتها، بإنتاج سلعة مماثلة للمنتج المغرق، وأنه ونتيجة لعدم الجدوى الاقتصادية، بسبب انخفاض سعر السلعة الذي سببه المنتج المغرق، يتأخر مشروع إقامة هذه المصانع.

وبالتالي فإن التأخير مادي في إقامة صناعة ما، سينتج عنه لا محالة، إضرار بالصناعة المحلية. أكثر من هذا فإن غالبية الفقه الدولي، يتفق على أن الصناعة الناشئة، هي بحاجة أكبر إلى الحماية من المنافسة الأجنبية. وهذا راجع لكون أن الصناعة الناشئة، قد يصعب البدء فيها، مادام أن الصناعة القائمة مسبقا هي أقوى عادة من الصناعة الناشئة، وهذا من حيث خبرتها الطويلة، وقوتها الثابتة في السوق.

    ولهذا السبب وإذا قُدر للصناعة الناشئة، أن تنافس الصناعة الأجنبية، فهي منافسة غير متكافئة، ولهذا الأمر فالمنافسة مُفضية لا محالة إلى تدمير الطرف الأول، المتمثل في الصناعة الناشئة.

غير أنه ما تجدر الإشارة إليه هو أنه يجب التأكد، من جدية التوجه نحو إقامة صناعة محلية، والذي يكون عن طريق تقديم أوراق المشروع، التي سبق وأن قُدمت للجهات الرسمية، في الدولة المستوردة لطلب الترخيص، بإقامة هذه المشاريع المزمع إقامتها. وذلك قبل استيراد أو دخول المنتجات الأجنبية، بأسعارها المنخفضة.

ومن خلال ما سبق فإن تحديد الضرر بموجب اتفاق مكافحة الإغراق، وبالضبط المادة 03 فقرة 01 من اتفاق مكافحة الإغراق، قد أقامت أساسا لتحديد الضرر الناشئ عن الإغراق، حيث نصت على أنه يجب على الدولة العضو المستوردة، لتحديد وجود إغراق ضار من عدمه، أن تقوم بإجراء بحث موضوعي لكل من الأمرين التاليين:

تحديد لحجم الواردات المغرقة وأثرها على الأسعار في السوق المحلي للمنتجات المماثلة، كما ينصب البحث والتحقيق في الآثار اللاحقة لهذه الواردات، على المنتجين المحليين لهذه المنتجات.

الفرع الثاني: العلاقة السببية بين الإغراق والضرر:

لأجل إثبات أن هذا النوع من السلوك التجاري الدولي غير مشروع، يشترط توافر علاقة سببية تربط بين الإغراق والضرر، اللاحق بالصناعة المحلية، لأن هذه الأخيرة -العلاقة السببية- تمثل المحرك الأساسي لفرض تدابير مكافحة الإغراق.

وبالتالي فإنه يشترط توافر رابطة فعلية ومنطقية، تجمع بين الواردات المغرقة وحدوث الضرر، وإن هذا راجع لسبب أنه قد يتصادف حدوث كل من الإغراق والضرر معا، ولكن دون ارتباط يجمعهما، بمعنى آخر فإنه لن يصبح الإغراق محظورا، إلا في حالة ما إذا استطاع الطرف المتضرر، من إثبات العلاقة التي تربط بين الضرر والإغراق الحاصل.

ولأجل هذا الأمر، فقد يحدث الإغراق بمعدلات مرتفعة، ولكن دون أن يؤدي ذلك إلى ترتيبه، لآثار ضارة بالدولة المستوردة، أو أنه قد يلحق حتما بالدولة مستوردة ضرر، ولكن سببه ومرده عوامل أخرى أجنبية، ليس من بينها الإغراق. فالمعول عليه أن يكون الضرر مرده وسببه هو الإغراق، أي أن سياسة الإغراق، هي السبب المباشر لحدوث الضرر.

المطلب الثالث: تدابير مكافحة الإغراق:

لقد أجاز الاتفاق الخاص بتطبيق المادة السادسة من اتفاقية الجات لعام 1994، لسلطات التحقيق في الدولة المستوردة، أن تتخذ أثناء فترة التحقيق وسيره تدابير مؤقتة لها صفة الإحتراز. وهذا لأجل وقف ودفع الإغراق الحاصل في السوق المحلي، والذي تحدثه السلعة محل التحقيق.

وفي خضم كل هذه الأمور يمكن لسلطات التحقيق أن تصدر قرارات نهائية، تتجسد في فرض رسوم نهائية على المنتج الذي هو محلا للإغراق.

الفرع الأول: الإجراءات المؤقتة لمواجهة الإغراق الضار:

أولا: التدابير المؤقتة:

أثناء سير التحقيق وفي حالة ما إذا ثبت بأن هناك مظهرا إيجابيا أوليا لوجود الإغراق، وأنه حتما قد لحق ضررا عاجلا بالصناعة المحلية. فإنه في هذه الحالة تتدخل سلطات التحقيق في الدولة المستوردة، وتتخذ مثل هذه التدابير المؤقتة. وهذا لغرض مواجهة الحالات العاجلة، وكذا منع وقوع مزيدا من الأضرار خلال الفترة المتبقية من التحقيق.ما تجدر الإشارة إليه هو أن هذا التدبير المؤقت، لا يتم تحديده جزافيا، بل يكون تحديده بناء على حساب لحجم الإغراق الحاصل. على أن المتفق عليه هو أن التدابير المؤقتة لها الصفة الإحترازية أو الوقائية، بحيث يكون الغرض منها هو دفع ومواجهة الإغراق مؤقتا، إلى حين التوصل إلى القرار النهائي بشأن الإغراق.على ان أشكال التدابير المؤقتة كالتالي:

1_ الرسم المؤقت: وهو أن تفرض سلطات التحقيق، رسما مؤقتا على السلعة التي هي محلا للإغراق. بشرط ألا يزيد مقدار هذا الرسم، عن هامش الإغراق الذي سبق وأن حددته سلطات التحقيق.

2_ الضمان المؤقت: وهو يتمثل في أن يعرض المصدر أو المنتج المشمول بالإغراق تأمينا أوضمانا مؤقتا، سواء كان بوديعة أو سند، يعادل مقدار رسم مكافحة الإغراق المقدر مؤقتا، كما يشترط في هذا الضمان ألا يزيد عن هامش الإغراق المقدر مؤقتا. على أن هذا الضمان المتمثل في السند أو الوديعة يعد الأفضل بالمقارنة مع الرسم المؤقت، وهذا لسبب إمكانية الإسترداد وسرعته.

ما تجدر الإشارة إليه هو أن الرسوم المفروضة على المنتج أو السلعة محل الإغراق، ومهما كانت صورته (سواء كان رسم مؤقت، أو رسم نهائي). فإن فرضها هو مسخر مباشرة إلى خزينة الدولة المتضررة، بحيث لا يستفيد منها المتضرر شيئا، سوى ما تقدمه الدولة إليه من دعم لتجاوز الإغراق.
3- وقف التقييم في الجمرك: ويقصد به الإمساك عن التقييم الجمركي، لقيمة السلعة موضوع التحقيق، والذي يعد هو الآخر تدبيرا مؤقتا تلجأ إليه السلطات المختصة.على أن وقف التقييم الجمركي يتم بشرط بيان الرسم الجمركي العادي، إضافة إلى المبلغ المقدر كرسم لمكافحة الإغراق.كما يشترط كذلك أن يخضع هذا الإجراء للشروط نفسها التي تخضع لها التدابير المؤقتة الأخرى. أما مدة تطبيقها فهي كقاعدة عامة عدم جواز استمرار تطبيق التدابير المؤقتة، لفترة تتجاوز أربعة أشهر، وهذا في حالة ما إذا كان الرسم أو الضمان مساويا لهامش الإغراق المحتسب. إلا أنه استثناءا يجوز أن تمتد فترة تطبيق التدابير المؤقتة دون أن تتجاوز فترة ستة أشهر، ولكن لتحقق هذا التمديد يشترط صدور قرار من السلطات المعنية بالتحقيق، يقضي بجواز تمديد الفترة، إضافة إلى اشتراط نص الفقرة ضرورة تقديم طلب بالتمديد من قبل المنتجين الذين يمثلون نسبة مئوية كبيرة، من تجارة السلعة محل التحقيق.

ثانيا: التعهدات السعرية:

يعد هذا الأسلوب هو الإجراء الثاني لمواجهة خطر الإغراق السلعي، حيث قضى اتفاق مكافحة الإغراق، بجواز وقف التحقيق أو إنهائه دون فرض أية تدابير مؤقتة، أو رسوم مكافحة للإغراق. وهذا في حالة تلقي سلطات التحقيق، تعهدات اختيارية مرضية من أي مصدر أو منتج مشمول بالإغراق.

مع الإشارة إلى أن طبيعة أو صور هذه التعهدات السعرية، هي تتجلى إما في مراجعة أسعار السلعة أو المنتج، المطروح في الأسواق بأسعار مغرقة، بحيث يقوم مصدرها أو منتجها برفع أسعارها. وإما بوقف تصدير السلعة المغرقة، إلى أسواق الدولة المستوردة المتضررة من سعر هذه السلعة أو المنتج، مع ضرورة اقتناع سلطات التحقيق بهذه التعهدات، كإجراء لإزالة الآثار الضارة للإغراق الذي يمارس ضد أسواقها.

على أنه يستثنى من هذا _وقف التحقيق_ رغبة المصدر في استكمال التحقيق بعد تقديمه للتعهدات السعرية، أو في حال ما إذا قررت سلطات التحقيق، ضرورة مواصلة السير في التحقيق.

من خلال ما سبق نخلص إلى تعريف التعهدات السعرية، بأنها تعهدات طوعية يقدمها المصدر إما بمبادرة منه، أو بناءا على طلب من الدولة المستوردة، يتعهد المصدر بموجبها بمراجعة أسعاره، أو وقف صادراته نحو الدولة المستوردة المتضررة من الإغراق، وبحيث تقتنع سلطات التحقيق في الدولة المستوردة المتضررة من الإغراق بأن الأثر الضار المترتب عن الإغراق قد استبعد من خلالها.

الفرع الثاني: فرض وتحصيل الرسوم النهائية لمكافحة الإغراق:

في حالة ما إذا خلصت سلطات التحقيق إلى قرار إيجابي نهائي، عن صحة ممارسة الإغراق وأضراره، وبمعنى بسيط ثبوت كافة عناصره. فإن للسلطات في هذه الحالة أن تتخذ الإجراءات اللازمة، في شكل فرض رسوم جمركية على السلعة أو المنتج محل الإغراق.

إن اتفاق مكافحة الإغراق يشجع على ضرورة الالتزام بمبدأ التناسب بين مقدار الإغراق ورسم مكافحته، أكثر من هذا فإن الاتفاق يحث على ضرورة فرض رسم تكون قيمته أدنى من قيمة حجم الإغراق المحتسب، وهذا إذا كان كافيا لإزالة الضرر الحاصل، وإلا أن يكون مساويا لمقدار الإغراق المحتسب، وهذا بحسب ما أشارت إليه الفقرة 01 من المادة 09 من الاتفاق بنصها “…. ومن
الأصوب أم يكون الفرض فرض الرسوم مسموحا به في أراضي كل الأعضاء، وأن يكون الرسم أقل من هامش الإغراق إذا كان هذا الرسم الأقل كافيا لإزالة الضرر اللاحق بالصناعة المحلية”.

أما فيما يتعلق بكيفية تحصيل الرسم من الأطراف المعنية، فإن سلطات التحقيق تقوم بتحديد نسبته، إما على أساس التحديد الفردي والتمييزي، إذا كان عدد المصدرين أو المنتجين أو أنواع المنتجات قليل، أي بتطبيق هامش الإغراق لكل دولة على حده. وإما على أساس العينات، وهذا في الحالات التي يكون فيها عدد المصدرين أو المنتجين أو المستوردين أو أنواع المنتجات كبيرا، الأمر الذي يصعب من عملية التحديد الفردي لهامش الإغراق، والذي يحول دون استكمال التحقيق في الوقت المناسب. ففي هذه الحالة فإنه وبحسب الفقرة 10 من المادة 06 من اتفاق مكافحة الإغراق لسنة1994. فإنه يجوز لسلطات التحقيق أن تقتصر في بحثها إما على عدد معقول من الأطراف ذات المصلحة، أو على المنتجات باستخدام عينات صحيحة إحصائيا، أو على أكبر نسبة مئوية من حجم الصادرات من البلد المعني عندما يكون ذلك ممكنا، وهذا بجسب نص نفس الفقرة من نفس المادة المشار إليها أعلاه.

ثالثا: مدة سريان رسوم مكافحة الإغراق ومراجعتها:

فيما يخص مدة سريان رسوم مكافحة الإغراق، تولت المادة 11 فقرة 01 من اتفاق مكافحة الإغراق لسنة 1994، تنظيم هذه المسألة، حيث يفهم منها بأنه رسوم مكافحة الإغراق لا تظل سارية إلا بالقدر الضروري لمواجهة الإغراق، فإذا افترضنا بأن المصدر قد قام بإيقاف الإغراق، ففي هذه الحالة تقوم سلطات التحقيق بالتدخل وإلغاء الرسم المضاد للإغراق، الذي تم فرضه.

على أنه قد وردت صيغة مشابهة للمادة المشار إليها أعلاه، في مدونة جولة طوكيو لمكافحة الإغراق لسنة 1979، ومضمونها كالآتي: “أن رسم مكافحة الإغراق لا يكون ساريا إلا كان ضروريا، وفي حدود ما يكون ضروريا لمواجهة الإغراق الذي يتسبب بالضرر“.

وبالرجوع إلى نص الفقرة 02 من المادة 11 من اتفاق مكافحة الإغراق لعام 1994، نستنج بأنه يقع على عاتق سلطات الدولة المستوردة، أن تراجع مسالة ضرورة استمرار فرض رسم الإغراق أو إلغائه أو انقضاء فترة زمنية مناسبة، سواء كان ذلك بمبادرة منها أم بناء على طلب من أحد الأطراف، ذوي المصلحة في حالة تقديمه لمعلومات إيجابية تعزز ضرورة المراجعة. فإذا ثبت أنه لم يعد هناك داع لاستمرار مواصلة فرض الرسم تم العمل على إنهائه على الفور.

ومن جهة أخرى فإنه لا يفوتنا أي ننوه بأحد أهم التعزيزات التي خلصت إليها جولة الأوروغواي، فيما يخص نظام مكافحة الإغراق، وهو التحديد الزمني لمدة سريان رسم مكافحة الإغراق. فهي تعد من الأمور الزمنية الإيجابية في اتفاق مكافحة الإغراق، حيث أن هذه الإجراءات هي ليست أبدية وإنما تتوقف بعد مرور مدة خمس سنوات على اتخاذها، إذ نصت الفقرة 03 من نفس المادة أن ينتهي أي رسم لمكافحة الإغراق في موعد لا يتجاوز مدة 05 سنوات، من تاريخ فرضه أو من تاريخ آخر مراجعة دورية له، ما لم تقدر سلطات التحقيق بموجب مراجعة دورية، بدأت بمبادرة منها أو بناء على طلب مدعم بالمعلومات اللازمة من الصناعة المحلية أو باسمها تمت قبل نهاية خمس سنوات الفترة مناسبة، خلصت فيها السلطات إلى أن من شأن انقضاء هذا الرسم، أن يؤدي إلى استمرار أو تكرار الإغراق والضرر.

الخاتمة

توفر قوانين اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، للدول الأعضاء فيها، مركزا قانونيا يخول لها إمكانية الحصول على الحماية الضرورية، في حالة التضرر من سياسة الإغراق، وبالتالي فهي تضمن لها مسألة حماية اقتصادها الداخلي، استنادا إلى مبدأ تجنب ممارسة سياسة الإغراق. ذلك وأن نصوص الاتفاقيات الدولية التي تطورت عبر مراحلها، توفر حماية أوسع للدول الأعضاء المتضررة.

    وعليه فإن المساس بمبدأ تجنب ممارسة سياسة الإغراق، من طرف الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، يضرب في الصميم، حرمة وهيبة المنظومة الدولية للتجارة، ويزرع الشك حول فعالية القيم والمبادئ، التي قامت وتطورت على أساسها هذه المنظومة، والتي صادقت عليها الدول الأعضاء نفسها في الاتفاقية.

     كما أن هذا الأمر يتعارض مع الآمال المعقودة، على قيم التجارة الدولية. ودورها في بناء صرح السوق أو الميدان الواحد للتبادل التجاري، وبمعنى آخر جعل الأسواق الدولية سوقا واحدة تحكمها مبادئ وقيم واحدة.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى