في الواجهةمقالات قانونية

تحليل مضامين الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب

تحليل مضامين الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب

بقلم  حـــســنـاء جــعــفــر

                               باحثة في القانون الخاص، وحاصلة على دبلوم     

الماستر المتخصص في شعبة المهن القانونية والقضائية

إن الاحتفال بذكرى ثورة الملك، يشكل احتفالا وتذكيرا لتلاحم الشعب والملك من أجل حماية هذا البلد، والنهوض بأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، وتحريره من كل أنواع الاستبداد والتبعية.

ولما كان لهذه المناسبة من دلالات كبيرة في نفوس المواطنين المغاربة، ألقى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله خطابا ملكيا متميزا ومشخصا لمجموعة من الإشكالات التي يعاني منها المغاربة، وبالخصوص فئة الشباب، إذ يمكن القول أن هذا الخطاب هو خطاب الشباب بامتياز، وموجه إليهم، ذلك أن جلالته أشار إلى مجموعة من المشاكل والعوائق التي يعاني منها الشباب في بلدهم المغرب، ونادى جلالته بضرورة الرفع، أو على الأقل تذليل هذه المشاكل والتخفيف من حدتها، ذلك لعدة اعتبارات أهمها أن الشباب هم ثروة الحقيقية لهذا البلد، وهم من سيملكون مستقبلا مفاتيح القرار ببلدهم، و سيساهمون لا محالة كل من موقعه بتنمية وازدهار هذا البلد.

وقد أكد جلالته على ضرورة وضع قضايا الشباب في صلب النموذج التنموي الجديد، والدعوة لإعداد إستراتيجية مندمجة للشباب، والتفكير في أنجع السبل للنهوض بأحواله.

ومن أبرز المشاكل التي يعاني من الشباب والتي أحاطها جلالته بالاهتمام في خطابه، مشكل البطالة التي تزداد نسبتها في أوساط الشباب، رغم النمو الاقتصادي الذي عرفه المغرب في السنوات الأخيرة، ورغم المجهودات المبذولة، والأوراش الاقتصادية، والبرامج الاجتماعية المفتوحة، إلا أن هذا النمو لم يحقق النتائج المرجوة، ولا يصبو إلى متطلعات فئة عريضة من الشباب، ولا يسد رمق وتعطش الشباب – خصوصا أصحاب الشهادات العليا- إلى إيجاد فرص الشغل، الذي يحفظ له كرامته كمواطن مغربي، حر وفاعل ومنتج في مجتمعه، فالبطالة في تزايد مستمر، وتصيب شابا من بين أربعة.

وفي هذا الإطار أشار جلالته في هذا خطابه إلى معادلة جد مهمة بين الشباب و وطنهم، إذ جاء في نص الخطاب ما يلي: “…. فلا يمكن أن نطلب من شاب القيام بدوره وبواجبه دون تمكينه من الفرص والمؤهلات اللازمة لذلك.  علينا أن نقدم له أشياء ملموسة في التعليم والشغل والصحة وغير ذلك. ولكن قبل كل شيء، يجب أن نفتح أمامه باب الثقة والأمل في المستقبل …فتمكين الشباب من الانخراط في الحياة الاجتماعية والمهنية ليس امتيازا لأن من حق أي مواطن، كيف ما كان الوسط الذي ينتمي إليه، أن يحظى بنفس الفرص والحظوظ من تعليم جيد وشغل كريم..”

من خلال هذه الأسطر يتضح أن الملك محمد السادس أشار إلى معادلة جد مهمة، حتى يمكن الوصول إلى نتيجة ترضي الجميع، هذه المعادلة تتجلى في واجبات الدولة اتجاه مواطنيها وخصوصا الشباب، إذ من غير المعقول مطالبة الشباب بواجباتهم اتجاه بلدهم من دفاع عنه، وحمايته ومشاركة في ازدهاره، في حين أن ذلك الشاب في حد ذاته لا يوفر الحماية لنفسه أولا، ولا يجد حتى كسرة خبز تسد رمق جوعه وتحفظ كرامته. فمن باب الأولوية أن توفر الدولة لمواطنيها سبل العيش الكريم، وتسخر له ضروريات العيش من صحة وتعليم وشغل. فبعد توفير هذه الضرورات حينها فقط يمكن للشاب أن يلتفت ويقوم بواجبه اتجاه وطنه، بعد ضمان هذا الأخير له كافة حقوقه  في العيش الكريم و توفير أساسيات هذا العيش.

وضمان حق الشباب في العيش الكريم لا يتأتى إلا من خلال آلية مهملة، وهي التشغيل، ولخلق فرص الشغل هاته يجب أولا -كما أكد على ذلك جلالته في خطابه- ، إيجاد حل لإشكالية التشغيل في علاقتها بالمنظومة التعليمية، إذ دعا جلالته لضرورة إعادة النظر في النظام التعليمي، وخصوصا الجامعي، حتى لا يستمر في تخريج أفواج من العاطلين، خاصة في بعض الشعب الجامعية، التي يعاني حاملي الشهادات في تخصصاتها من صعوبة قصوى في الاندماج في سوق الشغل. وهو ما يشكل على قول جلالته هدرا صارخ للموارد العمومية، ولطاقات الشباب، ويعرقل مسيرات التنمية، ويؤثر في ظروف عيش العديد من المغاربة. وهو ما يزيد من رغبة الهجرة في أوساط الشباب، وخصوصا هجرة الأدمغة، ولذلك نادى جلالته المقاولات إلى ضرورة الاستعانة بالكفاءات الشابة، والتحفيز على خلق مقاولات ذاتية، ودعا كذلك الحكومة والفاعلين للانكباب على هذه المسألة بشكل جدي، وذلك من خلال مجموعة من المقترحات والحلول، التي تشكل خارطة الطريق نحو الإصلاح، أوردها جلالته كالتالي:

  • القيام بمراجعة شاملة لآليات وبرامج الدعم العمومي لتشغيل الشباب
  • إعطاء الأسبقية للتخصصات التي توفر الشغل، واعتماد نظام ناجع للتوجيه المبكر، سنتين أو ثلاث سنوات قبل الباكالوريا، لمساعدة التلاميذ على الاختيار الصحيح، والمناسب لمؤهلاتهم وميولهم.
  • إعادة النظر بشكل شامل في تخصصات التكوين المهني لجعلها تستجيب لحاجيات المقاولات والقطاع العام، وتواكب التحولات التي تعرفها الصناعات والمهن، بما يتيح للخريجين فرصا أكبر للاندماج المهني.
  • وضع آليات عملية كفيلة بإحداث نقلة نوعية في تحفيز الشباب على خلق المقاولات الصغرى والمتوسطة في مجالات تخصصاتهم، وكذا دعم مبادرات التشغيل الذاتي، وإنشاء المقاولات الاجتماعية.
  • وضع آليات جديدة تمكن من إدماج جزء من القطاع غير المهيكل في القطاع المنظم، عبر تمكين ما يتوفر عليه من طاقات، من تكوين ملائم ومحفز، وتغطية اجتماعية، ودعمها في التشغيل الذاتي، أو خلق المقاولة.
  • وضع برنامج إجباري على مستوى كل مؤسسة، لتأهيل الطلبة والمتدربين في اللغات الأجنبية لمدة من ثلاثة إلى ستة أشهر، وتعزيز إدماج تعليم هذه اللغات في كل مستويات التعليم، وخاصة في تدريس المواد التقنية والعلمية.

وفي ختام هذا الخطاب لم ينسى جلالته التذكير بالقضية الوطنية الأولى، وهي قضية الوحدة الترابية، منوها بمواقف القادة الأفارقة الذين يبدون كل التضامن والتأييد لكل قرارات المملكة المغربية.

خلاص القول أن هذا الخطاب الملكي كما سبقت الإشارة، هو خطاب الشباب بامتياز، وتشخيص لهمومه ومشاكله، التي تتبلور بالأساس، في الثنائية الجدلية للبطالة والتشغيل، هذه الإشكالية التي تشكل صلب اهتمام كل شاب مغربي، وهاجسه من شبح البطالة التي تتزايد أرقامها يوما بعد يوم.

كل هذه المعطيات تجسد تشخيصا للعوائق والصعوبات التي تعترض كل شاب في مسيرته نحو التشغيل، والاندماج الجيد في سوق الشغل.

ولا يسعنا في الأخير إلا أن نتمنى أن يجد هذا الخطاب السامي القوي، صداها لدى الجهات المعنية بالأمر، حتى نكفل لشبابنا العيش الكريم، وحتى ننتج شباب فعال، ومنتج ومساهم في تقدم بلده، وخادما له.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى