تحويل المؤسسات العمومية ذات الطابع التجاري والصناعي الى شركات المساهمة في ضوء القانون-الإطار 21-50 والقانون 20-82.
تحويل المؤسسات العمومية ذات الطابع التجاري والصناعي الى شركات المساهمة في ضوء القانون-الإطار 21-50 والقانون 20-82.
Transformation of commercial and industrial public establishements into the limited companies in the light of the Framework Law 21-50 and Law 20-82.
الباحثة : خديجة بلقسح
باحثة بسلك الدكتوراه مختبر قانون الأعمال، كلية العلوم القانونية والسياسية، جامعة الحسن الأول سطات.
تحت إشراف الدكتور يحيى العلوي
أستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الأول سطات.
الملخص:
يلعب قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية دورا اساسيا في تعزيز دينامية التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا ومركزيا في تنزيل السياسات العمومية وتحرير الاقتصاد و ملائمة قوانينه مع المعايير الدولية، حيث أصبحت هذه الأجهزة رافعة لا يمكن الاستغناء عنها في دينامية التحول الاقتصادي والاجتماعي، حيث يظل العديد من القطاعات رهين بأنشطة هذه المنشآت. حيث يعد أسلوب المؤسسة والمقاولة العامة من الأساليب الفاعلة في تدبير المرافق العامة، لما ينطوي عليه من مرونة كبيرة في تسير النشاط المرفقي، وهو الأسلوب الأنسب في إدارة المرافق العامة الصناعية والتجارية، وبالتالي يجب على الدولة مراقبة هذه الأجهزة. ولأجل ذلك، قامت الدولة بتبني أسلوب القطاع الخاص كإطار قانوني لتحويل المؤسسات العمومية ذات طابع صناعي وتجاري الى شركات المساهمة مع الاحتفاظ بامتيازات القانون العام، وفق القانون-الاطار 21-50 المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، الذي سطر مجموعة من المبادئ والأهداف حتى تتمكن من تحسين أدائها وضمان حسن سير هذا القطاع ومواكبة تطور الأدوار المنوطة به و الاكتفاء بذاته دون أن ننسى ربط المسؤولية بالمحاسبة، وذلك بغية اصلاح شامل وتدبير استراتيجي.
Abstract :
The public establishements sector plays a key role in enhancing the dynamism of our country’s economic and social development and is central in implementing public policies, liberalizing the economy and harmonizing its laws with international standards, as these bodies have become an indispensable lever in the dynamics of economic and social transformation, as many sectors remain hostage to the activities of these establishements. The public establishements is one of the effective methods of managing public utilities, as it involves great flexibility in the conduct of utility activity, and is the most appropriate method in the management of industrial and commercial public utilities, and therefore the state must control these devices. For this reason, the state has adopted the private sector method as a legal framework to transform commercial and industrial public establishements into limited companies while retaining the privileges of public law, according to the framework law 21-50 on the reform of public establishements and enterprises, which established a set of principles and objectives, to improve the performance of these institutions, ensure their autonomy and efficiency, and link responsibility with accountability.
This transformation seeks to achieve a global reform and strategic management of these establishements, aligning them with their new roles in light of economic and social developments.
الكلمات الدالة: المؤسسات العمومية- المقاولات العمومية- شركات المساهمة
Keywords: Public establishements – Public Enterprises – Stock company
مقدمة:
تعتبر المؤسسات العمومية ركيزة أساس في دفع عجلة التنمية الاقتصادية وفي كسب رهانات الحكامة الجيدة، عبر سيادة القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة. فالتطور والتقدم الملموس الذي يشهده المغرب في مختلف المجالات الحيوية، قابله مجموعة من الصعوبات من أبرزها الإدارة العمومية، التي لم تستطع مواكبة متطلبات العصر ومستلزمات التنمية الشاملة بفعل العديد من الاختلالات والأعطاب البنيوية على الرغم من أن هذا القطاع عرف عدة إصلاحات وسجل نجاحات حقيقية، فإن الإشكاليات المرتبطة بحجمه وقيادته الاستراتيجية، وكذا بحكامته وعلاقاته مع الدولة تظل مطروحة.
حيث، شهد قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية ببلادنا إصلاحات هامة خلال السنوات الأخيرة من أجل الدفع بالمسار الإصلاحي نحو إحداث تحولات هيكلية في المؤسسات العمومية، بغية الارتقاء بجودة الخدمات العمومية، المساهمة في رفع الانتعاش الاقتصادي، وسعيا الى تعزيز الفعالية والنجاعة، وضمان المصلحة العامة.
تستند المقاربة المعتمدة في إصلاح المؤسسات العمومية إلى التوجيهات الملكية السامية التي حددت المداخيل الكبرى لإصلاح الإدارة وتحسين أدائها لكي تكون ناجعة ومفتوحة في وجه المواطنين والمقاولات، من خلال مجموعة من المحطات أخرها وأبرزها التوجيهات الملكية الواردة في خطابي العرش وافتتاح الولاية التشريعية للبرلمان لسنة 2020، التي تهدف الى وضع المبادئ والأهداف المؤطرة لإصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية من خلال تقليص وعقلنة نمط اشتغالها، وتغيير الوضع القانوني لبعضها وإحداث وكالة وطنية مهمتها التدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة ومواكبة أداء المؤسسات العمومية.
ولتجاوز هذه الأعطاب، تم تدشين مسار طموح لتحديث ولإعادة هيكلة القطاع العام وفق مبادئ الحكامة الجيدة على مدى خمس سنوات من نشر القانون الإطار رقم 50.21 المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية ، والذي وضع المبادئ والأهداف المؤطِّرة لإصلاح شامل وتدريجي للمنشآت العامة، من خلال تجميعها أو إدماجها أو حلها وتصفيتها، ولتأطير عملية إحداث المؤسسات والمقاولات العمومية الجديدة. بالإضافة إلى ذلك سعى القانون رقم 82.20 إلى إحداث الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية .
يعتبر تحويل المؤسسات والمقاولات العامة ذات الطابع الصناعي والتجاري الى شركات المساهمة من الاصلاحات الاستراتيجية الهادفة الى ارساء تدبير أمثل لقطاع المؤسسات والمنشآت العامة ومواكبة وتهييئ الاصلاحات المتعلقة بعدد من القطاعات الاقتصادية مثل النقل، البريد، الاتصالات، الموانئ و المطارات، كما يهدف الى دعم الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة وتحسين التدبير وتطوير آفاق الانفتاح عل القطاع الخاص .
حيث يرتكز هذا الاصلاح على تحويل المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري الى شركات مساهمة لتجويد حكامتها وإخضاعها لآليات الحكامة والتدبير والشفافية المنصوص عليها في القانون المتعلق بشركات المساهمة ، كما ينص القانون على وضع برنامج لإعادة هيكلة المؤسسات والمقاولات العمومية، من خلال تجميعها أو إدماجها أو حلها وتصفيتها، وتأطير عملية إحداث المؤسسات والمقاولات العمومية الجديدة، ومساهماتها في رأسمال المقاولات الخاصة، وإضفاء دينامية جديدة على القطاع العام، والرفع من نجاعة الرقابة المالية للدولة، وإرساء آليات لضمان الانسجام والتنسيق والتكامل بين مختلف المؤسسات والمقاولات العمومية. كما يروم اعتماد مقاربة تعاقدية بين الدولة وهذه المؤسسات والمقاولات، بهدف الرفع من أدائها، وتحسين حكامتها.
• أهمية الموضوع:
تتجلى أهمية الموضوع الذي تم اقتناءه في مدى استطلاعية المشرع لوضع اطار قانوني متلائم وفعال لتحقيق أهداف الإصلاح الهيكلي للمؤسسات والمقاولات العمومية ورفع تحدي الإنعاش الاقتصادي.
• دوافع اختيار الموضوع:
سبب اختياري لموضوع ” تحويل المؤسسات العمومية ذات الطابع التجاري الى شركات المساهمة على ضوء قانون- الإطار رقم 21-50 و 20-82 ” ليس وليد الصدفة بل راجع أولا الى تجربتي المهنية في مؤسسة عمومية ذات طابع تجاري وصناعي وبالتالي فهي معنية بمقتضيات هذا القانون الاطار الذي يهدف الى تحويلها الى شركة مساهمة، ومن جهة ثانية راجع الى حداثة الموضوع و نذرت الكتابات فيه.
• الدراسات السابقة:
درستنا هاته تعد من بين الدراسات التي تسعى الى تعميق النقاش حول موضوع “تحويل المؤسسات و المقاولات العمومية الى شركات المساهمة”، حيث لا زال تقصير وجفاف بحثي في الموضوع، وذلك راجع لحداثته.
وبالتالي فإن، الاشكالية المركزية لهذه الدراسة تتجلى في خصوصيات تحويل المؤسسات والمقولات العمومية الى شركات المساهمة على ضوء القانون الإطار 21-50؟
وتتفرع عن هذه الاشكالية المركزية، الاشكاليات الفرعية التي تكمن في الآتي:
– ماهي أهم اختلالات و أعطاب المؤسسات و المقولات العمومية ؟
– ماهي التدابير المعتمدة لتصحيح أوجه القصور في منظومة المؤسسات العمومية وفق مقتضيات القانون الاطار 21-50؟
– كيف يساهم تحويل المؤسسات والمقولات العمومية الى شركات المساهمة في تحسين أداء المؤسسات العمومية وحكامتها ؟
بناء على ما تقدم، فإن المؤسسات العمومية الى حد الان مازالت تشهد تحولات واصلاحات معتبرة الهدف منها إخراجها من وضعيتها المالية التي تتخبط فيها وذلك من خلال التساؤل عن خلفيات العجز المالي لهذه المؤسسات وأسبابه، ثم مختلف الآليات المتبناة من طرف القانون الاطار 21-50 لتصحيح مسار هذه المؤسسات وعليه، سنتولى معالجة الموضوع عن طريق تقسيمه الى مبحثين اساسيين:
المبحث الأول: الاختلالات القانونية والبنيوية للمؤسسات والمقاولات العمومية.
المبحث الثاني: دور قواعد القانون الاطار 21-50 في تطوير أداء المؤسسات العمومية.
المبحث الأول: الاختلالات والنقائص القانونية والبنيوية للمؤسسات والمقاولات العمومية.
إن أي اقتصاد لا يمكن بنائه إلا من خلال مؤسساته العمومية، على اعتبار هذه الأخيرة المحرك الأساسي لرفع الحركة الاقتصادية للبلاد، وعليه فإن المؤسسات العمومية في المغرب قد حظيت بعناية كبيرة، وعلى ضوء ذلك فقد شهدت العديد من الاصلاحات عبر مر السنين غرضها السعي من أجل تحسين وضعيتها المالية وكذا مساهمتها في ترقية الاقتصاد الوطني.
مر التطور التاريخي لتأسيس المؤسسات العمومية بالمغرب بعدة مراحل، حيث امتدت المرحل الأولى الى غاية 1944 والتي تميزت بتأسيس العديد من المؤسسات قصد تدعيم التواجد الاستعماري وتمتين قبضته على خيرات البلاد. تم امتدت المرحلة الثانية من سنة 1944 الى 1955 وهي المرحلة الأخيرة لعهد الحماية وتأسست فيها العديد من المؤسسات العمومية. ثم امتدت المرحلة الثالثة من 1955 الى 1973 وهي المرحلة الأولى من الاستقلال، حيث تميزت هذه المرحلة بظهور مجموعة من المؤسسات العمومية غطى نشاطها القطاع المالي والصناعي، ومن أهم النصوص التي صدرت خلال هذه الفترة، يمكن الإشارة إلى النظام الأساسي للوظيفة العمومية بتاريخ 24 فبراير 1958، الذي تضمن قواعد تتولى تنظيم الإدارة العمومية ونشاطها وكيفية عملها، وطرق تعيين الموظفين وما يتمتعون به من حقوق وما يفرض عليهم من واجبات. بينما المرحلة الرابعة كانت بين سنة 1973 و 1977 خلال هذه المرحلة ازدادت عائدات الفوسفاط، مما أدى الى ازدهار إنشاء المؤسسات العمومية حيث كان لها دورا كبيرا في الاقتصاد الوطني .
كما شهدت الادارة المغربية في السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا إثر توسيع وتنوع مجالات عملها وتدخلها، وقد رافق هذا التطور تزايد عدد الهياكل الادارية وكذا تزايد أعداد الموظفين بالإدارات العمومية بالإضافة الى تشعب الأنظمة والتشريعات والمساطر الادارية.
وقد أجمع الخبراء والأكاديميون وهم بصدد تشخيص واقع حال الإدارة العمومية بالمغرب على وجود عدة ثغرات ونقائص، ففي دراسة حكومية بشراكة مع البنك العالمي وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية PNUD تم تعداد النقط التالية: تعقد المساطر الإدارية، ضعف تدبير الموارد البشرية، مساطر مالية بطيئة، توزيع خاطئ للمناصب والكفاءات، نظام مكافأة غير عادل، ضعف نظام المراقبة والتقييم وتدبير إداري تقليدي.
أفضى التطور الإداري بالمغرب إلى إرساء شبكة واسعة من المؤسسات والمقاولات العمومية تتسم بتنوع مجالات وآليات اشتغالها وتعاظم أهميتها الاستراتيجية. إلا أن تسييرها قد شكل عبئا ثقيلا حيث كلف خزينة الدولة مبالغ باهظة بسبب المساعدات التي تقدمها الدولة لها والناجمة عن سوء الإدارة وعدم الرشد في اتخاذ القرارات مما أدى الى أزمة المرفق العام ومشاكله. وقد تفاقم أثر النقائص والاختلالات التي تشوب المرفق العمومي نتيجة تفشي فيروس كورونا “كوفيد 19” حيث أبان هذا الوباء الذي أثر بشكل مباشر على المؤسسات والمقاولات العمومية عن نقط ضعف هيكلية تشوبها.
وحتى نتمكن من الاحاطة بالموضوع سنقف بدأ على الاطار العام للمؤسسات والمقاولات العمومية بالمغرب ثم سنسلط الضوء على أهم النقائص و الاختلالات التي تعوق حسن سير المؤسسات والمقاولات العمومية.
المطلب الأول: الاطار العام للمؤسسات والمقاولات العمومية
خصائص وأوجه الاختلاف بين المؤسسة والمقاولة العمومية
أدى تطور الحياة الإدارية والاقتصادية والاجتماعية، إلى ارتياد الدولة مجالات جديدة وتلبية حاجات عامة عجزت المبادرة الخاصة عن تأمينها وبذلك لم يعد دور الدولة يقتصر على إحداث وتدبير المرافق التقليدية كالأمن والدفاع والقضاء، بل ظهرت مرافق صناعية وتجارية .
وظهرت فكرة المرفق العمومي منذ أواخر القرن 19 عبر سلسلة أحكام مجلس الدولة الفرنسي ومحكمة النزاع الفرنسية، وعلى رأسها الحكم الشهير في قضية بلانكو .
أما في المغرب فقد عرفت المرافق العمومية تطورا كبيرا مر بثلاث مراحل كبرى تبعا لتطور تدخل الدولة في المجال الاقتصادي والاجتماعي. المرحلة الأولى اقتصرت فيها المرافق العمومية على عدد محدود من الأنشطة التي تقوم بها الدولة، وهي الأنشطة السيادية التقليدية التي تمثلت في الأمن، القضاء، والدفاع.
فالمؤسسة العمومية هي تلك الطريقة التي يعهد بموجبها إلى أشخاص معنوية عامة بتسيير المرافق العامة مع تمتع هذه الأشخاص بالاستقلال المالي والإداري. إنها شكل من أشكال اللامركزية الإدارية المرفقية، والمؤسسة العمومية مرفق عام يدار بواسطته منظمة عامة ويتمتع بالشخصية المعنوية التي تكفل له الاستقلال الإداري والمالي تحت وصاية السلطة المركزية ويكون نشاط المؤسسة إما إداريا أو تجاريا أو صناعيا.
والمقاولة العمومية هي شخص من أشخاص القانون الخاص له استقلال مالي وإداري يدير نشاطا صناعيا أو تجاريا ويراقب مثله مثل المؤسسة العمومية من قبل هيئات المراقبة، وتملك الدولة أو المؤسسات العمومية أغلب الأسهم في رأسمال المقاولة العمومية إما على انفراد أو بصفة مشتركة بشكل مباشر أو غير مباشر.
تشترك المؤسسة العامة والمقاولة العامة في كونهما يمتلكان الشخصية المعنوية، وبالتالي استقلال إداري ومالي، ويشتركان في عنصر المصلحة العامة والنفع العام، وان كانت المقاولة تخضع لمنطق الربح، كما يخضع كل منهما للرقابة سواء من طرف الدولة أو الأشخاص المعنوية الأخرى.
فيما تختلف المؤسسة العمومية عن المقاولة العامة في كون أن هذه الأخيرة تمارس نشاط اقتصادي، أما المؤسسة العمومية فتتسم بتعدد أنشطتها، إداري، اجتماعي، مهني. كما أن للمقاولة العامة رأس مال في حين أن المؤسسة العمومية لا تتوفر على رأسمال حيث أن الميزانية تأتي من السلطة المختصة. كما يغلب على المقاولة العامة في تسييرها وتدبيرها قواعد القانون الخاص، في حين أن المؤسسة العمومية يغلب عليها في تسييرها قواعد القانون الإداري.
ويعد أسلوبي المؤسسة العامة والمقاولة العامة من الأساليب الفاعلة في تدبير المرافق العامة، لما ينطوي عليه من مرونة كبيرة في تسيير النشاط المرفقي، ولما يترتب عليه من نتائج مالية في الاستغلال، بحيث يعد الأسلوب الأنسب في إدارة المرافق العامة الصناعية أو التجارية، لذلك عرف انتشارا ملحوظا في العديد من دول العالم بالنظر لفوائده الكثيرة ومردوديته العالية، هكذا اعتمده المغرب في تدبير الكثير من المرافق العامة، حيث ظهرت عدة أنواع من المؤسسات العامة في مختلف القطاعات الإدارية والتجارية والصناعية والمالية والعلمية والاجتماعية، على شكل مكاتب ومراكز وصناديق وطنية ووكالات مستقلة.
تلعب المؤسسات والمقاولات العمومية دورا مهما ومركزيا في تنزيل السياسات العمومية، حيث أصبحت هذه الأجهزة رافعة لا يمكن الاستغناء عنها في دينامية التحول الاقتصادي والاجتماعي. ولأجل مواكبة
تطور الأدوار المنوطة بها صدر القانون الاطار 21-50.
التمييز بين المؤسسات والمقاولات العمومية :
من حيث طبيعة النشاط: المؤسسة العمومية هي مرفق عام يدار بواسطة منظمة عامة ويتمتع بالشخصية المعنوية التي تكفل له الاستقلال الاداري والمالي تحت وصاية السلطة المركزية، ويكون نشاط المؤسسة إما إداريا أو تجاريا أو صناعيا. وبالتالي يمكن تمييز بين المقاولات العمومية والمؤسسات العمومية من حيث نشاطها وذلك باعتبار المقاولة العمومية لها استقلال مالي وإداري وتدير نشاطا تجاريا أ صناعيا، وتخضع للمراقبة من قبل هيئات المراقبة، وتملك الدولة أغلب الأسهم في رأس مال المقاولة العمومية إما على انفراد أو بصفة مشتركة مع شركاء اخرين خواص. والمقاولة لا تنتمي إلى القطاع العام إلا إذا كانت الدولة أو أحد الأشخاص المعنويين يملكون أغلبية رأس المال أي أكثر من 50% .
من حيث النظام القانوني المطبق: فالمؤسسات ذات طابع إداري تخضع لقواعد القانون العام (الاداري)، ولا يطبق عليها القانون الخاص الا نادرا أ في حالة استثنائية، أم المقاولات العمومية فإنها تخضع للقانون العام من الناحية التنظيمية، فإن أغلب أنشطتها تخضع لقواعد القانون الخاص نظرا لخصوصية أنشطتها.
في حين يعتبر أسلوب المقاولة العامة أحد الأساليب التي تلجأ إليها الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة في تدخلاتها الاقتصادية. فالدولة حين تمارس الانتاج والتداول لابد أن تأخذ بالأساليب السائدة في القطاع الخاص الذي ولدت وترعرعت فيه، وهذه المقاولة تستعمل القانون الخاص كإطار قانوني لها ولكنها في نفس الوقت تستفيد من امتيازات القانون العام.
من حيث التسير: إذا كانت أعمال المؤسسة العمومية ذات صبغة إدارية كأعمال الشرطة أو المساعدة الادارية، لا يمكن للخواص إنجازها فهي ذات طبيعة إدارية.
من حيث أنواعها :
– المؤسسات العمومية الادارية:
هي المرافق العمومية الادارية التي يمنحها المشرع الشخصية المعنوية لتتمكن من إدارة شؤونها بنفسها كالجامعات والمستشفيات وتمتعها بحقوق السلطات الادارية العامة وخضوعها لقواعد القانون العان باعتبارها من الاشخاص الادارية العامة.
– المؤسسات العمومية الاقتصادية:
ظهرت نتيجة تطور وظيفة الدولة وتدخلها في مجال النشاط الاقتصادي، حيث تبين فشل ادارة المرفق العمومية الصناعية والتجارية من قبل السلطة الادارية مباشرة، ومن هنا فقد منحت هذه المرافق العمومية الشخصية المعنوية لتستقل بإدارة شؤونها بنفسها، وليتسنى لها اتباع القواعد التي تسير عليها الهيئات الحرة المماثلة. والأصل في المؤسسات العمومية الاقتصادية (الصناعية والتجارية) خضوعها للقانونين العام والخاص.
– المؤسسات العمومية المهنية:
وهي هيئات مهنية تنظم شؤون مهنة معينة أو ممارسة نشاط معين كما هو الشأن بالنسبة لهيئة المحماة، هيئة الصيادلة، العدول، الموثقون، إلخ فهذه الهيئات مثلا مسؤولة من إدارة مرفق عام، وتتمتع في إطار ذلك وفي حدود معينة بامتيازات السلطة العامة لإدارة المرافق العامة التي تسيرها.
– المؤسسات العمومية الاجتماعية:
تقوم هذه المؤسسات بتأدية خدمات اجتماعية، حيث تتولى بنشاطها ومهامها تقديم الخدمات الاجتماعية للمنتفعين، ومن أمثالها الصندوق الوطني لضمان الاجتماعي.
المطلب الثاني: الاختلالات التشريعية والمسطرية التي تواجه المؤسسات والمقاولات العمومية
أقرت العديد من التقارير الوطنية والدولية، على وجود الكثير من الاختلالات والاشكالات بالمؤسسات والمقاولات العمومية التي تؤثر سلبا على أداء وظائفها الأساسية التي أحدثت من أجلها، وذلك نتيجة لمجموعة من الإشكالات والأعطاب الهيكلية العميقة المتراكمة.
وتأسيسا على ذلك، فإن أي تفكير جدي وعقلاني وشامل لإصلاح الإدارة العمومية يجب أن ينطلق من الرجوع إلى الأسباب التأسيسية التي أدت إلى إنتاج هذا الواقع المتسم بتفشي مظاهر الفساد الإداري، بعض هذه الأسباب مرتبط بما هو تشريعي، والبعض الآخر مرتبط بما هو بنيوي، والبعض الأخر تدبيري، والبعض الأخر ما هو أخلاقي دون أن ننسى ما هو مالي كل هذه الاشكالات سنحاول تبيان بعض معالمها من خلال الفقرات التالية:
الاشكالات التشريعية للمؤسسات والمقاولات العمومية :
يعتبر النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية لسنة 1958، هو أول نص قانوني عمل المغرب على اصداره غداة حصوله على الاستقلال في مجال الوظيفة العمومية، في محاولة منه لتجاوز النواقص التي كانت تعرفها الوظيفة العمومية في عهد الحماية الفرنسية، وأيضا بهدف إيجاد حد أدنى من الترابط بين الوضعيات المختلفة للعناصر البشرية العاملة في مختلف الادارات العمومية.
فبقاء النظام الأساسي للوظيفة العمومية كما تم إصداره في فترة الخمسينات، دون تحيينه، وتعديله، لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يساير المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعرفها المغرب، خاصة مع انفتاحه على العالم الخارجي وتوقيعه على مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الطابع التجاري والاستثماري.
فضلا عن الاختلالات العملية في تدبير الموارد البشرية الناجمة عن سوء تطبيق مقتضيات النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، فإن عددا هاما من المبادئ الأساسية التي أرساها هذا النظام والتي يمكن أن تشكل إطارا أساسيا وملائما لتدبير الموارد البشرية، لم يتم إعمالها واستغلالها بالشكل الكافي.
كما أضحت للكفاءة بعداً جديدا في الوقت الحاضر فرضته المتغيرات الاقتصادية والتنظيمية والاجتماعية العالمية والوطنية فقد تم إدراج هذا المفهوم الذي يرتبط بالعنصر البشري في أدبيات الإدارة في أواخر القرن الماضي وبداية القرن الحالي، إذ أصبح من الإشكالات المتعلقة بتدبير الموارد البشرية على مستوي المنظمات من خلال تحديد الكفاءات والقدرات التي تتمتع بها الموارد البشرية ومقارنتها مع الكفاءات الضرورية التي تحقق أهداف الإدارة، وأهميتها في الفكر الإداري ومرجعتيها القانونية في التشريع المغربي وتحديد مستوياتها ومدي أهميتها في تطوير الإدارة العمومية.
الاختلالات المرتبطة بعنصر الموارد البشرية :
يمكن التأكيد على أن إصلاح الادارة العمومية المغربية، يجب أن يبدأ بالعنصر البشري لأنه أساس الإصلاح، فالتكوين الجيد للعنصر البشري لاشك وأنه يساهم وبشكل فعال في تطوير الخدمة داخل الادارة المغربية.
لا يجادل اثنان في واقع التدبير التقليدي للموارد البشرية داخل الإدارات العمومية ومأساة الأطر والكفاءات التي تعاني من التهميش والاستبعاد من ممارسة المهام والمسؤوليات التي تستوجبها النصوص القانونية والتنظيمية وتستلزمها مهام النهوض والرقي بالإدارة العمومية وتعزيز حكامتها. وذلك تماشيا مع المرجعية الوطنية التي تتوخى النهوض بالتنمية والاستثمار في الرأسمال البشري وتنزيل المرتكزات الدستورية المتعلقة بالحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة ومبادئ الاستحقاق والكفاءة. كثيرة هي الاختلالات التي تعتري منظومة تدبير الموارد البشرية والتي لا ترجع ولا تجد مصدرها في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، بل تعود الى تعقيدات ذات طابع عملي ناتجة إما عن تطوير النصوص التنظيمية المنظمة لآليات تدبير الموارد البشرية عن عدم الاجتهاد في تطبيق هذه النصوص أو عن سوء تطبيق بعض الأحكام الواردة في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية .
فلقد ظل نظام تدبير الموارد البشرية يشكل، أحد أهم الاختلالات التي تعاني منه الإدارة العمومية ببلادنا والذي ينعكس على جودة الخدمات المقدمة وعلى أداء الإدارة العمومية ومساهمتها في تحقيق نجاعة السياسات العمومية والتنمية المستدامة. فهو لا يستجيب للتطلعات والطموحات المنتظرة من الإدارة العمومية لمواكبة التحولات والتطورات الكبرى التي تعرفها الدولة والمجتمع في وقتنا الحاضر.
حيث لازال تدبير الموارد البشرية يعتمد آليات تقليدية ومتجاوزة والتي تقتصر فقط على تدبير الجوانب القانونية والموازناتية والتسيير الإداري اليومي، في غياب مناهج التدبير الحديثة التي ترقى بالموارد البشرية إلى مفهوم الرأسمال البشري، باعتباره يشكل رافعة أساسية لتحديث الإدارة العمومية، وبالتالي تأهيلها للمساهمة في تحقيق التنمية الشاملة المرجوة. فالتدبير الحالي للموارد البشرية يسجل قصورا وتقادما، لا من الناحية القانونية الشكلية ولا من الناحية التدبيرية، خصوصا مع ما عرفه المغرب في العقد الأخير من إصلاحات دستورية ومن إرادة سياسية عليا لبناء نموذج تنموي جديد قادر على تحقيق رفاهية المجتمع.
بالإضافة الى تسيير مصالح شؤون الموظفين على مستوى مديريات لتدبير الموارد البشرية، فإن هذا المجال يعاني من غياب رؤية استراتيجية شاملة، ومن أهم محددات أزمة تدبير الموارد البشرية هناك تقادم النص القانوني المؤسس للوظيفة العمومية، ظاهرة التضخم الوظيفي، عدم تحديد المهام بشكل دقيق، وخرق قاعدة الشخص المناسب في الوظيفة المناسبة، وكذا غياب مرجعية واضحة المعالم في مجال معرفة حجم ونوعية الكفاءات والمؤهلات المتوفرة دون أن ننسى النقص الحاد في تتبع المسار لوظيفي للموارد البشرية وتقديمها للدعم والتشجيع على تحسين مستواها الأكاديمي والعملي و كذا عدم الزامية المؤسسات العمومية للدلائل المرجعية للوظيفة العمومية.
وعليه، يمكننا القول بأن الاصلاح الاداري في مجال الموارد البشرية يقتضي عصرنة منظومة التوظيف لجعلها قادرة على تزويد المصالح العمومية بالكفاءات المطلوبة ووفق حاجياتها الحقيقية، من حيث عددها وتكوينها وتوزيعها حسب القطاعات. بعبارة أخرى يجب وضع رؤية للانتقال من تدبير إداري تقليدي للموارد البشرية الى تدبير عصري يقوم على الكفاءات البشرية من أجل تثمين وتحفيز الرصيد البشري وتعبئته لتحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة.
إن هذه الاختلالات ذات الطبيعة القانونية والتدبيرية والسلوكية التي قمنا بالإشارة إليها، ليست وليدة اللحظة بل تم رصدها منذ ما يقرب من أربعة عقود من الزمن، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لم يتم تجاوز كل هذه الأعطاب؟ ولماذا فشلت سياسات إصلاح الإدارة المغربية؟
الاختلالات السياسية :
مما تشكو منه إدارتنا هو افتقار إلى سياسة واضحة المعالم، تتوخى أهداف مسطرة. فالقطاع العام في حاجة الى تأطير وإلى تحديد الدور الذي يجب أن يلعبه ليس كمراقب متشدد ولكن كمسهل موجه لتنمية، فوضع سياسة قويمة في المجال الإداري، لن يتأتى إلا عبر تخطيط محكم مبني على تفكير منهجي سليم.
وضع سياسة في مجال الوظيفة العمومية، يعني وضع تخطيط يأخذ بعين الاعتبار الإمكانات المادية والبشرية المتوفرة، والأهداف المراد تحقيقها على الأمدين المتوسط والبعيد وعلى جميع المستويات والأبعاد: الاقتصادية- الاجتماعية- الثقافية- والسياسية … ومن هذه الزاوية، يمكن حصر هذه الأهداف في المصالح التوفيقية.
الاختلالات المالية (المحفظة العمومية) :
أفضى التطور الإداري بالمغرب إلى إرساء شبكة واسعة من المؤسسات والمقاولات العمومية تتسم بتنوع مجالات وآليات اشتغالها وتعاظم أهميتها الاستراتيجية. ولذلك فقد تواترت محاولات تطويرها بغية تحسين أدائها المالي، عبر برامج متعددة استهدفت تعديل إطارها المؤسساتي وتكييفه مع الديناميات الجديدة للقطاع العام ومع التحديات المتتالية التي فرضت تجديد أدوار الدولة وتطوير حكامة التدبير العمومي. لكن في المقابل، نجم عن هذا التطور تكريس التضخم المؤسسي. هذا التضخم يعكس حالة من “الفوضى التدبيرية”، في ظل عدم تحيين التشريعات المؤطرة لمهام المؤسسات والمقاولات العمومية، وتراخي عمليات تجميعها ، بالإضافة الى تداخل مهام عدة منشآت عامة مع بعضها البعض أو مع البنيات التابعة للقطاعات الوزارية الوصية. ففي عدة حالات، يتم اتخاذ قرار إحداث مؤسسات أو مقاولات عمومية دون تخلي الوزارات المعنية عن اختصاص الوحدات التي تم إنشاؤها مما يؤدي إلى زيادة مستوى التكاليف العمومية .
على المستوى المالي، تتجسد العلاقات بين الدولة والمؤسسات والمقاولات العمومية من خلال التحويلات المتبادلة. فالدولة تمنح للمؤسسات والمقاولات العمومية إمدادات استثمار وتسير. أما التحويلات التي تقوم بها المؤسسات والمقاولات العمومية لفائدة الدولة، فتتمثل في الايرادات المتأتية من الهيات ذات الوظيفة المالية وإيرادات الاحتكار وحصص أرباح ومساهمات المؤسسات العمومية وأرباح المساهمات في شركات المساهمة العمومية والأتاوى برسم استغلال الملك العمومي وكذا إيرادات أخرى.
نظرا لأهميته وتنوع مكوناته، يشكل قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية مكونا مهما في نموذج النمو الاقتصادي والمالي للبلاد، كما يساهم في تعزيز إنجازاته ونتائجه بأبعادها القطاعية والمجالية والدولية. حيث تتكون المحفظة العمومية، حتى متم شهر يوليو 2022 من 271 مؤسسة عمومية تنشط في قطاعات استراتيجية متنوعة للاقتصاد الوطني:
– 227 مؤسسة عمومية؛
– 44 مقاولة عمومية ذات مساهمة مباشرة للخزينة
من المهم تقييم أداء المؤسسات والمقاولات العمومية من أجل ضمان تحقيقها لأهدافها ومساهمتها الفعالة في التنمية. ومن أجل هذه العملية لابد لنا من وضع مؤشرات أداء المؤسسات والمقاولات العمومية التي تمثل مفتاحا حيويا في فحص صحة ونجاح الهياكل الاقتصادية والادارية.
منذ سنة 2000، سجل قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية ارتفاعا مستمرا لمديونيته، فقد بلغ سنة 2015، حجم هذه المديونية 245,8 مليار درهم ما يشكل 25% من الناتج الداخلي الخام,
وبالمقارنة مع سنة 2004، سجل حجم مديونية المؤسسات والمقاولات العمومية ارتفاعا بنسبة 321%، وهو ما قد يشكل مصدر هشاشة للقطاع بأكمله.
ويضح المبيان أسفله تطور مديونية قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية ما بين سنة 2008 و 2015 (بملايير الدراهم).
حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية بالمغرب: العمق الاستراتيجي والحكامة لسنة 2016.
من خلال هذا المبيان أعلاه يتضح وجود اختلالات في حكامة تدبير المؤسسات والمقاولات العمومية وذلك بسبب تفاقم عجزها المالي وارتفاع مديونيتها مما يجعلها في تبعية مستمرة لإعانات الدولة، مما يشكل مصدر هشاشة للقطاع بأكمله وتهديدا للمالية العمومية، واستمرار اعتمادها على الاعانات المالية للدولة.
المبحث الثاني: دور قواعد القانون الاطار 21-50 في تطوير أداء المؤسسات العمومية
لحل أزمة القطاع العام و الرفع من أدائه وتحسين حكامته، فقد تم التفكير في نموذج اقتصادي جديد لمواكبة هذه المؤسسات والمقاولات، وذلك تفعيلا للتوجيهات الملكية السامية المتعلقة بإصلاح القطاع العام ومشروع إنشاء الوكالة الوطنية المسؤولة عن ضمان التدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع أداء المؤسسات والمقاولات العمومية.
الغاية من تحويل المؤسسات العمومية التجارية إلى شركات المساهمة، لا يعني بتاتا خوصصتها، بل إن الغرض الأساسي منه هو تجويد حكامة المؤسسات المعنية وإخضاعها لآليات الحكامة والتدبير والشفافية المنصوص عليها في القانون المتعلق بشركات المساهمة، وكذا تمكينها من آليات تعبئة التمويلات، على سبيل المثال العديد من المؤسسات العمومية التي تم تحويلها إلى شركات مساهمة ولم يؤد ذلك إلى خوصصتها، مثل الشركة الوطنية للنقل واللوجستيك (2007)، والمجمع الشريف للفوسفاط (2008)، وبريد المغرب (2010).
لتجاوز هذه الأعطاب ومعالجة الاختلالات الهيكلية للمؤسسات والمقاولات العمومية، ومراجعة أنظمتها التشريعية والتنظيمية بما يمكِّن من عقلنة تدبيرها وتعزيز دورها في مواكبة الإصلاحات الجاري، تم تدشين مسار طموح لتحديث ولإعادة هيكلة القطاع العام يمتد على مدار خمس سنوات، وفق القانون الاطار رقم 21-50 المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية الذي يشكل إطارا قانونيا مرجعيا وديناميكيا لمواكبة الاجراءات المتخذة من طرف الدولة فيما يتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية وكذا كيفيات تنفيذه.
المطلب الأول: مبادئ القانون الاطار 21-50
وإذا كانت المؤسسات والمقاولات قد ساهمة بشكل كبير في تحقيق الانجازات الكبرى للاقتصاد الوطني، فإن بعضها يعاني من اختلالات هيكلية رصدتها العديد من التقارير الرسمية، مثل تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2016 والتقرير المتعلق بالنموذج التنموي الجديد. وتتجلى على وجه الخصوص في تكاثر المؤسسات والمقاولات العمومية والشركات التابعة لها، وتداخل مهامها، ومحدودية التآزر فيما بينهما، وترتكز التحويلات الى الدولة، وضعف أداء العديد من المؤسسات والمقاولات العمومية التجارية من حيث المردودية وتدني جودة الخدمات التي يقدمها البعض منها.
في هذا السياق، شرعت الدولة في إصلاح عميق لقطاع المؤسسات والمقاولات العمومية بموجب القانون الاطار رقم 21-50 المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية والقانون 20-82 المتعلق بإحداث الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية.
إن رهان تحقيق التحول الاقتصادي والاجتماعي لا يقاس فقط بتوفر كم هائل من الأموال والعناصر البشرية، بقدر ما يتطلب تدبيرا عقلانيا لكل الموارد والعناصر المتدخلة في تشكيل التنمية الشاملة والمندمجة، التي يشارك فيها ويستقيم دون حضور مؤسسات ومقاولات عمومية فعالة وقوية.
وفقا لهذه الرؤية، يهدف القانون الاطار 21-50 لإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية الى القيام بمراجعة جوهرية ومتوازنة لمكونات قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية، من خلال ضمان فعاليته الاقتصادية والاجتماعية، ومعالجة الاختلالات الهيكلية التي تعيق تطوره، وتحقيق أكبر قدر من الانسجام والتكامل في مهامه. كما يروم تعزيز دوره كقاطرة في العديد من القطاعات الاستراتيجية، وكفاعل محوري لتنفيذ السياسات العمومية، وذلك وفق مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
يحاول القانون الاطار 21-50 أن يقدم إجابات مهمة عن مجموعة من المشاكل المتراكمة والاختلالات البنيوية المرتبطة بالتدبير الاستراتيجي للقطاع، والتي حدت بشكل كبير من تطوره، وهي مرتبطة بالاعتماد الكلي على الدولة، وغياب تكامل قطاعي، وتداخل الاختصاصات بين أثر من مؤسسة ومقاولة عمومية، وغياب الحكامة والفعالية والتقييم وربط المسؤولية بالمحاسبة في تدبير شؤونها، وكذا ارتفاع مديونية جل هذه المؤسسات.
تفرض التحديات المطروحة على المؤسسات والمقاولات العمومية بعد صدور القانون الاطار، طرح مجموعة من التساؤلات الجوهرية من قبيل: كيف يمكن الرفع من فعالية ونجاعة أدائها؟ ماهي مداخل الاصلاح المعتمدة في إصلاح وإعادة هيكلة المؤسسات والمقاولات العمومية؟ وكيف سيتم تدبير عملية الاصلاح؟
ومن أجل ضمان التوفق في تنزيل مشروع الاصلاح، حدد القانون الاطار 21-50 مجموعة من الأهداف الرئيسية ، منها على الخصوص :
– تدعيم الدور الاستراتيجي للمؤسسات والمقاولات العمومية في تنفيذ السياسات العمومية والاستراتيجية القطاعية للدولة؛
– إعادة تحديد حجم القطاع العام وترشيد النفقات العمومية، بالإضافة الى تثمين أصول المؤسسات والمقاولات العمومية مع إعادة تركيز أنشطتها على مهامها الأساسية؛
– تعزيز استقلالية المؤسسات والمقاولات العمومية وتعزيز مسؤولية أجهزة إدارتها وتسييرها وتحسين حكامتها وفعالية المراقبة المالية للدولة بتوجيهها نحو تقييم الأداء والوقاية من المخاطر؛
– وقد حدد القانون الاطار كذلك المبادئ التي ستتم مراعاتها في تنزيل إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، خاصة استمرارية المرفق العمومي وربط المسؤولية بالمحاسبة والحفاظ على استقلالية المؤسسات والمقاولات العمومية والمنافسة الحرة والتنافسية وحماية الحقوق المكتسبة والتعاقد والتدبير المرتكز على النتائج والتدرج في تنزيل الاصلاح واشتراك القطاعات المعنية في تنفيذ عمليات إعادة هيكلة المؤسسات والمقاولات العمومية.
ومن أجل تحقيق الأهداف الرئيسية التي سبق ذكرها، ستتخذ الدولة بموجب القانون الاطار مجموعة من الاجراءات فيما يخص إعادة هيكلة وحكامة ومراقبة المؤسسات والمقاولات العمومية. وتهم هذه العمليات ما يلي:
– تجميع/دمج المؤسسات العمومية ؛
من أجل ترشيد التكاليف المالية للمؤسسات والمقاولات العمومية وكذا تعزيز نجاعتها وعقلنة طرق تسييرها، ستعمل الدولة على تجميع المؤسسات العمومية التي تمارس مهام مماثلة أو متقاربة أ متكاملة كما ستعمل على دمج المقاولات التي تمارس نشاطها في نفس القطاع. هذا الادماج لا يحول دون خوصصة المقاولات العمومية كلما ثبتت مردوديته عللى الاقتصاد الوطني، وذلك وفق نظام الخوصصة.
– تحويل المؤسسات العمومية التي تمارس نشاطا تجاريا الى شركات المساهمة ؛
طبقا للفصول 16 و 17 و 18 من القانون 21-50، ستعمل الدولة على تحويل كل مؤسسة عمومية ذات نشاط تجاري الى شركة مساهمة يتولى تسييرها مجلس ادارة يتولى رئاسته مدير عام كلما دعت الضرورة لذلك, يتم بعد ذلك فتح رأسمالها تدريجيا أمام القطاع الخاص، وتروم هذه العملية لرفع من نجاعة هذه المؤسسات وتحسين حكامتها وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص.
– تصفية وحل بعض الهيئات التي أصبحت مهامها متجاوزة أو تعاني من عجز مالي هيكلي ؛
قيام الدولة على احداث هيئة مهمتها العمل على حل وتصفية كل مؤسسة أو مقاولة عمومية تتوفر فيها الشروط المنصوص عليها في الفصلين 10 و 11 من القانون الاطار 50-21، وكذلك التي أصبحت مهامها متجاوزة أو لم يعد هناك مبرر للإبقاء عليها، وستتخذ الدولة كافة التدابير اللازمة لإنجاح هذه العملية.
المطلب الثاني: الدور المحوري للوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي في تتبع وتقييم نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية
سعى القانون رقم 20-80 القاضي بإحداث الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمة الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية، والذي يعد أحد الركائز الأساسية لإصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية.
يشكل احداث الوكالة الوطنية دعامة اساسية لورش إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية ستمكن من تركيز القيادة والاشراف الاستراتيجي لمساهمات الدولة بهدف تحسين قيادتها ومواكبة أدائها من حيث خلق الثروة وتعزيز ربحية رؤوس الأموال المستثمرة، وذلك في أفق تشجيع بروز نماذج قطاعية فعالة ومبتكرة قادرة على منح الاقتصاد الوطني القدرة على النمو والتنافسية على المدى البعيد وانبثاق نسيج من الشركات الصغرى والمتوسطة الرائدة والقادرة على خلق قيمة مضافة محلية موجهة نحو التصدير.
حيث يتضمن القانون مجموعة من التدابير التشريعية والمؤسساتية من أجل عقلنة تدبير المحفظة العمومية. وقد تم تحديد دور وحكامة الوكالة من خلال المقتضيات الواردة في القانون الاطار والتي تتمثل في:
وضع استراتيجية مساهماتية للدولة توضح الأهداف والنتائج المنتظرة من المحفظة العمومية
تعد السياسة المساهماتية للدولة أحد العناصر الأساسية لإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية. يقصد بتعبير “السياسة المساهماتية” حسب القانون 20-82، السياسة التي تعكس التوجهات الاستراتيجية والأهداف العامة لمساهمات الدولة، ودورها في حكامة المؤسسات والمقاولات العمومية، والطريقة التي تنفذ بها هذه السياسة.
كما كرست المادة 50 من القانون − الإطار رقم 50.21 المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية هذا التعريف فنصت على: “تحرص الدولة على أن تكون لديها سياسة مساهماتية تعكس التوجهات الاستراتيجية والأهداف العامة لمساهمات الدولة، ودورها في حكامة المؤسسات والمقاولات العمومية، والطريقة التي تنفذ بها هذه السياسة.”
تتم المصادقة على التوجهات الاستراتيجية للسياسة المساهماتية للدولة في المجلس الوزاراي وفقا لأحكام المادة 49 من الدستور.
طبقا للتوجهات الاستراتيجية والأهداف العامة لمساهمات الدولة، تقترح الوكالة الوطنية مشروع السياسة المساهماتية للدولة على السلطة الحكومية المكلفة بالمالية، التي تحيله لاستطلاع رأي هيئة التشاور، المنصوص عليها في المادة 22 من القانون 82.20.
ويصادق على مشروع السياسة المساهماتية للدولة في المجلس الحكومي طبقا لأحكام المادة 92 من الدستور.
تتم صياغة عملية السياسة المساهماتية للدولة على الحو الآتي :
– يتم التداول بشأن التوجيهات الاستراتيجية للسياسة المساهماتية في المجلس الوزاري؛
– اقتراح من الوكالة الوطنية، تتولى السلطة الحكومية المكلفة بالمالية إعداد مشروع السياسة المساهماتية للدولة، طبقا للتوجهات الاستراتيجية والاهداف العامة لمساهمات الدولة، بعد استطلاع رأي هيئة التشاور؛
– تتم المصادقة على مشروع السياسة المساهماتية للدولة في مجلس الحكومة؛
– يتم تفصيل في مخطط السياسة المساهماتية للدولة خطة عمل يصادق عليه المجلس الإداري للوكالة الوطنية؛
– يتم تحيين مشروع السياسة المساهماتية للدولة، كلما اقتضت الحاجة، حسب نفس الكيفيات.
– إصلاح نظام الخوصصة الذي سيمكن من تحديث وتأهيل المنظومة الحالية وبالتالي من تحسين القيام بالعمليات المتعلقة برأس المال وتعزيز تخلي الدولة عن الأنشطة التنافسية؛
– إصلاح منظومة الحكامة والمراقبة المالية للدولة على المؤسسات والمقاولات العمومية؛
– وضع تدابير تشريعية و/ أو تنظيمية تحدد شروط وكيفيات تعيين ممثلي الدولة، من غير السلطات الحكومية، وكذا الأعضاء والمتصرفين المستقلين في حظيرة الأجهزة التداولية للمؤسسات والمقاولات العمومية؛
– مواكبة الوكالة الوطنية لعمليات إعادة هيكلة المؤسسات والمقاولات العمومية المنصوص عليها في القانون-الاطار.
كما يجدر الاشارة بأن القانون 20-82 قد أناط بالوكالة الوطنية المسؤوليات التالية:
– تمثل الدولة- المساهمة في جمعيات المساهمين والأجهزة التداولية واللجان المختصصة؛
– تحضر اجتماعات الأجهزة التداولية؛
– تسهر على ارساء ممارسات الحكامة الجيدة في المؤسسات والمقاولات العمومية المدرجة في نطاق تدخلها؛
– تتولى تنسيق موقف المتصرفين الذين يمثلون الدولة، من غير السلطات الحكومية، في أجهزة حكامة المقاولات العمومية؛
– تسهر على تتبع تنفيذ القرارات المتخذة والتوصيات الصادرة عن الأجهزة التداولية؛
– تمنح موافقة مسبقة على مقترحات تعيين المتصرفين المستقلين ضمن المؤسسات والشركات العمومية.
التزويد برؤية استراتيجية قصد ترشيد المؤسسات والمقاولات العمومية:
تحديد دور قطاع المقاولات العمومية ومكانته في الاقتصاد الوطني وأشكال الحكامة و المراقبة ومردودية المحفظة العمومية وكذا تحويلا ت الدولة للقطاع أو العكس؛
قيادة المحفظة العمومية ومراقبتها مع الأخذ بعين الاعتبار، بشكل دائم، التناسق بين البرامج التي تنجزها المؤسسات و المقاولات العمومية و السياسات العمومية المحددة من لدن الدولة بشأن هذا القطاع.
حصر حجم المحفظة العمومية تبعا لاستراتيجية ترشيد المؤسسات والمقاولات العمومية:
تصنيف المؤسسات و المقاولات العمومية وفق مقاربة دينامية الى ثالث فئات:
– المؤسسات و المقاولات العمومية التي يجب الحفاظ عليها تحت مراقبة الدولة؛
– المؤسسات و المقاولات العمومية التي يمكن أن تتطور في إطار شراكة مع القطاع الخاص؛
– المؤسسات و المقاولات العمومية غير القابلة للاستمرار والتي يتعين حلها أو تصفيتها.
وتفاديا لتشتيت المجهودات بين عدد كبير من الوحدات المتباينة والمتباعدة، يتعين تحليل المخطط التنظيمي لتركيز تدخل الدولة في عدد ملائم من المجموعات العمومية. كما يجب القيام بدراسات تروم حصر نطاق حجم المحفظة العمومية وتحديد التدابير المثالي التي يجب اعتمادها من قبيل عمليات الاندماج أو إعادة التجميع أو الانسحاب أو التفويت أو التصفية… .
يمكن تحسين المحفظة العمومية وفقا للكيفيات التالية:
الانسحاب بشكل تدريجي من المساهمات المباشرة التي تمتلك فيها الدولة حصة أقلية وإلحاقها في مرحلة أولى بمجموعة عمومية قائمة، علما بأن هذه المساهمات نادرا ما تتسم بالطابع الاستراتيجي كما أنها لا تدر أي أرباح للخزينة؛
اللجوء في مرحلة ثانية إلى تفويت هذه المساهمات المباشرة ذات حصة أقلية لفائدة القطاع الخاص كلما بدا ذلك ضروريا؛
القيام بعمليات تحويل بين المؤسسات و المقاولات العمومية للحد من وجود العديد من المقاولات العمومية التي تمارس نفس النشاط وعلى نطاق نفس المجال الترابي في بعض الأحيان؛
تفعيل مسطرة حل المقاولات العمومية التي أوقفت نشاطها وذلك بإحداث آلية قانونية بشأن حلول الدولة أو الجماعات الترابية أو المساهم العمومي المعني محل المقاولات المعنية في الديون والقروض والالتزامات؛
يجب أن يصاحب كل مشروع إحداث منشاة عمومية جديدة خطة أعمال تبرز مدى القيمة المضافة من إحداثها ولاسيما على مستوى نظام أجور الرأسمال البشري والتوزيع الأمثل للموارد العمومية وتحسين عائدات المحفظة العمومية وكذلك المردودية الاقتصادية والمالية للمشروع وآثاره الاجتماعية.
قامت الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة من إنجاز من الأوراش ذات الأولوية منذ انعقاد مجلس إدارتها الأول في دجنبر 2022 في إطار مقاربة تشاركية بتنسيق مع جميع الشركاء المعنيين. وتتمثل هذه الانجازات في:
– إعداد مشروع السياسة المساهماتية للدولة؛
– تحسين حكامة المؤسسات والمقتولات العمومية؛
– عمليات إعادة هيكلة بعض المؤسسات العمومية في إطار تحويلها الى شركات مساهمة؛
– إعادة تموقع بعض المؤسسات والمقاولات العمومية تماشيا مع استراتيجية الدولة؛
– ارساء اليات جديدة لتدبير استراتيجي فعال.
خاتمة:
بناء على ما سبق، فإن المؤسسات والمقاولات العمومية تشكل إحدى المؤسسات التي تعبر عن إدارة الدولة في تنزيل وتفعيل سياستها، وتعمل هذه المؤسسات في إطار القانون الداخلي كل حسب نوعية هذه المؤسسات سواء كان طبيعة نشاطها ( إداري، اقتصادي، اجتماعي، مهني) من جهة، أو كانت مقاولات عمومية ذات الصفة (الوطنية، المحلية، الاقتصاد المختلط) أو غيرها … بحيث تتدخل في قطاعات استراتيجية ومتنوعة للاقتصاد المغربي وتساهم بشكل كبير في السياسات العمومية والاستراتيجية القطاعية، كما تعد فاعلا رئيسيا ضمن النموذج التنموي للبلاد نظرا لتعدد مجالات تدخلها ولدورها في توفير الخدمات العمومية للمواطنين والمقاولات وتنفيذ المشاريع المهيكلة وتعزيز البنيات التحتية وإعداد التراب الوطني، بالإضافة الى مساهمتها في تقليص من الفوارق الاجتماعية والمجالية، والانفتاح على صعيد الدولي وتشجيع الاستثمار العام والخاص في مختلف القطاعات.
وقد حددت الدولة المغربية شروط ومبادئ تأسيس المؤسسات والمقاولات العمومية، وقننتها وفق النصوص التشريعية الجاري بها العمل حسب طبيعة الخدمة التي تقدمها، وعلى هذا الأساس فالطريقة التي تحدث أو تنشأ بها هي نفسها التي يتم إلغاؤها، ومن خلال الواقع العملي تبين مجموعة من الأعطاب التي تعاني منها المؤسسات والمقاولات العمومية كارتفاع عدد المؤسسات والمقاولات العمومية مع مرور السنوات، وارتفاع حجم المديونية ناهيك عن الأعطاب التي لها علاقة بالجانب المادي لتلك المؤسسات والمقاولات العمومية.
عموما، فإن المؤسسات والمقاولات العمومية لازالت تعرف تقهقرا على مستوى فعالية نجاعتها، الأمر الذي يفرض بلورة أسس جديدة لتقوية الآليات المتحكمة في تدبيرها لبلوغ الأهداف المسطرة والرفع من انتاجيته، وتجاوز التحديات التي تصادفها في مسار التحول الاقتصادي والاجتماعي. فالنظر للدور الحاسم الذي تضطلع به المؤسسات والمقاولات العمومية، بالإضافة الى التحديات الاستراتيجية المرتبطة بطبيعة تدخلاتها، فقد تعددت التدابير المتخذة من طرف السلطات العمومية لإعادة هيكلة وإصلاح هذه الهيئات كإصدار القانون الاطار رقم 21-50 المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، وذلك بهدف ضمان ديمومة نماذجها وتحسين حكامتها والرفع من نجاعة أداءها وتدخلاتها. وأخيرا عقلنة إنشاءها لكي لا تشكل ثقلا حقيقيا على مالية الدولة واستنزاف بشكل كبير.
المراجع المعتمدة:
– القانون – الإطار رقم 50.21 المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.21.89 بتاريخ 15 من ذي الحجة 1442 (26 يوليو 2021) ؛
– القانون رقم 82.20 القاضي بإحداث الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.21.96 بتاريخ 15 من ذي الحجة 1442 (26 يوليو 2021( ؛
– القانون رقم 17-95 المتعلق بشركات المساهمة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف 1.96.124 صادر في 14 من ربيع الآخر 1417 (30 أغسطس 1996)؛
– المرسوم رقم 2.22.796 الصادر في 4 رجب 1444 (26 يناير2023) المتعلق بتأليف هيئة التشاور حول السياسة المساهماتية للدولة وكيفيات سيرها ؛
– المرسوم رقم 2.24.1090 صادر في 17 من جمادى الآخرة 1446 (19 ديسمبر2024) بالمصادقة على السياسة المساهماتية للدولة؛
– المرسوم رقم 2.22.581 والذي يحدد شروط وكيفيات تعيين ممثلي الدولة في الأجهزة التداولية للمؤسسات والمقاولات العمومية، والصادر بالجريدة الرسمية بتاريخ 20 فبراير 2023؛
– مذكرة تقديمية لمشروع القانون-الإطار رقم 21-50، وزارة الاقتصاد و المالية؛
– تقرير مشروع قانون المالية لسنة 2023 حول المؤسسات والمقاولات العمومية؛
– تقرير حول المؤسسات والمقاولات العمومية بالمغرب: العمق الاستراتيجي والحكامة-خلاصة- يونيو 2016؛
– محمد الأعرج، الوظيفة الإدارية الجزء الأول النشاط الإداري، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، العدد 148، 2023؛
– عادل الوزاني العواد، شركات المساهمة العامة “دراسة في مفهوم الدولة ونظام المساهمات العمومية وفق آخر المستجدات التشريعية وتوجهات القضاء المغربي والمقارن” الطبعة الأولى 2022؛
– عبدالحق عقلة، القانون الاداري، نشاط الادارة ووسائلها، الجزء الثاني، 2017؛
– عبد الرفيع زعنون، ورقة سياسية المؤسسات والمقاولات العمومية بالمغرب: اصلاح أم تفكيك منهجي؟ المعهد المغربي لتحليل السياسات، 2023؛
– يونس الشامخي، التنظيم الاداري المغربي في ضوء المستجدات الدستورية والقانونية والقضائية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، العدد 143، الطبعة الأولى 2022؛
– عرض حول المؤسسات العمومية والمقاولات العمومية، جامعة محمد الخامس، تحت اشراف الدكتور نصير مكاوي، السنة الجامعية 2023/2024؛
– عرض السيد وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة حول مشروع القانون-الاطار رقم 21-50 المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية- الجلسة العامة بمجلس المستشارين- 13 يوليوز 2021؛
– عرض حول تدبير مالية المؤسسات العمومية، تحت اشراف الأستاذ عمر العسري، 2023؛
– مقال الطالبة الباحثة كوثر رغوي بسلك الدكتوراه قانون عام بجامعة محمد الخامس-سلا- “الأسباب الكامنة وراء تأزم الادارة العمومية”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 154 شتنبر- أكتوبر 2020؛
– مقال الطالب الباحث سفيان مشرف، مختبر الإنتقال الديموقراطي، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والسياسية سطات- “تشخيص الوضعية الحديثة للإدارة العمومية بالمغرب”، مجلة المنظومة، المجلد الثاني، العدد الأول- يونيو 2022؛
– مقال الطالب الباحث نورالدين قربال، المجلة المغربية للسياسات العمومية، “الحكامة والمؤسسات العمومية” ص 164-172، العدد 14- 2015؛
– مقال الباحث رضوان زهرو تحث عنوان “حكامة المالية العمومية بالمغرب: دينامية الاصلاح ورهان التحديث”، مجلة مسالك في الفكر والسياسة والاقتصاد- 2023؛
– مقال الباحث فوزي أشن “إشكالية تدبير الموارد البشرية في سياق النموذج التنموي الجديد” المنشور بالجريدة الالكترونية بناصا بتاريخ 24 يوليو 2020؛
– مقال “قراءة في القانون-الاطار رقم 21-50 المتعلق بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية”، يوسف ايت عمرو المنشور بمجلة القانون والأعمال الدولية بتاريخ 30 سبتمبر 2021؛