تراجع القطاع السياحي بفعل فيروس كورونا وفاعلية القانون 30-20 في تقويم هذا التراجع
” تراجع القطاع السياحي بفعل فيروس كورونا وفاعلية القانون 30-20 في تقويم هذا التراجع “
عبد العاطي العيشي طالب باحث بسلك الدكتوراه في القانون المدني جامعة محمد الخامس كلية الحقوق سويسي الرباط
مقدمة:
لطالما شكلت الأوبئة عائقا في حياة الإنسان يحتاج إلى حيز زمني من أجل التغلب عليها، هو ما أكده فيروس كورونا بشكل واضح، حيث ترتب على اعتباره وباء عالمي بموجب قرار منظمة الصحة العالمية بالنظر إلى انتشاره في كل بقاع العالم التأثير على مختلف مجالات الحياة وليس فقط الالتزامات التعاقدية سواء على المستوى الوطني أو الدولي.
كما أن هذا المساس شمل حتى بعض الالتزامات التعاقدية ذات الطابع الحيوي التي لها ارتباط وثيق مع اقتصاديات الدول ومساهم فعلي داخلها كما هو الحال مع العقد السياحي، هذا الأخير والذي هو ذلك العقد المركب المتكون من مجموعة من الروابط التعاقدية التي تتم بين السائح باعتباره الطرف غير المحترف والضعيف الذي من المفترض حمايته، وطرف مهني محترف لقطاع السياحة حينما تتسم هذه الأخيرة بطابع صناعي أو ما يسمى بالصناعة السياحية،[1] وهو مما لا شك فيه أن العقد السياحي أصبح يحتل مكانة مرموقة في اقتصاديات الدول بالنظر إلى طابعه الحيوي كما أنه أداة أساسية يرتكز عليها قطاع السياحة باعتباره المظهر المهم والخارجي لهذا النشاط الحيوي.
غير أنه وبفعل الظرفية الحالية التي يعرفها العالم جراء الانتشار المتزايد لوباء كورونا، نجد هذا القطاع تضرر بشكل كبير وذلك ما نلمسه من خلال إلغاء العديد من العقود المرتبطة بالجانب السياحي كما هو الحال مع عقد الفندقة، وعقود وكالات الأسفار، والسبب في ذلك يعود إلى القرارات التي اتخذتها مختلف الدول بفرض حالة الطوارئ بما ترتب عنه تعطيل جميع الرحلات الجوية والبحرية في ما يخص السياحة الدولية، بالإضافة إلى تعطيل السياحة الداخلية،[2] ورغم التخفيف من وطأة الحجر الصحي صرحت مديرية الدراسات والتوقعات المالية أن نسبة هذا التراجع وصلت إلى %53,8 أي ما يقارب خسارة بقيمة 42,4 مليار درهم بما يشكل مساسا بالاقتصاد الوطني ككل.
وفي إطار إصدار المشرع المغربي للقانون 30-20 فإنه من حقنا أن نطرح تساؤلا حول” الحماية التي أقرها المشرع من خلال هذا القانون للسائح والمؤسسات السياحية من تأثير فيروس كورونا؟ وأي فعالية لهذا القانون في تقويم لتراجع الذي يعرفه القطاع؟
وللإجابة على هذه التساؤلات لابد من تقسيم الموضوع إلى محورين أساسيين، نخصص الأول إلى تأثير فيروس كورونا على المؤسسات السياحية وكذا إمكانية تقويم هذا التراجع، على أن نخصص المحور الثاني لتأثيرها على السائح.
المحور الأول: تأثير وباء كورونا على سير المؤسسات السياحية
تعتبر المؤسسات السياحية الأكثر تضررا بفعل جائحة كورونا، هذا إلى جانب الاقتصاد الوطني، وذلك بالنظر إلى الظرفية الحساسة التي عرفت اتخاذ مجموعة من التدابير قصد التصدي إلى تداعيات الفيروس التاجي، كما أن منظمة السياحة الدولية[3] تؤكد أن نسبة الضرر في هذا القطاع قد تصل أو تتجاوز 80% ، وبالتالي فإنه لابد من البحث عن مظاهر هذا التأثر، تم السبل الكفيلة بالتخفيف من ذلك أي فعالية القانون 30-20 في تقويم هذا التراجع في المغرب.
أولا: مظاهر تأثر المؤسسات السياحية بفيروس كورونا
عقب تعليق المغرب لجميع الرحلات الجوية والبحرية إلى أراضيه ضمن الإجراءات الوقائية للحد من انتشار فيروس كورونا، بات قطاع السياحة الأكثر ضررا، حيث من المتوقع أن يسجل المغرب خسائر تقدر بحوالي 50 مليار درهم على مستوى رقم معاملاته،[4] ولعل هذا التأثير يكون مضاعفا خصوصا على مستوى المؤسسات السياحية بما في ذلك وكالات الأسفار وكذا المؤسسات الفندقية،[5] ويعزى ذلك إلى تراجع عدد السياح الوافدين بحوالي 70% حيث أغلقت معظم المؤسسات السياحية بما في ذلك وكالات الأسفار والفنادق والمطاعم أبوابها، حيث يقدر هذا الإغلاق الشبه كلي الذي قارب 90% وما يلاحظ هو بقاء 520 مؤسسة مفتوحة من أصل 3989، ولعل هذا ما أدى إلى تراجع العائدات السياحية بما يؤكد أن قطاع السياحة من أكثر القطاعات تضررا وأن الخروج من الأزمة قد يستغرق وقتا طويلا، حيث ورغم التخفيف من إجراءات الحجر الصحي فإن التراجع لا يزال مستمرا في ظل صعوبة إعادة الحركية لهذا القطاع.
وإذا كانت الجهة المسئولة عن القطاع أكدت على ضرورة استئناف النشاط السياحي بشكل تدريجي مع نوع من الحذر لأجل التخفيف من الآثار السلبية خصوصا على المؤسسات السياحية، وكذلك العاملين في هذا القطاع بعد الرفع التدريجي للحجر الصحي، على اعتبار أنه يشغل قرابة 2،5 مليون صانع بما يمثل 20% من الساكنة النشيطة التي تضاف إلى المؤسسات المتضررة،[6] وبالتالي فإن المؤسسات السياحية المتضررة لم تقف عند حد وكالات الأسفار أو المؤسسات الفندقية بل تجاوزت ذلك وصولا إلى فئة عريضة من المجتمع التي تشتغل بهذا القطاع، إلى جانب الصناعة التقليدية التي بدورها تعد مرتبطة أساسا بقطاع السياحة.
وإذا كانت وكالات الأسفار حسب القانون 31.96 المعتبر بمثابة النظام الأساسي لوكالات الأسفار[7] في مادته الأولى التي نصت على “أنه يعتبر وكيلا للأسفار كل شخص طبيعي أو معنوي يزاول بصورة اعتيادية قصد الحصول على ربح الأعمال التالية أو يساعد على القيام بها باستثناء أي عمل آخر:
- تنظيم الأسفار والمقامات الفردية أو الجماعية أو بيع منتجات هذا العمل؛
- تنظيم خدمات يمكن القيام بها بمناسبة أسفار أو مقامات ولاسيم حجز وتسليم سندات النقل والإيجار ووسائل النقل لحساب زبنائه، وحجز غرف بمؤسسات الإيواء السياحي وتسليم سندات الإيواء أو الإطعام أو هما معا؛
- تقديم خدمات مرتبطة باستقبال السياح ولاسيم تنظيم الرحلات، وزيارات المدن أو المواقع أو المآثر التاريخية، وخدمة المرشد والمرافقين السياحيين؛
- إنتاج أو بيع الخدمات السياحية ذات السعر الإجمالي، وانجاز العمليات المرتبطة بتنظيم المؤتمرات أو التظاهرات المماثلة، وكذا الأنشطة السياحية المرتبطة بالرياضة والقنص وصيد الأسماك والصعود إلى الجبال والتظاهرات الفنية والثقافية، إذا كانت جميع هذه العمليات تشمل مجموع أو بعض الخدمات المنصوص عليها في الفقرات الثلاث من المادة الأولى”.
من خلال المادة أعلاه يتبين لنا حجم الأعمال المنوطة بوكيل الأسفار والتي تضررت جراء القرارات المتخذة من قبل الدولة خصوصا بعد فرض حالة الطوارئ الصحية في جل بلدان العالم وإغلاق المجالين الجوي والبحري، حيث أن هذا التأثير شمل حتى الرحلات الدينية من حج وعمرة بعدما تم إلغائها هذه السنة مما عمق من حجم معانات المؤسسات العاملة في القطاع السياحي ناهيك عن اقتصاديات الدول مما يصبح معه دعم القطاع أمر ضروري للتخفيف من الأزمة.[8]
ولابد من التأكيد على أن هذا التأثير لم يقتصر على وكالات الأسفار بل شمل حتى المؤسسات الفندقية، ولعل هذا يظهر بشكل جلي سواء من خلال إلغاء الحجوزات المبرمة قبل حالة الطوارئ الصحية، أو المقرر تنفيذها خلال هذه الفترة، وبالتالي تأثر عقود الفندقة التي تشكل اتفاق يلتزم بمقتضاه الفندقي تجاه المسافر أو السائح بإيجار وحراسة وديعته في مقابل التزام هذا الأخير بأداء النفقات أو المقابل المالي.[9]
إن المؤسسات الفندقية اليوم وأمام إغلاق المجالين الجوي والبحري، وكذلك منع السياحة الداخلية، فإنها تأثرت بشكل كبير خصوصا أنها تشغل فئة عريضة من المجتمع، حيث أن العديد من المؤسسات الفندقية لم تعد تقوى على مواجهة تداعيات الأزمة ما دفعها إلى تسريح عدد كبير من العمال والمستخدمين أو إعطائهم إجازات مدفوعة الأجر، كما أن بعض المؤسسات الأخرى اضطرت إلى إغلاق أبوابها حتى إشعار أخر.[10]
وفي ظل كل هته الإكراهات فإن المؤسسات الفندقية أكدت على روح المبادرة والتضامن، حيث وبتنسيق مع السلطات المحلية تم منح عدد كبير من هذه المؤسسات من أجل إيواء الأطقم الطبية التي تكافح من أجل مواجهة هذا الوباء وذلك بغرض تسهيل مهمتها وضمان قربها إلى المستشفيات، كما أن هذا الإيواء شمل حتى الأشخاص المخالطين الذين لا تظهر عليهم أعراض المرض قصد التخفيف على مستشفيات وضمان إستمراريتها في تقديم الرعاية الضرورية للمصابين.
ثانيا: دور القانون30-20 في تجاوز تأثيرات فيروس كورونا على المؤسسات السياحية
إذا كانت عودة القطاع السياحي إلى نشاطه الطبيعي بعد رفع الحجر الصحي الذي أملته جائحة كورونا شريطة أن تتم هذه العملية بسلام وأمان، وهذا لن يتأتى إلا من خلال تضافر المجهودات حسب تصريح رئيس الحكومة في اجتماع له بتاريخ 19 يونيو 2020.
ورغم دعوته إلى دعم هذا فإن ذلك لن يكون بالشيء السهل على اعتبار أن المغرب لا يزال في تماس حقيقي مع الفيروس التاجي هذا ناهيك عن تعليق الرحلات مرة أخرى مع العديد من الدول بفعل ظهور سلالات جديدة من الفيروس التاجي، وبالتالي فإنه العمل على التخفيف من تداعيات هذه الأزمة يصعب أكثر خصوصا وأن هناك العديد من العقود التي توقف تنفيذها بفعل فيروس كورونا، لعل هذا كان كافيا من أجل تدخل المشرع المغربي قصد سن أحكام خاصة تتلاءم وطبيعة هذا المجال وكذا الظرفية التي تمر منها البلاد وهو ما يظهر لنا من خلال إصدار القانون 20.30[11] ورغم مجموع الإشكالات التي أثارها هذا القانون، لكنه يبقى طوق النجاة بالنسبة إلى المؤسسات السياحية سواء وكالات الأسفار أو المؤسسات الفندقية أو غيرها من العاملين في القطاع، حيث أن هذا القانون خصص الباب الثاني لأحكام تخص العقود المقرر تنفيذها خلال الفترة الممتدة من فاتح مارس 2020 إلى غاية رفع حالة الطوارئ الصحية وذلك في المادتين 4 و 5.
وإذا كان ما يعاب على المشرع المغربي تركيزه على الجانب الاقتصادي والذي لا يعتبر من المسائل الجديدة في النظام القانوني المغربي، وإنما هي مسألة متأصلة مند مرحلة الحماية كما هو الحال مع ظهير 11 يناير 1932 المتعلق بتنظيم المساكن المفروشة للإيجار، طالما أن الهدف الأساسي في هذا القانون كان جبائي بالدرجة الأولى وكذلك متعلق بالأمن،[12] ومنه فإن تغليب الطابع الاقتصادي في هذا المجال ليس بالشيء الجديد، لكن قد يكون له ما يبرره خصوصا حجم الضرر الذي تعرضت له هذه المؤسسات السياحية خلال هذه الفترة.
ولعل الملاحظة الأساسية على هذا التدخل التشريعي قصد التخفيف من تداعيات فيروس كورونا على القطاع تتمثل في تغليب مصلحة مقدمي الخدمات السياحية لدرجة تدعنا نقول أن هذا القانون غايته الأساسية هي حماية مقدمي الخدمات الذي تم تحديدهم في المادة الأولى من هذا القانون، كما أنه عمل على توسيع مجال تطبيقه ليشمل ما يلي:
- عقود وكالات الأسفار؛
- عقود المقامات السياحية؛
- عقود النقل الجوي للمسافرين؛
وبالتالي فإن محاولة جمع شتات هذه العقود التي كانت منظمة في نصوص قانونية متفرقة، خصوصا في ظل الظرفية الحالة ولما لها من انعكاسات سلبية.[13]
ولعل من بين المقتضيات التي تعتبر في صالح المؤسسات السياحية، ولو على حساب السائح تظهر لنا من خلال مضامين هذا القانون خصوصا عندما نلاحظ أن المشرع المغربي خول لمقدمي الخدمات السياحية سواء تعلق الأمر بشركات النقل الجوي للسياح أو وكالات الأسفار، إمكانية اقتراح “وصل الدين” يستعمل وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 10 من هذا القانون،[14] مما يحول دون إرجاع المبالغ المؤدات برسم العقد الذي سيتم فسخه، ومن تم فإن هذا الاقتراح الذي جاء به المشرع إن كان قد يتنافى مع بعض القواعد العامة في مجال التعاقد المنظمة داخل ق ل م حيث أن هذا القانون وسع من طرق التبليغ التي تثبت التوصل داخل الأجل المحدد قانونا.
وإذا كان الهاجس الأساسي للمشرع المغربي هو السماح لمقدمي الخدمات السياحية بنوع من المرونة استرداد ما تم خسارته خلال فترة الحجر الصحي بالنظر إلى الآثار السلبية التي ترتبت على المساس بهذا القطاع وما له من حيوية وارتباط بالاقتصاد الوطني.
ومن جهة أخرى فإن مبلغ الدين المنصوص عليه في المادتين 5 و 7 من القانون 30-20 جعلها المشرع لا تتعدى مجموع المبالغ التي قدمها الزبون برسم العقد المفسوخ، كما أن أحقية السائح الزبون في المطالبة بالتعويض أو استرجاع المبالغ المؤدات برسم العقد المفسوخ تم التضييق منها حيث أصبحت مرتبطة بالاقتراح المنصوص عليه في المادة 12 من القانون أعلاه والتي جاء فيها:
“يكون الاقتراح المنصوص عليه في المادة 10 أعلاه، صالح لمدة خمسة عشر (15) شهرا ابتداء من تاريخ تقديم هذا الاقتراح للزبون.
غير أنه بالنسبة إلى خدمات الأسفار المرتبطة بالعمرة، فإن مدة صلاحية الاقتراح المقدم إلى الزبون تحدد في تسعة (9) أشهر ابتداء من تاريخ تقديم هذا الاقتراح إليه”.
يتبين من خلال المادة أعلاه الكيفية التي يحاول بها المشرع المغربي تدبير الأزمة بالنسبة للمؤسسات السياحية، وذلك على حساب السائح الذي يعتبر الطرف الضعيف في هذه العلاقة التعاقدية، حيث يمكن هذا القانون مقدمي الخدمات السياحية من أجل ثلاث أشهر لتقديم الاقتراح المنصوص عليه في المادة 10 وهو المتعلق بالخدمة الجديدة ابتداء من تاريخ رفع حالة الطوارئ الصحية، أو من تاريخ تبليغ العقد باستثناء عقود النقل الجوي للمسافرين المحدد في 15 يوما، وكلا التمديدات في صالح مقدمي الخدمات السياحية دون السائح الزبون مما يكرس للهاجس الاقتصادي في هذا القانون.[15]
إذا كانت الغاية المعلن عنها من وراء إصدار القانون 30-20 في ظل الظرفية الاستثنائية التي تشهدها البلاد، والتي هي حماية المؤسسات السياحية بالنظر إلى الدور التي تلعبه في تحريك عجلة الاقتصاد وكذلك بالنظر إلى حجم تأثر هذه المؤسسات، ولعل ذلك ما كان وراء اقتراح تشجيع السياحة الداخلية التي قد تكون بمثابة حل جزئي يخفف من التداعيات السلبية لفيروس كورونا على هذا القطاع، وذلك من خلال الإشهار والترويج وكذا خلق مخططات سياسية تتلاءم وخصوصية السائح المغربي والتوزيع الأفضل بين الجهات.
المحور الثاني: تأثير فيروس كورونا على التزامات السائح
يعتبر السائح الأكثر تعرضا للمخاطر والأضرار في العقد السياحي باعتباره الطرف الضعيف، خصوصا خلال هذه الأزمة العالمية التي لها آثار مادية متمثلة في ضياع مبالغ المؤدات لتنفيذ العقود قبل إعلان حالة الطوارئ الصحية في جل بلدان العالم هو ما ساهم في عدم تنفيذها بما في ذلك الرحلات الجوية التي منها ما تم تنفيذه جزئيا حيث فرضت مجموع الإجراءات المتخذة على بعض السياح البقاء في أمكنة تواجدهم بعيدا عن منازلهم وعائلاتهم مما ضاعف من حجم الضرر ليتحول إلى ضرر نفسي كذلك.
وإذا كان الواقع حتم تفادي كل الأضرار والمخاطر التي يحتمل أن يتعرض لها السائح أو على الأقل التقليص من انعكاساتها، مما جعل التشريعات الحديثة تلقي على عاتق المهني محترف المجال السياحي مجموعة من الالتزامات خلال مرحلة تنفيذ العقد، وذلك قصد تحقيق نوع من التوازن بين طرفي العلاقة التعاقدية والوقوف إلى جانب السائح باعتباره الطرف الضعيف في هذه الرابطة التعاقدية وهو المتمثل في ضرورة تنفيذ هذا العقد بحسن نية إلى جانب بعض الالتزامات الأخرى التي قد تمكن من ذلك في الحالة العادية،[16] لكننا اليوم أمام أوضاع استثنائية يخرج فيها العقد عن إرادة الطرفين من حيث تنفيذه بالنظر القرارات المتخذة.
وإذا كنا فيما سبق تحدثنا عن تأثير أزمة كورونا على المؤسسات السياحية وما تسببت فيه لها من أضرار فإن السائح بدوره لم يسلم من الأضرار مما يحتم علينا البحث عن المسؤول عنها خصوصا بالنسبة للذين علقوا خارج أوطانهم، وأي حماية تشريعية للسائح؟ وكذلك البحث عن مصير العقود السياحية المبرمة قبل أزمة كورونا والمقرر تنفيذها فيما بعد أو خلال فترة الطوارئ الصحية؟
أولا: حدود تحمل المؤسسات السياحية للمسؤولية عن عدم تنفيذ العقود خلال أزمة كورونا
إذا كان أساس المسؤولية بين المؤسسات السياحية والسائح ناجمة عن عدم تنفيذ الالتزامات التعاقدية المتفق عليها، هو العقد المبرم بين الطرفين مما يجعل منها مسؤولية عقدية فإنه وفي إطار القواعد العامة لكي يدفع الشخص المسؤولية عنه لابد من إثبات السبب الأجنبي الذي ينفي العلاقة السببية، وذلك بما يثبت أن الضرر يعزى لسبب أجنبي لا يد له فيه، وذلك مثل القوة القاهرة أو الحادث الفجائي، وكذلك خطأ الغير، مما يعفيه من تعويض المتضرر.[17]
وإذا كانت المؤسسات السياحية يمكنها أن تثبت السبب الأجنبي للتحلل من المسؤولية في مواجهة السائح خصوصا في ظل هذه الظرفية الحالية التي يعرفها العالم أجمع، والتي تعزى إلى فيروس كورونا، فإذا كان السبب الأجنبي الذي يعفي من المسؤولية يتمثل في الحادث الفجائي أو القوة القاهرة،[18] كما قد يكون ناتج عن فعل الغير.
وإذا كان ينتج عن الحادث الفجائي أو القوة القاهرة استحالة التنفيذ مما يساهم في انقضاء الالتزام كلما توفرت شروطهما، فإنه بالعودة إلى الطبيعة القانونية لوباء كورونا نجد هناك اختلاف بين الباحثين يجد مصدره في الآثار المترتبة عنه بين الحالة التي تكون فيها الاستحالة كلية، والحالة التي تكون جزئية. حيث في حالة كانت الاستحالة كلية (استحالة تنفيذ العقد السياحي) فإننا نكون أمام قوة قاهرة وبالتالي لا مجال للقول بمسؤولية المؤسسات السياحية عن عدم تنفيذ الالتزامات التعاقدية، وطالما أن الضرر الذي قد يتعرض له السائح راجع إلى التدابير المتخذة من قبل جميع بلدان العالم بقصد التصدي لتفشي وباء كوفيد-19 وحماية الصالح العام، فإن ذلك يخرج عن إرادة طرفي العقد السياحي مما قد يكون دافعا وراء نفي المسؤولية عن المؤسسات السياحية، بالنظر إلى استحالة تنفيذ هدا الالتزام التعاقدي وأن تداعيات الجائحة لم تسلم منه حتى هذه المؤسسات وما له من انعكاسات سلبية على سيرها العادي والطبيعي.
وإذا كنا نقول بعدم تحميل المسؤولية على عاتق المؤسسات السياحية، فإن ذلك يطرح تساؤلا مهما حول مستقبل العقود السياحية المبرمة قبل أزمة كورونا والتي قد يتعذر تنفيذها؟
ثانيا: مصير العقود السياحية المبرمة قبل أزمة كورونا
إذا كان الهدف الأساسي من هذه العقود هو تنفيذها، فإن ذلك تأثر بفعل تداعيات فيروس كورونا وبالتالي أصبح السائح يبحث عن الطرق التي يمكن أن يسلكها من أجل تنفيذ العقد أو استرجاع المبالغ المؤدات طالما أن التنفيذ قد يستحيل على طرفي العقد، فإن الإشكال يبقى حول مصير المبالغ المؤدات ومدى أحقية السائح في استرجاعها.[19]
وبالرجوع إلى التدخل التشريعي من أجل التخفيف من هذه الأزمة على العقود السياحية، وذلك من خلال القانون 30.20 نجد المشرع أشار إلى العقود التي كان من المقرر تنفيذها خلال فترة الطوارئ أو بعدها كما جاء في مقتضيات المادة الثالثة من القانون أعلاه والتي جاء في مضامينها:
” تطبق أحكام الباب الثاني أدناه على العقود المقرر تنفيذها خلال الفترة الممتدة من فاتح مارس 2020 إلى غاية تاريخ رفع حالة الطوارئ الصحية.
تطبق أحكام الباب الثالث أدناه على العقود المقرر تنفيذها خلال الفترة الممتدة من اليوم الموالي لتاريخ رفع حالة الطوارئ الصحية إلى غاية 30 سبتمبر 2020″.
وبالتالي فإنه من خلال مقتضيات هذه المادة، يتبين أن المشرع حدد أحكاما تخص كل العقود سواء تلك المقرر تنفيذها خلال حالة الطوارئ الصحية، كما تضمن ذلك الباب الثاني في المادتين الرابعة والخامسة أما العقود المقرر تنفيذها بعد رفع حالة الطوارئ الصحية إلى غاية 30 سبتمبر 2020 فهي المنصوص عليها ضمن الباب الثالث في المادتين السادسة والسابعة، حيث تم من خلال هادين البابين تحديد الطريقة التي يمكن من خلالها للسائح استرجاع المبالغ المؤدات من أجل تنفيذ العقد المفسوخ وذلك عن طريق اقتراح وصل بدين حسب ما جاء في المادتين 5 و 7 من القانون أعلاه والتي لا يجب أن تتعدى مجموع المبالغ التي قدمها الزبون برسم العقد المفسوخ، لكن ذلك مرتبط بانقضاء صلاحية الاقتراح المنصوص عليه في المادة 12 من نفس القانون.[20]
وتجدر الإشارة أن المشرع لم يقف عند حد فسخ العقود وإرجاع المبالغ المؤدات عن طريق اقتراح الوصل بدين، بل أنه بالرجوع إلى مقتضيات المادة 10 نجدها تضمنت خدمة جديدة ابتداء من رفع حالة الطوارئ الصحية وذلك شريطة أن يتوفر في هذه الخدمة ثلاث شروط أساسية تضمنتهم المادة أعلاه والمتمثلة في:
- يجب أن تكون الخدمة مماثلة أو معادلة للخدمة المنصوص عليها في العقد المفسوخ؛
- يجب ألا يكون سعر الخدمة أعلى من سعر الخدمة المنصوص عليها في العقد المفسوخ؛[21]
- يجب أن لا يترتب على الخدمة الجديدة أي زيادة في السعر.
وبالتالي فإنه بمجرد توفر هذه الشروط يمكن للمؤسسة السياحية أن تقدم الخدمة الجديدة التي عبارة عن عقد جديد، لكن هذا الاقتراح مقترن بأجل أقصاه ثلاث أشهر ابتداء من تاريخ رفع حالة الطوارئ الصحية، أو ابتداء من تاريخ فسخ العقد، وبالتالي فإن ما يعاب على هذا القانون هو قصور الحماية على المؤسسات السياحة وإغفالها للسائح لعل ذلك ما قد يساهم في استمرار التراجع على مستوى هذا القطاع.
خاتمة :
إن انتشار فيروس كورونا وما تلاه من إجراءات احترازية طارئة ومشددة في كل بلدان العالم والمغرب على وجه الخصوص، هو ما جعل منه حدثا استثنائيا من شأنه أن يغير الالتزام التعاقدي وإن لم يصبح العقد السياحي مستحيل التنفيذ، فإنه أصبح مرهقا للمدين أي المؤسسات السياحية ويهددها بخسارة فادحة مما يقتضي التدخل إلى جانب هذه المؤسسات وحمايتها من الناحية القانونية، لعل ذلك هو مجال تطبيق القانون 30-20 الذي حاول من خلاله المشرع التخفيف من تأثير فيروس كورونا على هذا القطاع.
ويبقى من الضروري الإشارة أن القانون أعلاه لم يشكل أدنى درجات الحماية للسائح المتضرر، بل ساهم فقط في محاولة إعادة بناء القطاع السياحي المتضرر، لكن ذلك يبقى قاصر ما لم يشمل فئة السائح باعتبارها طرف أساسي ومحوري في هذه العلاقة.
إن الاهتمام بفئة دون الأخرى في القانون 30-20 يؤكد مرة أخرى على أن الاهتمام من قبل المشرع في هذه العقود الاقتصادي محض من دون الحماية القانونية للمستهلك السائح، كما أن الدعم لم يتوقف عند حد القانون 30.20 بل تعداه إلى دعم مادي مقدم لفائدة المؤسسات السياحية المتضررة عقب الاجتماع المنعقد يوم 21 أكتوبر 2020 والذي أسفر عن توقيع مذكرة تفاهم بين الوزارة المعنية ومجموعة Club Med لدعم الاستثمار في هذا القطاع بعد التضرر الكبير الذي لحقه والعمل على إحداث ثورة سياحية جديدة قد تكون هي الحل في إعادة عجلت القطاع وتحريك الاقتصاد الوطني بالنظر إلى الدور المحوري الذي يلعبه قطاع السياحة على كل الأصعدة.
[1] عبد الرحمان الشرقاوي: العقد السياحي، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 2012، ص21
[2] Muriel grisot, Jérôme Pichonnier : Les effets de la crise du Covid-19 sur le secteur du tourisme, observatoire de l’économie du tourisme, Avril 2020, N1.
[3] تقييم تفشي فيروس كوفيد 19- على السياحة الدولية، منظمة السياحة الدولية، مجلة UNWTO في 05 مارس 2020.
[4] إلهام الطالبي: فيروس كورونا يضرب قطاع السياحة بالمغرب، مجلة INDEPENDENTبالعربية، الأحد 22 مارس2020.
[5] Mounia Belkacem : l’impact du coronavirus sur le secteur du tourisme, http://www.Call Alwayer.fr 20Avril2020.
[6] كلمة السيدة وزيرة قطاع السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي نادية فتاح، في المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 19 يونيو 2020، موقع وزارة السياحة.
[7] القانون 31.96 المعدل والمتمم بالقانون 11.16 المتعلق بتنظيم مهنة وكيل الأسفار، الجريدة الرسمية عدد 6746 بتاريخ 17 جمادى الأولى 1440 (14يناير2019) ص203.
[8] Ali Abjiou : coronavirus- ayants de voyage focus sur le marché national, édition N:5720, Economie.com, le 17/03/2020.
[9] عبد الرحمان الشرقاوي: العقد السياحي، مرجع سابق، ص25.
[10] تصريح محمد الصوتي، رئيس الجمعية الجهوية للصناعة الفندقية، موقع بتاريخ 25/03/2020.www.le360.ma
[11] الظهير الشريف رقم 1.20.63 الصادر في 5شوال1441 (28ماي2029) بتنفيذ القانون 30.20 بسن أحكام خاصة تتعلق بعقود الأسفار والمقامات السياحية وعقود النقل الجوي للمسافرين، الجريدة الرسمية عدد 6887- 9شوال1441 (فاتح يونيو 2020).
[12] عبد الرحمان الشرقاوي: حدود تأثر العقود بفيروس كورونا المستجد –العقد السياحي نمودجا- منتدى كلية الحقوق سويسي.
[13] بالرجوع للمادة الثانية من القانون من 30.20 نجدها تنص على ما يلي:
“يسري هذا القانون على عقود الأسفار والمقامات السياحية وعقود النقل الجوي للمسافرين المقرر تنفيذها خلال الفترة الممتدة من فاتح مارس إلى غاية 30 سبتمبر 2020 والتي يتعلق موضوعها بالخدمات المقدمة في إطار ممارسة الأنشطة المنصوص عليها في:
أ) القانون رقم 31.96 المتعلق بالنظام الأساسي لوكالات الأسفار؛
ب) القانون رقم 61.00 بمثابة النظام الأساسي للمؤسسات السياحية؛
ج) الظهير الشريف رقم 1.63.260 بتاريخ 24 من جمادى الآخرة 1383 (12 نوفمبر 1963) بشأن النقل بواسطة السيارات عبر الطرق والنصوص المتخذة لتطبيقه؛
د) القانون رقم 40.13 المتعلق بالطيران المدني.
تستثنى من نطاق تطبيق هذا القانون العقود المتعلقة بالخدمات المقدمة إلى الحجاج المتوجهين إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج”.
[14] بالرجوع إلى مقتضيات هذه المادة 10 يظهر لنا أن المشرع إلى جانب الوصل بالدين يمكن اقتراح خدمة جديدة تحل محل العقد المفسوخ إذا توفرت شروط ذلك حسب نفس المادة أعلاه.
[15] للتوسع أكثر يمكن الرجوع إلى مقتضيات المادة 11 من القانون 30.20 المتعلق بسن أحكام خاصة تتعلق بعقود الأسفار والمقامات السياحية وعقود النقل الجوي للمسافرين.
[16] عبد الرحمان الشرقاوي: العقد السياحي، مرجع سابق، ص210.
[17] عبد الرحمان الشرقاوي: المرجع السابق، ص280.
[18] وهو ما تناوله المشرع المغربي في الفصل 268 من ق ل ع الذي جاء فيه: “لا محل لأي تعويض، إذا أثبت المدين أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخير فيه ناشئ عن سبب لا يمكن أن يعزى إلية، كالقوة القاهرة، أو الحادث الفجائي أو مطل الدائن”.
[19] Thomas peter : coronavirus et tourisme, quels sont les droits du voyageur ? Paris-Match, publié le14/03/2020 à 08H16.
[20] جاء في المادة 12 من القانون 30.20 أنه:
“يكون الاقتراح المنصوص عليه في المادة 10 أعلاه، صالحا لمدة 15 عشر شهرا ابتداء من تاريخ تقديم هذا الاقتراح إلى الزبون.
غير أنه بالنسبة إلى خدمات الأسفار المرتبطة بالعمرة، فإن مدة صلاحية الاقتراح المقدم إلى الزبون تحدد في تسعة (9) أشهر ابتداء من تاريخ تقديم هذا الاقتراح إليه”.
[21] حسب ما جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 10 فإنه في حالة طلب الزبون لخدمة يختلف سعرها عن سعر الخدمة موضوع العقد
المفسوخ، فإن السعر الواجب دفعه برسم الخدمة الجديدة يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مبلغ وصل الدين.