تطور الأصل التجاري
النقيب عبد اللطيف اعمو
محام بهيئة اكادير
لم يكن الأصل التجاري معروفا في النظام التشريعي الفقهي والقضائي المغربي قبل دجنبر1914، لا كفكرة تتكون من وحدة عدد من العناصر تكون قيمة اقتصادية ولها مرجعية فقهية أو قانونية، ولا كواقع عملي معاش في المعاملات بين الناس.
ولقد تبلورت فكرة الأصل التجاري بمعناها الاقتصادي عبر تطور العلاقات التجارية داخل المجتمعات وبين الدول وبروز مختلف علاقات الاقتراض من خلال انظمة مالية متعددة، فكان من الضروري التخلي عن القواعد التقليدية للرهن الحيازي كضمانة بين الدائنين الممولين والعاملين التجار وغيرهم.
وهكذا ظهرت في أول وهلة بأوروبا فكرة احتفاظ الممولين بالمحلات التجارية والحرفية وأدوات العمل والتجهيزات التي توضع رهن اشارة التجار والصناع لاستغلالها، وتخصيص جزء من مردوديتها لاداء القروض الممنوحة لهم(1).
ثم تطور الامر إلى نظام رهن الاصل التجاري كنظام خاص يتميز عن فكرة الرهونات الحيازية العامة المنصوص عليها في القوانين المدنية.
فظهرت في التشريع الفرنسي فكرة ” الأصل التجاري” بمناسبة صدور الصياغة الجديدة للقانون التجاري لسنة 28 ماي 1838، ويطلق عليه كذلك اسم الذي ” الأصل الدكاني ” Fonds de Boutique” الذي لا يعني سوى البضائع والالات ” العناصر المادية ” باصطلاحه اليوم (2).
اما ظهور فكرة الأصل التجاري بصيغها لعصرية المتكاملة كمجموعة عناصر مادية ومعنوية تكون كلا مجتمعا لها مرجعية قانونية وقيمة اقتصادية قابلة للتداول بالبيع والرهن والنقل كحصة في الشركة، فلم تظهر بفرنسا بشكل جلي وواضح ومقنن الا بصدور قانون 17 مارس1909، هذا القانون الذي نقل منه ظهير 31 دجنبر1914 المطبق في المغرب استجابة لما أحدثته الأنظمة التشريعية الجديدة التي غيرت من الطابع التقليدي للتشريع المغربي، فأدخلت المغرب في تحول شامل نحو العصرنة والتحديث في المعاملات التجارية.
الا ان هذا الظهير رغم ما يحمله من نظام دقيق للاصل التجاري في كل ما يتعلق بالعقود التي ترد عليه من بيع وتحويل ورهن وامتيازات البائع وحماية الدائنين المقيدين ومختلف المساطر والاجراءات المتعلقة بالتصرفات الواردة عليه، فانه يبقى مع ذلك ناقصا لكونه لم يأت بأي تعريف للاصل التجاري ولم يحدد العناصر الاساسية والحاسمة في تكوينه سواء منها المادية أو المعنوية.
ورغم وجود تشريعات مستقلة لها تاثير على الأصل التجاري لم لها من ارتباط بالعناصر المادية كالظهير المنظم لرهن الادوات واليات التجهيز (3)، والظهير المنظم للملكية الصناعية (4)، والظهير المنظم للسجل التجاري (5)، والظهير المنظم للكراء التجاري (6)، فان بقاء ظهير دجنبر 1914 على حالته جعل الاجتهاد القضائي يتخذ أبعادا مختلفة في الاحاطة بمفاهيم الأصل التجاري ومختلف الاشكاليات التي تثار حوله.
وان صدور مدونة القانون التجاري الجديد التي كان من بين أهدافها جمع كل النصوص المبعثرة للقانون التجاري وتدقيق المفاهيم الغامضة في اتجاه عصرنة التشريع وفي افق تفعيل العمل القضائي كأداة لتطوير التشريع وتوحيد تطبيقه.
فان ما جاءت به هذه المدونة في كتابها الثاني الخاص بالاصل التجاري توخى ذلك بكل وضوح وسيكون من نتائجه اعادة النظر في كثير من الاتجاهات السائدة وكذلك رفع الغموض وتوضيح اكثر لكل العناصر المكونة للاصل التجاري وأهميته وطبيعته.
قبل صدور مدونة التجارة بمقتضى القانون رقم 15- 95 الصادر بتنفيذه ظهير فاتح غشت 96 كانت اغلب، ان لم نقل، كل القوانين الخاصة المنظمة للاصل التجاري تنحصر فيما جاء به ظهير31 دجنبر 1914 من احكام،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) عبد اللطيف مشبال ” الأصل التجاري في التشريع المغربي” منشور بالمجلة المغربية للقانون، عدد15 ، سنة1987، ص252.
2) Hamel, lacarde et jaufferet.
3) ظهير 22 يونيو1996.
4) ظهير23 يونيو1996.
5) ظهير11 ماي1925 وظهير 11 شتنبر1926.
6) ظهير22 ماي1915
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكلها احكام اجرائية تخص في بعض العقود التي ترد على الأصل التجاري، وامتياز البائع وحقوق الدائنين المقيدين على الأصل التجاري ودعوى الفسخ، وتقديم الأصل التجاري حصة في شركة، ورهن الأصل التجاري، ومسطرة البيع الإجباري، واجراءات التقييد، وتوزيع الثمن..
بينما بقيت احكام الموضوع خاضعة إلى اجتهاد القضاة وأراء الفقه انطلاقا من القواعد العامة للقانون المدني وفي بعض الاحيان حتى القانون العقاري.
فجاءت مدونة التجارة لتسد هذا الفراغ بإضافة بعض القواعد الموضوعية الواردة في الفصول 79- 80 و81 واضافة احكام تتعلق بالتسيير الحر في الفصول 152 وما بعده منها.
ونظرا لاهمية القواعد الموضوعية التي اضافتها هذه المدونة في الفصول المشار إليها أعلاه، فانه من المناسب تناولها في الفقرات التالية :
- معالم ومميزات الأصل التجاري.
- II. تكوين الأصل التجاري.
III. اهمية العناصر المعنوية في تكوين الأصل التجاري.
- الصبغة التجارية للاصل التجاري.
- الخاتمة.
- I. معالم ومميزات الأصل التجاري.
- اول ضابط موضوعي سيساهم بدون شك في ضبط احكام وقواعد الأصل التجاري بشكل يغاير ما كان عليه الوضع حتى الان هو التعريف الذي جاءت به المدونة في الفصل 79 للاصل التجاري بقولها : “الأصل التجاري مال منقول معنوي يشمل ( مكون من constituer ) جميع الاموال المنقولة المخصصة لممارسة نشاط تجاري أو عدة أنشطة تجارية”.
لقد ثبت من خلال تطبيق احكام ظهير دجنبر1914، ان عدم وجود تعريف للاصل التجاري واكتفاء الظهير بتعداد العناصر المادية والمعنوية المكونة له دون اعطاء تعريف موضوعي، أدى إلى صعوبات كثيرة على المستوى العملي لا في تحديد ماهية الأصل التجاري ولا في تحديد مكوناته الاساسية ولا في تشخيصه كمجموعة من الاموال، وكمال معنوي، الشيء الذي نتج عنه اضطراب كبير وتداخل في تحديد عناصره الاساسية.
ولا شك ان هذا التعريف سيسمح بقدر كبير على تحديد ضوابط تتعلق بطبيعة الأصل التجاري وشروط وجوده.
– مال منقول
فالتاكيد على ان الأصل التجاري يعتبر مال منقول يضع حدا لكل رابطة كيفما كان نوعها بين الأصل التجاري والاحكام التي لها علاقة بالعقار.
ويشخص هذا بوضوح رغبة المشرع في وضع قانون خاص للاصل التجاري يستهدف احاطته بنفس الاهداف التي بررت وضع قانون خاص للعقارات إلى درجة نوع من التماثل بينهما، بحيث ان الامتياز الخاص ببائع الأصل التجاري يشبه الامتياز الخاص ببائع العقار، كما ان رهن الأصل التجاري يشبه رهن العقار مع فوارق في النتائج.
واعتبار الأصل التجاري مال منقول، يجعله ينسجم مع مميزات اخرى يتسم بها كمجموعة اموال أو وحدة اجمالية.
كما ان هذه السمة تنسجم ايضا مع وصف الأصل التجاري بأنه مال معنوي لان هذه الصفة لا تكون الا لمنقول.
وبذلك فان الأصل التجاري لا يمكن ان يخضع بأي حال من الاحوال إلى مقتضيات احكام وضوابط القانون العقاري.
– مال معنوي
السمة المعنوية للاصل التجاري أصبحت هي الاخرى أمرا قطعيا بنص المدونة، سواء اعتبر الأصل التجاري كمجموعة أموال أو اعتبر كمال منقول، وهو ما يترتب عنه :
- ان الأصل التجاري لا يخضع إلى احكام مقتضيات الفصول 454- 457 و458 من ق ل ع، هذه الفصول التي تنظم
حيازة المنقول وما يترتب عنها من حق الملكية(7).
- لا تكتسب ملكية الأصل التجاري بالتقادم(8).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
7- Escara et Rault.
8- Piperat par Roblot.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- لا يخضع الأصل التجاري لحق الحبس المخول لمكري العقار والمؤسس عليه الأصل التجاري لكونه لا يدخل ضمن تجهيزات محل الكراء، هذا الحبس المنصوص عليه في الفصل 684 من ق ل ع.
– مجموعة اموال ذات وحدة إجمالية
ينص الفصل 79 على ان الأصل التجاري ” يشمل جميع الاموال المنقولة المخصصة لممارسة نشاط تجاري”.
هذه السمة التي حددها القانون تعطي للاصل التجاري وحدة كلية أو مجموعة أموال منقولة universalité) متميزة عن العناصر التي تكون بشكل دائم.
ودون الدخول في الجدل الفقهي حول ما إذا كانت مجموعة الاموال توصف بأنها قانونية أو فعلية، فان هذه الميزة تجعله يتميز عن جميع العناصر المكونة له وهي مفرقة ومعزولة وتعد تعبير كذلك عن وحدة مجموعة من العناصر المادية والمعنوية بين يد واحدة بقصد استغلالها وهي مجتمعة، وتحمل هذه الميزة تعبير عن قدرة التاجر على تحويل مجموعة من الاموال المتفرقة إلى وحدة منظمة تصبح محل استغلال وتنتج الثروة (9).
وهذا ما جعل المشرع يبادر إلى إحداث قانون خاص بالاصل التجاري لضمان تنظيم وحماية تلك الوحدة.
ويترتب عن الوحدة الاجمالية للاصل التجاري التي تميزه عن بقية العناصر المكونة له النتائج التالية :
– اخضاع امتياز البائع للاصل التجاري إلى نظام خاص لا ينطبق على بيع احد عناصره بشكل معزول(10)
– اخضاع بيع الأصل التجاري إلى مسطرة خاصة لا يخضع إليها بيع احدى العناصر المكونة له في الوضع المعزول (11).
– الأصل التجاري ليست له الطبيعة التي للعناصر المكونة له باعتباره مال معنوي رغم وجود عناصر مادية ضمن مكوناته كالادوات المعدات والبضائع.
– قيمة الأصل التجاري تبقى دائما أعلى من قيمة العناصر المعزولة، ولذلك امر ظهير دجنبر1914 وكذلك مدونة التجارية بتحويل إجراءات بيع إحدى العناصر أو بعضها المحجوزة في وضع منعزل إلى بيع اجمالي للاصل التجاري، وما يترتب عن ذلك من وقف إجراءات التنفيذ(12).
– الأصل التجاري يحتفظ بهويته ووحدته الاجمالية رغم التغييرات التي تلحق عناصره المادية والمعنوية بحيث قد يتعرض الزبائن إلى الانخفاض أو الارتفاع، وقد يحصل التغيير في حق الكراء بالفسخ أو بمراجعة السومة، وقد يتم تجديد الادوات والبضائع دون ان يؤثر ذلك على الوحدة الاجمالية للاصل التجاري كمجموعة أموال و لا على الحقوق المترتبة عليه.
قد يوحي ما سبق إلى ان الأصل التجاري كمجموعة اموال تكون وحدة اجمالية وتكون ذمة مستقلة وربما ترتقي إلى مفهوم المقاولة في حد ذاتها.
ولذلك يتعين الانتباه إلى ان الأصل التجاري ليس بمقاولة كما انه ليس بذمة مستقلة.
- ان فكرة المقاولة
هي فكرة موازية لفكرة الأصل التجاري وهي واردة في القانون المدني ضمن عقود المقاولة قبل ورود الأصل التجاري، ثم تطورت هي الاخرى لتشمل مجموع الاعمال التجارية التي يقوم بها اما شخص واحد ” ومقاولة شخصية” أو مجموعة اشخاص ” شركة مقاولة”.
ويميزها عن الأصل التجاري كون هذا الأخير يعتبر المظهر القانوني للمقاولة ويعطيها حق الزبائن(13) فالاصل التجاري هو مجموعة من اموال منقولة بينما المقاولة هي مجموعة اعمال شخص واحد أو عدة اشخاص.
كما ان الأصل التجاري يكون الأموال التي تسخرها المقاولة لنشاطها التجاري، بينما المقاولة تتضمن بجانب هذه العوامل المالية العوامل البشرية، ويمكن القول بان المقاولة تتضمن العناصر البشرية وزيادة عن العناصر المالية بينما الأصل التجاري يتضمن فقط الاموال وهو ما يجعلها يتعارضان على مستوى المفهوم القانوني.
ويضاف إلى هذا ان الأصل التجاري ما هو الا جزء من ممتلكات المقاولة الذي يمكن ان تمتلك إلى جانبه عقارات وديون وهي اموال لا يمكن ان تكون ضمن عناصر الأصل التجاري.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
9) نفس المرجع السابق.
10) الفصل 91 من مدونة التجارة.
11) الفصل 196 من مدونة التجارة.
12) الفصل 113 من مدونة التجارة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- الأصل التجاري ليس بذمة مستقلة: ورغم ان بعض المحاولات الفقهية حاولت الايحاء بان الأصل التجاري يعتبر ذمة مستقلة(14)، الا انها محاولة معزولة امام اجماع غالبية الفقه والقضاء على ان الأصل التجاري ليس بذمة مستقلة (15)، بل ان مقتضيات ظهير دجنبر1914 التي نقلتها المدونة الجديدة للتجارة تتعارض كلية مع القول باعتبار الأصل التجاري ذمة مستقلة، فمن جهة لا يقبل ان يكون ضمن عناصر الأصل التجاري الديون والمديونية(16)، ومن جهة اخرى فان تنظيم الأصل التجاري لم يكن الا لقصد تحويله إلى قيمة اقتصادية قابلة لان تكون ضمانة على شكل رهن بينما رهن الذمة لا معنى له في القانون.
ولذلك فان الديون لا تحول مع الاصل التجاري عند بيعه ولا يملك الدائن الا الاعتراض على الثمن وفق المسطرة المحددة لذلك(17)، كما ان الدائنين لا يتمتعون بأية أفضلية على ثمن بيع الاصل التجاري اطلاقا.
- II. تكوين الأصل التجاري
ينص الفصل80 من مدونة التجارة ” يشمل الأصل التجاري وجوبا على زبناء وسمعة تجارية”.
ـ كما أورد ضمن العناصر المكونة له كذلك عناصر مادية ( الاثاث التجاري والبضائع والمعدات والادوات) وكذلك العناصر المعنوية ( الاسم التجاري، والشعار، والحق في الكراء، وبراءة الاختراع، والرخص، وعلامات الصنع والتجارة والخدمة والرسوم، والنماذج الصناعية، والملكية الصناعية، والملكية الادبية والفنية).
ـ ويشير كذلك إلى ان الأصل التجاري يشمل كل الاموال الضرورية لاستغلاله.
كما تعمد النص المذكور التمييز بين العناصر المعنوية عن العناصر المادية وتمييز البضائع عن الادوات وذلك لاهمية هذا التمييز في عدة جوانب :
ـ فمن حيث الثمن يجب تمييز ثمن العناصر المعنوية والبضائع والمعدات في عقد بيع الأصل التجاري ( الفصل 81).
ـ المزايدة بالسدس خاصة بالعناصر المعنوية ولا تسري على العناصر المادية ( الفصل94).
ـ البيع بالمزاد العلني يتطلب تحديد الثمن المميز للعناصر المادية ( الفصل 120).
ـ امتياز البائع في دعوى الفسخ يمارس على أساس تمييز ثمن العناصر المعنوية عن ثمن المعدات والبضائع ( الفصل
100).
ـ الرهن لا يمكن ان يقع الا على العناصر المعنوية والاداوات والمعدات دون البضائع ( الفصل 107).
ونشير إلى ان تعداد العناصر المادية والمعنوية في الفصل 80 المشار إليه ليس على سبيل الحصر، ولذلك يتعين ترقب امكانية وجود عناصر اخرى غير واردة في الفصل المذكور.
واكتفي هنا باعطاء بعض التوضيحات على عنصر الزبائن والسمعة التجارية، باعتباره عنصر إجباري بصريح الفصل 80 المشار إليه، كما سنتناول بايجاز ملاحظات حول العناصر المادية للاصل التجاري.
- الزبناء والسمعة التجارية
اعتبر الفصل 80 من مدونة التجارة عنصر الزبناء والسمعة التجارية عنصر الزامي في الأصل التجاري “. يشتمل الأصل التجاري وجوبا على زبناء وسمعة تجارية”، واستعمل النص عبارة ” زبناء وسمعة تجارية” بكيفية مجتمعة دون أي تمييز بينهما.
في الواقع ان العبارتين لهما معنى واحد، وان كل محاولة للتمييز بينهما لن يخرج عن كون الزبائن يقصد بهم الاشخاص المرتبطين بشخص التاجر صاحب الأصل التجاري، بينما السمعة التجارية يقصد بها الاشخاص المرتبطين بالمكان الذي يستغل فيه التاجر اصله التجاري(18)، وهي صفة تقديرية مرتبطة بمكان الأصل التجاري وعوامله الموضوعية كالقرب والانارة وموقف السيارات… وغيرها، دون العوامل الشخصية التي لها ارتباط بصاحب الأصل، ومن هنا لا تظهر اية اهمية في التمييز بينهما على مستوى التشريع.
ومن المتفق عليه في الفقه والقضاء ان عنصر الزبائن هو العنصر الاساسي والضروري في تكوين الأصل التجاري، بل ان هناك من ذهب إلى القول بأن الزبون ليس بعنصر مكون للاصل التجاري بل هو نفسه الأصل التجاري (19).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
14) chauveau.
15) Ripert par Roblot.
16) نقض فرنسي 12 يناير1937 دلوز الاسبوعي، 99- 1937.
نقض فرنسي 21 يونيو1950، مجلة الدورية للقانون التجاري، 1951.
17) الفصل 54 من مدونة التجارة
18) .Hamel, lacarde et Jaufferet
19) Doyen Ripert
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا غرابة اذن في الصيغة التي جاء بها الفصل 80 وهي صيغة امرة ووجوبية بان الأصل التجاري يشمل وجوبا الزبناء والسمعة التجارية، وهو تقرير صريح بان وجود الأصل التجاري متوقف على توفره على عنصر الزبائن، وبدونه لا يوجد كيان له على الاطلاق. ويترتب عن هذا بحث العلاقة القانونية التي تعطي للزبون هذه الاهمية وتؤسسه كعنصر الزامي في تكوين الأصل التجاري.
فكثيرا ما يقال بان الزبون هو مجموعة من الاشخاص الدين يتوردون على تاجر معين بصفة معتادة، وعرضية، أو مجموعة من اشخاص تربطهم علاقة اعمال مع متجر معين.
فاذا كان الامر كذلك فلا نظن ان هناك ما يستدعي اعتبار هذا العنصر إلزامي في تكوين الأصل التجاري، لان العلاقة هنا مجرد علاقة اعمال بسيطة لا يلعب فيها التاجر أي دور لكسبها وتنميتها والحفاظ عليها.
ويظهر ان مجموعة الزبائن لا تكون في حد ذاتها العنصر الاساسي للاصل التجاري باعتبار كون مالك الأصل التجاري لا يملك أي حق على الزبون.
ومن هنا يتعين البحث عن العلاقة التي تجعل من الزبون ( قيمة اقتصادية) وليس حقا مجردا.
فالزبون اذن يجب ان يكون ذلك الذي يحصل عليه من طرف تاجر يعرف كيف يكونه ويكسبه ويحتفظ به خصوصا داخل النظام الاقتصادي الحر المبني على المنافسة، فهو بهذا المعنى قيمة تمثلها العلاقة المرجحة والممكنة مع الاشخاص الذين يرغبون في الاستفادة من خدمات واموال الأصل التجاري(20).
وفي الوقت الذي لا يمكن الحديث عن اعتبار الزبون كحق للاصل التجاري مع ذلك يمكن تصور نشوء نوع من الحقوق التي لها علاقة بوضعية قانونية معينة بالنسبة للزبون باعتباره يجلب ويحتفظ به بواسطة عدد من العناصر تتداخل ضمن تكوين الأصل التجاري وتتكامل فيما بينها بهدف الحفاظ على الزبون وتنميته كالعلامة التجارية مثلا، وحق الكراء والاسم التجاري، فهي كلها عناصر تلعب دورا إيجابيا في حماية الزبون وتمييزه، وهذا هو الذي استوجب ايجاد انظمة خاصة لحماية مستغلي الأصل التجاري تتعلق كلها بالتدابير ضد المنافسة الغير مشروعة، ومن ضمنها نظام تقييد براءة الاختراع والعلامة والنماذج ونظام الامتيازات التعاقدية وغيرها(21).
- العناصر المادية للاصل التجاري ( الاثاث التجاري، المعدات والادوات والبضائع)
ان العناصر المادية للأصل التجاري لا تطرح اية اشكالية حيث ان التمييز بين الادوات والمعدات والاثاث من جهة والبضائع من جهة اخرى يجد أهميته بخصوص تمييز الثمن عند بيع الأصل التجاري أو تحويله أو رهنه أو تقديمه كحصة في الشركة، حتى يستجيب ذلك لشروط تسجيل امتياز البائع وشروط البيع بالمزاد العلني وشروط دعوى ممارسة الفسخ.
ويمكن القول بكل بساطة ان الادوات والمعدات والاثاث هي جميع المنقولات التي تسخر في استغلال الأصل التجاري، اما البضائع فهي جميع المنقولات المهيأة والمعروضة للبيع، مع العلم ان المواد الأولية من زيوت وغيرها التي تستعمل في اعداد البضائع وصنعها تدخل ضمن صنف الادوات والمعدات والاثاث ولا تدخل ضمن صنف البضائع شانها في ذلك شان البهائم التي تستغل لانتاج المنتوج القابل للبيع كالحليب فتعتبر البقرة في المؤسسات الصناعية لانتاج الحليب ضمن المعدات وليست ضمن البضائع.
III. اهمية البضائع المعنوية في تكوين الأصل التجاري.
يظهر من قراءة نصوص مدونة التجارة وبالخصوص الفصل91 منها ان اهمية العناصر المادية للاصل التجاري محدودة ان لم تكن منعدمة أمام العناصر المعنوية، بحيث ان عدم ذكر العناصر المكونة للاصل التجاري في تقييد امتياز البائع على وجه الدقة فان الامتياز يشمل ضمنيا العناصر المعنوية بقوة القانون كما ان التطبيقات الجبائية لا تعتبر ضمن حساب الأصل التجاري، الا قيمة العناصر المعنوية وضعف اهمية العناصر المادية للاصل التجاري جعل القضاء الفرنسي يعتبر ان تقييد الرهن على أحد أو عدة عناصر مادية وحدها لا يعتر رهنا حيازيا، المنظم بمقتضى أحكام قانون 1909 (22).
كما اعتبر ان بيع وتحويل أحد أو عدة عناصر معنوية أخرى كحق الكراء والعلامة التجارية والاسم التجاري، لا يمكن ان يعتبر بيعا للأصل التجاري ويخضع لاحكام قانونية الا إذا بيع معه عنصر الزبون بكيفية صريحة أو ضمنية(23).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
20- حق الملكية الصناعية، ص.105، le droit de la propriété industrielle
21- Ripert par Roblot
22- نقض مدني فرنسي 17 يونيو1918، دالوز الدوري 1922.
23- نقض مدني فرنسي 15 فبراير1937، دالوز الدوري، 1939.
ـ قرار تجاري 29 مارس 1953 جوريس كلاسور الدوري ( juris classeur).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويترتب عن هذا ان تكوين الأصل التجاري لا يتحقق بمجرد اجتماع العناصر المكونة له وتسخيرها في امكانية الاستغلال بل ان تكوينه مرتبط بلحظة ظهور قيمة الزبناء، كما يترتب عن ذلك ان المشتغل للاصل التجاري الذي لا يملك الزبناء يستتبع القول بانه ليس مالكا للاصل التجاري.
وهذا ما جعل القضاء الفرنسي يقرر في حق المقاولة العمومية ذات امتياز استغلال مرفق عام لانها لا تملك الزبناء الذين تتعامل معهم، وبالتالي فانها لا تملك الأصل التجاري (24).
ان ضرورة ملكية الزبناء وشخصيتها أو تبعيتها للتاجر تترتب عنه اثار وخيمة في بعض القطاعات التجارية وخصوصا التي تستغل داخل المرافق العمومية كالمطاعم والمتاجر والمقاهي المستغلة داخل المطارات ومحطات القطار التي تتوفر على زبائن مرتبطين بالنشاط الاساسي لهاته المرافق ( النقل) ولا علاقة لها بالنشاط التجاري للمؤسسات التجارية المفتوحة بداخلها.
وباسم هذه الضرورة ( ملكية الزبناء الشخصية للتاجر) ذهبت عدد من احكام القضاء الفرنسي إلى رفض الاعتراف لاصحاب تلك المحلات التجارية بملكية الأصل التجاري (25).
لكن مع ذلك لابد من تصور استثناء لهذا المبدأ وبالخصوص عندما يثبت ان صاحب محل تجاري كالمطعم الكائن بقلب محطة القطار يملك زبناء خاصين به يردون عليه لا لحاجتهم في خدمات المحطة المتعلق بالسفر ولكن لتفضيلهم لمأكولاتهم مثلا أو نوع الطبخ الذي يوفره ذلك المطعم أو ذاك المقهى.
وقد تكون هناك عناصر معنوية اخرى لها اهمية أساسية بجانب الزبناء تختلف حسب نوع الاستغلال وموقع الاصل التجاري كحق الكراء مثلا أو العلامة التجارية ولكن شريطة ان تبقى مرتبطة بالزبناء والسمعة التجارية.
- IV. الصبغة التجارية للاصل التجاري
- ينص الفصل 79 من مدونة التجارة على الصبغة التجارية لنشاط موضوع الأصل التجاري ( المخصصة لممارسة نشاط تجاري أو عدة انشطة تجارية)، وهذا يلزم بان يكون موضوع الأصل التجاري هو نشاط تجاري على الشكل الذي يجعل المستغل يمارس بشكل جلي وواضح الاعمال التجارية وبصفة معتادة، واتخاذها مهنة له يمكنه ممارسة هذا النشاط من اكتساب صفة تاجر.
اما الشركة ذات شكل تجاري بقوة القانون ولكن موضوعها مدني لا صلة له بالاعمال التجارية كشركة المساهمة مثلا التي تقوم ببناء العقارات وتسييرها، فهذا النوع من الشركات لا يمكن ان يكون لها أصلا تجاريا لان القانون يلزم بإتيان وتنفيذ اعمال تجارية بصفتها وليس اعمالا لا تعد تجارية ولو نفذها شخص اعتباري له شكل تجاري بقوة القانون.
- وبخصوص الصبغة الشرعية لاستغلال الأصل التجاري فان القواعد المنصوص عليها في الفصلين 79 و80 من مدونة التجارة لم تشر إلى أي قيد أو شرط للنشاط التجاري أو المال المنقول الذي يتاسس منه الأصل التجاري.
يخرج عن دائرة الاحكام العامة للقانون وبالخصوص تلك التي تتعلق باركان الالتزامات.
ولذلك فان النشاط التجاري وكذلك الاموال المنقولة التي تؤسس الأصل التجاري يجب ان يكون لها سبب مشروع وان لا يحرمها القانون وذلك تطبيقا لاحكام الفصول 57 و62 من ق ل ع.
ولذلك يتعين ان يكون موضوع استغلال الأصل التجاري مشروعا وغير مخالف للاخلاق الحميدة أو النظام العام أو القانون.
فالمؤسسات التي يطلق عليها مؤسسات التسامح ( بيوت الدعارة)، ودور القمار الغير المرخص لها، ومحلات بيع الخمور، بدون رخصة، لا تكون أصلا تجاريا لان هاته المحلات لا يمكن تصنيفها قانونا، وبالثاني يصعب ادماجها تحت ظل احكام الكتاب الثاني لمدونة التجارة المنظم للاصل التجاري.
ولو ان هناك راي يقول بان الاستغلال اللاأخلاقي والغير مشروع لا ينزع الصبغة التجارية للنشاط التجاري الذي توفر لديه عنصر الزبناء والسمعة التجارية ولو كان هذا النشاط غير مشروع معتمدا في ذلك على ان الصبغة الغير مشروعة لا تحول دون الوضع تحت التصفية القضائية، هذا الادعاء لا يمكن العمل به في نطاق المرجعية القانونية للقانون المغربي وتقاليده ومكونات هويته، لذلك يتعين الجزم بان النشاط التجاري الغير مشروع لا يمكن ان يكون اصلا تجاريا مهما كانت اهميته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
24) قرار مدني نقض فرنسي 24 يوليوز1945 دالوز التجاري1943.
25) محكمة الاستئناف بباريز 19 مارس1923، قرار 17 مارس1933، قرار 10 مارس1941.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- V. الخاتمة
قبل ان اختم هذه الورقة أريد ان أقول كلمتين
ـ الكلمة الأولى هي ان التشريع الخاص بالاصل التجاري مهما كانت تفاصيله سيبقى بعيدا عن الاحاطة بكل الاشكاليات التي يثيرها أو التي سيثيرها تطور الأصل التجاري في المستقبل لما لاهمية هذه القيمة الاقتصادية على المستوى التجاري والمالي في العلاقات الاقتصادية والتجارية العامة.
وحول الاشكاليات التي لم يتناولها هذا التشريع الخاص يتعين الرجوع في حلها إلى أحكام القانون العام مع اعتماد القواعد الخاصة بالتفسير المنصوص عليها في القانون، ويستحسن في نظري التمسك باحكام القانون الخاص ومحاولة استخراج الحلول المناسبة من نصوصه ولتي تستجيب لغاياته وخصوصياته، من القانون العام.
ـ الكلمة الثانية هي ان التشريع الخاص بالاصل التجاري يطرح على المهتمين بالقانون وبالخصوص الممارسين والتقنيين القانونيين مهام لا اقول جديدة لانها كانت موجودة منذ صدور ظهير دجنبر1914 ولكنها اصبحت مهام ملحة تفرضها الهيكلية القانونية الجديدة في المغرب وتطور العلاقات التجارية نحو العصرنة والتحديث.
ولذلك اصبح من الضروري التفكير بالحاح في كيفية ممارسة الاجراءات الواردة في القانون الخاص بالاصل التجاري وخصوصا إجراءات ضبط وتدقيق كيفية تحرير العقود التي ترد على الأصل التجاري واجراءات إيداعها وإشهارها وإجراءات البيع الرضائي والبيع الجبري وكذلك إجراءات تقييد الرهن وغيرها.
وهذا الالحاح ليس بالضرورة من باب توسيع المهام المهنية واعطاء فرصة اكبر للانتعاش المهني وخلق فرص الشغل، ولكنه الحاح موضوعي كذلك يتوقف على ضبطه والتحكم فيه تحقيق الضمانات التي يتوخى المشرع توفيرها في العلاقات وتوفير الاستقرار والاستمرار في المعاملات.
والملاحظ إلى حد الا ان هذه الإجراءات لم تمارس بالشكل المطلوب الا بكيفية محدودة وربما عرضية، وذلك لكون القضاة لم ينتبهوا إلى أهميتها ولكون رجال القانون كذلك لم يدركوا في بعض الاحيان خطورة العواقب التي قد تنتج عنها.
لذلك لا يسعني الا ان اوجه نداء إلى القانونيين الشباب ليحولوا جزءا من نشاطهم إلى الممارسة التقنية للقانون بمعناها الحقيقي، سواء ما يتعلق منها بالاحكام الاجرائية الواردة في التشريع الخاص بالاصل التجاري، أو الواردة في التشريع الخاص بالملكية الصناعية والتجارية، والملكية الادبية والفنية، وكذلك الاحكام الواردة في التشريع الخاص بالعلامة التجارية، والتشريع الخاص بالسجل التجاري.
بحيث لن تكون هناك هيكلية جسدية قائمة للقانون التجاري إذا لم تترسخ القواعد الشكلية الاجرائية التي تحدد
تنفيذه وتحمي نفاذ قواعده بالشكل السليم والمنتج.
مجلة الإشعاع، عدد 17، 95.