في الواجهةمقالات قانونية

 تنفيذ عقوبة الاعدام بين النص التشريعي والواقع القضائي

 

 

تنفيذ عقوبة الاعدام بين النص التشريعي والواقع القضائي

 

مريم ماهر  باحثة في العلوم القانونية

 

تعد عقوبة الإعدام من بين العقوبات التي عرفتها البشرية منذ الأزل وأقرتها الديانات الثلاث وتبنتها تشريعات معاصرة وفي هذا الإطار نص القرآن الكريم على عقوبة الإعدام في قوله تعالى :” يـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأنثَى بِالأنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أليم* ولكم في القصاص حياةٌ يا أولي الألباب لعلّكم تتقون” سورة البقرة الآيتان 178 و 179.

غير أن هذه العقوبة أصبحت اليوم محل خلاف عالمي تعيشه العديد من الدول حيث تتجاذبها ثلاث اتجاهات تتراوح بين:

– دول تبنت الإلغاء الكلي لعقوبة الإعدام[1] ( 98 دولة بالنسبة لجميع الجرائم+ 8 دول بالنسبة للجرائم العادية).

– دول ابقت على عقوبة الاعدام مع التنفيذ ( 57 دولة )

– دول ابقت على عقوبة الإعدام مع وقف التنفيذ مثل حالة المغرب الذي أخذ بهذه العقوبة في نطاق جد محدود يظهر على الخصوص، في بعض جرائم أمن الدولة الداخلية( الفصول 163و 165و167 ق ج) والخارجية ( الفصول 181و 182 و185 و190 ق ج)، وبعض  جرائم الأشخاص ، إذا ما اقترنت بظروف مشددة ( الفصول 392- 393-396 من ق ج )، وبعض الأفعال المشكلة لجرائم إرهابية ( الفصل 218/7 ق ج)[2].

كما أنه نظم إجراءات تنفيذها طبقا لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية ، رغم اننا لا نرى في ذلك من فائدة على اعتبار انها تظل نصوص جامدة غير مفعلة ، وهذا ما دفعنا بنا إلى البحث في هذا الموضوع من خلال إشكالية رئيسية تتجلى في ما مدى فعالية التنظيم القانوني لتنفيذ عقوبة الاعدام في الواقع العملي؟

والاجابة على هذا الاشكالية تقتضي منا دراسة التنظيم التشريعي لتنفيذ عقوبة الاعدام في المطلب الأول على ان نتطرق إلى واقع هذه العقوبة في المطلب الثاني.

 

المطلب الأول : التنظيم التشريعي لتنفيذ عقوبة الاعدام  

إن جوهر عقوبة الإعدام هو إيلام المحكوم عليه بالمساس بحقه في الحياة، بإزهاق روحه وسلبها منه[3]، وقد عرف بعض الفقهاء عقوبة الإعدام بأنها: ” وضع حد لحياة مدان بارتكابه عملا جرميا يعتبره المجتمع أو القائمين عليه على الأقل ماسا بمراكز قانونية أو موازين قوى اقتصادية واجتماعية وسياسية تبرر توقيع هذه العقوبة القصوى ، التي تحتكر الدولة وحدها صلاحية توقيعها على مرتكبه”[4].

وقد نظم المشرع المغربي اجراءات تنفيذ عقوبة الاعدام في المواد من 601 إلى 607 من قانون المسطرة الجنائية وهذا ما سنتناول بالدراسة في هذا المطلب .

 

أولا: شروط تنفيذ عقوبة الإعدام

نظرا لخطورة الإعدام ألزم المشرع المغربي النيابة العامة بضرورة إعلام وزير العدل بكل مقرر قضائي يقضي بها بمجرد صدوره، كما ربط مباشرة تنفيذها بصدور أمر عن وزير العدل، ونص على أنه لا يمكن تنفيذها إلا بعد رفض طلب العفو، كما إذا كانت المحكوم عليها امرأة حاملا، فإنها لا تعدم إلا بعد مرور سنتين على وضع حملها. ومن الواضح أن المشرع توخى في هذه الحالة الأخيرة تأمين مرحلة نشأة الطفل الأولى انسجاما مع مقتضيات الشرعية التي تشترط أجل الحولين الأولين للرضاعة[5].

 

ثانيا: مكان التنفيذ

طبقا للمادة 603 ق م م ج فإن التنفيذ يقع داخل المؤسسة السجنية التي يوجد المحكوم عليه رهن الاعتقال بها. إلا أنه قد تكون هناك دواعي لتنفيذها خارج المؤسسة السجنية كأن تكون الجريمة المقترفة من طرف المحكوم عليه قد خلفت تأثيرا واسعا في المكان الذي وقعت به، أو يحتمل في تنفيذها داخل المؤسسة السجنية المساس بالنظام العام ، وفي هذه الحالة يمكن لوزير العدل تحديد مكان آخر للتنفيذ[6].

وبخصوص قانون العقوبات المصري في مادته 13 نص على تنفيذ عقوبة الإعدام إما  داخل السجن أو في مكان مستور[7].

ثالثا: الأشخاص الذين يحضرون عملية التنفيذ

حددت المادة 603  من ق م ج  الأشخاص الذين يحضرون عملية التنفيذ وهم:

  • رئيس الغرفة الجنائية مصدرة القرار، وإلا فمستشار منها يعينه الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف.
  • عضو من النيابة العامة يعينه رئيس النيابة العامة بمحكمة الاستئناف.
  • أحد قضاة التحقيق وإلا فأحد القضاة من محكمة المكان الذي يقع به التنفيذ.
  • أحد كتاب الضبط من محكمة المكان الذي يقع به التنفيذ.
  • محامو المحكوم عليه.
  • مدير السجن الذي يقع به التنفيذ أو مدير السجن الذي كان المحكوم عليه معتقلا به عندما يقع التنفيذ بمكان آخر.
  • رجال الأمن الوطني أو الدرك الملكي المكلفون من قبل النيابة العامة
  • طبيب السجن وإلا فطبيب تعينه النيابة العامة.
  • إمام وعدلان ما لم يكن المحكوم عليه غير مسلم فيحضر حينئذ ممثل الديانة السماوية التي يعتنقها المنفذ عليه ( المادة 603 من ق م م ج).

رابعا:  وسيلة تنفيذ عقوبة الاعدام

كان للأفكار العقابية الحديثة تأثير كبير على التشريعات الجنائية من حيث أسلوب تنفيذ عقوبة الاعدام، حيث حرصت على أن يكون تنفيذها بأقل الوسائل إيلاما، وقد اختلفت في تحديد وسائل التنفيذ، بين الشنق والخنق والصعق بالكهرباء ، وفي القانون المغربي فإن الوسيلة المعتمدة هي الرمي بالرصاص بواسطة السلطة العسكرية التي تطلبها النيابة العامة لدى المحكمة التي أصدرت القرار.

خامسا: سرية التنفيذ

إذا كانت عقوبة الإعدام قد صدرت بموجب قرار علني، فإن تنفيذها كقاعدة عامة يتم بشكل سري، وقد راعى المشرع في ذلك حرمة المحكوم عليه كإنسان. والمقصود بالسرية في هذا الخصوص عدم فتح الباب أمام عامة الناس لحضور إجراءات التنفيذ، ومنع نشر أي بيان متعلق به ما عدا المحضر المذكور في المادة 605 ق م ج، تحت طائلة تعرض المخالف للعقوبة بغرامة مالية تتراوح بين 10.000 و 60.000 درهم. كما منع القانون تحت طائلة نفس العقوبة أن ينشر أو يذاع بأي خبر رأي أبدته لجنة العفو أو الأمر الصادر عن جلالة الملك ( المادة 606 من ق م ج) . إلا أن هذه السرية يستثنى منها محضر التنفيذ الذي يحرره كاتب الضبط ويوقعه كل من رئيس غرفة الجنايات المصدرة لقرار أو المستشار المعين من طرف الرئيس الأول بمحكمة الاستئناف وممثل النيابة العامة والذي تعلق نسخة منه مباشرة بعد التنفيذ بباب المؤسسة السجنية، أما إذا وقع التنفيذ خارج المؤسسة السجنية فيعلق المحضر بباب بلدية مكان التنفيذ.

وتجدر الاشارة في هذا الصدد أن عملية الدفن تتم دون إشهار، حيث إن الجثة تسلم لذوي حقوق المنفذ عليه إذا طلبوها شريطة التزامهم بدفنها مع الاقتصار على الحد الأدنى من الحضور لعملية الدفن، وإلا فإنه يتم دفنها من طرف الجهات المختصة بمسعى من النيابة العامة.

وباستثناء ما جاء في المادة 604 من ق م ج  التي تخول للمحكوم عليه الافضاء بأي تصريح يتلقاه منه قاضي التحقيق أو أحد القضاة من محكمة المكان الذي سيقع به التنفيذ المعين من طرف رئيس المحكمة لحضور عملية التنفيذ، فإنه يلاحظ أن الاجراءات العملية لتنفيذ عقوبة الإعدام جاءت مقتضبة ولم تشر إلى بعض الأحكام المرتبطة بعملية التنفيذ والتي من جملتها:

  • حق المحكوم عليه في التبرع بماله بوصية أو صدقة أو ما شابههما والاجراءات التي يتعين اتباعها في مثل هذه الأحوال؛
  • حق المحكوم عليه في أداء شعيرة من الشعائر الدينية وتلقينه الشهادة، وإغماض عينيه بلفافة قبل رميه بالرصاص؛
  • حق المحكوم عليه في التبرع بعضو من أعضائه وفق القوانين الجاري بها العمل[8].

وفي هذا الاطار فإنه يبدو عدم وجود ما يمنع من تخويل المحكوم عليه ما سبق ، خاصة وأن دور العدلين هو تلقي كل ما يفضي به المنفذ عليه، إلا أنه يجب مراعاة كون التصرفات المتعلقة بالحقوق المالية تخضع للحجر القانوني طبقا لمقتضيات الفصل 37 وما يليه من القانون الجنائي.

هذا بخصوص التنظيم التشريعي لتنفيذ عقوبة الإعدام، لكن ماذا عن واقع تنفيذ هذه العقوبة  في المغرب؟

 

المطلب الثاني : واقع عقوبة الإعدام في  المغرب

يتبين من الإطار التشريعي لعقوبة الإعدام الذي عرضنا له سابقا، بأن المشرع المغربي ، مازال يحتفظ بعقوبة الاعدام ، لكنه يوسع في ذات الوقت من مجال الظروف القضائية المخففة ، والأعذار القانونية ، إلى درجة أدخلت الكثير من المرونة على قسوة العقوبة، وخولت القضاء الدور الأساسي في مجال عقوبة الإعدام، بحيث يمكن القول بأن الحكم بهذه العقوبة ، موكول في أغلب الحالات لتقدير القضاة، بما لهم من سلطة تفريد  الجزاء وتجديده.

هذه السياسة العقابية المرنة، التي سلكها المشرع المغربي في التعامل مع هذه العقوبة، هي التي تفسر العدد المنخفض لحالات الحكم بالإعدام، يضاف إلى ذلك، التنفيذ المحدود للأحكام الصادرة بهذا الشأن ، ناهيك عن المفعول المخفف لنظام العفو.

وتدل الإحصائيات الرسمية ، على أن هناك ميلا واضحا نحو الحد من عقوبة الإعدام ، سواء فيما يخص عدد الأحكام الصادرة، أو العدد المنفذ منها، حيث يقتصر التنفيذ على بعض الجرائم التي تكتسي نوعا من الخطورة [9].

وتأسيسا على ذلك، يمكن القول بأن المغرب ينهج ، سياسة الحل الوسط، وهو الحل الذي يحتفظ بالعقوبة، مع الحد من حالات الحكم والتنفيذ.

وهكذا وخلال الفترة الممتدة ما بين 1982 و 2007 (25 سنة) لم ينفذ سوى حكمين، أولهما سنة 1982 وآخرهما سنة 1993، وانخفض مجموع الأحكام الصادرة بالإعدام ، خلال الفترة المذكورة ، إلى 70 حالة خلال 2004، وذلك بالنظر إلى الاستفادة من نظام العفو.

ويرى الملاحظون ، أن المشرع المغربي يسير في اتجاه إلغاء عقوبة الإعدام ، لأنه جمد العمل    بها قبل أكثر من 14 سنة.

وفي هذا السياق ، يقول ” ميشال طوب “، الكتاب التنفيذي للتحالف الدولي لمناهضة عقوبة الإعدام ” أن المغرب من أكثر الدول السائرة في إلغاء عقوبة الإعدام فعليا لن تنفذ العقوبة منذ 14 سنة، كما أن الساحة الحقوقية والسياسية والثقافية المغربية، تشهد حركة نشيطة من أجل إلغاء العقوبة، وأضاف المتحدث على هامش ندوة صحفية بمناسبة انعقاد المؤتمر العالمي الثالث  لمناهضة عقوبة الإعدام، في باريس  في فبراير 2007، بأنه متفائل ، فيما يتعلق بإلغاء العقوبة في المغرب، فالعاهل المغربي لم يعط أوامره لتطبيق  العقوبة، منذ وصوله إلى الحكم  بالرغم من صدور عدد من أحكام الإعدام ، خاصة بعد التفجيرات الانتحارية بالدار البيضاء في عام 2003 .

وتجدر الإشارة إلى أن هيئة الإنصاف والمصالحة، قد أوصت بإلغاء عقوبة الإعدام.

 

[1] – كما هو الحال بالنسبة للقانون الفرنسي حيث  تم إلغاء عقوبة الاعدام بموجب القانون الصادر 9/10/1981.

 

[2]– عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي ، القسم العام، الطبعة السابعة ، 2016.، ص411.

[3] – محمد الوافي : ” عقوبة الإعدام بين التأييد والمعارضة ” ، مقال منشور بمجلة إدماج مجلة تعنى بشؤون السجون وإبداعات نزلائها ، العدد الثالث عشر: منشورات جمعية إدماج 29 أبريل 2011.

[4] – أحمد أيت الطالب: ” مع أو ضد عقوبة الإعدام” مقال منشور بمجلة الشرطة العدد 5 يونيو 2005 الصفحتين 40 و 41.

[5] – لما هو مشهور عن قصة الغامدية التي قصدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرت بزناها طالبة منه تطهيرها برجمها حيث ردها لتأتيه في الغد لتقول: يا رسول الله لم تردني لعلك تردني كما رددت ماعزا والله إني لحبلى قال أما لا فاذهبي حتى تلدي فلما ولدت جاءته بالصبي في خرقة وقالت هذا قد ولدته قال فارجعي حتى تفطميه، فلما فطمته أتته بالصبي وبيده كسرة من الخبز فأمر الرسول بها فرجمت.

[6] – وزارة العدل، شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الثالث، ،ص 60.

[7] – محمد أحمد عابدين ، التنفيذ وإشكالاته في المواد الجنائية ، دار الفكر الجامعي ، الاسكندرية  سنة 1994 ، ص 52.

[8] – نصت المادة 13 من القانون رقم 16.98 المتعلق بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية وأخذها وزرعها : ” يجوز لكل شخص راشد يتمتع بكامل أهليته، أن يعبر وهو على قيد الحياة ووفق الأشكال والشروط المنصوص عليها في هذا الفصل التالي، عن إرادته ترخيص أو منع أخذ أعضاء معينة بعد مماته ” ( الجريدة الرسمية رقم 4726 الصادرة بتاريخ 05- 09 -1999).

 [9] – لحبيب لبيهي، عقوبة الإعدام بين النص التشريعي والواقع القضائي، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية ، العدد 127-126 ، سنة 2010، ص45.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى