“توثيق تصرفات المنظومة العقارية المغربية على ضوء مدونة الحقوق العينية” – الباحث نصيف عبد الجليل
“توثيق تصرفات المنظومة العقارية المغربية على ضوء مدونة الحقوق العينية”
نصيف عبد الجليل
طالب باحث بماستر التوثيق والمنازعات العقارية بكلية العلوم القانونية
والاقتصادية والاجتماعية بعين السبع جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء
مقدمة
يعتبر التوثيق أحد أهم الركائز التي يتحقق بها الأمن التعاقدي، خاصة إذا كان متعلق بالعقار الذي يشكل الوعاء الأساسي لتنفيذ السياسة العامة للدولة، بل الأكثر من ذلك وباعتباره الوعاء الذي تنبني عليه الاستثمارات فإنه يشكل أحد أهم الخصائص التي يستند عليها الأمن القومي للبلاد، وبالرجوع للتأصيل التاريخي للتوثيق المراد دراستهه فإنه لابد للرجوع إلى عصر الأنوارالذي يعتبر بمثابة تاريخ لميلاد العـديد مـن النظريات والتـيـارات الفـلسفيـة منـها الفلسفـة الفردانية، إذ أن الأصل تبعا لأنصار هذا المذهب هو الرضائية وسيادة مبدأ سلطـان الإرادة[1] في جميع المعاملات بما فيها التصرفات العقارية على وجـــه مخصوص، لكــن هذه النظريات أصبحت متجاوزة نظــرا للتطــور الذي أصبحت تعرفــــه التشريعات مـــن خلال استجابتها لمتطلبات فرضتها ضرورات اقتصادية، بحيث أضحى التشريع مجالا للمنافسة لاستقطاب رجال الأعمال والاستثمارات الخارجية وطغيان البعد التنموي، هذا ما جعل أحد الباحثين المغاربة [2] يشبه التشريعات بالمنتجات ذات الطابع الاقتصادي والتجاري التي تنتجها الشركات الصناعية والتجارية، تخضع بدورها لقواعد اقتصاد السوق؛ من قبيل قانون العرض والطلب، وقانون الربح والخسارة وقانون الجودة، فالمنتجات التشريعية في نظر الأستاذ المومأ إليه طرته يجب أن تلبي حاجيات المجتمع المستهلك، وكذا تحقيق النماء الاقتصادي والربح المالي على غرار باقي التشريعات المقارنة اعتمادا على تشريع عصري ينسجم والمتطلبات الاقتصادية، بحيث أن القانون في القرن الواحد و العشرون لم يعد فقط ضرورة اجتماعية، بحيث أضحى تدخل المشرع أمرا لازما لتجويد منتجاته التشريعية لأن ما يهم ليس فقط عدد القوانين التي تتم المصادقة عليها، بل الأهم من ذلك هو الجودة التشريعية لهذه القوانين[3] وأمام هذا المعطى الذي كان سببا في تعميم الفوضى التشريعية في المجال العقاري باعتباره الأداة المناسبة لتنفيذ سياسة الدولة الاقتصادية، واعتبارا للخصوصية التي يتميز بها النظام العقاري المغربي إذ لا يضم الازدواجية القائمة بين عقارات محفظة و عقارات غير محفظة و إنما يتجاوز ذلك إلى أنماط ضاربة في أعماق التاريخ المغربي، وهذا التدخل والتنوع أدى إلى تداخل على مستوى القواعد القانونية والقوانين المنظمة لهذه العقارات، حيث تستقي بعضها مصدرها من قواعد الفقه الإسلامي[4]، وبصفة خاصة مذهب الإمام مالك الراجح والمشهور وما جرى به العمل، وبعضها يجد سنده في الأعراف المغربية والبعض الآخر تم إخضاعها للتنظيم التشريعي خاصة ما تعلق بالقوانين العقارية لسنة [5]1913 و 1915[6] وظهير الالتزامات والعقود[7] وتشريعات عقارية مختلفة اختصت بتنظيم مقتضيات ذات طبيعة خاصة، ولتحصين هذه الملكية في التشريع العقاري المغربي اقتضى من المشرع سن مجموعة من النصوص واتخاد مجموعة من التدابير من شأنها حماية الملكية من كل اعتداء أو غصب أو استيلاء بدون وجه حق، ويعتبر التوثيق من أنجع وأهم المكنات التي تحقق هذه الحماية، هذا ما جعل المشرع يتجه نحو إقرار رسمية التصرفات العقارية، خلافا ما كان عليه الأمر قبل صدور هذه القوانين المنظمة للتوثيق بالمغرب بحيث كان مبدأ الحرية هو السائد بين المحرر الرسمي والعرفي[8]، ولئن كان الأطراف يتجهون إلى الثاني دون الأول لغايات في نظرهم تقيهم شروالمراجعات الضريبية، فإنه بصدور مدونة الحقوق العينية وضع المشرع حدا لهذا التباين الذي كان سائدا حول شكلية الكتابة في البيوعات العقارية بالنص على توثيق جميع العقود الرامية إلى تفويت الملكية العقارية سواء ذلك التفويت بعوض أو بغير عوض، وكذا جميع التصرفات المتعلقة بإنشاء حقوق عينية على الملكية العقارية، سواء كانت أصلية أو تبعية، فضلا عن تعديلها وإسقاطها إما بمحرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ يحرره محامي مقبول للترافع أمام محكمة النقض وفي جميع الأحوال من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية ومنظمة يخول قانونها تحرير العقود وذلك تحت طائلة البطلان.
وهكذا نتعرض لاتجاه المشرع نحو رسمية التصرفات العقارية من خلال مدونة الحقوق العينية (المطلب الأول) وكذا الاستثناءات الواردة على عملية التوثيق في إطارها (المطلب الثاني).
المطلب الأول: توثيق التصرفات العقارية في مدونة الحقوق العينية[9]
نصت المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية على ما يلي:
“يجب أن تحرر- تحت طائلة البطلان – جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها وكذا الوكالات الخاصة[10] بها بموجب محرر رسمي، أو بمحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ما لن ينص قانون خاص على خلاف ذلك.
يجب أن يتم توقيع العقد المحرر من طرف المحامي والتأشير على جميع صفحاته من الأطراف ومن الجهة التي حررته.
تصحح تصحح إمضاءات الأطراف من لدن السلطات المحلية المختصة ويتم التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي يمارس بدائرتها.”
فمن خلال استقراء دلالات المادة المذكـورة والتي تســري على الحقـوق العينيـــة الأصليـة والتبعية قد أقـر بنظام اختياري في كتابة التصرفات العقارية بين المحامي المقبول للترافـــع لدى محكـــمة النقض من جهة وبين العدول و الموثقون من جهة أخرى.
وإذا كانت مدونة الحقوق العينية في مادتها الرابعة، قد أقرت مبدأ الحرية الاختيارية[11] في توثيق التصرفات العقارية (الفقرة الأولى)، إما في محرر رسمي (الفقرة الثانية) أو في محرر ثابت التاريخ (الفقرة الثالثة) فإن نصوصا أخرى وبشكل صريح لا لبس فيه استثنت توثيق بعض التصرفات العقارية من هذا المبدأ، و استلزمت توثيـقها في محررات رسمية فقط تحت طائلة البطلان.
الفقرة الأولى: مبدأ الحرية الاختيارية في توثيق التصرفات العقارية على ضوء المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية
يعتبر مبدأ الاختيارية من المبادئ القديمة، فقط عرف بعض التلطيف من خلال تعديله ليعود يشمل توجه جديد لنظام شكلية العقود بمقتضى عقد رسمي أو محرر ثابت التاريخ مكان العقد العرفي الملغى بموجب هذه المدونة، وتجسيدا لهذا المبدأ قد أقر عليه المشرع صراحة في المادة الرابعة عند حصره للجهات المؤهلة لتحرير التصرفات العقارية باستعمال لفظ “أو” وهو حرف تخييري، و المادة المذكورة بموجب دلالتها القطعية قد حسمت النقاش الذي كان دائرا حول تحصين الملكية العقارية عن طريق إقرار البطلان في كل التصرفات التي لا تصب في الشكلية التي تقررها وهو توجه حاسم إلى حد ما لأنه يضفي الصفة الرسمية على الاتفاقات القائمة بين الأطراف، متى أنجزت من قبل من لهم صلاحية التوثيق وفق الإجراءات الشكلية المحددة سواء تعلق الأمر بالمحرر الرسمي من مجلس العقد حتى المخاطبة و المحرر الثابت التاريخ من مبدأ الحضورية كذلك حتى التعريف بإمضاء محرر العقد من لدن كتابة ضبط المحكمة الابتدائية.
الفقرة الثانية: توثيق التصرفات العقارية في المحررات الرسمية
لقد عرف المشرع المغربي الورقة الرسمية من خلال مقتضيات الفصول من 418 إلى 423 من قانون الالتزامات والعقود، و اعتبرها حجة قاطعة حتى على الغير في الوقائع و الإتفاقات التي شهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضره[12] وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور، وبالرجوع للمادة الرابعة موضوع هذا القانون موضوع هذا المبحث، فإن الجهات المخول لها تحرير المحررات الرسمية محصورة في العدول والموثقون دون غيرهما وعليه فلكل من هذان الجهتان خصوصيات سواء من ناحية الإجراءات المتبعة وسواء من ناحية التنظيم القانوني لكل منهما.
أولا: توثيق التصرفات العقارية من قبل العدول[13]
يعتبر العدول إلى جانب الموثق جزء لا يتجزأ من من منظومة التوثيق في التصرفات العقارية، فمؤسسة التوثيق العدلي لا يمكن الاستغناء عنها[14] منذ ظهورها إلى يومنا هذا، ولهذا فقد عرفت مجموعة من الإصلاحات القانونية التي استهدفتها لكونها تتميز بأهمية كبرى لجمعها بين أحكام الشهادة والكتابة وهي ميزة يتفرد بها التشريع المغربي على خلاف التشريع المقارن[15]
فالعدول بالتذكير أو بالتأنيت وهو بصدد تحرير الاصرفات العقارية يجب أن يتقيد بدائرة نفوذ محكمة الاستئناف المنتصب فيها، كما يجب عليه تلقي الإشهاد كلما تعلق الأمر بشهادات خارجة عن دائرة نفوذ المحكمة المحدث مكتبه بدائرتها، أما إذا كان موضوع الإشهاد يتعلق بعقار أو عقارات تتنازعها دائرتان أو أكثر، ولم يتفق أرباب الشهادة، عين الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الذي رفع إليه الأمرأولا، الدائرة التي يقام فيها الإشهاد بأمر مبني على طلب الطرف الذي بادر برفع المشكل، والجدير بالذكر أن العدل ليس ملزم بالقيام بإجراءات التسجيل والتنبر وإدارة الضرائب والمحافظة على الأملاك العقارية أوغيرها، لأن المتعاقدين وتبعا للمبدأ الذي يقوم عليه النظام التعاقدي بالمغرب وهو الحرية الاختيارية.
تكتب الشهادة المحررة من طرف العدلين تحت مسؤوليتهما[16] في وثيقة واحدة دون انقطاع أو بياض أو إصلاح أو إقحام أو تشطيب أو استعمال حرف إضراب[17] لتتقدم بعد ذلك الوثيقة المهود عليها لدى قاضي التوثيق قصد المخاطبة عليها وفق المقتضيات المقررة في القانون وبعد إتمام الإجراءات بشأنها، والـتأكد من خلوها من النقص، وسلامتها من الخلل، وذلك بالإعلام بأدئها ومراقبتها ويمتنع على القاضي المكلف بالتوثيق المخاطبة على الوثيقة التي الخاضعة لواجبات التسجيل إلا بعد تأديتها، كما لا تكون هذه الوثيقة تامة إلا إذا كانت مذيلة بالخطاب، وتعتبر حينه وثيقة رسمية تسري عليها المقتضيات المومأ إليها أعلاه و تكتسي الحجية بحيث لا يمكن مناقضة مضمنها إلا عن طريق ادعاء التزوير فيها، وفقا للمقتضيات الوارد النــص عليــها فــي القسم الثالث من القانــون 16.03 من الفصل 39 إلى الفصل 51 .
ثانيا: توثيق التصرفات العقارية من قبل الموثق[18]
يعتبر الموثق إلى جانب العدول مؤسسة رسمية لتلقي العقود وهي مهنة حرة تنتمي إلى التوثيق العصري، تمارس وفق الشروط وحسب الاختصاصات المقررة في القانون المنظم لها والمومأ إليه طرته، والذي جاء بالعديد من الضمانات وعيا من المشرع بأهمية التوثيق كآلية أساسية في توفير الأمن التعاقدي فالموثق باعتباره جهة رسمية يجب عليه وتحت مسؤوليته التأكد من صحة هوية الأطراف وصفاتهم قبل التأكد من وضعية العقار القانونية بغض النظر عن طبيعته سواء كان محفظا أو غير محفظ أو في طور التحفيظ[19]، وتجب على الموثق حماية الحقوق الراجعة لأصحابها وقطع الطريق أمام العابثين، كما يجب عليه أن ينير المجلس بالاستشارة والنصح اللازمين وتوضيح الآثار والأبعاد التي قد تترتب عن العقود التي يتلقاها وارتجال فحوى الوثيقة عليهم، فالموثق وتحت مسؤوليته[20] يجب أن يكون محرره لا يطاله إصلاح أو انقطاع أو بشر في صلبه أو إقحام أو كتابة بين السطور أو إلحاق أو تشطيب أو ترك بياض باستثناء ما يفضل بين الفقرات و البنود، وفي هذه الحالة يوضع خط على البياض، كما يجب تحت طائلة البطلان تذييل أوصول العقود بالأسماء الكاملة وتوقيعات الأطراف والترجمان والشهود إن وجدوا، ثم الموثق مع خاتمه وفي حالة وجود صفحة غير موقعة أو غير مؤشر عليها من قبل الموثق فإن هذا البطلان لا يلحق إلا هذه الصفحات و يكتسي بذلك الصبغة الرسمية المذكورة المشار إليها سابقا وكذا من ناحية الحجية بحيث لا يمكن الطعن في مضمنها إلا بالزور باتباع المسطرة المنصوص عليها في الباب الثاني المتعلقة بالتأديب من المادة 72 إلى المادة 89 من القانـــون المنظم لمـهنة التوثــيق بالإضافــــة إلى قواعد القانـــون الجنائي.
الفقرة الثالثة: توثيق التصرفات العقارية في المحررات الثابتة التاريخ على ضوء المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية
يعرف المحرر الثابت التاريخ بأنه كل وثيقة عرفية يتم تحريرها وفقا الشروط التي بينها القانون، وبناء على المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية فإن المحرر الذي يحرره المحامي لا يكون ثابت التاريخ إلا بالمصادقة على توقيعات أطرافه طبقا للفقرة الأولى و الثانية من المادة المذكورة، كما أن تسجيل العقد المذكور له أهمية قصوى سواء من أجل تقييد العقد بالمحافظة على الأملاك العقارية، أو إضفاؤه على العقد صفة ثبوت التاريخ، ويعتبر العقد الذي يحرره المحامي والذي يهم تصرف منصب على عقار كيفما كان نوعه، هذا ويتضح من خلال المادة الرابعة السالفة الذكر، أن المتعاقدين يبقى لهم الاختيار في تحرير عقودهم طبقا للمبدأ المشار إليه في الفقر الأولى من هذا المبحث، وبالتالي يبقى من غير المقبول أن تطرح أمام القضاء بعد دخول مدونة الحقوق العينية حيز التنفيذ وبغد تعديل المادة الرابعة المذكورة وجعل الوكالات بدورها تخضع لشكلية الكتابة وخاضعة لمبدأ الاختيارية الذي يحصر الجهات الموكول لها تلقي مثل هذه التصرفات يتم الاعتماد فيها على عقود عرفية غير محررة من طرف من سبق ذكرهم؛ إذ مازالت العقود التي يحررها الكاتب العمومي والتي يتم المصادقة عليها أمام الجماعات الترابية والتي تتعلق بالعقار موجودة على مستوى الواقع العملي،[21] حيث يطرح السؤال على الجهة المسؤولة على استمرار ظاهرة العقود العرفية الباطلة؟
وبمناسبة الحديث عن احتكار المحامي للمحررات التي لها علاقة بالعقار، فإن الملاحظ أن ارتفاع إقبال المتعاقدين على اللجوء إلى المحامي هي تلك العقود التي رفض الموثق أو العدول تحريرها سواء للبس فيها أو عدم استنادها على أصل للملكية، الأمر الذي يفرض على المشرع المغربي إذا كان يرغب فعلا في القضاء على ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير، وقطع الطريق أمام العابثين لوبيات العقار أو ما أضحى يسمى ب”مافيا العقار” و الحفاظ على الأمن التعاقدي أمرين لا ثالث لهما كما ذهب إلى ذلك الفقه المغربي[22] وبدا لنا عن حق صوابيته:
- اشتراط الرسمية في جميع التصرفات الناقلة للملكية أو المنشئة لحق عيني أو المعدلة أو المسقطة، تفاديا لما طرحته المحررات العرفية في استفحال الظواهر التي كانت في عهد الورقة العرفية من قبيل السكن الصفيحي و تقسيم العقارات القروية وإقامة تجزئات عقارية لا تستند على أساس قانوني داخل المجالات القروية.
- إذا كان المشرع سيحافظ على احتكار المحامي لتحرير المحررات الثابتة التاريخ، فإنه يتعين عليه أن يتدخل لتعديل قانون المهنة، أو إصدار قانون مستقل، ينظم كيفة تحرير المحامي لهذه العقود، كما فعل بالنسبة للتوثيق العدلي أو التقليدي و التوثيق الرسمي العصري بحيث اشترط الرسمية في جميع التصرفات الناقلة للملكية أو المنشئة لحق عيني أو المعدلة أو المسقطة، تفاديا لما طرحته المحررات العرفية من استفحال الظواهر التي كانت في عهد الورقة العرفية من قبيل السكن الصفيحي و تقسيم العقارات وإقامة تجزئات عقارية لا تستند على أساس قانوني داخل المجالات القروية.
بالرجوع للمادة الرابعة المذكورة نجد أنها نصت على وجوب مرور العقد المحرر لدى ثلاث جهات كل حسب مهمتها الوظيفية، بدأ من المحامي مرورا بتصحيح الإمضاءات وصولا إلى رئيس كتابة ضبط المحكمة الابتدائية التي يزاول بدائرتها المحامي محرر العقد.
أولا: المحامي محرر العقد
تعتبر مهنة المحاماة من المهن المساعدة للقضاء وتساهم في تحقيق العدالة، ويعتبر تحرير العقود من مظاهر تلك المساعدة، إذ يعمل المحامي على تحضير وسائل الإثبات لللفصل في النزاعات المعروضة أمام القضاء، وهو ما ذهب إليه المشرع سيرا على نهج المشرع الأنجلوسكسوني إذ عمل على توسيع دارة مهام المحامي من خلال القانون المنظم للمهنة[23] وكذا من خلال المادة الرابعة التي أضافت بعض الشروط منها ما يتعلق بالمحامي بحيث يجب أن يكون مقبولا للترافع لدى محكمة النقض أي بعد اكتسابه لتجربة مهنية أكثر من خمسة عشر سنة من الممارسة الفعلية للمهنة، وبعض الإجراءات المسطريــة المشـــار إليهـــا بعده
ثانيا: مصلحة تصحيح الإمضاءات[24]
تكمن عملية تصحيح الإمضاء بصفة عامة في الإشهاد على صحة الإمضاء المتواجد على الوثيقة، دون التطرق إلى مضمونه، إلا أن هناك بعض الموانع التي تحول دون ممارسة هذه المسطرة مما يلزم الجهة المختصة بتصحيح الإمضاء النظر في بعض الحالات إلى مضمون الوثيقة المراد تصحيح إمضائها، و للإشهاد على صحة الإمضاء تقوم السلطة المعنية بالتصحيح مع وضع ختم خاص بذلك وكذا التاريخ بالإضافة إلى العبارة التالية “اطلع على التوقيع” مع تبيان هوية الأشخاص الراغبين في تثبيت إمضاءاتهم وكذا تصحيحها، وتعتبر مهمة الإشهاد على صحة الإمضاء خدمة تقدمها الإدارة للمواطنين لتثبيت التوقيع وليس لإضفاء طابع رسمي وتوثيقي على مضمون الوثائق، و المشرع توجه إلى حصر الجهات المختصة بالإشهاد على صحة الإمضاء في ست جهات لها صلاحية تصحيح الإمضاء بمقتضى القانون تتمثل في :
- رئيس المجلس الجماعي (مصلحة تصحيح الإمضاءات المتواجدة بالمجالس الجماعية)[25]
- رئيس مجلس المقاطعة (مصلحة تصحيح الإمضاءات المتواجدة بمجالس المقاطعات) [26]
- مؤسسة العامل[27]السلطات القضائية وأمناء الخزائن[28]
- الأعوان الدبلوماسيون والقناصل خارج الوطن[29]
- وزير الخارجية والتعاون[30]
لكن تبقى الجهتين الأساسيتين لتلقي هذه العقود المحررة من طرف المحامي المقبول للترافع لدى محكمة النقض هما مجلس الجماعة ومجلس المقاطعة، حسب المادة الأولى من مرسوم (8 يونيو 2022) بتحديد كيفيات الإشهاد على صحة الإمضاء من قبل الجماعات والمقاطعات[31]
ثالثا: رئيس مصلحة كتابة الضبط لدى المحكمة الابتدائية [32]:
يقصد بكتابة الضبط، سلك من الموظفين لدى كل محكمة ويتكون هذا السلك من كاتب ضبط رئيس المصلحة يساعده كتاب ضبط وأعوان لهذه الكتابة حسب النظام الأساسي المنظم لها[33]، وبخصوص اختصاصتات الجهاز المذكور يتمثل في التعريف لإمضاء المحامي محرر العقد من طرف رئيس المصلحة أو من ينوب عنه، والذي عندنا هو مكتب التدبير الإداري لدى بالمحاكم المغربية، والنقاش الذي كان دائرا في الوسط القانوني يدور حول مسؤولية كتابة الضبط فيما يخص العقود المحررة من قبل المحامي المقبول لدى محكمة النقض؛ هل يكتفي فقط بالتعريف بإمضاء المحامي دون التدخل في مضمون الوثيقة الحررة من طرفه أم يجوز له أن يمتنع عن التعريف مادام العقد المراد التأشير عليها يخالف النصوص القانونية المنظمة لعملية التعاقد؟
لحسم هذا الجدل تدخل القضاء المغربي الإداريبحيث اعتبر أن[34] ” إلزام رئيس كتابة الضبط بالتأشير على التعريف بإمضاء المحامي على العقد المحرر من طرفه مع تعلقه بتصرف يمنع القانون إبرامه من شأنه، أن يحدث أثرا قانونيا ليفضي إلى مخالفة نص جنائي وهو ما لا يصح قانونا الأمر به مادام يتعارض مع النصوص القانونية لعمليات التعاقد التي من غاياتها حفظ الأمن العقاري والقانوني، فيكون من حق رئيس كتابة الضبط الامتناع عن التأشير عن أي عقد تثبتت مخالفته لنص قانوني يحتمل معه إثارة مسؤوليته الجنائية عن المشاركــة في إعــــداده. رفض طلب إلغــاء القــــرار المطعون فيه… نعم” .
وعليه فإن مسؤولية رئيس كتابة الضبط أو من ينوب عنه تتمثل في التأشير على العقد المحرر من طرف المحامي الواضع لنموذج توقيعه لدى مصلحة كتابة الضبط، وكذا مراقبة مضمون العقود لتكون وفق المقتضيات المقررة في القانون وبعد إتمام الإجراءات بشأنها، والـتأكد من خلوها من النقص، وسلامتها من الخلل، وذلك بعدم مخالفتها للنصوص الخاصة بالعقار والتعمير، ويمتنع على رئيس مصلحة كتابة الضبط أو نائبه المكلف بالتعريف، التأشيرعلى العقد، كما لا تكون هذه الوثيقة تامة إلا إذا كانت مذيلة بهذا الإجراء، وتعتبر حينه كالوثيقة الرسمـية من حيث الحجية بعد مرورها من هـذه المراحــل الدقيـــقة.
المطلب الثاني: الاستثناءات الواردة على تحرير التصرفات العقارية من مدونة الحقوق العينية
إذا كان المشرع المغربي قد أقر مبدأ الاختيارية في توثيق التصرفات العقارية بين المحرر الرسمي والمحرر ثابت التاريخ، فإن هذا المبدأ ليس مطلق بل يعرف قيودا تحد من نطاقــه .
فقد أوجب المشرع وتحت طائلة البطلان أن تحرر العقود التي يكون موضوعها تبرعي كالهبة والصدقة والعمرى أو بعض أنواع العقود كعقد المغارسة كما في بعض الحقوق العينية التبعية الرهن الحيازي في محرر رسمي، ليجد بعد فرضه بعضا من التلطيف فيما يخص التصرفات المتفق عليها تراضيا في إطار نزع الملكية من أجل المنفعة العامة وعليه، واعتبارا لما سبق يقتضي بنا تقسيم هذا المطلب إلى أربع فقرات تضم الفقرة الأولى توثيق التصرفات التبرعية في ظل مدونة الحقوق العينية، فيما ستتضمن الفقرة الثانية عقد المغارسة كاستثنتاء من مبدأ الاختيارية على أن نعرج في الفقرة الثالثة إللى إلزامية الرسميـة في توثيق الرهن الحيازي كأحد الحقوق العينية التبعية، على أن نخصص الفقرة الرابعة لمسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة.
ثالثا: توثيق حق العمرى
حق العمرى هو حق عيني أصلي قوامه اتفاق على يرد سبيل التأقيت وفي حياة المعطي والمعطى له، وبالرجوع إلى مقتضيات مدونة الحقوق العينية نجد المشرع نظمه في المواد من 105 إلى 108 من المدونة المذكورة، وبما أن العمرى هو حق قوامه اتفاق شخصين يجب أن يرد في صك مكتوب عبارة عقد، وحتى يقع صحيحا ومنتجا لآثاره القانونية أوجب المشرع إبرامه في محرر رسمي من طرف العدول أو المحامي وفق المراسيــم المشار إليها.
وبذكر المشرع لطريقة اكتساب حق العمرى قد استبعد شرط الحوز واعتبر الشرط الوحيد لصحة هذا العقد هو تحريره والإشهاد عليه في محرر رسمي، وبالرجوع لأصل الحق فإنه ينتمي إلى حقل الحقوق العرفية الإسلامية التي كانت منظمة بمقتضى الشريعة الإسلامية، وعلى وجه التخصيص مذهب الإمام مالك الراجح منه والمشهور وما جرى به العمل، إذ كان
يشتــرط عنصر الحوز ومعاينة ماديته والإخلاء للعين محل العمــرى إذا كانت عبارة عـــن محل للسكنى وهــو التوجـه الذي كان سائـدا بالمغرب فقها وقضاء قبل مجيئ مدونة الحقوق العينية، التي استغنت عن عنصر الحوز واعتمدت على شكلية التصرف طبقا لما هو مقرر في القانون الذي يستوجب الرسمية دون غيرها من طرق الكتابة.
وعليه وباعتبار خصوصية هذا الحق وتاريخه فإن المشرع أكد على تطبيق مدونة الحقوق العينية فيما يتعلق بالحقوق التي تم إنشاؤها بعد صدورها أما الحقوق المنشأة بوجه صحيح قبل دخول المدونة حيز التنفيذ بعد ستة أشهر من نشرها بالجريدة الرسمية، تطبق عليها قواعد الفقه المالكي الراجح منه والمشهور وما جرى به العمل وهو التوجه الذي أكده القضاء المغربي في قرار له إذه جاء فيه: “حيث صح ما عابه الطالبون على القرار، ذلك أن العمرى عقد تطبق فيه قواعد الفقه المالكي قبل دخول مدونة الحقوق العينية حيز التطبيق بتاريخ 2011/02/20، ولما كان الثابت من الوقائع والأدلة المعروضة على قضاة الموضوع أن عقد العمرى الذي تمسكت به المطلوبة في طلبها إفراغ الطالبين وردت المحكمة دعوى إبطاله المقامة من الطالبين أجر لها من زوجها قبل وفاته بتاريخ 1991/06/10 وذلك قبل أن يشرع في تطبيق مدونة الحقوق العينية، فإن القواعد التي تحكم هذا العقد صحة وبطلانا هي التي ينص عليها الفقه المالكي الساري المفعول حين إنشاء هذا العقد وتدخل العمرى في باب التبرعات يسري عليها نفس أحكامها الفقهية ركنا وشرطا، ومن ذلك شرط الحوز ومعاينته والإخلاء للعين محل العمرى إذا كانت عبارة عن دار سكنى المعمر بالكسر، ففي تحفة إبن عاصم: “وإن يكن موضع سكناه يهب فإن الإخـلاء له حكم واجـب”. ونص قبل ذلك في الحبس : ومن يحبس دار سکناه فـلا يصح إلا أن يعاين الخـلا وهذا الحكم في حوز العمرى، نصت عليه التحفة أيضا بقولها “هبة غلة أصـول العمـرى بحوز الأصل حوزها إستقـرا” ولا يغني الحوز في دار السكني في العمرى عن إخلائها من المعمرى للمعمر لأنه حكم في جميع التبرعات ولأنها من واد واحد، كما يعبر الفقهاء عن شمولها بتلك الأحكام، ولا كان البين من عقد العمري المستدل به من المطلوبة أنه لا يشتمل على الإشهاد على إخلاء المعمري (بالكسر) للدار التي أعمرها إياها وهي هبة لغلتها يسري عليها نفس حكم الإخلاء الواجب لها ولما أثبتت هذا الإخلاء سنة قبل وفاته، فإن المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه لما عللته بما مفاده؛ أن حق العمري حق عيني قوامه تمليك منفعة عقار بدون عوض، وأن المعمري قبلتها من المعمر الموجب بها في عقد رسمي وتقيم في العقار الذي أعمرها فيه ولا يشترط فيها معاينة الحوز وعقدها صحيح ولو لم يعاين الحوز طبقا للمواد 105 وما يليها من مدونة الحقوق العينية، تكون قد إستنكفت عن مناقشة صحة العمرى للمطلوبة، طبقا لقواعد الفقه المالكي التي توجب الحوز ومعاينته والإخلاء من الملك المعمرة فيه، لأنه دار سكنى المعمر فلم تصب صحيح الفقه وعرضت قرارها للنقض”[35].
الفقرة الثانية: عقد المغارسة في ظل مدونة الحقوق العينية
قبل الخوض في دراسة أحكام المغراسة وتوثيقها لا ضير لأن نتطرق لمدلولها اللغوي والاصطلاحي، ” فالمغارسة مفاعلة، مأخودة من الغرس وهي أن يدفع شخص أرضه البيضاء إلى آخر ليغرس فيها ما يشاء من الأشجار المختلفة أو نوعا معينا منها مقابل جزء معلوم من الأرض بأشجارها، يستحق العامل عند إطعام الشجر أو بلوغه علوا محددا أو مرور مدة معينة[36]1،وهو التوجه الذي جرى على نهجه المشرع المغربي في المادة 265 من مدونة الحقوق العينية وهو بصدد تعريفه لعقد المغارسة بحيث نص على أن “المغارسة عقد يعطي بموجبه مالك أرضه لآخر ليغرس فيها على نفقته شجرا مقابل حصة معلومة من الأرض والشجر يستحقها الغارس عند بلوغ الشجر حد الإطعام” ورغم أن التعريف مسألة فقهية يجب أن يترك أمرها للاجتهاد، فإن المشرع كان موفقا باعتماده هذا التعريف كونه لايختلف مع التعريف الفقهي لأبي الشتاء الحسن بن الغازي الحسني الصنهاجي[37] في كتابه التدريب على الوثائق العدلية.
وبالرجوع للفقرة الثانية من المادة المومأ إليها أعلاه، على أنه لا يجوز أن يكون محل عقد المغارسة حقوقا مشاعة، بل يجب أن يكون حقوقا مملوكة فعلا لصاحب الأرض، بحيث لا يجوز إنشاء المغارسة على إرض ذات ملكية شائعة إلا بعد قسمتها قسمة بتية منهيـة للشياع بالإضافة إلى أن المشرع أقر علاوة على ما سبق ألا يجوز أن يشترط أجل يقل عن حد الإطعام أو يتجاوزه وذلك تحت جزاء البطلان، فضلا على أن عقد المغارسة ينعقد فضلا عن الشروط المذكورة في المادتان 265 و 266 أن يوثق في محرر رسمي، بحيث يعين فيه نوع الشجر المراد غرسه، بالإضافة إلى بيان حصة الغارس في الأرض والشجـــر.
أولا: إنشاء عقد المغارسة
يجب لأن يكون عقد المغارسة قائما منتجا لآثاره القانونية توفر جملة من الشروط من دونها لا يصح، بحيث يعتبر من بين الشروط الضرورية التي لا غنى عنها هو اشتراط الرسمية في عقد المغارسة والخروج عن مبدأ الحرية الاختيارية، وهو ما ينم على أن هذا العقد يكتسي أهمية بالغة في المجتمع لتعلقه بالمنفعة، ولتكريس هذه الأهمية أوجب المشرع المغربي تحريره من لدن جهتين حصرهما في تلقي هذه الأنواع من العقود وتتمثل عندنا في مؤسستين سبق التطرق لتنظيمهما، الأولى هي مؤسسة التوثيق العدلي الذي يتميز به النظام التوثيقي المغربي على باقي التشريعات الأخرى المقارنة، أما الثانية تتمثل في مؤسسة التوثيق العصري. وعليه فإن عقد المغارسة يتم توثيقه من طرف هاتين الجهتين المذكورتين فقط دون غيرهما والتي أجدى المشرع بإعطائها مسؤولية مراقبة توفر شروط المغارسة الآيلة لنا عن طريق الشريعة الإسلامية. إذن فما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في عقد المغارسة قبل وعند تحريره ؟
أ – العدول: يجب علاوة على الشروط العامة المقررة في نظرية العقد أن تتوفر الشروط الخاصة في عقد المغارسة بحيث يجب أن يحرر عقد المغارسة وتحت طائلة البطـلان، فـــي محـــرر رسمي من طرف من حددهم القانون واعتبرهم جهات رسمية مختصة في تحرير هذا النوع من العقود والتي تتمثل في الجهة المازجة بين الشهادة والكتابة وهي مؤسسة التوثيق العدلي، بحيث يجب أن يتلقى العدلين المنتصبين للإشهاد على عقد المغارسة وإثبات تاريخها بعد تضمينها في الكنانيش المعدة لذلك وذلك بترقيمه ومنحه صحيفة وكناش للأملاك بعد عملية المخاطبة من لدن قاضي التوثيق لدى المحكمة الابتدائية التي يزاول بدائرتها محرر العقد كل هذا طبقا لقانون التوثيق الجاري به العمل.
ب – الموثق: كذلك الأمر بالنسبة للموثقون بحيث يعتبر الموثق وكما سبقت الإشارة إليه إلى جانب العدول مؤسسة رسمية لتلقي العقود وهي مهنة حرة تنتمي إلى التوثيق العصري، تمارس وفق الشروط وحسب الاختصاصات المقررة في القانون المنظم لها، بحيث يعمد الموثق داخل مجلس العقد وقبل انفضاضه بغض النظر عن طبيعة العقار سواء كان محفظا أو غير محفظ أو في طور التحفيظ[38] على التأكد من خلوالملك من جميع التحملات والتبعات وأنه ملكية خاصة غير مشاعة، مع الاستثبات بأن الأجل لا يقل أو يتجاوز حد الإطعام.
ج – الخبرة القضائية: لكي يصح عقد المغارسة وينتج آثاره القانونية والمحددة حصرا في ثلاثة شروط غني البيان باثنين منها، بحيث لا يرتب عقد المغارسة أ] أثر إلا إذا تحقق الإطعام، واعترف به الطرفان في محرر رسمي أو ثبت بخبرة قضائية مصادق عليها من طرف المحكمة واعتبار حكمها بمثابة عقد ناقل للملكية إلى الغارس، والخبرة القضائية تأمر بها المحكمة وتجري بصفة قانونية إلى حين المصادقة عليها، حينئد يمكن للغارس أن يستصدر أمرا بإجراء تقييد احتياطي أو أي إجراء من شأنه الحفاظ على رتبه استنادا إلى الأثر الإنشائي المنصوص عليه في الفصل 67 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بمقتضى القانون 14.07 ابتداء من تاريخ التقييد، ويعتبر الحكم النهائي القاضي بالمصادقة على الخبرة الصادر عن المحكمة بمثابة عقد ناقل للملكية إلى الغارس.
ثانيا: شروط عقد المغارسة
يجب في العقد بيان نوع الشجر الذي وقع الاتفاق على غرسه في الأرض فمثل الذي التزم بزرع شجر الزيتون أو الأركان وغير ذلك من الأنواع المتفق عليه بين الطرفين، وعليه فإن الغارس يلتزم في حدود ماذكر وضمن في العقد وكل غرس يخرج عن دائرة الأغراس المحددة يعتبر عديم الأثر لا يستحق معه الغارس أي حق مما عمل[39].
أ – بيان حصة الغارس في الأرض والشجر:
يلزم في عقد المغارسة النص على حصة الغارس والجزء المتفق عليه، سواء في الأرض أو الشجر، كون المغارسة تجوز في جزء معلوم من الأرض كالربع أو الثلث أو النصف وما إلى ذلك من الأجزاء المتفق عليها[40].
ب – تعيين الشجر المراد غرسه: لكي يصح عقد المغارسة يجب أن يعين نوع الشجر الذي
يتم الاتفاق على غرسه في الأرض من حيث نوعه كمثل شجر الزيتون أو شجر الرمان أو غير ذلك من الأنواع وهذا الاتفاق هو الذي بمقتضاه يلتزم الغارس بتعهده، ولا يحيد عن ماتضمنه الاتفاق وكل إخلال بذلك لايستحق الغارس أي حق مما عمل.
الفقرة الثالثة: الرهن الحيازي في ظل مدونة الحقوق العينية
يعتبر الرهن الحيازي من أقدم الضمانات الواردة على المعاملات سواء أ كانت عقارية أو غيرها، إذ يكتسي مكانة اعتبارية جعلت المشرع المغربي يفرد له تنظيما خاصا به، وقوامه بأنه حق يتقرر على ملك يعطيه المدين أو كفيله إلى الدائن المرتهن للوفاء بدين ويخول صاحبه حق الاستئثار والحيازة وحق حبس الملك إلى حين استيفاء دينه وتتضح أهمية هذا الحق من خلال تقديم الدائنين المرتهنين على غيرهم من الدائنين غير المرتهنين باعتباره حقا عينيا تبعيا تتفرع عنه الميزتان التقليديتان وهما ميزتا التقدم والأفضلية، ولتكريس الطابع الاهتمامي بهذا الحق اشترط المشرع المغربي لصحته مجموعة من الشروط واجبة المراعاة وهــي كالآتي:
أولا: إنشاء الرهن الحيازي
يشترط لكمال صحة عقد الرهن الحيازي أن يتم توثيقه وإفراغه في محرر رسمي محرر من طرف الجهتين الموكول لهما ذلك وهما مؤسسة التوثيق العدلي ومؤسسة التوثيق العصري، على عكس التنظيم القانوني السابق للعقارات المحفظة وهو ظهير 2 يونيو 1915 الذي يؤخد عليه أنه لم يحدد شكل الكتابة المتطلبة في هذا الحق وهو المعطى الذي أتى به مشرع 22 فبراير 2011 من خلال القانون 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، ومن خلال استقراء نص المادة 147 من المدونة المومأ إليها جاءت بالصيغة التالية: ” يشترط لصحة الرهن الحيازي أن يبرم في محرر رسمي وأن يكون لمدة معينة…” والملاحظ أن نص المادة المشار اليها لم يقرر أي جزاء عند الإخلال مما يعني بأنه شرط ضروري في العقد لكن لا يمس جوهر قيامه، وبمقارنة ماجاء في المادة الرابعة من المدونة و المادة 147 المذكورة أعلاه، نجد المشرع أقر في الأولى جزاء عند الإخلال بحيث اعتبر العقود المحررة من طرف الجهات الأخرى غير المحددة في المادة الرابعة عقودا باطلة معدومة لا أثر لها، في حين لم يقرر المشرع في الثانية أي المادة 147 أي جزاء مما يعني الخروج عن المبدأ وإقرار إمكانية تحرير عقد الرهن الحيازي في محرر غير رسمي سواء ثابت التاريخ أو عرفي.
وشرط الكتابة عند الإنشاء شرط لازم لنفاذ الرهن الحيازي، بصرف النظر عن نوع المرهون سواء أكان شيئا ماديا أم دينا عاديا أم حقا مترتبا على شيئ غير مادي أم كان مترتبا عن عقار محفظ أو عقار غير محفظ.
ولئن كانت الكتابة شرطا ضروريا في إنشاء عقد الرهن الحيازي فقد أوجب المشرع المغربي أن يتضمن العقد تعيين الأشياء والأموال المرهونة وماهيته، فذلك حتى يحددا المرهون بصورة دقيقة.[41]
ثانيا: شروط الرهن الحيازي:
أقر المشرع المغربي عدة شروط لتمــام عقد الرهــن الحــيازي وقسمها إلى شـــروط شكلية وشروط تمس الموضوع وهي كلها أساسية ينبني عنها صحة العقد من عدمه بالإضافة إلى شروط أخرى ثانوية لا تمس جوهر العقد بحيث جاءت تخييرا لا وجوبا.
وعليه فعقد الرهن الحيازي يجب أن يكون لمدة محددة وكذا يجب معاينة حوز الملك المرهون إذا تعلق الأمر بعقار غير محفظ.
أ – وجوب تحديد مدة الرهن: أوجب المشرع في المادة 147 من مدونة الحقوق العينية بأنه لينعقد الرهن الحيازي وجب أن ينعقد لمدة معينة ومحددة، وذلك بالنص صراحة في العقد
على أنه لمدة معينة وستنتهي مفاعيله بعدها،
ب – في حالة عدم تحديد مدة معينة: المشرع لم يحدد مدة معينة في القانون بل جعلها بيد إرادة الأطراف يكيفونها حسب مشيئتهما حسب مصلحتهما في ذلك شريطة ألا تطول وأن تكون لمدة معقولة، بحيث من غير المقبول أن تفوق مدة الرهن الحيازي الخمسين سنة، فإن كانت فالعقد باطلا حينها.
ج – وجوب معاينة حوز الملك المرهون إذا كان العقار غير محفظ: يجب أن يتضمن العقد معاينة حوز العقار المرهون إذا كان غير محفظا وحتى إن كان محففظا فالعبرة بالمعاينة و الحبس، فعقد الرهن الوارد على عقار غير محفظ يجب أن يتضمن وتحت طائلة البطلان خلو الملك من كل ما من شأنه أن يؤثر على حيازته وقبضه.[42]
وإن كان شرط الحيازة ضروري لتمام الانعقاد لا لقيام العقد، فإن الذي له الصلاحية في ذلك هو المرتهن في العقار المرهون لأنه لايعني معاينة الحوز من طرف الموثقين والعدول ومن لهم صلاحية التوثيق،[43] هذا بالإضافة إلى شروط أخرى ثانية منصوص عليها في المادة 148 ومايليها من مدونة الحقوق العينية.
خاتمة:
لقد تبين بلا ريب، مـن خـلال فـقـرات هذا البحث أن التوثيق أساس التعاقد معه يصح وبدونـه لا تقوم له قائمة، بحيث أن كل ما يخص التعاقد كان خاضعا للشريعة العامة في قانون الالتزامات والعقود الأخير الذي أصبحت نصوصه قاصرة على مسايرة التطور التشريعي في القوانين المقارنة، إذ أن التشريع لم يعد فقط ضرورة اجتماعية بل أَضحى خاضعا لنظام الجودة التشريعية المقرر في السوق الدولية، هذا فضلا على التنوع والازدواجية التي يتميز بها النظام العقاري المغربي نظرا لكون مايربو من مجمل الحقوق العقارية مستمدة من الشريعة الإسلامية وخاضعة لقواعد الفقه المالكي الراجح منه والمشهور، كل هذه المعطيات أدت إلى تدخل تشريعي لحسم الجدال القائم بخصوص تنظيم عملية التعاقد وتم ذلك بإصدار مدونة الحقوق العينية التي نسخت مقتضيات ظهير 2 يونيو 1915 المتعلق بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة وأخدت بعين الاعتبار في تنظيمها لأحكام النظام العقاري بالمغرب بالازدواجية بين العقار المحفظ والعقار غير المحفظ وبينهما العقار في طور التحفيظ وكذا التعددية، لتقر بشكل لا لبس فيه بمبدأ رسمية التصرفات العقارية ومراقبة الدولة لهذه التصرفات سواء كانت تتعلق بالإنشاء أو التعديل أو الإنهاء، لتحصر الجهات الموكول لها القيام بهذه المهمة في ثلاثة جهات كل جهة حسب قانونها المنظم، فعندما نتحدث عن عن العقد الرسمي فإننا نستحضر مؤسستي التوثيق العدلي التقليدي الجامع بين الشهادة والكتابة وهو ما يتميز به التشريع المغربي على باقي التشريعات الأخرى المقارنة، وكذا مؤسسة التوثيق العصري التي تتميز بتكوينها في مجال تخصصها، على أن مشرع المادة الرابعة أضاف جهة ثالثة وهي المحامون المقبولون للترافع لدى محكمة النقض التي تتميز هي الأخرى بالتكوين الشامل في المجال القانوني، فالمحررات الثابتة التاريخ هي الأخرى تحكمها إجراءات دقيقة واجبة المراعاة من قبيل تحرير العقد لدى محامي له أحقية تحرير العقود، وذلك من خلال وضعه لنموذج توقيعه لدى كتابة ضبط المحكمة الابتدائية التي يمارس بدائرتها، مرورا إلى مرحلة تصحيح الإمضاءات لدى الجهات المختصة والمشار إليه أعلاه، وصولا إلى التعريف بإمضاء محرر العقد من قبل رئيس كتابة ضبط المحكمة الابتدائية أو من ينوبه.
ووعيا من المشرع بأهمية بعض التصرفات العقارية فإنه خرج عن مبدأ الاختيارية المنصوص عليه في المادة الرابعة من المدونة المذكورة، خصوصا التبرعية منها سواء كان هذا التبرع تمليك لعقار أو لمنفعته، لذلك أقر بإلزامية توثيق عقد الهبة والصدقة والعمرى في محرر رسمي يتم تحريره من طرف الجهتين الموكول لهما ذلك والمحددة عندنا في مؤسسة التوثيق العدلي ومؤسسة التوثيق العصري تحت طائلة البطلان، ثم أضاف تصرفات أخرى لا تقوم بدون رسمية كعقد المغارسة وعقد الرهن الحيازي.
وهكذا يتبين جليا بأن توثيق التصرفات الواردة على العقار ليست مجرد عمليات وإجراءات فحسب، فهي مشروع سياسي كبير يهم عقلنة تدبير المنظومة العقارية المغربية وحماية الملكية العقارية من كل ما من شأنه المساس بها، وهذا ما ينم على التوجه التشريعي المغربي الجديد.
هذا المشروع الذي يحتاج إلى إرادة واعية قصد تفعيله وأجرأته، لأن العبرة بالجودة لا بالكثرة
فكثرة النصوص القانونية المنظمة للعقار والتوثيق وشتاتها تصيب المنظومة بالجمود لدى وجب القيام بثورة تشريعية سيرا على نهج التشريعات المقارنة لسد جميع النقائص التي يعرفها النظام التوثيقي، بالإضافة إلى توحيد شكلية إبرام التصرفات العقارية وتأطير من ليس لهم تكوين في مجال التوثيق لكي نتجاوز المعيقات التي كانت مستفحلة في عهد العقود العرفي.
[1] عبد الرحمان الشرقاوي :القانون المدني، الجزء الأول، مصادر الالتزام، التصرف القانوني ، الطبعة السابعة 2022 مطبعة الأمنية ،الرباط ، ص 46.
[2] علال فالي: “صناعة النصوص القانونية، إشكالات الاختصاص والصياغة” ،الطبعة الأولى، 2018، مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ، ص،328.
[3] نص الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية التاسعة “الرباط 11-10-2013 متوفـــــر بالموقع الرسمي لمجلس النواب للطاع المرجو زيارة الموقع التالي: بالفرنسية WWW.Chambredesrepresentants.ma
[4] اعتبرت محكمة النقض في إحدى قراراتها على أنه”يمكن إثبات بيع العقار غير المحفظ على غرار باقي الدعـــــاوى المالية التي يجوز إثباتها بشهادة عــــدل ويمكـــن تبعا لما هو مقرر في المذهب المالكي، ويشتـــرط في البينة أن تكـــون صحيـــجة متنا وسـندا بتوفـــرها على النصاب الشرعي، وأن يستند الشاهد في علمه على المستند الخاص المبني على حضــــوره مجلس العقد و معــرفته بالـثمن المعجـــل والمؤجل، ولا يقبل في ذلك الإجمال في الشهادة.” قرار عدد 1809 بتاريخ 19 أبريل 2011 فـي الملـــف عـــددولتحصين هذه 4678/1/7/2009.
قضاء محكمة النقض عدد 75 ص 29.
[5] ظهير شريف صادر في 9 رمضان 1331 (12 غشت 1913) المتعلق بالتحفيظ العقاري والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 46، بتاريخ 12 شتنبر 1913، ص19 معدل و متمم بمقتضى القانون 14.07 الصادر بتنفيذه الظهيــــــر الشريف عدد 1.11.177 بتاريخ 22 نونبــــر 2011.
ظهير شريف صادر بتاريخ 2 يونيو 1915 متعلق بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة .[6]
[7]ظهير شريف صادر في 9 رمضان 1331 (12 غشت 1913) المتعلق بالالتزامات العقود.
[8] ادريس الفاخوري ” الوسيط في نظام الملكية العقارية على ضوء مدونة الحقوق العينية و التشريعات العقارية الخاصة ص .
[9] الظهير الشريف عدد 1.11.178 بتاريخ 22 نونبر 2011 الصادر بتنفيذ لقانون 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه
[10] القانون 69.16 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.17.50 بتاريخ 30 غشت 2017 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد: 6604 بتاريخ 14 شتنبر 2017، ص: 5068.
وتنبغي الإشارة إلى أن أسباب إقدام المشرع على هذا التعديل عديدة لا يمكن حصرها، لكن يمكن ذكر أهمها وأخطرها فحسب الأستاذ حميد بالمكي في كتابه صناعة التشريع العقاري بالمغرب هي ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير والتعدي على حقوقهم باستعمال وثائق مزورة الشيئ الذي دفع بقيام جلالة الملك بتوجيه رسالة ملكية سامية أخرى بعد الأولى المشار إليها قبله، موجهة إلى السيد وزير العدل والحريات بتاريخ 30 دجنبر 2016 في شأن التصدي لظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير، وقد تضمنت الرسالة الملكية تعليمات واضحة وتوجيهات صارمة، من أجل التصدي لهذه الظاهرة ومواجهتها بخطة حازمة ومتكاملة، من خلال اتخاد مايلزم من تدابير وقائية وتشريعية وتنظيمية وعملية.
وتنفيذا للتعليمات الملكية التي دبجها في الرسالة المذكورة، عملت وزارة العدل على إحداث لجنة مختصة، تتكون من ممثلي القطاعات الحكومية والمهن القانونية والقضائية المعنية، والتي انكبت على وضع خطة عمل للتصدي لأفعال الاستيلاء على عقارات الغير، وقد أسفر عمل هذه اللجنة عن اتخاد مجموعة من التدابير والمقترحات الآنية، في جانبيها الوقائي والقضائي، منها مايهم المجال التشريعي ومنها ما يرتبط بالمجالين التنظيمي و العملي، وبالنسبة للمجال التشريعي الذي يهمنا فقد تم أجرأة التوجيهات الملكية ومخرجات عمل اللجنة المذكورة، فصدرت بعض القوانين التي من شأنها المساهمة في الحد من استفحال هذه الظاهرة المهددة للأمن العقاري، فتولد عن ذلك صدور القانون 69.16 القاضي بتتميم المادة الرابع.
ة بمدونة الحقوق العينية، الذي تمت بموجبه إضافة الوكالة بالتصرف في عقار محفظ ضمن الوثائق الواجب تحريرها في شكل محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ، يتم تحريره من طرف محامي مقبول للترافع لدى محكمة النقض.
[11] ادريس الفاخوري مرجع سابق ص 124.
[12] في محضره بمعنى بحضوره أو أمامه يشهد على تصرفاتهم ووقائع التعاقد داخل مجلس العقد
[13] ظهير شريف رقم 56-06-1 صادر في 15 من محرم 1427 (14 فبراير 2006) بتنفيذ القانون رقم 03-16 المتعلق بخطة العدالة.
[14] “تعتبر خطة العدالة محورا أساسيا في المنظومة القضائية ، لكونها من المهن القانونية والقضائية التي تزاول في إطار مساعدي القضاء ، هدفها الأساسي توثيق الحقوق والمعاملات ، والحفاظ على أعراض الناس وأنسابهم ، وتحضير وسائل الإثبات ، التي تمكن القضاء من فض النزاعات والفصل في الخصومات ، بالإضافة إلى المساهمة في التنمية العقارية والاقتصادية والاجتماعية ، وتحصيل الموارد وضبط الواجبات المفروضة على المعاملات العقارية وغيرها ، وقد كان لها طيلة قرون دور فعال فيما يتعلق بتوثيق بيعة الملوك والسلاطين في علاقتهم مع رعاياهم ، وفيما يتعلق بتوثيق جلسات القضاء وضبط الأحكام وحفظها وتدوينها.
ونظرا لأهمية خطة العدالة ، فقد حظيت بعناية كبيرة ومكانة رفيعة في الفقه الإسلامي ، وأولاها الفقهاء والعلماء اهتماما كبيرا ، خاصة فقهاء المغرب والأندلس ، حيث جعلوها مهنة شريفة وارتقوا بها إلى مصاف المهن المنظمة ، التي تخضع في مزاولتها لمراقبة القضاء وتحت إشرافه ، كما امتهنها كثير من أكابر العلماء والفقهاء والقضاة والمفتين وغيرهم ، وأولاها ملوك الأمة وأمر.اؤها اهتماما خاصا واعتبارا متميزا ، ولاسيما ملوك الدولة العلوية الشريفة ، الذين ما فتئوا يصدرون ظهائر شريفة ومراسيم جليلة لتنظيمها ، راسمين لها قواعد شرعية وضوابط مرعية مستوحاة من نصوص الشريعة وروحها ، وواضعين لها مسطرة خاصة سواء من حيث الانخراط فيها أو من حيث ممارستها وكيفية تطبيقها ، ومن الظهائر الشريفة التي اهتمت بتنظيم خطة العدالة الظهير الشريف الصادر في 7 يوليو 1914 والظهير الشريف الصادر في 23 يونيو 1938 والظهير الشريف الصادر في 7 فبراير 1944.
أما القانون رقم 81-11 القاضي بتنظيم خطة العدالة وتلقي الشهادة وتحريرها ، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 332-81-1 بتاريخ 6 ماي 1982 والمرسوم التنظيمي له ، فرغم الإيجابيات العديدة التي تضمناها ، والتعديلات المدخلة عليهما ، فقد تبين أخيرا أنهما تكتنفهما بعض الثغرات ، ولم يعودا كافيين لمعالجة جميع المشاكل التوثيقية المطروحة.
وسدا لهذه الثغرات ، ومن أجل دمج خطة العدالة في المحيط الاقتصادي والاجتماعي ، والرقي بها إلى مصاف المهن القانونية ، والقضائية المتطورة ، وجعلها مهنة العصر ، تتماشى مع التطورات والتغيرات التي يعرفها الوقت الراهن في شتى المجالات ، خاصة مجال التوثيق… نص الديباجة”
ادريس الفاخوري مرجع سابق ص 108 و109.[15]
[16] جدير بالذكر على أن هناك من بعض القرارات التي تنم عن مسؤولية العدول صادرة عن محاكم الاستئناف ومنها محكمة الاستئناف بمراكش تقضي بمؤاخدة عدول ارتكبوا مخالفات مهنية تتعلق بتحرير العقود منها:
القرار عدد 2613 الصادر في الملف 2496/87 بتاريخ 11/11/1978 قضى “بمؤاخدة عدلين لكونهما لم يثبتا في العقد المحرر من طرفهما بيان الواجب المبيع وبيان مستند تملك البائعين”.
القرار عدد 2292 الصادر في الملف 2170/89 بتاريخ 18/10/1989 الذي أخد “العدلين المحررين لعقد بيع مرجعية تملكه رسم استمرار أي وجوب الاعتماد على سند الملك.”.
القرار عدد 584 الصادر عن غرفة المشورة بمحكمة الاستئناف بفاس بتاريخ 24 مارس 2004 في الملف عدد 2021/2021/03 فقد أخد العدل السيد… لكونه حرر رسم شراء دون التقيد بما يفرضه الواجب بالتأكد من ملكية البائعة للعقار التي أدلت برسم اراثة زوجها و أحضرت شهودا، علما بأن البائعة صرحت بأنها باعت مالها الحق فيه الثمن في زوجها فقط …”.
[17] حرف إضراب أو حرف عطف للإضراب أي للعدول إذا دخلت على المفرد (أي ما ليس جملة ولا شبه جملة)، ويكون ذلك إذا سبقهما كلام مثبت أو أمر، نحو ذلك نمثل ” تم تحديد الطرفان للثمن النهائي في مبلغ ست مائة ألف درهم بل مائة ألف درهم) أو ( وهب سعيد بل أوصى).
[18] القانون رقم 32.09 يتعلق بتنظيم مهنة التوثيق كما وقع تعديله بالقانون رقم 58.11 المتعلق بمحكمة النقض المغير بموجبه الظهير الشريف رقم 1.57.223 بتاريخ 2 ربيع الأول 1377 (27 سبتمبر 1957) بشأن المجلس الأعلى، الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.11.170 صادر في 27 من ذي القعدة 1432 (25 أكتوبر 2011)؛ الجريدة الرسمية عدد 5989 مكرر بتاريخ 28 ذو القعدة 1432 (26 أكتوبر 2011) ص 5228.
[19] رغم أنه في الواقع العملي فإن الموثق رغم ذكر العقار غير المحفظ في دائرة اختصاصه التوثيقي، إلا أن الغالبية القصوى من الموثقـون يتحفظون عن تحرير العقود المنصبة على العقارات غير المحفظة، بعلة عدم التأكد من خلوها من الالتبـــاس و الخلل، وما يربـــو من هذه العقــــارات لا يستند
على أصل للملك وأن أغلب المالكين والحائزين لهذه العقارات يقرون بأنها آلت إليهم عن طريق الإرث، ولهذه العله دأبت هذه الشريحة على توثيق معاملاتها بعقود عرفية باطلة كونها لاتنسجم مع المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية من خلال تحرير ورقة لدى كاتب عمومي يتم المصادقة على إمضاءاتهم لدى المصالح المختصة في تصحيح الإمضاءات التي تساهم بشكل كبير في استفحال هذه الظاهرة.
[20] صدر عن محكمة الاستئناف بمراكش في الملف عدد 37/1/05 الذي كان موضوعه متابعة الموثق محرر العقد لكونه اعتمد ترجمة زوجة المشتري التي تتقن اللغتين الايطالية والفرنسية مما أدى إلى القول من طرف المشترين الزوجة وزوجها، أن الموثثق ضمن العقد مبلغا أقل مما هو واقع فعلا، مستحوذا على الفرق.
المحكمة الابتدائية برأت الموثق، محكمة الاستئناف آخدته (بالتوقيف) عن الخدمة لمدة سنة وبعد النقض والإحالة برأته محكمة الاستئناف (ملف 37/1/2005 في 15/06/2005) بتبرير عدم الإثبات وانعدام الضرر.
كما صدر قرار آخر عن المحكمة نفسها في الملف عدد 498/2449/03 بتاريخ 24/09/2003 قضى بمؤاخدة موثق على تحرير هبة نصيب بنت قاصر لفائدة وليها دون إذن من القاضي المكلف بالقاصرين وذلك بايقافه عن مزاولة المهنة لمدة سنة.
[21] يراجع الهامش رقم 19 أعلاه.
[22] محمد ادريوش، تأملات حول مدونة الحقوق العينية ص 60
[23] ظهير شريف رقم 1.08.101 صادر في 20 من شوال 1429 (20 أكتوبر 2008) بتنفيذ القانون رقم 28.08 المنظم لمهنة المحاماة كما وقع تعدليه و تتميمه.
[24] الظهير الشريف الصادر في 12 رمضان 1333 (25 يوليو 1915) يتعلق بالإشهاد على صحة الإمضاء كما تم تعديله وتتميمه بالظهائر الشريفة الصادرة في 10 يوليو 1921 و 10 أكتوبر 1931 و 3 شتنبر 1955 .
[25] المادة 51 من القانون 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي.
المادة 102 من القانون التنظيمي 113.14.
[26] المادة 105 من القانون 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي.
– المادة 237 من القانون التنظيمي 113.14.
[27] يختص العامل داخل النفوذ الترابي للعمالة أو الإقليم بالإشهاد على صحة إمضاءات السلطة الإدارية على العقود والوثائق والأوراق المراد الإدلاء بها في الخارج باستثناء رسوم الحالة المدنية (المادة 1 من المرسوم المؤرخ في 24 يناير 1995 الصادر بتعديل ظهير 1915).
[28] يتولى وكلاء الملك بالمحاكم الابتدائية، داخل نفوذهم الترابي الإشهاد على صحة إمضاءات ضباط الحالة المدنية بالوثائق الموجهة إلى الخارج.
(الفصل الثالث من الظهير الشريف الصادر في 15 محرم 1375 (الموافق 3 شتنبر 1955) المعدل لظهير 1915
[29] الفصل 27 من المرسوم رقم 2.66.646 الصادر في 21 من ذي القعدة 1389 (29 يناير 1970) بتطبيق الظهير الشريف المتعلق باختصاصات الأعوان الدبلوماسيين والقناصل العاملين بالخارج.
[30] الفصلان 29 و30 من المرسوم بتطبيق الظهير الشريف باختصاصات الأعوان الدبلوماسيين والقناصل.
[31] مرسوم رقم 2.22.047 صادر في 8 ذي القعدة 1443 (8 يونيو 2022) بتحديد كيفيات الإشهاد على صحة الإمضاء من قبل الجماعات والمقاطعات.
[32] الظهير الشريف الصادر في 12 رمضان 1333 (25 يوليو 1915) يتعلق بالإشهاد على صحة الإمضاء كما تم تعديله وتتميمه بالظهائر الشريفة الصادرة في 10 يوليو 1921 و 10 أكتوبر 1931 و 3 شتنبر 1955.
[33] مرسوم عدد 2.11.473 بشأن النظام الأساسي الخاص بهيئة كتابة الضبط.
[34] حكم عدد 3035 صادر بتاريخ 03/07/2021 في الملف 127/7110/2021 عن المحكمة الابتدائية الإدارية بالرباط
[35] ادريس الفاخوري: مرجع سابق، ص، 308 و 309.
[36] عبد الكريم شهبون الشافي في شرح مدونة الحقوق العينية وفق القانون 39.08 الطبعة الثالثة 1439 – 2018
[37] ولد الشيخ أحمد الغازي الحسيني بمدينة فاس حوالي سنة 1924. من أسرة علمية معروفة، فوالده أبوالشتاء من أعلام القرويين المغاربة المعروفين الذي تتلمذ على يدهم ثلة من العلماء والفقهاء والأدباء، وأشهر ما عرف عنه إدراكه الدقيق بعلم التوقيت، فكان مرجعا لعلماء الأمة الإسلامية فيه والذي يتطلب حسا علميا رياضيا، واعتلى كرسي التوقيت ليصبح أستاذا له بالقرويين منذ أوائل الثمانينات من القرن الماضي. وبالرغم من كبر سن العلامة، لكنه آمن بأن العلم يطلب من المهد إلى اللحد، لينال شهادة دكتوراه الدولة في الحقوق، من جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1994، وعين في السنة نفسها خطيبا للجمعة بجامع القرويين بفاس منذ سنة 1994، بعدما نال شرف اعتلاء منبر الخطابة سنة 1974 بمسجد تونس بفاس. وفي سنة 2010 نال جائزة محمد السادس للفكر والدراسات الإسلامية، اعترافا بجهوده وبحوثه في مجالات الفتوى والعلوم القانونية والفقه والشريعة، والتي سلمها له الملك محمد السادس. أحمد الغازي الحسيني – Wikiwand.
[38] للمزيد من التوسع يرجى الرجوع إلى القانون 32.02 المنظم لمهنة التوثيق العدلي .
[39] عبد الكريم شهبون: مرجع سابق، ص، 470.
[40] عبد الكريم شهبون :المرجع أعلاه، ص،471.
[41] عبد الكريم شهبون: مرجع سابق،ص، 304.
[42] لذلك نجد أن أغلب العقود المتعلقة بالرهن الحيازي في شروطها تتضمن العبارات الآتية:
” يصرح الراهن بأنه عاين الملك موضوع هذا العقد وطاف به ووافق عليه في حالته ووقته بجميع مرافقه ومنافعه”
[43] عبد الكريم شهبون مرجع سابق ص 305.