تيويم الرسوم العقارية بين متطلبات القانون وغاية تحقيق الأمن العقاري الباحثة : صارة افضيل
تيويم الرسوم العقارية بين متطلبات القانون وغاية تحقيق الأمن العقاري
Updating land titles between the requirements of the law and the objective of real estate security.
الباحثة : صارة افضيل
باحثة بسلك الدكتوراه جامعة الحسن الأول كلية العلوم القانونية والسياسية -سطات مختبر البحث قانون الأعمال
Fdil sara
PHD Researcher Hassan I University Faculty of Legal and Political Sciences Settat Business Law Research Laboratory
ملخص البحث:
بما أن العقار يشكل ركيزة أساسية من ركائز التنمية الاقتصادية، فإن أي اهتزاز في وضعيته القانونية يؤثر حتما في المسار التنموي، الأمر الذي يستدعي ضرورة جعل الرسم العقاري يساير الحالة الواقعية للعقار، ذلك أن الاستثمار يحتاج لنواة عقارية صلبة لأنه وإن كان يقوم على الغرر الاقتصادي، فإنه لا يتلاءم والغرر القانوني، وبناء عليه فإن الفاعل الاقتصادي سيعزف عن التعامل بشأن عقارات محفظة ذات رسوم عقارية جامدة مما يحول دون استفادة وتحصيل الدولة لموارد جبائية محتملة. فبالرغم من وجود مجموعة من القواعد والإجراءات التي تلزم دوي الشأن بإدراج جميع التغيرات الطارئة على العقار بالرسم العقاري، تحت طائلة عدم الاحتجاج بها سواء بين الأطراف أو في مواجهة الغير، فإن الواقع العملي أبان عن ركود وتخلف المؤسسات القانونية المستمدة من التشريع العقاري في مسايرة الواقع القانوني المتجسد عدم مواكبة الرسوم العقارية للواقع نتيجة العزوف عن تحيينها لأسباب عديدة، مما يؤدي إلى عرقلة هذه السجلات في أداء وظيفتها ويجعلها مدخلا لشك والريبة ويضعف تبعا لذلك دورها كضمانة عينية تتيح الحصول على التمويلات البنكية و غيرها من الامتيازات، التي توفرها الرسوم العقارية المحينة، الشيء الذي يستدعي البحث عن حلول كفيلة بحل هذا الاشكال.
Summary:
Since real estate is a fundamental pillar of economic development, any shaking of its legal status inevitably affects the development path, which calls for the need to make the real estate fee in line with the actual state of the real estate, because investment needs a solid real estate nucleus because, although it is based on economic fraud, it is not compatible with legal fraud, and therefore the economic actor will refrain from dealing with portfolio properties with rigid real estate fees, which prevents the state from benefiting and collecting potential tax resources. Despite the existence of a set of rules and procedures that oblige the concerned parties to include all changes to the real estate in the real estate fee, under penalty of not being invoked either between the parties or against third parties, the practical reality has shown the stagnation and backwardness of the legal institutions derived from the real estate legislation in keeping pace with the legal reality embodied in the failure to keep pace with the real estate fees As a result of the reluctance to update them for many reasons, which leads to the obstruction of these records in the performance of their function and makes them an entry point for doubt and suspicion, and accordingly weakens their role as a guarantee in kind that allows access to bank financing and other privileges provided by updated real estate fees, which calls for the search for solutions that can solve this issue.
مقدمة:
يحتل نظام التحفيظ العقاري مكانة متميزة على رأس الأنظمة القانونية، ويعد من بين القوانين الفعالة لبناء المشاريع العملاقة عن طريق إدماجه للأملاك العقارية في الحياة الاقتصادية بشكل يساهم في استقرار المعاملات وتسهيل الحصول على القروض الشيء الذي سينعكس إيجابا على مالية الفرد والاقتصاد الوطني.
ولا شك أنه من أجل أن يحقق العقار دوره في التأسيس لتنمية المستدامة وجلب الاستثمار الداخلي والخارجي، يفترض أن يكون على قدر كبير من الاستقرار وخالي من النزاعات، إذ يجعل صاحبه في منأى عن مطالبة قضائية، وهو ما يتحقق من خلال نظام العقارات المحفظة التي تتميز بنوع من الاستقرار والثبات ملكية ومعاملة، الأمر الذي يشجع المؤسسات المالية وغيرها على التعامل بشأن هذا النوع من الأملاك نتيجة القوة القانونية والحجية الإثباتية التي يتميز بها العقار المحفظ التي يعكسها رسمه العقاري النهائي، حيث يعتبر هذا الأخير وسيلة إشهار لكل ما يتعلق بالعقار المحفظ من اتفاقات ومعاملات، وكل ما ينشأ عليه من تقييدات سواء كانت نهائية أو احتياطية ويعطي لكل من يهمه الأمر إمكانية الاطلاع على الوضعية القانونية والمادية للعقار، فيصبح على بينة بكل ما عليه من تحملات والتزامات، لأن بقاء عمليات التداول المعترف بها قانونا خارج الرسم العقاري دون تقييدها يترتب عنه عدم تطابق بين ما هو مضمن بالسجلات العقارية وبين الواقع المادي للعقار وبالتالي لا تتحقق الغاية التي أنشأ من أجلها.
فتأسيس الرسم العقاري للعقار يجعله خالي من جميع الحقوق غير مقيدة فيه بفعل قاعدة التطــــــــــــهير، إلا أنه برغم وجود هذه القاعدة، فإن الواقع العملي أبان عن مجموعة من المشاكل التي طرحت ووقفت حجرة عثرة أمام تحقيق الأمن القانوني والعقاري، ويبقي أبرزها مسألة ” عدم تحيين الرسوم العقارية ” ، والتي تعني أن البيانات والمعطيات المحددة بالرسم العقاري غير موافقة بدقة للحقيقة الواقعية له.
تمس مسألة عدم التحيين بنظام التحفيظ العقاري ككل، لأنها تزعزع استقرار المعاملات العقارية وما ينبغي أن يسودها من ثقة ومصداقية، ولها أيضا انعكاس سلبي على تعبئة العقار المحفظ للإسهام في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، إذ أنه انطلاقا من الواقع العملي، فقد كشفت المعلومات والمعطيات حول السجل العقاري على أن نسبة مهمة من الرسوم العقارية غير محينة ولا تعكس الحالة الحقيقية للعقار، خاصة في ظل تزايد أعداد الرسوم العقارية المنشأة بشكل مستمر، فالمساحة الإجمالية التي شملتها عملية التحفيظ تصل إلى نسبة مليون هكتار أي بنسبة %11 من المساحة الإجمالية للمملكة بمعدل 5,2 مليون رسم عقاري.
وهذا راجع للمشاكل التي يتخبط فيها العقار منذ الاستقلال إلى اليوم والوضعية المتشعبة للملكية العقارية، التي تعتبر تركة استعمارية بالإضافة إلى تعدد النصوص القانونية التي أصدرها المشرع المغربي في هذا المجال.
وللوقوف أكثر على موضوع هذه الورقة البحثية نطرح الإشكال التالي، ما مدى تأثير عدم تحيين الرسوم العقارية على تكريس الأمن العقاري وتحقيق الجدوى من الرسوم منها؟
هذه الإشكالية الرئيسية تتفرع عنها الأسئلة التالية:
ما هي أسباب المؤدية إلى جمود الرسوم العقارية؟
وماهي الحلول وسبل الكفيلة لتجاوز هذه الظاهرة؟
للإجابة عن الأسئلة المطروحة أعلاه، سنقسم هذه الورقة البحثية إلى محورين، نتطرق في المحور الأول إلى أسباب عدم تحيين الرسوم العقارية، ونخصص المحور الثاني للحديث عن السبل الكفيلة لتجاوز الإشكالات التي تطرحها مسألة تحيين الرسوم العقارية.
المحور الأول: أسباب عدم تحيين الرسوم العقارية
كثرت الأسباب التي تؤدي إلى ظاهرة عدم مطابقة السجلات العقارية للواقع وتعددت بينما هو قانوني راجع بالأساس إلى النقص والخلل التي يشوب بعض نصوص القانون العقاري، وبين ما هو واقعي تتداخل فيه مجموعة من المعيقات البشرية.
1- الأسباب القانونية لعدم تحيين الرسوم العقارية:
علاقة بالأسباب القانونية سنركز على بعض نصوص ظهير التحفيظ العقاري والتي لها صلة مباشرة بإشكالية عدم تيويم الرسوم العقارية، ثم نشير إلى بعض المسائل والتي أثارت نقاشا حادا على مستوى الساحة العقارية.
فبالرغم من كون المشرع المغربي قد أوجب تقييد الحقوق بالرسوم العقارية إلا أن بعد القوانين التي لها علاقة بالمجال العقاري تساهم بشكل كبير في عدم تحيين الرسوم العقارية ويتعلق الأمر بحالة المادة الرابعة مكرر في القانون المنظم للأراضي القروية وبعض الوثائق ذات الصلة بالقطاع العقاري.
– حالة المادة الرابعة مكرر من القانون المنظم لضم الأراضي القروية:
جاء قانون الاستثمار الفلاحي المؤرخ في 25 يوليوز 1969 ليحد من التجزئات وتفتيت الملكية الفلاحية ، وهذا منطقي جدا في المناطق المشمولة بعمليات ضم الأراضي، حيث أن المادة 4 مكرر من ظهير 25 يوليوز 1969 المنظم لظهير 30 يونيو 1962 المتعلق بضم الأراضي القروية نصت على أنه:” تمنع تحت طائلة البطلان، جميع الاتفاقات الإرادية بالمجان، أو بعوض والتي من شأنها التفويت الكلي أو الجزئي أو مبادلة أو قسمة الأراضي الواقعة بدائرة ضم الأراضي في الفترة بين النشر بالجريدة الرسمية لإعلان الإيداع لدى السلطة المحلية ولائحة تصميم التجزيئين وإلى غاية نشر مرسوم المصادقة على مشروع الضم ”.
والهدف الذي توخاه المشرع من خلال هذه المادة، هو أنه من الناحية القانونية تمكن من الحفاظ على الوضعيات القانونية والمادية لعقارات المالكين وتمكينهم من الوضعية الجديدة بعد الضم، إلا أن الإشكال الذي يثار في هذا الصدد، هو أن هؤلاء الملاكين يلجئون إلى إجراء التصرفات الناقلة لحق الملكية على عقاراتهم إلى الغير خلال فترة المنع هذه الأخيرة التي قد تطول في بعض الأحيان، ولا شك أن هذه الفترة الطويلة هي التي تدفع الكثير من الملاك إلى إجراء تصرفات ومعاملات خفية لا تظهر بالرسوم العقارية خلال فترة المنع، لأن المحافظ يمتنع عن تضمين هذه التفويتات بالسجل العقاري.
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض في قرار لها بما يلي:”… لكن حيث أنه بموجب الفصل الرابع مكرر من ظهير 1962/6/30 بشأن ضم الأراضي، فإن عقود البيع المتعلقة بالأراضي الواقعة داخل منطقة الضم إنما تكون ممنوعة وتعتبر باطلة أثناء المدة الواقعة بين تاريخ نشر الإعلان عن إيداع التصميم والبيان التجزيئيين بمقر السلطة المحلية وتاريخ نشر المرسوم الصادر بالمصادقة على الضم في الجريدة الرسمية…” .
وبالتالي، فإن تعدد التصرفات التي تدخل في الخانة أعلاه تبقى غير مقيدة على الرسم العقاري، وقد تتكرر التفويتات عدة مرات إلى أن يصبح معها التقييد مستحيلا، مما يخلف عدة مشاكل على المستوى الواقعي والقانوني.
-حالة بعض الوثائق الإدارية ذات صلة بالقطاع العقاري:
تطلب الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية أن يرفق المتعاملين العقاريين عقودهم بمجموعة من الوثائق الإدارية لأجل إتمام تقييد هذه العقود على الرسوم، فعلى سبيل المثال، يتعين على المجزئ الذي يطلب تقييد محضره للتجزئة العقارية أن يدلي بالوثائق التالية:
– رخصة التجزئة مسلمة من طرف الجماعة الحضرية أو القروية المعنية بالأمر.
– ملف تقني يتضمن تصميما إجماليا للتجزئة مرفقا بتصاميم تجزيئية تهم كل بقعة مهيأة من طرف مهندس مساح طبوغرافي مسجل بلائحة هيئة المهندسين ومصادق عليها من طرف مصلحة المسح العقاري التابعة لإدارة المحافظة على الأملاك العقارية والمسح العقاري والخرائطية.
– محضر التحديدي موقع من طرف المهندس المساح وصاحب التجزئة ومصادق عليه من طرف مصلحة المسح العقاري.
– دفتر التحملات موقع من طرف صاحب التجزئة والسلطة البلدية المعنية بالأمر.
– محضر التسليم المؤقت مسلم من طرف لجنة التسليم التابعة للجماعة الحضرية أو القروية المعنية بالأمر.
– طلب تقييد التجزئة وتأسيس رسوم عقارية لكل بقعة على حدا.
– الإدلاء بنظير الرسم العقاري .
والإشكال الذي يطرح في هذا الصدد، هو أنه كثيرا ما يتعذر على المعني بالأمر الحصول على هذه الوثائق ومثل هذه الرخص، وغيرها من السلطة المحلية، وهذا ما أكده قرار لمحكمة النقض الذي جاء فيه:”… أن الطاعن لما صرف مبالغ ضخمة في تهييئ التصميم و الهندسة الطبوغرافية و من أجل أشغال الواد الحار والطرق والتحفيظ ومد قنوات الماء و دفع المكتب الوطني للماء الصالح للشرب مبالغ تؤكد قيام الطاعن بالتزامه على الوجه الأكمل و أن عدم إتمامه لهذه الأشغال في الوقت المتفق عليه يرجع في جله إلى الإجراءات المعقدة التي تفرضها السلطة المحلية…” .
وبالتالي فالإجراءات المعقدة التي يتطلبها الحصول على هذه الوثائق الضرورية لإتمام مثل هذه العمليات تدفع المجزئين وغيرهم إلى التقاعس عن متابعة المسطرة بما فيها التقييد مما يؤدي إلى خلق مشكل عدم التحيين، ويدخل عددا كبيرا من العقارات في دائرة الجمود، ويعطل تبعا لذلك دورها في مسار التنمية وفي تحقيق الأمن العقاري.
-غياب التدابير القانونية الكفيلة بضمان إشهار الحقوق على السجلات العقارية:
من أهم الأسباب التي أدت إلى تجميد الرسوم العقارية وشل فعاليتها هو عدم استعمال المشرع صيغة أمرة و إلزامية جهة معينة لتقييد العقود على الرسوم العقارية، ومعنى ذلك أن المشرع لم يحدد التدابير اللازمة والكافية لضمان تسجيل المعاملات وإشهارها بالسجلات العقارية، وهكذا فقد ترك المجال واسعا للأطراف المتعاقدة بتسجيل عقودهم متى شاءوا و دون أي أجل محدد، وقد نتج عن هذا الوضع تماطل بعض الأطراف المتعاقدة في تضمين حقوقهم بالسجلات العقارية وذلك إما بسبب تهاونهم أو بسبب جهلهم بأن الحقوق العينية لا تنتج أثرها ولا تعتبر موجودة إلا بعد تقييدها على الرسوم العقارية.
هذا علما أن المشرع تدخل في عدة محطات على مستوى ظهير التحفيظ العقاري وأضاف الفصل65 مكرر قبل التعديل والتتميم لسنة 2011 ، وذلك لحث المتعاملين العقاريين على المبادرة لتقييد حقوقهم، تم تدخل مرة أخرى بعد هذا التعديل وإضافته الفصل المذكور مقتضى جديد، وهذه المرة ليس على مستوى الظهير وإنما على مستوى قانون المالية 1985 لنسخ مقتضيات الفصل المكرر وتعويضه بأحكام جديدة تتمثل في تمديد أجل التقييد من 6 أشهر إلى 18 شهرا، مع تقليص الغرامة إلى ما يعادل الرسم النسبي المستحق .
ومع ذلك فإن عدم احترام هذه الآجال لا يِؤدي إلى رفض التقييد من قبل المحافظ، بل يبقى من حق المعنيين بالأمر تقييد حقوقهم متى أرادوا.
وهذا التعديل هو الأخر لا يخدم إطلاقا مسألة تحيين الرسوم العقارية، نظرا لأن أجل 18 شهرا للقيام بالتسجيل هو أجل طويل، ويغيب عنه الطابع الإلزامي مثل ما هو عليه الحال في التسجيل لدى إدارة الضرائب الذي يعطي للمتعاملين العقاريين مهلة شهر تبتدئ من تاريخ العقد وبعد فوات هذه المدة تفرض ذعيرة وهذا حسب ما جاء في المادة 108 من المدونة العامة للضرائب الصادرة بتاريخ 1/1/2008 حيث نصت على أنه :”تطبق ذعيرة نسبتها 10 بالمئة وزيادة قدرها 5 بالمئة من الشهر الأول عن التأخير و0،5 بالمئة عن كل شهر تأخير ،أو عن شهر إضافي من المبلغ …”.
أفرزت هذه الأسباب، مشكل تيويم الرسوم العقارية لأن تلك النصوص لا تسعف على وضع حل ملائم لبعض الحالات مما يتطلب تدخل المشرع لوضع الحلول الضرورية، وهو واقع مؤثر على سير نظام التحفيظ العقاري .
ولعل هذا ما جعل المشرع يتدخل لنسخ مقتضيات الفصل 65 مكرر بمقتضى قانون 07،14 المعدل والمتمم لظهير التحفيظ العقاري، فأعاد النظر في هذه المسألة، وذلك بإدخال تعديلات بالآجال وبطريقة فرض الغرامات، حيث تم تحديد أجل إجراء التقييد في ثلاثة أشهر، وإذا لم ينجز التقييد داخل هذا الأجل تطبق غرامة على طالب التحفيظ تساوي 5 بالمئة من مبلغ الرسم المستحق عن الشهر الأول الذي يلي تاريخ انقضاء الأجل المذكور و0،5 بالمئة عن كل شهر تأخير موالي.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع قد حافظ على إمكانية الإعفاء من الغرامة المقررة في الفصل 65 مكرر من ظهير التحفيظ العقاري، وذلك في حالة القوة القاهرة إلا أنه وضع رخصة منح هذا الإعفاء بيد مدير الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية .
-حالة الفصل 82 من ظهير التحفيظ العقاري:
يعتبر الورثة خلفا عاما للموروث، بحيث تنتقل إليهم الحقوق التي خلفها موروثهم بعد إخراج الحقوق السابقة عن الإرث من نفقة تجهيز الميت والديون والوصايا.
وقد يكون بين التركة عقارات محفظة وإذا كان المشرع المغربي قد ألزم ضرورة إشهار الحقوق، فإنه سلك مسلكا أخر فيما يخص تقييد الإراثات، بحيث إذا تفحصنا القانون العقاري في نصه القديم نجد الفصل 82 ينص على أنه ”إذا رغب الورثة” في الحصول على تسجيل باسمهم لحقوقهم بالسجل العقاري، فعليهم أن يدلوا زيادة على شهادة الوفاة بما يثبت حالتهم المدنية واستحقاقهم بالإرث وحظوظهم فيه.
وبمفهوم المخالفة، إذا لم يرغب الورثة في الحصول على التقييد فإن الوضع يبقى على ما هو عليه، أي أن العقار سيظل عاملا لاسم الهالك وهذا غير منطقي بل يثير إشكالات من حيث الإثبات .
وبالتالي فإن جعل تقييد حق الإرث مقرونا برغبة الورثة قد يجعل من الرسم العقاري يعاني من اختلالات متباينة تؤثر سلبا على قوته التبوثية، مما يتعين معه تأييد ما ذهب إليه أحد الفقهاء، من أن صياغة الفصل 82 من ظهير التحفيظ العقاري كانت قد ساهمت بشكل كبير في تراخي الورثة عن تقييد حقوقهم بالرسم العقاري، وإن كانت قد اتخذت إجراءات التغلب عليها إلى أنها لم تحقق النتيجة المرجوة منها ، ونخص بالذكر القرار الوزيري الصادر في 20/10/1952 والمتعلق بتخفيض رسوم المحافظة العقارية، ومرسوم 5 غشت 1968 المحدد لأجل السنة وذلك من أجل القيام بتقييد الحقوق تحت طائلة غرامة مرتفعة.
إن تحليل المقتضيات المنظمة للأثر المنشئ للتقييد بالرسم العقاري تفيد كون الورثة غير ملزمين بالتقييد، ومع ذلك فأن تداخل النصوص المنظمة للتحفيظ العقاري قد تحول بينهم وبين مباشرة حقوقهم على العقار فيصبحون بطريقة مباشرة مجبرين على أن يبادروا إلى تقييد إراثتهم بالصك العقاري .
فالورثة ليسوا مجبرين على تقييد إراثتهم بالرسم العقاري، بل لقد علق المشرع تقييد إراثتهم على رغبتهم ويكون بذلك انسجم مع موقف مدونة الأسرة في المادة 323 التي اعتبرت أن الإرث هو انتقال أموال التركة بعد موت المالك للورثة الذين يستحقونه شرعا بلا تبرع ولا معاوضة .
وحيث أن أحكام الميراث تعتبر من القواعد المتعلقة بالنظام العام، وفي هذه الحالة لا يمكن اعتبار عدم اعتبار عدم تقييد التركة مانعا من انتقالها إلى الورثة، ولكن المشرع رتب أثرا أخر ألا وهو عدم تقييد أي تصرف يجريه الورثة في أعيان التركة ما لم يبادروا إلى تقييد حقوقهم على التركة .
إلا أنه إذا تعلق الأمر بالحجز، فأن مجرد إثبات الصفة الإراثية للشخص المتوفى المحجوز عقاره، يخول الوارث الصفة لطلب رفع الحجز عن العقار حتى ولو قبل تسجيل إراثته في الرسم العقاري، استنادا للقاعدة الفقهية القائلة بأن من مات عن حق فلوارثه .
ويعتبر الإرث من أعمال غير الإرادية التي يكون التقييد فيها كاشفا للحق، بحيث يعد الوارث المقيد مالكا من يوم وفاة موروثه لا من التقييد فقط، وتبدو ثمرة هذا التمييز في حق الوارث في ممارسة الشفعة وكل الحقوق التي تخولها له صفته كمالك من يوم وفاة موروثه ولو كانت الأحداث والوقائع التي هو بصدد ممارستها سابقة عن تاريخ تقييده على الرسم العقاري وارثا.
وبالتالي، فأي تصرف يجريه الورثة في التركة يؤدي عدم شهره إلى عدم انتقال الحق وفقا لمحتوى الفصلين 65و67 من ظهير التحفيظ العقاري حيث يبقى هذا الانتقال رهين بتمام التقييد والذي لن يتأتى بدوره إلا بعد تقييد الورثة لحقوقهم المنتقلة لهم عن طريق الإرث، وبالتالي فأن الإجراء ينطوي على وسيلة عملية للإلزام الورثة بشهر حقوقهم واستعمال إجراءات التقييد في الرسم العقاري.
ولقد جاء في قرار صادر عن محكمة النقض أنه:”…وحيث أن المالك على الشياع لعقار محفظ يعد باقيا على قيد الحياة ما لم يتم تقيد وفاته بالرسم العقاري، وأن الحقوق العينية المنجزة بالإرث من شريك في عقار محفظ غير موجود إن لم يسجل بالرسم المذكور…” .
والمغزى من هذا القرار أن الحقوق العينية المترتبة عن واقعة الإرث يجب أن تقييد حتى يتم الاعتراف بها، وإلا أنها غير موجودة، وفي هذا تناقض مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تجعل الإرث مستحقا بمجرد الوفاة وهو ما أكدته المادة 324 من مدونة الأسرة التي نصت على أن:” الإرث يستحق بموت الموروث حقيقة أو حكما، ويتحقق حيازة وارثه بعده”.
وإذا كان ظهير 12 غشت 1913 لم ينص في الفصل 82 على وجوب تقييد الإراثات حيث ترك ذلك لرغبة الورثة فإنه في نظر أحد الفقهاء :أن المشرع تبنى في القانون الجديد صيغة الوجوب في الفصل 82 المنسوخ بمقتضى المادة الثانية من قانون 14.07المتمم والمغير لظهير التحفيظ العقاري.
غير أنه وباستقرائنا للفصل 82 أعلاه في صيغته الجديدة نلمس اتجاه إرادة المشرع إلى إلزام الورثة بتقييد إراثتهم بالرسم العقاري، حيث نص على أنه:” لتقيد الحقوق العينية العقارية…طلبا لتقييد مدعما بكل الوثائق المثبتة لانتقال الحق لفائدتهم بصفة قانونية…”.
وبالتالي فالوجوب هنا يلزم الأطراف الذين أرادوا تقييد الحقوق العينية العقارية المترتبة لهم عن الإرث يلزمهم فتح طلبا للتقييد وتقديمه إلى المحافظ على الأملاك العقارية، على أن يكون هذا الطلب مؤرخا وموقعا من طرف طالب التقييد أو من طرف المحافظ في حالة جهله أو عجزه عن المراقبة، وأن يكون هذا الكلب مشتملا على مجموعة من البيانات المنصوص عليها في الفصل 69 من ظ ت ع .
وهكذا، فإن تقييد الإراثات بالرسوم العقارية يبقى أمر غير إجباري للورثة وإن كان المشرع قد استغنى عن لفظ ”الرغبة”، وعلية فإن ضرورة تقييد الإراثة بالرسم العقاري تظهر أهميتها حينما يريد الورثة التصرف في عقار موروثهم، حيث يتعين عليهم شهر التركة قبل شهر التصرف.
وعموما فإن عدم تحيين الرسوم العقارية بسبب الوفاة راجع بالأساس إلى الاختيارية التي منحها المشرع إلى الورثة بالرغم من التعديل لأن هذا الأخير يبقى غير ذي أهمية في ظل غياب الجزاء القانوني لذلك وعدم تحديد اجل لذلك من أجل تخليص هذه الرسوم من الجمود الذي يلحقها.
– تأثير الأثر المنشئ للتقييد على تحيين الرسوم العقارية:
بالرغم من تطور النصوص القانونية إلا أنها تبقى عاجزة عن إيجاد الحلول لكل الإشكالات التي تظهر بعد صدور النص وعند محاولة تطبيقه على أرض الواقع، فهي من صنع البشر المتسم بطبيعته بالنقص، وهذا حال التحفيظ العقاري، الذي يحمل مجموعة من الإشكالات خاصة فيما يتعلق بمبدأ الأثر الإنشائي للتقييد والتي أبان عنها الواقع العملي مما جعلها تأثر تأثيرا مباشر وكبيرا على تحيين الرسوم العقارية، سنتطرق إلى أهمها لأنها كثيرة ولن نستطيع حصرها.
1 -الإشكال الأول يتعلق بعلاقة التحيين العقاري بحق الشفعة، خاصة عندما يتراخى المشتري بالمبادرة إلى تقييد شرائه بالرسم العقاري لتفويت الأجل القانوني على الشفيع للممارسة حقه في الشفعة؟
2- يضاف إلى الإشكال أعلاه إشكالا أخر يخص تقييد العقود المبرمة بشكل إلكتروني وما مدي مساهمتها في تحيين الرسوم العقارية؟
في معرض جوابه عن هذا السؤال أشار الأستاذ المختار العطار إلى أن الفصل 106 من ظهير التحفيظ العقاري ينص على أنه:” يمكن للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح والخرائطية أن تؤسس بأساليب إلكترونية، مطالب التحفيظ والرسوم العقارية ونظائرها والشواهد الخاصة بالتقييد والسجلات المنصوص عليها في هذا القانون وذلك وفق الشروط والشكليات المحددة في النص التنظيمي، وبالتالي ليس هناك أي مانع من تقييد الأفعال الإرادية والاتفاقات التعاقدية المبرمة بشكل إلكتروني طبقا لمقتضيات الفصل 67 من ظهير التحفيظ العقاري .
-إشكالية تصادم بين الحيازة المادية والقانونية لعقار مع تحيين الرسوم العقارية:
يتضح من خلال الاطلاع على القواعد الفقهية المنظمة لعقود التبرع، أن الحوز وسيلة لإخراج هذه العقود من القول إلى الفعل، وذلك بإظهار علاقة التبرع للعموم وإشهارها، لذلك كان يتم الإشهاد على معاينة الحوز المادي في صلب العقد إذا تعلق الأمر بعقار ،أو إخلاء إذا تعلق الأمر بدار لسكنى ،إلا أن هذه المسألة أثارت مداد الفقه فيما يتعلق بالاستغناء عن الحوز المادي وتعويضه بالحوز القانوني، متى تعلق الأمر بعقار محفظ عن طريق تقييد هذه العقود بالرسوم العقارية، ومدى تأثيره على تحيين الرسوم العقارية؟
في هذا الإطار انقسم الفقه والقضاء إلى اتجاهين، يقول الاتجاه الأول أن الانتقال ملكية العقار المتبرع به ،لا يقف عند ثبوت معاينة الحوز قبل حصول المانع فقط ،بل يلزم كذلك حوز قانوني .إلى أنه متى استحال الحوز الفعلي أو المادي استحال معه الحوز القانوني ما لم يطرأ خطأ أو غلط في ذلك ،فالثابت في الأحكام الشرعية ثبوتا لا يقبل الخلاف و لا التأويل .هو ضرورة معاينة الحوز في التبرع قبل حصول المانع و إلا بطلت ،وهذا راجع إلى تعلق حق الغير بها من ورثة و دائنين ،ولصحة الحوز و جب أن يتم الإشهاد عليها من طرف العدلين أو الموثق و لا يمكن للمحافظ أن يقيد عقد التبرع لم يشهد على معاينة الحوز فيه .وإذا ما ثبت الحوز الفعلي ولم يعمل المتبرع له على تقييد ذلك بالرسم العقاري فلا أثر له و لا يعتد به و في حالة إذا ما عمد المتبرع على بيعها من جديد فإن حقوق المتبرع له لا تضيع .
أما الاتجاه الثاني، فيقول إن الحوز في العقار المحفظ لا يثبت إلا بتقييد عقود التبرع في الرسوم العقارية قبل حصول المانع، بحيث إذا مات المتبرع قبل التقييد فإن التبرع يبطل ولو ثبت بشهادة عدلين أن المتبرع عليه قد حاز المتبرع به قبل حصول المانع وذلك تطبيقا لمقتضيات الفصلين 66و 67من ظهير التحفيظ العقاري .
هذا الخلاف لم يقف على مستوى الفقه فقط، بل امتد إلى القضاء الذي لم يسلم بدوره منه، إذ حاول قدر المستطاع تكريس الحوز القانوني، والاستغناء عن الحوز المادي ويتضح ذلك من خلال الاطلاع على
قرار محكمة النقض بجميع الغرف عدد 555، والذي اعتبر فيه أن التقييد بالرسوم العقارية يعتبر حوزا قانونيا، حيث جاء فيه :”… لما كانت غاية الفقه في اشتراط الحيازة في عقود التبرعات هو خروج العين المتصدق بها من يد المتصدق عليه، فإن تسجيل عقد الصدقة في الرسم العقاري و إشهارها للعموم ،يصبح المتصدق عليه مالكا و حائزا للعقار المتصدق به عليه دون منازع، ويضمن لنفسه الاحتفاظ به و التصرف فيه بجميع أنواع التصرف ،والقرار المطعون فيه لما اعتبر تسجيل الصدقة في الصك العقاري قبل حدوث المانع حيازة قانونية تغني عن الحيازة الفعلية ،فإنه يكون قد طبق القانون …” .
وهو نفس الاتجاه الذي تبنته مدونة الحقوق العينية في المادة 274 التي تنص على أنه:”… يغني التقييد بالسجلات العقارية عن الحيازة الفعلية للملك الموهوب وإخلائه من طرف الواهب إذا كان محفظا أو في طور التحفيظ”.
هذا من جهة أما من جهة أخرى فإن الإبقاء على الحوز المادي إلى جانب الحوز القانوني في حقل التبرعات سوف تكون له مجموعة من الآثار السلبية على تحيين الرسوم العقارية ،إذ أن الحائز ماديا للعقار المحفظ موضوع التبرع ،لن يلجأ إلى المحافظ من أجل تحيين الرسوم العقاري بإدراج اسمه فيه، ويصبح بذلك هو صاحب العقار، وبالتالي سوف لن يكون هذا الرسم مطابقا للواقع ،ولذلك كان على المشرع أن يكون أكثر جرأة بإقرار الحوز القانوني في التبرعات متى كانت منصبة على عقارات محفظة دون الحوز المادي أو على الأقل الجمع بينهما ،وذلك عن طريق الإشهاد على الحوز المادي والفعلي وربط نفاذ عقد التبرع بالتقييد في الرسم العقاري أي الحوز القانوني.
وحتى إذا لم يقر المشرع بإمكانية الجمع بينهما، كان عليه أن ينص صراحة على استثناء عقود التبرع من مبدأ حجية تقييد الحقوق الواقعة على العقارات المحفظة التي تصح بتحقق الحوز المادي قبل حصول المانع، حيث أن عدم تقييدها بالرسم العقاري لا يبطلها مادامت صحيحة بهذا الحوز قبل حصول المانع، كما أن تقييدها بعد حصول المانع لا يبطلها لأنها صحيحة سلفا بالحوز المادي قبل وقوع المانع .
كل ما ذكر إن ذل على شيء فإنما يدل على محدودية النصوص القانونية في معالجة الإشكاليات المرتبطة بالتنزيل السليم لها، نظرا لوجود مجموعة من الثغرات التي تعثريها ووجود أسباب أخرى واقعية تحول دون المساهمة في تحيين الرسوم العقارية .
2- المعيقات البشرية كسبب لعدم تحيين الرسوم العقارية:
تتعدد صور عرقلة الأشخاص لعملية تحيين الرسوم العقارية والتي تتجلى أساسا في جهل الأشخاص بمقتضيات التحفيظ العقاري ومخاطر عدم التحيين.
-جهل الأشخاص لمقتضيات التحفيظ العقاري ومخاطر عدم التحيين:
فئة كبيرة من الأفراد لم تستوعب بعد أهمية التحفيظ العقاري، وتجهل الإجراءات المسطرية والقانونية لتقييد المعاملات والتصرفات بالسجلات العقارية، كما أن الحيازة بنسبة لغالبية هؤلاء تبقى العنصر الحاسم والأساسي في انتقال الملكية، دون إعطاء أهمية للمزايا والفوائد التي يوفرها التقييد في الرسوم العقارية من ثبات وضمانات قانونية قوية. وعلاوة على ذلك فإن غالبية المتعاملين العقاريين لا يلجؤون إلى مكاتب الاستشارة القانونية، ولو فعلوا لتكون لديهم على الأقل وعي بخطورة عدم تقييد حقوقهم بالرسوم العقارية، وكذا ارتفاع نسبة الأمية مما قد يعطي في بعض الأحيان طابع الخوف من الإدارة بصفة عامة والمحافظة العقارية بصفة خاصة.
بالإضافة إلى ذلك فإن كثرة الإجراءات الإدارية التي تتطلبها أحكام التقييد بالرسوم العقارية، وعدم إلمام المواطنين بها و تعددها و تعقدها ساهم عمليا في تأخير تحيين العديد من الرسوم العقارية و عدم جعلها مطابقة لما هو موجود بالواقع مما يسبب ضياع الحق نتيجة عدم التحيين، الحرمان من بعض الحقوق والتصرفات نتيجة عدم التحيين، فمن السلبيات التي يمكن أن تعود على الأشخاص الذين لم يبادروا إلى تقييد حقهم في السجلات العقارية أنهم يضلون أجانب عن العقار محل المعاملة ما دام أنه غير مقيد، وحيث أم من أبرز الحقوق التي قد يفقدها المالك غير المقيد بالرسم العقاري هو تعذر تقديمه للعقار كحصة في الشركة للآن أول ما يلتزم به مقدما تجاه الشركة منذ إبرام عقد تقديمه للحصة العينية هو نقل ملكية العقار عن طريق التقييد لدي المحافظة العقارية ،فكيف له ذلك و الحال أنه غير مقيد أصلا بالرسم العقاري .
-تقاعس المتعاملين في المجال العقاري عن تقييد تصرفاتهم العقارية:
يعمد كل مالك لحق عيني على عقار محفظ إلى تفويت حقه إلى شخص أخر دون تقييد هذا التصرف في السجل العقاري ،حيث يكتفي المتعاملون بتسجيل بيوعا تهم لدى إدارة التسجيل والتنبر ،معتقدين خطأ أنه بأداء الرسوم الجبائية تنتقل الملكية، ومن تم يهملون التقييد بالمحافظة العقارية الشيء الذي يخلق اضطراب لدى المستفيدين.
ذلك أن التسجيل المنصوص عليه في المادة 489 من ق ل ع ليس بالضرورة التقييد المنصوص عليه في الفصول 65 و67 من ظهير التحفيظ العقاري.
لذلك فالتسجيل الأول يقصد به التسجيل لدى المصالح الضريبية، وتخضع له جميع البيوعات العقارية (سواء المحفظة منها أو غير المحفظة)، وقد أنشأ هذا التسجيل لأغراض جبائية لتمكين مصلحة الضرائب من مراقبة المعاملات المالية للخواص، وإعداد الوعاء الضريبي بهدف استخلاص الضرائب حالا و مستقبلا .
أما التقييد الثاني المنصوص عليه في القانون المتعلق بالتحفيظ العقاري فيقصد به التقييد بالمحافظة العقارية، وهو التقييد الذي يعطي للحق وجودا قانونيا ويجعله ثابتا ويمكن من الاحتجاج به في مواجهة الغير.
بالإضافة إلى الفكرة أعلاه المبنية على إهمال المتعاملين تقييد حقوقهم ظنا منهم بأن التسجيل لدى الإدارة الضريبة كفيل بحفظ حقوقهم دون تقييدها.
تستدعي المشاكل التي تطرحها إشكالية عدم تحيين الرسوم العقارية إيجاد مقاربة قانونية واضحة المعالم، إذ لا يمكن تطوير آليات التحيين دون الحد من العوائق القانونية التي تحول دون تطوير هذه الرسوم ومساهمتها في التحقيق الأمن العقاري مع إعطاء القضاء هو الأخر دور فاعل في هذا الإطار وهذا ما سنناقشه في المحور الثاني.
المحور الثاني: الحلول الكفيلة لتجاوز إشكال عدم تحيين الرسوم العقارية
إذا كانت جل المقتضيات القانونية تنقسم إلى مقتضيات موضوعية وأخرى شكلية، و بين ماهي موجودة و أخرى مطلوبة الوجود، فإن ذلك ما سوف نعتمد عليه وفق ثلاث نقط الحلول المنصوص عليها في القانون المتعلق بالتحفيظ العقاري وما هو خارج عن نطاق القانون المذكور، أي إعادة النظر في بعض النصوص الموضوعية ثم إعادة النظر في ما هو شكلي إجرائي.
1-الحلول المنصوص عليها في ظهير التحفيظ العقاري 14.07
من بين أهم الحلول التي يمكن أن تخفف من حدة الآثار السلبية لعدم تحيين الرسوم العقارية ما يلي:
-آلية مؤسسة التقييد الاحتياطي:
يعتبر التقييد الاحتياطي من أبرز المؤسسات التي عدلها القانون السالف الذكر والتي من شأنها الحد أو التخفيف من مشكل عدم تحيين الرسوم العقارية .
وعلى هذا الأساس يتجلى دور التقييد الاحتياطي في الحفاظ عل الحقوق المحتملة الضياع لأسباب شكلية أو في انتظار إعلانها من طرف السلطة القضائية والتي غالبا ما يكون المستفيد قدم بشأنها طلبا إلى المحافظ على الأملاك العقارية.
وهذا ما أكد عليه الفصل 85 من ظ ت ع الذي ينص على أنه يمكن لكل من يدعي حقا على عقار محفظ أن يطلب تقييدا احتياطيا للاحتفاظ به مؤقتا، ويتم تضمين التقييد الاحتياطي بالرسم العقاري وكذا بنظيره.
وتتجلى مساهمة التقييد الاحتياطي في الحد من مشكل عدم تحيين الرسوم العقارية، في أنه يمكن لصاحب الحق الذي تعذر عليه تقييده لسبب من الأسباب في أن يقيده مؤقتا بالرسم العقاري وذلك في انتظار زوال المانع في المستقبل.
وهو الشيء الذي يؤدي إلى استمرار التقييدات وتتابعها و بالتالي المساهمة في التخفيف من عدم التحيين، و هو ما أكده المجلس الأعلى سابقا محكمة النقض حاليا في أحد قراراته و التي جاء فيها:”…إن التقييد الاحتياطي يهدف إلى الاحتفاظ المؤقت بحق موجود و لكنه معلق إما على انتظار إصدار حكم نهائي في الموضوع أو انتظار إتمام بعض الإجراءات المرتبطة بتسجيله…”.
وعموما، فإن أهمية التقييد الاحتياطي في علاج الرسوم العقارية من ظاهرة الجمود تظهر في أثره الرجعي، إذا أن استكمال الشروط المتطلبة لإجراء التقييد النهائي يؤدي حتما إلى التشطيب على كافة التقييدات اللاحقة حيث أن التقييد أعلاه يعود بأثر رجعي إلى تاريخ تضمينه، الذي يعتبر لتحديد رتبة التقييد اللاحق طبقا لمنطوق الفقرة الثالثة من الفصل 85 من ظ ت ع والتي نصت على:”…أن تاريخ التقييد الاحتياطي هو الذي يحدد رتبة التقييد اللاحق للحق المطلوب الاحتفاظ به ”.
وبالتالي يعد التقييد الاحتياطي بالرسوم العقارية شرطا جوهريا لحفظ الحق والإعلان منه بالرسوم العقارية تطبيقا لمبدأ الأثر المنشئ للتقييد مما يخول الاحتجاج به في مواجهة الغير تكريسا لمبدأ الأمن العقاري والقانوني في المعاملات العقارية وضمان تحيين مؤقت للرسوم العقارية .
– التقييد بمقتضيات الفصل 29 من القرار الوزاري الصادر في 3 يونيو 1915:
ينص هذا الفصل على أنه إذا وقعت إغفالات أو أخطاء أو مخالفات في الرسم العقاري أو في التقييدات اللاحقة المضمنة به فللأطراف الحق في المطالبة بتصحيحها.
وفضلا عن ذلك فإن المحافظ يمكنه دائما تصحيح الأخطاء المادية تلقائيا أو بناء على طلب الأطراف المخالفات والإغفالات التي يشاهدها في الرسوم العقارية أو تترتب عن الوثائق وبالخصوص عن التصميمات المستعملة لإقامة الرسم أو لأي تقييد لاحق، وهو ما من شأنه تدعيم ثقة المتعاملين العقاريين في تنصيصات الرسم العقاري.
فهذا الفصل هو استثناء من قاعدة التطهير إذ أن المشرع المغربي حدد النطاق المسموح به لتصحيح الرسم العقاري في إطار الفصل المذكور في الإغفالات والمخالفات والأغلاط التي تطال السجلات العقارية أو التقييدات، فحسب بعض الفقه فإن المشرع حصر الأمر في الأخطاء المادية دون غيرها ، مثل تقييد بعض حقوق الورثة خلافا لما هو مثبت برسم الإراثة المودع بالمحافظة العقارية أو تقييد رهن أو حجز عقاري خطأ على عقار بدل عقار أخر .
و قد جاء هذا الفصل للتلطيف من قصاوة المبدأ الذي أقره الفصل 72 من ظ ت ع، و الذي يرتب مسؤولية المحافظ عن إغفال أو خطأ أو مخالفة في الرسم العقاري، الشيء الذي كان يجعل المحافظ يتشدد في مراقبة أبسط الأخطاء عندما يقدم إليه أحد المتعاقدين بعقد لتضمينه بالرسم العقاري، مما كان ينتج عنه رفض عدد كبير من العقود و ذلك لمجرد أخطاء مادية بسيطة، مما يزيد مشكل عدم تحيين الرسوم العقارية تفاقما .
حيث تبلغ نسبة المحررات العرفية التي يتم رفض تقييدها حوالي 90 بالمئة من نسبة هذه المحررات.
لذلك يمكن القول إن المقتضيات التي جاء بها الفصل 29 من القرار الوزاري من شأنها التخفيف من ظاهرة جمود الرسوم العقارية، بالنظر إلى السلطات الواسعة التي أعطاها للمحافظ في تصحيح الأخطاء المادية دون الجوهرية منها.
– تحديث النصوص القانونية:
من المعلوم أن المغرب من البلدان التي تعرف بنية عقارية مركبة ومعقدة ناتجة عن تدخل مجموعة من العوامل التاريخية والاقتصادية و الاجتماعية و غيرها، مما نتج عنه تعدد النصوص القانونية المؤطرة لها، خاصة تلك التي تهم العقارات المحفظة منها، زد على ذلك كثرة الإصدارات التشريعية و تواليها مما خلف نوعا من التضخم التشريعي في هذا المجال.
فالمتأمل للترسانة القانونية العقارية يلاحظ الكم الهائل من النصوص الذي تتوفر عليه، حتى أصبح من شبه المستحيل جردها وجمعها في نص واحد.
و الملاحظة التي تثير الانتباه في هذا الإطار، هي أن جل هذه النصوص تضم مجموعة من القوانين المشتتة و الموزعة في تشريعات تتعامل بمنطق الإحالة على نص أو نصوص قانونية أخرى لها علاقة بنفس الموضوع، علما أن هذه المسألة تطرح العديد من الإشكالات العملية المرتبطة بتحيين الرسوم العقارية أهمها أن هناك إحالات على نصوص ألغيت أو نسخت أو تتضمن أحيانا مقتضيات متنازعة و متعارضة قي ما بينها، مما يجعل رجل القانون في حيرة من أمره حول القانون الواجب تطبيقه ،و لعل من النماذج التي يمكن أن يسوغها في هذا الإطار القانون المتعلق بنزع الملكية و الاحتلال المؤقت الذي يتسم بالقدم و التشتت و التعارض في أحيان كثيرة مع مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري .
وهو ما يجعلنا نخرج بخلاصة مفادها أن ما يكسبه التشريع العقاري ضخامة يجعله يفقد الانسجام بين مقتضياته، وذلك لعدم إعمال المقاربة الشمولية أثناء وضع هذه القوانين لتظل متسمة بالتشتت والتقطع بعيدا عن تسجيل مجموعة قانونية منسجمة تتوخى ضبط وضعية الرسوم العقارية وتحيينها.
فقد حان الوقت لتعديل هذه الترسانة وتبسيط الإجراءات بما يخدم مصلحة الأفراد، وإيجاد حلول للرسوم العقارية غير المحينة عن طريق جمع شتات النصوص في مدونة عقارية واحدة، رغم ما يستلزمه هذا من مجهود تشريعي لتجاوز الثغرات والنقائص التي تكتنف التشريع العقاري الحالي، مما يحد من فعالية الوسائل القانونية في تحيين الرسوم العقارية.
ومما لا شك فيه أن إصدار هذه المدونة سيشكل خطوة أساسية نحو تحديث التشريع العقاري في طابعه العام و نظرته الشمولية، عن طريق المثابرة الجدية في دراسة هذه المدونة قيل المصادقة عليها و إشراك جميع الفاعلين بما يخدم المصلحة العامة في المجال العقاري.
فإن لم يتحقق خلق مدونة عقارية للتشريع العقاري المغربي فيجب العمل على تحيين الترسانة القانونية الحالية و تنقيحها، سواء من حيث الشكل أو المضمون، و كذلك من حيث اللغة فهناك مصطلحات نجدها في بعض النصوص تعود إلى زمن الاستعمار، هذا من جهة، أما من جهة أخرى فإن تحيين الرسوم العقارية يقتضي ليس فقط وضع النصوص القانونية و إنما بعث الروح في النصوص الجامدة أو الميتة حتى تساهم بفعالية في تكريس الأمن العقاري.
وفي الأخير يجب أن يتم إدراج شرط عدم نفاذ النصوص القانونية العقارية إلا بعد إصدار جميع النصوص التنظيمية اللازمة لتنزيلها، لأن عدم اعتماد هذه التقنية الأخيرة يعتبر وسيلة لعرقلة تنزيل لنص القانوني الأصلي.
-إعادة النظر في بعض النصوص الإجرائية:
في هذا الجزء سنتطرق إلى أهمية التنسيق بين المصالح و الأجهزة الإدارية المرتبطة بميدان العقار و مدى مساهمتها إجرائيا في تحيين الرسوم العقارية، إلى جانب استعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة في عمليات التقييد و العمليات اللاحقة عنها لتدليل الصعاب التي تواجه عملية التحيين العقاري.
-التنسيق بين مختلف المتدخلين في ميدان العقار:
لا يخفى على أحد الدور الكبير الذي تلعبه مختلف الأجهزة المتدخلة في الميدان العقاري بصفة عامة، وتحيين الرسوم العقارية بصفة خاصة.
فميدان العقار يعرف تدخل مجموعة من المؤسسات و البنيات الإدارية المتداخلة، حيث يعتبر من المجالات التي أعطيت مهمة تدبيرها إلى إدارات ومؤسسات متعددة، هذا التعدد طرح مجموعة من الإشكالات ذات الطابع القانوني و التنظيمي، حيث أنه على المستوى القانوني لم يحدد القانون مجال اختصاص كل متدخل على حدا، خاصة في ما يتعلق بتحيين الرسوم العقارية ، إذ يلاحظ غياب الدقة في تحديد الاختصاص .
أما على المستوى التنظيمي فإن موضوع التحيين يطرح نفسه سواء على مستوى المحافظة العامة أو المحافظات الإقليمية وباقي المتدخلين في القطاع. الأمر الذي أضحى يطرح مشاكل كبيرة تِثر على هذه الرسوم.
وانطلاقا مما سبق فإن التنسيق يبقى حاجة ملحة للقضاء على هذه الظاهرة، ومن الأمثلة على ذلك:
-ضرورة التنسيق بين مختلف الإدارات ذات صلة بموضوع التحيين العقاري، خاصة التنسيق مع مصالح التسجيل والتنبر، وذلك بإيصال هذه الأخيرة للعقود المودعة لديها إلى المحافظة العقارية قصد تقييدها بالسجل العقاري وتحيين الرسوم العقارية المتعلقة بها.
-والتنسيق بين المحافظة العقارية ومكاتب الحالة المدنية و قاضي التوثيق فيما يتعلق بالإيراثات، فعند وفاة الشخص يصرح الورثة بهذه الوفاة، يتلقى ضابط الحالة المدنية هذا التصريح و يقوم بتسليم شهادة الوفاة و يسلم نظيرا منها إلى قاضي التوثيق ليكلف هو الأخر عدلين بإنجاز رسم الإراثة، ثم يرسل نسخة منها إلى المحافظة قصد تحيين الرسم العقاري .
– التنسيق مع المكتب الوطني للماء والكهرباء وغيرها من المصالح للحصول على الشواهد الإدارية الاستفادة من خدماته، وذلك للحصول على شهادة الملكية.
-تنسيق العمل بين المحافظة العقارية والمؤسسات البنكية، حيث تعتمد هذه الأخيرة على الرسوم العقارية معتقدة أنها تعكس الواقع الحقيقي للعقار، في حين أنها خلاف ذلك، كما يخشى الدائنون بصفة عامة واقعة إعسار المدين و التي تتحقق في أي وقت.
-تنسيق العمل بين المحافظة العقارية والجهات أو المؤسسات نازعة الملكية في إطار الإجراءات المسطرية المتبعة لنزع الملكية.
-الاعتماد على التقنيات الحديثة و اللوجيستيكية بين مختلف الإدارات و المصالح عن طريق اعتماد التواصل عن بعد باستعمال وسائل الاتصال الحديثة و الانترنيت ،كما هو الشأن اليوم بالنسبة للموثق الذي ليس بحاجة إلى الانتقال إلى المحافظة العقارية للاطلاع على الرسم العقاري موضوع عقد سيبرمه، بل يكفيه فقط الدخول إلى موقع المحافظة عن طريق الرمز السري الممنوح له للاطلاع على الرسم ،لما في ذلك من ربح للوقت و الجهد .إضافة إلى ذلك اعتماد برامج التدبير الإلكتروني لتحيين الرسوم بهدف حفظ و تنظيم و تدبير المستندات و العقود و الوثائق إلكترونيا قصد استغلالها، و بصفة عامة اعتماد المعالجة المعلوماتية لأنشطة المحافظة العقارية الخارجية كوسيلة تدبيرية .
فالتنسيق بين جل المتدخلين دون استثناء يلعب دورا هاما في تحيين الرسوم العقارية، خاصة أن طبيعة أحكام القوانين العقارية الغامضة، استدعت صدور سيل من المذكرات عن المحافظة العقارية العامة في محاولة منها لاستدراك الإشكالات التي يثيرها تطبيق هذه القوانين، و بطء إجراءات التحيين، و عدم تكفل المحافظة العقارية بملفات المواطنين الذي أمطروا المحافظة بشكاوي جعلت الكثير منهم يعنف عن تحيين رسومهم العقارية.
-توظيف الوسائل التكنولوجية الحديثة في عمليات التقييد والعمليات اللاحقة لها:
مما لا شك فيه أن حماية الرسوم العقارية من ظاهرة عدم التحيين التي تلاحقها تحتم ضرورة البحث عن الوسائل الكفيلة بذلك، حيث يلاحظ غياب، وضعف الوسائل التكنولوجية الحديثة في عمليات تحيين الرسوم العقارية و البنيات التحتية اللازمة لتنفيذ ذلك.
وعلى العموم، فإن العوامل التي تكبح جماح تطبيق النصوص القانونية و فعاليتها في تحيين الرسوم العقارية بالكيفية الكافية و الملائمة، هو غياب وضعف بنيات تكنولوجية ملائمة لاسيما ما يتعلق بالوسائل الحديثة، ومن ناحية أخرى يلاحظ غياب الأطر البشرية المؤهلة للتعامل مع الوسائل أعلاه نظرا لضعف التكوين على مستوى هذا الجانب و بالتالي الاتجاه نحو الأساليب الإلكترونية الحديثة في عمليات التحيين والتقييد، ربحا للوقت والجهد ومساهمة في جعل الرسوم مطابقة لواقعها المادي والقانوني، عن طريق مسك سجلات إلكترونية وتأسيس رسوم عقارية إلكترونية .
– الاقتداء بالتجربة التونسية في مجال تحيين الرسوم العقارية:
تعتبر التجربة التونسية نموذجا يحتدى به في ما يخص عدم تحيين الرسوم العقارية ،إذ وضع المشرع التونسي قانونا خاصا لتأطيرها و معالجتها و الحد من أثارها السلبية، وذلك عندما نص بمقتضى المرسوم عدد 14 الصادر في 21 فيفري 1964 الذي نص في المادة 16 منه على أنه ” المحكمة العقارية بصورة انتقالية سواء من تلقاء نفسها أو بطلب ممن يهمه الأمر وظيفة التنصيص بالرسوم العقارية على أخر تعديل طرأ عليها و أن تنظر في الحالة القانونية و المادية للعقارات المسجلة في تاريخ ابتداء العمل بهذا المرسوم كما تتولى التنصيص على سلسلة الانتقالات التي طرأت على العقارات المذكورة و إجراء التطهيرات اللازمة لقيامها بذلك …” .
إلا أن الحلول المحدودة التي جاء بها هذا المرسوم ،وصعوبة تطبيقه و تنزيله على أرض الواقع خاصة بعد إصدار مجلة الحقوق التونسية التي نسخت جل مقتضياته ، أدى إلى دخول السجلات العقارية بهذا البلد في شبه غيبوبة ،بعد أن أصبحت هذه الأخيرة غير مطابقة للواقع ، الأمر الذي دفع المشرع التونسي إلى إصدار مجموعة من القوانين لمواجهة الإكراهات التي أصبحت تواجهها السجلات العقارية ، فجاء القانون عدد 46 لسنة 1992 المؤرخ في 4 ماي 1992 ليتمم قواعد نظام الشهر العيني بإقرار مبدأ المفعول المنشئ للترسيم و ربط دخوله حيز التنفيذ بانتهاء عملية التحيين ،حيث أصبح الفصل 305 من مجلة الحقوق التونسية ينص على ما يلي :”كل حق عيني لا يكون إلا بترسيمه في السجل العقاري و ابتداء من تاريخ ذلك الترسيم …” هذا من جهة، أما من جهة أخرى م تنظيم تحرير الصكوك المتعلقة بالعقارات المسجلة ، في الفصول 377 و 377 مكرر ثالثا من مجلة الحقوق التونسية .
ثم القانون الانتقالي عدد 39 لسنة 1992 المؤرخ في 27 أبريل 1992 المتعلق بتحيين الرسوم العقارية و تخليصها من الجمود، و الذي تم تمديد مفعوله الزمني إلى حدود أبريل 2001 بموجب القانون عدد 37 لسنة 1995 المؤرخ في 24 أبريل 1995 في مناسبتين، بموجب القانون عدد 30 لسنة 1998 المؤرخ في 20 أبريل 1998 في فثرة ثانية ،إلا إنه بالرغم من كل هذه الترسانة القانونية و التعديلات التي تضمنتها لم تنتهي ظاهرة الرسوم العقارية المجمدة ،و هو ما دفع المشرع التونسي إلى إصدار قانون جديد فتم إصدار القانون 34 لسنة 2001 المؤرخ في 10 أبريل 2001 المتعلق بتحيين الرسوم العقارية و الذي تم تنقيحه بموجب القانون عدد 67 لسنة 2009 المؤرخ في 12 أوت 2009.
ومن خلال الاطلاع على هذه القوانين يتضح أن المشرع التونسي أعطى للمحكمة العقارية اختصاصا مطلقا للنظر في تطبيق إجراءات تحيين الرسوم العقارية وضبط ميدان اختصاصها في الرسوم الشمولية بإجراءات التحيين، وبذلك يعتبر هذا الإصلاح أهم مدخل في الجمهورية التونسية لتحيين السجلات العقارية المجمدة.
وهكذا، فقد تطرق المشرع التونسي لإجراءات تحيين الرسوم العقارية حيث نص في الفصل الخامس من القانون أعلاه:” تنظر المحكمة العقارية لغاية تحيين الرسوم العقارية في الحالة القانونية والمادية للعقارات المسجلة وتنظر أيضا في جميع الصعوبات الناشئة عن عدم إتمام الإجراءات المطلوبة لدى إدارة الملكية العقارية وفي المطالب الرامية لتجاوز تلك الصعوبات أو تسهيل القيام بالعمليات المطلوبة
وتأذن بالتنصيص بالرسوم العقارية على سلسلة الانتقالات والتعديلات على العقارات المذكورة ”.
في حين نص فصل أخر على أنه: “تنظر دائرة الرسوم المجمدة بقصد إجراء التخليصات اللازمة للرسوم العقارية في المطالب الرامية للحصول على ترسيم أو تنصيص أو تشطيب أو إبطال أو تعديل ترسيم أو الحط من ترسيم أو إصلاح ترسيم أو ضبط المنابات الاستحقاقية وتنظر أيضا:
– في طلبات التخصيص في قطعة أو قطع يتم استخراجها من الرسم العقاري.
– طلبات الاعتراف بحق المغارسة أو قسمة الأرض المغروسة.
– في الطلبات الناشئة عن حل الأحباس بشرط ألا تكون موضوع تصفية محل نظر تاريخ المطلب أمام المحكمة المختصة أو اللجنة الجمهورية بتصفية الأحباس الخاصة والمشتركة “.
ومنه فالمشرع التونسي ميز بين مؤسستين عند تطرقه لموضوع تحيين الرسوم العقارية، الأولى تتعلق بمؤسسة التحيين العقاري و يقصد بها مطابقة البيانات المضمنة بالرسم العقاري في حالته الواقعية، وهو ما يقضي وجوبا ترسيم جميع الصكوك و الاتفاقات بالرسم العقاري حتى يكون المرآة العاكسة لحالته الحقيقية .
أما الثانية، فهي مؤسسة التخليص ويقصد بها إزالة القيود التي تعتري الرسوم العقارية لفقدان بعض الحلقات التي تحول دون إدراج العمليات اللاحقة، وبالتالي يتطلب تفعيل هذه المؤسسة تجاوزا لمبدأ تسلسل التقييدات المنصوص عليه في المادة 292 من مدونة الحقوق العينية الذي يقابله في التشريع المغربي مبدأ تسلسل التقييدات المنصوص عليه في الفصل 19 من المرسوم الجديد بشأن لإجراءات التحفيظ .
وبه كان على المشرع المغربي الأخذ بنفس المقتضيات التي منحها المشرع التونسي للقضاء في هذا السياق لتجنب الأثار السلبية لعدم تحيين الرسوم العقارية، والذي يتمثل في حرمان صاحب الحق أو العقد غير المقيد من ممارسة مجموعة من الحقوق و الصلاحيات التي قد تضيع منه إد لم يحصنها بتقييدها في الرسم العقاري.
خاتمة:
حاولنا من خلال هذه الورقة البحثية رصد أهم الجوانب المتعلقة بتحيين الرسوم العقارية سواء من الناحية النظرية القانونية أو من الناحية العملية. وما يطرحه هذا الموضوع من إشكالات تمس مبدأ استقرار المعاملات وتعيق تكريس شمولية الأمن العقاري.
ويتبين مما سبق أن عدم تحيين الرسوم العقارية له انعكاسات على التنمية في كافة مستوياتها، فمن الناحية الاقتصادية يفقد الرسم العقاري قوته كوسيلة لتنمية المعاملات العقارية كضمان للحصول على القروض و ما يترتب عن ذلك من نجاح مشاريع العمران و الإنعاش العقاري.
ومن الناحية الاجتماعية ينتج عن عدم تحيين الرسوم العقارية تعرض أصحاب الحقوق و المتعاملين إلى فقدان الاستقرار على مستوى المراكز القانونية لهم. و كما يؤدي إلى نشوء نزاعات تثقل كاهل المحاكم و عملها.
وقد حاولنا الوقوف عمد مجموعة من المقتضيات التشريعية التي يمكن أن تساهم في تفادي مشكل جمود الرسوم العقارية، خاصة التدخل التشريعي المعدل والمتمم لظهير التحفيظ العقاري بمقتضى القانون 14،07 الذي كان من المنتظر أن يكون قد استفاد من النواقص السابقة ليتفاداها، إلا أنه هو الأخر لم يصل إلى الدرجة التي ينبغي أن تصل إليها القوانين الحديثة.
كما وقفنا عند إجراء التقييد الاحتياطي الذي و إن كان إجراء مؤقتا إلا أنه في أحيان كثيرة يعقد تداول العقار، لان المتعاملين لا يرغبون التعامل في عقارات تشوبها نزاعات، لذلك نجد أن المشرع قد تعامل من خلال قانون 14،07 بنوع من المرونة في إجراء التشطيب على التقييد الاحتياطي ة دلك رغبة منه في تسريع تداول العقار حتى لا يبقى عالقا في و جه الاستثمار و استقرار المعاملات.
غير أن هذه المقتضيات تطرح بعض الإشكالات، من قبيل الفصل 87 من ظهير التحفيظ العقاري الذي خول لقاضي المستعجلات صلاحية إصدار أوامر التشطيب على التقييد الاحتياطي بناء على مقال دعوى، فإنه لم يحل إشكالية مدي إمكانية التشطيب على التقييد الاحتياطي اثر بيع العقار بالمزاد العلني، كما يثار التساؤل حول جدوى الإبقاء على الفصل 218 من مدونة الحقوق العينية في ظل وجود الفصل 87 من ظ ت ع؟
ومن جهة أخرى يجب التنبه إلى أن المالك في القانون القديم ليس هو المالك في القانون الجديد، حيث أن مالك العقار و المتعامل فيه قديما كان شخصا طبيعيا أما حاليا فلفظ المالك ينطبق على الشخص الطبيعي و الشخص الاعتباري، و المحافظ يجب عليه و نظرا للمهام الموكولة له أخد جميع التدابير التي من شأنها أن تعيد الاستقرار للأوضاع العقارية و العمل على جعل الرسوم العقارية تعكس الوضعية الحقيقية و الفعلية للعقارات لتحقيق الجدوى الاقتصادية منها.
لائحة المراجع:
القوانين:
• ظهير شريف رقم 25-69-1 بمثابة ميثاق للاستثمارات الفلاحية منشور بالجريدة الرسمية عدد 26960 مكرر، ب تاريخ13 جمادى الأولى 1389 (29 يوليوز)، ص2997.
• مرسوم ملكي بمثابة قانون رقم 68-08 صادر في 10 جمادى الأولى 1388 الموافق ل 15 أغسطس 1968 منشور بالجريدة الرسمية عدد2911 بتاريخ 14 غشت 1986.
• القانون 58.00 القاضي بإحداث الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والخرائطية والمسح الخرائطية والمسح العقاري وكذا المرسوم الصادر في 17 غشت 2002
القرارات والاحكام:
• قرار محكمة النقض عدد 2138 صادر بتاريخ 13 يوليوز 2005 في الملف مدني عدد 2003/1/1432، غير منشور.
• قرار محكمة النقض عدد 3697 بتاريخ 22-12-2004 ملف مدني عدد 4302-1-2003، منشور على بوابة الاجتهاد القضائي لوزارة العدل على الموقع التالي: www.justice.com
• قرار صادر عن محكمة النقض عدد 259 ملف مدني عدد 3024/1/1/2006 بتاريخ 21/01/2009، غير منشور.
• قرار محكمة النقض عدد 115 صادر بتاريخ 14 فبراير 1969، منشور بمجلة قرارات المجلس الأعلى العدد الرابع، 1969.
• قرار صادر عن محكمة النقض عدد312 في الملف الشرعي عدد 673/2/1/2007 منشور بمجلة المنازعات العقارية الجزء الأول.
• قرار محكمة النقض عدد 555 الصادر عن غرف المجلس مجتمعة بتاريخ 78/12/2003 منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 149.
الكتب والمقالات:
• مصطفى جرموني: الرقابة على التجزئات العقارية والأبنية بالمغرب دار الفكر، الطبعة الأولى، 2011.
• محمد خيري: واقع وأفاق نظام التحفيظ العقاري، مقال منشور بمجلة الأملاك، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش العدد الرابع، سنة 2010،
• محمد خيري في “حماية الملكية العقارية ونظام التحفيظ العقاري بالمغرب” دار النشر المعرفة، بالرباط، طبعة 2001.
• محمد ابن معجوز: الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والقانون المغربي، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، طبعة 1999.
• محمد الحياني: أضواء على مؤسسة الحالة المدنية وعلاقتها بإدارة المحافظة العقارية، مقال منشور بمجلة التحفيظ العقاري، يناير 1991 العدد 3.
• عبد الرحمان بلعكيد: الهبة في المذهب والقانون، دار المعرفة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 2001.
• سعيد الناوي: قراءة نقدية للقانون 07،14 المتعلق بالتحفيظ العقاري، مجلة المحاكم المغربية العدد المزدوج 135و 136 ابريل –يوليوز2012.
• نورالدين الجزولي: عقد بيع العقار المحفظ بين الشكلية والرضائية، مقال منشور بمجلة المحامي، العدد 17، سنة 2016.
• المعزوز البكاي و عبد العالي دقوقي : محاضرات في نظام التحفيظ العقاري- دراسة في القانون رقم 14،07 المغير و المتمم لظهير التحفيظ العقاري، مطبعة سجلماسة الزيتون مكناس، طبعة 2013/2014.
• نبيل الراشدي: تعليق على القانون 34 المؤرخ في 10 أبريل 2001 المتعلق بتحيين الرسوم العقارية” ،مجلة القضاء والتشريع التونسية العدد 6 السنة 4 جوان 2002.
المداخلات:
• عز الدين الماحي: لتركة بين واقعة الوفاة والتسجيل، مداخلة بمناسبة انعقاد ندوة الأنظمة العقارية في المغرب المنعقدة بالرباط يومي 4 و5 ماي 1990، بمديرية المحافظة العقارية والأشغال الطبوغرافية.
• المختار العطار مداخلة في الندوة المنظمة من طرف شعبة القانون الخاص بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، تحت عنوان ”ظهير الالتزامات والعقود بعد مئة سنة الثابت والمتغير ”يومي 25و 26 أيريل 2014.
• عبد السلام بن بنزوع: دور قضاء النقض في مستجدات مدونة الحقوق العينية، مداخلة بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس محكمة الاستئناف بالرباط تحت عنوان ”حماية الملكية العقارية من خلال قرارات محكمة الاستئناف ”صدر فيها مؤلف جماعي سلسلة الندوات بمحكمة الاستئناف بالرباط مطبعة أمنية الرباط 2013.
• عبد الواحد حمداوي: لإشكالات المرتبطة بمسطرة التحفيظ وتأثيرها على الاستثمار، مداخلة بأشغال الندوة الوطنية المنظمة من طرف وحدتي التكوين والبحث لنيل الدكتوراه، ودبلوم الدراسات العليا المعمقة في قانون العقود والعقار حول موضوع، ”العقار والاستثمار” بكلية الحقوق محمد الأول وجدة، ص 95.
• عبد الرحيم حزيكر: التقييد الاحتياطي وانعكاسه على الاستثمار، مداخلة بمناسبة انعقاد الندوة المشتركة بين وكالة المحافظة العقارية ومحكمة الاستئناف بالرباط ونقابة هيئة المحامين بالرباط، يوم 04ماي 2011 في موضوع ”دور التشريع والقضاء في حل المنازعات العقارية «، صدر فيها مؤلف جماعي، مجلة سلسلة ندوات محكمة الاستئناف بالرباط العدد الثالث سنة 2011.
• علي العطري: قواعد البيانات العقارية في خدمة نظام التحفيظ العقاري، مداخلة في أشغال الندوة الوطنية في موضوع الأمن العقاري، المنظمة من طرف محكمة النقض بشراكة مع الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية سنة 2015. مؤلف جماعي.
أطاريح الدكتوراه:
• عبد اللطيف الودناتسي: إثبات ملكية العقارات في القانون المغربي، أطروحة دكتوراه في القانون لخاص، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية، مراكش السنة الجامعية 2000/2001
الدلائل:
• الدليل العملي لزبناء المحافظة العقارية، الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، مديرية المحافظة العقارية، طبعة 1989.