في الواجهةمقالات قانونية

جريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية – الدكتورة نجلاء لعواج

 

 

جريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية
The crime of sexual harassment through Digital Platforms
الدكتورة نجلاء لعواج
دكتورة في القانون الخاص جامعة عبد المالك السعدي
ملخص:
يتناول البحث جريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية، التي باتت من أبرز الجرائم الإلكترونية تهديدا للمجتمع والكرامة الإنسانية. ومع التطور التكنولوجي وانتشار الوسائل الرقمية، أصبحت هذه الجريمة أكثر تعقيدا وانتشارا. تناول البحث مفهوم التحرش الرقمي، أسبابه ودوافعه، وأشكاله المختلفة التي تتراوح بين الإيحاءات اللفظية، إرسال الصور أو الفيديوهات غير اللائقة، والابتزاز الجنسي. كما استعرض الإطار القانوني المغربي لتجريم هذه الأفعال والعقوبات المقررة لها، مع مناقشة التحديات التي تواجه تطبيق القوانين.
كلمات مفتاحية: التحرش الجنسي، الوسائط الرقمية، الجرائم الالكترونية، التشريع المغربي، الابتزاز الرقمي، الايحاءات الجنسية، المطاردة الرقمية، الحماية القانونية.
Abstract:
The study explores the crime of sexual harassment through digital platforms, which has become one of the most prominent cybercrimes threatening societal values and human dignity. With technological advancements and the spread of digital means, this crime has become more complex and widespread. The research addresses the concept of digital harassment, its causes, motives, and various forms, including verbal insinuations, sending inappropriate images or videos, and sexual extortion. It also examines the Moroccan legal framework for criminalizing these acts and the penalties imposed, while discussing the challenges of law enforcement.
Keywords: Sexual harassment, digital platforms, cybercrimes, Moroccan legislation, digital extortion, sexual insinuations, cyberstalking, legal protection.
مقدمة:
شهد العصر الرقمي تطورا متسارعا في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مما أتاح فرصا هائلة للتواصل والتفاعل بين الأفراد. بيد أن هذا التطور لم يخل من سلبيات، حيث برزت جرائم جديدة مستغلة هذه التكنولوجيا، أبرزها جريمة التحرش الجنسي الالكتروني.
تعد جريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية من أكثر التحديات الملحة التي تواجه المجتمعات المعاصرة، حيث انتشرت هذه الجريمة مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، تتميز هذه الجريمة بخصوصية تتطلب معالجة قانونية واجتماعية متكاملة، فمن جهة، تتيح الطبيعة الرقمية للجريمة للجناة التستر على هويتهم والتحرك بحرية أكبر، مما يجعل من الصعب تتبعهم ومحاسبتهم. ومن جهة أخرى، تتسبب هذه الجريمة في أضرار نفسية واجتماعية بالغة للضحايا، وتتنوع أشكال هذا التحرش بين اللفظي والتهديد والابتزاز ونشر صور وفيديوهات إباحية دون موافقة الضحية، حيث تحولت هذه المنصات الرقمية إلى ساحة خصبة لارتكاب هذا النوع من الجرائم، مما يهدد بشكل مباشر سلامة الأفراد وكرامتهم وحقوقهم.
وفي ظل هذا الواقع الجديد، باتت المجتمعات تواجه تحديات غير مسبوقة، فالعنف الجنسي الذي تتعرض له المرأة بصفة خاصة والأطفال والرجال بصفة عامة، تعتبر من أكثر مظاهر التمييز التي تمس بقيم المجتمع وهي تمثل تعدي صارخ على الحياة الخاصة للإنسان ، لما تمثله هذه الظاهرة من المساس بسلامة الجسد، سواء من الناحية النفسية، المعنوية والعقلية.
فقد حرصت التشريعات الدولية والوطنية على التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، فعلى الصعيد الدولي فقد أبرمت العديد من الاتفاقيات والمواثيق لمكافحة هذه الظاهرة، وعلى الصعيد الوطني فقد حرصت التشريعات الوطنية على مسايرة التشريعات الدولية في مكافحة ظاهرة التحرش الجنسي.
إشكالية البحث:
يزداد اليوم الحديث عن جريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الإلكترونية لكونها من أصعب التحديات التي تواجه المجتمع في الوقت الحالي لا سيما بعد الثورة العلمية التي أثرت بشكل سلبي على سلوك الأفراد في البيئة الرقمية، ومن هنا نثير التساؤلات التالية وهي: إلى أي مدى تمكن المشرع المغربي من التصدي لجريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية؟ وما مدى كفاية النصوص القانونية الحالية لتجريم هذه الأفعال وحماية الضحايا في ظل التحديات التي تفرضها الطبيعة التقنية لهذه الجرائم؟
هذه التساؤلات تدفعنا للبحث في هذا الموضوع للتعرف على المعالجة التشريعية لهذا النوع من الجرائم. انطلاقا مما سبق يتضح أن التحرش عبر الوسائل الرقمية أصبح ظاهرة خطيرة تعاني من سلبياتها الكثير من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، إن الإشكالية الرئيسية للموضوع تتجلى في كون النصوص التشريعية غير كافية لمواجهة جرائم التحرش الالكتروني، وكيفية إيجاد الحلول اللازمة للقضاء على هذه الظاهرة، وكذا توسيع نطاق الحماية الجنائية للنصوص العقابية لتشمل كافة صور التحرش الجنسي الالكتروني.
أهداف البحث:
يهدف البحث إلى تحليل التشريعات المغربية ذات الصلة بجريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية وتقييم مدى كفاية هذه التشريعات في مواجهة هذه الجريمة وكذا اقتراح التعديلات اللازمة لسد الثغرات القانونية القائمة لضمان الحقوق والحريات للأفراد فضلا عن ضمان استمرار التقدم التكنولوجي في هذا المجال.
منهجية البحث:
سيتم اتباع المنهج التحليلي الوصفي في هذه الدراسة، وذلك من خلال تحليل النصوص القانونية والإحاطة بكل جوانب إشكالية البحث وآليات مكافحة هذه الظاهرة من خلال النصوص التشريعية، لذا سنتناول هذه الدراسة في مبحثين:
المبحث الأول: التحرش الجنسي الإلكتروني ودوافعه
المبحث الثاني: السياسة الجنائية لمناهضة جريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية
المبحث الأول:
التحرش الجنسي الإلكتروني ودوافعه
تعد جريمة التحرش الجنسي الالكتروني سلوكا غير مرغوب فيه ذو طبيعة جنسية، يتم إرساله أو عرضه أو نشره عبر أي وسيلة إلكترونية، بهدف إزعاج أو إهانة أو تهديد الضحية. إذ أصبح أفراد المجتمع يعانون من انتهاك لحقوقهم وخصوصياتهم الالكترونية وذلك في ظل انتشار الجرائم الالكترونية المختلفة، وتطور هذا النوع من الجرائم تزامنا مع التطورات التي تطرأ على الوسائل الالكترونية الحديثة، الأمر الذي يدعو إلى اتخاذ موقف حازم للحد من هذه الجرائم التي تلحق الضرر بالأفراد من خلال تقنين استخدام هذه التقنية بشكل لا يمس بحقوق الآخرين وعن طريق التوعية واستخدام الوسائل الوقائية الأمنية أو العلاجية، إن الإحاطة بمفهوم التحرش الجنسي بشكل دقيق ومن كل الزوايا، لا يزال مطلبا يتعذر تحققه في الظرفية الحالية، وذلك لتشعب الموضوع وتعدد أسبابه، فهو يأخذ أنواع وصور متعددة، ومع التقدم التكنولوجي ومجانية الوسائل وإتاحتها أمام الجميع، لذا سنبحث في مطلبين نتناول في الأول تعريف جريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية، وإبراز أهم مسبباته، أما في المطلب الثاني سنبرز دوافع ارتكاب جريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الالكترونية.
المطلب الأول:
 تعريف التحرش الجنسي الالكتروني
إن الانتشار الواسع لتقنية الانترنيت إلى تأثيرات سلبية تجلت في إمكانية اختراق الأجهزة النقالة والحواسيب، مما زاد من معدلات انتهاك النظم وسوء استخدامها. وقد انعكس ذلك في ارتكاب جرائم جنائية ذات مخاطر إقليمية ودولية، فضلا عن وانتهاك قيم وأخلاق المجتمع .
يعد تعريف التحرش الجنسي الالكتروني مسألة صعبة، نظرا لحداثة النصوص القانونية التي تعالجه، إضافة إلى تنوع الأفعال والمظاهر التي يشملها. كما أن الإحساس الشخصي للضحية يلعب دورا رئيسيا في تحديد ما إذا كان السلوك يعتبر تحرشا، وذلك بسبب الطابع الذاتي للإقرار بالشعور بالإهانة والمضايقة والمس بالكرامة .
وعليه سنتناول مفهوم التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية (الفقرة الأولى)، على أن نتناول في (الفقرة الثانية) الأفعال التي تندرج في هذا الإطار.
الفقرة الأولى:
 تحديد مدلول التحرش الجنسي الالكتروني
لبيان مفهوم التحرش الجنسي الالكتروني، نستعرض معناه اللغوي والاصطلاحي، ثم نعرفه من الناحية القانونية.
1- التعريف اللغوي للتحرش الجنسي
في اللغة العربية، يشتق لفظ “تحرش” من “الحرش”، ويعني الخدش أو الإثارة. وحرش الدابة أي حك ظهرها بعصا أو نحوها لتسرع ويطلق يراد به الصيد، أي هيجه ليصيده ويقال أحرشني بضب أنا حرشته وهو يخاطب به العالم بالشيء من يريد تعليمه إياه، فهي للإنسان والحيوان ، تشتق كلمة “تحرش” من “الحرش” و”التحريش” بمعنى الإغراء أو التحريض. يقال “حرش بين القوم”، وحرش بينهم: أفسد وأغرق بعضهم ببعض . “قال الجوهري: “التحرش الإغراء بين القوم وكذلك بين الكلاب”. وفي الحديث النبوي الشريف: “نهى رسول الله عن التحريش بين البهائم”، أي إثارتها وتحريضها ضد بعضها، كما يفعل بين الجمال والكباش والديوك وغيرها، وفي الحديث أن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم أي حملهم على الفتن والحروب.
أما في اللغة الفرنسية، حسب المعجم الفرنسي لروس، فقد عرف فعل “تحرش” Harcèlement تعني إخضاع شخص ما أو مجموعة إلى هجمات متكررة وملحة، وقد تعمدنا إدراج تعريف المصطلح باللغة الفرنسية حتى لا يلتبس في قراءة نص المادة القانونية باللغة الفرنسية في القانون الجنائي المغربي. أما كلمة “جنسي” فهي نسبة إلى الجنس وهو في لسان العرب النوع من كل شيء، وليس فيه أي دلالة على غريزة الوطء وشهوة الفرج على عكس ما يقابله في اللغة الفرنسية  Sexuel فهو يشير بوضوح إلى الغريزة الجنسية، وهي ما يدل على الجماع والمضاجعة والتناسل والتوالد، واستعمال كلمة جنسي بهذا المعنى في اللغة العربية يعتبر هجينا ومستحدثا.
2- التحرش الجنسي اصطلاحا
التحرش الجنسي اصطلاحا هو سلوك متعمد وغير مرغوب فيه يهدف إلى إشباع رغبات الجاني الجنسية أو تسليته على حساب الضحية. يتخذ التحرش صورا متعددة، مثل الايحاءات اللفظية، الرسائل النصية، الصور أو الفيديوهات ذات الطابع الجنسي، أو الملامسات الجسدية غير المرغوب فيها. يمكن أن يكون التحرش لفظيا أو غير لفظي، وقد يقع بين الجنسين أو بين أفراد من نفس الجنس. فيقوم عادة باقتحام حميمية الآخر، إذ بعد رفض الغير يصبح هذا العرض فرضا، وبالتالي فإستراتيجية المعتدي تقوم على إضعاف إرادة الضحية وحملها على القبول بمشاعره وهو ما يثير لدى الضحية مشاعر قرف وارتباك وانزعاج بحدة، وقد يتصور أن يكون هذا الاقتراب عن طريق الهاتف عندما يصبح قرينا بالإلحاح والملاحقة. والواقع أن أكثر حالات التحرش الجنسي تقع من الرجال على النساء، غير أن هذا لا ينفي العكس فقد يقع من النساء على الرجال، فلم تحدد معظم التشريعات جنس الجاني والضحية، وها هنا لا عجب فالقرآن الكريم تحدث عن أشهر قصة تحرش جنسي في التاريخ، قصة يوسف عليه السلام مع زوجة العزيز في القرآن الكريم، كان المتحرش فيها امرأة والمتحرش به رجلا، حيث تحرشت زوجة عزيز مصر بنبي الله يوسف عليه السلام، والأعجب أن قصة هذا التحرش تنطبق حيثياتها مع ما يشترطه التشريع اليوم من وجود علاقة سلطة أو وصاية قائمة بين المتحرش و الضحية، وما يشترط في إثبات الركن المادي من ممارسة الإغراء والإكراه “وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك” الآية 23 من سورة يوسف، والمراودة تقتضي تكرار المحاولة، والنفس هنا كناية عن غرض المواقعة، فقد راودته على أن يسلم إليها إرادته وحكمه في نفسه.
كما استعملت الإكراه والمساومة وإصدار الأوامر والتهديد، وقد ورد في قوله تعالى “ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكوننا من الصاغرين” ، وقوله تعالى “وقالت أخرج عليهن” الآية 31، فهيت إسم فعل أمر بمعنى بادر كما أن أمرها له بالخروج عليهن كان لبلوغ غاية ومقصد في نفسها تأتي لها فيما بعد “فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن” الآية 31، كما أن علاقة السلطة والوصاية بين المتحرش والضحية قائمة في هذه القصة القرآنية، فقد كان يوسف عليه السلام غلاما مملوكا في قصر العزيز ” وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا” الآية 21، كما أن عبارة الذي هو في بيتها دلالة على أنه من جملة أتباع ذلك المنزل.
وقد يقع التحرش الجنسي على الأطفال غير أنه غالبا ما يصعب وصف أفعال التحرش الجنسي  بالأطفال في القانون المغربي مستقلة عن جريمة تحريض قاصر على الفسق والدعارة أو  جريمة الانحراف الجنسي تجاه الأطفال La Pédophilie، رغم أن المشرع في الدول الغربية عامة وحتى بعض دول العالم الثالث حدد إطارا لكل منها والأفعال المجرمة التي تميز هذه عن تلك، فالتحرش الجنسي في مضمونه خطوة أولية تتمثل في أفعال مجرمة إذا بلغ المتحرش مقصده من خلالها، امتد أثرها إلى جرائم ماسة بالعرض والآداب كهتك العرض، الاغتصاب، زنا المحارم وتحريض القاصر على الدعارة .
فالتحرش يجمع بين القول والفعل، فهناك من يرى بأن التحرش الجنسي يتوقف عند القول دون الفعل وأن الفعل يدخل ضمن إطار هتك العرض، لكن في حقيقة الأمر إن التحرش الجنسي يتضمن ايحاءات وتلميحات أو نظرات أو كلمات أو همسات أو لمسات لكن ليس بدرجة العنف في جريمة هتك العرض.
ويمكن تصوره ووقوعه من ذكر لأنثى أو العكس أو بين طرفين من نفس الجنس، كما يقع على البالغين والأحداث على حد سواء، ويمكن أن يتخذ صورا وأشكالا متعددة على سبيل المثال يمكن أن يكون اقتراحا جنسيا أو عرض أو توزيع صور أو رسوم فاضحة أو قد يتمثل بكتابات تحمل الطابع الجنسي على شكل رسائل خاصة أو منشورات أو تعليقات موجهة لشخص محدد بذاته أو مجموعة ما .
3 – مفهوم التحرش من الناحية القانونية
لم يكن المشرع المغربي يجرم التحرش الجنسي ضمن نصوص القانون الجنائي المجرمة للانتهاكات التي تطال الشرف والعرض بصفة عامة، إلى غاية تعديل القانون الجنائي الذي طال بعض نصوصه بموجب القانون رقم 03. 24 المتعلق بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي  والذي جاء كرد فعل قانوني من جهة، وكضرورة ملحة من جهة أخرى نتيجة تنامي هذه الظاهرة في المجتمع المغربي، خاصة في مواقع العمل وداخل المؤسسات والجامعات والإدارات العمومية والخاصة من جهة، واستجابة لنداءات الجمعيات النسائية وبعض المنظمات غير الحكومية النشطة في مجال حقوق المرأة من جهة ثانية.
ونتيجة لهذه الأسباب المتلاحقة بادر المشرع المغربي كغيره من التشريعات المقارنة  إلى تضمين القانون الجنائي لأول مرة نصا مكملا يعاقب على التحرش الجنسي في إطار التعديل الذي طال مجموعة القانون الجنائي، حيث نص الفصل 503-1 من القانون الجنائي المغربي على أنه: “يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين وبالغرامة من خمسة آلاف إلى خمسين ألف درهم، من أجل جريمة التحرش الجنسي كل من استعمل ضد الغير أوامر أو تهديدات أو وسائل للإكراه أو أية وسيلة أخرى مستغلا السلطة التي تخولها له مهامه، لأغراض ذات طبيعة جنسية .
أوضح المشرع أساليب ارتكاب الجريمة مثل التهديدات أو الإكراه، مع استغلال السلطة التي تخولها له مهامه أو وظيفته، بينما عرف المشرع الفرنسي الذي قام بتعريف جريمة التحرش الجنسي في قانون العقوبات الفرنسي الجديد في المادة 222 بأنه: “الفعل الذي يقع من خلال التعسف في استعمال السلطة باستخدام الأوامر والتهديدات أو الإكراه بغرض الحصول على منفعة أو امتيازات أو مزايا ذات طبيعة جنسية”.
كما عرفته اتفاقية منع التمييز ضد المرأة بأنه: “بأنه كل سلوك لا أخلاقي يرمي إلى استهداف جسد المرأة في تنكر تام لرغبتها ورضاها واستغلال السلطة الذكورية”.
أما الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، فقد وصفته بأنه: “سلوك يتضمن إيحاءات جنسية مباشرة أو ضمنية تهدف إلى الإيقاع بالطرف الآخر دون إرادته، مستغلا بذلك النفوذ أو السلطة .
الفقرة الثانية:
صور التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية
تتميز الجرائم المرتبطة بالوسائط الرقمية بخصائص تجعلها مختلفة عن الجرائم التقليدية، إذ تتسم بالتعقيد من حيث طرق ارتكابها وصعوبة اكتشافها والتحقيق فيها . وقد أدى التطور التكنولوجي إلى ظهور أنماط جديدة من المجرمين يتجاوزون الأبعاد الفردية والاجتماعية التقليدية ، مما أسهم في تنامي الجرائم الرقمية، بما في ذلك التحرش الجنسي. ونظرا لتطور الوسائل التقنية الحديثة، أصبحت هذه الجريمة تتخذ صورا وأشكالا متعددة ، من أبرزها:
1- التحرش بالكلمات أو الرسائل ذات الإيحاءات الجنسية:
 يعد هذا النمط الأكثر شيوعا في التحرش الرقمي، حيث يتمثل في إرسال رسائل نصية عبر تطبيقات الهواتف المحمولة، البريد الإلكتروني، أو التطبيقات الأخرى. تتضمن هذه الرسائل عبارات تحمل إيحاءات أو طلبات جنسية مثل وصف أجزاء من الجسد أو اقتراحات لممارسات جنسية.
2- التعليقات ذات الطابع الجنسي على منصات التواصل الاجتماعي:
 يقوم المتحرش بترك تعليقات جنسية على صور الضحية أو منشوراتها على منصات رقمية مثل فيسبوك، تويتر، وإنستغرام. غالبا ما تكون هذه التعليقات علنية، ما يزيد من إحساس الضحية بالإهانة والحرج، ويحدث هذا النوع من التحرش إزعاجا نفسيا كبيرا للضحية، تزداد حدة هذه الجريمة عندما تتكرر التعليقات أو تتسم بالإلحاح، مما يجعل الضحية تشعر بعدم الأمان والاختراق لخصوصيتها.
3- إرسال الصور أو الفيديوهات غير اللائقة:
 يلجأ المتحرش إلى إرسال صور أو مقاطع فيديو تحتوي على مشاهد إباحية أو جنسية دون موافقة الطرف الآخر، سواء لجذب الانتباه الضحية أو لابتزاز الضحية. تشمل هذه الجريمة استخدام الرسائل الفورية عبر تطبيقات خاصة مثل Viber, WhatsApp أو حتى الروابط التي تظهر أثناء التصفح لشبكة الانترنيت والتي تحتوي على إعلانات جنسية أو مواد جنسية موجهة لشخص بعينه .
4- المطاردة الرقمية Cyberstalking:
تتجلى في تتبع الضحية ومراقبتها إلكترونيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو منصات أخرى. يقوم المتحرش بمراقبة كافة أنشطة الضحية، وإرسال طلبات متابعة أو صداقة متكررة، وربما استغلال ثغرات تقنية لاختراق الخصوصية باستخدام برمجيات خبيثة بهدف سرقة البيانات الشخصية أو ابتزاز الضحية.
5- المضايقة عبر البريد الالكتروني:
 يعرف البريد الالكتروني وفق القانون العربي النموذجي الموحد بأنه نظام لتبادل الرسائل الالكترونية والصور والملفات والبرامج والصوتيات بين المستخدمين بواسطة شبكات الحاسبات ، والفكرة الأساسية التي يقوم عليها البريد الالكتروني هي تبادل الرسائل الالكترونية عن طريق ارسالها من المرسل إلى شخص آخر أو مجموعة أشخاص باستخدام عنوان البريد الالكتروني العائد للمرسل إليه، وبالنظر إلى سهولة استخدامه، أصبح البريد الالكتروني وسيلة شائعة للمضايقات .
تبرز هذه الصور المختلفة للتحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية مدى تنوع أساليب المتحرشين وتطور وسائلهم مستفيدين من التقدم التكنولوجي، ما يستدعي تعزيز الجهود القانونية والتقنية لمواجهة هذه الظاهرة وحماية الضحايا.
المطلب الثاني:
دوافع ارتكاب جريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية
تعتبر جريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية انعكاسا لجملة من العوامل الاجتماعية، الاقتصادية، والنفسية، التي تدفع الأفراد إلى ارتكاب هذا السلوك عير القانوني وغير الأخلاقي. تظهر الدراسات أن هذه الجريمة لا تتعلق فقط بشخصية الجاني أو رغباته الفردية، بل تمتد جذورها إلى البيئة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المحيطة به. ويمكن تصنيف هذه الدوافع إلى عوامل اقتصادية (الفقرة الأولى) وعوامل اجتماعية (الفقرة ثانية).
الفقرة الأولى:
العوامل الاقتصادية المؤدية إلى جريمة التحرش الجنسي
تلعب العوامل الاقتصادية دورا محوريا في انتشار ظاهرة التحرش الجنسي الالكتروني، حيث يؤدي الفقر والبطالة وانخفاض مستوى المعيشة إلى تعزيز الشعور بالإحباط والفراغ لدى الأفراد. وفي ظل هذه الظروف، قد يلجأ بعض الأشخاص إلى الوسائط الرقمية كوسيلة للتعبير عن نزاعاتهم العدوانية أو لتعويض مشاعر النقص عبر سلوكيات غير مشروعة مثل التحرش الجنسي.
إن البطالة، بصفتها نتيجة مباشرة للأزمات الاقتصادية، تؤدي إلى تآكل الفرد على بناء علاقات اجتماعية سليمة، مما يزيد من الشعور بالعزلة والإحباط. كما يؤدي الفقر إلى غياب الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، مما يدفع بعض الأفراد إلى البحث عن منافذ بديلة لتحقيق رغباتهم، وقد يكون التحرش الرقمي أحد هذه الوسائل.
علاوة على ذلك، يرتبط تعاطي المخدرات، كأحد مظاهر الانهيار الاقتصادي، ارتباطا مباشرا بزيادة السلوكيات الإجرامية، بما في ذلك التحرش الجنسي، إذ إن المخدرات تضعف القدرة على ضبط النفس وتعزز من السلوكيات العدوانية، مما يؤدي إلى تفاقم هذه الظاهرة.
الفقرة الثانية:
 العوامل الاجتماعية المؤدية إلى جريمة التحرش الجنسي
العوامل الاجتماعية تعتبر من أبرز المحركات التي تساهم في انتشار التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية . وتشمل هذه العوامل مجموعة من الظروف المحيطة بالفرد، بدءا من البيئة الأسرية وصولا إلى تأثيرات المجتمع وثقافته العامة .
1-التفكك الأسري:
يلعب التفكك الأسري وضعف الروابط بين أفراد الأسرة دورا بارزا في تشكيل سلوكيات الأفراد.  إذ يؤدي غياب التوجيه الأسري ومراقبة الأطفال والمراهقين إلى تعرضهم للتأثيرات السلبية التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي. كما يؤدي ضعف الرقابة الأبوية إلى فتح المجال أمام الأبناء لاستخدام الإنترنيت بشكل غير مسؤول، مما يجعلهم عرضة لتبني سلوكيات منحرفة، بما في ذلك التحرش الجنسي.
2- التطبيع الثقافي للتحرش:
في بعض الثقافات، ينظر إلى التحرش كأنه سلوك طبيعي أو وسيلة للتسلية والمزاح، دون إدراك الأثر النفسي والجسدي السلبي الذي يخلفه على الضحية. هذه النظرة الاجتماعية تشجع الجناة على الاستمرار في سلوكياتهم، خاصة في ظل غياب الإدانة الصارمة من المجتمع المحيط.
3- تأثير المشاهير والشخصيات المؤثرة:
يلعب الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي دورا مزدوجا في هذه الظاهرة، إذ يمكن أن يساهم في نشر التوعية، ولكنه قد يعزز أيضا من انتشار سلوكيات التحرش، خاصة عندما يقلد الأفراد تصرفات مشاهير أو شخصيات مؤثرة تمارس هذا النوع من السلوك دون عقاب.
4- البيئة التعليمية والمهنية:
في بعض الأحيان، تساهم البيئات التعليمية والمهنية غير المنظمة في تعزيز ظاهرة التحرش، حيث تتساهل بعض المؤسسات في التصدي لسلوكيات التحرش أو تفشل في توفير بيئة آمنة تحمي الأفراد من هذه الممارسات.
5- ضعف الوعي القانوني والاجتماعي:
يشاهم الجهل بالقوانين والتشريعات المتعلقة بالتحرش الجنسي في تفاقم هذه الظاهرة، حيث يعتقد بعض الأفراد أن أفعالهم ستبقى دون عقاب. بالإضافة إلى ذلك، يعد غياب الوعي الاجتماعي بأهمية احترام خصوصية الأفراد عاملا آخر يسهل من انتشار هذه الجريمة.
المبحث الثاني:
 السياسة الجنائية لمناهضة جريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية
يهدف التجريم القانوني لجريمة التحرش الجنسي، وفقا للفصل 503-1 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، إلى حماية الحق في الكرامة الإنسانية باعتباره أحد الركائز الأساسية لحقوق الإنسان. وهذه الحماية لا تقتصر درء الاعتداءات التي تمس ممتلكات الأفراد، بل تشمل أيضا الدفاع عن شرفهم وأحاسيسهم وكرامتهم، وحمايتهم من الأفعال التي تضعف إرادتهم وتؤثر على قدرتهم على مقاومة رغبات الآخرين غير المشروعة.
إن الهدف الأساسي من ردع التحرش الجنسي يتمثل في صون كرامة الفرد وحمايته من السلوكيات التي تخدش حياءه أو تهدد سلامته النفسية والجسدية ، وخاصة في ظل التطور التكنولوجي الذي جعل الفضاء الرقمي بيئة جديدة ترتكب فيها هذه الجريمة، وتتجلى السياسة الجنائية لمناهضة جريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية في دراسة خصوصية العناصر المكونة لجريمة التحرش الجنسي في الفضاء الرقمي (المطلب الأول)، قبل البحث في العقوبات المقررة لها (المطلب الثاني).
المطلب الأول:
خصوصية العناصر المكونة لجريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية
لا تختلف الجريمة المعلوماتية، بما في ذلك التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية، من حيث الأركان المكونة لها عن الجرائم التقليدية.  ولكي تتحقق الجريمة، لا بد من توفر ثلاثة أركان رئيسية: الركن الشرعي أو القانوني (الفقرة الأولى) وفي (الفقرة الثانية) الركن المادي لجريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية، و(الفقرة الثالثة) الركن المعنوي لجريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية.
الفقرة الأولى:
الركن القانوني لجريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية
يعد الركن الشرعي شرطا أساسيا لتحقيق أي جريمة في إطار القانون الجنائي، حيث يكرس المبدأ المعروف ب “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”. وهو مبدأ مستمد من الشريعة الإسلامية ومن النصوص الدستورية، هذا يستنتج من جملة الآيات القرآنية من أبرزها قوله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ” وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا” ، فالله عز وجل لا يعاقب الناس إلا بعد أن يبين لهن وينذرهم على لسان رسله، وعلى ذلك فالأقوال والأفعال والإشارات الأصل أنه مباحة، ولا حرج في إتيانها، إلا ما ورد النص صراحة بتجريمه، فكل قول أو إشارة تقع لا يمكن أن نوقع على فاعلها عقوبة إلا بنص يجرمها، وهذا النص إما أن يكون نص شرعي من الكتاب أو السنة، أو أن يكون نص قانوني، الذي يؤكد على ضرورة وجود نص واضح يحدد الجريمة والعقوبة المقررة لها.
في التشريع المغربي، يواجه تحديد الإطار القانوني لجريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية بعض التحديات، حيث لا يوجد نص قانوني صريح وشامل يجرم هذه الأفعال بوضوح، ومع ذلك، يمكن الاعتماد على النصوص العامة الواردة في القانون13-103 الذي يهدف إلى مكافحة العنف ضد النساء. ينص هذا القانون في المادة 503-1 على أن:
“يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من 5000 إلى 50000 درهم كل من ارتكب جريمة التحرش الجنسي باستخدام تهديدات أو وسائل إكراه أو أي وسيلة أخرى، مستغلا السلطة التي تخولها له مهامه لتحقيق أغراض ذات طبيعة جنسية” .
ورغم شمولية النص من خلال استخدام عبارة “أي وسيلة، فإنه لا يزال عاما ولا يتطرق بشكل مباشر إلى الوسائل الرقمية الحديثة التي أصبحت أدوات رئيسية لارتكاب هذه الجريمة. ومع ذلك، فإن الإشارة إلى “أي وسيلة” يمكن تفسيرها لتشمل الوسائل التكنولوجية والرقمية.
إضافة إلى ذلك تنص بعض الفصول الأخرى، والفصل 503-1-1 والفصل 503-1-2 من القانون الجنائي، على تجريم الأفعال التي تنطوي على استغلال جنسي باستخدام وسائل متعددة، مما يعزز من إمكانية تطبيقها على الجرائم المرتكبة في الفضاء الرقمي.
الفقرة الثانية:
الركن المادي لجريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية
يتحقق الركن المادي لجريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية من خلال أفعال مادية ملموسة تعبر عن نية الجاني في إيذاء الضحية أو إضعاف مقاومتها. فالركن المادي للجريمة هو سلوك إجرامي يتم فيه ارتكاب فعل جرمه القانون أو امتناع عن فعل أمر به القانون، والركن المادي له دور أساسي في البنيان القانوني للجريمة، حيث أن وجودها يؤدي إلى وجود جريمة وفقا للنموذج المحدد لها في نصوص التجريم والعقاب في التشريعات المختلفة وحتى تقضي المحكمة بتقدير المسؤولية الجنائية على الجاني ، فلا بد أن يكون هذا الأخير قد ارتكب أفعالا يتحقق بها الركن المادي لجريمته ويترتب على ما ارتكب من أفعال نتيجة مادية محددة وسواء كانت بصورة مباشرة أو غير مباشرة طالما توفرت علاقة سببية بين سلوكه الإجرامي والنتيجة المتحصلة من هذا السلوك أو القيام بنشاط يجرمه القانون حتى ولو لم تتحقق معه نتيجة معينة، كما هو الحال في الجرائم الشكلية ومنها جريمة التحرش الرقمي ، حيث تفترض كل جريمة صدور فعل مادي من الجاني لأن القانون لا يعاقب على مجرد الأفكار والنوايا الجرمية ما لم تتحول هذه النوايا الإجرامية إلى أفعال موجودة في الواقع .
باستقراء مقتضيات الفصل 503-1-1 من مجموعة القانون الجنائي  نلاحظ أنه ملأ نوعا من الفراغ التشريعي بخصوص جريمة التحرش الجنسي الرقمي، وبحسب الفصل الآنف الذكر فإن الركن المادي لجريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية يتمثل في توجيه رسائل مكتوبة أو هاتفية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية لأغراض جنسية والوسائل المذكورة تعتبر دلائل قوية يمكن الاعتماد عليها في إثبات هذه الجريمة.
والسلوك الإجرامي في جريمة التحرش الرقمي، يمكن تقسيمه إلى فعل إيجابي: أي حركة عنصرية إرادية يقوم بها الجاني لتنفيذ الجريمة التي ينسب إليه ارتكابها، ومن أبرز الأمثلة في جريمة التحرش الالكتروني هي قيام المتحرش بإرسال رسالة تحتوي على كلمات إباحية وألفاظ جنسية على الصفحات الخاصة للضحية أو عن طريق إيميل خاص، وفعل سلبي: ففي ظل التطور التقني الحالي يعتبر السلوك السلبي ركن له أهمية في جرائم التحرش الجنسي بوجه عام، والتحرش الالكتروني بوجه خاص فهو يجد انتشارا واسعا في مثل هذه الجرائم، فالامتناع عن أداء الواجب الذي يفرضه القانون أو التقاعس المتمثل في الامتناع عن اتخاذ الاحتياطات اللازمة يؤدي إلى وقوع حالات تحرش إلكتروني قد تصل إلى حد الزنا .
الفقرة الثالثة:
 الركن المعنوي لجريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية
يعد الركن المعنوي من الأركان الجوهرية التي لا يمكن تصور الجريمة بدونها. فالقانون لا يعاقب على الأفكار والنوايا إلا إذا تجسدت في أفعال ملموسة ترتبط بنية إجرامية واضحة والتصرفات إيجابية كانت أو بالامتناع فإن الجريمة تتطلب قصدا جنائيا، بل لا يمكن تصورها دون هذا القصد وتبعا لذلك لا تقوم الجريمة إذا انعدم القصد الجنائي، ويتمثل الركن المعنوي للجريمة بصفة عامة الأصول النفسية لمادياتها والسيطرة النفسية عليها، فلا يسأل الشخص عن جريمة ما لم تقم علاقة بين مادياتها ونفسيته إذ لا تقبل العدالة أن توقع عقوبة على شخص لم تكن له بماديات الجريمة صلة نفسية، وهذه القوة النفسية التي من شأنها الخلق والسيطرة هي الإرادة الجرمية التي تربط بين ماديات الجريمة وشخصية المجرم والإرادة هي جوهر القصد الجنائي .
 الركن المعنوي لجريمة التحرش الجنسي الرقمي من خلال تحديد العلاقة السببية بين الأفعال الموصوفة بالتحرش الجنسي وبلوغ الجاني النتيجة الإجرامية المقصودة والمتمثلة في الاستجابة لرغبات جنسية، أو الحصول على فضل ذي طابع جنسي، يعد من الصعوبة بما كان إن لم نقل يستعصي في أغلب الأحيان ما عدا الأفعال الموصوفة بالتحرش لفضية كانت أو جسدية والتي تحمل دلالات واضحة لا لبس فيها، إذ أن أغلب الأفعال الموصوفة بالتحرش تقع تحت طائلة التلميح من خلال استعمال ألفاظ وعبارات وجمل تحمل أكثر من معنى، إذ يكون المعنى المثير للجنس الأقرب للتصور أو من خلال اللجوء إلى حركات وإيماءات جسدية تختلط فيها النية المعتمدة المقصودة بمجرد سلوك قد لا يثير للغير المتحرش به أي رد فعل .
حيث يمثل الركن المعنوي للجريمة في القصد الجنائي (تحقيق الرغبة الجنسية أو الحصول على فضل ذو طابع جنسي)، ولتحقيق الركن المعنوي يجب توفر القصد الجنائي للجاني على إرادة تحقيق هذا الفعل ثم العلم بأن الواقعة مجرمة، ويتحقق الركن المعنوي، وبالتالي لا يكفي للمساءلة على أن يأتي الفاعل نشاطا ماديا بمجرد توجيه هذه الرسائل، ذلك أن جريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية تعتبر من الجرائم العمدية يشترط لقيامها ركنا معنويا يتمثل في القصد الجنائي الذي يقوم على عنصري العلم والإرادة وهو القصد العام، إضافة إلى القصد الخاص المتمثل في الحصول على رغبات ذات طابع جنسي .
إن إثبات الركن المعنوي لجريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية من خلال تحديد الأفعال الموصوفة بالتحرش وبلوغ الجاني لنتيجة إجرامية مقصودة متمثلة في تلبية رغبات جنسية أو الوصول إلى فضل جنسي يعد من الصعوبة بمكان ويستعصي في غالب الأحيان ما عدا الأفعال الموصوفة بالتحرش والتي تحمل دلالة واضحة لا لبس فيها كإرسال عبارات أو صور جنسية للضحية قصد الحصول على نزوات جنسية ، فالأفعال التي يأتيها الفاعل في جريمة التحرش لا بد أن يكون القصد منها الازعاج أو انتهاك جسد الضحية أو خصوصية أو مشاعر شخص ما، تجعله يشعر بالخوف أو عدم الاحترام أو الإهانة والإساءة .
هذا ما يدفعنا إلى القول إن تعزيز السياسة الجنائية يتطلب وضع نصوص أكثر وضوحا في التعامل مع الجرائم الرقمية، وتوفير أدوات تقنية حديثة تساعد السلطات القضائية على إثبات الركن المادي والمعنوي للجريمة. كما يتطلب ذلك تكثيف التوعية القانونية في المجتمع لضمان الإبلاغ عن هذه الجرائم وتشجيع الضحايا على التبليغ والمطالبة بحقوقهم القانونية.
المطلب الثاني:
 السياسة العقابية لجريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية
لم تعد السياسة الجنائية الحديثة تقتصر على توقيع العقوبات فقط، بل امتدت لتشمل تدابير احترازية ذات طابع عقابي تهدف إلى وقاية المجتمع من الخطورة الإجرامية الكامنة في شخصية الجاني . في إطار ذلك، نص المشرع المغربي في مجموعة القانون الجنائي على عقوبات خاصة بجريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية، تشمل عقوبات أصلية تقليدية (الفقرة الأولى) وعقوبات مشددة في بعض الحالات (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى:
العقوبة الأصلية
نص الفصل 503-1-1 من مجموعة القانون الجنائي المغربي على أنه يعتبر مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي كل من أمعن في مضايقة الغير، ويعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة مالية تتراوح بين 2.000 إلى 10.000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ويتيح هذا النص للقاضي سلطة تقديرية واسعة في اختيار العقوبة المناسبة للجاني، إذ يمكنه من الجمع بين عقوبة الحبس والغرامة، أو الاكتفاء بأحدهما فقط، بشرط الالتزام بالحدود التي وضعها المشرع، بحيث لا تقل العقوبة السجنية عن شهر واحد ولا تزيد الغرامة عن 10.000 درهم.
يتضح من هذا الإطار التشريعي أن المشرع تعامل مع جريمة التحرش الجنسي الرقمي بصورتها البسيطة باعتبارها جنحة، مع الأخذ بعين الاعتبار نية الجاني في إيذاء الضحية واستغلالها جنسيا، وهو ما يظهر أن العقوبة تهدف إلى حماية كرامة الضحية وضمان عدم تكرار الجريمة.
الفقرة الثانية:
 تشديد العقوبة
أدرك المشرع خطورة بعض الحالات المرتبطة بجريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية، والتي تتطلب مضاعفة العقوبة بالنظر إلى طبيعة الجاني أو ظروف الجريمة. وقد نصت الفقرة الثانية من الفصل 503-1-1 على أنه تضاعف العقوبة إذا كان الجاني زميلا في العمل، أو أحد الأشخاص المكلفين بحفظ النظام العام في الفضاءات العمومية أو غيرها .
كما نص الفصل 503-1-2 من مجموعة القانون الجنائي المغربي على عقوبات أكثر صرامة في حالات معينة، حيث “يعاقب الجاني بالحبس من ثلاث إلى خمس سنوات، وغرامة مالية من 5.000 إلى 50.000 درهم، إذا ارتكبت جريمة التحرش الجنسي من طرف أحد الأصول أو المحارم أو من له ولاية أو سلطة على الضحية أو مكلفا برعايته أو كافلا له، أو إذا كان الضحية قاصرا”.
وقد أحسن المشرع عندما نص على هذه العقوبات المشددة، إذ تعكس فلسفة تشريعية تهدف إلى حماية الفئات الضعيفة في المجتمع، مثل القاصرين أو من تربطهم علاقات وثيقة بالجاني، ومع ذلك، كان من الأفضل أن يتم توسيع دائرة المشمولين بالتشديد لتضم حالات أخرى، مثل الأشخاص الذين يعانون من الإعاقة الذهنية أو الحالات المشابهة .
كما أن تشديد العقوبة على زملاء العمل أو المكلفين بحفظ النظام يعكس حرص المشرع على ضمان الأمن الوظيفي والإنساني داخل بيئة العمل، وتعزيز الثقة في الجهات المسؤولة عن حفظ النظام العام.
وقد أحسن المشرع في الفصل 503-1-2 حين عاقب بالحبس من ثلاث إلى خمس سنوات وغرامة من 5.000 إلى 50.000 درهم، إذا ارتكب التحرش الجنسي من طرف أحد الأصول كالأب والأم والجدة أو المحارم كالأخ والأخت والابن والبنت وزوج الأخت وزوجة الأخ وما نحو ذلك أو من له ولاية كالوصي والولي ومن عينه القاضي أو من له سلطة على الضحية كالأستاذ والمدرب أو  من كان مكلفا برعاية الضحية أو كافلا لها، أو إذا كان الضحية قاصرا، وقد أحسن المشرع في ذلك لأن القاصر لا يتوفر على القدرة على الاختيار وهو في موقف ضعف وكان الأجدى لو أن المشرع توسع وأدخل الذين هم في حالة الجنون والعته والسفه أيضا .
إن الفصلين إضافة الفصلين 503-1-1 و 503-1-2 إلى مجموعة القانون الجنائي المغربي، بمقتضى المادة 5 من القانون رقم 103-13 المعدل والمتمم للقانون الجنائي المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، والذي تضمن عدة مقتضيات مهمة أبرزها تجريم التحرش الجنسي خارج فضاء العمل وعبر الوسائط الإلكترونية، جرم فعل التحرش بغض النظر عن جنس مرتكبه أو ضحيته ووسع من دائرة تجريم التحرش ليشمل الفضاءات العمومية وغيرها من الأماكن الواقعية والافتراضية، وترك هامشا كبيرا للسلطة التقديرية للمحكمة في اختيار العقوبة التي جاءت على سبيل التخيير بين الحبس أو الغرامة مع إمكانية الجمع بينهما.
خاتمة:
في الختام، تشكل جريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية تحديا معقدا يفرض نفسه بقوة في ظل الثورة الرقمية التي أعادت صياغة أنماط الجريمة التقليدية ووسعت نطاقها. ولقد حاول المشرع المغربي مواكبة هذا التطور من خلال إدراج نصوص قانونية واضحة تجرم التحرش الجنسي، سواء في الفضاءات الواقعية أو الافتراضية، مؤكدا بذلك حرصه على حماية كرامة الأفراد وضمان أمنهم الرقمي.
ورغم أهمية هذه النصوص، يواجه التطبيق العملي لها عقبات متعددة، أبرزها صعوبة تتبع هوية الجناة في العالم الرقمي، وضعف الوعي القانوني لدى الضحايا، بالإضافة إلى التحديات التقنية المرتبطة بجمع الأدلة الرقمية التي تثبت الجريمة بشكل حاسم. ولا يمكن إغفال الحاجة إلى تطوير آليات أكثر فاعلية للإبلاغ عن هذه الجرائم، وضمان حماية الضحايا، وتعزيز استخدام التكنولوجيا لدعم التحقيقات القضائية.
لذلك، فإن التصدي لهذه الظاهرة يتطلب رؤية شمولية تمتد إلى ما هو أبعد من الحلول القانونية. فالتوعية المجتمعية بأخطار التحرش الجنسي الرقمي وأبعاده القانونية، والاستثمار في البنية التقنية لتعزيز الأمن الرقمي، والتنسيق بين الجهات التشريعية والقضائية والتنفيذية، كلها عوامل أساسية لضمان بيئة آمنة تحترم حقوق الأفراد وتصون كرامتهم.
إن مواجهة جريمة التحرش الجنسي عبر الوسائط الرقمية ليست مسؤولية المشرع وحده، بل هي معركة مجتمعية متكاملة تستلزم تعاونا بين الدولة والمجتمع لضمان ردع فعال وحماية شاملة للضحايا، وصولا إلى بناء مجتمع يقوم على قيم الاحترام والمساواة.
لائحة المراجع:
أولا: النصوص القانونية
– القانون رقم 24,03 المتعلق بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1,03,207 بتاريخ 16 من رمضان 1424 (11شتنبر 2003)، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5175 بتاريخ 12 ذو القعدة 1424 (5 يناير 2004).
– القانون رقم 15-04 المؤرخ في 10نوفمبر2004، بمقتضى نص المادة 341 مكرر قانون العقوبات المادة 60 من القانون رقم 23_06 المؤرخ في 20 ديسمبر 2002.
ثانيا: الكتب
– ابن منظور، لسان العرب، دار الفكر للطباعة والنشر بيروت بدون ذكر سنة الطبع.
– أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات- القسم الخاص، مطبعة نادي القضاة، مصر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1980.
– إدوارد غالي الذهبي، الجرائم الجنسية، دار غريب، الطبعة الثانية، 1997.
– أشرف عبد القادر قنديل، الاثبات الجنائي في الجريمة الالكترونية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2015.
– رشا خالد عمر، المشاكل القانونية والفنية للتحقيق في الجرائم المعلوماتية، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 2013.
– رمسيس بهنام، علم الإجرام، منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر، 1988.
– طلحة محمد، المواجهة التشريعية والأمنية لظاهرة التحرش الجنسي، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى يناير 2002.
– عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي القسم العام، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثالثة، الرباط، 2005.
– عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي، القسم الخاص، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة 9، الدار المغرب، 2018-1439.
– محمد ثامر السعدون، المفهوم الدولي للاستغلال الجنسي للأطفال، دار السنهوري، بيروت، 2017.
– محمد عبيد الكعبي، الجرائم الناشئة عن الاستخدام غير المشروع للأنترنيت، دار النهضة العربية، 2009.
– محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات- القسم الخاص، دار النهضة العربية.
– مروة سعد جاد الحسيني، الابتزاز الالكتروني للمرأة العصرية، دراسة تطبيقية لعينة من مستخدمي الفيس بوك، جامعة عين شمس، 2023.
– نبيلة الشوريجي، علم النفس الاجتماعي، دار النهضة العربية، القاهرة.
– الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، التحرش الجنسي في المغرب، مطبعة النجاح الجديدة، 2001.
– الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء، جريمة التحرش الجنسي سلسلة لتحرك الصمت مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 2001 ,.
ثالثا: الرسائل:
– أحمد عثمان إبراهيم بدر، جريمة التحرش الجنسي وكيفية مواجهتها، رسالة مقدمة لنيل درجة دكتوراه في الحقوق، كلية الحقوق قسم القانون الجنائي، جامعة المنصورة، مصر، 2021.
– حسن فضيل خلف، جريمة الدخول غير المشروع إلى النظام المعلوماتي والتعدي على محتوياته- دراسة مقارنة، رسالة ماجيستير، كلية الدراسات العليا، جرش، المملكة الأردنية، 2016.
– خديجة أبو مهدي، الحماية الجنائية للمرأة في المنظومة القانونية المغربية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية الحقوق فاس، 2003-2002.
– فلاح الشمري، جريمة ابتزاز النساء ودور جهاز الحسبة في مكافحتها، رسالة ماجستير، جامعة مؤته، 2007.
– لقاط مصطفى، جريمة التحرش الجنسي، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر، كلية الحقوق، 2013-2012.
– نوري عمر، جرائم العنف الجنسي في القانون الدولي والقانون الجزائري، رسالة لنيل دبلوم الماستر، القانون الجنائي والعلوم الجنائية، جامعة زيان عاشور، الجلفة، السنة الجامعية 2020-2019.
رابعا: المقالات
– إكرام مختاري، جريمة التحرش الجنسي من منظور القانون الجنائي المغربي (دراسة مقارنة)، مقال منشور على www.platform.almanhal.com   تاريخ الاطلاع 2/01/2025 على الساعة 13h.
– عمر أكوناض، التحرش الجنسي وفقا للقانون 19-15، مقال منشور بالموقع الالكتروني التالي: www.m.marocdroit.com     تاريخ الاطلاع 13/12/2024 على الساعة 09h.
– عمر أمزاوري، جريمة التحرش الجنسي بين الفهم والتجريم، مقال منشور في مجلة المنبر القانوني، 5 يوليو 2018.
– مقال منشور على الأنترنيت على الموقع www.alhayat.com  زيارة الموقع في 06/01/2025 على الساعة 13h30.
خامسا: المجلات
– أحمد عبد القادر عامر، إشكالية تحديد المسؤولية الجنائية للتحرش الالكتروني كجريمة إلكترونية والجهود الدولية لمكافحته، مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية، المجلد 7، العدد 1 يونيو 2021.
– زياد عبود مناجد، المسؤولية الجنائية عن جرائم التحرش الجنسي الالكتروني، مجلة الكتاب، المجلد 2 العدد 3، 2020.
– سليمة فراجي، قراءة نقدية في مسودة القانون الجنائي، مجلة الجريمة والعقاب، يونيو 2015.
– عبد الله الأحمدي، التحرش الجنسي، مجلة القضاء والتشريع، العدد 10، 2005.
– قفاف فاطمة، جريمة التحرش الجنسي وفقا للقانون 19-15، مجلة الاجتهاد القضائي، العدد الثالث عشر، ديسمبر 2016.
– مراد ينار، الجرائم المرتكبة عبر الوسائط الالكترونية جريمتي الابتزاز والتحرش الجنسي نموذجا، مجلة القضية، العدد الأول، 2019.
سادسا: القواميس
– التحرش في اللغة الفرنسية الوارد بقاموس Le Petit Robert المعنون “المضايقات”، نجد أنه يقصد بالتحرش سلوك مسيء (إهانة، تهديدات، الخ…) يقوم به شخص على نحو خبيث ومتكرر تجاه شخص آخر لزعزعة استقراره، بالإضافة إلى ذلك يقدم ذات القاموس معنى آخر لفعل التحرش بأنه: “الخضوع بلا هوادة لهجمات صغيرة متكررة، واعتداءات سريعة ومتواصلة” كما يعرف فعل Harcèler قاموس Emile littréعلى أنه “العذاب، المضايقة بهجمات صغيرة ولكنها متكررة”.
– المعجم الوسيط، إبراهيم أنيس وآخرون، مجمع اللغة العربية- مكتبة الشروق الدولية، المجلد الأول، 2004.
-Le nouveau petit Robert/ Dictionnaire alphabétique et analogique de la langue française – Nouvelle édition du Petit Robert de Paul Robert/ Texte remanié et amplifié sous la direction de Josette REY-DEBOVE et Alain REY, Paris, 2009.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى