حماية المستهلك في المجال العقاري
من إعداد الطالب:
محمد القسطيط
خريج ماستر الدراسات العقارية بطنجة
المقدمة:
تطورت الحياة في مختلف جوانبها، وأصبح الإنسان المستهلك يفضل الاستقرار والشعور بالأمان، وازدادت رغبته في التشبت بالعقار والحصول عليه، هذا الأخير الذي يكتسي أهمية بالغة لا يضاهيه في ذلك شيء من الثروة العائدة للإنسان، فهو الوعاء الأساسي لإنتاج المشاريع المنتجة للثروة وأساس نجاح كل سياسة عمومية كما يعتبر قاطرة التنمية للمغرب كيف لا وهو سكن الإنسان وموطن عمله ومورد رزقه في القطاع الفلاحي الذي يشغل فئة عريضة من المجتمع المغربي والأرضية الأساسية لإنتاج المشاريع الصناعية والتجارية والحرفية والسياحية والخدماتية.
وقد أصبح العقار اليوم من بين أهم المجالات التي يعول عليها في جلب الاستثمار وتحقيق الإقلاع الاقتصادي، لذلك اهتم المشرع المغربي بتنظيم هذا المجال الحيوي قدر الأهمية التي يكتسيها، عبر سن مجموعة من القوانين التي تسعى إلى حمايته من كل تعدي وضروب الغصب والاستيلاء، وتحيين بعضها والتي تعود غالبيتها إلى عهد الحماية.
ومن هذا المنطلق نتساءل عن الآليات التي أقرها المشرع المغربي لحماية المستهلك في العقار في طور التحفيظ وكذلك العقار المحفظ؟
وكإجابة على الإشكالية المطروحة أعلاه، سنعتمد التصميم التالي:
المطلب الأول: حماية المستهلك العقاري في العقار في طور التحفيظ
المطلب الثاني: حماية المستهلك في العقار المحفظ
المطلب الأول: حماية المستهلك العقاري في العقار في طور التحفيظ
ولتفادي آثار قاعدة التطهير، قرر المشرع لأصحاب الحقوق التي نشأت على العقار في طور التحفيظ ممارسة مسطرة النشر في الجريدة الرسمية أو ما يعبر عنها من الناحية العملية بمسطرة الخلاصة الإصلاحية المقررة في 83 من (ظ.ت.ع) أو مسطرة الإيداع المنصوص عليها في الفصل 84 من نفس القانون.
الفقرة الأولى: حماية المستهلك العقاري عن طريق الخلاصة الإصلاحية
تعتبر مسطرة النشر طبقا للفصل 83 من (ظ.ت.ع) أو مسطرة الخلاصة الإصلاحية كما يعبر عتها فقها وقضاء، من أهم الآليات القانونية التي أحدثها المشرع من خلال قانون (14.07) من أجل حماية صاحب الحق المنشأ أو المعدل أو المقر به خلال عملية التحفيظ وتمكين من انتقل إليه الحق المرتبط بوعاء مطلب التحفيظ من التدخل في مسطرة التحفيظ باسمه، وذلك في حدود الحق المنشأ أو المغير أو المقر به.[1]
فالمستهلك حينما يشتري عقارا في طور التحفيظ، فله الحق أن يطلب نشره بالجريدة الرسمية، وذلك بعد أن يعمل على إيداع الوثائق المثبتة لحقه بالمحافظة العقارية، فيكتسب المستهلك صفة طالب التحفيظ في حدود الحق المعترف به.[2]
وبحسب الفصل 83 من (ظ.ت.ع) فإنه في حالة ما إذا كان قد تم نشر الإعلان عن انتهاء تحديد ذلك العقار في الجريدة الرسمية، فيجب أن يعاد نشر ذلك الإعلان من جديد من أجل فتح باب للتعرضات داخل أجل شهرين ابتداء من نشر الإعلان عن الحق المنشأ أو المغير أو المقر به بالجريدة الرسمية، إلا أن التعرضات لن تقبل إلا إذا انصبت مباشرة على الحق المذكور.[3]
الفقرة الثانية: حماية المستهلك العقاري عن طريق مسطرة الإيداع
تنبغي الإشارة إلى أن إجراءات التحفيظ العقاري لا تؤدي إلى تجميد العقار من تداوله، بل العكس تماما بحيث يكون لصاحب العقار في طور التحفيظ جميع التصرفات القانونية من بيع ورهن وهبة إلى غير ذلك (…) بشرط أن يتم إيداع كل العقود لدى المحافظة العقارية وفق ما نص عليه الفصل 84 من (ظ.ت.ع).[4]
إن اختيار تطبيق مقتضيات الفصل 84 من (ظ.ت.ع) يساهم بشكل فعال في تداول الملكية العقارية أثناء سريان مسطرة التحفيظ العقاري، بحيث أن انتقال الملكية لا يتطلب أي إجراء شكلي، باستثناء الرقابة في إطار الفصل 72 من (ظ.ت.ع)، كما أن مسطرة الإيداع تمكن صاحبها من الاستفادة من ميزتها، وذلك عن طريق ربح الوقت والإسراع في اتخاذ قرار التحفيظ في اسم طالب التحفيظ، ثم تقييد حقه في الرتبة الموالية لذلك بالرسم العقاري، بالاستناد على تاريخ الإيداع في مصلحة المحافظة العقارية، وذلك من خلال تقييدها في سجل التعرضات.[5]
وفي هذا الإطار جاء قرار صادر عن المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) بتاريخ 12\07\06 ما يلي: “إن المشتري لعقار في طور التحفيظ أو خلفه الذي لم يقم بالتعرض على مطلب التحفيظ ولا الإيداع المنصوص عليه في الفصل 84 من ظهير 12\8\1913 يواجه بقاعدة التطهير المنصوص عليها في الفصلين 2 و62 من نفس القانون، والذي لا ينشأ بتاريخ انتهاء إجراءات التحفيظ إنما بتاريخ إنشاء الرسم العقاري.[6]
وعلى العموم فإن شراء المستهلك للعقار في طور التحفيظ يكتنفه الكثير من المخاطر، مما يدفع إلى القول بالتريث قبل الإقدام على شراء عقار في هذا الوضع.[7]
المطلب الثاني: حماية المستهلك العقاري في العقار المحفظ
بعد تأسيس الرسم العقاري، فإن أي تصرف يتعلق بالعقار يجب أن يقيد في السجل العقاري وفق مسطرة خاصة نظمها المشرع تنظيما دقيقا في نظام التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بالقانون رقم 14.07، ونظرا لما للتقييدات من أهمية، سنتطرق لها فيما يلي:
الفقرة الأولى: حماية المستهلك العقاري عن طريق التقييد الاحتياطي
يعتبر التقييد الاحتياطي إمكانية خولها القانون لكل من يدعي حقا عينيا على عقار محفظ، وذلك بغرض الاحتفاظ المؤقت بهذا الحق، عن طريق الإشارة إليه في الرسم العقاري، في انتظار تحويل هذا التقييد الاحتياطي إلى تقييد نهائي أو التشطيب عليه، كما اتجه القضاء إلى تعريفه في حكم قضائي، وذلك بتاريخ 2018\12\07 بالمحكمة الابتدائية بقلعة السراغنة على أن: “يقصد بالتقييد الاحتياطي كل تقييد مؤقت على الرسم العقاري بقصد حماية رتبة من يدعي حقا عينيا على عقار محفظ لتعذر تقييده في الوقت الراهن في انتظار زوال المانع”.[8]
وتكمن أهمية التقييد الاحتياطي كما قلنا سابقا في كونه يخول إمكانية تقييد الحق المنازع حوله بالأولوية في الترتيب إزاء كافة الحقوق المقيدة بعده، إذ أنه بعد إجراء التقييد النهائي يصبح صاحب الحق مكتسبا إياه منذ تاريخ التقييد الاحتياطي، كما تكمن أهميته أيضا في كونه إجراء أو تحفظ للتقييد النهائي في المستقبل ليضمن حقوقا في طور التأسيس أو لم تكتمل بعد شروطها القانونية أو دعاوى عقارية.[9]
والتقييد الاحتياطي لا يوقف سير التقييدات، غير أنه تجدر بنا الإشارة إلى أن كل التقييدات اللاحقة تكون معلقة على التقييد السابق، حيث يتم التشطيب عليها كلما تعارضت مع الحق المقيد احتياطيا بعد إجراء التقييد النهائي لهذا الحق عملا بمبدأ الأثر الرجعي.[10]
إن التقييد الاحتياطي يهدم القرينة التشريعية التي تحصن تصرفات الغير حسن النية، فلا يعذر أحد بتجاهله للتقييد الاحتياطي الذي وقع إشهاره بالسجلات العقارية، وكل من اكتسب حقا عينيا على عقار محفظ وقام بتقييده بالرسم العقاري رغم وجود تقييد احتياطي فعليه أن يتحمل عواقب وآثار هذا التقييد، لأن حقه المقيد يكون رهينا بمآل التقييد الاحتياطي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التمسك بحسن النية في مواجهة طالب التقييد الاحتياطي،[11]
وعليه يتضح بأن التقييد الاحتياطي يعتبر إجراء مهما يكفل حق المستهلك من الضياع ويعطيه الأفضلية في حماية هذا الحق، وذلك انطلاقا من تاريخ التقييد الاحتياطي.[12]
الفقرة الثانية: حماية المستهلك العقاري عن طريق التقييد في الرسم العقاري
يكتسي التقييد في الرسم العقاري أهمية بالغة، لكون الحقوق الواقعة على عقار محفظ لا تعتبر موجودة إلا إذا قيدت في الرسم العقاري، فمثلا إذا اكتسب شخص على عقار محفظ ولم يقيده في الرسم العقاري فإنه لا يمكن الاحتجاج بذلك الحق أمام الغير، كما أنه لا يمكن للغير الاحتجاج به تجاه مالكه لكونه يعتبر غير موجود من الناحية القانونية.[13]
كما أن عملية إشهار الحقوق في السجل العقاري تسمح لكل شخص (المستهلك) يهمه العقار الاطلاع على وضعيته، بحيث يكون على علم بكل ما يتعلق به عند إبرام العقد، فالمشتري للعقار المرهون رهنا رسميا مثلا يأخذ بعين الاعتبار قيمة الدين المضمون من خلال الاطلاع على السجل العقاري، زيادة على أنه يكون على دراية كاملة بالمالك الحقيقي للعقار.[14]
وباستقرائنا للفصل 67 من (ظ.ت.ع) نرى أن المشرع المغربي قرر قاعدة تفيد أن للتسجيل أثرا منشئا للحق، وهو ما يعني أن التصرفات التي يقوم بها الأفراد على العقارات المحفظة لا تنشأ إلا بمقتضى واقعة التقييد في الرسم العقاري ودون اعتبار أية وسيلة أخرى.[15]
وغرض المشرع من كل هذا هو ضمان أداء العقار المحفظ للدور الذي توخاه من وراء إقراره لنظام التحفيظ العقاري، فالرسم العقاري ساعد على معرفة كافة الحقوق المادية والقانونية المرتبطة بالعقار، ونتيجة لذلك فالشخص الذي وثق في الظاهر وما هو مضمن بالرسم العقاري وقبل التعامل على ذلك الأساس، فإنه لا يصح أن لا يحميه القانون من أي مطالبات قد تظهر بعد تقييده لحقه، فلو تصورنا غير ذلك لما تميز العقار المحفظ عن الغير المحفظ.[16]
خاتمة:
ورغم الأهمية التي تلعبها مسطرتي الإيداع والخلاصة الإصلاحية باعتبارهما كآلية لحماية المستهلك العقاري، فإن التنظيم التشريعي لها بمقتضى الفصلين 83 و84 يعرف العديد من الاختلالات التي من شأنها أن تؤثر على استقرار الحقوق الواردة على الوعاء العقاري الذي تزداد أهميته يوما بعد يوم.
ولعل ما يزيد الأمور تعقيدا وضعية العقار في طور التحفيظ المتذبذبة وما يترتب عنها من كثرة التعرضات، وبعض أفعال طالب التحفيظ الحائلة دون إتمام عملية التحفيظ في وقتها، وما يصدره المحافظ العقاري على ضوئها من قرارات وغيرها من الاختلالات المؤثرة على المراكز القانونية الناشئة أثناء مسطرة التحفيظ.
أما بخصوص العقار المحفظ ونظرا للأهمية التي يحتلها فقد استطاع نظام التحفيظ العقاري توفير الأمن والاستقرار للملكية العقارية بالمغرب، وذلك بفضل قواعده المطبقة على الملكية العقارية بعد تأسيس الرسم العقاري، وبذلك عرفت
هذه الأخيرة نوعا من الثبات وقلة النزاعات وزادت ثقة المستهلك والمستثمر وجميع المتعاملين بهذا النظام، ولتعزيز حماية المستهلك في المجال العقاري لابد من تحديد أهداف التشريعات العقارية وهي أن يكون:
- التشريع الحمائي
- التشريع التسهيلي
- التشريع الضبطي
- إحداث محاكم متخصصة في المنازعات العقارية.
[1] ـ محمد حمدون: حماية الحقوق الناشئة على مطلب التحفيظ عن طريق مسطرتي الخلاصة الإصلاحية والإيداع، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، تحت إشراف: د. محمد شاذي، جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، السنة الجامعية: 2019\2018، ص: 13.
[2] ـ عادل المعروفي: الآليات القانونية لحماية مستهلك العقار، مقال منشور بالمجلة العربية للدراسات القانونية والاقتصادية والاجتماعية، ص: 24.
[3] ـ الفصل 83 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمغير بالقانون رقم 14.07.
[4] ـ فؤاد الصامت: القواعد الموضوعية للأمن العقاري دراسة مقارنة بين أحكام الفقه المالكي والقانون الوضعي، الطبع: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع ـ الرباط، ص: 53.
[5] ـ نبيلة الراصفي: مسطرة الإيداع في ظهير التحفيظ العقاري، رسالة لنيل دبلوم المساتر في الدراسات القانونية والعقارية، تحت إشراف: د. أشرف جنوي، جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ـ مراكش، السنة الجامعية: 2018\2019، ص: 27.
[6] ـ محمد حمدون: حماية الحقوق الناشئة على مطلب التحفيظ عن طريق مسطرتي الخلاصة الإصلاحية والإيداع، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، تحت إشراف: د. محمد شاذي، جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، السنة الجامعية: 2019\2018، ص: 51.
[7] ـ عادل المعروفي: م.س، ص: 25.
[8] ـ نبيلة الراصفي: م.س، ص: 24.
[9] ـ إدريس الفاخوري: نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون 14.07، دار نشر المعرفة، الطبعة: 2013، ص: 163.
[10] ـ يونس معاطا: الأمن العقاري في ضوء قانون 14.07، رسالة لنيل دبلوم الماستر تخصص العلوم الأمنية وتدبير المخاطر، تحت إشراف: د. عبد القادر التيعلاتي، ص: 62.
[11] ـ نبيل بنحمو علي: آثار مؤسسة التقييد الاحتياطي على ضوء التشريع والعمل القضائي، مقال منشور بمجلة القانون والأعمال الدولية، العدد 27 أبريل 2020، ص: 102 ـ 103.
[12] ـ عادل المعروفي: م.س، ص: 23.
[13] ـ إدريس الفاخوري: م.س، ص: 142.
[14] ـ إدريس الفاخوري: م.س، ص: 143.
[15] ـ محمد خيري: العقار وقضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي، طبعة: 2018، مطبعة المعارف الجديدة ـ الرباط ـ المغرب، ص: 571.
[16] ـ حجية تقييدات الغير حسن النية في الرسم العقاري دراسة في إطار المادة 2 من م.ح.ع والفصل 62 من ظ.ت.ع، مقال منشور بمجلة القانون والأعمال، العدد 32 يونيو 2018، ص: 114.