في الواجهةمقالات قانونية

دور إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة في حماية العلامة التجارية

تلعب العلامة التجارية منذ زمن بعيد دورا بارزا في الدلالة على مصدر المنتجات، ولا شك أن هذا الدور كان أقدم وظائف العلامة ظهورا من الناحية التاريخية، إلا أن التطور جعل وظيفة العلامة تتحول من الدلالة على  المصدر إلى أن أصبحت رمزا لصفات وخصائص المنتجات ودرجة جودتها، فوجود العلامة على الشكل النهائي للمنتج يوحي بالثقة وضمان الجودة للمستهلك.

والمشرع المغربي كغيره من التشريعات، وضع عدة آليات قصد حماية العلامة، حيث أصدر قانون ينظم الملكية الصناعية بالمغرب وهو القانون رقم 17.97 الذي ألغى ظهير 23 يونيو 1916[1]، وذلك من أجل محاربة شتى أشكال التعدي على العلامات ومواكبة للتطور الذي عرفه مجال الحماية.

وسعيا إلى توفير الحماية المنشودة ،وضعت التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية قواعد وإجراءات لمنع تلك الأعمال المخالفة للقانون، ومن بين هذه الإجراءات تلك التي خولها المشرع المغربي لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، حيث أعطى لها سلطة المراقبة والقيام بالتدابير اللازمة على مستوى الحدود لحماية العلامات التجارية من التعدي[2].

وعليه يمكن التساؤل عن ماهية الإجراءات المتخذة لحماية العلامة التجارية على مستوى الحدود؟ وإلى أي حد استطاع المشرع المغربي من خلال هذه التدابير أن يوفر الحماية اللازمة للعلامة التجارية؟

للإجابة عن هذه التساؤلات سنتناول التدابير الحدودية من خلال التطرق إلى إجراءات إيقاف التداول الحر للسلع المزيفة( الفقرة الأولى)، ثم تقييم هذه الإجراءات للوقوف على مدى فعاليتها في حماية العلامة التجارية(الفقرة الثانية).

 

 

 

            الفقرة الأولى:  إيقاف التداول الحر للسلع المزيفة.  

خول المشرع المغربي لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة أن توقف التداول الحر للسلع المزيفة أو المشكوك في تزييفها، إما بناء على طلب من له المصلحة في ذلك( أولا)، وإما من تلقاء نفسها( ثانيا).

  أولا: إيقاف التداول الحر للسلع بناء على طلب صاحب المصلحة.

نصت على هذا المقتضى المادة 176-1 من قانون 17.97 التي جاء فيها: ” يمكن لإدارة الجـمارك والضرائب غير المباشرة، بناء على طلب[3] من مالك علامة مسجلة أو مسـتفيـد من حق استغلال استئثاري، أن توقف التداول الحر لسلع مستوردة أو مصدرة أو عابرة مشكـوك في كونها سلعا مزيفة تحمل علامات متطابقة أو علامات مماثلة للعلامة المذكورة تؤدي إلى خلق التباس”.

وبذلك يمكن لمالك العلامة أو لصاحب حق الاستغلال الاستئثاري عليها، أن يحصل على حجز مؤقت للسلع المستوردة أو المصدرة أو العابرة التي يشك في أنها تحمل علامة مزيفة، بناء على طلب يقدمه بنفسه أو بواسطة وكيل لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة وفق النموذج المعد من طرف هذه الأخيرة.[4]

وحسب النظام الذي وضعته إدارة الجمارك، فإنه يجب تقديم الطلب لدى المصلحة المركزية بالرباط، والتي تقوم بدراسة الطلب ثم ترسله إلى المصالح المكلفة على مستوى الحدود وذلك قصد ضمان التدخل السريع والفعال للجمارك، وتحميل المسؤولية لجهة مركزية تتولى تتبع تنفيذ الطلبات ضمانا لفعالية دور الجمارك على هذا المستوى[5].

وقد أوجب المشرع على مقدم الطلب أن يدعمه بعناصر إثبات ملائمة توحي بوجود مس ظاهر بالحقوق المحمية، ويتضمن معلومات كافية يمكن أن يستشف منها بشكل معقول أنها معروفة لدى مالك الحقوق لجعل السلع المشكوك فـي تزييفها قابلة للتعرف عليها بصورة معقولة من طرف إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 176-1[6]

وضمانا لحقوق الدفاع، ألزم المشرع إدارة الجمارك بإخبار الطالب وكذا المصرح أو حائز السلع بإجراء التوقيف المتخذ[7]، وذلك بكافة الوسائل بما في ذلك البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل أو بواسطة مفوض قضائي[8].

ويبقى طلب التوقيف صالحا لمدة سنة أو للفترة المتبقية من مدة حماية العلامة إذا كانت تقل عن سنة[9].

غير أن إجراء التوقيف الحر للسلع يرفع بقوة القانون مع مراعاة مقتضيات المادة 206 بعده، إذا لم يدل الطالب لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشـرة خلال أجل عشرة أيام عمل ابتداء من تاريخ تبليـغ إجـراء التوقيف المذكور بما يثبت:

-إما القيام بإجراءات تحفظية مأمور بها من طرف رئيس المحكمة ؛

-أو أنه قد رفع دعوى قضائية وقدم الضمانات المحددة من طرف المحكمة والمرصودة لتغطية مسؤوليته المحتملة في حالة عدم الإقرار لاحقا بوجود التزييف.”[10]

وقد حدد المشرع المغربي أجل القيام بالإجراءات التحفظية أو اللجوء إلى المحكمة داخل أجل 10 أيام عمل ابتداءا من تاريخ إجراء التوقيف، وقد جاء في حكم للمحكمة الإدارية بأكادير[11] أن التعرض على دخول أو تداول بضاعة مستوردة يجعل قرار إدارة الجمارك بإيقاف التداول الحر لتلك البضاعة نافذا ومستمرا إذا أقامت المتعرضة دعوى في الموضوع خلال أجل 10 أيام عمل ابتداء من تاريخ تبليغها بإجراء التوقيف.

ثانيا: الإيقاف التلقائي للتداول الحر للسلع المزيفة.

إلى جانب مسطرة إيقاف التداول الحر للسلع المزيفة بناءا على طلب صاحب الحق في العلامة، فإن المشرع المغربي منح هذه الإمكانية لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، التي يمكنها أن تتخذ هذا الإجراء تلقائيا، وذلك وفق المقتضيات التشريعية المتمثلة خاصة في المادة   176-4  التي نصت على أنه: ” عندما تتأكد إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة أو تشك بأن سلعا مستوردة أو مصدرة أو عابرة هي سلع مزيفة، توقف تلقائيا التداول الحر لهذه السلع وتخبر في هذه الحالة فورا مالك الحقوق بالإجراء المتخـذ وتطلعه بناء على طلب منه على المعلومات المشار إليها في المادة 176-3 أعلاه.”

فمن خلال هذه المادة يتبين أن المشرع منح إدارة الجمارك إمكانية التوقيف التلقائي للسلع المزيفة شريطة إخبار صاحب العلامة وكذلك المصرح أو حائز السلع، كما أوجب المشرع على صاحب الحق في العلامة بمجرد إشعاره أن يقوم بالإدلاء لإدارة الجمارك  خلال أجل 10 أيام عمل بما يثبت القيام بالإجراءات التحفظية، وإلا فإن إجراء وقف التداول يرفع بقوة القانون وهذا ما نصت عليه المادة 176-4 في فقرتها الثالثة.[12]

ويلاحظ أن المشرع استثنى من تطبيق أحكام الإيقاف التلقائي للسلع التي ليست لها طبيعة تجارية والموجودة ضمن أمتعة المسافرين بكمية قليلة أو الموجهة في إرساليات صغيرة بغرض الاستعمال الشخصي والخاص، وذلك وفقا لمقتضيات المادة 176-7 من القانون 17.97، وبذلك ساير المشرع ما جاء في اتفاقية تريبس في مادتها 60.[13]

ومن أجل توفير النجاعة لتدخل إدارة الجمارك في إيقاف التداول الحر للسلع المشكوك في أنها مزيفة، فإن إدارة الجمارك لا تتحمل أي مسؤولية إزاء إجراء توقيف التداول الحر المتخذ وفقا للقانون 17.97 [14].

وهكذا فسواء تم وقف التداول الحر للسلع بطلب من صاحب الحق على العلامة أو من قبل إدارة الجمارك من تلقاء نفسها، فإنه متى تم الإقرار بواسطة حكم قضائي نهائي بأن تلك السلع مزيفة فعلا، فإنه يتم إتلافها ماعدا في حالات استثنائية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يرخص بتصديرها أو أن تكون موضوع أنظمة أو مساطر جمركية أخرى، ما عدا في حالات استثنائية، ويتحمل المزيف مصاريف التخزين والإتلاف وكذا كل المصاريف ذات الصلة طبقا لمقتضيـات المـادة 176-5 (الفقرة الأولى).

الفقرة الثانية: مدى فعالية نظام التدابير الحدودية في حماية العلامة التجارية.

إن فعالية نظام التدابير على الحدود  تتجلى أساسا من خلال الحماية التي توفرها النصوص القانونية  والتي تحدد آليات وكيفيات تدخل إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة في مجال محاربة ظاهرة تزييف السلع من خلال مقتضيات قانون الملكية الصناعية[15].

فإذا كان الهدف من سن هذه الإجراءات والتدابير وتطبيقها، يتمثل في محاربة السلع المزيفة صيانة للعلامات المسجلة أو المشهورة من جهة، وحماية للمستهلك من الغش والخداع من جهة أخرى، فإنها لا تخلو من قصور، إذ أن منح إدارة الجمارك وسيلة التدخل التلقائي لإيقاف التداول الحر للسلع المشكوك فيها، قد يفضي إلى الشطط في استعمال هذه الوسيلة من قبل الإدارة، ومن ثم كان من الأجدر أن لا توقف السلع إلا بعد استصدار أمر استعجالي من قبل صاحب المصلحة يخول لإدارة الجمارك التدخل لإيقاف السلع المشكوك فيها، تفعيلا لوظيفة القضاء الاستعجالي، وصونا لحقوق المستثمرين، لاسيما أن مجال الاستثمار يكتسي فيه الوقت ثروة حقيقية، وقد يؤدي توقيف السلع لمدة 10 أيام عمل إلى الإضرار بمصالح المستثمر.[16]

فالمشرع السوري وعلى خلاف المشرع المغربي، جعل إيقاف السلع لا يتم إلا بناء على طلب يتقدم به صاحب حق ملكية صناعية أو تجارية إلى المديرية العامة للجمارك[17].

فإذا كان المشرع المغربي قد عمل من خلال قانون 17.97 المتعلق بحماية حقوق الملكية الصناعية على تكريس وسن مجموعة من الإجراءات الإدارية والقضائية لحماية حقوق الملكية الصناعية وخاصة العلامات التجارية، فإنها ستظل عاجزة بنفسها إذا لم تكن هناك أجهزة قادرة على تفعيلها، مما يستدعي إعداد أطر ذات كفاءة وتكوينها في هذا المجال، حتى يتسنى للمغرب مواكبة التطور الذي يعرفه العالم يوما بعد يوم خصوصا في ظل عولمة الأنشطة الاقتصادية والتجارية والمالية… فبإزالة القيود أمام حركة السلع والخدمات، يسهل اختراق الحدود مما سيؤدي لا محالة إلى تكاثر التقليد والتزييف في العلامات التجارية، ومن ثم فإن المقتضيات القانونية التي وضعها المشرع لحماية العلامات يتعين النظر في بعضها كما سبقت الإشارة سابقا. وكذلك توجد ثغرات قانونية يتعين معالجتها بشكل يتماشى وأحكام الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية العلامات التجارية ومراعاة خصوصيات الاقتصاد الوطني.[18]

[1]– القانون رقم 17.97 الصادر في 9 ذي القعدة 1420 الموافق ل 15 فبراير 2000 والذي وقع تعديله بمقتضى القانون 31.05 الصادر بتاريخ 15 محرم 1427 الموافق ل 14 فبراير 2006، والقانون 23.13 الصادر بتاريخ 27 محرم 1436 الموافق ل 21 أكتوبر 2014.

[2]– إدريس كركين، التدابير الحدودية لحماية العلامة التجارية، مقال منشور بمجلة المنبر القانوني، العدد الأول، السنة 2011، ص 126.

[3]-انظر القرار المشترك لوزير المالية والخوصصة ووزير الصناعة والتجارة وتأهيل الاقتصاد رقم 206.06 الصادر في 7 محرم 1427 (6 فبراير 2006) بتحديد شروط تطبيق الفصل السابع من القانون رقم 17.97 المتعلق بالتدابير على الحدود؛ الجريدة الرسمية عدد 5398 بتاريخ 24 محرم 1427 (23 فبراير 2006)، ص 502.

– حددت هذا النموذج الدورية الصادرة عن المديرية العامة لإدارة الجمارك، رقم 4994/410 بتاريخ 10/03/2010.[4]

– فؤاد معلال، دليل منازعات العلامة التجارية، دار الآفاق المغربية، الطبعة الأولى 2017، ص 198.[5]

[6]– نصت الفقرة الثانية من المادة ­176-1 :” يجب أن يكون الطلب المشار إليه أعلاه مدعما بعناصر إثبات ملائمة توحـي بوجـود مس ظاهر بـالحقوق المحمية، ويتضمن معلومات كافية، يمكن أن يستشف منها بشكل معقول أنها معروفة لدى مالك الحقوق، لجعل السلع المشكوك فـي تزييفها قابلة للتعرف عليها بصورة معقولة من طرف إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة.”

– انظر الفقرة الرابعة من المادة 176-1 من قانون 17.97.[7]

– يونس بنونة، العلامة التجارية بيت التشريع والاجتهاد القضائي، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 2006، ص 96.[8]

– الفقرة الخامسة من المادة 176-1 من قانون 17.97[9]

– المادة 176-2 من قانون 17.97[10]

[11]– حكم استعجالي رقم 159 في الملف رقم 144/2012،( أشار إليه عبد الإله خلفي، دور إدارة الجمارك في تفعيل التدابير على الحدود في مجال الملكية الصناعية، مقال منشور بالمجلة المغربية، العدد7 سنة 2017، ص 94).

[12]– نصت المادة 176-4 في فقرتها الثالثة على أنه: ” مع مراعاة أحكام المادة 206 بعده يـرفع إجراء التوقـيف المذكـور بقوة القانون إذا لم يدل مالك الحقوق لدى إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة خلال أجل عشرة أيام عمل ابتـداء من تاريخ إخـباره من لدن الإدارة المذكورة، بما يثبت القيام بـالإجـراءات أو رفع الـدعوى القضائية طبقا للشروط المنصوص عليها فـي المادة 176-2 أعلاه.

[13]– نصت المادة 60 من اتفاقية تريبس على: ” يجوز للبلدان الأعضاء أن تستثني من تطبيق الأحكام الواردة أعلاه الكميات الضئيلة من السلع ذات الصبغة غير التجارية التي ترد ضمن أمتعة المسافرين الشخصية، أو ترسل في طرود صغيرة.”

– انظر المادة 176-6 في فقرتها الأولى. من القانون رقم 17.97.[14]

– عبد الإله خلفي، دور إدارة الجمارك في تفعيل التدابير على الحدود في مجال حماية الملكية الصناعية، مقال منشور بالمجلة المغربية للدراسات والاستشارات القانونية، العدد 7، 2017، ص 98.[15]

– إدريس كركين، التدابير الحدودية لحماية العلامة التجاري، مرجع سابق، ص 133.[16]

– المادة 127-أ من قانون العلامات الفارقة لسنة 2007.[17]

– إدريس كركين، التدابير الحدودية لحماية العلامة التجاري، مرجع سابق، ص 135.[18]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى