صوفيا بومنينة : حقوق المرأة الأجيرة في مناخ الأعمال الدولي
حقوق المرأة الأجيرة في مناخ الأعمال الدولي
صوفيا بومنينة
محامية بهيئة المحامين بطنجة
باحثة في قانون الأعمال
مقدمــــــــــــــــــــة :
إن دخول المرأة عالم الشغل في مناخ الأعمال الدولي بكل مسؤولية على قدم المساواة مع الرجل يساهم بلا شك في رقى المجتمع، والقضاء على الفقر الذي غالبا ما يتفشى في الأوساط النسائية بنسبة كبيرة على المستوى الوطني والدولي.
والملاحظ أن عمل المرأة يخضع لعدة آليات منها الأداة القانونية التي تحدد وضعها، إلا أنه رغم تكريس القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية مبدأ المساواة الذي هو مبدأ أساسي فإن الواقع أحيانا يناقض هذا المبدأ، وذلك راجع لعدة أسباب منها ما هو اجتماعي، أو ثقافي، أو ديني، أو أخلاقي، وأحيانا ما هو ذاتي.
ولقد ذهب بعض المشرعين في هذا الإطار إلى تقرير مبدأ المساواة التام والحقيقي متجاهلين كل مميزات، وخصائص المرأة كأنثى، وذلك عن طريق رفع كل حماية قانونية عنها زاعمين أن أي حماية خصائصها ستساهم في دعم اللامساواة، في حين ذهب البعض الآخر إلى تكريس هذه الحماية والإبقاء عليها بدعوى ” التمييز الإيجابي “.
وفي هذا السياق، فإن التعرض للحقوق التي تتمتع بها المرأة ودراسة وضعها القانوني يتطلبان البحث عن مختلف القواعد القانونية التي تنظم هذا الوضع ؛ قصد الوصول إلى مساواة تجعل من المرأة عضوا فعالا في مناخ الأعمال الوطني والدولي، مع حفظ مكانتها دون المساس بخصوصيتها بصفتها امرأة وأم في نفس الوقت بدون التفريط في الثوابت والقيم الحضارية.
وعليه، سنتطرق لمختلف الاتفاقيات الدولية التي أقرت حقوقا للمرأة الأجيرة (المطلب الأول)، قبل أن نتناول مظاهر حماية المرأة الأجيرة (المطلب الثاني).
المطلب الأول : حماية المرأة الأجيرة في ظل الاتفاقيات الدولية
مهدت الاتفاقيات الدولية وأهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الطريق أمام منظمة الشغل
الدولية لتكرس حقوق الأجراء ضمن ظروف توفر لهم الحرية والكرامة وتكافؤ الفرص، وتضمن لهم الأمن الاقتصادي والرفاهية المادية والتقدم الروحي[1].
وفي هذا الصدد، نص ميثاق الأمم المتحدة في ديباجته صراحة على أن تعمل الأمم المتحدة على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين وبلا تفريق بين الرجال والنساء. وقد تكرر النص على ضرورة احترام حقوق الإنسان عند تحديده لمهام المجلس الاقتصادي والاجتماعي[2]، ويتمثل الهدف الرئيسي من وراء إقرار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تحقيق العدالة الاجتماعية، والتأمين ضد المرض والفقر والعجز عن الشغل، والتخلص من البطالة، وتهيئة فرص الشغل اللائق للأفراد. وهو ما دفع الكثير من الدول المتقدمة والنامية على السواء إلى النص على هذه الحقوق في دساتيرها وإحاطتها بالرعاية.
وللإحاطة بالموضوع بكل تركيز، سنتعرض للاتفاقيات الدولية ذات الطابع العام (الفقرة الأولى)، قبل نتناول الاتفاقيات الخاصة بمجال الشغل (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : الاتفاقيات الدولية ذات الطابع العام
تكتسي الاتفاقيات الدولية صبغة عامة حين تتعلق بمختلف الحريات التي يجب أن يتمتع بها الإنسان، وتنظم حياته داخل المجتمع. وأهم النصوص في هذا المجال هي :
- الإعلام العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948.
- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966.
- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966.
وفي هذا السياق، تنص المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن : ” لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دون تمييز من أي نوع، ولاسيما التمييز بسبب… الجنس “.
ويؤكد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على مبدأ المساواة، معلنا في المادة 3 منه أن : ” الدول الأطراف تتعهد بضمان مساواة الذكور والإناث في حق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في هذا العهد “.
أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فهو يقر كسابقه بمبدأ المساواة في المادة 3 منه : ” إن الدول الأطراف في هذا العهد تتعهد بكفالة تساوي الرجال والنساء في حق التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في هذا العهد “.
وإضافة إلى هذه المجموعة من الاتفاقيات والوثائق، هناك اتفاقيات أخرى تتعلق مباشرة بوضع المرأة، وهي :
- الاتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة، وهي اتفاقية عرضتها الجمعية العامة للأمم المتحدة للتصديق في 20 ديسمبر 1952.
- الاتفاقية بشأن جنسية المرأة المتزوجة، عرضت للتوقيع والتصديق بقرار الجمعية العامة المؤرخ في 29 يناير 1956.
- اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج، التي عرضتها الجمعية العامة للتوقيع والتصديق بقرارها المؤرخ في 7 نوفمبر 1962.
- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي اعتمدتها الجمعية العامة وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بقرارها المؤرخ في 18 ديسمبر 1979.
كل هذه الاتفاقيات تتعلق بوضع المرأة العائلي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وتهدف إلى تحقيق مبدأ المساواة في مختلف هذه المجالات. كما أنها تنص على الضمانات الكافية لذلك، إذ أنها تقر بضرورة اتخاذ التدابير المناسبة (بما في ذلك التدابير التشريعية) للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
الفقرة الثانية : الاتفاقيات الخاصة بمجال الشغل
تنقسم اتفاقيات الشغل إلى جزئين، تبعا للمنظمات التي أصدرتها. فمن جهة، هناك اتفاقيات الشغل الصادرة عن منظمة العمل العربية، ومن جهة أخرى، هناك الاتفاقيات الصادرة عن منظمة الشغل الدولية.
أولا : الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل العربية
منظمة العمل العربية هيئة إقليمية مختصة، في إطار جامعة الدول العربية، الغاية من إنشائها وضع، وتطبيق مستويات، ومعايير متطورة للنهوض بشروط وظروف الشغل، وتوحيد التشريعات الاجتماعية في الدول العربية.
ومن أبرز نشاطات منظمة العمل العربية منذ قيامها سنة 1971 إصدار اتفاقيات وتوصيات الشغل العربية، ومن ضمنها الاتفاقية العربية رقم : 5 لسنة 1976 بشأن المرأة الأجيرة التي صدرت عن مؤتمر العمل العربي في دورته الخامسة المنعقد في مارس 1976، حيث نصت ديباجتها على : ” انطلاقا من دور المرأة في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة ومن ضرورة إيجاد المناخ المستقر والملائم لها عن طريق التشريعات وتقديم التسهيلات التي تعينها على القيام بواجباتها في الأسرة والعمل على أساس المساواة التامة مع الرجل “.
ومن الاتفاقيات الأخرى التي اهتمت بوضع المرأة الاتفاقية رقم : 1 لعام 1966 بشأن مستويات الشغل، المتضمنة لمجموعة من الأحكام خاصة بحماية النساء الأجيرات، والاتفاقية رقم : 3 لعام 1971 بشأن المستوى الأدنى للتأمينات الاجتماعية، والتي تعرضت إلى ما ينبغي أن تتمتع به المرأة من رعاية طبية قبل الوضع وعند الولادة.
ومما يؤسف له قلة عدد الدول التي صادقت على هذه الاتفاقيات التي توفر ضمانات هامة للمرأة العربية. ومهما يكن، فإننا نأمل أن تتبنى قوانين الشغل الداخلية في الدول العربية فحوى هذه الاتفاقيات وتنظم وضع المرأة العربية.
ثانيا : الاتفاقيات الصادرة عن منظمة الشغل الدولية
من جملة 189 اتفاقية صادرة عن منظمة الشغل الدولية، هناك 13 اتفاقية تتعلق بالمرأة بصفة رئيسية أو ثانوية. ومن هذه الاتفاقيات اتفاقيات عامة تهدف إلى تكريس مبدأ المساواة والقضاء على أشكال التمييز في الشغل، وهي :
1)ـ الاتفاقية رقم : 19 بشأن المساواة في المعاملات (حوادث الشغل) الصادرة سنة 1925.
2) الاتفاقية رقم : 10 بشأن المساواة في الأجور الصادرة سنة 1951.
3) الاتفاقية رقم : 111 حول التمييز في مجال الاستخدام والمهنة الصادرة سنة 1958.
4) الاتفاقية رقم : 118 بشأن المساواة في المعاملات (الضمان الاجتماعي) الصادرة سنة 1962.
5) الاتفاقية رقم : 151 بشأن العلاقات المهنية في الوظيفة العمومية الصادرة سنة 1978.
6) الاتفاقية رقم : 156 بشأن إتاحة الفرصة والمعاملة المتساوية للعمال من الرجال والنساء من ذوي المسؤولية العائلية الصادرة سنة 1981.
7) الاتفاقية رقم : 189 بشأن خدم المنازل الصادرة سنة 2011.
أما الاتفاقيات الباقية فتتعرض إلى خصوصيات وضع المرأة الأجيرة، وهي :
1) الاتفاقية رقم : 3 بشأن حماية الأمومة الصادرة سنة 1919.
2) الاتفاقية رقم : 4 بشأن تشغيل النساء ليلا الصادرة سنة 1919.
3) الاتفاقية رقم : 41 بشأن تشغيل النساء ليلا (معدلة) الصادرة سنة 1934.
4) الاتفاقية رقم : 45 حول تشغيل النساء تحت الأرض الصادرة سنة 1935.
5) الاتفاقية رقم : 89 حول تشغيل النساء ليلاً (معدلة) الصادرة سنة 1948.
6) الاتفاقية رقم : 103 بشأن حماية الأمومة (معدلة) الصادرة سنة 1952.
المطلب الثاني : مظاهر حماية المرأة الأجيرة
إن ميدان الشغل ظل أحد الميادين التي كانت من خلالها فئة النساء سواء من حيث التمييز الذي لحقهن أو الاستغلال والاشتغال بأقل الضمانات، الأمر الذي دفع بالمنتظم الدولي إلى محاولة إيجاد حلول لهذه المشاكل من خلال الاتفاقيات الدولية التي صدرت في هذا الإطار، والتي حاول المغرب ترجمتها في مدونة الشغل.
وعليه، سنتطرق في هذا المطلب لأهم وأبرز مظاهر حماية المرأة الأجيرة، وذلك من خلال البحث في نوع الحماية التشريعية المخصصة للمرأة الأجيرة في التشريع الوطني (الفقرة الأولى)، قبل أن نتناول حقوق الشخصية ذات الطابع الاجتماعي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : الحماية التشريعية للمرأة الأجيرة في التشريع الوطني
صادق المغرب على ثلاثة اتفاقيات، خاصة بتشغيل المرأة، ونخص بالذكر : الاتفاقية رقم : 4 لسنة 1919 بشأن شغل المرأة ليلا[3] المعدلة بمقتضى الاتفاقية رقم : 41 الصادرة سنة 1934[4]، ثم الاتفاقية رقم : 45 لسنة 1935 المتعلقة بتشغيل المرأة تحت سطح الأرض في المناجم بمختلف أنواعها[5].
وبالإطلاع على هذه النصوص يتضح لنا، أن المشرع المغربي لم يصل حد منع تشغيل المرأة ليلا، بل قام فقط بتنظيم هذا الشغل بمقتضيات من شأنها حمايتهن، وذلك في المواد من 172 إلى 175. زيادة على نص تنظيمي يحدد الشروط الواجب توافرها[6].
وللإشارة فإن الاتفاقية رقم : 89 منعت كليا الشغل الليلي على النساء، حيث تقضي المادة الثالثة منها على أنه : ” لا يجوز تشغيل النساء أيا كانت أعمارهن ليلا في أي منشأة صناعية، وتستثنى من ذلك المنشآت التي لا تستخدم فيها سوى أفرادا من نفس الأسرة “، وتستثني المادة الرابعة أيضا من نفس الاتفاقية هذا المنع في حالة القوة القاهرة، وحالة الضرورة لأجل المحافظة على مجموعة من المواد المعرضة للتلف.
علما أن مفهوم الشغل الليلي في مفهوم الاتفاقية رقم : 89 حسب مقتضيات المادة الثانية منها يعني : ” في مدلول هذه الاتفاقية يقصد بكلمة ليل فترة إحدى عشرة ساعة متتالية تحددها السلطة المختصة وتقع بين الساعة العاشرة مساء والسابعة صباحا، ويجوز للسلطة المختصة أن تنص على فترات تختلف باختلاف المناطق أو الصناعات أو المشروعات أو فروع الصناعات أو المشروعات، ولكن يجب عليها استشارة منظمات أصحاب الأعمال والعمال المختصة قبل تحديد أي فترة تبدأ بعد الساعة الحادية عشر مساء “.
وعلى أي فالمشرع المغربي يسمح بتشغيل النساء ليلا حتى بدون مراعاة الاستثناءات التي تحدد بنص تنظيمي بالنسبة للمؤسسات التي تحتم الضرورة أن يكون النشاط فيها متواصلا أو موسميا، أو أن يكون الشغل فيها منصبا على استعمال مواد أولوية، أو مواد في طور الإعداد أو على استخدام محاصيل فلاحية سريعة التلف.
أما بالنسبة لاشتغال المرأة تحت سطح الأرض فإن المشرع المغربي منع ذلك، وفقا لما جاء في المادة 179 من مدونة الشغل، وهذا موافق لمقتضيات المادة الثانية من الاتفاقية رقم : 45.
وللإشارة فإن الاتفاقية، أجازت وضع قوانين أو لوائح وطنية تسمح باشتغال نساء معينات في المناجم[7].
إلا أن ما يعاب عليه تجاهله مناقشات مسألة المضايقات الجنسية بصورة مباشرة أو ضمنية التي تتعرض لها المرأة في مكان الشغل[8].
علما أن المضايقات الجنسية تعد دليلا على التمييز إذا توافر للمرأة من الأسباب ما يكفي لاعتقادها بأن معارضتها لها سوف تحرمها من بعض المزايا في نطاق شغلها، بما في ذلك فرص الالتحاق بالشغل أو الترقي، أو إذا أدى السلوك المشار إليه إلى خلق جو عدائي في مكان الشغل، أو إذا توافر للضحية من الأسباب ما يجعلها تعتقد أن اعتراضها على مثل تلك المضايقات قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.
تبعا لذلك، فالمشرع المغربي في مدونة الشغل وإن جاء بمجموعة من المقتضيات الحمائية لفائدة المرأة الأجيرة، والتي تعتبر ملائمة لما أكدته الاتفاقيات الدولية، إلا أنها ظلت مع ذلك قاصرة في أن توفر الحماية الكاملة كما هو معلن عنها في تلك الصكوك ويتعلق الأمر أساسا بظروف عمل المرأة.
الفقرة الثانية : حقوق الشخصية ذات الطابع الاجتماعي
بما أن حقوق الشخصية هي حقوق شديدة الصلة بالإنسان، وكون هذا الأخير اجتماعي الطبع، فإنه لا بد أن يدخل في علاقات اجتماعية بقصد تلبية احتياجاته.
وفي هذا الصدد، سنتعرض للحق في الزواج (أولا)، ولحرمة الحياة العائلية (ثانيا)، والحق في اختيار المظهر (ثالثا).
أولا : الحق في الزواج
نصت الفقرة الأولى من المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن : ” للرجل والمرأة، متى بلغا سن الزواج، حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب العرق أو الجنس أو الدين، وهما يتساوان في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله “.
وهي نفس الصياغة تقريبا التي تبنتها المادة 12 من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية حين أوردت أن للرجل والمرأة، متى بلغا سن الزواج، حق التزوج وتأسيس أسرة طبقا للقوانين الوطنية المنظمة لهذا الحق[9]، وبالتالي يعد موقف القضاء الرافض لشرط العزوبية على المضيفات الجوية في النظام الداخلي معللا، وقائما، ومؤسسا واقعا وقانونا، على اعتبار أن الحق في الزواج حق طبيعي.
وفي هذا السياق، لقد قامت شركة الطيران الفرنسية ” Air France ” بطرد إحدى المضيفات لديها تدعى ” Anne-Marie DOMERGUE ” عقب زواجها بعلة خرقها للنظام الداخلي لهذه المؤسسة التي تشغل المضيفات الجويات فقط من بين العازبات والأرامل والمطلقات، فرفعت المضيفة دعواها إلى القضاء للمطالبة بالتعويض عن الإنهاء التعسفي لعقد الشغل، في حين دفعت شركة الطيران بأن شغل المضيفة يتعارض مع زواجها والحياة العائلية العادية، فرفضت محكمة الدرجة الأولى بلاسين ” La seine ” بتاريخ 15 يونيو 1961 طلب المضيفة، غير أنه بتاريخ 30 أبريل 1963 ألغت محكمة الاستئناف بباريس الحكم المطعون فيه على أساس أن الحق في الزواج هو حق شخصي من النظام العام لا يمكن تقييده أو الحد منه، مضيفة أن شرط عدم الزواج يجب اعتباره باطلا لمساسه بحق أساسي من حقوق الشخصية[10].
وفي نفس الاتجاه، ذهب المجلس الأعلى في قراره الصادر بتاريخ 20 يوليوز 1983 عن غرفتين مجتمعتين، المتعلق بتسريح شركة الخطوط الملكية المغربية لمضيفة تعمل لديها بعد علمها بزواجها بحجة مخالفتها لقرار الشركة الذي يفرض على جميع المضيفات البقاء في حالة عزوبة وأن الزواج يعد بمثابة استقالة منهن، والذي جاء فيه : ” يكون الشرط باطلا ولا يؤدي إلى بطلان الالتزام الذي يعلق عليه، إذا كان من شأنه الإنقاص من حقوق الأجير “[11].
وتبعا لذلك، يعتبر الحق في الزواج حقا شخصيا من النظام العام لا يمكن تقييده أو الحد منه.
ثانيا : حرمة الحياة العائلية
تعد حياة الشخص العاطفية والزوجية والعائلية من أدق عناصر الحياة الخاصة، وسواء تعلقت بخطبة أو زواج أو طلاق أو أبوة فإنه لا يجوز التطفل عليها[12] أو كشفها للجمهور عن طريق النشر في الصحف أو بأية وسيلة كانت، سواء كانت حقيقية أم خيالية.
وهذا ما أكدته محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 17 أبريل 1991، حيث اعتبرت أن للأجير كامل الحرية في حياته العاطفية[13].
وعطفا على ما سلف، تعتبر من قبيل الأمور العائلية الخاصة كل ما له صلة بالنسب، والكفالة، والتبني، والحمل، والأمومة … إلخ.
غير أنه إذا كان القضاء قد قام بدور ريادي في حماية حرمة الحياة العائلية من العبث، فهل نحى نفس المنحى بخصوص حق الأجير في اختيار مظهره ؟
ثالثا : الحق في اختيار المظهر
أضحى ولوج عالم الشغل في وقتنا الحاضر محاطا بمجموعة من الشروط لا يمكن تفسير شيوعها إلا بكثرة طالبي الشغل وندرة فرص العمل الأمر الذي يدفع بالمؤاجرين إلى الإفراط في شروط التشغيل ما دام الأجير مكرها على القبول رغم ما تحمله هذه الشروط في أحيان كثيرة من مساس بشخصيته[14]، قد تصل إلى حد التدخل في المظهر الذي يجب أن يكون عليه الأجير في شغله، كاشتراط بعض المشغلين على اللاتي ترغبن في دخول ميدان الشغل أن لا يرتدين الحجاب، أو يفرضوا عليهن ارتداء ألبسة فاضحة خاصة في المحلات التي يتوافد عليها الزبناء[15].
وتبعا لذلك، يعتبر اختيار الأجير لمظهره من الحقوق الثابتة له، باعتباره مبدئيا حرا في اتخاذ المظهر الخارجي الذي يناسبه، وله الحق في رفض تغييره إذا طلب المشغل ذلك[16].
نفس الحماية يقرها المشرع الفرنسي، حيث قررت محكمة النقض الفرنسية أن المشغل لا يمكنه أن يفرض على الأجير لباسا غير لازم لطبيعة المهام الموكولة إليه إنجازها وغير مناسب للنتيجة المزمع تحقيقها[17].
لكن هذا لا ينبغي أن يفهم منه أن للأجير الحق في حماية مطلقة لحياته، إذ أن السير الحسن للشغل داخل المقاولة يفرض نوعا من التوفيق بين الحقوق الشخصية للأجراء، وبين حق المشغل في عدم تضرر مقاولته، حيث تم طرد أحد الأجراء المكلفين ببيع اللحوم نظرا لعدم نظافة لباسه[18]، على اعتبار أن حدا أدنى من النظافة يعتبر ضروريا بالنسبة لبعض المهن التي تتطلب زيا نظيفا.
كما أن مبدأ احترام الحقوق الشخصية للأجير لا ينبغي أن يؤثر على مصالح المشغل، فإذا كان للأجيرة أن تختار شكل لباسها، وذلك بارتداء الحجاب أو خلعه، فإنها بالمقابل مجبرة على أن يكون لباسها بشكل لا يخلق نوعا من الفوضى في الشغل، وهذا ما سارت عليه محكمة الاستئناف بنانسي في قراراها الصادر بتاريخ 29 نوفمبر 1982 حينما اعتبرت أن ارتداء الأجيرة لقميص شفاف يفضح ما تحته أمرا مخالفا للآداب والأخلاق الحميدة، خاصة وأن ذلك أثار خللا بالمؤسسة نتيجة تردد باقي الأجراء على مكتب هذه الأجيرة بكثرة[19].
وسيرا على نفس المنوال أيد المجلس الأعلى قرار طرد أجيرة لكونها قدمت إلى العمل وهي ترتدي لباسا غير لائق خلال العمل، وغير عاد، ومخل بالآداب[20].
وفي نفس الاتجاه اعتبرت محكمة النقض في قرارها الصادر بتاريخ 30 يناير 2014 أن : ” امتناع الأجير من ارتداء بذلة موحدة يفرضها النظام الداخلي للمشغلة التي لها سلطة تنظيمية في إدارة مقاولتها يعتبر خطأ جسيما مبررا لفصله من عمله، ولا يبرر ذلك تذرعه بكون ارتدائها يسبب له حروقا دون إثبات ذلك “[21].
إلا أنه في قرار آخر لها صادر بتاريخ 18 فبراير 2010 اعتبرت أن وضع الأجير قبعة على رأسه بسبب حالته الصحية أمر مسموح به، معللة القرار بكون : ” لما كان الأجير قد أثبت بشهادة طبية أن حالته الصحية لا تسمح له بترك رأسه عاريا، والذي لم تدحضه المشغلة فإن إصرار هذه الأخيرة على منعه من الالتحاق بعمله ما لم يقم بنزع القبعة من رأسه يشكل إنهاء لعقد الشغل بدون مبرر “[22].
وهذا ما استقرت عليه في قرارها الصادر بتاريخ 09 ديسمبر 2010، والذي جاء فيه : ” لما كان النظام الداخلي للمشغلة يفرض على الأجيرة وضع قبعة واقية على رأسها فإن استعمالها سترة الرأس (الحجاب) إلى جانب القبعة لا يشكل إخلالا بنظام العمل، ومن تم فإن مطالبتها بالاقتصار على القبعة الواقية يشكل مساسا بحق شخصي بما يترتب عن ذلك من اعتبار الطرد الذي تعرضت له تعسفيا “[23].
وعليه، يمكن القول، بأن هناك حدودا في اختيار المظهر لكلا طرفي العلاقة الشغلية، وبالتالي حتى نتمكن من خلق توازن بين حق الأجير في اختيار مظهره وبين الحدود المفروضة على هذا الحق، يتعين أن تكون لدينا صورة واضحة عن هذا الحق الواجب حمايته، وذلك لنستطيع من الناحية العملية أن نميز بينه وبين سلطة المؤاجر في تسيير مؤسسته[24]، خاصة وأنه يتضح من بعض الحالات المبسوطة أعلاه مدى الضرر الذي ينعكس على المشغل في حالة منح الأجير حرية مطلقة، ذلك أنه مما لا شك فيه أن اللباس الوسخ يؤدي إلى نفور الزبناء، وعدم ارتداء الزي الرسمي بالنسبة لبعض المهن يؤدي إلى عدم معرفتهم من طرف رواد المحل لاستفسارهم عند الضرورة، كما هو الشأن بالنسبة للمكلفين بالأمن.
خاتمـــــــــــــــة :
تنامى الاهتمام خلال السنوات الفارطة بتعزيز حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والفكرية
والشخصية من خلال المنظمات غير الحكومية، والأوساط الأكاديمية، والحكومات، والهيئات القضائية التي تولي في برامحها وسياستها وأحكامها القضائية اهتماما متزايدا بها، وتسلط الأضواء على الحاجة إلى احترامها باعتبار ذلك أداة رئيسية لضمان زيادة التمتع بحقوق الإنسان على وجه الإجمال.
ولقد برز التوجه الحمائي للمرأة الأجيرة في قانون الشغل الدولي منذ الخطوات التأسيسية لمنظمة الشغل الدولية، وتكريسا لذلك المسار أقرت هاته الأخيرة جملة من الحقوق للأجيرة لا يمكن التنازل عنها، خاصة تلك المتعلقة بالأجر، والحق في أحوال شغل تصون الكرامة، مع حظر السخرة، والحق في المساواة وعدم التمييز، والصحة والسلامة المهنية، والحق في تكوين النقابات والانضمام إليها، وفي الإضراب كذلك.
[1] – ديباجة الدستور الدولي للشغل لمنظمة الشغل الدولية، منشورات مكتب العمل الدولي، جنيف 2001 ص 5.
[2] – عبد الواحد الناصر، المؤسسات الدولية – مدخل لدراسة مؤسسات العلاقات الدولية، مطبعة ساليماكراف، سطات، الطبعة الرابعة، 1994، ص 174.
[3] – صادق عليها المغرب بتاريخ 13 يونيو 1956، منشورة بالجريدة الرسمية (النشرة العامة)، عدد 2363 بتاريخ 07/02/1958.
[4] – صادق عليها المغرب بتاريخ 13 يونيو 1956، منشورة بالجريدة الرسمية (النشرة العامة)، عدد 2363 بتاريخ 07/02/1958.
[5] – صادق عليها المغرب بتاريخ 20 سبتمبر 1956، منشورة بالجريدة الرسمية (النشرة العامة)، عدد 2363 بتاريخ 07/02/1958.
[6] – لتسهيل تشغيل النساء في شغل ليلي أكد المشرع المغربي على ضرورة :
– توفير وسائل النقل من محل إقامتهن إلى مقرات الشغل ذهابا وإيابا، في حالة عدم توفر وسائل النقل العمومي؛
– تمتعهن براحة لا تقل عن نصف ساعة بعد كل أربع ساعات من الشغل المتواصل تدخل مدة هذه الاستراحة ضمن مدة الشغل الفعلي؛
– توفير وسائل الراحة.
[7] – مثل : النساء اللاتي تشغلن مناصب في الإدارة ولا تؤدين أعمال يدوية – النساء العاملات في الخدمات الصحية وخدمات الرعاية – النساء اللاتي تقضين أثناء دراستهن فترة تدريب في أقسام المناجم الواقعة تحت سطح الأرض – جميع النساء اللاتي يتعين عليهن النزول أحيانا إلى أقسام المناجم الواقعة تحت سطح الأرض لأداء شغل غير يدوي.
[8] – نسوق على سبيل الذكر لا الحصر : التلامس الجسدي أو المعاكسات الجسدية – الدعوة إل علاقة جنسية – إبداء ملاحظات ذات طابع جنسي – عرض مواد إباحية … إلخ.
[9] – محمد بنحساين، حماية حقوق الشخصية في قانون الشغل، مطبعة تطوان، تطوان، طبعة 2015، سلسلة دراسات معمقة 1، ص 55.
[10] – Le droit au mariage des hôtesses de l’air, Arrêt de la cour de paris du 30 avril 1963, 1er chambre, note par Jean MOROLLET, Dr.Soc, N°8, Septembre 1963, p 484.
أورده محمد بنحساين، حماية حقوق الشخصية في قانون الشغل، م.س، ص 24.
[11] – قرار صادر عن المجلس الأعلى تحت عدد 1700 بتاريخ 20 يوليوز 1983، مجلة الملحق القضائي، الرباط، العدد 20، فبراير 1989، ص 204.
[12] – اعتبر الاجتهاد القضائي الفرنسي، من قبيل الاعتداء على الحياة الشخصية للأجير الشرط الذي يمنع الزواج بين الأجراء من الشركة ذاتها.
Cour de Cassation, Chambre sociale, 10 juin 1982, Pourvoi n° 80-40.929.
تم الإطلاع على القرار بتاريخ 13 مارس 2018 على الساعة 8 ليلا عبر الرابط الإلكتروني التالي :
https://www.legifrance.gouv.fr/affichJuriJudi.do?idTexte=JURITEXT000007010157
[13] – Cour de cassation, Chambre sociale, 17 avril 1991, Pourvoi n° 90-42.636.
تم الإطلاع على القرار بتاريخ 15 أبريل 2018 على الساعة 11 ليلا عبر الرابط الإلكتروني التالي :
https://www.legifrance.gouv.fr/affichJuriJudi.do?idTexte=JURITEXT000007026634
[14] – محمد بنحساين، حماية حقوق الشخصية في قانون الشغل بالمغرب، م.س، ص 45.
[15] – محمد بنحساين، حماية الحقوق الشخصية في قانون الشغل بالمغرب، م.س، ص 45
[16] – اعتبر الاجتهاد القضائي الفرنسي، من قبيل الاعتداء على الحياة الشخصية للأجير الشرط الذي يلزم الأجير بارتداء ثوب أبيض أثناء الشغل دون أن تكون هناك أية ضرورة تبرر ذلك أو أن يكون هذا الإجراء متصلا بالشغل.
Cour de Cassation, Chambre sociale, 18 février 1998, Pourvoi n° 95-43.491.
تم الإطلاع على القرار بتاريخ 13 مارس 2018 على الساعة 10 ليلا عبر الرابط الإلكتروني التالي :
https://www.legifrance.gouv.fr/affichJuriJudi.do?idTexte=JURITEXT000007040435&dateTexte
[17] – Cour de Cassation, Chambre sociale, 28 mai 2003, Pourvoi n° 02-40.273.
تم الإطلاع على القرار بتاريخ 14 مارس 2018 على الساعة 8 ليلا عبر الرابط الإلكتروني التالي :
https://www.courdecassation.fr/jurisprudence_2/chambre_sociale_576/arret_n_1123.html
[18] – Cour de Cassation, Chambre sociale, 29 Janvier 1984.
أورده محمد بنحساين، حماية حقوق الشخصية في قانون الشغل بالمغرب، م.س، ص 66.
[19] – Cour de Cassation, Chambre sociale, 22 juillet 1986, Pourvoi n° 82- 43824.
تم الإطلاع على القرار بتاريخ 14 مارس 2018 على الساعة 11 ليلا عبر الرابط الإلكتروني التالي :
https://www.juritravail.com/Actualite/Vetements-travail/Id/21244
[20] – قرار عدد 115 صادر عن الغرفة الاجتماعية للمجلس الأعلى بتاريخ 01/02/2005 في الملف عدد 1041/5/1/2004 (غير منشور)، جاء فيه : ” لكن حيث إن المحكمة لما تبث لديها من خلال جلسة البحث المنجزة ابتدائيا المؤرخة في 10/02/2003 والاستماع إلى الشاهدة رشيدة العربي أن الطاعنة وقعت في نزاع مع المدير بسبب نوع اللباس الذي ترتديه لأنه غير عاد، وأمام هذه الوضعية غادرت الأجيرة العمل من تلقاء نفسها ولم تعد بعد ذلك للعمل، والمحكمة لما نصت برفض طلب التعويض عن الطرد للمغادرة التلقائية كان ما خلصت إليه يرتكز على أساس، ولم يقع أي تحريف لشهادة الشاهدة … “.
أوردته بشرى العلوي، الفصل التعسفي للأجير على ضوء العمل القضائي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثالثة، 2014، ص 52.
[21] – قرار عدد 153 صادر في الملف الاجتماعي عدد 895/5/1/2013، منشور بمجلة قضاء محكمة النقض، عدد 77، 2014، من ص 269 إلى 272.
[22] – قرار عدد 165 صادر في الملف الاجتماعي عدد 545/5/1/2009، منشور بنشرة قرارات المجلس الأعلى المتخصصة، الغرفة الاجتماعية، السلسلة 2، 2011، الجزء 7، من ص 41 إلى ص 43.
[23] – قرار عدد 1016 صادر في الملف الاجتماعي عدد 600/5/1/2009، منشور بنشرة قرارات المجلس الأعلى المتخصصة، الغرفة الاجتماعية، السلسلة 2، 2011، الجزء 7، من ص 35 إلى ص 37.
[24] – محمد بنحساين، حماية حقوق الشخصية في قانون الشغل بالمغرب، م.س، ص 49.