شروط مسطرة القسمة القضائية “قراءة في قرار صادر عن محكمة النقض “
شروط مسطرة القسمة القضائية
“قراءة في قرار صادر عن محكمة النقض “
لا يخفى على أحد دور العقار ومكانته المهمة داخل الدولة، وبالأصح هو العمود الفقري لها لأنه هو أساس منظومات التنمية بكافة صورها.
والعقار هو الأرض وما التصق بها من أشجار ونبات ومبان، وقد عرفه الدكتور مأمون الكزبري بأنه “ا لشيء المعد في الأصل لأن يبقى مستقرا في حيزه ثابتا فيه لا ينقل منه إلا استثناء ويتطلب نقله في أغلب الأحيان استعمال وسائل تقنية خاصة لا تتوفر عادة إلا لدى الأخصائيين”.[1]
وعموما وكيف ما كان نوع العقار وطبيعته فإنه يجب أن يحظى بحماية خاصة، وهو الأمر الذي فرض على المشرع التدخل لحماية ملكيته بدعاوى خاصة ترفع أمام القضاء، ومن أهم هذه الدعاوى هي دعوى القسمة القضائية.
وتبرز أهمية هذه الدعوى في أنها تمكن الشريك في العقار المشاع من فرز حصته وذلك تطبيقا لما جاءت به المادة 27 من مدونة الحقوق العينية التي تنص على أنه “لا يجبر أحد على البقاء في الشياع ويسوغ لكل شريك أن يطلب القسمة وكل شرط يخالف ذلك يكون عديم الأثر”.
فالقسمة القضائية للعقارات تجرى بواسطة القضاء، وهي تهم كلا من العقار المحفظ والعقار الغير المحفظ عل حد سواء.
إذن ماهي شروط القسمة القضائية؟
وارتباطا بالموضوع وللغوص والتعمق أكثر في هذه الإشكالية ارتأيت تقسيمه الى مبحثين:
إذ خصصت المبحث الأول لدراسة شروط دعوى القسمة القضائية، أما المبحث الثاني فتركته للقراءة في قرار صادر عن المجلس الأعلى يهم هذه الشروط.
المبحث الأول: شروط سلوك القسمة القضائية
حسب الفصل 977 من قانون الالتزامات والعقود ينتهي الشياع أو شبه الشركة بالهلاك الكلي للشيء المشاع أو ببيع المالكين حصصهم لأحدهم أو بتخليهم له عنها أو بالقسمة، فهذه الأخيرة غالبا ما تكون رضائية إلا أن هذه الرضائية لا تسعف أحيانا، ومن ثم يجب سلوك المسطرة القضائية.
إذ يجب قبل مباشرة مسطرة القسمة القضائية التأكد من توفر حالاتها “المطلب الأول”، إضافة إلى ضرورة إثبات ملكية العقار الشائع “المطلب الثاني”.
المطلب الأول : حالات تحقق القسمة القضائية
ينص الفصل 1084 من قانون الالتزامات والعقود على أنه “إذا اختلف الشركاء في إجراء القسمة، أو إذا كان أحدهم غير متمتع بأهلية التصرف في حقوقه، أو كان غائبا، كان لمن يريد منهم الخروج من الشياع أن يلجأ إلى المحكمة التي تجري القسمة طبقا للقانون”.
من هذا الفصل نستخرج حالات تحقق القسمة القضائية وهي كالآتي اختلاف الشركاء حول إجراء القسمة “الفقرة الأولى”، وجود شريك غير متمتع بأهلية التصرف “الفقرة الثانية”، أن يكون أحد الشركاء غائبا “الفقرة الثالثة”.
الفقرة الأولى: اختلاف الشركاء حول إجراء القسمة
يمكن القول إن السبب الرئيسي والمهيمن للجوء الشركاء إلى القسمة هو اختلافهم حول إجراء القسمة وطرقها، إذ تتعدد صور هذا الاختلاف، بحيث يمكن أن يكون هذا الاختلاف متمحورا حول نصيب كل شريك في الشياع أو حول طريقة القسمة وإجراءاتها…إلى غير ذلك من الاختلافات التي يمكن أن يطرحها موضوع القسمة.
وعموما ورغم تعدد الأسباب إلا أن المشرع أقر مبدأ واحدا ألا وهو لا يجبر أحد على البقاء في الشياع[2]، وبالتالي دون أن يكون مجبرا على ذكر السبب الدافع إلى رفع هذه الدعوى، إذ تكون هذه الأخيرة قرينة على وجود الخلاف بين الشركاء في القسمة [3]، وبمفهوم آخر يمكن سلوك مسطرة القسمة القضائية من طرف الشريك على الشياع ودون أي تبرير منه.
الفقرة الثانية: وجود شريك غير متمتع بأهلية التصرف
سواء كان الشريك الغير المتمتع بأهلية التصرف مدعيا أو مدعى عليه، فإنه يجب عليه سلوك المسطرة القضائية وذلك لمحاربة أي تمييز أو اعتداء قد يتعرض له، إذ يستوي أن يكون هذا الشريك الغير المتمتع بأهلية التصرف ناقصا للأهلية أو فاقدها[4].
لكن يبقى السؤال المطروح هل يجوز إجراء القسمة في حالة وفاة الزوج وترك زوجته حاملا؟
بخصوص هذه الحالة نجد أن الفقه الإسلامي أفرز مذهبين أو اتجاهين:
الاتجاه الأول يجيز صحة قسمة التركة قبل انصرام مدة الحمل شريطة أن يحتجز له النصيب المحتمل الأكبر، أما الاتجاه الثاني فذهب إلى عدم جواز إجراء القسمة إلى حين انصرام مدة الحمل بانفصال الحمل عن أمه وتحقق مركزه القانوني بين الورثة.
أما في حالة وجود جنين في بطن أمه فلا يمكن إجراء القسمة إلا حين انفصال الحمل عن أمه وثبوت حياته بالاستهلال أو رضاع ونحوهما، إذ أنه على خلاف القاصر الذي يرث باعتباره وارثا حقيقيا نجد أن الحمل لا يرث باعتباره وارثا احتماليا، ثم إن مناط استحقاقه للإرث هو أن يولد حيا وليس باعتباره حملا وهذا ما أكدته المادة 331من مدونة الأسرة بقولها” لا يستحق الإرث إلا إذا ثبتت حياة المولود بصراخ أو رضاع أو نحوهما”[5].
ومنه يمكن القول إنه في حالة الحمل يجب التمهل والانتظار حتى ينفصل الجنين عن بطن أمه ومعرفته ما إذا كان ذكرا أم أنثى أم توأما.
الفقرة الثالثة: أن يكون أحد الشركاء غائبا
الغائب هو الذي منعته ظروف قاهرة كالحروب والفيضانات وغير ذلك من النكبات التي حدثت بالمحل الذي يفترض فيه وجوده من الرجوع إلى مقامه أو من إدارة شؤونه بنفسه أو بوكيل عنه مدة من الزمن حددها قانون المسطرة المدنية بأكثر من سنة وتعطلت بذلك مصالحه ومصالح غيره[6].
والمفقود هو مستصحب الحياة بالنسبة لماله، فلا يورث ولا يقسم بين ورثته إلا بعد الحكم بتمويته، ومحتمل الحياة في حق نفسه وكذلك في حق غيره، فتوقف الحظ المشكوك فيه إلى أن يبت في أمره[7].
وما يمكن قوله هنا هو أن المشرع وقع في الخلط بين الغائب والمفقود فمن الناحية القانونية يعد مفقودا كل شخص غاب عن أهله وانقطعت أخباره بحيث لا يعرف هل هو حي أم ميت، فإن عرف مكان وجوده وتأكدت حياته كان غائبا وليس مفقودا[8].
ومنه يجب على المشرع المغربي أن يتدارك هذا الخلط الحاصل بين الغائب والمفقود.
إذن وبعد معرفة الحالات التي تؤدي إلى سلوك المسطرة القضائية، نطرح السؤال التالي: كيف يتم إثبات التملك على الشياع في دعوى القسمة؟
المطلب الثاني: إثبات التملك على الشياع في دعوى القسمة القضائية
يجب في دعوى القسمة القضائية أن يقوم طالب القسمة بالإدلاء بالحجج التي تفيد تملكه للعقار المراد قسمته، بحيث يختلف إثبات التملك على الشياع بحسب ما إذا كان العقار محفظا “الفقرة الأولى “أو غير محفظ “الفقرة الثانية”.
الفقرة الأولى :إثبات التملك على الشياع في العقار المحفظ
يقصد بالتحفيظ العقاري إخضاع العقار للنظام المحدث بظهير التحفيظ العقاري المؤرخ في 12غشت1913م(9رمضان1331ه) والمعدل بالقانون 07-14وذلك بإنشاء رسم عقاري قصد تثبيت وضعية العقار وتطهيره من حق سابق لم تتم الإشارة إليه في السجل العقاري[9].
إذن يتبين أن للتحفيظ العقاري قدرة هائلة في ضبط الملكية العقارية وسائر الحقوق العينية العقارية وتطهيرها من جميع التبعات، وبالتالي فطالب القسمة في هذه الحالة يكتفي بالإدلاء بشهادة الملكية العقارية الصادرة عن الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية التي تثبت تملكه على الشياع، ومنه يتضح أن هذه الشهادة كافية لإثبات صفة الشريك وإثبات عدد الشركاء المقيدين بالرسم العقاري بالإضافة إلى حصة كل واحد منهم، وبصفة عامة تثبت الوضعية القانونية والمادية للعقار المشاع[10].
وبالإضافة إلى هذا ولقبول دعوى القسمة القضائية في العقار المحفظ يجب أن يتم تقييدها تقييدا احتياطيا[11]، وهو ما يستشف من المادة 316 من مدونة الحقوق العينية التي تنص على “لا تقبل دعوى القسمة إلا إذا وجهت ضد جميع الشركاء وتم تقييدها تقييدا احتياطيا إذا تعلقت بعقار محفظ “.
وفي نفس السياق جاء قرار لمحكمة الاستئناف بوجدة بما يلي ” حيث إن ما أثاره المستأنفون من كون الدعوى غير مقبولة شكلا بخرق مقتضيات المادة 316 من مدونة الحقوق العينية مردودة بعلة أن الثابت من شهادة الملكية المتعلقة بالعقار أنها تتضمن التقييد الاحتياطي بتاريخ 2013-12-23 بمقتضى مقال وتم تمديد التقييد الاحتياطي بتاريخ
2014-01-09 بناء على أمر قضائي بتاريخ 2013-12-23، وأن الغاية من التقييد الاحتياطي وإن كان قد تم إجراؤه بعد رفع الدعوى قد تحققت وفق شهادة الملكية المذكورة ومن ثم فإن الحكم المستأنف لم يخترق أي مقتضى قانوني وكان معللا تعليلا قانونيا سليما”[12].
الفقرة الثانية: إثبات التملك على الشياع في العقار الغير المحفظ
إذا كان الإثبات في مجال العقار المحفظ يختلف عن مثيله في العقار غير المحفظ، فإن الأول يخضع بالضرورة لما يقتضيه قانون رقم 07-14المغير والمتمم بمقتضاه الظهير الشريف الصادر في 9رمضان 1331الموافق ل 12 غشت 1913، في حين أن الثاني يضل مقيدا بما جاءت به مدونة الحقوق العينية 08-39 في المادة الثالثة وبما جاء به الفقه المالكي في إثبات تملك المدعي على الشياع كلما كان موضوع القسمة عقارا غير محفظ[13].
في حين تختلف طرق إثبات ملكية عقار غير محفظ بحسب طرق اكتساب ملكيته ويمكن إجمال أهم هذه الطرق في الإرث والحيازة والعقد.
أولا: الإرث:
حسب المادة 323من مدونة الأسرة: الإرث هو انتقال حق بموت مالكه بعد تصفية التركة لمن استحقه شرعا بلا تبرع ولا معاوضة، ولكي يتمكن طالب القسمة من الحصول على نصيبه في تركة مورثه يلزم عليه أن يثبت موت المورث وعدد ورثته بحيث يمكن إثبات موت المورث بشهادة طبية أو بشهادة الشهود أو حتى بحكم قضائي (المادة 327من مدونة الأسرة).
إذ نجد في هذه الحالة أنه يجب على طالب القسمة إرفاق طلبه برسم الإراثة “الذي يبين لنا صفة الأشخاص الوارثين وعلاقتهم بالهالك ونصيب كل واحد منهم ” وكذلك يرفق الطلب برسم التركة “الذي يبين لنا الأموال التي تركها الميت ونوعها وقيمتها”.
وعموما لكي يتم قبول دعوى القسمة يجب على طالبها أن يثبت ملكية الموروث.
ثانيا: الحيازة أو التقادم المكسب
الحيازة أو التقادم المكسب هو سبب من أسباب اكتساب الملكية والحقوق العينية الأخرى عن طريق حيازتها مدة من الزمن[14].
بحيث اشترطت المادة 240 من مدونة الحقوق العينية لصحة الحيازة ستة شروط وهي:
1-أن يكون واضعا يده على الملك: “ويقصد بهذا الشرط وضع اليد على الشيء المحوز أي حيازته بشكل مادي وفعلي “.
2-أن يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه: “أي أن يتصرف الحائز في الشيء المحوز بمختلف التصرفات التي يبيحها له القانون من استعمال واستغلال وتصرف”.
3-أن ينسب الملك لنفسه والناس ينسبونه له كذلك: “ومعناه أن ينسب الحائز الملك لنفسه كأن يقول “هذه أرضي، هذا عقاري…” وأن ينسبه له الناس كأن يقال مثلا “أرض فلان أو منزل فلان….””.
4-ألا ينازعه في ذلك منازع: “ومعناه أن الحيازة يجب أن تكون خالية من أي نزاع قد يثار بشأن عنصر من عناصرها طيلة المدة المحددة قانونا”.
5-أن تستمر الحيازة طوال المدة المقررة في القانون: “معنى ذلك أن تستمر حيازة الحائز دون منازع طول المدة المحددة قانونا”.
6-في حالة موت الحائز يشترط بالإضافة إلى ذلك عدم العلم بالتفويت: “ويراد بهذا الشرط النظر إذا ما كان المتوفى قد قام بتصرف قيد حياته أدى الى تفويت الشيء محل الحيازة وبعبارة أخرى خروج محل الحيازة من يده وبالتالي انتفاء واقعة استمراريته إلى ورثته”.
ثالثا: العقد
وأحسن مثال لهذه الحالة هو عقد البيع[15]كما لو اشترى شخص جزءا مشاعا في عقار معين فأصبح شائعا بينه وبين باقي الشركاء، فعلى المدعي الذي يرغب في الخروج من حالة الشياع أن يرفق مع طلبه عقد البيع -أو العقد الذي يفيد الشراء، بحيث يجب أن يحتوي هذا العقد على نصيب كل واحد من الشركاء وإلا اعتبرت أنصبة الشركاء متساوية[16].
وكخلاصة للقول: إن العقود الناقلة للملكية تثبت إما بإشهاد عدلي أو بعقد عرفي أو بلفيف يستند شهوده على مستند خاص.
بعد معرفة شروط سلوك المسطرة القضائية سنقوم الآن بقراءة في قرار صادر عن المجلس الأعلى متعلق بهذا الموضوع .
المبحث الثاني: قراءة في قرار متعلق بشروط القسمة القضائية
لكي أوضح وأبين ما يتضمنه هذا القرار، قررت تقسيم هذا المبحث الى مطلبيين: إذ خصصت المطلب الأول: لنص القرار المتعلق بشروط القسمة القضائية، بينما سأقوم بقراءة في هذا القرار في المطلب الثاني.
المطلب الأول : نص القرار
القرار رقم 4001
المؤرخ في25/06/1997
الملف المدني رقم 2602/94
القاعدة:
إذا ظهر للمحكمة خلاف ما انتهى إليه الحكم المستأنف عليه تأييد الحكم المذكور تعين عليها أن ترد على تعليلاته باعتبارها دفوعا صادرة عن المستأنف خاصة ما يخالف منها ما بدا لها من وجه حكمها.
إن محكمة الاستئناف التي اكتفت بمناقشة حجج المدعى عليهم دون أن تتعرض لحجج المدعين والمقارنة بحجج المدعى عليهم والحال أن الحكم المستأنف ناقشها بتفصيل وأن المستأنف عليهم التمسوا تأييده وتبنوا علله كدفوع، يكون قرارها ناقص التعليل المنزل منزلة انعدامه ومعرضا للنقض.
باسم جلالة الملك
إن المجلس الأعلى
وبعد المداولة طبقا للقانون
حيث يتجلى من عناصر الملف ومن القرار المطعون فيه الصادر عن محكمة الاستئناف بأكادير في 25/1/1994 تحت عدد221 في القضية عدد 168/93 أن طالبي النقض المذكورين حوله تقدموا أمام محكمة مركز القاضي المقيم بمقال أصلي وإصلاحي مفادهما أنهم والمدعى عليهم المطلوبين في النقض وأشخاصا آخرين يملكون على الشياع الأملاك الستة المبينة بالمقال حسب رسم الاستمرار المؤرخ في 23/02/1988 عدد 107/88 ورفعا لضرر حالة الشياع فإنهم يلتمسون الحكم بإجراء القسمة في المدعى فيه، وأجاب المطلوبون في النقض بأن المدعين حشروا ضمن مقالهم ثلاثة أملاك في ملكية المطلوبين وتحت تصرفهم آلت إليهم بالإرث حسب الثابت من رسم الاستمرار عدد 819/89 بتاريخ 10/10/1989 ملتمسين الحكم برفض طلب وبعد تمام الإجراءات قضت المحكمة وفق الطلب بحكم استأنفه المطلوبون في النقض ملتمسين الحكم برفض الطلب فيما يخص الأملاك الثلاثة تنكريت، وإملالن والدار القديمة، وبعد استئناف الإجراءات قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من إجراء القسمة بين الطرفين في المدعى فيه مع تعديله وذلك باستثناء الأملاك الثلاثة الخاصة بالمستأنفين والمذكورة في رسم الاستمرار عدد 819/89 وهو القرار المطعون فيه.
فيما يرجع لما استدل به الطاعنون في الوسيلة الرابعة
حيث يعيب الطاعنون على المحكمة انعدام التعليل ذلك أنه بالرجوع إلى تعليلات الحكم الابتدائي يتبين أنه درس حجج الطرفين وأعمل قاعدة الترجيح المعمول بها شرعا، واعتبرت رسم ملكية الطاعنين راجحا لقدم تاريخ هو مستصحبا للأصل الذي هو بقاء الشياع إلى حين ثبوت الاختصاص بحجة قوية كما أن رسم ملكية المدعى عليهم لا
يتضمن حيازتهم المدة المعتبرة شرعا لاكتساب الملكية بين الأقارب وكان على محكمة الاستئناف وهي ترمي خلاف ما انتهى إليه الحكم الابتدائي أن تتصدى لعلله بالمناقشة وبيان عدم صوابها كما أنها اقتصرت على دراسة ملكية المطلوبين واعتبرتها مثبتة لاختصاصهم بالأملاك الثلاثة دون ان تتعرض لملكية الطاعنين وتبيين الأسباب التي جعلتها لا تشملها، وتهمها نهائيا في معرض تعليل قرارها مما يجعل هذا الأخير منعدم التعليل ومعرضا للنقد.
حقا لقد تبين صحة ما نعاه الطاعنون على القرار ذلك أن محكمة الاستئناف اكتفت بتقييم ودراسة حجج المطلوبين في النقد دون أن تتعرض لحجج الطاعنين بالتقييم والمقارنة بحجج المطلوبين خاصة وأن الحكم المستأنف ناقشها بتفصيل، وحينما التمس الطاعنون تأييده
يكونون قد تبنوا علله كدفوع، يتعين على المحكمة إذا ظهر لها خلاف ما انتهى إليه الحكم الابتدائي أن ترد على تلك العلل خاصة ما يتناقض منها مع ما بدا لها من وجه حكمها، ولما لم تفعل يكون قرارها ناقص التعليل المنزل بمنزلة انعدامه مما يستوجب نقضه.
لهذه الأسباب
قضى المجلس الأعلى بنقض القرار المطعون فيه وبإحالة القضية وطرفيها على نفس المحكمة لتبت فيها من جديد طبقا للقانون وهي متركبة من هيئة أخرى كما قرر إثبات حكمه هذا في سجلات محكمة الاستئناف بأكادير إثر القرار المطعون فيه.
المطلب الثاني: قراءة في القرار رقم 4001 أعلاه
أولا: من حيث الوقائع
يتبين من القرار المذكور أعلاه أن طالبي النقض كانوا قد تقدموا أمام محكمة مركز القاضي بمقال، مفاده إنهاء حالة الشياع للأملاك الستة المشتركة بينهم وبين المطلوبين في النقض وذلك بعد إجراء القسمة.
حيث أجاب الطاعنون في النقض بأن الأملاك المشتركة بينهم وبين الطاعنين هي ثلاثة فقط، وأن ثلاثة الأملاك الباقية في ملكهم لوحدهم فقط والتي آلت إليهم عن طريق الإرث.
إذ نجد أن المحكمة الابتدائية قضت وفق طلب المدعين” طالبي النقض” بعد ذلك استأنف المدعى عليهم ” المطلوبين في النقض ” الحكم الابتدائي لدى محكمة الاستئناف بأكادير حيث أصدرت هذه الأخيرة قرارا مفاده تأييد الحكم المستأنف في مسألة قسمة الأملاك مع تغيير في هذه القسمة، إذ تطال فقط ثلاثة أملاك، أما بشأن الأملاك الثلاثة الباقية فهي من حق المستأنفين فقط، وهذا هو القرار المطعون فيه.
ثانيا: من حيث سبب النقض
إذ تقدم طالبوا النقض بطلب مفاده نقض القرار السابق مستندين في ذلك على أن القرار المطعون فيه لم يقم بالتطرق للأسباب التي جعلته يتأكد من أن الحكم الابتدائي كان على خطإ، بالإضافة إلى هذا، يعيب الطاعنون على القرار المطعون فيه بأنه لم يبين الأسباب التي جعلته يصدر قرارا بإلغاء الأملاك الثلاثة من القسمة واعتبرها حقا للمطلوبين في النقض فقط.
ثالثا: من حيث تسبيب القرار ومنطوقه
نجد أن المجلس الأعلى تبين له صحة ادعاءات الطاعنين، وذلك بسب أن محكمة الاستئناف بأكادير اكتفت بمناقشة حجج المستأنف عليهم دون أن تتعرض لحجج المستأنفين ودون إجراء مقارنة بين حججهم وبه تكون قد أخطأت في قرارها.
من هنا يتضح أن القرار المطعون فيه كان قرارا ناقص التعليل الذي يوازي انعدامه، كل هذا عرضه للنقض والإحالة من طرف المجلس الأعلى.
وفي الأخير يمكن القول: إن القضاء عمل قدر الإمكان على تحقيق المبتغى المتوخى منه، والمتمثل في المحافظة وتمكين أي شخص يملك حقا في عقار مشاع أن يطلبه ويحصل عليه بكل سهولة ويسر، ومن ثم فالقضاء فعل لحد كبير المبدأ الوارد في المادة 27 من مدونة الحقوق العينية القائل بأنه” لا يجبر أحد على البقاء في الشياع”.
[1] بحيث عرفته مدونة الحقوق العينية في مادتها السادسة بأنه “كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه لا يمكن نقله من دون تلف أو تغيير في هيئته”.
[2] ينص الفصل 978من قانون الالتزامات والعقود “لا يجبر أحد على البقاء في الشياع، ويصوغ دائما لأي واحد من المالكين أن يطلب القسمة وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر “.
[3] محمد الكشبور، القسمة القضائية في القانون المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى لسنة 1996، الصفحة 108(بتصرف).
[4] حسب المادة 213من مدونة الأسرة يعتبر ناقص اّلأهلية: الصغير الذي يبلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد والسفيه والمعتوه.
وحسب المادة 217من مدونة الأسرة يعتبر عديم الأهلية: الصغير الذي لم يبلغ سن التمييز والمجنون وفاقد العقل.
[5] عادل المعروفي، الإشكالات العملية للقسمة القضائية، منشورات مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية، مطبعة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط العدد السادس من سنة 2015، الصفحة 15 “بتصرف”
[6] مأمون الكزبري، التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي ، شركة الهلال العربية، الطبعة الثانية لسنة 1987الصفحة 128
[7] المادة 326من مدونة الأسرة
[8] محمد الكشبور، القسمة القضائية في القانون المغربي، ، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى لسنة 1996، الصفحة 111.
[9] إدريس الفاخوري، نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون 07-14، سلسلة المعارف القانونية والقضائية منشورات مجلة الحقوق، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، طبعة 2013 الصفحة 12
[10] عادل المعروفي، الإشكالات العملية للقسمة القضائية العقارية، منشورات مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية، مطبعة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط العدد السادس من سنة 2015، الصفحة 19(بتصرف)
[11] التقييد الاحتياطي: هو وسيلة قانونية يمكن اللجوء إليها بكل سهولة ويسر متى تعذر على المتعاقدين أو أحدهم إنجاز التقييد النهائي للعملية التي يرغب في تضمينها بالسجلات العقارية
[12] قرار مذكور لدى جهان زاوش، دعوى قسمة العقار ودور القضاء في حماية المتقاسم منشورات مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية مطبعة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط عدد17 لسنة 2017 الصفحة 51
[13] عادل المعروفي، الإشكالات العملية للقسمة القضائية العقارية، مرجع سابق الصفحة 20
[14] مأمون الكزبري التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي، مرجع سابق الصفحة 193
[15] عرف المشرع المغربي عقد البيع في الفصل 478من قانون الالتزامات والعقود بأنه عقد بمقتضاه ينقل أحد المتعاقدين للآخر ملكية شيء أو حق في مقابل ثمن يلتزم هذا الأخير بدفعه له
[16] ينص الفصل 961من قانون الالتزامات والعقود على أنه عند الشك يفترض أن أنصاب المالكين في الشياع متساويين