بحوث قانونية

عرض حول الثمن من انجاز طلبة ماستر المقاولة و القانون بسطات

 

 

1468728_753989247960160_734086668_n

من انجاز

  • غيثة الناجحي
  • زهرة هلاب

فاطمة الزهراء الغزالي

 

مقدمة:

 

 

احتل عقد البيع ماضيا وحاضرا مركز الصدارة ضمن قائمة العقود المسماة، لذلك خصته معظم التشريعات المدنية المعاصرة بأحكام وقواعد مستقلة تتناسب مع حجم الأهمية التي يمتاز بها هذا العقد عن غيره من العقود الأخرى، ويبقى عقد البيع من أكثر العقود شيوعا بين الناس وذلك لكثرة الأغراض والحاجيات التي يحتاجها الناس في حياتهم اليومية ولا يعتقد عقد البيع غلا بتوافر أركانه وهما المتبايعان والمحل والثمن وما يهمنا في هذا البحث هو عنصر باعتباره هو محل التزام المشتري، فالمشرع المغربي لم يعرف الثمن بخلاف نظيره الجزائري الذي عرفه في المادة 351 من القانون المدني الجزائري على أنه عبارة عن مبلغ نقدي يلتزم المشتري بدفعه للبائع مقابل نقل ملكية الحق المبيع إليه.

إذن فما هي شروط الثمن وما هي أحكامه؟                                             للإجابة عن هذه الإشكالية ارتأينا تقسيم الموضوع إلى مبحثين سنخصص الأول لضرورة وجود الثمن وجديته على أن نخصص الثاني للتحديد أو القابلية للتحديد في الثمن.

 

 

تصميم

 

 

المقدمة

المبحث الأول: ضرورة وجود الثمن وجديته

المطلب الأول: ضرورة وجود الثمن

المطلب الثاني: شروط الثمن

المبحث الثاني: التحديد أو القابلية للتحديد في الثمن

المطلب الأول:تحديد الثمن بالتراضي

المطلب الثاني: التحديد الاتفاقي وبياعات الأمانة

خاتمة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول: ضرورة وجود الثمن وجديته

 

غالبا ما يستهل الفقهاء حديثهم عن الثمن بمقولة الشهيرة مفادها ” أنه لا بيع بدون ثمن”، وبما أن الثمن يعتبر عنصر أساسي في عقد البيع فإنه يثير كثيرا من التساؤلات بخصوص وجوده (المطلب الأول) وشروطه (المطلب الثاني).

 

المطلب الأول: ضرورة وجود الثمن

 

لقد سبق وأن قلنا بأنه لا بيع بدون ثمن، فإذا تم الاتفاق على إسقاط الثمن صراحة أو ضمنا فإننا لا نكون أمام عقد بيع أصلا وهناك عدة نصوص تشريعية في قانون الالتزامات والعقود، تؤكد على ضرورة توافر هذا الركن ومنها على الخصوص الفصول (478،487،488) وقد تأثر المشرع المغربي في سلوك هذا النهج بمضمون المادة 1592 من القانون المدني الفرنسي التي تطلبت بدورها ضرورة الاتفاق على المبيع والثمن كمحدد أساسيين لعقد البيع، وذلك تحت طائلة البطلان، وهذا التصور ذو الطابع اللاتيني أصبح محل انتقاد من طرف الفقه والقضاء المعاصرين لأنه يفتقد إلى المرنة الكافية لتسهيل المعاملات خصوصا في الميدان التجاري، وهذا الوضع هو الذي دفع بالقوانين ذات الطابع الأنكلوسكسوني إلى اعتبار العقد الذي لم يذكر فيه عنصر الثمن بيعا صحيحا لا باطلا ويتعين على البائع أن يؤدي للمشتري الثمن العادل الذي يتناسب مع السعر الاعتيادي للبضاعة وقت إبرام العقد1 وهذا ما تبنته اتفاقية فييينا” بنصها في المادة 55 على ما يلي:

” إذا انعقد البيع على نحو صحيح دون أن يتضمن صراحة أو ضمنا تحديدا لثمن البضائع والبيانات التي يمكن بموجبها تحديده، يعتبر أن الطرفين قد أحالا ضمنا في حالة عدم وجود ما يخالف ذلك السعر الاعتيادي وقت انعقاده بالنسبة لنفس البضائع المبيعة في ظروف مماثلة لنفس النوع من التجارة.

المطلب الثاني: شروط الثمن

 

بالرغم من أن الأصل في تحديد الثمن هو تركه لإرادة المتعاقدين وفقا لمبدأ سلطات الإرادة غلا أنه يتعين في هذا التحديد أن يتم في إطار متوسط الأسعار الجاري بها العمل في السوق وفق لقواعد العرض والطلب وكيفما كانت التقلبات التي يخضع لها نظام هذا السوق فإن الثمن يتوجب فيه توفر الشروط التالية:

 

أولا: أن يكون الثمن جديا لا صوريا

 

الثمن الجدي هو الثمن المعقول الذي يتناسب مع متوسط الأسعار إذا ورد البيع على بضائع لا يتعرض ثمنها للتقلبات أما إذا كانت البضاعة أو السلعة مما يتأثر بتقلبات السوق فغن الثمن يكون جديا، إذا كان في حدود متوسط الأسعار التي يتم بها أجزاء الصفقات بصورة عامة1.

إلا هناك بعض الأوضاع الاستثنائية التي يتم فيها الاتفاق على أقساط الثمن أو الزيادة فيه أو الانتقاص منه فنكون أمام ما يسمى بعقد البيع الصوري الذي يتم فيه إخفاء الثمن الحقيقي، وهناك عدة أسبابا ودوافع تجعل المتعاقدين يفضلان إخفاء حقيقة الثمن مثل رغيتهما في التهرب الضريبي وأداء رسوم التسجيل القانونية في حدودها القصوى، وقد يكون الهدف من رفع الثمن هو حرمان الشريك من ممارسة حق الشفعة، وقد يكون البيع ساترا للوصية أو الهبة فيعمد البائع إلى الاعتراف بثمن صوره لا وجود له من ثمن الواقع.

وخلاصة القول أن الثمن يلزم فيه أن يكون جديا لا صوريا، وأن الاتفاقات السرية التي يكون القصد منها إخفاء حقيقة الثمن لا يكون لها أثر فيما بين المتعاقدين وخلفائهما العامين، أما الغير بماضي ذلك الخلف الخاص فيحق  له الاستفادة من دعوى الصورية عند توافر عناصرها، فيثبت له الخيارين التمسك بالعقد الظاهر أو الأخذ بمضمون العقد السري إذا كان حسن النية أما إذا كان هذا الغير عالما بالثمن الصوري فإن مقتضيات هذا الثمن هي التي تسري عليه غذ أنه يسري عليه ما يسري على المتعاقدين في هذه الحالة.

 

ثانيا: أن يكون الثمن عادلا لا بخسا

 

لا يكون الثمن عادلا غلا إذا كان في مستوى القيمة الحقيقية للشيء المبيع، ولا يتحقق ذلك في الواقع إلا إذا كان الثمن محددا وفقا لنظام التسعير الجبري، وفق للقوانين والمراسيم الجاري بها العمل في هذا المجال، أما عندما يتم تحديد الثمن بالتراضي فإنه غالبا ما يتراوح بين المدين الأدنى والأقصى لقيمة المثل بحيث لا ينقص ذلك من عدالة الثمن غلا إذا وصل إلى حد الغبن الموجب للإبطال والذي يختلف من تشريع لآخر حسب نسبة الغبن المعتبرة كمقياس لإقرار هذا الإبطال1.

واشتراط دعوى العدالة في الثمن طرح الكثير من التساؤلات الفقهية والقضائية بشأن تحديد مضمون هذا الشرط خصوصا وأن التشريعات المعاصرة لم تتفق على معيار موحد يضبط المقياس المعتمد لإعمال دعوى الإبطال للغبن فالغبن في إطار التشريع المغربي لا يعتبر سببا لإبطال التصرفات بمقتضى نص خاص كالغبن اللاحق بالقاصرين2 وكذا الحالات التي يرتبط فيها الغبن بالتدليس3.

 

 

 

 

 

 

المبحث الثاني: التحديد أو القابلية في التحديد للثمن

أن الثمن إما أن يكون محددا أو قابلا للتحديد و الثمن المحدد يتم إما بإرادة البائع أو المشتري دون مساومة (مطلب أول) أو بإرادتهما معا بعض مناقشة و مساومة او على أساس الثقة والأمانة كما في بيوعات الأمانة(مطلب ثاني).

المطلب الأول: تحديد الثمن بالتراضي

 

لقد خصصنا هذا المطلب لمعالجة ثلاث مسائل في موضوع الثمن وهي: اختلال الأساس الذي تقوم عليه بيوع الأمانة، والزيادة في الثمن أو الحط منه بعد العقد، وزمان استحقاق الثمن، وعليه نقسم هذا المطلب إلى ثلاث فقرات.

 

الفقرة الأولى: اختلال الأساس الذي تقوم عليه بيوع الأمانة

 

إن الأساس الذي تقوم عليه هذه البيوع هو مقدار الثمن الذي اشترى به البائع المبيع. إذا ظهر له أنه قد زاد في بيان مقدار رأس المال فالمشتري حط الزيادة وإذا لم يكن رأس مال، وسيقام اختياره إذا اهلك المبيع أو استهلك أو خرج من ملكه بعد تسلمه. للمزيد من التوضيح نورد الحالات التالية:

 

الحالة الأولى: زيادة البائع في مقدار رأس المال

 

يقصد برأس المال الثمن الذي اشترى به البائع المبيع، فإذا قام البائع بزيادة مقدار هذا الثمن وذلك بقصد الحصول على ثمن أعلى ممن يريد شراءه منه بموجب بيع من بيوع الأمانة ففي هذه الحالة يحق للمشتري متى ما اكتشف هذه الزيادة أن ينقصها وذلك من خلال إعادة تقدير الثمن على أساس الثمن الحقيقي الذي اشترى به البائع1 وعليه فإن هذه الزيادة ليس لها أثر على صحة العقد، كما لا يجوز للمشتري طلب فسخ إلا إذا تحققت سبب من الأسباب الواردة في القواعد العامة.

 

الحالة الثانية: جهالة المشتري برأس مال المبيع عند التعاقد

 

إذا باع شخص شيئا بموجب أحد أنواع بيوع الأمانة وكان المشتري يجهل مقدار الثمن الذي اشترى به البائع فيحق له طلب فسخ العقد متى ما عرف مقدار هذا الثمن، ولا يجوز له طلب تخفيض الثمن وجهالة الثمن بالنسبة للبائع والمشتري من المتصور حصولها عندما يكون البائع مثلا، قد اشترى المبيع بثمن غير معين ولكنه قابل للتعيين، كما لو اشتراه بالثمن الذي يحدده شخص ثالث، وقبل أن يحدد الثمن من قبل هذا الشخص قام ببيعه إلى شخص آخر ببيع من بيوع الأمانة.

ونعتقد بأنه يفترض أن يكون حكم البيع في هذه الحالة باطلا، وذلك لأن شرط الأساسي لصحة بيوع الأمانة هو أن يكون مقدار رأس المال معلوما عند التعاقد2. أما إذا كان رأس المال مجهولا فمن غير الممكن أن يكون الثمن قابلا للتعيين عند التعاقد. وما دام الثمن غير معين وغير قابل للتعيين فإن العقد يكون باطلا.

 

الحالة الثالثة: كتمان البائع أمرا له تأثير في المبيع أو رأس المال

 

كما أوضحنا سابقا يجب على البائع بالإضافة إلى بيان مقدار الثمن الذي اشترى به ومقدار الزيادة في المرابحة ومقدار النقصان في الوضعية، أن يبين كل أمر له تأثير في المبيع أو رأس المال فمثلا إذا كان المبيع قد أصيب بعيب عنده فيجب عليه بيان ذلك لأنه يؤثر على قيمة المبيع وبالتالي يكون له تأثير على رضاء المشتري، كما أنه إذا كان البائع قد اشترى المبيع بثمن مؤجل أو مقسط وجب عليه بيان ذلك لأنه يؤثر في رأس المال، إذ عادة يباع شيء بالأجل أو بالتقسيط يكون الثمن أعلى وعندما يكتشف المشتري هذا الأمر الذي كتمه البائع وكان مؤثرا في المبيع أو رأس المال يحق له طلب فسخ العقد، ولا يجوز له طلب إنقاص الثمن.

ويبدو أن السبب الذي جعل المشرع يعطي المشتري في هذه الحالة الحق في طلب الفسخ دون طلب إنقاص الثمن، وعلى خلاف الحالة الأولى، هو أن الزيادة في الثمن هنا غير محددة في حين تكون محددة في الحالة الأولى.

سقوط الحق في الفسخ

ونود أن نشير أخيرا إلى أن حق المشتري في طلب الفسخ في الحالتين الثانية والثالثة يسقط بهلاك المبيع أو استهلاكه أو خروجه من ملك المشتري بعد تسلمه، وعلة هذا الحكم تتمثل في أنه يشترط في طالب الفسخ أن يكون قادرا على إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل التعاقد لأن للفسخ أثرا رجعيا، ويتعذر على المشتري ذلك في حالتي الهلاك والاستهلاك، كما ويتعذر عليه ذلك أيضا في حالة خروج المبيع من ملكه، فلو باع المشتري المبيع إلى الغير فإنه يكون ملزما بالضمان امتنع عليه التعرض، وعليه يمكنه اخذ المبيع من المشتري لأن ذلك يعد تعرضا من جانبه، وهذا يمثل إخلالا بالتزامه بالضمان.

وتجدر الإشارة إلى أن المشرع لم يعط للمشتري خيارا بديلا في الحالات التي يسقط فيها خيار الفسخ ونرى بأنه طبقا لقواعد المسؤولية العقدية يحق للمشتري المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أصابه بسبب كتمان البائع أمرا ذا تأثير في المبيع أو رأس المال، إذ أن كتمان البائع لهذا الأمر يعد إخلالا بالتزام عقدي مفروض عليه ضمنا بموجب بيوع الأمانة1.

 

 

 

 

الفقرة الثانية: الزيادة في الثمن أو الحط منه بعد العقد

 

زيادة المشتري في الثمن بعد العقد تلتحق بأصل إذا قبلها البائع ويصبح الثمن المسمى مع الزيادة مقابلا للمبيع كله. ما حطه البائع من الثمن المسمى بعد العقد يلحق بأصل العقد إذا قبله المشتري ويصبح الباقي يعذ ذلك هو الثمن المسمى وسنتطرق إلى حالتين:

 

 

الحالة الأولى: زيادة المشتري في الثمن بعد العقد

 

إذا تم البيع بثمن معين يجوز للمشتري بعد ذلك أن يزيد عليه بشرط أن يقبل البائع هذه الزيادة لأنها بمثابة تعديل للعقد، ولا يجوز تعديل العقد إلا باتفاق، ولكن سكوت البائع في هذه الحالة يعد قبولا للزيادة التي هي بمنزلة الإيجاب الذي تمخض عن منفعة لمن وجه إليه وتلحق هذه الزيادة بأصل العقد، أي أنها تصبح جزءا من الثمن في عقد البيع.

ولكن إذا كان المبيع عقارا وطلب أحد الأشخاص تملكه بالشفعة فإنه يتملكه بالثمن والنفقات التي قامت على المشتري أي مع الزيادة ما لم يتبين أن هدف الزيادة هو منع الشفيع من طلب الشفعة1.

 

الحالة الثانية: إنقاص البائع للثمن بعد العقد

 

أيضا يجوز للبائع بعد تمام البيع إنقاص الثمن وإذا ما قبل المشتري ذلك ولو بالسكوت التحق بأصل العقد وأصبح الباقي هو الثمن المسمى الذي يجب على المشتري دفعه إلى البائع. ويستفيد الشفيع من ذلك لأنه يتملك المبيع بما قام على المشتري من الثمن والنفقات.

 

الفقرة الثالثة: زمان استحقاق الثمن

 

الثمن في البيع المطلق يستحق معجلا ما لم يتفق أو يتعارف على أن يكون مؤجلا أو مقسما لأجل معلوم، يتضح أن الثمن يكون مستحقا بمجرد انعقاد البيع ما لم يقض الاتفاق أو العرف بتأجيله أو تقسيطه لأجل معلوم، ولكن ما حكم البيع لو تم اتفق المتعاقدان على تأجيل الثمن دون أن يكون هذا الأجل معلوما؟ قضى المشرع المغربي بفساد هذا البيع

وإذا كان الثمن مؤجلا أو مقسطا فإن الأجل يبدأ من تاريخ تسلم المبيع ما لم يحمل الاتفاق على غير ذلك، وهذا الحكم يتفق مع نية الطرفين عند اتفاقهما على تأجيل الثمن أو تقسيطه.

 

المطلب الثاني: التحديد الاتفاقي وبيوعات الأمانة

سنخصص هدا المطلب للحديث عن التحديد الاتفاقي (فقرة أولى) ثم بيوعات الأمانة  (فقرة ثانية)

 الفقرة الأولى: تحديد الاتفاقي

 

نص المشرع في الفصل 487 من قانون الالتزامات والعقود على ما يلي:” يجب أن يكون الثمن الذي ينعقد عليه البيع معينا ولا يسوغ أن يعهد بتعينه إلى أحد من الغير، كما أنه لا يسوغ أن يقع الشراء بالثمن الذي اشترى به الغير ما لم يكن هذا الثمن معروفا من المتعاقدين، ومع ذلك يجوز الركون إلى الثمن المحدد في قائمة أسعار  السوق، أو إلى تعريفة  معينة أو إلى متوسط أسعار السوق إذا ورد البيع على بضائع لا يتعرض ثمنها للتقلبات، أما إذا ورد البيع على بضائع يتعرض ثمنها للتقلبات فيفترض في المتعاقدين أنهما ركنا إلى متوسط الأسعار التي تجري بها الصفقات”.

باعتبار أن البيع عقد رضا في كأصل عام، لذلك فإن مهمة تحديد ثمن البيع غالبا ما يتم بطريقة رضائية أيضا، وفي قانون الالتزامات والعقود المغربي عدة نصوص تشريعية تؤكد مبدأ الحرية في تحديد الثمن وهذا ما نستخلصه من نص الفصلين 487 و 488 من هذا القانون حيث ورد في الأول منهما بأنه ” يجب أن يكون الثمن الذي ينعقد عليه البيع معينا. أما الثاني فينص على أن البيع لا يكون تاما إلا بتراضي عاقديه أحدهما بالبيع والآخر بالشراء أو باتفاقهما على المبيع والثمن وشروط العقد الأخرى.

وهناك عدة صور لحصول التراضي على الثمن بين المتعاقدين فقد يتم مناقشة الثمن من كلا الجانبين وبعد أخذ ورد يتوصلان إلى التحديد النهائي للثمن الواجب دفعه من قبل المشتري، ولا فرق في ذلك بين الحالات التي تكون فيها مبادرة عرض الثمن صادرة من البائع أو المشتري طالما أن الطرف الآخر كان قد أتيحت له فرصة مناقشة هذا الثمن وقبل به1.

التحديد الاتفاقي كما يدل عليه اسمه تحديد للثمن من طرف البائع والمشتري معا في ضوء قاعدة العرض والطلب. حيث يتناقش الطرفان ويتفاوضان ويتساومان إلى أن يقع التراضي النهائي على ثمن معين، فخاصية هذا التحديد “المساومة” وفي الفقه الإسلامي يصطلح عليها ” بيع المساومة” ويقال لها كذلك المشاحصة والمكايسة والمهاودة، وهذا البيع أكثر انتشارا وأسلم من بيع المرابحة. ويقول ابن جزي: ” وأما المساومة فهو أن يتفاوض المشتري مع البائع في الثمن حتى يتفقا عليه من غير تعريف بكم اشتراها.

وهذا البيع أسلم من الفساد من المرابحة وأحب على العلماء….” وقد أخرج البخاري في باب صاحب السلعة أحق بالسومة” قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” يا بني النجار متوفي بحائطكم وفيه حزب ونخل2 إلا أن الحافظ بن حجر قال ليس بواجب فالمساومة جائزة أن يبدأ بها البائع أو المشتري واحتج بقصة جمل جابر أنه صلى الله عليه وسلم بدأه بقوله بعينه بأوقية”.

 

 

 

 

الفقرة الثانية: بياعات الأمانة

 

بياعات الأمانة أو بيوع الأمانة هي تلك البيوع التي يحدد فيها الثمن على أساس الثقة والأمانة في البائع، فالمشتري يحتكم إلى نزاهة البائع وأمانته فيتابع معه في أمان. من ثم كانت تسميتها بهذا الاسم ، وترجع هذه البيوع في مصدرها إلى الفقه الإسلامي، ذلك أن هذا الفقه يقول السنهوري حدد منطقة حزما يفرض فيها على الناس الأمانة في التعامل إلى أبعد مدى ولا يسمح فيها بأي غش، حتى ليجعل مجرد الكذب فيها كذبا وتدلسا1 والغاية منها حماية المستضعفين ودفع الأذى ورفع العين في المعاملات. وسنتناول بالحديث أنواع بياعات الأمانة في أنواعها ثم في حكمها.

 

1 – أنواع البياعات الأمانة

ترجع هذه الأنواع إلى بيع المرابحة وبيع التولية وبيع الإشراك وبيع الوصفية ثم بيع الاسترسال نعرفها تباعا.

أ – بيع المرابحة: بيع المرابحة أن يعرف البائع المشتري بالثمن الذي اشترى به السلعة أو بكلفتها الإجمالية على أن يتفقا على ربح معين.

ب – بيع التولية: البيع بالتولية هو البيع الذي يتم فيه التبايع على أساس الثمن الذي اشترى به البائع دون زيادة أو نقصان، كما أن المشتري ولى البائع أمر الشراء له، وهذا من باب التشبيه ليس إلا. فالتولية هناك تعني التوكيل لأن البائع يبقى ضامنا للمبيع.

ج – بيع الإشراك: البيع بالإشراك هو البيع الذي يجمع بين التولية والبيع. فالبائع في هذا النوع من البيوع يبيع جزءا من سلعته تولية والجزء الآخر بيعا عاديا يقول السنهوري: لا….. وإما وألا يزيد ولا ينقص بل يشتري السلعة بمثل ثمنها الأصلي ويسعى البيع تولية إذا أخذ المشتري كل السلعة، أو إشراكا إذا أخذ جزءا منها بما يقابله من الثمن2.

د – البيع بالوضعية: البيع بالوضعية هو البيع بالخسارة، يقال باعه وضعية أي باعه بالخسارة. ووضع البائع من ثمن رأس المال بمعنى طرح أو نقص منه، فالبائع بالوضعية يبيع بثمن يقل عن الثمن الأصلي، ويجرى وقوع هذا البيع في الغالب على السلع القديمة أو التي تجاوزتها الفصول بحيث يسعى البائع إلى التحرر منها.

ﮬ – البيع بالاسترسال: البيع بالاسترسال بيع يتم فيه الاتفاق بين المتبايعين على شرط أن يكون الثمن فيه على أساس سعر السوق أو على أساس الثمن الذي يبيع به البائع لكل الناس.

 

2 – أحكام بياعات الأمانة

نجمل هذه الأحكام في ضرورة الصدق في بيان الثمن الأصلي، ثم في الأمر المترتب عن الكذب فيه، وأخيرا في وسائل إثبات هذا الكذب. فأما الصدق نفي بيان الثمن الأصلي فهو الأساس الذي تقوم عليه بياعات الأمانة لأن المشتري يحكم على صدق البائع وأمانته، ولا يتبايع إلا على هذا الشرط، من ثم يتعين على البائع أن يصرح بالثمن الأصلي وبتوابعه عند الاقتضاء بصورة واضحة لا إجمال فيها ولا غموض بل يجب عليه أن يبين ما أحاط الثمن من ملابسات وما اقترن به من أوصاف.

– وأما الأثر المترتب عن الكذب في بيان الثمن الأصلي وتوابعه فهو تخيير المشتري بين القبول أو الرد، وذلك أن مجرد كذب البائع المؤتمن يعتبر خيانة وغشا وتدليسا، وما كان للمشتري أن يتبايع لو علم حقيقة الأمر. والعقد عندنا يقبل الأبطال للغض والتدليس والكتمان المبيت. جاء في الفصل 52 من قانون الالتزامات والعقود ” التدليس يخول الإبطال، إذا كان ما لجأ غليه من الحيل أو الكتمان أحد المتعاقدين أو نائبه أو شخص آخر يعمل بالتواطؤ معه قد بلغت في طبيعتها حدا بحثا لولاهما لما تعاقد الطرف الآخر ويكون للتدليس الذي يباشره الغير نفس الحكم إذا كان الطرف الذي يستفيد منه.

– وأما إثبات كذب البائع فغن للمشتري أن يثبته بجميع طرق الإثبات بما في ذلك الشهادة والقرائن لأنه واقعة مادية والوقائع المادية تثبت بمختلف وسائل الإثبات، فضلا على أن البيان الصادر من البائع.

خاتمة:

 

ونخلص إلى القول بأن الثمن يعد ركنا أساسيا في عقد البيع الذي أضحى الوسيلة العملية التي يحصل بها كل شخص على معظم حاجاته وأصبح درجة عالية من الأهمية في ميادين التعامل والنشاط الاقتصادي بل أن البيع أصبح من النظم القانونية التي لا غنى عنها في أي مجتمع وأصبح يحتل من حيث الأهمية الاقتصادية بين العقود المدنية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لائحة المراجع

 

 

المراجع العامة:

 

– عبد رزاق السهوري، مصادر الحق في الفقه الإسلامي. الجزء الثاني.

– عبد القادر عرعاري، النظرية العامة للعقود المسماة، الكتاب الأول، عقد البيع، الطبعة الأولى 1999.

– عبد الرحمان بالعكيد، وثيقة البيع بين النظر والعمل مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء الطبعة الثالثة 2006.

 

1  – عبد القادر العرعاري، عقد البيع، الطبعة الثانية، دار الأمان 2010، ص 120-121.

1  – انظر الفصل 487 من قانون الالتزامات والعقود.

1  – عبد القادر العرعاري، مرجع سابق، ص 131.132.

2  – انظر الفصل 56 من قانون الالتزامات والعقود.

3  – انظر الفصل 55 من قانون الالتزامات والعقود.

1  – ويرى أبو حنيفة بأنه يثبت للمشتري في هذه الحالة خيار الفسخ إن كان البيع أو وضعية، أو حصا الزيادة إن كان البيع تولية أو إشراكا وقد خالفه الصاحبان في ذلك (راجع د.الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته).

2  – ويعود السبب في إعطاء المشتري الحق في الفسخ إلى أن هذه البيوع تقوم على أساس الأمانة، إذ أن المشتري يعتمد على أمانة البائع في الأخبار، فكانت صيانة البيع الثاني عن الخيانة  مشروطة دلالة، فإذا لم يتحقق الشرط ثبت الخيار كما في حالة عدم تحقق سلامة المبيع من العيوب.

1  – علي هادي العبيدي المسماة للبيع والإيجار، بدار الثقافة ص 76 مرجع سابق ص 77 و 78.

1  -علي هادي العبيدي العقود المسماة للبيع والايجار,دار الثقافة ,ص             76

1  – عبد القادر العرعاري: ” النظرية العامة للعقود المسماة” الكتاب الأول عقد البيع الطبعة الأولى 1999 ص 83.

2  – جاء الحديث حينما أراد النبي صلى الله عليه وسلم شراء مكان بناء المسجد.

1  – السنهوري أحمد: ” مصادر الحق في الفقه الإسلامي” ج2 ص 151

2  – بلعكيد عبد الرحمان, مرجع سابق الصفحة ص 178.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى