عرض حول عقد الكراء المدني من انجاز طلبة ماستر المقاولة و القانون
من انجاز
- محمد فاضل بيشا
- سمية البودي
- عبد العالي مرافق
قروب فاطمة
مقدمة
تمهيد
الفصل الأول: كراء الأماكن المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني
المبحث الأول: نطاق تطبيق ظهير 1980
المطلب الأول: أكرية الأماكن التي تدخل في نطاق الظهير
الفقرة الأولى: من حيث المكان
الفقرة الثانية: من حيث الزمان
المطلب الثاني: أكرية الأماكن التي تخرج عن نطاق هذا الظهير
المبحث الثاني: الوجيبة الكرائية
المطلب الأول: تحديد الوجبة الكرائية ومضمونها ومراجعتها
الفقرة الأولى: تحديد الوجيبة الكرائية ا
الفقرة الثانية: مضمون الوجيبة الكرائية
الفقرة الثالثة: مراجعة الوجيبة الكرائية
المطلب التاني استيفاء الوجيبة الكرائية
الفقرة الاولى الاندار
الفقرة التانية المصادقة على الاندار
الفصل الثاني: آثار عقد الكراء وكيفية انتهائه
المبحث الأول: التزامات وحقوق طرفي عقد الكراء
المطلب الأول: التزامات المكري
الفقرة الأولى: الالتزام بالتسليم
الفقرة الثانية: الالتزام بالصيانة والضمان
المطلب الثاني: التزامات المكتري
الفقرة الأولى: التزامات المكتري بالوفاء بالأجرة والحفاظ على العين المكتراة
الفقرة الثانية: استعمال العين فيها أعدت له والالتزام برد العين
المبحث الثاني: انتهاء عقد الكراء
المطلب الأول: انتهاء عقد الكراء وفق القواعد العامة
الفقرة الأولى: انتهاء عقد الكراء بانتهاء مدته
الفقرة الثانية: انتهاء عقد الكراء غير محدد المدة
المطلب الثاني: انتهاء عقد الكراء وفق القواعد الخاصة للإيجار السكنية والمهنية
الفقرة الأولى: الامتداد القانوني لعقد الكراء السكني والمهني وعلاقته بالانتهاء
الفقرة الثانية: الأسباب الموجبة للإفراغ في الكراء السكني والمهني ومسطرة تحقيقه
خاتمة
تمهيد:
لطالما اعتبر قانون الالتزامات والعقود الشريعة العامة لمجموعة من العقود المسماة ومن هذه العقود عقد الكراء المدني، لذلك سوف نعتمد على هذا التشريع العام للحديث بشكل مختصر عن أهم الأحكام التي تميز عقد الكراء المدني ابتداء بتعريف عقد الكراء ومرورابخصائصه.
لقد ميز المشرع المغربي بين نوعين من الإجارة قبل تعريف عقد الكراء:
- النوع الأول: وتتعلق بإجارة الأشياء واصطلح عليها وفقا لأحكام الفقه المالكي بالكراء (الفصل 626) ق.ل.ع.
- النوع الثاني: ويتعلق بإجارة الأشخاص أو العمل، ثم عاد المشرع وقدم تعريفا لعقد الكراء في الفصل 627 ق.ل.ع حيث ورد:
“الكراء عقد، بمقتضاه يمنح أحد طرفيه للآخر منفعة منقول أو عقار من خلال مدة معينة في مقابل أجرة يلتزم الطرف الآخر بدفعها له”.
وبمقارنة هذا التعريف الذي قدمه المشرع المغربي بتعريف التشريع المصري في المادة 558 منق.م.م نجد أنه كان أقرب من نظيره المغربي إلى التشريع الفرنسي حيث يفرض على المكري الالتزام بجعل المكتري ينتفع بالعين المكتراة كما جاء في الفصل 1709 من القانون المدني الفرنسي[1].
ومن خلال هذا التعريف يتضح لنا جليا أن عقد الكراء إنما ينصب على منفعة شيء محدد بالذات وهذا الشيء قد يكون عقار وقد يكون أشياء منقولة وهذه الأخيرة قد تكون مادية، أو معنوية كحق الملكية الصناعية وكحق الارتفاق.
أهم خصائص عقد الكراء المدني وهي متعددة غير أننا سوف نقتصر على بعضها فالكراء كما هو معروف عقد رضائي والرضائية تعني أن عقد الكراء يكفي لكي ينعقد توافق الإيجاب والقبول بين طرفيه، وهما المكري والمكتري فلا يشترط في انعقاده أي شكل من الأشكال وهذا هو المبدأ أو الأصل أما الاستثناء فهو ضرورة الكتابة والتسجيل كلما كان موضوع الكراء عقارا وكانت مدة العقد تزيد عن السنة وإلا اعتبر العقد منعقدا لمدة غير معينة في حالة غياب الكتابة حسب الفصل (629 ق.ل.ع) وهنا يتبين أن عقد كراء العقار يختلف مع عقد كراء المنقول نظرا للأهمية والقيمة التي يحظى ويتميز بها العقار، مما يدفعنا لتساؤل حول الغاية من الكتابة الواردة في الفصل (629 ق.ل.ع) هل هي كتابة انعقاد أم كتابة إثبات؟
ومن خلال تحليل الفصل 629 من ق.ل.ع نخلص أن الكتابة التي تطلبها لانعقاد الكراء هي كتابة إثبات فقط، في الأصل عقد الكراء هو عقد رضائي كما جاء في الفصل 628 وبالتالي فإن الفصل 629 لا يتعارض والمبدأ الموارد في الفصل 628 من ق.ل.ع.
ولطالما طالب رجال القانون في مناسبات عديدة بصدور نص يقر بإلزامية العقد الكتابي من أجل تجاوز مجموعة من المشاكل التي يواجهونها في عقود الكراء الشفوية.
ومن خصائص كذلك عقد الكراء المدني أنه يرد على منفعة شيء منقول أو عقار لا يرتب لاحقا شخصيا لفائدة المكتري مؤداة الانتفاع المؤقت مع واجب رد الشيء في حالته عند انتهاء الكراء فلاحق له في تغييره، وذلك خلافا لعقد البيع الذي يرتب حقا لفائدة المشتري على المبيع سار مالكا لشيء فه التصرف فيه كما يشاء[2].
كذلك عقد الكراء وبخلاف البيع وباقي عقود الملكية الأخرى التي تعتبر من أعمال التصرف، وباعتبار الكراء من عقود الإدارة وليس التصرف فإن المكري والمكتري لا يشترط فيهما سوى أهلية الإدارة، وهي ثابت للشخص حتى وإن قل عمره عن سن الرشد القانوني، ما لم يكن الكراء طويل الأمد فتشترط أهلية التفويت أو أهلية التصرف في المكري[3].
كما أنه عقد الكراء مؤقتة أي رغم أن الكراء عقد مستمر فإنه لا يقوم إلا لوقت محدد ينتهي بانتهاء مدته بقوة القانون (ف 687) ما لم يتم تمديده.
الفصل الأول: كراء الأماكن المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني
خصص المشرع كراء الأماكن المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني بقانون رقم 6-79 الصادر بموجب ظهير 25 دجنبر 1980 والمعدل والمتمم بمقتضى قانون رقم 63.99. والقصد من إصدار ظهير 25 دجنبر 1980 هو محاولة إقامة التوازن بين طرفي عقد الكراء أي بين ما يقدمه المكري من مكان وتجهيزات وما يدفعه المكتري من أجل مقابل انتفاعه بالعين المكتراة، هذا التوازن الذي يحسم في نظر الأستاذ “علم الدين” ضالة المشرع التي يبحث عنها وفي حقيقة الأمر ضاف هذا القانون تجديدا هو تنظيم إفراغ المكتري تنظيما خاصا على نقيض القواعد العامة لقانون الالتزامات والعقود. بالمقابل حفظ هذا القانون 6-76 للمكري حق تحديد الأجرة بالتراضي وخوله حق استرجاع العين المكراة في حالة احتياجه للسكن فيها[4]. لكن سرعان ما لاحت في الأفق عيوب ونقائض أفرزها التطبيق العملي لنصوص القانون رقم 6-76 تجلت في فقدان الثقة بين المكري والمكتري الشيء الذي ترتب عنه اختلال التوازن بين العرض والطلب، لذلك تدخل المشرع من جديد في إصدار القانون رقم 99/63 المعدل والمتمم بموجب القانون 79/6 الخاص بتنظيم العلاقة التعاقدية بين المكري والمكتري للأماكن المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني، كما أصدر أيضا القانون رقم 64.99 المتعلق باستيفاء الوجيبة الكرائية[5].
ومنه سنتناول في هذه الدراسة نطاق تطبيق الظهير 25 دجنبر 1980 (المبحث الأول) والوجيبة الكرائية (المبحث الثاني).
المبحث الأول: نطاق تطبيق ظهير 25 دجنبر 1980
المطلب الأول: أكرية الأماكن التي تدخل في نطاق الظهير
ندرس في هذا المطلب نطاق تطبيق ظهير 25 دجنبر 1980 من حيث عنصر المكان (الفقرة الأولى) تم من حيث عنصر الزمن (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: عنصر المكان
يخضع لقواعد 25 دجنبر 1980 أكرية الأماكن المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني، أينما كان موقعها وكيفما كان تاريخ بنائها أي سواء وجدت هذه الأماكن في المدن أو البادية في الأحياء الجديدة أم في الأحياء القديمة، فتميز هذا القانون بوحدة النص ذلك أنه قبل سنة 1980 كانت الأماكن الواقعة في الأحياء الجديدة خاضعة لقانون 30 يونيو 1955، في حين تبقى الأماكن الموجودة في الأحياء القديمة خاضعة لقواعد العامة، هذا التنوع في القوانين كان يطرح عدة مشاكل لعدم وجود نص واحد ينظم علاقات المكري بالمكترين كما أن هذا التنوع يتسبب في منازعات عديدة بشأن تنوع المعايير المتبعة آنذاك في تحديد الوجيبة الكرائية، وإزاء هذه الأوضاع استقر المشرع على إيجاد قانون 25 دجنبر 1980 الذي يشمل كراء المدن والبادية على حد سواء[6].
الفقرة الثانية: عنصر الزمن
لما كان هذا القانون خاص فإنه غير وقتي، بمعنى أن ظهير 25 دجنبر 1980 لم يصدر لفترة زمنية وقتية محددة ليمحى أثره بزوال العلة التي أوحدته، بل جاء ليحكم العلاقات الحالية والمستقبلية وهو يمثل وضعا مستقرا بالنسبة لهذه العلاقات، وعلى خاصية الاستقرار التي يمتاز بها هذا القانون، فإن المشرع جعله يمتد بأثرين فوري ورجعي ابتداء من دخوله حيز التنفيذ.
- أولا بالنسبة للآثر الفوري: قضى المشرع بأن هذا القانون ينظم العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري ابتداء من دخوله حيز التنفيذ، وهو 21 فبراير 1981 أي تاريخ نشره بالجريدة الرسمية، وانطلاقا من هذا التاريخ يحكم هذا القانون الأكرية التي أبرمت في ظله.
- ثانيا بالنسبة للآثر الرجعي: إن هذا القانون يحكم القضايا التي لم تكن بتاريخ نشره جاهزة للبث فيها، وهذا يعني القضايا التي كان باب المرافعات فيها لازال مفتوحا.
المطلب الثاني: أكرية الأماكن التي تخرج من نطاق هذا القانون
تخرج من نطاق ظهير 25 دجنبر 1980 أكرية مختلفة منها:
- أكرية الأماكن ذات الطابع التجاري: لخضوعها لظهير 24 ماي 1955 وقد أكد المشرع هذا المبدأ في الفصل الأول على أنه “تطبق مقتضيات هذا القانون على أكرية الأماكن المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني والتي ليس لها طابع تجاري أو صناعي أو حرفي..”.
- أكرية الأماكن الخاضعة لتشريع خاص: اكتفى المشرع في الفصل الأول من قانون 25 دجنبر 1980 بتقرير هذا التشريع الخاص، ولم يعطي أي ارتسام عليه، ونستطيع في هذا النطاق تبيان الأكرية التي تخرج من نطاق القانون.
- كراء الأملاك الحبسية: خارج من نطاق قانون 25 دجنبر 1980، رغم أنها أجرت للسكن أو الاستعمال المهني لأنها منظمة بالضوابط الحبسية بتاريخ 21 يوليوز 1913.
أكرية المساكن الشعبية للشركة العقارية المغربية الفرنسية لخضوعها لقانون 1953.
أكرية السكنى القائمة لفائدة العمال في المصانع والأوراش والمناجم وغيرها إذا كان الإسكان يشكل نصيبا في الأجر يتلقاه العامل فإذا انتهت علاقة التبعية بين الأجير والمشغل انتهت علاقة الكراء.
وهكذا يتضح أنه كلما كان كراء السكنى المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني خاضعا لتشريع خاص فإن هذا التشريع هون الذي يسري على قانون 25 دجنبر 1980.
المبحث الثاني: الوجيبة الكرائية
المطلب الأول: تحديد الوجيبة الكرائية
الفقرة الأولى: تحديد الوجيبة الكرائية
تمثل الأجرة ركن خاص في عقد الكراء وهي محل التزام المكتري وتتمثل في المبلغ المالي أو الشيء الذي يلتزم المكتري بدفعه للمكري مقابل انتفاعه بالعين المكتراة خلال المدة المتفق عليها، وباعتبار أن الأجرة تعد ركن من أركان العقد لا يمكن الاتفاق على إسقاطها بين المتعاقدين وإلا اعتبر العقد باطلا بطلانا مطلقا.
والجدير بالذكر أن السومة الكرائية في أغلب الأحيان تكون عبارة عن مبلغ نقدي يلتزم به المكتري اتجاه المكري غير أن ذلك لا يمنع من الاتفاق على مقابل آخر غير النقود، كما جاء في الفصل 633 من ق.ل.ع مادام سوف يقدم بنفس النتيجة
ووجب أن تكون هذه الأجرة محددة ومعلومة لطرفين وفي حالة عدم تحديد المتعاقدين لها إما لإعفائها أو إرجاء الاتفاق عليها أو لوجود صعوبة في إثباتها لا يجعل العقد باطلا أو قابلا للإبطال، ففي هذه الأحوال افترض المشرع في المتعاقدين أنهما قابلان لأجرة المثل الجاري بها العمل في مكان العقد وهذا ما ورد النص عليه صراحة في الفصل 634 ق.ل.ع كما يلي: “إذا لم يحدد المتعاقدان أن الأجرة افترض فيهما أنهما قد قبلا أجرة المثل في مكان العقد، وإذا كانت ثمة تعريفة رسمية افترض في المتعاقدين أهما قد ارتضيا التعاقد على أساسها”.
وبالرجوع إلى مقتضيات الفصلين 628 و 633 من ق.ل.ع نلاحظ بأن المشرع ترك مهمة تحديد الوجيبة الكرائية لطرفين المتعاقدين وهما المكري والمكتري أي أنها تحدد بناء على تراضي الطرفين في العقد وهذا هو المبدأ الذي جاء به المشرع في ق.ل.ع، غير أن هذه الحرية مقيدة بجملة من القيود التي تحد من هذه الحرية وهذا بتوالي المستجدات والمتغيرات التي عرفتها نظم الكراء بمختلف أنواعها، ففي ميدان الكراء السكني والمهني نلاحظ أن المشرع يتمسك بمبدأ حرية التراضي في تحديد الوجيبة الكرائية وهذا ما يؤكده الفصل الثاني من ظهير (2512/1980) الذي جاء فيه بأنه تحدد بتراضي الأطراف وجيبة أكرية الأماكن المعدة للسكنى.
غير أن المشرع لتخفيف من صلابة هذا المبدأ فإنه بادر بإضافة فقرة ثانية تمكن المكتري من المطالبة بمراجعة الوجيبة الكرائية قضائيا خلال ثلاثة أشهر الموالية لإبرام عقد الكراء إذا تبين له أن الوجيبة الكرائية المحدد بالتراضي لا تتناسب بشكل واضح مع المزايا والمنافع التي يوفرها له العقار المكري، ولكن المشرع بإضافته لفقرة ثالثة أبطل مفعول الفقرة الثانية بطريقة ضمنية حيث أوجب على المكتري بأداء تعويض للمكري إذا تبين أن المكتري متعسفا في استعمال هذا الحق[7].
الفقرة الثانية: مضمون الوجيبة الكرائية
إن أجرة الكراء لا تنحصر في المبلعغ النقدي أو ما يعادلها بل أصبحت تشمل بالإضافة إلى ذلك توابع أخرى يتعين على المكتري أن يؤديها.
فقد جاء في الفصل الثالث من ظهير 25/12/1980 ما يلي “يؤدي المكتري علاوة على وجيبة الكراء مقابل إثبات واجبات الخدمات والمواد المتعلقة باستعمال الأماكن المكراة أو تعويضا إجماليا عن التكاليف الكرائية كما هي محددة في النصوص التنظيمية الجاري بها العمل، وفي حالة عدم اتفاق الأطراف يحدد هذا التعويض من طرف القاضي”.
فما المقصود بواجبات الخدمات والمواد المتعلقة باستعمال الأماكن المكراة؟ وماذا يقصد المشرع بالتعاليق أو التكاليف الكرائية المحددة وفق النصوص الجاري بها العمل؟. وهل يمكن اعتبار كلا منهما جزءا من الأجرة التي يتعين على المكتري الوفاء بها للمكري؟
فيما يتعلق بالخدمات والمواد اللازمة للاستعمال الأماكن المكراة فهي غير محصورة وتختلف باختلاف نوعية العلاقة الكرائية فمن غير منطقي تحميل مقابل هذه الخدمات لطرف دون الآخر، فمثلا الأماكن المكراة التي هي عبارة عن شقق متجاورة نلاحظ بأنها لا يمكننا الاستفادة منها إلا بأداء مجموعة من المصاريف المشتركة (كأجرة حارس العمارة، واجبات الإنارة أو المصعد…) التي يشترك فيها المكتري مع الغير في الاستفادة من الخدمات، ونظرا لأن هذه المصاريف تتعلق بالاستهلاك الشخصي فإن المكتري هو الذي يلزم بتحمله هذه المصاريف كأصل عام ما لم يكن هناك اتفاق مخالف[8].
أما بشأن التكاليف الكرائية، نلاحظ أن الفصل 6421 من ق.ل.ع كان واضحا عندما أكد على أن المكري هو الذي يلتزم بدفع الضرائب وغيرها من التكاليف المفروضة على العين المكراة ما لم ينص العقد أو العرف على خلاف ذلك.
ولكن الغالب في الفقه يتجه إلى القول أن المقصود بالتكاليف الكرائية المشار إليه في الفصل الثالث من ظهير 25/12/1980 هو ضريبة النظافة فمن هو الشخص الملزم بتحمل هذا العبء الضريبي؟ وهل يعتبر مقابل هذه الضريبة.
جزءا لا يتجزأ من أجرة الكراء أم لا؟[9]
إن ضريبة النظافة تعد من الضرائب المترتبة عن كل العقارات سواء كانت مبنية أم معدة للاستعمال الشخصي أو مخصصة للكراء المدني أو التجاري، فهي بمثابة مساهمة إجبارية لتمويل نشاط الدولة ومساعدتها على تحمل نفقات نظافة الشوارع والأزقة[10].
وخلاصة القول أن ضريبة النظافة هي مساهمة إلزامية فرضها المشرع على الملاك العقاريين سواء كان هذا العقار معد للكراء أو الاستعمال الشخصي. في الوقت الذي استقر فيه الفقه المغربي على تأييد هذا الرأي جاء القضاء متخذا مسار آخر يقتضي بضرورة تحميل المكتري لهذا الواجب الضريبي استنادا إلى مضمون الفصل الثالث من ظهير 25/12/1980، غير الواضح المعالم وهناك عدة قرارات الصادرة عن المجلس الأعلى التي تأيد هذا الرأي، ونقتصر على قرار المجلس الأعلى المؤرخ في 7/3/1984، الصادر في الملف المدني عدد 96342 الذي أكد بأن ضريبة “النظافة قد يتحملها المكتري لا فرق في ذلك بين المحلات التجارية ومحلات السكنى”.
الفقرة الثالثة: مراجعة الوجيبة الكرائية
بالرغم من الاتفاق النهائي بخصوص الوجيبة الكرائية أثناء مرحلة التعاقد إلا أن ذلك لا يعني ضرورة التمسك بهذه الوجيبة مدا الدهر، فهناك العديد من الحالات التي خول فيها المشرع لكل من المكري أو المكتري أو مهامها إمكانية المطالبة بلمراجعة السومة الكرائية إذا كانت الضرورة أو المصلحة تدعو إلى ذلك وبهذا الصدد نميز بين نوعين من المراجعة هناك المراجعة الاستثنائية لسومة الكرائية التي خولها المشرع لبعض فئات المكتري فالمكري باعتباره الطرف القوي قد يرغم المكتري على قبول سومة كرائية مبالغ فيها، لذلك بادر المشرع إلى تمتيع المكتري بحق مراجعة هذه الوجيبة إذا تبين له أنها لا تتناسب ومجموع المنافع والمزايا التي يوفرها له العقار المكري، وهذا ما أكدته الفقرة الثانية من ظهير 25/12/1980، التي جاء فيها “لكل مكتر الحق في المطالبة بمراجعة الوجيبة…إلخ”[11].
بالغضافة إلى ذلك فقد عمد المشرع المغربي إلى التخفيف من ثقل الوجيبة الكرائية على فئات من مكتري المحلات السكنية ذوي الدخل المحدود، فأصدر في هذا الشأن المرسوم 8/10/1980 بقانون رقم 552-80-2 الذي ينص فصله الأول أنه “يحق لكل شخص أثبت أن مجموع دخله الشهرية الضافية، أيا كان مصدرها ونوعها لا يتجاوز 1300 درهم، أي يسقط الثلث من مبلغ كراء المنزل الذي سكنه فعليا بنفسه”.
هل يمكن اعتبار هذا التخفيف بمثابة نوع من مراجعة للسومة الكرائية أم لا؟ وإذا استفاد المكتري من هذا التخفيض هل يعتبر ذلك مانع له من ممارسة دعوى مراجعة السومة الكرائية حسب ما هو منصوص عليه في القانون 63.99؟
إن هذا التخفيض لا يمكن اعتباره مراجعة للوجيبة الكرائية لأن هذه الأخيرة لا تكون إلا اعتمادا على ضوابط نص عليها المشرع في الفصل 6 من قانون 63.99، سواء اتبع الطرفان المراجعة الاتفاقية أي بالتراضي بينهما أو في حالة المراجعة القضائية باللجوء إلى المحكمة، وبهذا فإن التخفيض الثلث ليس مشار له كضابط في الفصل 6، بل امتياز قانوني أعطاه المشرع لفئة معينة من المجتمع اقتضهم ظروفهم الخاصة، كما أ،ه حتى المبلغ الواجب تخفيضه محدد في بمقتضى مرسوم أي محدد في الثلث.
وعلى هذا الأساس فإنه كلما توفرت الضوابط المنصوص عليها في الفصل 6 سواء تم تخفيض الثلث أم لا، يمكن المطالبة بمراجعة السومة الكرائية[12].
وهذا ما ذهب عليه الرأي الراجح في الفقه المغربي الذي اعتبر تخفيض ثلث الكراء السكني لبعض الفئات على أنه امتياز قانوني قدمه المشرع لبعض المكترين وأن استفادة المكتري من هذا التخفيض لا يمنع من طلب المراجعة الدورية للوجيبة الكرائية ولو لم تمضي على تاريخ استفادته من تخفيض الثلث فترة الثلاث سنوات التي اعتبرها المشرع اللحد الأدنى لقبول طلبات مراجعة الوجيبة الكرائية[13].
أما بخصوص النوع الثاني من المراجعة وهو المراجعة العادية خلافا للمراجعة الاستثنائية التي يستفيد منها المكتري وحده فإن المراجعة العادية حق لكل من المكري والمكتري.
كما جاء في الفصل الخامس من ظهير 25/12/1980 المعدل بمقتضى قانون رقم 63.99 من خلال هذا الفل يتبين أن حق مراجعة السومة الكرائية هو حق لكل من المكري والمكتري فالأول يطالب بالزيادة والثاني بالتخفيض، كما أن المشرع يشترط لكي يتمكن الطرفين من المطالبة بالمراجعة لسومة الكرائية مرور 3 سنوات التي تبتدأ من تاريخ إبرام عقد الكراء، أو بين كل مراجعة كرائية وأخرى، كما أن المشرع جعل مقتضيات الفصل الخامس من النظام العام بحيث ليس هناك مجال لاستبعاد أحكامه بمقتضى اتفاقات مخالفة، لكن يمكن مثلا تمديد مدة 3 سنوات بالاتفاقية بين الطرفين لكن لا يمكن تقصيرها[14].
وجدير بالذكر أن مراجعة السومة الكرائية في ظل الفصل الخامس المعدل مرهون بتوفر شرطين وهما: أن تطرأ تغييرات على المحلات المكراة ثانيا أن تكون التغييرات مؤثرة.
أما الفصل السادس الجديد فقد حدد مجموعة من العناصر التي ينبغي على القاضي اعتبارها عند تحديد الوجيبة المطلوبة مراجعتها زيادة أو نقصانا إذا توفرت الشروط. ولقد حدد المشرع هذه العناصر على سبيل المثال لا الحصر بحيث يمكن للقاضي أثناء تقييمه لها أن يقيس عليها، إلا أنه وغالبا وهذا هو المعمول به في المحاكم فإن القاضي يلجأ إلى إصدار حكم تمهيدي يتم فيه تعيين خبير متخصص توكل له مهمة تقييم هذه العناصر وذلك بالوقوف على عين المكان لتحديد السومة الكرائية الجديدة تستحقها العين المكراة، ويمكن للقاضي ألا يأخذ هذه الخبرة بعين الاعتبار ويستعمل سلطته التقديرية[15].
المطلب الثاني: استيفاء الوجيبة الكرائية
انطلاقا من قراءة القانون رقم 64.99 نلاحظ بأن تحريك إجراءاته تتمثل في إعطاء المبادرة للمكري على مدى مرحلتين هما مرحلة طلب توجيه الإنذار (الفقرة الأولى) ثم مرحلة استمرار الأمر بالتصديق على ذلك الإنذار (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: الإنذار
الإنذار هو تنبيه على المدين بالوفاء ووضعه قانونا في حالة المتأخر عن تنفيذ الالتزام وهو كل تماطل في التنفيذ يستوجب تعويضا وقد يؤدي إلى نسخ العقد، ويقوم هذا الإنذار على أدوار هامة:
دور وقائي: أي …. التي تتمثل في إعطاء المدين فرصة للتخلص من التزامه.
دور تهديدي: ووسيلة ضغط باللجوء إلى القضاء، إذا لم يبادر المكتري إلأى القيام بالتزامه.
دور حمائي: في الحالات التي يكون فيها المكتري صاحب التزامات عديدة وغير مدرك لأجلها كلها[16].
وبالرجوع إلى مقتضيات القانون 64-99 نجد أن المشرع فرض ضرورة توجيه الإنذار إلى المكتري عن طريق مقال إلى رئيس المحكمة الابتدائية مرفقا بموجب عقد رسمي أو عرفي يحمل توقيعها مصادق عليه أو حكما نهائيا يحدد السومة الكرائية، ونظرا لخطورة العواقب الناجمة عن الإنذار فقد اشترط المشرع تحت طائلة عدم فبول مجموعة من البيانات الإلزامية المتمثلة في:
- أسماء الطرفين كما هي مبينة في المساتندات المذكورة في المادة الأولى.
- عنوان المكري.
- عنوان المحل المكري وعند الاقتضاء موطن أو محل إقامة المكتري.
- قدر السومة الكرائية.
- المدة المستحقة، أي المدة التي تخلف فيها المكتري عن أداء مقابل الكراء.
- تضمين الإنذار حق المكري في اللجوء إلى مسطرة المصادقة على الإنذار في حالة عدم الأداء داخل أجل 15 يوما ابتداء من يوم تبليغ الإنذار[17].
الفقرة الثانية: الأمر بالمصادقة على الإنذار والأداء
لقد خول المشرع للسيد رئيس المحكمة المختصة سلطة تقديرية واسعة في قبول طلب التصديق على الإنذار والأمر بالأداء أو في رفض الطلب، وقد تضمنت المادة 5 الأمر بالتصديق على الإنذار والأمر بالأداء داخل أجل 48 ساعة من تسجيله الشيء الذي يؤكد رغبة المشرع في الإسراع بالأداء، إلا أن المادة 8 أعطت للمكتري حق المنازعة أمام محكمة الموضوع التي لها الحق بصفة استثنائية ويكون بذلك المشرع قد سلب الامتياز الذي أعطاه للمكري[18].
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا متى يمكن اعتبار المكتري متماطلا في أداء الكراء؟
فحسب القواعد العامة إذا تأنى المتكري عن تنفيذ التزامه عليا أو جزئيا من غير سبب مقبول (المادة 254 ق.ل.ع) وعليه فعندما يطالب الملك الدائن المكتري المدين بالأداء، ولم يؤدي هذا الأخير ما تخلد بذمته أو لم يقم بأي إجراء للتحلل من الأداء فإنه بذلك يعتبر متماطلا ومخلا بالتزاماته القانونية، فإذا تبث هذا في منظور التشريع والفقه القضائي …………………….إلى العمل القضائي نجد أن المجلس الأعلى في ثبوت التماطل وانتفاعه في أول مرة على صدور أحكام انتهائه بالأداء على المكتري وبقائها بدون تنفيذ وتراجع عن هذا الفرينة، فأكد أن التماطل يثبت بإنذار المكتري بالأداء فيرفض وليس بإقامة دعوى في موضوع أداء الكراء وبذلك يكون المجلس في اجتهاداته المتوالية قد أكد على ضرورة احترام قاعدة الكراء مطلوب لا محمول فمبلغ الكراء يطلب لا يعرض[19] وفي قرار غير منشور للمجلس الأعلى تحت عدد 387 بتاريخ 19.02.1990 ملف مدني عدد5233/88 جاء فيه: “حيث أن القاعدة المشار إليها في المادة 666 هي متوفرة بالفعل في النازلة، ذلك أن المكري حسب ما يتضح من القرار المطعون فيه طالب من المكترية بواسطة إنذار وجهه إليها في نفس الدار موضوع النزاع بأن تؤدي واجبات كراء هذه الدار وأنها توصلت بهذا الإنذار مع الإشعار بالتوصل من دون أن يستجيب له ولم تؤدي ما طلب منها بأداء واجب الكراء[20].
وإذا كان هذا هو باختصار موقف التشريع الحالي والقضاء فإننا نرى أن الإدلاء لا يتطلب مبدئيا أي إنذار ما دام المكري قد أتبث العلاقة الكرائية والسومة وانتفاع المكتري بالعين المكراة، لكن عندما يريد المطالبة بالتعويض والفسخ ومن تم الإفراغ ففي هذه الحالة لابد من الإنذار لإثبات التماطكل الموجب للفسخ.
الفصل الثاني: آثار عقد الكراء وكيفية إنهائه
سنقوم بتقسيم هذا الفصل إلى مبحثين، مبحث أول نتحدث فيه عن التزامات وحقوق طرفي العقد والمبحث الثاني نتناول فيه كيفية إنهاء عقد الكراء.
المبحث الأول: التزامات المكري وحقوق طرفي العقد
المطلب الأول: التزامات المكري
سنتطرق في هذا المطلب إلى ثلاث التزامات ملقاة على عاتق المكري اتجاه المكتري وهي:
الفقرة الأولى: الالتزام بالتسليم
الالتزام بالتسليم: لقد أكد المشرع المغربي على هذا الالتزام من خلال الفصل 636 من ق.ل.ع التي جاء فيها بأن تسليم الشيء المكتري بنظم بمقتضى الأحكام المقررة لتسليم الشيء عقد البيع، وبالرجوع إلى هذه الأحكام المنصوص عليها في عقد البيع نلاحظ أنها تتعلق أساسا بمضمون التسليم وزمانه ومكانه وتحديد من تحمل بالمصرفات المترتبة عنه.
ولقد نص الفصل 637 من قلع على أن مصروفات التسليم على المكري وقضت الفقرة الثانية من نفس الفصل أنه: “لتحمل كل من المتعاقدين مصروفات الحجج التي تسلم له كما بتحمل المكري مصروفات ورفع الشيء للمكتري وتسلمه، وحسب نص الفصل 638 من قلع فإن المكري يلزم بتسليم العين المؤجرة وملحقاتها لذلك بتعين عين توضح هذه الملحقات (المادة 5 من ق 13.08) فعندما يتعلق الأمر بكراء المنازل الفردية سواء كانت في شكل فيلات أو دور مستقلة فإن المكري يكون ملزما بتسليم العين المكتراة وملحقاتها من الحديقة والبئر وغرفة الغسيل، فإذا كانت شقة داخل العمارة بعنبر داخل في عداد ملحقاتها كل الأجزاء المشتركة الضرورية مثل المصعد الكهربائي ولوازم الإنارة والماء والمخصص للاستعمال الجماعي وكذا سطح البناية لنشر الغسيل.. إذ يحق للمكري استبعاد بعض الملحقات في العقد إذا كانت له رغبة في الاحتفاظ بها لنفسه[21].
باعتبار أن الملحقات تعتبر جزءا لا يتجزأ من موضوع التعاقد لذلك فهي يسري عليها ما يسري عليها أصل ما يسري على الأصل من أحكام إ‘مالا لقاعدة تبعية الفرع للأصل[22].
الفقرة الثانية: الالتزام بالصيانة والضمان
الالتزام بالصيانة
يتضح من الفصول (638-639-640-649-645) أن المشرع يميز بين ثلاثة أنواع من الإصلاحات تؤدي إلى صيانة العين المكتراة لنفي الغرض المقصود بالكراء.
الإصلاحات البسيطة: وتقع على المكتري إذا وجدت قاعدة عرفية تلزمه بالوفاء بها أما إذا لم توجد تلك القاعدة فإنها تبقى على المكري ويكون قيامه بها داخل في نطاق تنفيذه للالتزامات بالصيانة وقد بين المشرع ما يدخل في نطاق الإصلاحات البسيطة عندما أعطى أمثلة عليها مثل بلاط الغرف أو الزليج…
الإصلاحات الكبرى: يتحمل المكري الإصلاحات الكبرى لأنها تهم رأس المال المنتفع به والذي أعطي على وجه الكراء فالإصلاحات الكبرى تحفظ العقار وهو في ملك المكري ومن تم وجود السبب في جعل الوفاء لتلك الإصلاحات على صاحب الملك. مثل إصلاح الشقق أو تدعيم الأساسات أو تدعيم الجدران أو أعمال الطلاء أو التلبيس (5/639 ق.ل.ع). وإذا رفض أو تباطئ في ذلك فإن من حق المكتري مراجعة القضاء لحمله على القيام بها. وإلا فبإمكانه القيام بها بعد إذن المحكمة على أساس خصم تلك المصروفات من الوجيبة الكرائية الفصل 6 من ق 13.08.
الإصلاحات المستعجلة: وهذه الإصلاحات وهي في حقيقة الأمر من حقوق المكري فإن قام بها فللحفاظ عن العين المكتراة من التهدم أمن لدرك الخطر المفاجئ بتهددها لذلك يتحملها المكري وله أن يجبر المكتري على تمكينه من إجرائها شريطة أن تكون هذه الإصلاحات مستعجلة وألا يتحمل التأخير إلى نهاية عقد الكراء الفصل 645 ق.ل.ع.
مؤيدات الصيانة: إذا تبث على المكري المطل في إجراء الإصلاحات المكلف بها حقا للمكتري أن يطالبه بالتنفيذ العيني أو أن يستأذن المحكمة في إجرائه بنفسه.
حق طلب التنفيذ العيني: يجوز للمكتري رفعه الدعوى أمام القضاء يطالب فيها المكري بإجراء الإصلاحات التي تقع على عاتقه وفق الفصل 2/638 ق.ل.ع. وفي هذه الحالة تقضي المحكمة بإلزام المكري القيام بها (المادة 11 ق. 13.08)، حيث ورد مثل ذلك في قضاء محكمة الاستئناف بالرباط (إذا كان المكري ملزما ببعض الإصلاحات التي وضعت على عاتقه يمقتضى الفصل 639 ق.ل.ع، فالمكتري من جهته ملزم بالفصل 668 ق.ل.ع بأداء ثمن الكراء لا يمكن المكتري أن يمارس دعواه المتعلقة بعدم الإصلاح إذا لم يتبث أنه عرض الوفاء بالتزاماته هو.
- حق المكتري بإجراء إصلاحات بإذن القضاء:
في هذه الحالة يتم تنفيذ الإصلاحات من طرف المكتري بإذن المحكمة مع خصم نفقاتها منه فيكون القضاء حالا محل المكري في الإذن بإجراء الإصلاحات (المادة 11 من قانون 13.08) ويذهب بعض الفقه إلى أنه (بإمكان المكتري اللجوء إلى القضاء الاستعجالي للمطالبة بالتصريح بالإصلاح شريطة ألا يمس جوهر النزاع) ونفس الرأي أكده المجلس الأعلى بقرار (إذا لا يمكن لقاضي المستعجلات أن يبث في القضايا المتعلقة بالجوهر فإنه مختص بالتدخل في جميع الأحوال التي تمس ممارسة الحقوق والتي تكتسب طابعا استعجاليا)[23].
الالتزام بالضمان: بالإضافة إلا الالتزام بالتسليم والصيانة فإن المكري يلزم أيضا بضمان العين المكتراة وحسب نص الفصل 643 قلع فإن الضمان الملقى على عاتق المكري إزاء المكتري يشمل الأمرين الإثنين:
أولا: الانتفاع بالشيء المكترى وحيازته بلا معارض.
ثانيا: استحقاق الشيء والعيوب التي تشوبه ويثبت هذا الضمان بقوة القانون وإن لم يشترط ولا يحول حسن نية المكري دون قيامه، فما مقصود بكلا الضمانين المنصوص عليهما في الفصل 643 قلع. وما هي نوعية الأحكام الواجبة التطبيق عليها.
الالتزام بضمان التعرض والاستحقاق:
التعرض الصادر من المكري: فالمكري باعتباره الضامن الأول في عقد الكراء يتعين عليه أن يمتنع عن كل الأفعال التي من شأنها التشويش على المكتري أو تهدف إلى حرمانه من المزايا التي عول عليها أثناء التعاقد وما ذلك إلا تأكيد للقول المشهور “من يضمن لاحق أن يعترض”[24] ولا يعتبر تعرضا إقدام المكري على القيام بالترميمات الضرورية الاستعجالية ولو أدى ذلك إلى الإخلال بالانتفاع بالعين المكتراة لأنه يمارس حقا خوله القانون إياه وكل تعرض متفق عليه في عقد الكراء أو حكم به القضاء[25].
والتعرض نوعان: تعرض مادي وتعرض قانوني:
التعرض المادي: المادة 219 من قانون 13.08.
تتخذ التعرضات المادية للمكري أكثر من صورة فهو قد يكون في حرمان المكتري من الاستفادة كليا أو جزئيا من بعض مرافق العين المكتراة كالحديقة والمرآب مثلا، وقد يقبل على إيجاز بعض الأعمال التي من شأنها التصنيف على المكتري والتقليل من حجم المنافع التي كان له الحق فيها بمقتضى العقد أو العرف أو ممارسة عمل حرفي يقلل راحة المكتري[26].
قرار المجلس الأعلى المؤرخ في 2/5/1995 أي التدخل المادي للمكري باعتباره مالك إذا كان مبررا من الناحية القانونية فإنه لا يعتبر من قبيل التعرض المادي الموجب للضمان[27].
التعرض القانوني:
هو الذي يستند فيه المكري إلى إنشاء إلتزام أو وجود حق عيني أو شخصي من شأنه التشويش على المكتري كأن يعمل المكري إلى إنشاء ارتفاق على العقار المكري أو يلجأ إلى إيجار نفس المحل لشخص آخر فيحصل التزاحم على العين المكتراة وقد نص المجلس الأعلى في قرار له على “أنه في حالة التزاحم بين كرائين بكون أحدهما واضعا على العين المكتراة، الأفضلية تكون لهذا الأخير حتى وإن كان لاحقا في التاريخ…”[28].
الأمر الذي يضر بمصلحة المكتري الأول وقد يدعي المؤجر بأنه أصبح مالكا للعين المأجورة التي كانت مملوكة في الأصل لشخص آخر فيعود المكتري بالإفراغ بالاستناد إلى هذا السبب.
التعرض عن اتباع المكري (المادة 9 من 13.08)
حسب الفصل 641/2 قلع يمتد الضمان إلى اتباع المكتري وأفعال الانتفاع التي يجريها المكترين الآخرون أو غيرهم ممن تلقوا الحق عنه فينصرف الضمان من التعرض الصادر من أفراد عائلته أو عن حارس العمارة، بعنبر من اتباع المكري خاصة وأن 645/2 وقلع ولابد لكي تتحقق مسؤولية المكري، أن يقع فعل التابع أثناء أدائه لمهمته أو بسببها، فإذا كان الفعل الذي وقع من التابع لا يدخل في نطاق أدائه لعمله لا يكون المكري مسؤولا عنه مثال ذلك أن يخل حارس العمارة بواجبه فتقع للسرقة في العين المكتراة في هذه الحالة يقع الضمان على المكري.
أما لو بعث المكتري الحارس في مهمة فبدد النقود، فإن المكري لا مسؤولية له عن هذا السلوك الخاص بالتابع.
ضمان المكري لتعرض الغير:
بموجب الفصل 646، 648649 و 650 فرق بين التعرض المادي والصادر من الغير وأعفى المكري من ضمانه وبين التعرض القانوني الذي رتب عليه مسؤولية المكري ولو صدر من شخص يعتبر من الغير، والغير هو كل من لم يكن طرفا في عقد الكراء ويذهب الأستاذ السنهوري إلى التعرض المادي الصادر من الغير كعمل القوة القاهرة.
فالمؤجر لا صلة له به والمستأجر لم يتسبب في وقوعه، ولم يتمكن من دفعه ويؤكد هذا الرأي مضمون المذكرة الإيضاحية للمادة 575 مصري لكن بعض القضاء اقترح حذف المادة 575 لأنها تقرر سببا للفسخ من قبيل القوة القاهرة ونرى أن الفصل 650 قلع الذي بحث تعرض الغير وخول للمكتري في حالة وقوع هذا التعرض إنقاص الكراء قريب من أحكام الجائزة في الشريعة الإسلامية مثال ذلك إنقاص الانتفاع بسبب حرب أو غيره من الحوادث، وأما التعرض القانوني الصادر من الغير فهو مضمون من المكري وذلك واضح في الفصل 645 قلع مثال هذا التعرض إذا ادعى شخص ملكية العين المكتراة أو حق عينيا آخر عليها، فإذا استند الغير إلى حق شخصي لا عيني لم تطبق أحكام الفصل 646 قلع فمتى وقع تعرض قانوني من الغير على المكتري إخطار المكري فورا بذلك (الفصل 648) ويترتب على ذلك أن يبادر المكري إلى دفع التعرض، فإذا نجح وتمكن من ذلك اعتبر منفذ للالتزامه عينيا فإذا فشل في وضع التعرض كان للمكتري أن يطالبه بالضمان، أي ضمان الاستحقاق، والجزاء المترتب عن ذلك هو إما إنقاص الوجيبة الكرائية أو الفسخ متى كان التعرض بالغ الأهمية ويمكن للمكتري أن يشترط على المكتري إعفاءه من الضمان، حيث يعتبر هذا الشرط صحيحا، ملزما للطرفين إلا أن هذا الشرط يبطل إذا تبين أن هناك تدليس للمكري أو إذا ما أجر ملك الغير على علم منه[29].
الالتزام بضمان العيوب
فالمكري ملزم بضمان العين المكتراة حتى تكون صالحة الذي أعده له بطبيعتها أو بمقتضى الإنفاق وبطبيعة الحال فإن هذه الغاية لا تتحقق إلا إذا كانت هذه العين خالية من العيوب الموجبة للضمان حسب ما هو منصوص عليه قانونا وعرفا.
إذن ما هو العيب الموجب للضمان: الإجابة عن هذا السؤال الرجوع إلى الفصول من 654 إلأى 661 من قلع، فمن خلال الفصل 654 يبين لنا أن المشرع قد ردد نفس العبارات التي استعملها أثناء كلامه عن ضمان العيب في عقد البيع الفصل 549 قلع واستفاد من هذه الصياغة أن العيب الموجب للضمان لتعين أكده في معناه الواسع سواء أكان في شكل آفة طارئة مما يخلو منه أصل الفكرة السليمة للشيء أو كان في شكل تخلف للصيغة المشروطة من قبل المكتري أو المكفولة من طرف المكري[30] فالعيب الموجود في العين المكتراة يكون مصونا.
- إذا كان العيب من شأنه أن ينقص من الانتفاع بالعين إلى حد ملموس أو يجعلها غير صالحة لاستعمالها في الغرض الذي أعدت له حسب طبيعتها أو بمقتضى العقد.
- أن يكون العيب خفيا وغير معلوم من المكتري
- أن يكون العيب غير مضمون أيضا إذا اتصل وجود بعلم المكتري أو إذا صرح المكري بوجوده أثناء التعاقد.
مؤيدات الضمان للعيب:
عندما يكون للضمان محل بسبب عيوب المكتري، فإنه يكون للمكتري أن يطلب الفسخ أو إنقاص الكراء، كما يكون له المطالبة بالتعويض في الحالات المذكورة في الفصل 556 قلع، والذي أحال عليه الفصل 656 من نفس القانون، وثمة في القانون المغربي حالة تخول للمكتري دوما طلب فسخ الكراء وهي المنصوص عليها في الفصل 657 ويمكن للمكتري إنقاص الكراء حسب الفصل 655 إذا لم يكن العيب قد بلغ حدا ملموسا أو جعل استعمال الشيء غير مستحيل، ويتم إنقاص الأجرة حسب الفصل 560 المحال عليه وفق 655[31].
المطلب الثاني: التزامات المكتري
يترتب على المكتري أثناء قيام عقد الكراء عدة التزامات تشكل لذاتها حقوق المكري في تلقي الأجرة وحقه في إلزام المكتري بالمحافظة على العين المكتراة أو باستعمالها بدون إساءة أو إفراط.
الفقرة الأولى: الالتزام بأداء الوجيبة الكرائية (المادة 13 من ق 13.08) والحفاظ عليها
تعتبر الأجرة كركن أساسي في عقد الكراء بأن المكتري بتعين عليه أداء هذه الأجرة وفق لما هو منصوص عليه في القانون أو العقد وهناك الكثير من النصوص التشريعية التي تؤكد هذا الالتزام من ذلك ما ورد في الفصل 663 قلع (المادة 13).
فما هي الوسيلة القانونية التي يتم بها تبرئة ذمة المكري في الوفاء بهذا الالتزام إثبات الوجيبة الكرائية.
يمكن للمكتري أن يثبت واقعة الوفاء بالكل الوسائل بما في ذلك الإشهاد، الإقرار والقرائن وإذا كان مبلغ الكراء يتجاوز 10 ألف درهم فيجب إثباته بالكتابة ويعتبر وصل الكراء من أهم الحجج التي يتم إثبات الوفاء بها مرتبا لوجيبة كراء أو غيرها من الأداءات الدورية فإن التوصيل الذي يعطى من غير تحفظ من قسط معين يقوم قرينة على حصول الوفاء بالأقساط المستحقة عن مدد سابقة لتاريخ حصوله” ويذهب الاتجاه الغالب في كل من الفقه والقضاء إلى تفسير القرينة الواردة في الفصل أعلاه بأنها قرينة قاطعة هذا ما تبناه الأستاذ محمد الكشبور وأيضا الأستاذ أحمد عاصم في حين أن الأستاذ محمد أكرام اعتبر هذه القرينة في الفصل 253 قرينة بسيطة ليمكن إثبات أو دحضها بالبينة المعاكسة.
زمان ومكان الوفاء بأجرة الكراء
بالنسبة لزمان أداء أجرة الكراء فإن المشرع كان واضحا عندما أكد في الفصل 664 قلع “أن المكتري يلتزم بدجفع الكراء في ألأجل الذي يحدده العقد فإن لم يحدد العقد لدفعه أجلا التزم المكتري بدفعه في الأجل الذي يحدده العرف المحلي فإن لم يحدده العرف المحلي بدوره أجلا التزم المكتري بدفعه في نهاية الانتفاع”.
نسنتج من الفصل أنه لم يحدد العقد أجلا للأداء الواجبة الكرائية فإنه يرجع إلأى العرف المحلي فإن هو بدوره لم يحدد أجلا للوفاء وقد جرى العرف على الكراء بالمشاهرة قابلة للتجديد لنفس المدة في الميدانين المدني والتجاري كما جرى العرف على كراء غرف الفنادق بالمياومة.
أما بالنسبة إلى العقارات في المكان الذي توجد فيه العين المكتراة وبالنسبة للمنقولات في مكان إبرام العقد ما لم يشترط خلافه الفصل 666 أيي أن الكراء بالنسبة للعقارات مطلوب وليس محمول ولا يعتبر المكتري الذي لم يطلب منه الأجرة في حالة مطل وتعتبر قاعدة الكراء مطلوب لا محمول، من أهم المبادئ القضائية القارة التي أكد بها المجلس الأعلى مضمون الفصل (666 قلع) والذي أصبح يعرف غير أن تفسيره لهذا المبدأ عند حد مطالبة المكري للمكتري بأداء مبلغ الكراء مكان وجود العقار وإنما بثبوت التماطل في هذا الأداء، ولا تثبت حالة التماطل إلا بإنذار المكتري بأداء الكراء فرفض ذلك وهناك كثير من الاجتهادات القضائية التي أكد بها المجلس الأعلى للقضاء تأويل القاعدة السابقة[32] على هذا النحو من ذلك على وجه الخصوص.
قرار المجلس الأعلى عدد 6591 المؤرخ في (23/10/1997) الذي جاء فيه “لكن حيث أنه من جهة فإن الكراء إذا كان مطلوبا لا محمولا فإن المطلوب في النقض طالب الطاعنة بواسطة الإنذار المبلغ لها بأداء ما تخلف بذمتها ومنحها أجلا إلا أنه ظل دون جدوى وأنه لا عبرة للعرض والإيداع الذي يقع خارج الأجل الوارد بالإنذار إذ انه لا يرفع واقعة المطل في حق المكتري”[33]، فإن المجلس الأعلى ظل وفيا لقاعدة أن الكراء مطلوب لا محول المستمد أصلا من الفصل (666 قلع) التي تحدد مكان أداء أجرة الكراء.
التزام المكتري بالحفاظ على العين المكتراة
لا يعتبر موفيا بالتزامه بالحفاظ على العين المكتراة إلا إذا وفى بالأعمال التالية:
- أن يعتني بالعين عناية الشخص الموضوعي المعتاد فلا يهملها ولا يلقيها ولا يعرضها للهلاك، أي أن عناية تقاس بمعيار موضوعي ويترتب على ذلك أنه إذا اكترى شخص منزلا وجب أن يقوم بالإصلاحات البسيطة متى كان العرف المحلي يلزمه بها، وما لم يتفق على أن يتحملها المكري. وهذه الإصلاحات هي التي تجرى لبلاط الغرف وزليجها إذا لم يتكسر منه إلا بعض وحداته وإصلاح الألواح الزجاجية ما لم يكن السبب في كسرها البرد أو طارئ من نوازل القوة القاهرة (الفصل 639 قلع)[34] بالرغم من أن المشرع لمن يحدد في الفصل 674 قلع المدة الزمنية التي يلزم فيها المكتري بإخطار المالك إلا أن مصطلح “بدون أخطاء” الوارد في هذا الفصل يفيد الفترة الزمنية التي لا بطء فيها والتي تكفي لدرء الخطر الذي يهدد المكري في ملكيته[35].
- فإذا أخل المتكري بالتزاماته بالمحافظة على العين المكتراة حق للمكري المطالبة بفسخ العقد فضلا عن طلب التعويض عند الاقتضاء[36]، كما ورد ذلك في الفصل 692 قلع.
الفقرة الثالثة: الاستعمال الأمثل لمنافع العين المكتراة وردها:
أولا: استعمال العين المأجورة وفقا لما تم الاتفاق عليه في غير حالات الإخلال بالنظام العام فإنه يمكن للأطراف عقد الكراء الاتفاق على تحديد نوعية الاستعمال المستهدف ليكون موضوع للمنفعة الكرائية حتى ولو كان مخالفا للاستعمال المألوف بالنسبة للمحلات الممثلة، وقد جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى عدد 1802 المؤرخ في 3/10/1984 “فإن الكراء ينفذ باتفاق الأطراف على نوع الاستعمال الذي سيباشر في العين المكراة[37]، حيث جاء فيه “وحيث يعترف المدعي بكون التجارة المتفق على ممارستها هي بيع الزجاج وحيث أنه يرغب في تغيير ذلك ببيع المأكولات والحلويات فإن الأسباب تدل على أن النزاع حول حق المكتري في إحداث تجارة جديدة أو منعه من ذلك فإن القرار الذي قضى بحق المكتري في تغيير نوع التجارة يكون بذلك خرق القانون”، ففي مثل هذه الأحوال الاتفاقية يتعين على المكتري أن يسفيد بنوعية الاستعمال المنصوص عليه في عقد الكراء وأي خروج على ذلك إلا ويعرض المكتري لتحمل عواقب هذا الخرق، وقد ورد في قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ (17/10/1985) ما يلي: “لكن حيث أ،ه من التابث لدى قضاة الموضوع أن كراء محل النزاع كان مخططا لأغراض إدارية تتمثل في اتخاذه مكتبا للمفتشية الصناعية التقليدية وتعليم الزرابي وخياطة الجلد.
وأن كل هذه المصالح انتقلت إلى مكان آخر وأصبح المحل مستعملا لسكنى الموظفين التابعين لهذه الإدارة وحيث أن المحكمة تكون قد صادفت الصواب عندما اعتبرت الإنذار الموجه للطاعن بناء على ثبوت استعمال الشيء المكتري في غيرها أعد له تطبيقا للفصل 12 من ظهير 25/12/[38]1980.
التزام المكتري باستعمال العين فيما أعدت له
يتحقق الوفاء بالتزاماته باستعمال العين فيما أعدت له، عند السكوت على تحديد نوعية الاستعمال في العقد فإنه يتوجب الرجوع إلى طبيعة البناء المخصص للكراء والظروف التي حصل فيها مثل هذا التعاقد للاستخلاص نوعية الاستعمال الذي يتعين على المكتري التقيد به إذا لا يمكن قبول ادعاء السكنى وسطحي صناعي أو مركب تجاري لكون هذا البناء تتنافى مع طبيعة هذا الاستعمال والعكس صحيح أيضا، وكذلك يتعين على المكتري إلا بتنازل عن العين المكتراة لغيره وألا يوليها له وأن لا يتركها مجرد محل مهجور عرضة للتآكل والقدم بسبب عدم الاستغلال ونظرا لأن حق المكتري ينحصر عادة في عدم إدخال أي تغيير أو تعديل في هيكله العام أو أحد أجزاءه التي يتكون منها، وإذا أقدم عليها من تلقاء نفسه كان ذلك بمثابة إساءة الاستعمال الموجب للفسخ العقد وفق لما هو منصوص عليه في الفصل 692 قلع وكذلك هناك نص خاص في ظهير 25 دجنبر 1980 الذي يؤكد هذا المنع بصورة صريحة ويتعلق الأمر بنص الفصل 12 الذي اعتبر فيه المشرع إدخال التغيير على العين المكراة دون موافقة المكري من أهم حالات إساءة الاستعمال الموجبة لتصحيح الإشعار بالإفراغ[39].
وهذا ما صار عليه المجلس الأعلى في قرار مؤرخ في 3/11/1976 “بأن إخلال المكتري بالتزاماته وتغييره للمحل من حالة لأخرى كاف للإصدار الحكم عليه بالإفراغ[40].
التزام المكتري برد العين المأجورة
باعتبار الكراء عقد مؤقت بطبيعته فإن المكتري ملتزم برد العين المأجورة عند انتهاء مدة الكراء أو الحكم بإنهائه أو فسخه قبل حلول هذا الأجل، وفي كل الأحوال وحتى يكون الرد مقبولا فإنه يتعين احترام ضوابط هذا الرد من حيث التوقيت والطريقة التي يتم بها، إلا أنه غالبا ما نعترض هذا الرد نعطي الصعوبات القانونية والمادية التي تدفع المالك إلى المطالبة قضائيا باسترداد حيازة العقار.
المبحث الثاني: انتهاء عقد الكراء
باعتبار أن عقد الكراء يندرج ضمن زمرة العقود المؤقتة بطبيعتها لذلك فهو ينتهي بانتهاء المدة المحددة له كقاعدة عامة وقد ينتهي قبل هذا التاريخ إذا توفر السبب الموجب لهذا الإنهاء، فبالإضافة للأسباب العامة لانتهاء عقد الإيجار التي تستند إلى انحلال العلاقة العقدية بالفسخ أو الانفساخ متى توافرت شروط ذلك، فإن الكراء السكني والمهني قد ينتهي لأسباب أخرى غير تلك المنصوص عليها في النظرية العامة لانتهاء العقود ولفهم هذه الأسباب فإننا ارتأينا أن نتناولها في مطلبين على التفصيل التالي:
المطلب الأول: انتهاء عقد الكراء وفق القواعد العامة
المطلب الثاني: انتهاء عقد الكراء وفق القواعد الخاصة لإيجار المحلات السكنية والمهنية
المطلب الأول: انتهاء عقد الكراء وفق القواعد العامة
إن عقد الكراء وفقا لتصور المشرع المغربي يتميز أساسا بكونه عقدا ووفقا لنفس الطريقتين تتحدد المدة التي سيستمر خلالها العقد[41]. فينقضي الكراء بقوة القانون عند انتهاء هذه المدة من غير ضرورة لإعطاء بينة بالإدلاء مما لم يقض الاتفاق بغيرلا ذلك[42].
ووفقا للقواعد العامة لانتهاء العقود فإن الكراء قد ينتهي بانتهاء مدته سواء كان متفقا عليها بين الأطراف أو كانت محددة بمقتضى القانون أو العرف وقد ينتهي بتوفر الأسباب الموجبة لفسخ العقد أو انفساخه، فما المقصود بهذه الأسباب العامة لإنهاء عقد الكراء في إطار التشريع المدني المغربي.
الفقرة الأولى: انتهاء عقد الكراء بانتهاء مدته
إذا كان عقد الكراء محدد المدة فهذا يعني أن انتهاء هذا العقار يتم عند انتهاء هذه المدة، أما إذا أغفل المتعاقد أن تحديد مدة الكراء فإنه بحسب الفصل 688 (قلع) يفترض أنه أبرم على أساس السنة أو نصف السنة بين الأطراف[43].
ومما يجب الإشارة إليه إلى أنه وحسب المشروع 08-13 المتعلق بتنظيم العلاقة التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني، فقد ألزم المشرع المغربي المتعاقدين على ضرورة إبرام عقد الكراء كتابة تحدد فيه وجوبا عدة بيانات منها تاريخ إبرام العقد ومدته[44].
أما إذا انتهت مدة العقد، وظل المكتري مع ذلكم واضعا يده على العين دون رضا المكري، فإنه لا يعد مكتريا، وإنما يصبح مغتصبا لا سند له في البقاء بالعين وينبغي الحكم عليه بالإفراغ، بل ويحق للمكري أن يلجأ في تحقيق ذلك إلى قاضي المستعجلات[45].
الفقرة الثانية: عقد الكراء غير محدد المدة
إذا استمر في استعمال العين المكتراة بالرغم من انتهاء أجل الكراء فإن العقد يتحدد بنفس الشروط، ولنفس المدة السابقة، ما لم يبدي المكري اعتراضه بإعطاء المكتري تنبيها بالإخلاء قبل انقضاء المدة المتفق عليها أو المحددة بمقتضى نص في القانون وهو ما يصطلح عليه بالتجدد الضمني[46]. ومن أثار هذا الأخير كون إنشاء العقد، هو إنشاء لعقد جديد مرتب لنفس الأثار، ولنفس المدة[47].
المطلب الثاني: انتهاء عقد الكراء وفق القواعد الخاصة للإيجار المحلات السكنية والمهنية
الفقرة الأولى: الامتداد[48] القانوني لعقد الكراء السكني والمهني وعلاقته بالإنهاء
يكون هذا الامتداد، إما لفائدة المكتري أو لفائدة وارثه الشرعي
أولا: الامتداد لفائدة المكتري
المكتري باعتباره طرفا أساسيا في عقد الكراء السكني والمهني فإنه يعد من أبرز المستفيدين من استمرارية الإيجار إلى أن يتقرر مصير هذا العقد حبيا أو قضائيا سواء كان هذا العقد محدد المدة أم لا وهكذا لم يعد هناك مجال للاحتجاج ضد المكتري بانتهاء أجل الكراء كقرينة تلقائية على الإفراغ، غذ يحق لهذا الأخير الاستمرار في شغل المحل إلى غاية استيفاء مسطرة الإفراغ وتصحيح الإشعار، وبالنظر إلى أن هذا النوع من الامتداد القانوني لعقد الكراء يستمد قوته من إرادة المشرع لذلك فهو يختلف اختلافا كليا عن تجديد العقد بالتراضي سواء حصل هذا التجديد صراحة أو ضمنيا بالرغم من أن الظاهر يوصي بأن الامتداد القانوني لعقد الكراء في إطار مقتضيات الفصلين 8 و 18 من ظهير 25/12/1980 ما هو إلا شكل من أشكال التجديد الضمني لهذا العقد[49].
ثانيا: الامتداد لفائدة الوارث الشرعي
وفقا للقواعد العامة لقواعد الكراء، فإن هذا الأخير لا ينتهي بموت المكري أو المكتري إلا في حالتين اثنتين هما حالة الكراء الذي يبرمه المستحق في ملك محبس، حيث ينفسخ بموته وحالة الكراء الذي يبرمه من يجوز الشيء بموجب قانوني[50]. أما ووفقا لقواعد الخاصة[51] فقد باتت نسبة آثار العقد نسبية من نوع خاص محدود النطاق فقد وضع الفصل 18 من ظهير 25/12/1980 شروطا دقيقة للاستفادة من هذا الامتداد الكرائي تختلف بحسب ما إذا كان الكراء معدا للسكن أو الاستعمال المهني، حيث ينص على أنه يستمر مفعول العقد بدون تحديد المدة لصالح المكتري… يسامر مفعوله أيضا في حالة وفاة المكتري:
- بالنسبة للأماكن المعدة للسكنى لفائدة زوج المالك أو لفروعه أو أصوله الذين كانوا تحت كفالته بصفة قانونية ويعيشون معه فعليا عند وفاته.
- بالنسبة للأماكن المعدة للاستعمال المهني لفائدة الزوج أو أصلوه أو فروعه بشرط أن يستمروا في كممارسة المهنة التي كانت الأماكن المكراة معدة لها[52].
الفقرة الثانية الأسباب الموجبة للإفراغ في الكراء السكني والمهني ومسطرة تحقيقه
أولا: الأسباب الموجبة للإفراغ في الكراء السكني والمهني
عمد قانون 1980 إلى النص تحديدا على مجموعة من الحالات التي يحق للمكري أن يبرر بها طلبه لإنهاء عقد الكراء ويتعلق الأمر بحالة إخلال المكتري بالتزام من الالتزامات التي يحملها إياه العقد، وقد أحال المشرع بخصوص ذلك إلى الفصل 692 من قانون الالتزامات والعقود، بالإضافة إلى خمس حالات أضافتهم المواد 12، 13، 14، 15 من ظهير 25 دجنبر 1980 وهي كالتالي، عدم أداء الوجيبة الكرائية، إساءة استعمال العين المكتراة تولية الكراء والتخلي عنه للغير، الاحتياج للسكن وأخيرا الاضطرار للهدم وإدخال تغييرات هامة عليه.
وبما أنه تم التصرف مسبقا إلى أداء الوجيبة الكرائية وما يمكن أن يترتب عن عدم أدائها فإن دراستها هاهنا ستقتصر فقط على الأسباب الأربعة المتبقية.
- الإفراغ بسبب إساءة استعمال المحل وإهماله هناك عدة نصوص قانونية تفرض على المكتري ضرورة احترام الغاية الكرائية التي حصل التعاقد من أجلها، وقد حدد المشرع المغربي جزاءات مدنية تترتب عن إخلال المكتري بهذا الالتزام، وهذا ما ورد النص عليه في الفصول (687، 692 من نفس القانون)، وكذا الإحالة التي تضمنتها المادة 12 من ظهير 25/12/1980.
ونظرا لأن الإساءة في الاستعمال تندرج ضمن الحالات المحال عليها في الفصل 692 (قلع) بصورة مباشرة أو غير مباشرة باعتماد المنع العام المنصوص عليه في المادة 663 من نفس القانون، فإنه يمكن لهذه الإساءة أن يكون سببا إفراغ المكتري من المحل المأجور إذا لغت حدا من الجسامة الذي يؤدي إلى الأضرار بمصالح المكري أو الغير.د
وأما ما يتعلق بإهمال المحل، فإن المكتري إذا لم يساهم في المحافظة على الشيء المأجور بأ تركه عرضة للإهمال أو لم يبادر إلى إخطار المالك بضرورة التدخل في الوقت المناسب، مقصرا في القيام بواجباته القانونية فإنه بذلك يكون مسؤولا ويلتزم بالتعويض أو الفسخ أو بهما معا.
ويندرج ضمن حالات الإخلال بهذا الالتزام أيضا ترك العين المأجورة بدون استعمال أو ما يسمى بهجر المحل.
وفي هذا الإطار، صدر قرار عن المحكمة الابتدائية بالرباط بتاريخ 9/11/1975، جاء فيه بأن عدم اعتمار المكان من طرف المكتري يبرر اعتبار أن عقد الكراء أصبح مفسوخا[53].
- الإفراغ لتولية الكراء أو التخلي عنه للغير
- التولية أو ما يعرف بالكراء من الباطن هي تلك العملية القانونية التي يلجأ فيها المكتري الأصلي إلى كراء الشيء المأجور لشخص من الغير بمقتضى عقد جديد، فنكون أمام عقدين للكراء، الأول يربط بين المكري والمكتري الأصلي، بينما الثاني يربط هذا الأخير بالغير الذي أصبح بمثابة المكري الفرعي، أما التخلي عن الكراء فيعد من التصرفات التي يتم بها نقل الحق في الكراء من المكتري الأصلي إلى شخص من الغير بمقابل أو على سبيل التبرع[54].
وبالرجوع إلى النصوص التشريعية المنظمة لأحكام التولية والتخلي عن الكراء نلاحظ أن موقف المشرع لم يستقر بخصوصها على وضع ثابت وقار، إذ كانت موافقته تتراوح بين الجواز والمنع، فقد خضع المبدأ المنصوص عليه في الفصل 668 (قلع) لعدة مراجعات تشريعية كان الهدف منها تقييد حرية المكتري في التولية والتخلي بالشكل الذي يضمن حماية المكري من التلاعبات التي كانت تصدر عن بعض الفئات من المكترين.
وقد حدد الفصل 19 من ظهير 25 دجنبر 1980، العناصر الموجبة لإفراغ المحلات السكنية والمهنية للتولية أو التخلي وتتمثل في اعتمار الغير المحل المأجور لأزيد من ثلاثة أشهر[55]، كما أورد حالات استثنائية تجوز بها التولية أو التخلي وهي ثلاث حالات:
- حالة جواز التولية أو التخلي بمقتضى شرط العقد: حيث يمكن لأطراف عقد الكراء في إطار مبدأ سلطات الإرادة الاتفاق على استبعاد حكم المنع المنصوص عليه في الفصل 19 من الظهير، وذلك بإدراج شرط في العقد يبيح للمكتري إمكانية التصرف في حق الكراء بتوليته أو التخلي عنه للغير بمقابل أو على سبيل التبرع.
- حالة الموافقة الصريحة للمكري على قبول التخلي عن الكراء: ما يميز هذه المرحلة عن سابقتها هو أن موافقة المكري على السماح للمكتري بتولية المحل للغير أو التخلي عنه، قد تحصل في الفترة الموالية لإبرام عقد الكراء، وقد تتأخر إلى ما بعد حصول واقعة التولية أو التخلي عن الكراء.
- جواز تولية المحلات المهنية بشرط المحافظة على وحدة الاستعمال: عناية هذا الشرط هو قطع الطريق على المكتري الذي قد يتسبب في تغيير طبيعة الكراء بفعل توليته أو التخلي عنه لفائدة الغير من استعمال مهني إلى استعمال آخر له ارتباط بالسكنى أو ممارسة التجارة مثلا[56].
ومما تجدر الإشارة إليه أن للمكري في الحالة التي تحصل فيها التولية أو التخلي للغير خارج الحالات الثلاث السالفة الذكر، إما أن يمارس دعوى الفسخ والإفراغ للتولية أو التخلي، وإما أن يمارس خيار المطالبة بطرد الغير أمام قاضي المستعجلات[57].
- الإفراغ للاحتياج:
الاحتياج هو تلك الحالة التي يكون فيها المالك أو من يعيش في كنفه أحوج إلى المحل المأجور بسبب تغير ظروفه العائلية أو ممارسته لحق من حقوقه الطبيعية[58].
وقد نص المشرع المغربي في الفصل 14 من ظهير 25 دجنبر 1980 على شروط الاحتياج، حاصرا إياها في أن يكون المحل المطلوب إفراغه ملكا للمكري منذ ثلاث سنوات على الأقل من تاريخ الإشعار بالإفراغ وأن يكون المكري أو أصوله أو فروعه حسب الأحوال لا يشتغلون سكنا في ملكهم وكافيا لحاجياتهم العادية، ولا يشترط توفر الشرطين إذا عرض المكري على المكتري سكنا موازيا للمحل المطلوب إفراغه بنفس الشروط ونفس القيمة الكرائية.
تملك المكري للمحل المأجور لأزيد من ثلاث سنوات من تاريخ الإشعار بالإفراغ.
إن الغاية من اشتراط هذه المدة هو محاربة المضاربات العقارية الكيدية الهادفة إلى إخلاء المكترين بعد فترات وجيزة من تملك العقار المأجور[59] وتعد هذه المدة من النظام العام، بحيث يمكن إثارتها من قبل المحاكم، ومن تلقاء نفسها وضمن كافة مراحل التقاضي، وهذا ما يمكن استخلاصه من القرار الصادر عن المجلس الأعلى الذي ورد فيه “بناء على الفصلين 14 و 25 من القانون المتعلق بكراء محلات السكنى والاستعمال المهني لا تقبل دعوى تصحيح التنبيه بالإفراغ إلا إذا كان المحل المطلوب إفراغه في ملك المكري منذ ثلاث سنوات على الأقل من تاريخ التنبيه بالإفراغ…” ويمكن للأطراف أن يتمسكوا بهذه القاعدة المتعلقة بقبول الدعوى في جميع مراحل التقاضي ويجب على القضاة إثارتها تلقائيا.
أن يكون المحتاج للسكن واحدا من الأشخاص المنصوص عليهم في الفصل 13 من الظهير.
بالرجوع إلى نص الفصل 13 نلاحظ أن المشرع قد عدد الأشخاص الذين حق لهم الاستفادة من طلبات الإفراغ للاحتياج، وهو مكري العقار أو أصلوه أو فروعه المباشرين أو من كان له حق الاستفادة من الوصية الواجبة حسب ما تقتضى به القواعد المنصوص عليها في مدونة الأسرة[60]. وكذلك الشأن فإنه ولقبول طلبات الإفراغ للاحتياج، فإنه يلزم في المستفيد أن يكون محتاجا بالمعنى الفعلي، أي أن لا يكون متوفرا على سكن في ملكه وكافيا لحاجياته العادية، وهكذا فتوفر المكري على محل في ملكيته لا يعد قرينة قاطعة على أنه غير محتاج[61]، كما أن تواجده في ملك آخر على سبيل الكراء لا يعني بالضرورة أنه في حاجة ماسة لاسترداد عقاره المأجور.
أخيرا يمكن القول بأن الاحتياج هو مسألة واقعية، لذلك فإن إثباته يلقى في الأصل على مدعيه ألا وهو المكري الذي يتعين عليه أن يبرهن على احتياجه للمحل المأجور لنفسه، أو لأحد من الأشخاص المنصوص عليهم في الفصل 13، ويمكن الاستدلال بالإشهاد والقرائن، بل والأكثر من ذلك فقد ذهب المجلس الأعلى إلى الأخذ بشهادة اللفيف باعتبارها قرينة قانونية لتأكيد عنصر الاضطرار لاسترداد المحل المأجور بحيث يحق لمحكمة الموضوع أن تقرر في إطار سلطتها التقديرية مدى الأخذ أو عدم الأخذ بهذه الشهادة.
د- الإفراغ للهدم وإدخال التغيير على البناء
ينص الفصل 15 من ظهير 1980 أنه “يتعين تصحيح الإشعار بالإفراغ إذا كان هدم المحل أو إدخال تغييرات هامة ضروريا في هاتين الحالتين يحظى المكتري بالأسبقية للرجوع إلى المحل بعد إصلاحه…”.
وبحسب هذا الفصل فإن الإفراغ للهدم يندرج ضمن الحالات الملزمة للمحاكم التي تفرض عليها ضرورة الاستجابة لطلبات المكرين إذا كانوا مؤازرين بالتراخيص الإدارية والتصاميم المعمارية المبررة للهدم، وهذا ما تؤكده الاجتهادات القضائية بخصوص هذه المادة.
فما يمكن إثارته والحديث عنه، ونحن بصدد الفصل 15، أن مقتضياته لازالت خاضعة لمنطق الإشعار بالإفراغ المنصوص عليه في الفصول 8، 9، 10، 11 من ظهير 1980 وذلك بالرغم مما هو عليه الأمر في الفصل 12 كما أن هذا الفصل هو ذو صياغة معيبة تخلط بين المفاهيم القانونية، تطرح أكثر من علامة استفهام الأمر الذي فتح باب التأويلات أمام كل مختص ومهتم بدراسة هذا الفصل وكذا تطبيقه.
ويشترط للإفراغ وإدخال تعييرات على البناء:
- أن يكون المحل في حاجة للهدم أو إدخال التغيير عليه أثار في الأراء، فيرى بعض الفقه بأن المبنى المطلوب إفراغه بمقتضى أن تكون وضعيته منذرة بخطر وشيك الوقوع بحيث لا مناص مطلقا من إفراغ شاغليه، أما القضاء فقد اعتبر أن الأمر (الضرورة)، لا يخلو من أمرين إما بسبب تلاشي البناء أو تداعيه للانهيار، وغما ضرورة الهدم بسبب الرغبة في توسعة البناء أو تعديله (الضرورة الاقتصادية)، وهذا ما تؤكده القرارات الصادرة في هذا الصدد كالقرار الصادر عن المجلس الأعلى[62]، والذي ورد فيه “بأن الأمر يتعلق في النازلة بالهدم وإعادة البناء، وهو يستلزم الإفراغ بالضرورة وليس لمجرد إضافة أو تغيير البناء، وقد اعتبرت المحكمة عن صواب أنه ليس من الضروري لتبرير هذا الطلب أن تكون وضعية البناء القائم متصدعة”.
- تقديم الدليل على ضرورة الهدم أو إدخال التغيير على البناء.
- لكي يكون طالب المكري مبنيا على أساس صحيح فإنه يتعين عليه تقديم الدليل على ضرورة الهدم أو إدخال تغيير على المحل المأجور، وقد دأبت المحاكم على إلزام المكري بإبراز الوثائق الإدارية المبررة لإنجاز الأشغال المادية لإعادة البناء، ويتعلق الأمر بضرورة الإدلاء برخص البناء والتصاميم المعمارية التي تؤكد حسن نية المكري.
وجدير بالذكر هنا، أنه وفي حالة ثبوت الإفراغ للهدم وإعادة البناء، فإن المشرع منح المكتري امتياز العودة إلى المحل المأجور الذي أفرغ منه أثناء فترة الهدم، وإعادة البناء أو الإصلاح، فحسب نص الفصل 15 فإن المكتري يحظى بالأسبقية، وفي الواقع فإن هذا المصطلح (الأسبقية) يقتصر على حالات الإفراغ للهدم وإعادة البناء التي يضطر فيها المالك إلى إدخال التغييرات الجدرية على شكل البناء، أما بخصوص الحالات التي يقتصر فيها المالك على مجرد الإصلاح وإدخال التغيير، فإنه لا مجال لاستعمال هذا المصطلح الذي يفيد التنافس على المحل المأجور، وإنما الصحيح أن المكتري له حق العودة إلى المحل الذي كان يشغله قبل إصلاحه وإعادة ترميمه[63]. والاستفادة هنا مرهونة بشرط مفاده أن يستعمل المكتري هذا الحق داخل الشهرين المواليين لإشعاره من المكري وإلا سقط حقه.
ثالثا: المسطرة المتبعة لتحقيق الإفراغ
يمكن أن يحصل الإفراغ كنتيجة تترتب على إنهاء عقد الكراء، بأكثر من وسيلة قانونية، فقد يحصل بصورة تلقائية عندما يكون محدد المدة، فيفضل المكتري مغادرة المحل عند حلول الأجل وقد يترتب الإفراغ إعمالا لشرط فاسخ مدرج في العقد، فيمتثل المكتري لمضمون هذا الشرط. أما إذا تعذر على المكري بلوغ هذه النتيجة حبيا لامتناع المكتري من الاستجابة طوعا أو رضاءا، أو كان في واحد من الوضعيات المنصوص عليها في الفصل 692 (ق.ل.ع)والتي يحيلنا عليها الفصل 12 من ظهير 25/12/1980 فإنه لا مناص من سلوك مسطرة الإشعار بالإفراغ التي نص عليها الفصل الثامن من الظهير.
فبالرغم مما ورد في الفصل 12 من الظهير، فإن المكري وبحسب الفصلين 13 و 15 من الظهير لازال ملزما باحترام هذه المسطرة الخاصة بالإشعار، بالنسبة لحالتي الإفراغ للاحتياج والهدم من أجل الإصلاح أو إعادة البناء.
- مضمون الإشعار بالإفراغ: نص الفصل التاسع[64] من ظهير 25/12/1980 على عناصر يترتب عن تخلفها بطلان الإشعار، مما يؤكد أن اشتراط هذه الشكليات في الإنذار بالإفراغ يعد بمثابة ضمانة من الضمانات الهادفة لحماية المكتري.
الشرط الأول: شمول الإشعار بالإفراغ مجموع المحلات المكراة لكافة مرافقها، وقد أثار هذا الشرط بلبلة بخصوص ما إذا كان قصد المشرع هو إلزام المكري بضرورة الإشارة في الإشعار إلى الجزاء التفصيلية المكونة للمحل المراد إفراغه، أم أن المقصود، أم أن المقصود مجرد إلزام المكري باستعمال صيغة عامة يكون الهدف منها تحديد العقار المستهدف بالإفراغ، دون ضرورة لبيان تفاصيل المحل.
وقد صدرت في هذا الشأن عدة قرارات منذ بداية الثمانينات تؤكد الطابع الشكلي لهذا الشرط، إلا أن المجلس الأعلى، تراجع عن ذلك وقال في قرار له[65]، “إن ما يهدف غليه المشرع بمقتضى الفصل هو ضمان المحافظة على وحدة عقد الكراء، وأن عبارة مجموع المحلات الواردة بصيغة الجمع لا تعني قطعا وجوب التنصيص على كل جزء من أجزاء المحل الواحد أو المكتب الواحدأو المكتب الواحد، أو الشفعة الواحدة”.
الشرط الثاني: بيان الأسباب المثارة من طرف المكري: المقصود بهذا الشرط هو أن المكري يتعين عليه أن يسبب إشعاره لواحد من الأسباب المذكورة في ظهير 25/12/1980، وضرورة التقيد بهذا الشرط يعني بأن المكري يتوجب عليه أن يثير أحد الأسباب المذكورة في الظهير لا فرق في ذلك بين الأسباب المرتبطة بخطأ المكتري المنصوص عليها في الفصل 692 أو تلك التي لا علاقة لها بهذا الخطأ كحالتي الإفراغ للاحتياج أو الهدم من أجل إعادة البناء.
الشرط الثالث: الإشارة إلى أجل ثلاثة أشهر على الأقل تم التأكيد على هذا الشرط تحت طائلة البطلان، حتى يتيح للمكتري فرصة تدبر أمره والاستعداد لتقبل النتائج المرتبة عن تصحيح الإشعار بالإفراغ.
- تبليغ الإشعار بالإفراغ: ينص الفصل العاشر من ظهير 1980، على أن الإشهار بالإفراغ يبلغ برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو بإحدى الطرق المنصوص عليها في الفصول 37، 38، 39 من قانون المسطرة المدنية، أو بواسطة الأعوان القضائيين طبقا لمقتضيات القانون رقم 41-80 المتعلق بإحداث هيئة للأعوان القضائيين، ورجوعا إلى مشروع القانون 08-13 نجده ينص على أن المسطرة المدنية فقط، مما يعني حصر وسائل الإشعار وحسم الخلاف الذي كان يقوم حينما يدعي المكتري عدم توصله بالرسالة أو يراوغ في تسلمها[66].
- الجهة المختصة للنظر في دعاوى الإفراغ: يعتبر الفصل 23 من ظهير 1980 (المادة 50 من مشروع قانون 03-13) بمثابة النظام العام الذي يحدد هذا الاختصاص القضائي بإسناده للمحكمة الابتدائية لموقع الأماكن المكراة فنظرا للولاية العامة التي تملكها المحاكم الابتدائية في كل الدعاوى ما لم يتعلق الأمر باستثناء خاص، فإن المشرع كان منطقيا مع نفسه عندما أسند إليها الاختصاص.
خاتمة من خلال هذه الدراسة المتواضعة جدا، خلصنا إلى أن العلاقة الكرائية حساسة في المجال المدني التي تختلط فيها الأهداف الاقتصادية بالأهداف الاجتماعية، فإن التدخلات التشريعية التي حصلت بخصوص هذه العلاقة لم تكن مرضية لطرفي عقد الكراء المدني، وغالبا ما تؤدي إلى تكريس الاصطلاح بين المصالح المتعارضة لطرفي العلاقة الكرائية، ففي الوقت الذي اعتنى فيه الملاك العقاريون بأنهم كانوا ضحية للإصلاح الذي أتى به المشرع بمقتضى ظهير 25/12/1980 فإننا نلاحظ أن الاحتجاجات المضادة من الطرف الآخر، أصبحت في تزايد مستمر إثر صدور القانونين الإصلاحيين، وكذا القانون المتعلق بتعديل الوجيبة الكرائية اعتقادا من المكترين بأن هذا الإصلاح لا يعير أي اهتمام للتوازنات الاجتماعية التي لا يتعين إغفالها في هذا النوع من العلاقات التعاقدية.
وبالتالي نقول بأنه ربما كان حريا بالمشرع المغربي، أن ينظر في إمكانية توحيد القوانين المتعلقة بإكراء بدل تشتيت أحكامه ونصوصه في قوانين مختلفة وذلك في انتظار صدور قراءات من طرف فقهائنا بخصوص المشروع الجديد وما قد يثيره ذلك من دراسة ……….. والغموض.
لائحة المراجع
بلحساني الحسين: “الحناية القانونية، الحماية القانونية لمكتر المحلات السكنية، دراسة مقارنة”، منشورات جامعة محمد الأول، وجدة 1992.
عبد القادر العرعاري: “الوجيز في النظرية العامة العقود المسماة”، الكتاب الثاني (عقد الكراء المدني).
الأستاذ عزيز جبروني: “التعديلات الجديدة لقانون الكراء”، الجزء الثاني، والجزء الأول.
د. محمد الكشبور “الكراء المدني والكراء التجاري”، قراءة في الظهيرين 24 ماي 1955 و 25 دجنبر 1980، دراسة تشريعية وقضائية وفقهية مقارن.
محمد بونبات: “العقود المسماة البيع والكراء”، منشورات كلية مراكش 1992.
[1] -د. محمد الكشبور: “الكراء المدني والكراء التجاري”، ص 20.
[2] – راجع الفصل 87 وما بعده منظهير رجب 1333 ه.
[3] – محمد بونبات: ا”العقود المسماة البيع والكراء”، ص 29.
[4] – بونبات محمد: “العقود المسماة البيع والكراء”، سنة 1992، ص 90، منشورات كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية.
[5] – بونبات محمد: مرجع سابق، ص 91.
[6] – بونبات محمد مرجع سابق، ص 92.
[7] – د. عبد القادر العرعاري: “النظرية العامة للعقود المسماة”، الكتاب الثاني، عقد الكراء المدني، ص 28.
[8] – د. عبد القادر العرعاري: نفس المرجع، ص 30.
[9] – عبد القادر العرعاري: نفس المرجع السابق، ص 31.
[10] – حسين بلحساني: “البيع والكراء وفق القواعد العامة والتشريعات الخاصة”، طبعة سنة 2001.
[11] – عبد القادر العرعاري: نفس المرجع، ص 35.
[12] – الأستاذ عبد العزيز جبر: نفس المرجع، ص 11.
[13] – عبد القادر العرعاري، نفس المرجع، ص 36.
[14] – د. عبد القادر العرعاري، مرجع سابق، ص 39.
[15] – الأستاذ عزيز جبروني: نفس المرجع، الجزء الثاني، رقم الإيداع 2000/37.
[16] – جبروني عزيز: “استيفاء الوجيبة الكرائية”، الجزء الأول، يناير 2000، ص 10-13.
[17] –
[18] –
[19] – جبروني عزيز، مرجع سابق، ص 28-29.
[20] – قرار مجلس الأعلى غير منشور عدد 387، بتاريخ 19/2/1990
[21] – عبد القادر العرعاري: “الوجيز في النظرية العامة للعقود المسماة”، الكتاب الثاني، “عقد الكراء المدني”، طبعة سنة 2002، ص 49-50.
[22] – عبد القادر العرعاري: مرجع سابق، ص 50.
[23] – د. محمد بونبات: “العقود المسامة، البيع والكراء”، منشورات كلية العلوم القانونية والاجتماعيةى والاقتصادية مراكش سنة 1992، ص 55-77.
[24] – عبد القادر العرعاري: مرجع سابق، ص 59-60.
[25] – محمد بونبات: “العقود المسماة البيع والكراء”، مرجع سابق، ص82.
[26] – عبد القادر العرعاري، مرجع سابق، ص 60
[27] – قرار المجلس الأعلى المؤرخ 2/5/1995 في الملف المدني عدد 3269/89 ويتعلق بإقرار المكري على إغلاق المرحاض وإغلاق المذخنة التي كان المكتري يستعملها بمقتضى بنود العقد (القرار غير منشور).
[28] – قرار مجلس الأعلى في 18/5/1992 منشور في مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 46 ص 110
[29] – محمد يونبات: مرجع سابق، ص 79-80-81-82.
[30] – عبد القادر العرعاري: “الوجيز في النظرية العامة للعقود المسماة”، الكتاب الثاني، الكراء المدني، ص 68.
[31] – محمد بونبات: “العقود المسماة البيع والكراء”، مرجع سابق، ص 84-86.
[32] – عبد القادر العرعاري: “الوجيز في النظرية العامة للعقود المسماة البيع والكراء”، مرجع سابق، ص 82-83-85-87.
[33] – القرار منشور في مجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 48، ص 197.
[34] – د. محمد بونيات: “العقود المسماة، البيع والكراء”، مرجع سابق، ص 87-88.
[35] – ذ. عبد القادر العرعاري: مرجع سابق، ص 89.
[36] – محمد بونبات: مرجع سابق، ص 88.
[37] – القرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 35 و 36، ص 84.
[38] – القرار منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 137.
[39] – عبد القادر العرعاري، مرجع سابق، ص 92-93.
[40] – قرار منشور في مجلة المحاماة، ص 140
[41] – الفصل 627 من ظهير الالتزامات والعقود المغربي.
[42] – الفصل 687 من ق.ل.ع.
[43] – د. عبد القادر العرعاري: “الوجيز في النظرية العامة للعقود المسماة”، الكتاب الثاني “عقد الكراء المدني”، ص 100.
[44] – المادة 3 من مشروع القانون 13.08.
[45] – بلحساني الحسين: “الحماية القانونية لمكتري المحخلات السكنية دراسة مقارنة”، الطبعة الأولى 1413 -1992، الصفحة 30.
[46] – وهو ما يعبر عنه بتجديد عقد الكراء، حيث يتجدد في حالة استمرار المكتري في اعتمار المكان بعد انتهاء مدة العقد دون اعتراض من طرف المكري.
[47] – لمزيد من الغيضاح راجع بلحساني الحسين، مرجع سابق، ص 31 و 32 و 33و 34 و 35.
[48] – يقصد بامتداد عقد الكراء انسحابه إلى ما بعد المدة التي عقد لها أو إلى غير أحد الطرفين اللذين أبرماه – عبد العزيز توفيق: “عقدج الكراء في التشريع والقضاء، دراسة تأصيلية”، طبعة ثانية 1996، ص 107.
[49] – عبد القادر العرعاري: مرجع سابق.
[50] – الفصل 698 ق.ل.ع.
[51] – نقصد بذلك ظهير 25/12/1980.
[52] – لاراجع بهذا الخصوص عبد القادر العرعاري، م.س، ص 108 ومايليها.
[53] – عبد القادر العرعاري: م.س، ص 129.
[54] – عبد القادر العرعاري: م.س، ص 154
[55] – المقصود بالغير المنصوص عليه في الفصل 19، هو ما عدا الأشخاص المنصوص عليهم فيالفصل10 من الظهير، بوناء عليه فإن أقراب الدرجة الثانية والثالثة بما في ذلك الأخوة والأصهار والأعمام يعتبرون من الغير الذين تسري عليهم أحكام الفصل 19.
[56] – عبد القادر العرعاري: م.س، ص 160.
[57] -جاء في الفصل 19من القانون 79/6 ما يلي: “…يعتبر المتخلى له أو المكتري من الباطن مثابة محتل بدون حق أو سند، ويمكن للمكري في هذه الحالة أن يلجأ إلى قاضي المستعجلات للمطالبة بإفراغ الأماكن المحتلة عند الأمر بالإفراغ يصبح عقد الكراء الأصلي مفسوخا بقوة القانون…”
[58] -عبد القادر العرعاري: م.س، ص 166.
[59] -عبد القادر العرعاري: م.س، ص 170.
[60] – لمزيد من الإيضاح حول هذه النقطة: راجع بلحساني الحسين “الحماية القانونية لمكتري المحلات السكنية”، م.س، ص 314 وما يليها
[61] – عبد القادر العرعاري: م.س، ص 176.
[62] – قرار غير منشور مؤرخ في 23/09/1987.
[63] – هامش مضمن في كتاب عبد القادر العرعاري، م.س، ص 191.
[64] – ينص الفصل 9 من ظهير 25/10/1980 على أنه: “يتضمن الإشعار بالإفراغ تحت طائلة البطلان:
– شموله لمجموع المحلات المكراة بكافة مرافقتها.
– بيانه للأسباب المشارة من طرف المكري.
الإشارة إلى أجل ثلاثة أشهر على الأقل.
[65] – قرار مؤرخ في 24/4/1985 في الملف المدني عدد 5873 منشور في مجموعة قرارات المجلس الأعلى في ذكراه الأربعين 1997، ص 103.
[66] – ينص الفصل 34 من مشروع القانون 13.08 على أنه: “…يتعين على المكري إخبار المكتري قبل نهاية الإصلاح، أو إعادة البناء بشهرين، وذلك بحسب الكيفيات المشار إليها في المواد 37، 38، 39 من قانون م.م”.