عوارض الدفع وفق التعديلات الجديدة للقانون التجاري الجزائري.
من اعداد: عبداللاوي خديجة باحثة دكتوراه، تخصص قانون الأعمال المقارن، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة تلمسان،الجزائر.
من أهم السندات التجارية التي حققت فعالية واجتذبت اهتماما مستفيضا في الوقت الراهن لدى الفقه ورجال القضاء بلا منازع ورقة الشيك التي عرفت استعمالا مذهلا في الحياة اليومية بين الأشخاص على الرغم من كونه يشكل في عديد من الدول أحد وسائل الدفع المضمونة والتقليدية[1]، حيث شغلت فكر الفقه القانوني الذي رصد لها ترسانة من المواد القانونية، والتي هي عبارة عن تعديلات جاء بها المشرع الجزائري من أجل معالجة حالات عوارض الدفع في الشيك، حيث تتعلق ببعض الإجراءات التي توصف بكونها مدنية ووقائية في آن واحد.
وتجدر الإشارة إلى أنه من بين المشاريع المستحدثة التي جاء بها المشرع الجزائري نظام المقاصة الالكترونية، هذا النظام يسمح بالقيام بكل الأعمال المصرفية بطريقة فعالة وسريعة وتدعيم الحماية المصرفية[2].
هذا ولم يكتف المشرع الجزائري بتوفير الحماية القانونية للشيك في القانون التجاري فقط، بل نجدها أيضا منصوص عليها في قانون العقوبات، وبالتالي يعد الشيك السند الوحيد الذي خصص له المشرع عقوبات جزائية تضمنها قانون العقوبات.
ومن ثم فالضرورات العملية التي صاحبت الشيك دفعت بالمشرع الى سن قواعد قانونية كانت الغاية منها كفل التعامل بخاصيتي السرعة والائتمان،ومن هنا نجد أنفسنا أمام الاشكاليات التالية:
هل استطاع المشرع ضمان مصداقية الشيك كأداة وفاء لا ائتمان من خلال التعديلات الجديدة للقانون التجاري؟. وهل المشرع عالج من خلال تعديل 2005 حالات عوارض الدفع في الشيك؟.
وعليه أمام هذا النوع من الأوراق التجارية والذي يتطلب تضافر جهود المشرع الجزائري ارتأيت تقسيم هذه المداخلة الى قسمين أو محورين: المحور الأول: الأحكام المنظمة لعوارض الدفع في الشيك والمسؤولية القانونية للبنك حيال التعامل بالشيك. المحور الثاني: الحماية الجنائية للشيك.
المحور الأول: الأحكام المنظمة لعوارض الدفع والمسؤولية القانونية للبنك حيال التعامل بالشيك.
سنتناول في هذا المحور عوارض الدفع، كما سنتطرق إلى المسؤولية القانونية للبنك حيال التعامل بالشيك.
أولا: عوارض دفع الشيكات.
بالنسبة لعوارض الدفع فقد نظمها المشرع في المواد من 526 مكرر الى 526 مكرر 16 من خلال التعديل بموجب القانون رقم 05-02 المؤرخ في 06 فبراير 2005 المعدل والمتمم للقانون التجاري الجزائري، ويقصد بعوارض دفع الشيكات تلك الأسباب أو الحالات الواقعة لدى البنوك والمؤسسات المالية المؤهلة قانونا بفتح الأرصدة للأشخاص والتي تحول دون الوفاء الفوري بقيمة الشيك المقدم لديها على أساس عدم وجود رصيد مقابل لقيمة الشيك قائما وقابلا للصرف، أو كان الرصيد أقل من قيمة الشيك المقدم للمسحوب عليه من أجل الوفاء بمبلغه، أو كأن يتدخل الساحب شخصيا ويمنع المسحوب عليه (البنك) من صرفه، هذه الحالات تدخل ضمن ما اصطلح عليه التعديل الجديد للقانون التجاري ” بعوارض الدفع”، كما يمكن أن نقول كذلك موانع الدفع أو الوفاء.
ومن هنا سنتناول الإجراءات الوقائية والحمائية السابقة لحدوث عوارض الدفع، والإجراءات الوقائية والحمائية التي تجرى في مرحلة ما بعد عوارض الدفع.
أ-الإجراءات الوقائية والحمائية السابقة لحدوث عوارض الدفع:
إن المشرع الجزائري قد اتخذ إجراءات وقائية أو حمائية سابقة لحدوث عوارض الدفع، حيث فرض على المؤسسة البنكية وحماية للمتعاملين بالشيكات في الحقل العملي وكذلك تفاديا للوقوع في مشاكل الشيكات بدون رصيد، التزاما عند تسليمها الشيكات الى عملائها دفاعا للمسؤولية عنها، والمتمثل في أنه يجب على البنك وكذا كل الهيئات المالية المؤهلة قانونا قبل تسليمها دفاتر الشيكات الى زبائنها أن تطلع فورا على فهرس مركزية المستحقات غير المدفوعة، والذي يعد نظاما مركزيا حيث يتم فيه تقديم المعلومات من طرف الوسطاء الماليين بكل العوارض والسحوبات التي تتم بدون وجود الرصيد أو عدم كفايته، فيكون على البنوك والمؤسسات المالية أن تطلع على هذا الفهرس قبل أن تقدم على منح شخص الحق في اصدار شيكات عليه[3]. وهذا ما نصت عليه 526 مكرر من القانون التجاري، ومن هنا نشير الى أن المشرع قد اهتم بالعلاقة بين مركزية المستحقات غير المدفوعة والبنوك والهيئات المالية المؤهلة، وبالأخص نوعية الاتصال فيما بينها لجمع المعلومات الخاصة بعوارض الدفع.
أيضا من بين الوسائل والمشاريع المستحدثة التي جاء بها المشرع الجزائري نظام ” المقاصة الالكترونية ” في القانون رقم 05-02 المؤرخ في 06/02/2005 المعدل والمتمم للأمر 75-59 المتضمن القانون التجاري، حيث كان النص القديم ينص على أن : ” تقديم الشيك الى احدى غرف المقاصة يعد بمثابة تقديمه للوفاء “، وأضاف النص الجديد فقرة مفادها أنه يمكن أن يتم التقديم أيضا بأية وسيلة تبادل الكترونية محددة في التشريع والتنظيم المعمول بهما، وهذا ما أشارت اليه المادة 502 فقرة 2 من القانون التجاري.
وطبقا للمادة 526 مكرر 8، فإن بنك الجزائر يقوم بتبليغ المؤسسات المالية والبنوك بقائمة الممنوعين من إصدار الشيكات، ويتعين على المسحوب عليهم الامتناع عن تسليم دفاتر الشيكات لكل شخص مدرج في هذه القائمة، وأن يطلبوا استرجاع نماذج الشيكات التي لم يتم استعمالها بعد من قبل العميل[4].
إن هذا النظام ( نظام المقاصة الالكترونية) يسمح بالقيام بكل الأعمال المصرفية بطريقة فعالة سريعة لأن النشاطات التجارية غير متمسكة بالشكليات[5] خلاف القانون المدني من جهة، ويسمح بجمع المعلومات ومركزيتها من طرف بنك الجزائر وعبر كل الوكالات والمديريات والهيئات المالية وعلى كل المستويات، ومن أهم فوائد هذا النظام أيضا ربح الوقت في طريقة الوفاء عن طريق المقاصة التي كانت تستغرق أياما عديدة من طرف البنك المركزي، الوقاية من عوارض الدفع ومكافحة الجرائم الاقتصادية من تبييض الأموال، والغش والتهرب الضريبي، هذا لسهولة تبادل المعلومات الخاصة في هذا الاطار بين البنوك ودفتها ونقص تكلفتها.
ب-الإجراءات الوقائية والحمائية التي تجرى ما بعد عوارض الدفع:
إن الإجراءات التي تكون بعد الاخلال بأداء قيمة الشيك لعدم وجود مقابل الوفاء أو عدم كفايته هي الأكثر أهمية وتنظيما وتنوعا، فمتى وجدت أحد عوارض الدفع بأن حالت دون دفع قيمة الشيك من طرف المسحوب عليه كما سبق ذكره نكون بصدد جنحة اصدار الشيك بدون رصيد يعاقب عليه قانون العقوبات، إلا أن المشرع من خلال التعديل الجديد نجد أنه قد منح للساحب أجل من أجل تسوية عارض الدفع، من هنا فالمشرع عامل الساحب على أساس أنه مدين بدين عادي يتطلب اجراءات استعجالية لسداده،هذا يعني وقف تحريك الدعوى العمومية الى حين التأكد من حصول التسوية في الآجال المحددة لها.
ومن ثم حسب الإجراءات القانونية المسطرة من خلال النصوص الجديدة وهو ما قررته المادة 526 مكرر 6 ” تباشر المتابعة الجزائية طبقا لأحكام قانون العقوبات، في حالة عدم القيام بتسوية عارض الدفع في الآجال المنصوص عليها في المادتين 526 مكرر 2 و 526 مكرر4″.
وعليه، فالمقصود بتسوية عوارض دفع الشيكات منح امكانية لساحب الشيك بدون رصيد لتكوين رصيد كاف ومتوفر لدى المسحوب عليه من أجل تسوية عارض الدفع، وهذا في آجال وإجراءات قانونية محددة، بحيث يترتب على عدم احترام اجراءات التسوية جزاءات جنائية ومدنية صارمة انطلاقا من تطبيق أحكام المواد 526 مكرر 4 و 526 مكرر 6 من القانون التجاري و374 من قانون العقوبات. وبناء عليه، تكون إجراءات التسوية كالتالي:
– بعد حصول عارض الدفع يقوم البنك المعني بالواقعة بتوجيه أمر بالدفع للساحب يأمره بمقتضاه بأن يقدم له مقابل الوفاء من أجل تسديد قيمة الشيك المسحوب على هذا البنك في أجل لا يتعدى 10 أيام ابتداء من تاريخ توجيه الأمر[6].
– اذا امتثل الساحب بقيمة الشيك للإجراء المبين أعلاه يعفى نهائيا من المسؤولية الجنائية طبقا لمفهوم المخالفة لنص المادة 526 مكرر 6 من ق.ت، أما لو امتنع عن الامتثال للإجراء السابق فانه يصبح من الممنوعين من إصدار الشيكات، وكذلك الحال لو عاد لارتكاب نفس المخالفة خلال 12 شهرا الموالية لعارض الدفع الأول حتى ولو تمت تسويته[7].
– يحق لمن منع من اصدار الشيكات من أن يرد له الاعتبار من جديد عندما يثبت أنه قام بتسديد قيمة الشيك غير المدفوع مع دفع غرامة التبرئة لخزينة الدولة المنصوص عليها في المادة 526 مكرر 05 وذلك في أجل 20 يوم ابتداء من تاريخ أجل الأمر بالدفع، وبالتالي يصبح الأجل الكلي للساحب من أجل تسوية عوارض الدفع هو 30 يوم كحد اقصى.
ومن هنا في حالة الاخلال بإجراءات التسوية نكون أمام جزاءات تأديبية وجزاءات جنائية ومدنية.
- الجزاءات التأديبية:
عند الإخلال بالإجراءات الواردة في المواد 526 مكرر 2 و 526 مكرر 4، يتعرض المخالف لجزاءات تأديبية بقوة القانون، إذ تتمثل في حرمانه من اصدار الشيكات لمدة 5 سنوات ابتداء من تاريخ الأمر بالدفع، فهذه كقاعدة عامة أما الاستثناء فقد قررته المادة 526 مكرر 14 حيث قضت بإمكان صاحب الحساب الذي منع من اصدار الشيكات مخصصة فقط لسحب أموال لدى المسحوب عليه أو اصدار شيكات مخصصة فقط لسحب أموال لدى المسحوب عليه أو اصدار شيكات مصادق عليها.
- الجزاءات الجنائية والمدنية:
تباشر المتابعة الجزائية بتحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة وفقا للإجراءات العادية المعروفة في قانون الإجراءات الجزائية، طبقا للمواد 526 مكرر 6 و 540 و 543 من ق. ت و 374ق.ع.
أما بالنسبة للدعوى المدنية، فقد تطرقت إليها نص المادة 542 فقرة 2 من ق.ت على أنه: ” إذا أقيمت الدعوى الجزائية على الساحب فإن المستفيد من الشيك الذي يدعي بالحق المدني يجوز له المطالبة لدى المحكمة التي تنظر في الدعوى الجنائية بمبلغ يساوي قيمة الشيك زيادة عما له من حق المطالبة بتعويض الضرر عند الاقتضاء على أنه يمكن له حسب اختياره القيام بالمطالبة بدينه لدى المحاكم المدنية”.
ثانيا: المسؤولية القانونية للبنك حيال التعامل بالشيك.
أما بالنسبة للمسؤولية القانونية للبنك، فيقع على عاتق البنوك والمؤسسات المالية المؤهلة قانونا جملة من المسؤوليات القانونية، فضلا عن الرقابة الخاضعة لها بمقتضى قانون النقد والقرض ( 03- 11) وما تضمنه من هيئات رقابة كاللجنة المصرفية ومجلس النقد والقرض، فمن بين هذه المسؤوليات ما يلي:
-على كل مصرف يسلم لدائنه صيغ شيكات بيضاء للدفع بموجبها من خزانته، أن يكتب على كل واحدة منها اسم الشخص الذي سلمت إليه وإلا يعاقب بغرامة قدرها مائة دينار عن كل مخالفة[8].
– يقع على عاتق البنوك والمؤسسات المالية المؤهلة قانونا تحمل مسؤولية تسليم عملائها دفاتر الشيكات قبل الاطلاع الفوري على فهرس مركزية المستحقات غير المدفوعة المتواجد ببنك الجزائر، الذي تم إعداده بموجب المادة 526 مكرر 01 والمادة 526 مكرر 08 والمادة 526 مكرر 09، وذلك عن طريق قيام بنك الجزائر بتبليغ قائمة الممنوعين من إصدار الشيكات إلى البنوك والهيئات المالية المؤهلة قانونا، وبناء عليه يمتنع المسحوب عليه من تسليم دفتر الشيكات لكل شخص مدرج في هذه القائمة، كما يقع على عاتق البنك أو المؤسسة المالية المعنية أن توجه طلبا للساحب الممنوع من إصدار الشيكات بإرجاع نماذج الشيكات التي لم يتم استعمالها بعد من قبل الزبون.
وبناء عليه، ففي جميع الحالات يتحمل البنك أو المؤسسات المالية المعنية مسؤولية بالتضامن مع الساحب بدفع التعويضات المدنية الممنوحة للحامل بسبب عدم الدفع ما لم يبرر البنك احترامه لكل الإجراءات القانونية المطلوبة منه، وبالرغم من ذلك تم اصدار الشيك[9].
أضف إلى ذلك، يتحمل البنك أو المؤسسة المالية المؤهلة قانونا مسؤولية تعمد تعيين مقابل الوفاء أقل من مقابل الوفاء المتوفر لديه، ومن ثم يعاقب بغرامة من 5000 دينار الى 200.000 دينار جزائري[10].
المحور الثاني: الحماية الجنائية للشيك.
إن الأحكام الجزائية المنظمة للشيك الواردة في التشريع الجزائري، المنقسمة بين نصوص القانون التجاري ونصوص قانون العقوبات، قد يتبادر لدى الباحث في هذا المجال، أنه يوجد شيك تجاري وآخر جنائي على أساس أن المشرع عالج حماية الشيك مرتين بين هذين التشريعين، إلا أنه في الحقيقة لا يقصد المشرع من وراء ذلك وجود نوعين من الشيك، بل هو شيك واحد يخضع لأحكام قانونية موحدة، فتعدد المعالجة لهذا الموضوع ما هو إلا من قبيل الزيادة في الضمان والحماية من المشرع، وما يؤكد وحدة القواعد القانونية هو اتجاه المشرع من خلال تعديل 06/02/2005 للقانون التجاري لاسيما نص المادة 09 من هذا التعديل حينما ألغت المادتين 538 و 539 من الأمر 75-59، وقررت استبدال كل احالة الى هاتين المادتين بالإحالة الى المادتين 374 و 375 من قانون العقوبات.
ومن هنا، نرى أن المشرع الجزائري عالج أحكام الشيك بعناية خاصة بأن وضع له حماية قانونية وجزائية خاصة نجدها مجسدة بين نصوص القانون التجاري و نصوص قانون العقوبات، من خلال تنظيمه لجريمة اصدار الشيك بدون رصيد حيث عاقب الساحب على جريمة اصدار ليس له مقابل وفاء،كما عاقب المستفيد أو المظهر الذي يسلم أو يظهر مثل هذا الشيك كشريك في الجريمة المذكورة، و أيضا المسحوب عليه الذي يدلي بتصريح مخالف للحقيقة عن مقابل الوفاء الموجود بذمته حيال مصدر الشيك.
بالإضافة إلى كون المشرع الجزائري قد فرض جزاءات قاسية بحق من يزور أو يزيف الشيكات، وأيضا من يستلم شيكا مزورا أو مزيفا مع علمه به.
أولا: جنحة إصدار الشيك بدون رصيد.
يعد إصدار الشيك بدون رصيد الصورة الأكثر شهرة والأكثر انتشارا لجرائم الاخلال بمقابل الوفاء في الشيك، لهذا قد عنيت معظم التشريعات على تجريم هذا الفعل بموجب قوانينها، ومن هنا يعاقب المشرع الجزائري كل من قام بإصدار الشيك بدون رصيد، وعليه فقد نصت المادة 526 مكرر 6 من القانون رقم 05-02 المؤرخ في 06/02/2005 المعدل والمتمم للقانون التجاري على أنه: ” تباشر المتابعة الجزائية طبقا لأحكام قانون العقوبات في حالة عدم القيام بتسوية عارض الدفع في الآجال المنصوص عليها في المادتين 526 مكرر 2 و 526 مكرر 4 المذكورتين أعلاه، مجتمعة “.
من خلال هذه المادة فإن المتابعة الجزائية المقررة في قانون العقوبات عن جنحة اصدار الشيك بدون رصيد لا تتقرر إلا بعد القيام بإجراءات تسوية عارض الدفع في الآجال المحددة في المادتين 526 مكرر 2 و 526 مكرر 4 من القانون التجاري.
ومن ثم، فالغاية من تقرير اجراءات تسوية عارض الدفع قبل المتابعة الجزائية هو اعطاء الشارع للقاضي سلطة لاستخلاص قرينة عن سوء نية الساحب في إصدار الشيك، إذ يعتبر هذا الأخير سيء النية في نظر القضاء اذا لم يقم بإجراءات التسوية بعد انتهاء المدة المحددة قانونا[11].
وعليه، في حالة عدم القيام بإجراءات التسوية يعاقب المشرع كل من قام بإصدار الشيك بدون رصيد بالحبس من سنة الى خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن قيمة الشيك أو عن قيمة النقص في الرصيد[12]، بالإضافة إلى ذلك فإن العقوبة ذاتها تطبق على تظهير الشيك في نفس هذه الظروف مع العلم بها، وبالتالي فالحكم القانوني لا يختلف بين الاصدار والتظهير في ظروف ينعدم فيها مقابل الوفاء أو يقل عن مبلغ الشيك[13].
وتجدر الإشارة إلى أن جريمة إصدار الشيك بدون رصيد تتطلب لقيامها ركنين أساسيين تتمثل في الركن المادي المتمثل في واقعة اصدار شيك وعدم وجود رصيد كاف يقابله، والركن المعنوي يتمثل في وجود سوء النية عند اصدار الشيك[14].
أ-الركن المادي.
إن الركن المادي لجريمة اصدار الشيك بدون رصيد يقوم بتوافر ثلاث عناصر، اذ تتمثل في:
- أن يكون الفعل المؤثر واردا على شيك مطابق لحكم القانون التجاري: حتى يخضع الشيك محل الجريمة الى جزاء جنائي لا بد أن يكون مستوفيا لجميع الشروط الشكلية والموضوعية، أي مستوفيا لكافة البيانات الالزامية، وعليه فالشيك الذي انتفى منه أحد هذه الشروط لا يستحق الحماية، بمعنى أنه لا يعاقب على سحبه بدون رصيد[15].
- واقعة إصدار الشيك: إن هذا العنصر يشكل الركن المادي الأول لقيام الجريمة، إذ يتمثل في ملأ ورقة مصرفية تتضمن أمرا بالدفع وتكون مشتملة على كافة البيانات الالزامية،ومن ثم فعملية اصدار الشيك برصيد أو بدونه لا تعني تحريره من الساحب بخط يده ولا استفاءه للبيانات، بل يعني أنه يجب أن يؤدي تحرير ورقة الشيك الى تخلي صاحبه عن حيازته طوعا ويسلمه الى المستفيد سواء يدا أو بالوساطة[16].
- انتفاء مقابل وفاء الشيك: إن مقابل الوفاء ليس من عناصر إصدار الشيك، ولكن من عناصر تكوين جريمة إصدار الشيك بدون رصيد، فإذا طرح الشيك للتداول ولم يكن في حساب الساحب المبلغ النقدي لقيمة الشيك تقوم جريمة اصدار الشيك بدون رصيد اتجاه الساحب[17].
أضف إلى ذلك، فإن انتفاء مقابل وفاء الشيك يأخذ أربع صور وهو ما تطرقت اليه المادة 374 من قانون العقوبات، وعليه لقيام جريمة اصدار الشيك بدون رصيد يكفي أن يقع أحدها، هذه الصور تتمثل في:
– إصدار شيك لا يقابله رصيد قائم وقابل للصرف، أو كان الرصيد أقل من قيمة الصرف[18].
– سحب الرصيد كله أو بعضه بعد اصدار الشيك.
– إصدار أمر للمسحوب عليه بعدم الدفع.
– إصدار الشيك وجعله كضمان.
ب- الركن المعنوي:
تعتبر جريمة إصدار الشيك بدون رصيد من الجرائم العمدية، إذ يشترط فيها لتحقق القصد الجرمي توافر سوء النية، وهذا ما نصت عليه صراحة المادة 374 من قانون العقوبات، إذ يعني ذلك توافر شرط العلم والإرادة لدى الفاعل حتى يتحقق الركن المعنوي للجريمة بشأن وجود الرصيد كافيا أو عدم وجود ذلك مع تسليمه طواعية للمستفيد، أو عدم علمه بدفع قيمة الشيك عندما سحب الساحب نقوده من البنك المعني، فسوء النية كافية في اثبات تحقيق الجرم سواء اقترنت بنية الاضرار بالمستفيد أو حقوق الحاملين أم لا.
وفي الأخير، تجدر الإشارة إلى أن المستفيد يعتبر شريكا في جريمة اصدار الشيك بدون رصيد في حالة قبوله بشيك بدون رصيد مع علمه بذلك، وكذلك في حالة قبوله كضمان لدين له على الساحب، وعليه فقد نص المشرع على تجريم مثل هذا السلوك بعد توافر كل من الركن المادي والمعنوي طبقا لنص المادة 374 فقرة 3[19] من قانون العقوبات.
فبالنسبة للركن المادي فيتمثل في القبول والتظهير، كما يشمل فعل جعل الشيك كضمان[20]، أما الركن المعنوي يشترط توافر القصد الجنائي وهو العلم الحقيقي والإرادة.
ثانيا: الجرائم الأخرى الواقعة على الشيك.
بالإضافة إلى جريمة إصدار الشيك بدون رصيد هناك جرائم أخرى واقعة على الشيك والمتمثلة في:
- جريمة النصب:
يستفيد الشيك وساحب الشيك بطريقة قانونية من الحماية الجنائية في المادة 372 من قانون العقوبات، وهذا بتوقيع الجزاء ضد كل من توصل الى استلام الشيك باعتباره مستفيدا أو حاملا له أو أبرئ من التزام عليه عن طريق التعامل بالشيك وتم ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها أو الشروع فيه باستعمال أسماء أو صفات كاذبة أو سلطة خيالية ، أو بإحداث أمل الفوز بأي شيء أو مكسب وهمي.
ومن هنا طبقا لنص المادة 372 من قانون العقوبات تتقرر عقوبة جنحة النصب بالحبس من سنة الى خمس سنوات وقد تصل العقوبة في ظروف التشديد الى 10 سنوات وبغرامة من 500 إلى 20000 دج ، وقد تشدد إلى 200000 دج .
أضف إلى ذلك، يجوز أن يحكم علاوة على ذلك على الجاني بالحرمان من جميع الحقوق الواردة في المادة 14 أو من بعضها وبالمنع من الاقامة وذلك لمدة سنة على الأقل وخمس سنوات على الأكثر[21].
- جريمة خيانة الأمانة:
تتمثل في استلام الجاني المال على وجه الأمانة، حيث يقوم الجاني باختلاس هذا المال أو تبديده واستعماله لنفسه بحيث يكون موضوعها مالا منقولا مملوكا لغير الفاعل ، فطبقا لنص المادة 376 من قانون العقوبات التسليم في عقد الأمانة هو الذي يميزها عن جريمة السرقة، ففي هذه الحالة يكون المستلم للشيكات أمينا وهو ملزم برد الشيكات للشخص الذي ائتمنه على سبيل الوديعة من أجل حفظ هذه الشيك دون طرحها في التداول، حيث يقوم المؤتمن بعدم رد الشيكات لصاحبها وطرحها للتداول.
وعليه يكون المؤتمن مرتكب لجريمة خيانة الأمانة حيث يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر الى ثلاث سنوات وبغرامة من 500 إلى 20000 دج.
ويجوز علاوة على ذلك أن يحكم على الجاني بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة 14 وبالمنع من الاقامة وذلك لمدة سنة على الأقل وخمس سنوات على الأكثر[22].
ج- جرائم السرقة والتزوير:
بالنسبة لجريمة السرقة قد يقوم شخص بسرقة شيك من صاحبه بالقوة رغما عنه وبدون رضاه، فتطبق على هذه الحالة عقوبة السرقة باعتبارها جنحة، حيث يعاقب بالحبس من سنة الى خمس سنوات وبغرامة من 100000 دج إلى 500000 دج[23].
كما يجوز علاوة على ذلك أن يحكم عليه بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة 9 مكرر 1 من قانون العقوبات لمدة سنة على الأقل وخمس سنوات على الأكثر، وبالمنع من الإقامة طبقا للشروط المنصوص عليها في المادتين 12 و13 من قانون العقوبات.
أما بالنسبة لجريمة التزوير واستعمال الشيء المزور الواقعة على الأوراق المصرفية والتجارية فيعاقب مرتكب هذه الجريمة بالحبس من سنة الى خمس سنوات وبغرامة من 500 إلى 20000 دج .
ويجوز علاوة على ذلك أن يحكم على الجاني بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة 14 وبالمنع من الاقامة من سنة الى خمس سنوات على الأكثر[24].
أضف إلى ذلك، يعاقب كل من زور أو زيف شيك، أو كل من قبل استلام شيك مزور أو مزيف مع علمه بذلك بعقوبة الحبس من سنة الى 10 سنوات وبغرامة لا تقل عن قيمة الشيك أو عن قيمة النقص في الرصيد[25].
خاتمة:
من خلال التعديلات الجديدة للقانون التجاري التي جاء بها المشرع الجزائري نلاحظ أنه كان يرمي من وراء ذلك عصرنة طرق التعامل بوسائل الدفع بما يتماشى مع الركب الحضاري، كما كان يهدف من وراء ذلك الإنقاص من حدة وصرامة أنظمة القانون التجاري في مواجهة الساحب، كما أضاف المشرع ضمانات جديدة للتعامل بالشيك ومن بين هذه الضمانات اضافة مسؤولية جديدة تقع على عاتق البنوك.
وفي الأخير يمكن القول أنه على الرغم من هذه التعديلات إلا أنه لابد على المشرع مواصلة إصلاح النظام المصرفي، وتحديث نظام الدفع، خاصة لاعتماده على تطبيق وسائل الدفع التقليدية، وتأخره في تطبيق وسائل الدفع الالكترونية، وذلك في ظل غياب ثقافة مصرفية لدى أفراد المجتمع وعدم الاكتفاء بالمشاريع والإصلاحات التي شرع فيها منذ 2005، ومن ثم حبذا لو أن المشرع يستفيد من التجارب العالمية بخصوص وسائل الدفع خاصة الأمريكية منها، ويعتمد على تكنولوجية المعلومات، فالشيك عند بعض البلدان تدهورت قيمته و أصبح محط النسيان.
[1] – Pierre TRAIMOND, Le rouble entre la crise économique et le risque de système général, L’économie une science pour l’homme et la société, Publications de la Sorbonne, 1998, p 266.
[2] – Nations Unis, Examen de la politique de l’investissement en Algérie, United Nations Publications,New York, 2004, p75
[3] – بلعيساوي محمد الطاهر، الوجيز في شرح الأوراق التجارية، دار هومة، الجزائر، 2008، ص226.
[4] – بلعيساوي محمد الطاهر، المرجع السابق، ص 226.
[5] – Axel de THEUX, Imre Kovalovszky et Nicolas Bernard, Précis de méthodologie juridique : les sources documentaires du Droit, Publications des Facultés universitaires Saint-Louis Bruxelles, 2e édition, 2000, p295.
[6] – المادة 526 مكرر 2 من القانون التجاري.
[7] – المادة 526 مكرر 3 من القانون التجاري.
[8] – المادة 537 فقرة 6 من القانون التجاري.
[9] – المادة 526 مكرر 15 من القانون التجاري.
[10] – المادة 543 من القانون التجاري.
[11] – أغليس بوزيد، منازعات الشيك في القانون الجزائري – دراسة تحليلية على ضوء القانون التجاري وقانون العقوبات-، ص69.
[12] – تنص المادة 374 من قانون العقوبات على أنه: ” يعاقب بالحبس من سنة الى خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن قيمة الشيك أو عن قيمة النقص في الرصيد:
1- كل من أصدر بسوء نية شيكا لا يقابله رصيد قائم وقابل للصرف أو كان الرصيد أقل من قيمة الشيك او قام بسحب الرصيد كله أو بعضه بعد اصدار الشيك أو منع المسحوب عليه من سحبه.
2- كل من قبل أو ظهر شيكا صادرا في الظروف المشار اليها في الفقرة السابقة مع علمه بذلك.
3- كل من أصدر أو قبل أو ظهر شيكا واشترط عدم صرفه فورا بل جعله كضمان”.
[13] – أغليس بوزيد، المرجع السابق، ص 70.
[14] – عبد الرحمن خليفاتي، الحماية القانونية للمتعامل بالشيك في القانون الجزائري المقارن، دار الخلدونية، الطبعة الأولى، الجزائر،2009، ص 91.
[15] -محمود نجيب حسني، جرائم الاعتداء على الأموال، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الثالثة، لبنان، بدون سنة، ص 467.
[16] – عبد العزيز سعد، جرائم الاعتداء على الأموال العامة والخاصة، الطبعة الرابعة، دار هومة، الجزائر، 2007، ص 48.
[17] – خالد بن عبد الرحمن الحسيني، الحماية الاجرائية للشيك في نظام الاجراءات الجزائية السعودي – دراسة تطبيقية-، كلية الدراسات العليا، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض،2011،ص41.
[18] – حسن صادق المرصفاوي،المرصفاوي في جرائم الشيك، منشأة المعارف،الاسكندرية، 2000،ص196.
[19] – تنص المادة 374 فقرة 3 من قانون العقوبات على أنه: ” كل من قبل أو ظهر شيكا صادرا في الظروف المشار اليها في الفقرة السابقة مع علمه بذلك”.
[20] – تنص 374 فقرة 4 من قانون العقوبات على أنه: ” كل من أصدر أو قبل أو ظهر شيكا واشترط عدم صرفه فورا بل جعله كضمان”.
[21] – المادة 372 فقرة 2 من قانون العقوبات.
[22] – المادة 376 فقرة 2 من قانون العقوبات.
[23] – المادة 350 فقرة 1 من قانون العقوبات.
[24] – المادة 219 من قانون العقوبات.
[25] – المادة 375 من قانون العقوبات.