في الواجهةمقالات قانونية

قراءة في النصوص الزجرية لقانون الماء الجديد رقم 36.15

محمد أمين بشري، طالب باحث في القانون والساياسات البيئية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء عين الشق.

قراءة في النصوص الزجرية لقانون الماء الجديد رقم 36.15

محمد أمين بشري، طالب باحث في القانون والساياسات البيئية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء عين الشق.

تقديم:

يعد الماء أحد أبرز النعم التي أنعم الله عز وجل علينا بها، وذلك لأنه أساس الحياة، ويشكل الماء المساحة الأكبر من الكرة الأرضية تقدر بنسبة 71% من مساحتها، وتتشكل بالبحيرات، والبحار، والمحيطات، والأنهار…
ونظرا لأهمية الماء في الحياة، المغرب لحق بركب الدول التي أخدت على عاتقها حماية هذا الموروث الحيوي، وهو ما يتضح من خلال سنها لمجموعة من التشريعات التي تحمي الماء، وكان أبرزها قانون الماء رقم 10.95(1) والذي ثم نسخه بمقتضى القانون الجديد رقم 36.15(2)
وبالتالي السؤال المطروح هنا بخصوص هذا القانون الجديد، وبناءا على الأهداف والمبادئ المكرسة فيه ، هل هذه المبادئ كافية  من أجل تحقيق حماية  للملك العموم المائي ؟ً وهل هناك قواعد الوقاية وإذا كانت هل هي  كافية؟ وهل النصوص الزجرية المقرة في هذا القانون كافية لحماية جنائية للملك العمومي المائي؟

هذه الأسئلة وبعضها سيتم الإجابة عنها من خلال هذه القراءة المتأنية، والتي سأعالج من خلالها بعض الأمور التي تتطلب أولا معرفة السياق الذي أتت فيه من حيث الشكل على اعتبار أن هناك بعض الأخطاء الشكلية، ثانيا التركيز على السياق العقابي الذي سلكه المشرع لردع كل من خالف مقتضيات هذا القانون،  بمعنى هل العقوبات الواردة في هذا القانون سواء الجزاءات الإدارة  وكذلك العقوبات الجنائية  كافية  للحفاظ على الملك العمومي المائي ؟

حيث أن القراءة المتأنية لمضامين هذا القانون أدت إلى تبيان أهدافه المحددة في المادة الأولى، والمتمثلة في تحديد قواعد التدبير المندمج واللامركزي والتشاركي للموارد المائية،  كضمان حق المواطنين  والمواطنات في الحصول على الماء واستعماله بشكل معقلن ومستدام إلى غير ذلك من الغايات الأخرى.

أما مادته الثانية فأكدت على قيام هذا القانون وارتكازه على الملكية العامة للماء مع تيسير حصول المواطنات والمواطنين على قدم المساواة على الماء والعيش في بيئة سليمة إلى غير ذلك من المقومات الأخرى الواردة في المادة المذكورة.

واللافت أن مضامين قانون الماء الجديد ، قد حملت في طياتها كثرت الإحالة على النصوص التنظيمية، دون تحديد أي أجال لصدورها، علما أن التوجه التشريعي للمملكة وفي سياق تجويد المنظومة القانونية ، أضحت محتويات النصوص القانونية  تحدد أجال معينة  لصدور النصوص التطبيقية ، ذلك أن المادة 162 من هذا القانون قد جعلت النصوص التطبيقية للقانون القديم، رقم 10.95 سارية العمل إلى حين صدور النصوص التطبيقية للقانون الجديد ، مما يجعل من مقتضيات هذا الأخير غير منسجمة مع الأدبيات المتعارف عليها في تجويد وصياغة النصوص التطبيقية.

في غياب هذه النصوص سيؤدي إلى تجميد مجموعة من المواد التي تشكل الضمانة الأساسية التي تقود إلى تحقيق أهداف ومبتغى هذا القانون الجديد.

 

أولا: قراءة نقدية في النصوص الزجرية لهذا القانون.

    سأتطرق إلى المقتضيات الزجرية التي أتى بها هذا القانون وأحاول الإجابة عن السؤال الذي سبق طرحه، ونرى هل هذه المقتضيات العقابية تنصب إلى معاقبة كل من يتجاوز ويستعمل الملك العمومي المائي بشكل غير عقلاني؟ أم أنها مجرد وسيلة لعقاب كل من لم يحترم الشروط التي تتطلبها الإدارة؟ ( إجراءات نظام الترخيص وكذلك نظام الامتياز).

   نظم المشرع المغربي العقوبات في الفرع الثاني، أي في أخر هذا القانون، في سبعة عشر مادة، موزعة بين ما هو عقوبة جنائية وجزاء إداري يكون من اختصاص الإدارة، وهو ما سنحلله ونحاول أن نفكك هذه المواد حتى نفهم قصد المشرع من ما ثم وضعه.

والسؤال الذي يطرح هنا لماذا اعتمد المشرع المغربي هذه الصياغة ؟ أي أنه جعل هذه المقتضيات العقابية هي الّأخيرة بدل دمجها في أخر كل مادة تتضمن للمخالفة.

الجواب هو أن قانون الماء 36.15 هو قانون يؤطر وليس يجرم، والمقتضيات الزجرية هي جزء من هذا القانون.

   إذا قمنا بتفكيك هذه المواد، نجد أن عملية ترتيب هذه النصوص أتت غير متوازنة، على اعتبار أن هناك تداخل بين العقوبات الجنائية مع الجزاءات الإدارية التي تطبقها الإدارة، فإذا قمنا بعملية حسابية نجد أن هناك أربعة مواد تتضمن جزاءات إدارية أتت متداخلة مع باقي المواد التي تتضمن العقوبات الجنائية.

وإذا أردنا أن نحصي عدد الأفعال المجرمة، نجدها شديدة التنوع وكثيرة العدد، وأن النظام الجزائي العقابي الذي خصص لها يتسم بعدم الانسجام، وأن العلة التي أنيط بها التجريم هي علة عدم احترام  نظام الترخيص ونظام الامتياز وبالتالي عدم الانضباط  للضوابط الإدارية،  وبوجه عام الملك العمومي المائي لم يتم العناية به خلال عملية التجريم، وهو ما سنراه من خلال بعض المواد.

   نبدأ أولا بالجزاء الذي توقعه الإدارة ، فعند الرجوع إلى المادة 141 من هذا القانون يتضح أنها تتحدث عن تدخل مباشر للإدارة وعن جزاءات توقعها الإدارة وبالتالي فالأفعال لم يتم تجريمها طبق لهذه المادة وبعض المواد الأخرى  بمقتضى آليات  القانون الجنائي، وإنما ثم النص عليها باعتبارها مجرد مخالفات إدارية، تتكفل الإدارة بمعالجتها باستعمال آليات ذات طابع إداري محض.

نص المادة 141 يقول  “يؤدي استخراج مواد البناء المشار إليها في المادة 28 أعلاه بدون ترخيص إلى قيام المخالف بأداء غرامة تقدر ب500 درهم عن كل متر مكعب من المواد المستخرجة”.

هذه عملية خاضعة لنظام الترخيص وحسب المادة 28 الفقرة 10 منها، “يجب من أجل انجاز تجويفات بالملك العمومي المائي كيفما كان طبيعتها لا سيما استخراج مواد البناء من مسيل مجاري المياه شريطة أن لا تتعدى مدة الاستخراج سنة واحدة مع مراعاة القانون المتعلق بالمقالع” هذه هي الصيغة التي كان يجب وضع بها الفقرة الأخيرة من هذه المادة، وليس كما ورد في المادة ومراعاة…….

وبالتالي إذا تجاوز سنة سنكون أمام نظام الامتياز، إذن من لم يحصل على ترخيص يعتبر مرتكب لمخالفة وجزاء المخالفة نص عليها المشرع في المادة 141، بفرض غرامة متناسبة مع حجم المواد المستخلصة، غرامة بقدر 500 درهم عن كل متر مكعب من المواد المستخرجة، هذا يشبه أيضا العقوبة الواردة في القانون الجنائي، والتي تعاقب بالنسبة لسرقة الرمال بدون تراخيص حسب الفصل 517 من القانون الجنائي المغربي(3).

المشرع عبر عنها بسرقة ولو أنها ليست بسرقة، ومع ذلك وصفها بسرقة وعاقب عليها بعقوبة جنائية، ولكن جعلها في الفصل 141 جزاء إداريا.

نلاحظ من خلال مقارنة المادة 141 مع الفقرة العاشرة من المادة 28 من هذا القانون، اختلاف في الصياغة، كان من الأفضل أن تأتي الصياغة بنفس ما ورد في الفقرة العاشرة من المادة 28، لان المادة 141 حصرت المخالفة في استخراج مواد البناء.

هذه المادة لم تعبر في بدايتها على أن الأمر يتعلق فقط بمخالفة إدارية، ولكن في الفقرة الثانية، يأتي  تحديد الجهة التي يخول لها في تقدير قيمة المبلغ وحجم المواد المستخرجة، هذه الغرامة تقدر من وكالة الحوض المائي، فلو كانت غرامة جنائية لكان النطق بها من مصلحة القضاء، وتقدير الغرامة وعملية استفتائها من اختصاص الإدارة ( وكالة الحوض المائي)، وبمقتضى أوامر التحصيل ( تقوم بها الإدارة من أجل تحصيل مستحقاتها تبعا للمسطرة المتبعة في مدونة تحصيل الديون العمومية4) هو إجراء إداري، وتبلغه بالطرق التي أتاها لها مدونة تحصيل الديون العمومية، ولأجل إيقاف تحصيل هذه الديون يجب سلوك  مساطر معقدة تتم أمام القضاء الإداري ومتابعة هذا الإجراء تتم عبر مسطرة إدارية، وبالتالي فتح  المشرع الباب أمام الإدارة لتتصرف بشكل مباشر.

من خلال المادة السالفة الذكر لم يتم توضيح المسطرة من أولها إلى أخرها، إلا أن في الفقرة الثانية حددت هذه المادة الأجهزة التي تتكلف بإعداد محاضر المعاينات من طرف الأعوان المكلفين بشرطة المياه.

هذه المحاضر تحال إلى الإدارة التي يتبعون لها الأعوان المكلفون بذلك، إذن هنا جزاء إداري بعد ذلك توجه الإدارة المحاضر إلى النيابة العامة المختصة داخل أجل عشر (10) أيام عمل ابتداء من تاريخ معاينة المخالفة(5)، هنا نصبح أمام عقوبتين، تصدران في فعل واحد، ونصبح في حالة خرق واضح لمبدأ « لا يعاقب الفعل الواحد مرتين(6)»  هناك عقوبة تسهر عليها الإدارة، ونفس الفعل يخضع للمسطرة الجنائية، والمستفيد هو خزانة الدولة.

نبقى في المادة 28 من هذا القانون، وبالضبط الفقرة التاسعة منها نجدها تنص على ما يلي « كحث أو تعميق أو توسيع أو تنظيم أو تحويل مجاري المياه المؤقتة أو الدائمة ».

ونقارنها مع الفقرة العاشرة من هذه المادة التي جاء فيها « أنجاز تجويفات بالملك العمومي المائي كيفما كانت طبيعتها لا سيما استخراج مواد البناء من مسيل…».

وبالتالي ما الفرق بين عملية الكحت والتعميق وبين استخراج أو انجاز تجويفات بالملك العمومي المائي، بمعنى هي نفسها إذن الفقرة 9 والفقرة 10 من المادة 28 كان من اللازم ضمهما.

   وبالرجوع إلى نص المادة 139 من هذا القانون، وبالضبط في فقرتها الثانية، نجد أن المشرع قدر أن أداء غرامة بين 500 إلى 2500 درهم هو اعتداء على حقوق فردية، ويحتاج من أجل نزاهة هذه العقوبة إلى تدخل قضائي، فلماذا عادت المادة 141 وفتحت الباب أمام تدخل في الحقوق المالية للأشخاص عبر غرامات، لكن مباشرة عن طريق الإدارة ومن دون تدخل القضاء، (فشخص عمل على إزالة أي غرس أو أي مزروعات بالملك العمومي المائي نعاقبه ب500 إلى 2500 درهم )، ويجب أن يتدخل القاضي، في حين (جاء شخص سرق واستخرج…) العقوبة هي جزاء إداري حسب المادة 141، فما الداعي إلى كل هذا التمييز؟.

وقال المشرع في أخر هذه المادة ( 139)، « يمكن في حالة العود أن تضاعف العقوبة المحكوم بها على المخالف».

ثانيا: الأركان اللازمة لتحقق الجريمة البيئية في هذا القانون:

الجريمة هي عمل أو امتناع عن عمل مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه، ويتوقف وجود الجريمة على توفر ثلاثة أركان أساسية تسمى بالأركان العامة للجريمة وهي:

  • الركن القانوني.
  • الركن المادي.
  • الركن المعنوي.

 وبالرجوع إلى هذا القانون، يلاحظ بأن ليس هناك إشكال في الركن القانون، على اعتبار أن النص القانوني هو الذي يحدد نوع الجريمة والعقوبة المطبقة عليها، والنص القانوني هو الوارد في هذا القانون، كذلك بالنسبة للركن المادي المتمثل في النشاط المادي المجسد للفعل الإجرامي وهو الوارد في هذا القانون وواضح، ولكن الإشكال يبقى في الركن المعنوي الذي هو عبارة عن نية داخلية أو باطنية يضمرها الجاني في نفسه، والذي يتخذ صورتين أساسيتين:

  • صورة الخطأ العمدي ( القصد الجنائي).
  • صورة الخطأ غير العمدي ( الإهمال أو عدم الحيطة).

 

والسؤال المطروح هنا هل في قانون الماء يعاقب الأشخاص عند مخالفتهم للنصوص الواردة في هذا القانون، بقصد أم عن غير قصد؟

بالرجوع إلى العقوبات الواردة في هذا القانون، فالمشرع المغربي أغفل هذه المسألة المتعلقة بالركن المعنوي ولم يحددها بشكل مفصل وواضح، إلا في مادتين، وهما المادة 144و145 من هذا القانون بحيث أن المادة 144 وفي الفقرة 3 أشارت إلى “الحيازة بغرض البيع أو العرض للبيع أو البيع عن قصد  تحت اسم معين لماء ليس له الأصل المشار إليه”.

كذلك ما أشارت إليه المادة 145، حيث جاء فيها ” يعاقب بالحبس من شهر إلى 3 أشهر وبغرامة من 1000 إلى 5000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من عمد إلى جلب مياه…”

الملاحظ في هذا القانون أنه باستثناء المواد السابقة لم يشر إلى مسألة الركن المعنوي، ولو أن هذا الأخير يشكل العنصر الأهم الذي على أساسه تقوم الجريمة.

ثالثا: الأجهزة المختصة بمعاينة مخالفات هذا القانون.

بخصوص أعوان شرطة المياه وبالرجوع إلى الباب الحادي عشر المعنون “بشرطة المياه_ المخالفات والعقوبات“، أشار إلى هذا الجهاز المكلف بمعاينة المخالفات لمقتضيات هذا القانون، علاوة على ضباط الشرطة القضائية المشار إليهم في القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية(7).

وتحدد شروط وكيفيات تعيين هؤلاء الأعوان ومزاولتهم لمهامهم بنص تنظيمي والى حين صدور هذا النص، فتم تنزيل هذه الأجهزة لتقوم بالمهام الموكولة إليها بمقتضى هذا القانون، فالتنصيص القانوني على شرطة المياه ليس حديثا، بل تمت الإشارة إليه في قانون الماء لعام 1995 (10.95).

 سلطت كتابة الدولة المكلفة بالماء الضوء صباح يوم الأربعاء 20 دجنبر 2017 بمقرها بالرباط على هذا الجهاز الجديد، الذي أنبطت به مهام الحفاظ على الملك العام المائي وحمايته من الاستعمالات غير القانونية  وغير المرَشدة، وتم إشراك جهاز النيابة العامة، من أجل الإحساس بخطورة هدر المياه والاستعمال الغير العقلاني للماء.

 فيجب عدم الخلط بين الاختصاصات الموكلة إلى أجهزة الشرطة القضائية التي لها اختصاص عام، مع اختصاصات شرطة المياه، فمثلا (استدعاء الشخص أو إحضاره من أجل الاستماع إليه، ليس من صلاحيات شرطة المياه)، على اعتبار أن هذا من اختصاصات الشرطة القضائية (العامة)، التي يمارسونها في إطار المسطرة الجنائية.

شرطة المياه اختصاصاتها هي معاينة المخالفات المحددة في قانون الماء 36.16 ، عبر إعداد محاضر وبتلقي التصريحات ( التلقي يجب أن يفهم على أنه ليس هو الاستماع أو الاستنطاق الوارد في المسطرة الجنائية، لان ذلك ليس من اختصاصاتهم)(8) 

وإذا أرادت القيام بهذه الاختصاصات يجب أن يخول لها القانون صلاحية ذلك، فهم ممنوع عليهم مجموعة من الصلاحيات التي هي من اختصاص الشرطة القضائية، من قبيل:

  • الاستماع إلى الأشخاص.
  • القيام بعملية الاستنطاق.
  • القيام بعملية التفتيش ( تفتيش المنازل) ولو في الساعات القانونية(9)

 

رابعا: دور النيابة العامة في تحريك المتابعة:

طبقا لمقتضيات المادة الثانية من القانون رقم 22.01 بشأن قانون المسطرة الجنائية فإنه «يترتب عن كل جريمة الحق في إقامة دعوى عمومية لتطبيق العقوبات، والحق في إقامة دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي تسببت فيه الجريمة».

وفي الجرائم البيئة فإن تحريك الدعوى العمومية، وإن كان الأصل أن يتم بكيفية رئيسية من قبل النيابة العامة، فإن المشرع خول لبعض الجهات الأخرى الحق في إقامتها، كالهيئات الإدارية المكلفة بحماية البيئة، مثل قطاع المياه والغابات، وشرطة المياه المنصوص عيها في قانون الماء 36.15، وكذا المتضرر من الجريمة البيئية، بتقديم شكاية إلى قاضي التحقيق منتصبا كمطالب بالحق المدني عما أصابه من ضرر عن الجريمة المرتكبة، وفقا لما هو منصوص عليه في المادة 54 من قانون المسطرة الجنائية، أو بتقديمها مباشرة إلى وكيل الملك عملا بمقتضيات المادة 40 من نفس القانون.

فعلى مستوى الواقع العملي نجد النيابة العامة قليلا ما تميل إلى تحريك المتابعات الجنائية في المخالفات البيئية، إذ يقتصر عملها فقط على تحليل تقرير الجنحة التي يتم إحالته عليها من طرف الأعوان المكلفين بذلك، حيث تقوم النيابة العامة بعد ذلك بتكييف الواقعة وتحديد وصف الجنحة المثبتة، ومكان تحقيقها بكيفية واضحة.

فعندما قام بوظائفه ومارس صلاحياته التي حددها له المشرع في الباب الحادي عشر، ضمن نتائجها في محاضر، وما سوف يقدم أمام المحاكم هو تلك المحاضر، إذن ما هي القيمة التي أصبغت على هذه المحاضر من الناحية القانونية في تدبير المسطرة أمام المحاكم؟.

فأعوان شرطة المياه هم جزء من الشرطة القضائية والمسؤول على الشرطة القضائية هي النيابة العامة، فما هي طبيعة العلاقة بين الأعوان والنيابة العامة ؟ هل هناك من علاقة مباشرة أم أنهم يقدمون تقاريرهم والمحاضر التي ينجزونها  إلى الإدارة التي يتبعون إليها.

فبالرجوع إلى مقتضيات المادة 135 من هذا القانون يتضح بأن المحاضر يتم تقديمها إلى النيابة العامة من قبل الإدارة ووكالات الأحواض المائية والمؤسسات العمومية الأخرى المعنية، التابع إليها الأعوان المكلفين بشرطة المياه، وبالتالي فالأعوان يقدمون المحاضر إلى الإدارة التابعين إليها، وهذه الأخيرة هي التي تقدم تلك المحاضر إلى النيابة العامة، داخل الأجل المنصوص عليه في مقتضيات المادة 135 من هذا القانون ، والمتمثل في عشرة (10) أيام ابتداء من تاريخ معاينة المخالفة.

فالفصل 131 من هذا القانون يقول ضمنيا على أن ضباط الشرطة القضائية المشار إليهم طبقا لمقتضيات المسطرة الجنائية، لهم الصلاحية من أجل معاينة هذه المخالفات الواردة في هذا القانون، لكن عمليا لا يتدخل ضباط الشرطة القضائية التابعين للأمن الوطني أو الدرك الملكي، لمعاينة مثل هذه المخالفات إلا نادرا، بالرغم من أنه هناك نوع من التعاون والتنسيق بين ضباط الشرطة القضائية مع الأعوان، ( الضباط في بعض الأحيان عندما يتلقون الشكايات أو الوشايات أو عند معاينتهم لمخالفة طبق لهذا القانون، فإنهم يتصلون بالأجهزة المختصة لان لهم اختصاص تقني) .

خامسا: المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي
كما هو معروف في القانون الجنائي، على أن العقوبة المقررة هي العقوبة المالية والعقوبات الإضافية، بحيث ينص الفص 127 من القانون الجنائي، على ما يلي: « لا يمكن أن يحكم على الأشخاص المعنوية إلا بالعقوبات المالية والعقوبات الإضافية الواردة في الفقرات  5 و6 و7 من الفصل 36 من هذا القانون»

وبالرجوع إلى الفصل 36 نجد هذه العقوبات الإضافية هي :

5_ المصادرة الجزئية للأشياء المملوكة للمحكوم عليه، بصرف النظر عن المصادرة المقررة لتدبير وقائي في الفصل 89.
6_ حل الشخص المعنوي.
7_ نشر الحكم الصادر بالإدانة.
ومن خلال قراءة نصوص القانون 36,15 وبالضبط في الفرع المتعلق بالعقوبات لا نجد أي مادة تقضي أن تنص صراحتا على العقوبة المقررة للشخص المعنوي وبالخصوص العقوبات الإضافية، كالمصادرة التي تعني نقل ملكية مال أو أكثر إلى الدولة، وقد يكون هذا المال متحصلا من  جريمة أو استعمل في ارتكابها، وكذلك غلق المنشأة على اعتبار أن هذا التدبير من الجزاءات العينية والذي يتمثل في منع المنشأة من مزاولة نشاطها في المكان الذي ارتكبت فيه أو بسببه جريمة متعلقة بالنشاط الذي ألحق ضررا بالبيئة، باستثناء  ما نص عليه المشرع في بعض المواد من هذا القانون. 

ولا سيما في المادة 150 في فقرتها الأخيرة حيث جاء فيها ما يلي “… وإما بمنع استعمال المنشآت التي هي مصدر التلوث.”

فالسؤال المطروح هنا وخاصتا عند استقراء المادة 137 من هذا القانون التي جاء فيها ” يعاقب بالحبس من شهر غلى سنة وبغرامة من 6000 غلى 25000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، ما عدا إذا أتثبت الوسائل  المستعملة تكييفا جنائيا أخطر، كل من هدم جزئيا أو كليا، بأية وسيلة كانت…” هل يفهم من أنه إذا ارتكبت مخالفة مقتضيات هذه المادة من طرف شخص طبيعي فالعقوبة هي إما عقوبة حبسية أو عقوبة مالية، وبالنسبة للشخص المعنوي فالعقوبة هي عقوبة مالية، على اعتبار أن القانون الجنائي نص على العقوبات المقررة للشخص المعنوي. 

المشكل هو أن هذا القانون لم ينص صراحتا في بدايته على نطاق التطبيق بمعنى على من يطبق هل على الّأشخاص الفرديين فقط أم كذلك الأشخاص المعنوية كذلك، بالرغم أنه أشار في الفصل الثاني المتعلق بشروط حفر الأتقاب، المادة 114 التي أكدت على أنه” لا يمكن أن يقوم بأشغال إنجاز أو تعميق أو إصلاح الأثقاب بهدف البحث عن الماء أو جلبه إلا الأشخاص الذاتيين أو الاعتباريين…”

سادسا : العود

فبخصوص حالة العود السؤال المطروح هنا، هل قصد المشرع بحالة العود تلك المنصوص عليها في القانون الجنائي؟ لان عند تمعننا لمجموعة من مواد هذا القانون 36.15  التي تضم حالة العود، نجد بأن المشرع لم يحدد صراحتا ذلك، لان فكرة العود يختلف فهمها من رجل قانون وشخص عادي، فالعود عند القانوني يجب أن تتوفر شروطه التي أقرها المشرع في القانون الجنائي، ولكن عندما يسمعها شخص عادي يولد في دهنه أن العود هو إعادة ارتكاب نفس الفعل مرتين.

العود ليس عقوبة بل هو ظرف من ظروف تشديد العقوبة الأصلية… ولا حاجة لإدراجه هنا بصيغة العقوبة المترتبة عنه، فحالة العود يجب أن تتوفر فيها شروط ، أي ينبغي أن يكون هناك صدور حكم حائز لقوة الشيء المقضي به، وأن ترتكب الجريمة الجديدة داخل أجل معين، وأن تكون الجريمة المرتكبة ضمن المجموعة التي اعتبرها المشرع حالة عود، بمعني أن تكون متماثلة،(10).

فعندما قال المشرع أنه في حالة العود يمكن أن تضاعف العقوبة، هل معنى هذا أنه إذا ارتكبت الأفعال المخالفة للمادة 65 وحكم على الشخص المخالف بحكم حاز قوة الشيء المقضي به، ثم ارتكب مخالفة أخرى مثلا مخالفة الفقرة 7 من المادة 28، لان هذا فعل أخر، هنا في هذه الحالة هل سنعتبره في حالة عود؟

الجواب أنه لكي يكون الشخص في حالة عود كان بالمشرع أن يقول أن مخالفة الفقرة 7 من المادة 28 ومخالفة المادة 65 هما مخالفتين متماثلتين، وبالتالي لا يمكننا أن نستنبط التماثل من هذه المواد، وبالتالي فالمشرع قصد بالعود في هذا القانون هو تكرار الفعل مرتين أو أكثر.

بخصوص المادة 142 من هذا القانون، صياغتها أتت كالتالي «تؤمر وكالة الحوض المائي بإغلاق النقط المائية التي تصبح غير قانونية أو قد تكون منجزة بدون ترخيص…» وفي الفقرة الثانية من هذه المادة تحدث المشرع … توجيه إعذار يمكن تخفيض أجله في حالة الاستعجال إلى أربع وعشرين ساعة،…».

وبالتالي نتساءل عن الفرق بين كلمة «تؤمر» و «اعذار».

هنا جزاء إداري وهو الإغلاق ولكن المواطن له عملية الطعن،( لان الإدارة عندما تخرج عقوبة إدارية أو بالأحرى جزاء إداري، فإنها تخرج قرار وهو كأي قرار إداري قابل أن يطعن فيه).

يجب أولا، يتلقى الأوامر أو تلقي الإعذار لكي يتمكن من القيام بالطعن في الوقت المناسب، إما من أجل إيقاف التنفيذ أو من أجل إلغائه بشكل نهائي وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه. 

تتمة المادة «… إذا وقع داخل المدارات السقوية المعدة والمجهزة من طرف الدولة…» فهذه المدارات خاضعة لنظام خاص لها ينظمها من حيث تجهيزها وتفويتها للأشخاص، وفي حالة ضبط جلب غير مرخص أو…، أو سرقة الماء هنا المشرع أعاد استعمال مصطلح سرقة لان ليس هناك سرقة بالمعنى القانوني.

المخالف يؤدي إتاوة إضافية قدرها ضعف الإتاوة العادية لأن استغلال هذه المناطق يقابله أداء مبلغ مالي، تقدره الإدارة مثل كراء ولكن هو ليس بكراء، ولكن تمكنه من الاستغلال مقابل مبلغ مالي يؤدى بشكل دوري ومحدد المبلغ، ويتم احتساب الأمتار المكعبة التي يتعين أداء الإتاوة عنها بطريقة جزافية ( يعني تقدير جزافي غير مبني على حساب دقيق للماء المستخدم) بافتراض أن الصبيب المجلوب بصفة غير قانونية قد وقع بصفة مستمرة خلال العشر أيام السابقة لضبط المخالفة.

وفي حالة العود يتعرض المخالف لعقوبة من نفس الدرجة إلا أن الإتاوة المطبقة تنتقل من الضعف إلى ثلاثة مرات من الإتاوة العادية، هنا ليس عقوبة بالمعنى الجنائي وإنما جزاء وذكر في المادة «…من نفس الدرجة…» ليس هناك دراجات لكي يذكر من الدرجة.

ثم إذا عاد من جديد، فإن المخالف يمكن حرمانه من الماء إلى حين نهاية موسم السقي الجاري.

هذه المادة كلها تتعلق بتدابير إدارية تتخذها الإدارة بالنسبة للدين ينشئون نقط ماء غير قانونية.

بقي أن أشير في الأخير إلى محتويات المادة 143 من هذا القانون، والتي تعاقب مخالفة مقتضيات الفقرة 3 و 9 من المادة 28 أعلاه وفي المواد 20 و96 و 117 بغرامة تساوي عشر مبلغ الأشغال تقدره وكالة الحوض المائي.

وبالرجوع إلى المادة 20 وفي بدايتها، فهذه المادة تخاطب الإدارة، ومن يمكن أن يخالف هذه المادة هي الإدارة، ولكن إذا أردنا أن نفهم محتويات هذه المادة يجب تأويل هذا النص من أجل فهم بأن المشرع في المادة 20 الجزء الأخير منها هو المعني بالمخالفة، بمعنى أنه في حالة توجيه الإدارة إلى شخص ما إنذار أو إعذار من أجل القيام بأعمال أو هدم أو قطع في المناطق الخاضعة للارتفاقات، فعليه أن يستجيب، فإذا لم يستجب تطبق عليه مقتضيات المادة 143من هذا القانون .

هنا المواطن لكي لا يكون محل مخالفة مقتضيات المادة 20 يجب أن يوجه إلى الإدارة طلب من أجل إزالة أغراس أو بنايات بجوار نهر أو مجرى ماء، فإذا امتنعوا، أعطى المشرع آلية أن يتدخل المواطن ويقوم بالإجراءات الإدارية وكذا إجراءات التبليغ ويمارس عملية الهدم أو القطع، وبعد ذلك توجيه إرسال إلى الإدارة من أجل المطالبة بأداء تكاليف العملية ( الهدم أو القطع) هذا إجراء إداري وهو بذلك أفضل من الإجراء الجنائي.

فالغريب في هذه المادة هو أن من كان له ملك شخصي بجانب مجاري الماء والبحيرات…، تحرمه الإدارة من حقه في الاستعمال باعتباره من الحقوق الشخصية، لان الإدارة هي محتاجة إلى مسافة بجانب هذه المجاري يكون الغرض منه تمكين أعوان واليات الإدارة أو المؤسسات العمومية المختصة من حرية المرور وكذا من وضع مواد الكحت أو من إنجاز أشغال تكتسي طابع المنفعة العامة.

فالإدارة تلزم الشخص بإزالة كل ما يوجد بجانب المجاري، وفي حالة عدم إزالته فالإدارة تقوم بإزالته على نفقة المخالف، وتخضع الفرد إلى عقوبة،  حسب المادة 143 من هذا القانون، معنى ذلك أن الأشخاص المجاورين للأنهار أو لمجاري المياه أن عقاراتهم تتحمل حقوق ارتفاق، فهم مطالبون بالمساهمة بجانب الإدارة في تحمل تكاليف ذلك الارتفاق، وإذا لم يستجيبوا فإنهم يعاقبوا إداريا،  وكذلك عقوبة وفق المادة 143، هنا وكالة الحوض المائي تحيل الملف على النيابة العامة لتتخذ فيه الأمر بالمتابعة وعندما تحيل الملف تقدر الإدارة  ما اعتبرته المبلغ الإجمالي للأشغال وكذلك عشره وتضيفه إلى التقرير الذي تحيله على النيابة العامة والمحكمة تقرر الإدانة بناء على ما قدرته الإدارة، هل من المعقول أن يكون تقدير العقوبة التي تطبق على المواطنين من الإدارة والتي ينبغي أن يتكفل بها المشرع تبعا لمبدأ الشرعية، والقاضي هنا لا يحكم إلا إذا توصل من طرف الإدارة بما قدرته.

فالمادة 143 عندما تمارس من قبل القضاء فيمارسها بشكل خطير  وهذا فيه إخلال بالمنطق العام للقانون الجنائي والمسطرة الجنائية  بوجه عام، فليس من حق المشرع أن يجعل تحديد العقوبة عمل تقوم به الأجهزة الإدارية، والحال أن هذه الطريقة لا تضمن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون الجنائي فتحديد العقوبات هي من اختصاص المشرع حصريا.

والمشرع في هذه المادة أوكل لجهة إدارية أمر أو مهمة تكملة عمله، وفي الواقع العملي سنجد على أنه يحول دون ممارسة القاضي لسلطته في تحديد العقاب، وهذا كله يشكل خطر، وبالتالي يتضح بأن هذا لم يكن مقصودا.

كما أن المادة  150 من هذا القانون، تنص على تحديد أجل للمحكوم عليه من أجل الامتثال للالتزامات عن الأنظمة الجاري بها العمل، وفي حالة عدم القيام بذلك، يتعرض المخالف لغرامة.

والملاحظ من خلال هذه المادة هو أن الشخص تطبق عليه العقوبة الواردة في المادة 147 وهي من 10000 إلى 500000 وحسب هذه المادة،  فإن المحكمة يمكن أن تحكم على المخالف بالقيام بالأشغال أو التجهيزات أو الواجبات داخل الأجل المحدد وفي حالة عدم القيام بذلك يكون معرض لغرامة أخرى وهي من 10000 غلى 50000 درهم، كما أن نفس المادة تتحدث عن الحكم الذي تصدره المحكمة  المتمثلة في الغرامة التهديدية والتي لا يتجاوز مبلغها عن كل يوم تأخير 4000/1 حيث أن الغرامة التهديدية لا يمكن إصدارها إلا من أجل إجبار الشخص على تنفيذ التزاماته ولا تشكل عقوبة زجرية.

سابعا: الصلح في هذا القانون.

يعتبر مبدأ الصلح أو المصالحة من التقاليد النافذة في التراث الديني والثقافي المغربي، حيث كان رب القبيلة أو رب الأسرة يلعب دور الوسيط في حل النزاعات العائلية والمالية والفلاحية التي تنشأ بين أفراد الأسرة أو القبيلة.

 وأسوة بالعديد من التشريعات المقارنة عمد المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية إلى تبني مبدأ الصلح بالمادة 41 من ق.م.ج  كآلية حديثة وحضارية لاستبدال العقوبة السالبة للحرية ولفض النزاع قبل تحريك الدعوى العمومية، وتكمن إيجابيات هذه المسطرة في عدة مزايا منها تخفيف العبء على المحاكم وربح الوقت، وجعل القضاء يركز مجهوده على القضايا الأساسية، وتخفيف الاكتظاظ الذي تعاني منه السجون وتحقيق نوع من التوازن بين حقوق الإنسان وحقوق المجتمع.

ترى الدراسة أن القوانين الجنائية كلها من النظام العام ولا يملك الأطراف صلاحية تحديد نطاقها للاضطراب الاجتماعي الذي قد تخلقه، وفي جرائم معينة فإن المشرع، ونظرا للطابع الاجتماعي والأسري الذي يهيمن عليها، سمح للأطراف بإبرام مصالحة بشأنها يترتب عنها وضع حد للمتابعة، و من أهم هذه الجرائم الواردة في القانون الجنائي قضايا إهمال الأسرة  (الفصل 481 من ق.ج)، الخيانة الزوجية (الفصل 491 من ق.ج) والسرقة بين الأقارب (الفصل 535 من ق.ج) فهذه الجرائم لا تحرك المتابعة بشأنها إلا بناء على شكوى من المجنــي عليه و يؤدي التنازل عن الشكاية إلى انقضاء المتابعة وسقوط الدعوى العمومية.

بالرجوع إلى المادة 4 من قانون المسطرة الجنائية نجد  أنها حددت الأسباب التي تسقط بها الدعوى العمومية ومن بين هذه الأسباب “الصلح”، ولكن قيدته بأن يكون منصوص عليه في قوانين خاصة، وهو ما ثم التنصيص عليه في مجموعة من القوانين الخاصة، أبرزها:

ظهير 10 أكتوبر 1917 المنظم لحفظ الغابات واستغلالها، أو في كل من ظهير الشريف 14 غشت  1923 المتعلق بمراقبة الصيد والظهير الشريف 13 يونيو 1922 المتعلق بالصيد في المياه البرية، وكذا قانون 29.05 المتعلق بحماية أنواع النباتات والحيوانات المتوحشة ومراقبة الاتجار فيها .

كذلك المشرع المغربي تطرق إلى مسألة الصلح في القانون الجديد للماء 36.15 ولكن عبر عنه بمسطرة تحويل الأحكام الواردة في قانون رقم  11.03 المتعلق بدراسة التأثير على البيئة، إلا أن المشرع في هذا القانون اشترط من أجل إجراء هذه المسطرة ( تحويل الأحكام) إلا بعد النطق بالحكم النهائي كما لا يمكن لقيمتها أن تكون أقل من قيمة الغرامة المنصوص عليها في القانون.

وبالرجوع إلى الصلح أو المصالحة كما عبر عنها المشرع المغربي في الجرائم الغابوية نجده يختلف تماما عن الصلح الوارد في قانون الماء.

حيث نص المشرع على المصالحة وجعله بيد إدارة المياه والغابات كطرف في النزاع وكجهة موكول إليها إجراء الصلح وبعدما يتم ضبط المخالفة الغابوية من طرف أعوان إدارة المياه والغابات وتحرير محضر بشأنها، يتم إرسال هذا المحضر مرفوق عند الاقتضاء بمحضر الحجز إلى أقرب مركز غابوي المجاور للمنطقة التي يتم فيها ضبط المخالفة داخل أجل 10 أيام من أيام العمل الموالية لتحريرها، وبعد ما يتم ضبط مخالفة غابوية من طرف أعوان إدارة المياه والغابات وتحرير محضر بشأنها، يتم إرسال هذا المحضر مرفوق عند الاقتضاء بمحضر الحجز إلى أقرب مركز غابوي، وعندما يصل المحضر إلى مركز المحافظة وتنمية الموارد الغابوية يتم دراسة هذا المحضر من جميع جوانبه مدة 10 أيام، هنا يمكن للمخالف التقدم بطلب المصالحة وفي حالة الإقناع بالتصالح يأمر ممثل الإدارة المخالف بتقديم طلب إجراء التصالح بشأن الجنحة الغابوية، فإذا ما تم توصل ممثل الإدارة بكل من طلب التصالح والالتزام الذي التزم به المتصالح يكتب ممثل الإدارة مبلغ التصالح في ورقة عادية ويأمر المتصالح بأداء المتفق عليه والذي يشكل مقابل التصالح لخزينة الدولة ( قابضة أو دار الضرائب).

ولكن الصلح الوارد في قانون الماء الذي أحال إلى مسطرة تحويل الأحكام الواردة في قانون 11.03 ، يختلف تماما عما جاء في الصلح الوارد في ظهير الغابات، بحيث أن المادة 73 من قانون رقم 11.03، تشترط أن يتم النطق بالحكم النهائي من أجل الصلح والشرط الثاني المتمثل في أن لا يمكن لقيمتها أن تكون أقل من قيمة الغرامة المنصوص عليها في القانون.

فالسؤال المطروح هنا ما الهدف من إجراء الصلح بعد صدور الحكم؟ وكذلك بالنسبة للشرط الثاني المتمثل في أن مبلغ الصلح لا يمكن أن يقل عن الغرامة المنصوص عليها في القانون، فالأفضل أن يتم تأدية مبلغ المخالفة عند النطق بالحكم دون إجراء الصلح.

خاتمة :

مما لا شك فيه أن قانون الماء الجديد الذي نسخ القانون القد يم رقم 10.95، يعتبر جزءا مهما من سلسلة من القوانين التي أصدرها المشرع المغربي لتغطيته للمجال البيئي، بالرغم من عدة انتقادات التي وجهت إلى مجموعة من القوانين البيئية سواء القديمة أو القوانين الحديثة،  وخاصة قانون الماء 36.15، الذي، وإن كان قانون جد ي، ولكن العلة التي أنيط بها نظام التجريم في هذا القانون،  فقط بالدرجة الأولى ردع كل من لم يمتثل  لأوامر الإدارة المكلفة بتدبير الملك العموم المائي وبالتالي، ولو أنه قانون الماء فهو لا يحمي الماء، وعدم انسجام بعض أحكام قانون الماء مع طبيعة قواعد القانون الجنائي وما يتطلب فعله وخاصة في ما يتعلق بقانون الماء هو الإسراع  في إخراج النصوص التطبيقية لهذا القانون، على اعتبار أنه لا زال العمل بالنصوص التطبيقية للقانون القديم (10.95)، بحيث  أن اغلب نصوص هذا القانون ستبقى حبيسة الورق في انتظار صدور النصوص التطبيقية.

 

__________________________________________

الإحالة

1_ ظهير شريف رقم 154_95_1، صادر في 18( من ربيع الأول 1416)، الموافق ل (16 غشت 1995)، بتنفيذ القانون رقم 10,95 المتعلق بالماء، (الجريدة الرسمية بتاريخ 24 ربيع الآخر 1416، 20 سبتمبر 1995).

2_قانون رقم 15-36 بموجب الظهير الشريف رقم1.16.113الصادر في 6 ذي القعدة1437 (10أغسطس2016) والذي تم نشره بالجريدة الرسمية عدد 6494 ( 25 أغسطس 2016.

3_ ظهير شريف رقم 1.11.152 صادر في 16 من رمضان 1432 ( 17 أغسطس 2011 ) بتنفيذ القانون رقم 10.11 القاضي بتغيير وتتميم الفصل 517 من مجموعة القانون الجنائي.

4_  ظهير شريف رقم 1.00.175 صادر في 28 من محرم 1421 (3 ماي 2000) بتنفيذ القانون رقم 15.97 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية، الجريدة الرسمية عدد 4800 بتاريخ 28 صفر 1421 (فاتح يونيو 2000)، ص 1256

5_ راجع المادة 135 من قانون رقم 36.15 المتعلق بالماء.

6_ أنظر، يوسف وهابي ـ العدالة  الجنائية  بين  التثبيت  والتحديث  ـ مقال  منشور بمجلة الإشعاع ـ العدد 26ـ دجنبر 2002 ـ الصفحة 111.

7_ ظهير شريف رقم 1.02.255 صادر في 25 من رجب 1423    (3 أكتوبر 2002) بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجريدة الرسمية عدد 5078 بتاريخ 27 ذي القعدة 1423 (30 يناير2003)، ص 315.

8_ المادة 134 من قانون المسطرة الجنائية، المتعلقة باستنطاق المتهم.

9_ المادة 60 من قانون المسطرة الجنائية، التي أشارت إلى شروط التفتيش.

10__ الفرع 4 من مجموعة القانون الجنائي، النصوص 154_160.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى